اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في آخر سورة محمد صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ * إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:33-38].
هذه الآيات الكريمة من آخر سورة محمد صلى الله عليه وسلم - وهي سورة القتال - يخبرنا الله سبحانه تبارك وتعالى فيها عن حال الكفار، وعن حال المؤمنين.
الكفار الذين يصدون عن سبيل الله ويشاقون الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا يقدرون على شيء إلا بما يشاء الله سبحانه تبارك وتعالى.
الله خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن، ولو شاء لم يخلق الكفار أصلاً، ولكن أراد أن يبتلي العباد بعضهم ببعض، ليبلوكم حتى يميز الخبيث من الطيب.
فالذين كفروا بالله، وبرسل الله عليهم الصلاة والسلام، وصدوا عن سبيل الله، ومنعوا من يدعو إلى الله ومنعوا الرسول من تبليغ رسالة ربهم، شاقوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وعاندوه، ومنعوه أن يدعو إلى ربه سبحانه من بعد ما تبين لهم الهدى، فليس لهم عذر عند الله سبحانه، فقد عرفوا الحق وأقام الله عز وجل عليهم الحجة، فهؤلاء مهما عملوا لن يضروا الله شيئاً.
قد يصاب المؤمنون بأذى من هؤلاء، أما أن يؤذوا ويصيبوا ربهم سبحانه بالضرر فهذا مستحيل، والله القوي العزيز، والقاهر الغالب الجبار سبحانه تبارك وتعالى.
لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] إذاً: أعمالهم يجعلها هباء منثوراً مهما كادوا لدين الله، فيأبى الله إلا أن يظهر دينه، ولن يضروا إلا أنفسهم، وكذا كل إنسان كافر فاجر عاص ضرره على نفسه.
الحياة الدنيا حياة قصيرة، فمهما ضروا المؤمنين فيها إما أن هذا الضرر يزيله الله عز وجل، وإما أن يذهب هذا الكافر ويقتله الله سبحانه، وإما أن يموت المؤمن ويرجع إلى ثواب الله عز وجل.
فالضرر لن يدوم الدهر أبداً، ولكن الذي يدوم هو عذاب الله عز وجل وناره، وثواب الله وجنته سبحانه، فلذلك مهما يكون من ضرر على المؤمنين في الدنيا فليس ضرراً دائماً أبداً.
ولذلك أخبر أن هؤلاء سيحبط أعمالهم التي عملوها، هم يكيدون للإسلام والمسلمين والله يأبى إلا أن يتم نوره.
فمهما كادوا أحبط الله عز وجل عملهم، ومهما عملوا من أعمال في ظنهم أنها أعمال صالحة إذا جاءوا يوم القيامة أحبطها الله ولم يؤجروا عليها؛ لأنهم كفروا بالله وكذبوا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
أما المؤمنون فيعلمهم الله سبحانه تبارك وتعالى أن يطيعوا الله، وأن يطيعوا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ويحذرهم أن يبطلوا أعمالهم.
فالمؤمن عمله يتقرب به إلى الله، والله يعطيه الأجر المضاعف الحسنة بعشرة أمثالها، ويضاعف الله لمن يشاء أضعافاً كثيرة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] لا تكونوا كهؤلاء الكفار الذين أحبطنا لهم أعمالهم بكفرهم، وبصدهم عن سبيل الله.
فاحذر أيها العبد المؤمن أن تقع في الشرك بالله.. أن تقع في الصد عن سبيل الله.. أن تعجب بعملك.. أن تفتخر به.. أن تمن على الله عز وجل بما عملت وإلا حبط عملك بذلك، إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً وله خالصاً سبحانه.
ولذلك كان يكثر النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه أن يدعو: (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) .
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكثر ما تدعو بذلك! فيقول: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) سبحانه تبارك وتعالى.
كذلك المؤمن يحتاج أن يثبت على دين الله عز وجل، ولا يكون ذلك إلا في أن يتصل بربه سبحانه.. بصلاته.. بعبادته.. بدعائه.. بتوحيده ربه سبحانه تبارك وتعالى.. بأمره بالمعروف.. بنهيه عن المنكر.. بطاعته لله.. بطاعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. بحبه لدين الله عز وجل.. بالدعوة إلى هذا الدين العظيم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد:33] أطيعوا الله سبحانه، ومن طاعتكم لله طاعتكم للرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يأت بشيء من عند نفسه وإنما ينطق بوحي من الله سبحانه.
وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] احذروا، فلما قدم أن الكفار يحبط الله أعمالهم بكفرهم وشركهم كأنه تحذير للمؤمن أن يرتد عن دين الله سبحانه، وأن يقع في الشرك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه) .
وحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقع في الشرك، ولكنه يعلم المؤمنين أن يقولوا ذلك، وأن المؤمن يثبت على توحيد الله عز وجل، فلو وقع في الشرك الأكبر أو الأصغر أو وقع في الشرك الخفي أحبط الله عز وجل ما يكون فيه شرك من عمله، فحذر الله المؤمنين من أن يحبطوا عملهم.
فإن صد غيره كانت المصيبة أعظم، فالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، صدوا أنفسهم وصدوا غيرهم، ومنعوا الرسل من تبليغ رسالات ربهم، ومنعوا الدعاة أن يدعوا إلى ربهم.
(ثم ماتوا وهم كفار) أي: على الصد عن سبيل الله (فلن يغفر الله لهم) مصيبتهم مصيبة الذي لا يغفر الله له، فلا ينتظر من الله إلا العذاب الأليم، وإلا النار والجحيم.
فيها إخبار أن المؤمن لا بد أن يكون قوياً، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] لا تركن إلى الضعف، لا تكن ضعيفاً، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، إن أصابك شيء لا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) .
فيعلم الله عز وجل المؤمن أن اثبت على دينك.. اعتصم بالله سبحانه تبارك وتعالى.. احذر من العجز .. لا تعجز.. أعد لكل أمر العدة التي تكون له وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم.
فكلما كان المؤمنون أقوياء خاف منهم الأعداء، لا يخاف العدو من مؤمن مسالم، يقول: نحن في أمن وسلام، ونحن نريد الصلح مع الجميع، الكافر لا يفعل ذلك، لو فكر المسلمون هل الكفار في أمريكا وفي أوروبا وفي غيرها يدعون إلى السلام؟ لو كانوا كذلك ما صنعوا السلاح النووي والمسابقات في حرب النجوم من أجل الصعود إلى الفضاء والسيطرة على الكون، فمن لا يفهم هذا الأمر فهو جاهل.
فالكافر يعيبك ويعيرك بالشيء الذي يفعله هو، فيمدح نفسه به ويذمك أنت عليه، أنت تريد أن تصنع السلاح النووي؟ ماذا تريد أن تفعل بهذا الشيء؟ فإن قيل: أنت عندك نفس هذا الأمر! يقول لك: لا، أنا أعقل منك، أنا في يدي هذا الشيء، لكن أنت حكمك أنك طفل، فممكن أن تلعب بها فتحرقك أما نحن فكبار! ولذلك يفتخر الأمريكيون المدنيون ويقولون: نحن أطول الناس قامة! ما معنى هذا الكلام من هؤلاء؟ نحن أطول الناس قامة أي: ننظر إلى قدام نحن أطول منكم نظراً، والطويل في وسط الناس ينظر قدامه، لكن أنتم صغار لا تنظرون إلى الذين قدامكم، فأنتم تمنعون عن الرؤية، هذا كلامهم.
يستغفلون العرب والمسلمين ويخدعونهم، ويضحكون عليهم بمثل هذا الكلام، ولا يكون معكم سلاح أبداً، نترك لكم إسرائيل في النصف معها كل الأسلحة، والدفاعات التابعة لكم دفاعات قليلة لأجل ألا تفكروا في يوم من الأيام أن تقاتلوها أو تعملوا فيها شيئاً.
انظر إلى الضعف الذي فيه المسلمون! لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) .
والغثاء: الزبالة، السيل عندما يجري يأخذ الزبالة فتتفوق على السيل الذي يحصل في أي مكان، انظر إلى السيل الذي كان في أندونيسيا، الغثاء كان فوقه فيقول: أنتم غثاء وعدد كثير، ولكن مثل هذه الزبالات التي تكون فوق الماء حين يجرفها، فلا قيمة لها ولا تصنع شيئاً. (وليقذفن الله في قلوبكم الوهن حب الدنيا وبغض الموت) .
المسلمون يتكلمون: نحن مسالمون مثل العجائز والشيوخ الكبار الذين ما لهم حاجة يقولون: دافعوا أنتم عنا.. واعملوا أنتم ما تشاءون!
ويقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] أين الولاية؟
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] الولاية التي بين المؤمنين هي: الولاء والبراء، المؤمن يحب المؤمن وينصره ويدافع عنه، والكافر كذلك مع الكافر، وإن لم تكن هناك محبة قلبية منهم، والذي يجمعهم هو الدنيا فقط، والله عز وجل يقول: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] يجتمعون عليه صلى الله عليه وسلم.
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:8] يقول لك كلاماً طيباً جميلاً بلسانه فقط، أما ما في القلوب فهم يبغضون الإسلام والمسلمين، ويفعلون ما يقدرون عليه؛ حتى يوهنوا المسلمين فلا يقدرون أن يدعوا إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.
فهم يحاولون أن يبثوا الفرقة والخلاف بين المسلمين، ويسارعون للإفساد والدخل بين المؤمنين، فإذا أنت حرصت على نفسك فهذا مستحيل أن يكون.
فَلا تَهِنُوا [محمد:35] هذا أمر الله عز وجل للمؤمن: لا تعجز.. لا تهنوا.. لا يكن في قلوبكم الوهن والضعف.
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [محمد:35] أنت الأعلى عند الله عز وجل، أنت المؤمن، أنت الذي يعد الله عز وجل لك الجنة لماذا تكون ضعيفاً في هذه الدنيا؟!
لماذا أنت تضحك على نفسك وتخدعها وتقول: أنا لا أقدر على هؤلاء؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لوحده، فلو أن الإنسان بعقله البشري فكر فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه كان لوحده أمام هذا الجمع من الكفار، ويقدر عليهم بقدرة الله، لم لا تعتبرون بذلك من أن الله كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ رسالة الله سبحانه؟! وكم أوذي في الله سبحانه تبارك وتعالى وصلوات الله وسلامه عليه فصبر حتى بلغ رسالة الله عز وجل!
كم جاهد المؤمنون ودافعوا عن دين الله حتى وصل الدين إلى مشارق الأرض ومغاربها، فيقول لنا ربنا: لا تهنوا، لا تعجزوا، لا تضعفوا.
وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [محمد:35] هذه فيها قراءتان: قراءة الجمهور بالفتح (وتدعوا إلى السَّلمِ) وقراءة شعبة عن عاصم وحمزة وخلف (وتدعوا إلى السِّلمِ) أي: المسالمة، وهما بمعنى واحد السلم هو الاستسلام، لا تدعوا إلى ذلك وأنتم ضعفاء، ولكن كونوا أقوياء حتى لا تتحكم فيكم الدنيا وأصحاب الكفر.
قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ [طه:45] الخوف جبلي في الإنسان إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا [طه:45-46] لماذا لا تخافا؟ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] أنا معكما بسمعي وبصري، معكما بقوتي وقدرتي؛ فلا تخافا.
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد:35] فالمعية ليست لموسى وهارون فقط، وليست للنبي صلى الله عليه وسلم فقط، ولكن لكل المؤمنين، الله مع المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، فاتقوا ربكم يكن ربكم معكم.
قال: وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ [محمد:35] أي: لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم، ولن يضيع الله عز وجل عليكم ثواب ما عملتم، مهما عملتم من عمل قليلاً كان أو كثيراً، صغيراً في نظركم أو كبيراً، كله عند الله يدخره لكم ويعطيكم الثواب عليه.
وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ [محمد:35] هذه مأخوذة من الوتر بمعنى: الواحد، والوتر بمعنى: الانفراد كأنه يقول: لن يفردكم عن أعمالكم، كأن إنساناً أفرد الإنسان عن صديقه، أخذ صديقه بعيداً وتركك أنت في مكان آخر، كذلك لن يترك ثوابك، لن يأخذ الثواب ليضيعه ويتركك أنت لوحدك من غير ثواب، لا، الثواب لك عند الله عز وجل.
وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35] أي: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم.
إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [محمد:36] المعنى: كم ترى من إنسان جاد في تحصيل هذه الدنيا، وفي النهاية ماذا سيعمل بهذه الأشياء؟ يتركها كلها كأنه كان يلعب، أخذت ما أكلت.. ما شربت.. ما نمت عليه.. أخذت حاجاتك وضرورياتك، والباقي ستتركه كأنك تلعب في أخذ هذا الباقي من الأشياء، فإذا كان الإنسان يجمع الدنيا ويضيع دينه يصير هذا من اللعب، أخذ أشياء لن تمكث معه، وترك الشيء الباقي الذي يدوم له! فضيع على نفسه أفضل الأشياء وأعظمها الدار الآخرة.
إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [محمد:36] فالذي يلعب ويلهو يفوته قطار الآخرة، كإنسان واقف على محطة ينتظر القطار، فشغل بأشياء هذا يبيع منه كذا، وهذا يعطيه كلمة حلوة، وهذا أصغى إليهم ونظر إليهم يضحك ويلعب، فمر القطار وتجاوزه، كذلك عمر الإنسان يضيعه في الضحك واللعب واللهو وأخذ الدنيا، وغداً أتوب.. وأصلي.. وحين يرتفع الراتب أذهب إلى الجامع، وأصير أدعو الله في كذا، وهكذا يوم وراء يوم حتى خرج من الدنيا كلها إلى حسابه وجزائه عند الله عز وجل!
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر