أما بعد:
فحياكم الله -أيها الإخوة- في هذا اللقاء الشهري الذي نتناول فيه شيئاً من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي الخير كله في هديه، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يختص بجانب من حياته، بل هديه هو طريقته ومسلكه، وهو سلوكه وعمله في قيامه وقعوده، وفي سفره وإقامته، وفي معاملته لربه، وفي معاملته للخلق، قال جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة [الأحزاب:21].
أيها الإخوة الكرام! إن موضوعنا اليوم هو موضوع كثيراً ما يطرق الأسماع، وكثيراً ما تلهج به الألسنة، فكم هي المرات التي نتكلم فيها بقولنا: (الله أكبر)؟ وكم هي المرات التي يطرق أسماعنا قول القائلين: (الله أكبر)؟ إن هذه الكلمة أصدق كلمة، وأعذبها، وأحلاها.
(الله أكبر) أبلغ لفظة عند العرب في تعظيم الرب جل وعلا، وتقديره حق قدره جل وعلا.
(الله أكبر) كلمة فيها الخير كله، وفيها الخبر بأن الله أكبر من كل شيء.
(الله أكبر) روى في شأنها الإمام أحمد في مسنده والترمذي رحمه الله في جامعه من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا
رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنوداً
(الله أكبر) -أيها الإخوة- كلمة يعظم بها الرب جل وعلا، عظمة لا تبلغها العبارات، ولا تفي بها القوة البشرية، وإن بالغ العبد مهما بالغ في التنزيه والتحميد والتمجيد والتقديس لرب العالمين إلا أنه لا يفي بحق ربه في التعظيم والتمجيد إلا بمثل هذه الكلمة، فلن يبقى إلا الوقف بأقدام المذلة في حضيض القصور، والاعتراف بالعجز عن القيام بحقه جل وعلا، كما قال سبحانه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]، ما قدر العباد ربهم حق قدره جل وعلا، وهو كما قال عن نفسه: وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية:37]، هذا ربكم الذي له تصلون، هذا ربكم الذي له تقومون وتأتون وتذهبون وتتعبدون، الله أكبر .. الله أكبر القائل: لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:107]، من يتولاكم؟ ومن ينصركم إن خذلكم الله جل وعلا؟
(الله أكبر) -أيها الإخوة- يمسك الله جل وعلا السموات والأرض أن تزولا، يمسك هذه الطباق السبع سبحانه وبحمده بقدرته، وهو على كل شيء قدير، كما قال سبحانه: يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41]، يعني: ما يمسكهما من أحد من بعده جل وعلا، فإذا لم يمسكهما الله، فمن يمسكهما؟! وفي الآية التنبيه على أمر مهم وهو: أن إمساك السموات والأرض من رحمته وحلمه ومغفرته، وإلا فإن العباد شرهم إليه صاعد، وخيره إليهم نازل، فهم يتقربون إليه بالسيئات والمعاصي، والله جل وعلا يتحبب إليهم بالنعم، وحق عليهم أن يؤاخذوا لولا حلم الله جل وعلا ومغفرته ورحمته.
(الله أكبر) إذا طرقت سمعك فتذكر هذه المعاني التي في قوله جل وعلا: رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2] ، تذكر هذه العظمة، وتذكر هذه الصفات عند قولك: (الله أكبر)، فإن الله سبحانه وتعالى قد ملأ كتابه الحكيم بصفاته العظيمة وأفعاله الجليلة وأسمائه الحسنى؛ ليحيا تعظيمه جل وعلا في قلوب عباده، وليقفوا على شيء مما يتصف به ربهم سبحانه وبحمده، فيزدادوا له محبة وتعظيماً، وبذلك يتحقق لهم كمال العبودية، فالعبودية لله جل وعلا تقوم على هذين القطبين: على قطب المحبة لله جل وعلا، وعلى قطب التعظيم، كما قال الشاعر:
فعبادة الرحمن غاية حبه مع بر عابده هما قطبان
فمن لم يكن في قلبه محبة ربه، ومن لم يكن في قلبه تعظيم ربه، فإنه لم يأت بما أمره الله جل وعلا من العبادة في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
(الله أكبر) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الأعراف:54] ، هذه السموات الفسيحة وما فيها من الأفلاك التي لم يقف الناس إلى يومنا هذا على منتهاها، ولم يقفوا على حقائقها، وما زالوا يبحثون، ومع عظيم ما معهم من الآلات والإمكانات لم يقفوا إلا على شيء يسير من خبرها ونبئها، خلقها ربنا جل وعلا في ستة أيام، فالله أكبر! قال سبحانه: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] جل وعلا، والعرش هو ذاك المخلوق العظيم الذي خلقه الله جل وعلا، وخصه دون سائر الخلق بأن استوى عليه وارتفع جل وعلا، لا إله إلا هو الحكيم الخبير.
وقال سبحانه: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [يونس:3]، فهذا هو الذي يستحق العبادة، الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو الذي خص هذا المخلوق العظيم -وهو العرش- بالاستواء، وهو الذي لا شفاعة لأحد عنده إلا بإذنه، وهو أحق من صرفت له العبادة سبحانه وبحمده، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [يونس:3].
(الله أكبر) تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، (تبارك) تعالى وتقدس وتنزه، الذي بيده الملك ملك كل شيء، فكل شيء بيده، وكل شيء له، وكل شيء صائر إليه سبحانه وبحمده.
(الله أكبر) ربنا جل وعلا ملك السموات والأرض بيده، يصرف الكون كيف شاء، كما قال سبحانه: لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:107] ، سبحانه وبحمده، وقال: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] ، وقوله جل وعلا: بيده الملك يدل على كمال التصرف والملك، فلا منازع له في ملكه، ولا منازع له في تصرفه، فإليه كل شيء صائر، وهو جل وعلا عنه كل شيء صادر، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، سبحانه وبحمده، كما قال جل وعلا: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ [آل عمران:26] سبحانك وبحمدك بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] ، فإذا كان هذا شأنه فلماذا تمتلئ القلوب بتعظيم غيره؟!
ينبغي للمسلم أن يمتلئ بهذه الأخبار العظام في صفات الرب الرءوف الكريم الذي له الأسماء الحسنى كما قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وله الصفات العلى كما قال: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [الروم:27] سبحانه وبحمده، وكيف يكون في قلب العبد بعد هذا تعظيم لغير هذا الرب الكريم العظيم الذي تمتلئ القلوب بعظمته، وتُصم الآذان عن ذكر غيره؟!! فهو أحق محمود؛ ولذلك كان المدح من أحب الأشياء إليه؛ لأنه مستحقه سبحانه وبحمده.
(الله أكبر): رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [غافر:15]، رفيع الدرجات فهو العلي الأعلى سبحانه وبحمده، ذو العرش صاحب العرش جل وعلا، والله سبحانه وتعالى خص العرش بالذكر؛ لأنه أعظم خلق الله جل وعلا.
قال تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر:15]، الروح: ما تحيا به الأرواح وهو كتاب الله جل وعلا، وهو الذكر الحكيم والقرآن المبين، وقوله: يُلْقِي الرُّوحَ [غافر:15] أي: الرسالة، مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر:15]، فألقى الله جل وعلا على الرسل بالروح ابتداءً، وعلى من اهتدى بهديهم تباعاً، فهم أتباعهم في تلقي هذا الروح الذي تحيا به الأرواح، كما قال الله جل وعلا: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] ، ما هذه الروح التي يحيا بها الإنسان من موت، وإن كان حي البدن؟ هي الحياة بطاعة الله جل وعلا، هي الحياة التامة التي قال الله جل وعلا عنها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] ، يحيي قلوبكم من الغفلة، ويحييها من الانصراف عن الغاية العظمى التي من أجلها أوجد الله جل وعلا السموات والأرض، وأوجد الجنة والنار، وخلق الإنس والجن، ألا وهي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
(الله أكبر) هو الحي جل وعلا، له الحياة التامة، كما قال سبحانه: هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [غافر:65]، هذه طائفة من صفات ربنا، وهذا جزء يسير من خبر الله جل وعلا عن نفسه في كتابه، فكيف لا تحيا -يا إخواني- في قلوبنا عظمة الله جل وعلا؟! وكيف ننصرف عن عظمته لعظمة غيره؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم من أوائل الرسالة جاء مبيناً عظيم أهمية تعظيم الله جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى لرسوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [العلق:1-3]، فذكر من صفاته ما يحيا به في قلب العبد تعظيم ربه؛ ولذلك كان التعظيم فرعاً عن المعرفة، فمن عرف الله حق معرفته عظمه جل وعلا حق التعظيم، ومن جهل بالله وصفاته وأسمائه وأفعاله لم يكن في قلبه معرفة له جل وعلا معرفة تامة كاملة؛ ولذلك جاء أول أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بذكر الصفات التي ينجذب بها إلى ربه، ويقبل عليه جل وعلا، وهو قوله جل وعلا: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، ربك جل وعلا، السيد، المانع، المتصرف، الذي يربي العباد، ويتدرج بهم درجة درجة، حتى يصلوا إلى درجات كمالهم، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [العلق:1-3]، وهذه الآية بها نُبِّئ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما كونه رسول رب العالمين فذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2]، أي: أنذر قومك الكفر والشرك، أنذرهم العذاب الذي ينتظرهم إذا لم يوحدوا، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:3]، أمره الله عز وجل بتكبيره سبحانه وبحمده، وتكبيره هو: طريق تعظيمه جل وعلا، فـ(الله أكبر) كلمة أمر الله جل وعلا بها رسوله صلى الله عليه وسلم في أوائل إنزال الوحي.
إن قولك: (الله أكبر) استحضار لعظيم الموقف، ثم إنك لا تزال تذكر هذا الذكر (الله أكبر) قائماً وقاعداً .. راكعاً وساجداً، وكل ذلك تذكير لك حتى لا تغفل عما أنت فيه، وعمن أنت واقف بين يديه، فهو الله الذي له الهيبة الكاملة جل وعلا، الذي ذلت له الأعناق سبحانه وبحمده، فتقبل على ربك معظماً ذاكراً مخبتاً خاشعاً لله جل وعلا، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وهكذا ينبغي أن يكون قولنا لهذه الكلمة على الوجه الذي ينبغي أن تقال، وأن يكون في قلب العبد معناها، لا أن تقال باللسان والقلب في كل وادٍ هائم، وفي كل تجارة مساهم، وفي كل عمل مشغول، إن القلب الذي يحصّل هذه الفائدة هو ذلك القلب الذي يدرك معنى قوله: (الله أكبر) في افتتاحه لصلاته، فيدرك أن ربه جل وعلا أكبر من كل شيء.
نُقل عن بعض العبَّاد أنه لما أراد أن يكبر في صلاته رفع يديه فقال: الله، ثم سكت، كأنه جسد بلا روح، إعظاماً لله جل وعلا، ثم أعاد الكلمة مستجمعاً قواه، فقال: (الله أكبر) فكانت لتكبيرته هيبة تنخلع منها القلوب، كما نقل ذلك أصحابه وقرناؤه، إن قلب العبد إذا عظم الله جل وعلا كان لهذه الكلمة أثر عظيم عند النطق بها في أذن من سمعها، وسيأتي توضيح ذلك بعد قليل.
أيها الإخوة الكرام! (الله أكبر) كلمة يعرف بها انقضاء صلاتنا، كما قال ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه البخاري عنه أنه مسلم : (قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير)، فالصلاة تُفتح بالتكبير، ويُعرف انتهاؤها بالتكبير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته سبح الله سبحانه وبحمده، وحمده، وكبره، فكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم انقضاؤها بالتكبير، وهذا يبين لنا أهمية هذا الذكر، وأنت انظر إلى الترتيب البديع في ذكر المصلي بعد الصلاة، فالذكر يبتدئ أولاً بالتسبيح ثم التحميد ثم التكبير؛ لأن الغالب أن البداهة أن تكون البداية بالتسبيح، وهكذا جاء في أكثر الأحاديث، فتقول: (سبحان الله)، ثم تقول: (الحمد لله) ثم تقول: (الله أكبر) وسر هذا الترتيب بين هذه الأذكار الثلاثة أن التسبيح فيه تنزيه الله جل وعلا عن كل عيب ونقص، فقولك: (سبحان الله) أي: أنزه الله جل وعلا، وأقدسه، وأطهره أن يكون في شأن من شئونه نقص أو عيب، ثم بعد ذلك تقول: (الحمد لله) وفيه إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الجميلة للرب جل وعلا، فذاك تخلية، وهذا تحلية، ذاك إزالة لما يمكن أن يُعتقد من نقص في الرب، ثم الحمد فيه إثبات الكمال للرب جل وعلا، وبعد ذلك هل تكون بهذا قد بلغت المنتهى، وحصَّلت المقصود؟ الجواب: لا؛ ولذلك تقول: (الله أكبر)، (الله أكبر) من قولي، (الله أكبر) من تسبيحي وتحميدي، (الله أكبر) من ثنائي وتمجيدي، فتختم ذلك بالتكبير؛ لأن الله أكبر من قولي: الله أكبر، ومن تحميدي وتسبيحي، فهو العلي الكبير، كما قال عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وقال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74]، وقال: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، فربنا جل وعلا له من الصفات ما لا تطيقه العقول؛ ولذلك لم يبين ربنا جل وعلا من صفاته وأسمائه إلا ما تتمكن العقول من إدراك شيء من عظمته سبحانه وتعالى وبحمده.
أيها الإخوة! المصلي إذا قضى صلاته لهج بالتكبير، فهذه العبادة -وهي أجل العبادات- محاطة بالتكبير وبالدعاء في افتتحاها وفي أثنائها، وهي - أيضاً- مختتمة بالتكبير، فكان لا يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير.
(الله أكبر) كلمة أمر الله سبحانه وتعالى بها أهل الإسلام، شكراً لله عز وجل على إحسانه، وشكراً على رزقه وإنعامه؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى في ختام الآية التي ذكر فيها فرض الصيام: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، (لتكبروا الله) أي: لتقولوا: (الله أكبر) (عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي: لأجل ما هدى، فنحن نكبر الله على توفيقه لنا للهداية.
والهداية هنا هي: هداية القلوب إلى دين الإسلام، وهي هداية الإرشاد التي بها يتبين الحق من الباطل، الهداية الكبرى التي يتم بها الإنعام على العبد بأن يهديه الله إلى الصراط المستقيم، وهناك هداية قبل هذه الهداية هي هداية الدلالة والإرشاد، فإن الله سبحانه وتعالى قد هدانا النجدين، وبين لنا سبيل الحق والهدى، وسبل الضلال والردى، فمن سلك سبيل الهدى فقد هداه الله هداية التوفيق، وجمع له مع الإرشاد هداية الإلهام، وهداية الإرشاد هي الهداية التي بها يستبين الحق من الباطل، وتقوم بها الحجة على جميع الناس.
نكبر الله لأجل التعظيم، كما جرى من الصحابة رضي الله عنهم لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ربع أهل الجنة فكبروا، ثم أخبرهم بأنهم ثلث أهل الجنة فكبروا، ثم أخبرهم بأنهم نصف أهل الجنة فكبروا، ولماذا يكبر الإنسان في حال فرحه؟ ولماذا يكبر الإنسان عند ما يلقى أمراً عظيماً يدهشه؟ ولماذا يكبر الإنسان عندما تطير به الطائرة؟
يكبر الله في هذه الأحوال كلها ليملئ قلبه بكبرياء الله جل وعلا؛ وليستولي كبرياء الله عز وجل على قلبه، فإذا استولى على قلبه كبرياء الله اضمحل في قلبه كبرياء كل كبير، فيكون شرف الله جل وعلا وعلوه على كل شرف وعلى كل علو، أليس الله أكبر من كل كبير؟ الله أكبر من كل شيء جل وعلا، وأعظم من كل شيء سبحانه وبحمده.
فـ(الله أكبر) إذا امتلئ بها قلب العبد خرج منه كل كبر وكل غرور وكل رياء وكل ارتفاع وكل علو وكل آفة، وإذا صدق في هذه الكلمة كان لها في قلب السامع أعظم الأثر.
(الله أكبر) كلمة تورث في قلب العبد تعظيم الله جل وعلا، وهو الرب العظيم العلي الكبير سبحانه وبحمده الذي له ما في السموات وما في الأرض، إن هذه الكلمة إذا تأملها العبد وهو يقولها في صلاته، وهو يرددها في أذكاره، وهو يسمعها من المؤذن ويردد مع المؤذن؛ وجدها تغرس في قلبه وتصب في فؤاده تعظيم الله جل وعلا، هذه الكلمة هي أعظم وأجل القربات إلى الله سبحانه وبحمده، كيف لا، وليس شيء أعظم من الله سبحانه وتعالى؟! قال الله تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا [مريم:90]، أي: يتشققن من عظمة الرب جل وعلا، هذه السموات السبع الطباق العظام التي لا يدرك الخلق حقيقتها وكنهها، تكاد تتشقق من عظمة الرب جل وعلا، والله بين لنا عظيم شدتها وقوتها وإحكامها ومع ذلك تكاد تتفطر، أي: تتشقق شقوقاً، وتتحول هذه الاستقامة في هذا البناء إلى شقوق بسبب عظمة الله سبحانه وتعالى، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الشورى:5]، فالله جل وعلا عظيم، أدركت جمادات خلقه عظمته، فكيف بقلوب عباده الذي منَّ عليهم بالعقل والرشد والرأي والرسالة والوحي؟! إنهم أولى وأحرى بإدراك هذه العظمة، وإدراك جلال الله سبحانه وتعالى.
(الله أكبر) كيف تذهل القلوب عن عظمة ربها جل وعلا؟! وقد قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]، ما قدر الخلق حق قدره، ثم بين لنا شيئاً من عظيم القدرة فقال: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] ، روى مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أن الله سبحانه وتعالى يأخذ السموات بيمينه، ويأخذ الأرض بشماله فيقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، هذه عظمة ربنا، هذه السموات وهذا البناء العظيم يكون في قبضته، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة ذلك فاهتز في المنبر تأكيداً لهذا، فقال وهو يشير بيده إلى عظيم قدرة الله جل وعلا: (إن الله يطوي السموات السبع بيمينه، والأرضين بالأخرى، ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، هذه عظمة ربنا جل وعلا، وقد جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- فقال: (يا محمد! إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك) يقول ابن مسعود : (فضحك النبي تصديقاً لقول الحبر)، يعني: أن ما أخبر به هو من الوحي الصحيح الذي لم يحرف في التوراة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].
الله أكبر! كيف تذهل قلوب المؤمنين عن تعظيم ربهم جل وعلا؟ الله أكبر! كيف تغفل القلوب عن تعظيم الرب جل وعلا وقد قال منكراً على الخلق: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13]، كيف لا تعظمون الله سبحانه وتعالى حق عظمته؟! وهذا خطاب من الله لجميع الخلق، أي: مالكم؟ ما دهاكم؟ وما الذي جعلكم لا تخافون مقام الله جل وعلا، ولا ترجون وقاره سبحانه وتعالى، فلا توقرونه ولا تعظمونه؟! مالكم -أيها الناس- تعاملون مالككم وربكم ورازقكم وخالقكم وإلهكم الذي لا إله لكم سواه معاملة من لا يوقرونه ولا يعظمونه؟! قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: (ما لكم لا تعرفون لله تعالى حق عظمته؟!).
(الله أكبر) أيها الإخوة! تحمل المؤمن على أداء الحقوق طيبة بها نفسه، فكم هم الذين شحوا في حقوق واضحة كالشمس؟ إنهم كثير مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)، وقال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح-: (من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)، تصور ذلك الموقف العظيم الذي يحشر الناس فيه حفاة عراة غرلاً أحوج ما يكونون إلى رحمة الله وفضله: (إذا اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)، والصحابة رضي الله عنهم فهموا أن هذا في الأمور الكبيرة، في سلب أرض أو عمارة أو ملايين مملينة فقالوا: يا رسول الله! ولو عود أراك -سواك-؟ قال: (ولو عود أراك) سبحان الله العظيم! يعني: لو تأخذ من أخيك المسلم عود أراك وهو لم تطب نفسه بهذا لقيت الله رب السموات والأرض وهو عليك غضبان، فأين تعظيم الله جل وعلا من هؤلاء؟! أين تعظيم هذا الموقف في قلوب هؤلاء؟! لو أنهم أكرموا الله جل وعلا لكانوا كذاك الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، ففي صحيح الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل. واستمع إلى قصة هذا الرجل ففيها إجلال الله وتعظيمه، مما يدل على أن من عظَّم الله فإن الله معه: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، ذكر أن رجلاً من بني إسرائيل جاء إلى رجل فطلب أن يسلفه ألف دينار، فسلفه، فقال له المسلِف -صاحب المال-: ائتني بالشهداء أشهدهم على هذا القرض، فقال له الرجل: كفى بالله شهيداً -يكفيك شهادة الله جل وعلا- قال الرجل صاحب المال: فأتني بكفيل -يعني: ائتني بمن يضمن المال لو تعذر وفاؤه، أي: ائتني بشخص يكفلك- فقال له الرجل: كفى بالله كفيلاً، فقال له الرجل صاحب المال: صدقت.
فهذا الذي أعطى المال لولا عظمة الله في قلبه ما قبل إلا الشهادة، ولولا أن الله في قلبه عظيم ما قبل ذلك، ولكان يقول: لابد أن تأتي بشهداء وإلا ما أقبل، والمسألة إحسان، ما فيه إلزام، وليس عقداً يلزمه فيه، إنما هو إحسان قرض، وإنما قال: صدقت، فدفع الألف دينار إلى الرجل إلى أجل مسمى، فخرج الرجل المدين إلى البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركباً، يعني: أناساً يسافرون إلى الجهة التي فيها الدائن، التمس مركباً يركبه يقصد به الرجل من أجل الأجل الذي أجله، يعني: الموعد الذي حدده بينه وبين الدائن، فلم يجد مركباً، ولا يمكن أن يخوض البحر سابحاً إلى أن يصل إلى صاحبه، فأخذ خشبة وأدخل فيها ألف دينار -المبلغ الذي يطلبه صاحبه- وصحيفة -يعني: كتاب- كتب فيه لصاحب الدين، ثم رمى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت اقترضت من فلان كذا وكذا فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك -انظر الإشارة إلى التعظيم- وسألني شهيداً، فقلت: كفى بالله شهيداً، فرضي بك، وإني اجتهدت أن أجد مركباً أبعث إليه بالذي له فلم أقدر، وإني استودعكها. أي: أستودعك هذا المال، وأجعله وديعة عندك، فرمى بها في البحر ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركباً يذهب به إلى صاحبه، يعني: ما قال: الذي بيني وبين الله انتهى، بل عاد وهو ينظر متى ييسر الله له مركباً يركبه حتى يذهب إلى صاحبه؛ لأنه يمكن أن هذا الذي بعثه في البحر لا يصل، يقول: ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الدائن الذي كان أسلفه إلى البحر لعله يجد المركب الذي يقدم فيه هذا الرجل ليوفيه حقه لما جاء الأجل، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الرجل المدين إلى صاحب الدين بعد حين، وقال معتذراً عن التأخر: إني اجتهدت في طلب مركباً لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟! فما قال: أنا فعلت كذا وكذا؛ لأنه يتعامل مع الله جل وعلا، ولا يدري هل وصلت أو ما وصلت، وإنما غرضه إبراء ذمته، غرضه أن يقدم على الله وليس في ذمته لأحد شيء، فقال له الدائن: هل كنت بعثت إلي بشيء قبل؟! قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه. قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشداً، لا حاجة لي فيها، والدين الذي عليك قد أديته.
يا إخواني! هذا الخبر الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ما غرضه وقصده؟ غرضه بيان عظمة الله جل وعلا، وأن المعاملة مع الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يخاف صاحبها، ولا يمكن أن يخسر الداخل فيها؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلمة بديعة نفيسة في بيان كيف يتعامل الإنسان مع الناس: (الناس إشكالاتهم كثيرة، ونواياهم مختلفة، وإيمانهم باليوم الآخر على درجات، وإيمانهم بالله وخوفهم منه على درجات، فكيف تسلم مع هؤلاء كلهم وفيهم التقي ومن دونه؟ تسلم بأن تعامل الله عنهم، ولا تعاملهم في الله) يعني: أنت في معاملتك للخلق لا تنظر إلى ما الذي يأتيك منهم، إنما انظر إلى ما الذي يعطيك ربك في معاملتك لهم، وما الذي يأمرك الله عز وجل به في معاملتك للخلق، فإذا كنت كذلك فاعلم أنك فائز في معاملتك، رابح في تجارتك، سالم من شرور الناس، فلا سلامة للإنسان من شرور الناس إلا بأن يلجئ إلى الله عز وجل.
(الله أكبر) كلمة إذا قالها المؤمن صادقاً فجرت في قلبه ينابيع الحكمة، ولقي فيها ومنها خيراً كبيراً لا يقف منه على حد؛ ولذلك تجد التكبير مقترناً بالتهليل لما فيهما من عظيم حق الله جل وعلا، فالعبد يثني على الله جل وعلا ويقدسه ويمجده ويذكره، ولكنه مع ذلك كله يقر بأنه لن يؤدي حق لربه جل وعلا، حتى لو أفرده بالعبادة، حتى لو لم يكن في قلبه سوى ربه جل وعلا، فإنه في كل ذلك لن يفي ربه حقه كما تقدم في ثنايا الكلمة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا تعظيمه، وأن يلقي في قلوبنا محبته، وأن يجعلنا من عباده المتقين، ومن حزبه المفلحين، وأولياءه الصالحين، اللهم اجعلنا لك ذاكرين .. لك شاكرين .. إليك راغبين .. راحلين .. إليك أواهين .. منيبين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المتقين، اللهم وفقنا للبر والتقوى، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى. اللهم إنا نسألك أن تصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا. اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، وارزقنا تعظيمك، واحفظنا -يا رب العالمين- فيما بقي من أعمارنا، اللهم وأختم لنا بخير، وأعنا على الخير، ووفقنا إليه، وحببه إلينا يا رب العالمين!
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أمر الله جل وعلا رسوله وأهل الإيمان في هذه الآية -آية العز- بأن يعظموه فقال: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، قال ذلك بعد أن ذكر لنا من صفاته وعظيم ما أخبر به عن نفسه ما يبعث في القلوب عظمة رب العالمين سبحانه وبحمده، فهو الذي له الحمد كله، كما قال في أول هذه الآية: َقُلِ الْحَمْدُ لله [الإسراء:111]، وإنما يحمد لعظيم صفاته، وعلى أسمائه، وجميع أفعاله سبحانه وتعالى، فإنه إنما يستحق الحمد من كانت له الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الجليلة، فإنه بهذا يستحق الحمد: َقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا [الإسراء:111]، فهو ليس بحاجة إلى ولد: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [ الإسراء:111]، فليس له مشارك في هذا الملك ينازعه أو يقاسمه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ [الإسراء:111]، فلم يتول عباده، ولم يتقرب إليهم، ولم يحبهم لحاجته إليهم، بل هو الغني الحميد سبحانه وبحمده، وإنما يحبهم ليوصل إليهم إحسانه، وليبرهم جل وعلا: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [ الإسراء:111]، أي: عظمه تعظيماً، وصفْه بأنه أعظم من كل شيء سبحانه وبحمده.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر