فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يسددنا، فهذا هو آخر درس في هذه الدورة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما علمناه حجةً لنا، وأن لا يجعله حجة علينا، وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فهذه كلمة لطلبة العلم، أوصي نفسي وإخواني بالحرص والمثابرة على الطلب والمذاكرة للعلم، فإن من أسباب ثبوت العلم وعدم نسيانه مذاكرته، فلا بد من المذاكرة والمراجعة، والأئمة رحمهم الله تعالى -وهم أئمة- كانوا يعقدون مجلساً للمذاكرة، يتذاكرون فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن القرآن: (إنه لأشد تفلتاً من الإبل في عقلها)، وهذا العلم الذي سمعناه إنما هو مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلابد أيها الأحبة! من المذاكرة.
وأحسن طريقة للمذاكرة: أن يقرأ الطالب ما سمعه وكتبه من شروح، ثم بعد ذلك يقوم بتلخيصها، ثم بعد أن يلخصها يقوم بمراجعتها على نفسه، فقد ذكر الحافظ من آداب الشيخ والطالب، ما يتعلق بسماع الحديث وإسماعه.
مثال ذلك: إذا أنهيت مثلاً كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، أو مثلاً: تعريف الحديث الصحيح وشروطه، فإنك تقوم بمراجعته على نفسك، حينئذ تثبت مثل هذه المعلومات.
وكما سمعنا عن أبي حاتم رحمه الله، وكيف صبر، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله، فقد ذهب إلى صنعاء وذهابه ليس بالأمر الهين، بل ستغرق أياماً وليالي مع قلة المئونة وشدة السفر.. إلخ.
وابن خراش رحمه الله -أحد الأئمة- يقول: شربت بولي في هذا الشأن خمس مرات، وذلك أنهم كانوا يذهبون إلى المشايخ ويقربون منهم، ويصعب عليه أنه يقوم من مكانه، فإذا قام من مكانه جاء شخص آخر وجلس فيه، فيضطر بعض الأحيان يبول في إناء وهو جالس في محله، فهذا من صبرهم رحمهم الله وتحملهم، وأشياء كثيرة... فلو قرأت في سير العلماء وكتب الطبقات والتراجم لوجدت شيئاً عظيماً من صبر العلماء رحمهم الله، وتحملهم وبذلهم للعلم، وحرصهم عليه.
وعلي بن عاصم رحمه الله يقول: ذهبت أنا وهشيم لكي نأخذ عن منصور بن المعتمر -ومنصور بن المعتمر إمام حافظ- فرحلنا إليه ووصلنا، فذهب هشيم إليه وسمع منه أربعين حديثاً، وأنا ذهبت إلى الحمام، فلما فرغت من الحمام ذهبت إليه فإذا هو قد مات، قال: فجعلت أبكي على موت منصور قبل أن آخذ منه.
وابن معين -رحمه الله- رحل هو والإمام أحمد -رحمه الله- لكي يأخذ الحديث عن بعض أهله، فلما وصل إلى هذا الشيخ قال ابن معين رحمه الله: حدثنا، قال الإمام أحمد: اصبر يرحمك الله حتى نجلس، قال: أخشى أن يموت قبل أن نسمع منه.
وهذا من حرصهم رحمهم الله على سماع العلم، وسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله، وأخذه عن أهله.
أيضاً: من أسباب ثبات العلم ودوامه العمل به، وتطبيقه ونشره والدعوة إليه، نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر