أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب:15-19].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! غزوة الأحزاب التي تعرف بغزوة الخندق تقدم السياق والحديث عنها، وقد وقعت وراء جبل سلع الموجود الآن.
يقول تعالى: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15]. وهؤلاء هم ضعاف الإيمان المنافقون، فهم لما فروا منهزمين من غزوة أحد في السنة الماضية قالوا: لئن أحيانا الله وأشهدنا الله قتالاً لنقاتلن في سبيل الله، وأعطوا الله هذا العهد، ولذلك قال تعالى: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [الأحزاب:15] على أنهم لا ينهزمون، و لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ [الأحزاب:15] أبداً. وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15]، معهم ومع غيرهم، فمن عاهد الله على أن يفعل شيئاً أو يترك شيئاً فيجب أن يفي بوعد الله، وعهد الله يسأل عنه صاحبه، غنياً كان أو فقيراً، عالماً أو جاهلاً. فمن عاهد الله على شيء يجب ألا يخون، و( آية المنافق ثلاث، ومنها إذا عاهد غدر ). ولم يف.
وهنا يقول تعالى لرسوله والمؤمنين: وَلَقَدْ كَانُوا [الأحزاب:15]، أي: أولئك المرضى عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:15].
فليس هناك إلا الله يجب أن نواليه؛ لتتحقق ولايتنا له، ويكون ذلك بشيئين معلومين عند السامعين: الإيمان والتقوى. فيجب أن نوالي الله، وأن نجعله ولياً لنا، وأن نكون أولياء له، وذلك بشيئيين: بالإيمان الصحيح الذي جاء في الكتاب الكريم وعلى لسان سيد المرسلين، والتقوى التي هي الخوف من الله، التي يحمل الخائف على ألا يعصي الله ورسوله أبداً، لا بترك واجب ولا بفعل حرام؛ إذ قال الله في بيان أوليائه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وهم: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فأي مؤمن ذكر أو أنثى .. عربي أو عجمي آمن حق الإيمان واتقى الله، ولم يعصه ولم يخرج عن طاعته إلا ووالله إنه لولي الله.
من هداية الآيات:
أولاً: وجوب الوفاء بالعهد ] فيا معشر المستعين والمستمعين! يجب علينا الوفاء بالعهد، فمن عاهد يجب أن يفي بعهده، ومن عاهد إنساناً يجب أن يفي بالعهد، وبالأولى الذي يعاهد لله، فلا يخونه ويخلفه [ إذ نقض العهد من علامات النفاق ] ففي الحديث: ( آية المنافق أربع، ومنها: إذا عاهد غدر ).
[ ثانياً: ترك الجهاد خوفاً من القتل عمل غير صالح؛ إذ القتال لا ينقص العمر ] أبداً، بل العمر محدود [ وتركه لا يزيد فيه ] أي: ترك القتال لا يزيد في العمر والله ولا ساعة.
[ ثالثاً: الشح والجبن من صفات المنافقين، وهما شر الصفات في الإنسان ] ونسأل الله ألا نتصف بهما. والشح هو: المنع والبخل، والصفة الثانية: الجبن، وهو: الخوف من غير الله، والعياذ بالله تعالى.
[ رابعاً: الثرثرة وكثرة الكلام والتبجح بالأقوال ] وأنه فعل كذا [ من صفات أهل الجبن والنفاق ].
[ خامساً: الكفر محبط للأعمال ] كما علمنا. فالكافر لو يبني ألف مسجد ما يدخل الجنة، ولو يطعم ألف ألف ألف ألف فقير مؤمن والله ما يدخل الجنة؛ للقاعدة العامة: الكفر يحبط العمل. فما دام كافراً لا يقبل الله منه عملاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر