أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وها نحن مع [ الفصل الحادي عشر: في آداب السفر وأحكامه].
أولاً: قصر الصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء، وأنا نصليهما ركعتين ركعتين.
ثانياً: جواز المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
ثالثاً: إباحة التيمم، فالمسافر إذا لم يجد ماء أو شق عليه طلبه يتيمم ويصلي.
رابعاً: رخصة الفطر في الصوم، فالصائم له أن يفطر وهو مسافر، سواء شق عليه السفر أو لم يشق.
خامساً: جواز صلاة النافلة على الدابة والسيارة والطيارة، إذ كان صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على راحلته.
سادساً: جواز الجمع بين الظهرين أو العشائين، فيجوز للمسافر أن يصلي الظهر والعصر في وقت أحدهما أو المغرب والعشاء في وقت أحدهما. هذه الأحكام درسناها في الدرس الماضي، والآن مع الآداب.
أيها المسافر إلى الشرق أو الغرب! يستحب لك أن تتوضأ وتصلي ركعتين وتطلب الخيار من الله في السفر أو عدمه، وصلاة الاستخارة لطلب الخيرة من الله في كل عمل مبهم، فقبل أن تسافر استخر الله، فإذا رأى الله خيراً في سفرك أعانك عليه وفتح لك الطريق، وإن لم يكن فيه خير صرفك عنه وأقعدك دونه؛ لأنك طلبت من مولاك أن يختار لك [لترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، حتى إنه كان يعلمهم إياها كما يعلمهم السورة من القرآن الكريم ] يعلمهم كلام الاستخارة كما يعلمهم القرآن: ( اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم في سفري هذا خيراً لي في ديني ودنياي وفي معاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه، وإن كنت تعلم أنه لا خير لي فيه فاصرفه عني واصرفني عنه ) ويسمي سفره.
لماذا؟ هذا عند البناء، عند الهدم، عند الزواج، عند الموت، عند كل حاجة تكون مبهمة ما تدري الخير في فعلها أو في تركها، فمن طلب الخيرة من الله خير الله له ولا يخيبه، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويدعو إليه [ وفي جميع الأمور ] تستخيرون الله عز وجل، أردت أن تفتح متجراً فقبل أن تفتح استخر، أردت أن تبني منزلاً قبل أن تبني استخر، أردت أن تصاحب شخصاً وتلازمه وتتقرب منه استخر، فالله عز وجل لا يخيب عبداً طلب منه الخيرة.
(اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل) أقع في الضلال أو يضللني أحد.
(أو أزل أو أزل) أفعل زللاً أو أقع في الزلل (أو أجهل أو يجهل علي).
[ فإذا ركب ] السيارة أو الطيارة أو الدابة أو الباخرة [ قال: ( بسم الله، وبالله، والله أكبر، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وخيبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل والولد ) ] هذه تحفظ، وعلى المؤمنين أن يحفظوها حتى يقولوها عند السفر.
ومما يذكر: أن الطائرات السعودية تقول هذا الدعاء، وتسمعه الراكبين ويؤمنون معها. والذي يقولون: آمنا كالذي دعا. هؤلاء هم المسلمون حقاً، في أسفارهم يتميزون عن الخليقة كلها إنسها وجنها.
إذاً: الخروج يوم الخميس أول النهار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم بارك لأمتي في بكورها )، ودعوة الرسول لا ترد. يردها الله؟! والله ما ترد، فمن سافر بهذه النية فبدل أن يمشي الضحى أو بعد الظهر أو بعد العصر يتخير هذا الوقت وهو بعد صلاة الصبح، ويذكر هذا الحديث: ( اللهم بارك لأمتي في بكورها )؛ لأنك لست بمكره، فأنت مخير، إن شئت سافرت أول النهار أو آخره أو وسطه، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم سافر أول النهار ورغب أمته في ذلك فلنفعل؛ لنؤجر من جهة ويحصل لنا الخير من جهة ثانية.
ما هي تقوى الله هذه التي يلزمها؟
أي: بفعل الأوامر وترك النواهي، فأول شرط هو هذا، أن تفعل ما أوجب الله فعله وتترك ما نهى الله عن فعله، هذه هي التقوى، فبها تتقي سخط الله وعذابه، تقوى الله والتكبير على كل شرف، فلان شريف بمعنى عالي النسب، والشرف المكان المشرف العالي، إذا ارتفعت بدابتك.. بسيارتك على مكان عال فقل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
ولو سئلت في يوم من الأيام وقيل لك: ماذا تقول إذا خفت أناساً في طريقك؟
ستكون الإجابة: ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ) يؤمنك الله عز وجل ويهلك الظالمين.
وكذلك من الدعوات المستجابات: دعوة الوالد على ولده، فاحذر يا بني أن تعق والدك أو تتعرض لأن يدعو عليك -والعياذ بالله- فدعوة الوالد على ولده لا ترد، ومن هنا على الآباء أن لا يدعو على أولادهم، بل يصبرون ويتحملون ولا يدعون عليه بالهلاك والشر.
معشر المسافرين! أتيحت لكم الفرصة فلا تضيعوا الوقت وادعو حتى تعودوا إلى دياركم.
والمظلوم إذا صبر ولم يدع فله أجره، يثاب على ذلك، ولكن إذا دعا وهو متألم متمزق حسرة فإن دعوته لا ترد، والمفهوم أننا يجب أن نتقي الله فلا نظلم أحداً خشية أن نظلم فيدعو علينا فنهلك، وما دمنا نريد لأنفسنا السلامة والنجاة والعافية فلنحذر الظلم خشية أن نظلم أحداً قريباً أو بعيداًفيدعو علينا.
[ ( وإذا أقبل الليل ) ] والليل مظلم وفيه ما فيه يقول [ ( يا أرض! ربي وربك الله، إني أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، وأعوذ بالله من شر أسد وأسود، ومن حية وعقرب، ومن ساكني البلد ومن والد وما ولد ) ] هذه الأدعية علمها رسول الله أصحابه وحفظوها وعملوا بها طول حياتهم، فإذا نزل المسافر منزلاً يقول: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شرك ما خلق ) يؤمنه الله ويحفظه من كل أذى في تلك الليلة، ثم يقول بعد ذلك إذا أقبل الليل وجاء الظلام: ( يا أرض! ربي وربك الله، إني أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، وأعوذ بالله من شر أسد وأسود، ومن حية وعقرب، ومن ساكني البلد ومن والد وما ولد ) معناه: تعوذ بالله من كل شر، وكل طريق يصل به إلى الشر والأذى تعوذ بالله منه، فيبيت آمناً سليماً معافى، وفي نفس الوقت يتضرع إلى الله ويرفع أكفه إليه يدعوه، وهذه وحدها كافية، حتى ولو ما حصلت الاستجابة.
فهذا الدعاء وهذا الكلام والله لا أطيب منه، والذي يوفق له ويقوله لا تسأل عن نفسيته في تلك الحالة كيف هي، لكن الوحشة معنا لأننا لا نعرف هذه الأدعية ولا نذكر الله بها، الآن في بيتك.. مطلق أي مكان خفت فيه ووجدت وحشة افزع إلى الله وقل: ( سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، جللت السماوات بالعزة والجبروت )، هكذا حال المسافرين من المؤمنين والمؤمنات، هل لليهود والنصارى في هذا ا نصيب؟ لا. الله أكبر، ولهذا صرفونا عن هذه التعاليم وأبعدونا عنها لنكون مثلهم، وليكون سفر المسلم كسفر اليهودي، ليس عنده شيء يميزه أبداً.
والآن إخوانكم يسهرون على التلفاز والشاشات والأهواء والأباطيل والأضاحيك إلى منتصف الليل، ثم ينامون إلى الضحى، إذا ما كان لهم عمل، أما إذا كان له عمل فيقوم له كيف ما كان، أما الصلاة صلى أو ما صلى كله عنده سواء، ما سبب هذا؟ الجهل، أبعدونا عن العلم، حرمونا الهداية الإلهية، شغلونا بالأباطيل فضاع كل شيء وأصبحنا كاليتامى، كأنه لم يكن لنا رسول ولا كتاب ولا دين ولا إسلام.
فإذا دخلت مكة أو المدينة أو أي بلد تقبل عليه وظهر أمامك ارفع يديك إلى الله وقل: (اللهم إني أسألك من خير هذا البلد وخير ما فيه، وأعوذ بك من شره وشر ما فيه، اللهم اجعل لنا فيه قراراً، وارزقنا رزقاً حلالاً) هذه كلها أدعية واردة في هذا الباب.
إذاً: السفر في تلك الأيام والله قطعة من العذاب، ومع هذا والله إلى اليوم المسافر يعاني ويجد، فمهما كان فالسفر قطعة من العذاب [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه )، فالمسافر الجاد ليحقق مسائل يمنعه سفره من النوم، يمنعه من الأكل والشرب، فهو مشغول بمهمته، فهو لم يسافر ليضحك ويلعب [ ( فإذا قضى أحدكم نهمته- حاجته- ) ] أي: حاجته من سفره [ ( فليعجل إلى أهله ) ] لأن زوجته وأولاده وأمه في حاجة إليه ينتظرونه متى يعود.
ومعنى هذا: أن المسلم الحق لا يفتر يذكر الله أبداً في سفره.. في حضره.. في قيامه.. في قعوده.. في نومه.. في أكله.. في شربه، والله ما يفارقه ذكر الله أبداً، يجلس فيقول: بسم الله، يقوم: بسم الله، يلقى أخاه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فذكر الله قرينه، وهذا هو الإسلام وهؤلاء هم أهله. فمن أبعدنا عنه وشردنا هذا التشريد؟ العدو، فلا يريد أن نسعد ويشقى هو، لا يريد أن نطهر ويخبث هو، لا يريد أن نعز ويهون هو، أبداً، فلهذا يعملون على أن نكون مثلهم في أكلنا.. في شربنا.. في ركوبنا.. في أزيائنا.. في لباسنا.. في كل شيء نكون مثلهم، يريدون أن يسعدون في دنياهم ونشقى نحن في دنيانا.
فلا يطرق أهله ليلاً ولا يدخل عليهم في الليل، بل يمشي ويسافر ويتحين الوقت الذي يدخل فيه بالنهار على أهله [ فقد كان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ].
وصلى الله على نبينا محمد وآله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر