إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (858)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    الفرق بين الأنبياء والصالحين وما جاء في تحريم أجسادهم على الأرض

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المملكة الأردنية الهاشمية - عمان وباعثها أخونا علي يونس عبد الله صالح من دائرة التربية والتعليم، أخونا رسالته مطولة بعض الشيء يبدؤها فيقول: نعرف جميعاً أن الأرض قد حرمها الله على أجساد الأنبياء والشهداء، فهل حرمت أيضاً على الصالحين؟ ومن هم الصالحون في التقييم الإسلامي وعند الله سبحانه وتعالى؟ وهل يعتبر سيف الله المسلول خالد بن الوليد من الصالحين؟ وهل حرمت الأرض على جسمه رغم أنه لم يمت شهيداً، ولكن قيمته بأكثر من قيمة الشهيد.

    وأيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] وفي موضع آخر من القرآن الكريم قال الله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120-123] صدق الله العظيم.

    هنا ذكر الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين أن إبراهيم عليه السلام كان من الصالحين، فهل كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبياً كما نعلم جميعاً أم صالحاً كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز؟ أرجو التوضيح تجاه هذه القضايا؟ جزاكم الله عنا خيراً وعن المسلمين، والسلام عليكم.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أما الشهداء والصالحون فلم يرد فيما نعلم ما يدل على تحريم أجسادهم على الأرض، وإنما ذاك في الأنبياء خاصة كما جاء به الحديث، ولا ريب أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الصالحين، وهكذا خالد بن الوليد هو من أصلح الصالحين رضي الله عنه وأرضاه.

    وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين كلهم من الصالحين وإن كانوا أنبياء فوصف الصلاح يعم الجميع، إذا أطلق الصالحون فهو يعم الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله المؤمنين، الذين استقاموا على دينه وأدوا حقه وحق عباده يقال لهم: صالحون كلهم، وهكذا قال الله جل وعلا في شأن إبراهيم أدخله في الصالحين لكونه ممن قام بحق الله وحق عباده.

    ولهذا قال جل وعلا: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] فهو مصطفى مختار وهو خليل الرحمن وهو أفضل الأنبياء وأكملهم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ونبينا هو سيد ولد آدم وهو خليل الله الثاني، فـإبراهيم ومحمد هما الخليلان، وإبراهيم هو جده ومحمد حفيد إبراهيم، وهو أفضل الأنبياء ويليه في الفضل جده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وعلى سائر أنبياء الله ورسله.

    والصالحون إذا أطلقوا عموا الأنبياء والصالحين والشهداء وجميع من اتقى الله وأدى حقه وحق عباده يقال له: صالح، وإذا أضيفوا إلى الأنبياء والصديقين والشهداء صاروا غيرهم كما في قوله جل وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] فجعل الصالحين في المرتبة الرابعة، وهم غير الأنبياء وغير الصديقين وغير الشهداء، فالمرتبة الأولى: مرتبة الأنبياء والرسل، ثم يليهم مرتبة الصديقية، ثم يلي ذلك مرتبة الشهداء، ثم عموم الصالحين.

    والصالح من عباد الله هو الذي أدى حق الله وحق عباده يقال له: صالح؛ أدى حق الله يعني: أدى أوامره واجتنب نواهيه وأدى حق العباد فلم يظلمهم، بل أدى حقوقهم من حق الجوار وحق المؤمن على أخيه وحق الوالدين وحق الرحم.. إلى غير ذلك.

    فالصالح من عباد الله هو الذي أدى حق ربه رغبة فيما عنده وإخلاصاً له سبحانه، وأدى حق العباد ولم يظلمهم ولم ينقصهم حقوقهم، فهذا يقال له: صالح، ويقال له: مؤمن، ويقال له: مسلم، ويقال له: تقي، ويقال له: بر.

    فالصالحون هم الأبرار وهم الأتقياء وهم المتقون وهم المؤمنون وهم المسلمون، وهذه الأوصاف تشمل الأنبياء والصالحين، الأنبياء يقال لهم: مسلمون، ويقال: صالحون، ويقال: مؤمنون، ويقال: متقون، ويقال: أبرار، لكنهم يمتازون بالنبوة والرسالة فهم في المرتبة العليا، أعلى المراتب وأفضلها مرتبة الأنبياء والرسل.

    والرسل أعلى مرتبة ثم يليهم النبيون، ثم يلي ذلك مرتبة الصديقين الذين كمل تصديقهم وكمل إيمانهم حتى صارت منزلتهم فوق منزلة الشهداء والصالحين بسبب كمال صدقهم وكمال تصديقهم، وكمال إيمانهم وكمال تقواهم لله سبحانه وتعالى، ثم يليهم الشهداء الذين باعوا نفوسهم على الله وقدموها طاعة لله واستشهدوا في سبيله، ثم يليهم عموم المؤمنين وهم الصالحون.

    وبذلك يتضح لك أيها السائل أن الصالح يوصف به جميع المؤمنين من أنبياء وغيرهم عند الإطلاق وعند ضمه إلى الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء يكون الصالح في المرتبة الرابعة، يعني الذي أدى حق الله وأدى حق عباده ولكنه ليس نبياً ولا صديقاً ولا شهيداً، ومنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ورحمه وبقية الصحابة الذين لم يستشهدوا ولم يكونوا من الصديقين هم من هذه المرتبة.

    المقدم: إذاً كون نبي الله إبراهيم عليه السلام يوصف بأنه من الصالحين لا يخرجه عن كونه نبي؟

    الشيخ: لا يخرج، لا، الأنبياء صالحون وهم أنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخليل إبراهيم هما أفضل الناس، وهما أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    المقدم: موضوع شهادة خالد بن الوليد رضي الله عنه؟

    الشيخ: هو مات على فراشه.

    المقدم: نعم، لكن يقول أخونا: إنه أفضل من الشهداء، هل يقال هذا؟

    الشيخ: قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، أما أفضل من الشهداء على العموم فلا، لكن يقال أفضل من كثير من الشهداء؛ لما أعطاه الله من الفضل العظيم والبسالة في الجهاد والصبر على الجهاد، والقوة في دين الله، وما حصل على يديه من النفع العظيم في قتال أهل الردة وغيرهم من قتال الروم وقتال الفرس، الله جل وعلا جعل له مراتب كبيرة، ومزايا عظيمة، فهو لا شك من الصالحين، وهو لا شك أفضل من كثير من الشهداء.

    1.   

    واجب النصيحة بين المسلمين

    السؤال: ننتقل إلى رسالة أخرى وموضوع آخر، الرسالة من إحدى الأخوات المستمعات تقول ( مريم . ن. ع. م) أختنا لها زميلات في الكلية تصفهن بأوصاف قاسية بعض الشيء سماحة الشيخ، وتعاني كثيراً من مشاهدتها لأحوالهن، وترجو من سماحتكم التوجيه؟

    الجواب: عليك أيتها الأخت في الله أن تنصحي أخواتك والطالبات اللاتي يدرسن معك وتسألي الله لهم التوفيق والهداية هذا هو الذي بيدك، وقد ثبت عن رسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وهذا يشمل الرجال والنساء، والمدرسات والطالبات والمدرسين والطلبة، فعليك أن تنصحي وتوجهي إلى الخير وإذا كان في يدك قدرة على تأديب من يستحق التأديب فافعلي كبنتك وطالباتك.. ونحو ذلك والله جل وعلا لا يكلف نفساً إلا وسعها، ويقول سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وإذا كان في الإمكان رفع أمر بعض البنات إلى أوليائهن ليقوموا بالتأديب والتوجيه والإلزام بالحق هذا كذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    فعليك أن تتقي الله وعليك أن تواصلي النصيحة والدعوة والتوجيه إلى الخير، وأن تدعي المولى سبحانه لهن بالتوفيق في صلاتك وفي سائر أوقاتك لأن هذا مما ينفع الله به، دعوة المؤمن لأخيه ودعوة المؤمنة لأخيها أو أختها في الله بظهر الغيب هذا من أعظم الإحسان وهو من أسباب الإجابة.

    1.   

    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: رسالة وصلت إلينا من أحد الإخوة المستمعين آدم سمسم برينو سوداني، أخونا رسالته أيضاً من الرسائل المطولة يقول فيها بعد التحية والاحترام: الصلاة واجبة على كل إنسان، وهذا أمر مفروغ منه، إلا أنه اختلط لدينا الحابل بالنابل، هذا تعبيره شيخ عبد العزيز اختلط لدينا الحابل بالنابل في كيفية أدائها، وذلك من ناحية أقوال العلماء والمشايخ في كيفية الأداء، ولكي يكون الإنسان على علم بذلك أي الطريقة الصحيحة لأدائها كما يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بإيضاح ما يلي:

    أولاً: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة.

    - الأدعية التي يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إتمام الركعات في كل صلاة وقبل التشهد الأخير.

    - ما يقوله الرسول بعد التسليم وطريقة التسليم.

    - الدعاء للميت وأي شيء يتعلق بكيفية الصلوات الخمس.

    - الاعتكاف ووقته وكيفيته.

    كما أرجو أن يكون ذلك واضحاً جلياً مختصراً حتى أستطيع تسجيله وفهمه، جزاكم الله عنا خيراً.

    الجواب: قد كتبنا في هذا رسائل فيما يتعلق بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عظم شأن الصلاة وأداء الصلاة في الجماعة أرجو أنها وصلت إليك أيها السائل! ولا مانع من إرسالها إليك.

    أما ما يتعلق بمعرفة ذلك من طريق هذا البرنامج فنوصيك أيها السائل! وسائر الإخوة بالعناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك في الصحيحين وفي غيرهما وفي مثل المنتقى للمجد بن تيمية، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر رحمه الله، ومثل عمدة الحديث للشيخ العلامة عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي رحمه الله، وهكذا الكتب التي جمعت في الحديث الشريف مثل رياض الصالحين، ومثل جامع الأصول.

    1.   

    ما يشرع للمصلي عند استفتاح صلاته وقيامه فيها

    والخلاصة: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حيال منكبيه وربما رفعهما إلى أذنيه عليه الصلاة والسلام قائلاً الله أكبر في أول الصلاة، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والنوافل يقول: الله أكبر هذا أول شيء للصلاة، وفي الحديث: (تحريمها التكبير).

    ثم يأتي بالاستفتاح وهو دعوات يقولها قبل القراءة، وربما كانت أذكاراً فمن ذلك: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)، وهذا الاستفتاح كله ذكر.

    ومن ذلك: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم! نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم! اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)، وهذا أصح ما ورد في هذا الباب، وكله دعاء.

    ومنها: (اللهم! رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وهذا من أجمع أنواع الاستفتاح.

    وهناك استفتاحات أخرى تجدها في محلها من كتب الحديث، ولكن هذه الثلاثة من أخصرها، ومن أثبتها.

    ثم بعد هذا تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم تقرأ الفاتحة، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] إلى آخرها، والفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي ركن الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فيقرؤها الإمام ويقرؤها المنفرد ويقرؤها المأموم، لكنها في حق الإمام والمنفرد آكد وأوجب، واختلف العلماء في وجوبها على المأموم على أقوال:

    أحدها: أنها تجب على المأموم مطلقاً في السر والجهر.

    والثاني: أنها تجب عليه في السرية لا في الجهرية.

    والثالث: أنها لا تجب عليه لا في السرية ولا في الجهرية ويتحملها عنه الإمام.

    والأرجح أنها واجبة عليه في السر والجهر لعموم الأحاديث الدالة على ذلك، لكن إذا لم يأت إلا والإمام في الركوع فإنه تجزئه الركعة؛ لأنه لم يحضر وقت القيام فهو معذور لما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري رحمه الله أن أبا بكرة الثقفي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فدخل فركع ثم دخل في الصف، ركع وحده ثم دخل في الصف، من الحرص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) يعني: لا تعد في الركوع دون الصف بل اصبر حتى تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، فاحتج العلماء وهم الأئمة الأربعة على أنها تجزئه هذه الركعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، فدل على سقوط الفاتحة عن من جاء والإمام راكع.

    وهكذا لو نسي المأموم أو جهل سقطت عنه فليس مثل الإمام والمنفرد، والفاتحة لها شأن عظيم كما تقدم فإنها أعظم سورة في كتاب الله عز وجل.

    فالمشروع للمؤمن عند قراءتها أن يتدبرها وأن يتعقلها في الصلاة وخارجها، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: يقول الله عز وجل: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين -يعني: الفاتحة سماها صلاة- فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله سبحانه: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل -يعني: (إياك نعبد) حق الله، (وإياك نستعين) حاجة العبد، يستعين بربه- فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] قال الله سبحانه: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) يعني: هذا سؤال من عبدي يطلب الهداية وله ما سأل.

    وهذا وعد من الله أنه يعطيه الهداية وهذه أشرف مطلوب الهداية، فينبغي لك -أيها القارئ.. أيها المؤمن.. أيها المؤمنة- ينبغي لكل منكما تدبر هذه السورة والعناية بها والخشوع فيها والإقبال عليها عند قراءتها، وهكذا عند قراءة جميع القرآن، كما قال الله سبحانه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

    وإذا قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] يقول: آمين، سواء كان في الصلاة أو في خارجها السنة أن يقول: آمين الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة وخارجها آمين، معناها: استجب يا ربنا.

    ثم بعد ذلك يقرأ الإمام والمنفرد سورة بعد الفاتحة أو آيات بعد الفاتحة كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام ويطيل في الفجر مثل سورة (ق) مثل والطور و(النجم إذا هوى) اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ [القمر:1]، المسبحات وما أشبهها من السور، والظهر كذلك قريب من الفجر يطيل في الأولى والثانية وتكون الثانية أقصر من الأولى بعض الشيء، وتكون العصر أخف من الظهر، يقرأ سورة أو آيات بعد الفاتحة في الظهر والعصر في الأولى والثانية لكن تكون العصر أخف من الظهر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحة فقط، الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء الفاتحة فقط، وفي المغرب في الثالثة يقرأ الفاتحة فقط، وربما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة فإذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة بعض الآيات أو بعض السور القصيرة فهو حسن ومستحب في بعض الأحيان تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه هذا في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

    1.   

    ما يشرع للمصلي في الركوع وعند الرفع منه

    ثم يركع رافعاً يديه مثلما رفع عند الأولى يرفعهما حيال منكبيه أو حيال أذنيه تارة وتارة، تأسياً برسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يسوي ظهره ورأسه في ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه وفرد في الأصابع ويجافي عضديه عن جنبيه لا يلصقهما في جنبيه خاشعاً لربه مطمئناً يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، وإذا زاد على ذلك فقالها خمساً أو ستاً أو سبعاً أو أكثر من ذلك فهو حسن، لكن لا يطيل إذا كان إماماً إطالة تشق على المأمومين.

    وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل في الركوع والسجود، وجاء عن غير أنس أيضاً، وجاء في بعض أحاديث أنس أنه كان يعد له في الركوع والسجود ما يقرب من عشر تسبيحات، فهذا يدل على أن السنة الطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، فيقول: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم في الركوع سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) متفق عليه.

    ثم يرفع من الركوع رافعاً يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه كما فعل عند الركوع وكما فعل عند الإحرام قائلاً: سمع الله لمن حمده إن كان إماماً أو منفرداً، ثم بعد هذا يقول: ربنا ولك الحمد بعد انتصابه قائماً يقول: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد بدون واو، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد كله جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    ثم يكمل حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا هو الأفضل، ولو اقتصر على ربنا ولك الحمد كفى، لكن كونه يكمل أولى وأفضل، ويطيل هذا الركن ولا يعجل؛ لأن الرسول كان يطيلها عليه الصلاة والسلام، حتى يقول القائل: قد نسي، وزاد في بعض الأحاديث -بعد وملء ما شئت من شيء بعد-: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كل هذا وهو واقف بعد الركوع.

    هذا هو الكمال إذا انتصب قائماً الإمام والمنفرد بعد قوله سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم! لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن اقتصر على البعض كفاه ذلك.

    أما المأموم فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد المأموم عند رفعه من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم! ربنا لك الحمد، أو اللهم! ربنا ولك الحمد يقول هذا تارة وهذا تارة، كله حسن؛ لأن الرسول عليه السلام قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، ولم يأمرهم أن يقولوا: سمع الله لمن حمده، بل يقولون: ربنا ولك الحمد.

    قال بعض أهل العلم إنه يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يجمع بينهما كالإمام، ولكن هذا قول ضعيف مرجوح والصواب أن المشروع أن يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يحتاج إلى أن يقول: سمع الله لمن حمده، بل هذا خاص بالإمام والمنفرد.

    ثم يكمل بعد انتصابه يقول: حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن كبر إمامه قبل أن يكمل كبر مع إمامه وترك الباقي، إذا كبر الإمام قبل أن يكمل كبر وركع مع إمامه.

    المقدم: انتهى وقت هذه الحلقة ترون أن نكمل هذا الوصف المبارك في جلسة قادمة؟

    الشيخ: لا بأس نعم إن شاء الله.

    المقدم: بارك الله فيكم.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    من الإذاعة الخارجية سجلها لكم أخونا سليمان اللحيدان .

    شكراً لكم جميعاً ..

    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767190742