فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها؛ سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.
والآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:122-123].
من قال: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:122]؟ والله إنه الله، فهذا كلامه، وهذا كتابه، وذاك رسوله، ونحن شهداء له على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فالحمد لله أن عندنا كلام الله، وقد حرمه الأبيض والأصفر، ونحن أكرمنا الله فأعطانا كلامه، فها نحن نتلو ونسمع، والحمد لله.
وهذه نعمة الله، لنا سببها الإيمان، ولو أننا ما آمنا لكنا مبعدين .. ملعونين .. مطرودين .. محرومين، فلا نعرف الله ولا نعرف عنه شيئاً، كما هو مشاهد في (99%) من العالم أبيضه وأسوده، أما نحن فالحمد لله.
ربنا .. خالقنا .. رازقنا .. خالق الكون .. مدبر حياتنا .. الذي رزقنا أسماعنا، وأبصارنا، وعقولنا، ينزل كتابه إلينا، وها نحن نتلوه، ونتدبره، ونفهم ما فيه، ونعمل بما فيه، فأي نعمة أجل وأعظم من هذه؟ لا نعمة.
فهيا بنا ندرس هذه الآيات الثلاث.
وإسرائيل مضى عليه آلاف السنين، وهكذا أولاده، وأحفاده، وأحفاد أحفاد أحفاد أحفاد .. فهم سلسلة، وقد ماتوا، والذين بقوا أحياء على عهد نزول هذا الكتاب كانوا يسكنون هذه المدينة، فهو يخاطبهم تعالى بوصفهم سلسلة ما انقطعت من إسرائيل عليه السلام.
وقد علمتم أنهم يحتفظون بأنسابهم، ويحتفظون بيهوديتهم البدعة الباطلة، فلا يفتحون باباً للتهويد كما فعل النصارى الذين فتحوا أبواباً للتنصير، ولا يريدون أن يدخل الناس في دينهم، وهم يعتقدون تلك الفرية الباطلة؛ أنهم شعب الله المختار، في حين أننا علمنا علماً يقينياً أن الله قد غضب عليهم ولعنهم، وما من مؤمن منا ولا مؤمنة إلا ويقرأ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، فصراط غير المغضوب عليهم هم والله اليهود، فغضب الله عليهم.
الجواب: مما استوجب غضب الله تعالى على اليهود -بني عمنا- يا أولاد إسماعيل عليكم السلام، أنهم قتلوا الأنبياء والعلماء، ونحن ما قلتنا الأنبياء؛ لأنهم غير موجودين، ولو كانوا موجودين من يضمن أننا لا نقتلهم، وقد قتلنا العلماء؟!
ثانياً: استوجبوا غضب الله؛ لأنهم أكلوا الربا، واستباحوه، وأشاعوه بينهم، ونشروه في العالم اليوم، فغضب الله عليهم؛ لأنهم تحدوه، وفسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، فاستباحوا الربا، وتعاملوا به، وأكلوه.
وهل المسلمون اليوم سلموا من هذه؟
الجواب: كلكم يعلم، وما يدرينا أن الله قد غضب، فما هناك وحي جديد أبداً، لكن الرسول والكتاب بيَّنا لنا موجبات الغضب، فالذي يتحدى الجبار، ويخرج عن أمره، ويفسق عن طاعته يغضب عليه.
ومن موجبات غضب الله وسخطه أنهم يستبيحون المحرمات بفتاوى يفتونها، ويلصقونها بكتاب الله.
وهل فعل المسلمون هذا؟
نعم ألفوا كتباً بالقناطير .. بالأطنان، وحشوها كلها باطلاً ونسبوها إلى الله وإلى الإسلام، ففعلوا مثلما فعل اليهود.
وعطل المسلمون شرائع الله، واستبدلوها بأهوائهم، وشهواتهم، وأطماعهم، فاستوجبوا غضب الله.
وكذلك فعل المسلمون في الجملة فعطلوا شرع الله، وأوقفوه، وأبعدوه من ساحة القضاء والحكم، واستباحوا ما حرم الله، ومن يضمن أننا غير مغضوب علينا؟!
الأولى: على يد البابليين، فشردوهم ومزقوهم ونكلوا بهم، وبعد مرور القرون تراجع من تراجع، وتابوا إلى الله وأنابوا، فعادوا وقالوا لأحد أنبيائهم: عين لنا ملكاً نقاتل تحت رايته، ونسترد مجدنا، ونظامنا، ودولتنا، فاستجاب الله، وانتصر داود عليه السلام في تلك المعركة الخالدة، وما إن مات ذلك الحاكم حتى أصبح داود الحاكم والنبي المرسل، وتكونت دولة اتسع نطاقها على يد ولي عهده سليمان عليه السلام، فساد بنو إسرائيل العالم؛ الشرق والغرب، وكانت أنوار الإله، والأنبياء، والحكمة، والحكم، والكتاب تغمر الدنيا.
ثم لما شبعوا وسكنت نفوسهم واطمئنوا ومات سليمان تمردوا على الله، وفسقوا عن أمره، ولبس نساؤهم الكعب العالي.
فإن قال قائل: يا شيخ! لكن الكعب العالي وجد عندنا نحن أيضاً؟!
هذا صحيح ولست أنا القائل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدثنا عنهم.
ولبست المرأة الإسرائيلية الكعب العالي؛ لأنها قصيرة القامة فتريد أن تطول وترتفع، فيصنع لها حذاء كعبه طويل.
وقد قال لي أحد الأبناء: يا شيخ! ليست القضية أن الكعب عال ومرتفع حتى تظهر للرجال، لا؛ ولكن القضية أنها إذا لبسته تتغنج، وتتكسر، وتتمايل لتفتن القلوب، وقد فعل نساء المؤمنين اليوم ما هو أفضع وأبشع، فانتهى الحياء إلا من رحم الله.
ثم أصبح نساء بني إسرائيل يبعن ويشترين في البيع، فصدر الأمر بطردهن.
قالت عائشة رضي الله عنها: قد يطرد نساء اليوم كما طرد نساء بني إسرائيل.
فما إن فسق بنو إسرائيل -وفسق هذه الأمة اليوم ليس بأقل- حتى سلط الله عليهم الرومان، فأذاقوهم مر العذاب، وشتتوهم، ومزقوهم، ويدلك على تشتيتهم أنهم نزلوا بهذه الصحراء القفراء .. بهذه المدينة السبخة، هاربين من سطوة وسلطان الروم في الشمال.
وفعل الله هذا ببني إسرائيل؛ لأنهم فسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، ولا أحسبهم أنهم كانوا أسوأ منا وأهبط منا أبداً. ومن هنا غضب الله عز وجل فسلط الكافرين على المسلمين.
فإن قال قائل: أحقيقة هذا يا شيخ؟ هل الكفار أعداء الله وأولياء الشيطان يسلطهم الرحمن على المؤمنين؟!
الجواب: إي والله، ولقد حكمونا في الشرق والغرب، في ممالك الهند العظيمة، وفي جزر جاوة، وفي الشرق الأوسط، وما نجا إلا هذه البقعة، وهذه آية من آيات الله فقط.
إذاً: فعل الله بنا كما فعل ببني إسرائيل، فلسنا أفضل منهم، وأين يذهب بعقولنا؟!
إن أولاد الأنبياء يناديهم الله بهذا النداء الثالث: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ يريد أن يسترجعهم .. يريد أن يردهم من تيهانهم ليكملوا ويسعدوا: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:122].
إذاً: ما هناك فرق أبداً بيننا وبينهم إلا فرق واحد، وهو أنه يوجد بيننا مؤمنون ومؤمنات، أطهار، أصفياء، هم أهل الله وأولياؤه، وهؤلاء هم أهل دار السلام، وهم بقيت فيهم بقايا، لكن قليلة؛ لأن عددهم قليل، فهذا الفرق بيننا وبينهم اليوم.
فيا أمة الإسلام! يا أهل القرآن! يا أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم! اذكروا نعمة الله عليكم، أن كنتم مشركين؛ وثنيين، يهوداً، نصارى، بوذا، صابئة، لا تعرفون الله ولا لقاءه، ولا تعرفون نوراً ولا هداية، فأنعم عليكم بأعظم نعمة؛ أن أنزل كتابه وبعث رسوله، وجمعكم على الإيمان والتقوى.
الجواب: المقصود: اذكروها بقلوبكم؛ لتشكروها بألسنتكم وجوارحكم.
واذكروا النعمة من أجل أن تشكروا المنعم جل جلاله وعظم سلطانه، وهذا هو الطلب.
واذكر النعمة لتشكر المنعم، فيزيدك، ولا يغضب عليك، ولا يسلبك ما أعطاك.
ونحن أية نعمة نشكرها؟
أخبرنا الله أن نعمه علينا لو أردنا إحصاءها والله ما قدرنا، ولا بالآلات العصرية، إذ قال عز وجل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].
ومن هذه النعم التي أنعم الله بها علينا نعمة الإسلام بشرائعه، وقوانينه، وآدابه، لكننا تخلينا عنه، وتحللنا، وبعدنا، وما أصبح لنا هيكل ولا ذات، ولا شخصية، وعلى الأقل يقال: هؤلاء مسلمون، إلا من رحم الله، فكأننا ذبنا ذوباناً، فما أصبح للعالم الإسلامي ذات ولا شخصية.
لكن ما هو الشكر يا شيخ؟
الشكر هو الاعتراف بالقلب، وفي قرارة نفسك، أن لا تنسى أن ما بك من نعمة فهي من الله، وابدأ بسمعك .. ببصرك .. بمنطقك .. بلسانك .. بيديك .. برجليك .. ببطنك.. بذاتك كلها، هو منعم بها عليك، فهل أنت خلقت نفسك؟ وهل أنت أوجدت سمعك وبصرك؟ وهل أنت أوجدت عقلك، وفهمك، وذوقك؟
إذاً: هذه الحياة نعمة كاملة أهديتها، فاذكر هذا بقلبك، ثم احمد واشكر المنعم، ولا تنس قولك: الحمد لله في صباحك ومسائك .. في ليلك ونهارك .. في مرضك وصحتك .. في جوعك وشبعك .. وفي كل أحوالك .. فدائماً تقول: الحمد لله.
ومن معاني الشكر أن تصرف النعمة فيما من أجلها أنعم الله بها عليك.
وهيا بنا نبدأ بنعمة البصر، فهل أذن الله لك -يا عبد الله- أن تفتح عينيك وتبصر ما لا يحل لك؟
أما بلغك قوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].
أما قال للمؤمنات بلغ يا رسولنا: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ [النور:31].. هذا الكلام جديد أم قديم؟ فيا رسولنا بلغ، فاللهم اشهد فإنه قد بلغ، وهذا كتاب الله بين أيدينا.
وهل شكرنا نعمة البصر فغضضنا أبصارنا، وغض نساؤنا أبصارهن؟ قلنا: لا نطيع.
أما نعمة اللسان، ولو تصفي حالنا، وتغربل وضعنا، وتستخرج أضغاننا، وأمراضنا، وأحقادنا، وباطلنا، وتشاهد ذلك يغمى عليك، في حين -اسمع وبلغ- يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، وهل طبقنا هذا الأمر؟
أقول: لو تسجل أقاويلنا، وأحاديثنا، وهراؤنا سيملأ الكون، وإن شئتم انظروا إلى النقد، والطعن، والشتم، والسب، والانتقاد، والسخرية و.. و.. كأننا لسنا بالمؤمنين، أليس هذا الواقع؟ إنه لهو الواقع.
واسمع إلى غيرك في المجالس واذكر شخصاً، فإذا الجالسون ينهالون عليه، وقل من يغلق أذنيه ويقول: لا تغتابوا، لا تذكروا كذا.
فأين نعمة اللسان وهي من أجل النعم.
لقد أعطيت هذا اللسان لتفصح عما أنت في حاجة إلى بيانه فيقول: أمي أعطني الماء .. أبي ناولني كذا .. فلان اربط كذا، وكل ذلك من أجل أن تخدم نفسك بلسانك، لا أنك تكفر به نعم الله.
لعلي واهم؟
ولو كنت واهماً لأشرت إلى وحدة المسلمين، وتحابهم، وتعانقهم، وتلاقيهم كأنهم جسم واحد، لكن انظروا إلى بلداننا: حكومات، أحزاب، منظمات، جمعيات، قبائل، طوائف، فهي تأكل بعضها بعضاً، فأين آثار طاعة الله عز وجل؟
وتبلغني عجائب عنا كمسلمين، فأقول: والله إن عذاباً يجري في بلاد العرب لا يوجد يوم القيامة .. إن عذاباً يجري في بلاد العرب -فضلاً عن العجم- في سفنهم لا يوجد في النار.
إذاً نحن أولى بهذا النداء من اليهود.
يا بني الإسلام! اذكروا نعمة الله عليكم. ماذا كنتم؟
كنتم بهائم في الغابات ورءوس الجبال، لا تعرفون الله ولا الدار الآخرة، ولا إيمان، ولا إحسان، ولا إسلام، فأنعم الله عليكم بنعمة أعزكم على البشر، ورفعكم إلى مستوى لا يصل إليه إلا مثلكم، فلِمَ ننتكس، ونرجع إلى الوراء، ونغير مجرى حياتنا، ونصبح عرضة لغضب الله علينا؟!
وقد أرانا الله آية، فاستعمار الشرق والغرب لنا آية، ونحن الآن تحت النظارة، والله العظيم، فالله بالمرصاد: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].
والآن لا وجود لكلمة صحوة، بل سكارى، وكل يوم والعالم الإسلامي هابط، فإذا دقت الساعة وغضب الجبار فسوف ينزل بالموجودين بلاء أعظم مما سبق، فما صحوا، ولا استفاقوا، ولا رجعوا، والأيام تمضي، والخطايا والذنوب والخبث تعفن الجو والكون منه.
ونحن أعطينا هذا الخير، فيقول الله لنا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، هذا الخبر إلهي: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ نكرة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، بسبب إيماننا واستقامتنا على منهج الله، فلما فجرنا عن أمر الله وفسقنا عن طاعته اختلط أمرنا، وتحللنا، وتمزقنا، وفقدنا تلك الروحانيات، وأصبحنا عرضة لسخط الله.
ولا تقولوا: هذا الشيخ يؤيسنا ويقنطنا.
أقول: هذا كلام باطل فلا تذكروه، فما أيَّسنا أحداً ولا قنطناه.
فيا عبد الله! ويا أمة الله! الزم باب الله، وأقم الصلاة، واذكر الله، وكف لسانك وبصرك، واذكر ربك، فلم يبق بينك وبين الجنة إلا أن تموت.
وقوله: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ، ونحن فضلنا فقال: خير أمة أخرجت للناس ، وهي أفضل من قوله: فضلناكم على العالمين، أي: فضلناهم بالمآكل .. بالأنبياء .. بكذا، لكن نحن جعلنا خير الناس: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
أسألكم: باستثناء هذه المملكة التي نحاربها ليل نهار والعياذ بالله، وأعوذ بالله منا، هل وجدت هيئة تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر في غير المملكة؟
أجيبوا. لم؟ من منعنا؟
فإن قال قائل: يا شيخ! نحن مستعمرون.
أقول: لا، أيام الاستعمار ما قلنا هذا، ولكن قلنا هذا أيام الاستقلال والسيادة الوطنية، والحكومات ذات الوزارات المتعددة، فلم لا توجد هيئات في القرى والأحياء تأمر الغافل، وتذكر الناسي، وتعلم الجاهل.
الجواب: لا نريد هذه، فهذه صفة الرجعيين!
ولو تأتي الأم فتقول: أي رب! عبدتك سبعين سنة وهذا ولدي أو هذه ابنتي تقاد إلى جهنم! فشفعني فيها يا رب، فوالله لا تقبل لها شفاعة.
واسمع ما يقصه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم في استعراض قد شاهده بأم عينيه: ( لما يحشر الله الخليقة لساحة فصل القضاء يقول إبراهيم عليه السلام: يا رب! لقد وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أخزى من هذا في هذا اليوم؟ فيقول له الجبار جل جلاله وعظم سلطانه: أي إبراهيم! انظر تحت قدميك -وفي الأصل أنه يبكي- فينظر فإذا والده
وأخبرنا أيضاً أبو القاسم صلى الله عليه وسلم عندما يوضع الميزان، فتوضع حسنات الأب فلا ترجح، وتبقى السيئات أرجح منها، فيأتي إلى بعض أولاده إن كان له أولاد: أي ولدي! إني .. وإني .. وأنا الآن في حاجة إلى حسنة ترجح بها كفة ميزاني، فيقول الولد: إيه يا أبتاه! أعلم أنك كنت خير الآباء لي، ولكن نفسي نفسي، وتأتي الأم تقول لولدها كذلك، ولا يستطيع أحد أن يعطي حسنة من حسناته؛ لما يعرف أنه إذا رجحت كفة السيئات هلك.
يعيش المسلمون في قرون الظلام ألف سنة معولين على الشفاعة، والشفاعة هي الوساطة، أي: ضم جاه إلى جاه ليقبل الطالب للشفاعة.
وهذا وقت بيان ومعرفة الشفاعة. وينبغي أن نعرف هذا، ولا يحل لنا أن نقوم من مجلسنا هذا وما عرفنا الشفاعة التي جاء بها الكتاب وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا نغش أنفسنا، ونخدع بعضنا بعضاً.
واسمع قول الله تعالى في خاتمة سورة النبأ: وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]، هذه الأمنية الغالية أو الرخيصة؛ والكافر: هو من مات على الكفر والشرك والعياذ بالله وإن كان ابناً لنبي أو أباً لرسول، ولا تفكر أن هناك نسباً يغني: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101].
والكافر لا شفاعة له ترجى، ولا يخرج بها من النار قط، وقد رأيتم آزر وما قال فيه الرسول.
عائشة
: (يوحنا
امرأةعمران
عليه السلام عندما سألت ربها وقالت: (( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ))[آل عمران:35-36]، فأُغلق الباب على الشيطان، فلم يصل إلى قلب عيسى، ونفعته دعوة الجدة؛ لأنها جدة تساوي الملايين من جداتنا. وأخبر بهذا أبو القاسم، فإذا هز المرأة الطلق، وجاءها المخاض، جاء الإسعاف من الشيطان وأعوانه، فينتظرون متى يسقط هذا الجنين، ليطبعه أنه من أتباعه، فما إن يخرج من فرج المرأة حتى ينغز في خاصرته فيصرخ. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر