إسلام ويب

كيف ننصر الله ورسولهللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل قد خلق الإنسان لعبادته، وعبادته تكون باتباع شريعته، فمن اتبع هذه الشريعة فإن من واجبه نحوها أن ينصرها، وأن يدعو إليها، وألا يخاف ولا يتعذر في سبيل نصرة الحق، والوقوف مع أهل الحق

    1.   

    الحكمة من خلق الإنسان

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فأحمد الله سبحانه وتعالى على إتاحة هذه الفرصة مرة أخرى للقاء بهذه الوجوه الخيرة النيرة، التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجه الله الكريم، وأحمده سبحانه وتعالى كذلك على إتاحة الرجوع إلى هذا المكان المبارك الطيب، الذي نحن فيه بقلوبنا أينما كنا وحيثما كنا، ونعلم كذلك أن أهله يعتقدون أننا معهم في كل الأوقات وفي كل الظروف، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.

    لا شك أن من أولى الموضوعات بالحديث مناقشة موضوع التكليف الذي من أجله خلق هذا البشر، فالله سبحانه وتعالى غني عن عباده ولو شاء ما خلقهم، وهو سبحانه وتعالى الغني الحميد، وكل صفات ذاته وما اتصف به من الكمال والجلال والجمال كان متصفاً به قبل أن يخلق خلقه، وعندما خلقهم فإنه لم يعطل خلقهم عن حكمة، وإنما خلقهم من أجل حكمة بالغة، وهذه الحكمة ما يختص منها بخلق الإنسان ينقسم إلى قسمين:

    إلى حكمة مختصة بهذا الجنس البشري، وهي حكمة الاستخلاف في الأرض، وقد أخبر الله بها ملائكته وآدم منجدل في طينته؛ فقال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة:30].

    وإلى حكمة تجمع هذا الجنس البشري والجن كذلك وهي حكمة العبادة؛ فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، وعلى هذا فكل واحد منا مخلوق لوظيفتين:

    الوظيفة الأولى هي: الاستخلاف في الأرض ونصرة الحق وإعلاء كلمة الله، والسعي لتمكين دين الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض.

    والحكمة الثانية هي: العبادة لله جل جلاله.

    1.   

    استمرار الصراع بين الحق والباطل

    وكثير من الناس يستشعر الحكمة الثانية؛ فيصلي لله ويسجد ويعبد ويقرأ القرآن ويذكر ويتصدق ويصوم، ولكنه لا يستحضر الحكمة الأولى التي هي مختصة بجنس البشر، وهي حكمة الاستخلاف ونصرة الحق؛ فكثير من الناس يظنون أنهم ليس عليهم واجب تجاه هذا الدين وليس عليهم واجب تجاه هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فلا يرون أن نصرة الحق من واجباتهم ولا من أولوياتهم؛ ولذلك لا تخطر على بال كثير منهم؛ فيعيشون أعمارهم على وجه هذه الأرض دون أن تكون لهم مواقف مشرفة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نصرة الحق، مع أن الله تعالى جعل هذه الدار مسرحاً للصراع بين حزبين هما:

    حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله يسعى لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه والتمكين لهذا الدين في هذه الأرض، يسعى لأن يسود منهج الله سبحانه وتعالى على أرضه، وحزب الشيطان يسعى لإغواء البشرية عن طريق الله، فحزب الشيطان يريد تحقيق يمين إبليس التي أقسمها بعزة الله ليغوين أكثر الناس، وقد أخبر الله أن هذه اليمين تحققت في أكثر الناس؛ فقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، وحزب الله يسعى لإعلاء كلمة الله بما يقتضيه ذلك من العلم والعمل والعبادة وإعلاء كلمة الله تعالى عالية فوق كل ما سوى ذلك، ولا شك أن هذا عمل مكلف وجهد جهيد؛ فلذلك شق على كثير من الناس ولم يجعلوه من أولياتهم، وقد أخبر الله بذلك إذ قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ[النساء:77-78].

    1.   

    حقيقة الانتماء لحزب الله

    وهذه النصرة التي تقتضي تمكيناً لهذا الدين هي عمل حزب الله، وحزب الله ليس الانتماء له ولا الانتساب له كالانتماء للأحزاب الأخرى بالاختيار، بل تنزل اللوائح من الله سبحانه وتعالى بالأسماء فلان بن فلان مستغل لإعلاء كلمة الله في حزب الله، وفلانة بنت فلان مستغلة لإعلاء كلمة الله في حزب الله، والعكس كذلك في حزب الشيطان، تنزل اللوائح من السماء فلان ابن فلان مستغل لنصرة حزب الشيطان، وفلانة بنت فلان مستغلة لنصرة حزب الشيطان، وهذه اللوائح ليس المرجع فيها إلى المستوى الثقافي ولا الاجتماعي، ولا إلى مستوى الإنسان العلمي؛ فإبليس الذي يقود حزب الشيطان هو من أعلم العلماء، ولكن الله أضله على علم وأغواه، وليس كذلك الأمر راجعاً إلى نسب؛ فأول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة الأسود بن عبد الأسد وأول من يأخذ كتابه بيمينه شقيقه أبو سلمة بن عبد الأسد ، خرجا من بطن واحد، لكن أحدهما وفقه الله فكان من حزب الله الساعين لإعلاء كلمة الله ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني خذله الله فسلطه على نفسه فكان من حزب الشيطان، فالمرجع إذاً في انتماء الإنسان لحزب الله أو لحزب الشيطان هو سابقة القدر وما علمه الله من عبده؛ فالله غني عن الأنصار، وقد قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد:4].

    فاحتاج الإنسان إذاً إلى أن يحقق مكانه ومحله من الإعراب، أين هو؟ هل هو في حزب الله أو في هو في حزب الشيطان؟ وإذا كان في حزب الله فهل هو محقق لما خلق من أجله؟ وهل أدى الحكمة التي افترض الله عليه؟ وهل هو قائم بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم فعلاً؟ أو هو مجرد مدع يدعي ما ليس له؟ لا بد أن يحقق الإنسان ذلك بمراجعته لنفسه ومنهجه الذي يسلكه وتقويمه لسلوكه وعمله اليومي؛ فنحن نعلم أن الانتماء لحزب الله لا يكون إلا بعمل، فحزب الشيطان الانتماء له أسهل؛ لأن مجرد تعطيل الإنسان للعمل ينسلك به في حزب الشيطان، فإذا لم يعمل الإنسان لإعلاء كلمة الله كان تلقائياً من حزب الشيطان.

    1.   

    المحفزات إلى الانتماء إلى حزب الله ونصرة الله ورسوله

    يحتاج الإنسان إلى تحقيق انتمائه لله ورسوله ولأن يكون من حزب الله، ولذلك عدد من الحوافز أهمها خمسة:

    البيعة التي بيننا وبين ربنا جل جلاله

    الحافز الأول منها: البيعة التي بيننا وبين ربنا جل جلاله؛ فنحن جميعاً مؤمنون، وقد أخذ الله علينا بيعة أكدها في التوراة والإنجيل والقرآن، وهذه البيعة نقرؤها في القرآن في صلاتنا وفي غيرها، ونؤمن بها ونعلم أنها الحق، ومن المعلوم أن العاقل الحكيم صاحب الدين والمروءة والأمانة إذا أخذ ديناً وتعهد بقضائه لغيره فإنه لا بد أن يسعى للوفاء بدينه، إذا أخذ الإنسان ديناً ولم يفكر يوماً من الأيام في قضائه؛ فهل يوصف بأنه صاحب دين وأمانة ونزاهة؟ أبداً! وأعظم دين تحمله الإنسان هو دين الله جل جلاله وبيعته؛ لأنها مؤكدة في التوراة والإنجيل والقرآن، ولا يستطيع الإنسان التخلص منها، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111]، فإذا كنت مقراً بهذه البيعة وكنت تعلم أن الله غني عنك، وأن عليك أن تفي له بها، وأنك المحتاج إلى الإنجاز والوفاء؛ فانظر إلى نفسك؟ ماذا بذلت من نفسك وماذا بذلت من مالك في سبيل نصرة الله ورسوله؟ حاسب نفسك يا أخي! قبل أن تحاسب، وأنت تعلم أن الناس في هذه البيعة ينقسمون إلى قسمين فقط:

    إلى صادقين ومنافقين، فالصادقون هم الذين وفوا لله بما بايعوه عليه، والمنافقون هم الذين أخلفوا الله ما عاهدوه عليه، أخلفوا الله ما وعدوه، قال الله تعالى: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ[الأحزاب:23-24]، وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[التوبة:75-77]، فهذا كذب، فعندما لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه فهو كذاب، منافق، وهذا ما لا يرضى به المؤمن لنفسه، ولا أحد من المؤمنين يشرفه أن يوصف لدى الله بأنه كذاب منافق؛ فلذلك يحتاج الإنسان إلى الوفاء بهذه البيعة وأن يجعلها من أولوياته ومن أهم اهتماماته، وأن تأخذ حيزاً من تفكيره ومن برنامجه اليومي ومن عمله.

    العلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم

    الحافز الثاني هو: العلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اختاره الله من الخلائق وشرفه وكرمه، وشرف به هذه الأمة حين أرسله إليها، وليس لدينا أي خير إلا من طريقه، فهو الذي دلنا على الله وهو الذي جاءنا بالأحكام من عند الله، وهو الذي نشهد شهادة الحق أنه رسول الله مع شهادتنا أن لا إله إلا الله، نؤذن بذكره ونتشهد بذكره في الصلاة في حياتنا الدنيا، وفي الممات نسأل عنه في قبورنا، وكل إنسان منا يسأل: ماذا كنت تقول في هذا الرجل؟ وهو كذلك الذي نرجو الدخول في شفاعته يوم القيامة، ونرجو الشرب من حوضه، لا يظمأ من شرب منه أبداً؛ فإذاً: علاقتنا به علاقة مركزية في علاقتنا، فلا بد من الحفاظ عليها.

    الإنسان الذي يمكن أن تأخذ منه نفعاً، ويمكن أن يرفع عنك ضرراً، ولكن يمكن أن تستغني عنه لك عنه محيص أو محيد؛ فيمكن أن تقطع علاقاتك به، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس لك عنه محيد، فلا يمكن أن تقطع علاقتك به أبداً؛ لحاجتك الماسة إليه في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، فإذا كنت محتاجاً للعلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أن حقه عليك الذي افترضه الله هو أن تنصره، وقد أرسله الله سبحانه وتعالى بالبينات والهدى، ومنذ بعثه الله سبحانه وتعالى افترق الناس، إذ كانوا طائفتين: طائفة رضيت بما جاء به من الأحكام ورضيت باتباعه فجعلته إماماً واقتدت به، وطائفة لم ترض بذلك ولم تأخذ به؛ فلذلك لا بد أن تجعل من أولوياتك نصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن تشهد هذا التفريق الذي جاء به بين الحق والباطل؛ فقد قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[البقرة:213]، فالناس كانوا أمة واحدة، أمة العولمة؛ لها نظامها الدنيوي الموحد، فأرسل الله الرسل ففرقوا بين الناس، اتبعتهم طائفة فنصرها الله وأيدها بالحق، وأعرضت عن منهجهم طائفة وكذبت؛ سلطها الله على أنفسها فخذلها الله سبحانه وتعالى.

    هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من حقه علينا أن نتحمل أمانته، وقد أوصى إلينا وصية عظيمة أشهد عليها الله سبحانه وتعالى وهو واقف بعرفة، فقال: ( ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع )، وعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبلغ عنه رسالات الله؛ فهو مرسل إلى هذه الأمة كلها؛ فكل رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، في مشارق الأرض أو في مغاربها الآن مرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، لكن الله توفاه قبل أن يبلغ جميع الناس؛ لحكمة بالغة وهي امتحاننا به؛ فبقيت هذه الأمانة التي لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لتحملها، بقيت في أعناقنا نحن، لو كان هو حياً الآن لم يترك مكاناً إلا بلغ إليه رسالات الله، ولبذل عمره وجهده في تبليغها؛ فأنتم تعلمون أنه عاش بعد بعثته ثلاثاً وعشرين سنة، وبذل فيها قصارى جهده في إعلاء كلمة الله، ولم يترك أي سبب يؤدي لإعلاء كلمة الله إلا فعله؛ فغزواته وسراياه خمس وسبعون ما بين غزوة وسرية، كلها لإعلاء كلمة الله، ليس في واحدة منها أي مطلب دنيوي ولا مطمع، لم يمر عليه شهر واحد منذ بعثه الله إلا وهو في السفر لإعلاء كلمة الله، ولم يمض عليه يوم واحد إلا وهو في بيان وتبليغ، لم يركن إلى هذه الحياة الدنيا ولم يرض بها، وبعد أن نقله الله إليه واختاره للرفيق الأعلى بقي تبليغ هذه الرسالة إلى الخلائق وإيصالها إليهم أمانة في أعناق الذين اقتنعوا أنه رسول الله؛ فيجب على كل إنسان منا أن يتحمل جزءاً من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن وظيفته، وأن ينوب عنه في تبليغ رسالاته، والوقت الذي تنفقه بالنيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات الله هو أشرف أوقاتك وأكرمها، فالأوقات تضيع بجمع متاع الحياة الدنيا، أو بالتمتع بما جمع منها، أو بالإهمال في غير ذلك.

    فنصف العمر تمحقه الليالي

    ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً من شمال

    وباقي النصف آمال وحرص وشغل بالمكاسب والعيال

    فهذا الضياع الذي يحصل في العمر، يقتضي أن يحرص الإنسان على تلك السويعات التي يبلغ فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الساعات هي بمثابة زيادة في عمر الكريم صلى الله عليه وسلم؛ كأنك تهدي إليه جزءاً من عمرك فتجعله امتداداً لعمره وزيادة في وظيفته، ولا شك أن الإنسان إذا أهدى عمره فهذا تعبير عن الولاء والنصرة، (والجود بالنفس أسمى غاية الجود).

    فلذلك علاقتنا بالرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي منا نصرته، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة:38-40].

    ونصرتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق على جميع أفرادنا، على الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والعالم والجاهل؛ فكل يجب عليه حق في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتحمل ما يستطيع تحمله من هذه الأعباء.

    الفرصة التي نعيشها الآن

    والحافز الثالث هو: الفرصة التي نعيشها الآن؛ فهذا الوقت الذي نعيش فيه هو من الأوقات التي لم يمكن فيها للدين، ولم يرفع فيها لواء الدين، وقت تغلبت فيه دول الكفر على بلاد الإسلام، وأصبحت أمة الإسلام متخلفة في أعقاب الأمم، وأصبحت بلدان الإسلام نهباً لدى الكفار، ينتبهون ما فيها من الخيرات ويعتدون على سكانها؛ فيحتلون هذا البلد ويحتلون ذلك بعده، فهذا الوقت ليس وقت الفتح؛ فهو قبل الفتح، فلذلك يقتضي أن نصرة الله ورسوله في هذا الوقت أربح من غيره؛ لأن الله تعالى يقول: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا[الحديد:10]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، ولا شك أن الرغبة في الربح في التجارة من مقاصد العقلاء؛ فالعاقل التاجر إذا علم أنه إذا جاء اليوم بتجارته إلى السوق فسيربح أضعافاً مضاعفة، وإذا تأخر عن غروب شمس هذا اليوم لم تكن تجارته بذلك الربح، فهل سيبادر إلى السوق ليبيع تجارته أو لا؟ لا شك أنه سيبادر؛ فلذلك نحن الآن في وقت وجبة، في وقت غلاء؛ فالناصر فيه للدين ولو بمد شعير ولو بأقل شيء أفضل من الذي ينصره بمثل جبل أحد من الذهب بعد التمكين لدين الله، وهذا الربح الطائل لا ندري متى تنتهي فرصته، لكن نعلم أنها منتهية لا محالة؛ فيمكن أن يفتح للدين في هذه الليلة، ويمكن أن يفتح له في الليلة القادمة، وكل ليلة من ليالي الدنيا يمكن أن يمكن الله لهذا الدين فيها؛ فليلة فتح مكة لم يكن أهل مكة يظنون أنها ليلة التمكين لدين الله، ولما رأوا نيران رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تساءلوا فقالوا: ما هذه النيران؟! فقالوا: تلك خزاعة حمستها الحرب، فقال أبو سفيان : (خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها).

    فلذلك علينا أن نبادر قبل أن يفوت الأوان، وبالأخص إذا علمنا أن المتأخرين والمتربصين يمكن أن يقال لهم ما قيل للمنافقين: فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ[التوبة:83]، إذا تأخر الإنسان فإن تأخره مضيعة للربح الكبير ومخاطرة بنفسه؛ لأنه لا يمكن أن يقبل منه الالتحاق بالمستقبل، ومثال هذا الأمر لو أن قوماً جاءوا إلى خيمة الإسلام وهي ساقطة يريدون إقامتها وبناءها، فجاء قوم يتفرجون وجلسوا يتنظرون حتى إذا قامت الخيمة جاءوا ليدخلوا في ظلالها، فهل هؤلاء أصحاب مروءة؟ فلذلك لا شك أن المبادرة بأن يكون الإنسان من الرعيل الأول، ومن الركب الذين يرفعون لواء الإسلام، ويرفعون خيمته أجره لا يمكن أن يلحق، والذين أسلموا يوم الفتح وهم من الصحابة الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوا معه مستواهم في الإسلام ومقامهم فيه بعيد جداً من مقام السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فرق شاسع بين مستوى الطائفتين؛ ولذلك فإن: النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما نزل بمسجد الخيل قسم المسجد إلى ثلاثة أقسام؛ فجعل صدر المسجد للمهاجرين والأنصار وجعل وسط المسجد لمسلمة الفتح وجعل مؤخرة المسجد للأعراب، ولا شك أن العاقل ينبغي أن يحرص على أن يكون من الصف الأولين، ومن السابقين الأولين، وأن لا يرضى أن يكون في آخر الركب؛ فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا دجانة رضي الله عنه على ألا يكون في الصف الأخير أبداً؛ ولذلك قال أبو دجانة رضي الله عنه:

    أنا الذي بايعني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل

    ألا أقوم الدهر بالكيول أضرب بسيف الله والرسول

    ضرب غلام ماجد بهلولي

    بذل المنافقين في سبيل باطلهم

    والحافز الرابع هو: ما يبذله المنافقون من أولاد المسلمين في سبيل باطلهم؛ فلا شك أن العالم الإسلامي ظهر فيه كثير من الأيدولوجيات التي لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، وقد ضحى أصحابها وبذلوا تضحيات جسيمة، ونحن لا نلومهم؛ فالإنسان العاقل إذا اقتنع قناعة فضحى من أجلها فهذه صفة مدح فيه، فهذه الأيدولوجيات التي ضحى أصحابها وبذلوا، هي أيديولوجيات منحرفة، مخالفة لمنهج الله، لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهم يبذلون فيها أموراً جساماً، يتعرضون فيها لأنواع الأذى فيصبرون على ذلك، وقد شاهدنا الأكراد في ألمانيا لما اعتقل عبد الله أوجلان -وهو زعيمهم- يحرقون أنفسهم تضحية من أجل أوجلان ، ونشاهد في كل بلد تعرض الشيوعيين الوجوديين والقوميين وغيرهم من أصحاب الأيدولوجيات لكثير من الأذى، وأيضاً ما يبذلونه من أرواحهم وأفكارهم وأوقاتهم وما يبذلونه من علاقاتهم، وما يبذلونه من أموالهم في سبيل فكرتهم وما هم متبعون له، وهذا هو الذي يقتضي التشبث بالمبادئ ويقتضي ثبات الأفكار؛ لأن كل قناعة لم يصحبها عمل فهي ذاهبة، فإذا اقتنع الإنسان بأن عليه أن يكون عالماً من العلماء ولكنه لم يزاحم العلماء للركب، ولم يسهر الليالي على ضوء القنديل في قراءة الكتب، فهل سيكون عالماً؟ لا، فما فائدة القناعة؟ ليس لها أثر، وإذا اقتنع بأن عليه أن يكون غنياً من الأغنياء، ولكنه لم يباكر الصفق بالأسواق، بل جلس في بيته ينتظر الغنى، هل سيكون غنياً؟ لا، فما فائدة هذه القناعة؟ ليس لها قيمة؛ لأنها لم يصحبها عمل، فكل قناعة لم يصحبها عمل لا أثر لها، وأعظم قناعة ينبغي أن يصحبها العمل هي القناعة بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله.

    بذل الكفار في سبيل نصرة باطلهم

    والحافز الخامس هو: ما يبذله الكفار في سبيل نصرة باطلهم؛ فاليهود مبنى دينهم على أن إسرائيل صرع الرب وخنقه حتى مد لسانه، فشرط عليه ألا يعذب أحداً من ذريته إلا أياماً معدودات، فهذا رب يصرع ويخنق، فلماذا يعبد؟ فإذاً: كل ما يبذله اليهود من السعي الحثيث ومن المؤتمرات والمؤامرات والبروتوكولات كله في سبيل هذه العقيدة الباطلة، وأنتم تعرفون رد عقائدهم في القرآن، وتقرءون قول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا[المائدة:64]، وتقرءون فيه قول الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181]، فهؤلاء هم اليهود، يبذلون الآن من الجهود ما لا يتصوره أحد، ويكفي الإنسان أن يطلع على كتاب "بروتوكولات حكماء الصهيون" ليدرك ما فكروا فيه، وما بذلوه من أجل هدم بيت المقدس وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.

    والنصارى أصل ديانتهم ومبناها على أن الواحد ثلاثة وأن الثلاثة واحد، على أن الرب واحد وفي نفس الوقت هو ثلاثة، وأن الرب لما تكاثرت عليه ذنوب عباده أهبط إليهم ولده الوحيد؛ ليقتلوه ويصلبوه ليكون ذلك تطهيراً لهم من ذنوبهم، فهل هذا ينطلي على أضعف المجانين عقلاً أو أضعف الصبيان؟! لا يمكن أن يقتنع بهذا أحد، ومع ذلك يبذل النصارى في سبيله والتبشير به الجهود المضنية العجيبة، فما رأينا مكاناً في أنحاء العالم إلا وفيه الأوروبيات والأوروبيون، قد خرجوا من بيوتهم ومن أعين الدنيا، يتعرضون لأنواع الأذى والمصائب من أجل التبشير بهذا الدين الذي مبناه على هذه الأباطيل، والمجلس العالمي للكنائس ميزانيته أكبر من ميزانية دول الخليج مجتمعة، وتعرفون ما يبذلون من الجهود في كل مكان؛ فمثلاً المنظمات التنصيرية عندنا هنا في البلد كم عددها؟ المنظمات الكبرى ثمانية وسبعين منظمة، واحدة منها فقط وهي الرؤية العالمية لها من الفروع في بعض المقاطعات في نواكشوط مائتا فرع، الرؤية العالمية فقط! الكتب التي توزع بالأطنان، أناجيل محرفة، المبدل طبعاً، ليس الإنجيل المنزل من عند الله، مطبوع بالعربية يوزع حتى تحت الشجر وفي كل مكان، وهذا الذي يبذلونه هنا عندنا لا يساوي شيئاً مما يبذلونه في أماكن الجهل في أفريقيا، وفي كل مكان آخر من العالم.

    إذا كان اليهود والنصارى وهم أصحاب باطل ودينهم لا يغني عنهم من الله شيئاً، وهو مخالف للعقل وللفطرة وللواقع، وهم يبذلون في سبيله هذه الجهود؛ فلماذا لا يبذل المسلمون نظيرها في سبيل نصرة دينهم الحق، الموافق للعقل والموافق للفطرة، والذي هو موافق للواقع كذلك وتقوم عليه الحجج في كل الأوقات؟!

    1.   

    صوارف الإنسان عن نصرة الله ورسوله والحكمة منها

    فهذه الحوافز كل واحد منها كاف لأن نقوم بالمبادرة لنصرة هذا الدين، وأن نجعل ذلك من أولوياتنا واهتماماتنا، لكن يحول دون سلوك ذلك أن الله سبحانه وتعالى تعهد بأن يصرف الذين لا يرتضي خدمتهم للدين عن نصرته، فكل من لا يرتضي الله خدمته للدين من المستحيل أن يسير في ركب الناصرين لدين الله، قال الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا[الأعراف:146]، وقال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ[التوبة:46]، وقال تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:9]، أي: يصرف عن منهج الله وطريقه من أفك، أي: من أراد الله صرفه وهلاكه، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المُبِينُ[الحج:11]. والصوارف التي جعلها الله سبحانه وتعالى على طريق الحق لله فيها حكم بالغة، فلو كان طريق الحق مسهلاً ميسراً لكل الناس؛ لكان الامتحان غير شاق، ولكان الأمر ميسوراً؛ فلذلك جعل الله سبحانه وتعالى عقبات كبيرة على طريق الحق تصرف الذين لا يرتضي خدمته، ومن حكمة الله في ذلك أن يصفو حزب الله وأن يخلو من المثبطين؛ لأنه قال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ[التوبة:47]، ومن حكمة الله في هذه النكبات كذلك أنه تقتضي غربلة وتمحيصاً؛ فيتساقط المتساقطون حتى لو قطعوا جزءاً من الطريق، وينصرف المنصرفون من بداية الطريق، ومن حكمة الله فيها كذلك أنها تقتضي من الذين ينصرون الله ورسوله إذا أدركوا هذه العقبات والعراقيل أن يحمدوا الله على نعمة الهداية، وأن يحرصوا على الثبات على الدين؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك )، وهذه الصوارف التي تصرف الناس عن نصرة الحق من أعظمها نوعان من الصوارف:

    مما يصرف عن نصرة الله ورسوله الخوف

    النوع الأول: الخوف؛ فكثير من الناس يقتنعون بأن عليهم أن ينصروا الله ورسوله، وأن يتحملوا مسئولياتهم تجاه هذا الدين، ولكنهم يمنعهم الخوف من هذه النصرة، وهذا الخوف أنواع:

    الخوف من أعداء الله ووسائل الإرهاب عندهم

    فالنوع الأول من أنواع الخوف: الخوف من أعداء الله وما يتملكونه من وسائل الإرهاب، فكثير من الناس يقول: أنا مقتنع بأن علي أن أنصر الله ورسوله، وأن أقوم بالواجب تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصرته وتبليغ رسالاته، ولكنني أعلم أن كل من سلك هذا الطريق هو عرضة للسجون والمشانق والتعذيب، وأن أعداء الله يمتلكون هذه الوسائل؛ فيصرفه هذا عن نصرة الله ورسوله، لكن هذا الخوف وهمي لا أساس له، رده الله على أصحابه؛ فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[آل عمران:175]، وقال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا[المائدة:44]، وقال تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ[الأحزاب:37]؛ فالناس لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً؛ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ[الحج:73]، وما يخافه الإنسان مما في أيديهم ينبغي أن يتذكر إلى جانبه أن قلوب جميع العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء؛ فالذي تخافه الآن وتعتبره من حزب الشيطان يمكن أن يملأ الله قلبه من الهداية في هذه اللحظة، ويمكن أن يميته الله؛ فالأرواح في يده جل جلاله؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسولي كسرى لما أتياه، قال: ( أرسلكما كسرى أبراويز قالا: نعم، قال: قتله ابنه البارحة )، فالذي تخافانه وتتعبان أنفسكما من أجل تنفيذ أوامره قتله ابنه البارحة؛ فلذلك المخلوق لا يخاف منه، والخوف منه مناف للخوف من الله جل جلاله، فلا بد أن يعلم الإنسان أن الذي يستحق أن يخاف منه هو الذي أمره بين الكاف والنون؛ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40]، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82]، الذي لا معقب لحكمه هو الذي يستحق أن يخاف منه، أما من سواه من المساكين المخلوقين فلا يستحق أي جزء من أنواع الخوف، لا يستحق أن يخطر على البال الخوف منه أصلاً؛ لأنه لا يملك ما يقتضي تخويفاً، وكل ما بيده مسير من حيث لا يشعر.

    الخوف على المصالح

    النوع الثاني من أنواع الخوف هو: الخوف على المصالح؛ فالكثير من الناس مقتنعون بأن عليهم أن ينصروا الحق، وأن يكونوا من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن متحملي الأعباء والمسئوليات تجاه هذا الدين، ولكنهم يرون أنهم إذا التحقوا بالركب وكانوا في ضمن الناصرين للدين سيفوتهم كثير من مصالحهم، إما المصالح الحاصلة وإما المصالح المتوقعة؛ فقد يفقد الإنسان وظيفته وقد يفقد الإنسان ماله وقد يفقد مكانته الاجتماعية، وهذه مصالح يحرص عليها الناس؛ فلذلك يقدمونها على نصرة الدين؛ فيقول الإنسان: أنا معذور، وأنصفوني فأنا معذور، لا أستطيع أن أفعل هذا؛ لأنني إذا فعلته سأفقد وظيفتي أو سأفقد مكانتي، وهذا الخوف كذلك وهمي لا أساس له، فمن منحك هذه الامتيازات ومن أعطاك هذه المصالح؟ الله جل جلاله؛ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53]، وإذا عرفت ذلك فاعلم أنه يقول: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الأنعام:17]، ويقول: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ[يونس:107]، ويقول: مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:2]، ويقول: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ[الزمر:38]، وأنت تقول في صلاتك: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فما معنى هذا الكلام إذا كنت لا تقتنع به؟! إذا كنت تظن أن الغير هو الذي يملك لك النفع والضر وهو الذي يستطيع قطع مصالحك، ما معنى قولك: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت؟

    فلذلك هذا النوع من الخوف رده الله على أصحابه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة:28]، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً[التوبة:28] أي: إن خفتم فقراً، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ[التوبة:28]، هذا تعهد من الله الذي بيده خزائن الرزق، تعهد وهو الذي لا يخلف الميعاد بهذا.

    الخوف من التشويه

    النوع الثالث من أنواع الخوف هو: الخوف من التشويه؛ فكثير من الناس مقتنعون بأن عليهم أن يكونوا من أنصار الحق وأن يسيروا في الركب، ولكنهم يرون أن من التحق بركب أنصار الحق سيكون عرضة لألسنة الناس، وستكال لهم التهم ويوصف بالأوصاف المقززة التي تقتضي نفره، فلا يريد أن ينال من عرضه ولا أن يتكلم الناس فيه، ولكن الواقع أن الرب جل جلاله هو المتصف بصفات الكمال، وما من وصف كمال ولا جلال ولا جمال إلا وهو صفة الله، وليس متصفاً بأية صفة نقص، فإن ذلك عليه محال، فإذا كان الحال كذلك فأنتم تعلمون أن اليهود قالوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ[المائدة:64]، قالوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181]، والنصارى زعموا لله صاحبة وولداً، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فهل ضر هذا التشويه ربنا شيئاً؟ لم يضره ولن يضره، ورسل الله وهم خيرة الله من خلقه ما منهم أحد إلا قيل فيه: كذاب، مجنون، ساحر، كاهن، طالب سلطة، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ[الذاريات:53]، هل ضر الرسل هذا التشويه شيئاً؟ أبداً. وأنت يا أخي! ما أنت إلا حلقة من سلسلة طويلة فيها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومن على آثارهم من المضحين المخلصين؛ فكل نكبة أصابت حلقة من حلقات السلسلة فستصيب السلسلة كلها، وهي نكبات مباركة؛ فأنت لست أكرم على الله من نوح عليه السلام، الذي قال لقومه: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ[هود:38-39]، ولست أكرم على الله من إبراهيم خليل الله الذي رمي في النار، ولست أكرم على الله من موسى كليم الله، الذي قال: يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ[الصف:5]، ولست أكرم على الله من عيسى روح الله الذي حاول بنو إسرائيل قتله وصلبه؛ فرفعه الله إليه، ولست أكرم على الله من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وضع السلى بين كتفيه وهو ساجد لربه، وأوذي في نفسه وفي أصحابه وفي أهله بجميع أنواع الأذى، وحوصر ثلاث سنين في الشعب يعقد الحجر على بطنه من الجوع، ولا يبيع له أحد طعاماً ولا شيئاً ولا يشتري منه شيئاً، ثلاث سنوات من الحصار، وقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : ( والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق السمر وهذه الحبلة، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، خبت إذاً وضل سعيي ) وقال عتبة بن غزوان رضي الله عنه: ( والله لقد رأيتنا في الشعب مع النبي صلى الله عليه وسلم وما منا أحد إلا وهو يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ثم لقد رأيت أولئك النفر وما منهم أحد إلا وهو وال على مصر من الأمصار ) فلو كان بهذا الباب مسمار نتأكد جميعاً أنه جرح نوحاً وإبراهيم و موسى و عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم لكنا الآن نستبق إلى أن يجرحنا؛ لأنه مسمار مبارك، جرح من هو خير منا؛ فلذلك هذه النكبات التي تصيب الإنسان في نصرة الحق هي بمثابة المسمار الذي جرح نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وإنما يبتلى الرجل على قدر دينه ).

    الخوف من التكاليف

    النوع الرابع: من أنواع الخوف، وهو: الخوف من التكاليف، فكثير من الناس لا يحول بينهم وبين نصرة الحق إلا أن له ضرائب وتكاليف، والحق مر، والقيام بالحق صعب؛ فلذلك يرون أنهم إذا التحقوا بالركب وأعانوا الناصرين للدين سيكلفون بكثير من التكاليف فيقولون: لا حاجة بنا إلى هذه التكاليف، ونحن أحرار الآن، يمكن أن نحضر ويمكن أن ننصرف، وإذا التحقنا بالركب فسيأسرنا أقوام، ونؤمر بالحضور وبالانصراف، نؤمر ببذل المال، نؤمر بالكلام، ننهى عنه.. وهكذا، فلماذا نقيد أنفسنا ونقيد حرياتنا؟!

    والجواب: أن التكاليف لا تكون إلا في النفس أو في المال، وليس لديك أي مجال آخر تكون فيه التكاليف إلا النفس أو المال، وقد بعتهما لله سبحانه وتعالى؛ فلذلك اعلم أن ما تخافه من التكاليف هو حاصل، فالتكاليف موجودة ولكن الناقص هو الوفاء بالتكاليف، فقد بعت نفسك ومالك لله، وقصارى أمر القائمين على نصرة الحق أن يجدونك قناة ضيقة لتفي لله ببعض ما بايعته عليه، فإذاً: الخوف من التكاليف هو على أساس الجهل وعدم الفهم، ولو كنت تفهم فالتكاليف سبقت؛ لأنها بيعة بينك وبين ربك على نفسك ومالك، ولا يمكن أن تزاد التكاليف عليك أبداً.

    الخوف من المجهول

    النوع الخامس وهو الأخير من أنواع الخوف: الخوف من المجهول؛ فكل أمر لم يكن الإنسان يتعوده ولم يكن يعهده يظنه أمراً مرعباً مخوفاً؛ فيرى أن نصرة الحق والتعاون على إعلاء كلمة الله، والتعاون على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يختص بها أقوام وكأن لها هيئة وشكلاً؛ فيخاف منهم، لكن هذا الخوف وهمي مثل خوف الصبي من الغرفة المظلمة، إذا أطفئ النور ماذا يقول الصبي؟ جاني جوج.. جوج! لكن إذا أوقد النور لم يجد هذا البعبع الذي يخافه.

    فإذا دخل الإنسان في ميدان نصرة الله ورسوله زال عنه هذا الخوف ولم يجد شيئاً مروعاً، فما يحصل لدى بعض الناس من التوقف عن نصرة الله ورسوله، ونصرة الحق بسبب الخوف من هذا المجهول دواؤه الدخول فيه، فإذا دخل الإنسان عرف ما الذي يخافه.

    مما يصرف عن نصرة الله ورسوله نقص الثقة

    العقبة الثانية بعد الخوف هي: نقص الثقة، وهي كذلك أنواع تحول بين الإنسان وبين نصرة الحق:

    نقص ثقة الإنسان بنفسه

    فالنوع الأول من نقص الثقة هو: نقص ثقة الإنسان بنفسه؛ فكثيراً ما يقول الإنسان وبالأخص في أوساط الشباب، يقول: أنا شاب ضعيف جاهل، واجباتي أكثر من أوقاتي، لدي مرضى ولدي ضيوف، ولدي أعمال ولدي وظائف، ووقتي كله مشغول؛ فمتى أنصر الله ورسوله؟ وما استطيع أن أبذله في سبيل نصرة الله ورسوله؟

    والجواب: أنه لو أخذ كل إنسان بهذه الأعذار لما نصر أحد الله ورسوله، ولما رفعت راية الله أبداً، فكل إنسان له أعذار، له أهل وله عمل وله عيال، والفارغون الذين ليس لهم أي تصرف في الحياة لا يمكن أن ينصروا الله ورسوله، فنصرة الحق لا يتحملها المتردية والنطيحة وما أكل السبع، إنما يتحملها الرجال الأبطال، الذين يستطيعون التحمل والتضحية، أو النساء المضحيات المجاهدات، اللواتي يؤثرن رضا الله على رضا المخلوقين.

    فإذاً: إذا علم الإنسان أن التكاليف إنما تتعلق ببذل الأسباب لا بالنتائج؛ فإنه سيهون عليه ما يبذله، فأنت لم تكلف إلا بما تستطيع؛ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286]، لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا[الطلاق:7]، فلست مكلفاً إلا بما تطيقه وتستطيعه، وإذا بذلته لله فقد نجحت في الامتحان، قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[المائدة:23]، فالإيمان يقتضي من الإنسان أن يبذل الجهد متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك النتائج إلى الله وليست بأيدينا، وأنت تأخذ زرعك فتضعه في الأرض، ولا تدري ماذا يحصل له في جوف الأرض، ولكن الله ينبت منه السنابل ويخرجه، وأنت عليك أن تبذل، فما تبذله في سبيل نصرة الحق فهو بمثابة الحراثة للزرع الذي لديك، تبذره بالأرض والله ينبته ويخرج منه النتاج.

    نقص الثقة بمن يعمل معك

    النوع الثاني من أنواع نقص الثقة هو: نقص الثقة بمن يعمل معك، فكثير من الناس يقول: أنا مستعد لنصرة الله ورسوله ولنصرة الحق، ولكني أعلم أن نصرة الحق ليست عملاً فردياً، ولا يمكن أن يقوم به الفرد؛ فالفرد لا ينصر مظلوماً، ولا يقيم حداً، ولا يرجو عدواً، ولا يعدل في الأرض، ولا يستطيع القيام بشيء، والذين أراهم من الذين يدعون أنهم ينصرون الله ورسوله وينصرون الحق يمكن أن يكونوا غير صادقين، ويمكن أن يكونوا غير مخلصين، ويمكن أن يكونوا مرائين ومسمعين، ويمكن أن يكونوا مخابرات، وهذه الاحتمالات كلها صحيحة، كلها ممكنة، لكن أنت يا أخي! أيضاً ما الذي ينجيك من كل هذه الاحتمالات؟ فكل الأسئلة واردة عليك أنت أيضاً، فما الذي جعلك أنت الوحيد المخلص، وأنت الوحيد الصادق، وأنت الوحيد غير المرائي وغير المسمع، ومن سواك كلهم مراءون ومسمعون، غير مخلصين ولا صادقين؟ ما أنت إلا أحدهم، وهذه الشبهة لها سببان:

    السبب الأول: مرض القلب؛ بأن تتراكم الذنوب على الإنسان حتى تسود بصيرته؛ فيكون كالذي ينظر من نظارات سوداء، فكل ما يقع عليه نظره يكون أسود لديه.

    إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم

    وعادى محبيه بقول عدوه فأصبح في ليل من الشك مظلم

    وكل إنسان إنما يقيس الناس على ما هو فيه؛ ولذلك حدثني أحد الثقات أنه ليلة من الليالي كان هناك أحد من الماجنين البطالين قد نام بعد صلاة الصبح، وقت الضحى أراد أحد أن يوقظه، فقالوا: هذا بات سهران، فقال له: بل هذا بات قائماً لله، دعوه ينام؛ لأنه هو يتصور الناس كلهم ما يسهر أحد إلا في قيام لله؛ لأنه هو هكذا يفعل، فيقيس الناس على نفسه؛ لأنه يتصور الناس من خلال نفسه، وهذه قضية كل من يحسن الظن بالآخرين، يقيسهم على نفسه؛ فيظن أنهم يتصفون بما يتصف به، والعكس صحيح، فالفاسد أيضاً يظن الناس جميعاً مثله، فإذا رأى من يبذل مليوناً في سبيل الله يقول: هذا لعله سرقه أو لعله أخذه من مكان، أو لعله سيحتال، يلتف عليه فيأخذه من مكان آخر، وإذا رأى من يبكي في الخشوع في الصلاة يقول: ما الذي يبكيه هذا؟ لأنه هو لا يستشعر السبب؛ فلذلك مرض الإنسان، مرض قلبه يمنعه من رؤية الأشياء على حقيقتها.

    والسبب الثاني لهذه الشبهة: تجارب فاشلة خاضها الإنسان مع أقوام؛ فجاءوا تحت الظن، فأصيب بإحباط فظن أن جميع الناس كذلك، عمل مع قوم لنصرة الله ورسوله، ولكن بالتجربة وجد أنهم ليسوا صادقين أو جاءوا دون ما كان يظن، فأصيب بإحباط فظن أن الجميع كذلك؛ وهذا القياس فاسد؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة )، فاصبر يا أخي! على مائة تجربة فاشلة، حتى تجد تجربة واحدة ناجحة.

    نقص الثقة بالمستقبل

    والنوع الثالث من أنواع نقص الثقة هو: نقص الثقة بالمستقبل؛ فكثير من الناس يحول بينهم وبين نصرة الدين ونصرة الحق أنهم يقولون: إن الأمر لا يزداد إلا شدة، ومن المستحيل أن تكون الأمة الإسلامية موحدة تحت لواء واحد، ومن المستحيل أن يتغلب المسلمون على الأمريكان؛ فالأمريكان يملكون مثلاً ثمانية وأربعين قمر تجسسياً، ويملكون ثمانية وثمانين مفاعلاً نووياً، ويملكون إحدى عشرة حاملة طائرات، ويملكون الأساطيل في أنحاء العالم؛ فمتى يصل المسلمون إلى مستواهم في التكنولوجيا؟ ومتى يصلون إلى مستواهم الاقتصادي؟ فتحصل الهزيمة للإنسان؛ لأنه ينظر بمجرد المعيار المادي، وهذه النظرة هي نظرة المنافقين يوم الأحزاب، قالوا: (يزعم محمد أنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وقيصر ، وها أنتم اليوم لا يستطيع أحد منكم أن يخرج لقضاء حاجته) فلم تمض سبع سنوات حتى فتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت في سبيل الله؛ فلذلك بين الله لنا أمراً عجيباً في سورة القمر بعد أن ذكر الطريقة التي أهلك بها الذين كذبوا نوحاً حين أمر السماء فانفتحت أبوابها بالماء المنهمر، وأمر الأرض فانفجرت عيوناً، فالتقى الماء على أمر قد قدر، وقص علينا الطريقة التي أهلك بها الذين كذبوا هوداً حين سخر عليهم الريح العقيم ثمانية أيام حسوماً؛ فاقتلعتهم فكانوا كالنخل المنقعر، وقص علينا الطريقة التي أهلك بها الذين كذبوا صالحاً حين أرسل عليهم الصحية فشقت أشغفت قلوبهم؛ فماتوا موتة رجل واحد، وقص علينا الطريقة التي أهلك بها الذين كذبوا لوطاً حين أرسل عليهم الحاصب فاقتلع قريتهم فحملها حتى سمع أهل السماء أصوات كلابهم، ثم ردها على الأرض، ثم أرسل عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك، ثم قص علينا الطريقة التي أهلك بها فرعون وجنوده حين فلق البحر حتى مر منه موسى والمؤمنون معه، فلما توسطه فرعون وجنوده أمره فالتطم عليهم فلم تبق منهم باقية، بعد كل هذا قال: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ[القمر:43]، أكفاركم الأمريكان وغيرهم خير من أولئكم؟ هل هم خير من عاد الذين كانوا يقولون: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً[فصلت:15]؟ هل هم خير من قوم نوح؟ هل هم خير من ثمود؟ هل هم خير من قوم لوط؟ هل هم خير من فرعون وجنوده الذي كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[النازعات:24]؟ ويقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي[الزخرف:51]، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ[القمر:43]، وقع الالتفات في الخطاب، والالتفات معناه: أن يكون الكلام في الأصل موجهاً إلى جهة ثم يصرف عنها إلى جهة أخرى، فالخطاب كان للمسلمين: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ[القمر:43]، فانصرف الخطاب إلى الكفار مباشرة: أَمْ لَكُمْ[القمر:43] أيها الكفار، بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ[القمر:43]، براءة في الكتب المنزلة من عند الله ألا يصيبكم بمثل ما أصاب به السابقين؟ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ[القمر:44]، إذا كان اعتمادهم إنما هو على الدعاية الإعلامية، نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ[القمر:44]؛ فالجواب: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:45]، فهذه سنة الله.

    فلذلك هزيمتنا أمام الكفار لمن عرف هذه النصوص وآمن بها لا محل لها ولا وجود لها أبداً؛ لأنه يعلم أن الأرض وأهلها لا يساوون شيئاً من ملكوت الله، فما أهون الأرض وأهلها على الله إذا عصوه! فمن أمره بين الكاف والنون ما أهون عليه أن يأمر البحر فيبتلع ما فيه، والجو فيبتلع ما فيه، والأرض فتبتلع ما فيها، والفضاء الخارجي فيبتلع ما فيه؛ فلذلك انتفاشة الباطل وانتفاخته لا تضر، ولا ينبغي أن ينهزم المسلم أبداً، بل المسلم معلق القلب بالله جل جلاله ويرى تصرفه في الأكوان، وتغييره للأمور، مثل تصريفه للرياح، تارة تأتي من الجنوب وتارة تأتي من الشمال، وتارة تأتي من الشرق وتارة تأتي من الغرب، ولا يستطيع أحد أن يغير مهب الرياح إلا الله جل جلاله؛ فإذا الإنسان يدرك تصرف الله سبحانه وتعالى في المخلوقات فإنه سينظر إليهم على أنهم يتصرفون مثل الشمس التي تطلع من الشرق وتغرب في الغرب، أو مثل الكواكب، أو مثل النمل، أو مثل غير ذلك من المخلوقات المسيرة على وفق قدر الله سبحانه وتعالى.

    ولا بد يا أخي! أن تعلم أنه حتى لو قدر أن الإسلام لا ينتصر الآن؛ فسينتصر لا محالة، وقد تعهد الله بنصرته؛ فقد قال الله تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور:55]، وقال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج:40]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد:7]، وقال تعالى: ق إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[الأعراف:128]، وقال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ[غافر:51]، وقال تعالى: كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة:21]، وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ[الأنبياء:105-106]، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة وسكت )، فلا بد أن يتحقق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم طال الزمان أو قصر، وأنت لا تبالي، سواءً حصل الفتح والنصر في حياتك وعمرك وبجهدك أو بجهد من يأتي بعدك؛ فالجميع مشتركون في الأجر والمغنم، ويكفيك أنت أن تكون لبنة من لبنات هذا البناء، ولو لم تكن اللبنة النهائية.

    نقص الثقة بمن يقود العمل ويوجهه

    النوع الرابع من أنواع نقص الثقة هو: نقص الثقة بمن يقود العمل ويوجهه، فنصرة الدين عمل جماعي يحتاج إلى توجيه وتخطيط وترشيد، ولا شك أن كثيراً من الناس يقولون: أنا مستعد لنصرة الدين الآن وإعلاء كلمة الله، ولكني أنتظر نزول المسيح بن مريم عليه السلام أو خروج المهدي، فالذين أراهم الآن ليس فيهم تلك القيادة الآسرة التي ينبغي أن تسلم لها النفوس.

    والجواب عن ذلك: أنك يا أخي! مأمور بإعلاء كلمة الله مع كل بر وفاجر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الجهاد ماض إلى قيام الساعة، مع كل بر وفاجر، لا ينقضه جور جائر ولا عدل عادل )، وهذه الشبهة لها سببان كذلك:

    السبب الأول: عدم فهمك للقيادة؛ فكثير من الناس يظنون أن القائد هو المعصوم الذي لا يخطئ، والعالم الذي لا يجهل، والمضحي الذي لا يفتر، وهذا خطأ؛ فالقائد ما هو إلا فرد من الأفراد؛ كما قال علي رضي الله عنه: (ما أنا إلا أحدكم ولكني أثقلكم حملاً)؛ ولذلك قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا[الإسراء:94-95]، فالبشر لا يقودهم إلا البشر؛ كما أن الملائكة لا يقودهم إلا الملائكة.

    والسبب الثاني هو: مرض النفس؛ بأن يريد الإنسان القيادة لنفسه ولا يريدها لغيره؛ كما قال أبو فراس الحمداني :

    ونحن أناس لا توسط عندنا لنا العز فوق العالمين أو القبر

    أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا وأكرم من فوق التراب ولا فخر

    نقص الثقة بالمنهج

    النوع الخامس من أنواع نقص الثقة هو: نقص الثقة بالمنهج؛ فمناهج النصر متفاوتة، وهي اجتهادية، والإنسان يرى كثيراً من المناهج الموجودة في بعض الأحيان تتكاثر عليه وتتعارض؛ فيقول:

    تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد

    وفي بعض الأحيان يرى فيها تناقضاً واضحاً، واختلافاً واختلاطاً؛ فيقول: أي هذه المناهج أولى بالصواب؟ وأيها أولى أن يكون من المعين لنصرة الدين؟

    والجواب: أن الجميع ليس فيهم نبي معصوم، وإنما هم مجتهدون، من أصاب منهم له أجران ومن أخطأ له أجر، وإنما يوازن بين هذه المناهج على اعتبار المعايير الشرعية للاختيار، ومعايير اختيار المناهج خمسة:

    معيار القرب من منهج النبي صلى الله عليه وسلم الجماعي

    المعيار الأول منها: القرب من منهج النبي صلى الله عليه وسلم الجماعي؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم نصر الحق أو لم ينصره؟ نصره قطعاً، فأنتم جميعاً تشهدون أنه نصر الحق، وأنه جاهد في الله حق جهاده.

    فننظر إلى المنهج الذي نصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق فنقارن به المناهج، ولن نجد منهاجاً مطابقاً له اليوم مائة بالمائة، لكن يكفي أن الترمذي أخرج في السنن من حديث نعيم بن حماد عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنتم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، وسيأتي على الناس زمان من أتى فيه بعشر ما أمر به نجا )، فأنت اليوم لن تجد أبا بكر و عمر و علياً و سعداً و سعيداً و عبد الرحمن بن عوف و عماراً و بلالاً و صهيباً ، لن تجد هؤلاء، إنما تجد أقواماً هم أبناء زمانه؛ فلا تقسهم على الماضي، لكن انظر إلى الأقرب والأمثل فقط.

    أركان منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي نصر به الدين

    منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي نصر به الدين يقوم على خمسة أركان:

    الركن الأول: الربانية، أي: الاتصال بالله جل جلاله، وقصد وجهه الكريم، والاعتماد عليه وحده، لا شريك له، فكل منهج لم تجد فيه هذه الربانية فأقصه من اللائحة.

    والركن الثاني هو: التربية؛ فقد ربى أصحابه تربية عجيبة، غيرت واقع حياتهم؛ فـعمر بن الخطاب الذي كان يصنع صنماً من التمر ويعبده، ويسجد له وإذا جاع أكله، فأصبح بعد هذه التربية يقول للحجر الأسود: ( والله إني لأعلم إنك لحجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) و علي بن أبي طالب الذي هو من هذه الأمة الأمية التي لا تحسب ولا تكتب بعد هذه التربية كان قائماً على المنبر يخطب؛ فافتتح خطبته فقال: (الحمد لله الذي يجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى) فقال له سائل: يا أمير المؤمنين! هالك عن زوجة وأبوين وابنتين؟ فقال: (صار ثمنها تسعاً) واستمر في خطبته، وهذا معناه أن التركة أصلها من أربعة وعشرين؛ لأنها اجتمع فيها الثمن والسدس، وأربعة وعشرين دخلها العول بمثل ثلاثة أجزاء؛ فصارت سبعة وعشرين؛ فنصيب البنتين الثلثان ستة عشر من أربعة وعشرين، ونصيب الأبوين كل واحد منهما له السدس أربعة؛ فالجميع ثمانية، إذا جاءت ثمانية على ستة عشر كم بقي من أربعة وعشرين؟ ما بقي شيء، ونصيب الزوجة ثلاثة وهو الثمن من أربعة وعشرين فتزيد هذه الثلاثة على أربعة وعشرين؛ فيكون الجميع سبعة وعشرين، سبعة وعشرين نسبة ثلاثة منها كم؟ تسعة لأن ثلاثة في السبعة وعشرين تسع مرات، وثلاثة من أربعة وعشرين كم؟ الثمن؛ لأن ثلاثة في أربعة وعشرين ثمان مرات؛ فقال: صار ثمنها تسعاً، بكل هذه البديهة قسم هذه التركة، وهذا الآن لو عرضت المسألة على الكمبيوتر ما استطاع أن يحلها في مثل هذا الموقف.

    فهذه التربية التي ربى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه هي ركن واضح من أركان عمله في نصرة الدين، فإذا وجدت منهجاً ليس فيه تربية ولا عناية بالأفراد فأقصه من اللائحة.

    الركن الثالث من أركان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في نصرة الدين هو: تحقيق الإخاء بين جميع الأفراد؛ فقد آخى بين المهاجرين والأنصار وآخى بين الأنصار أنفسهم وبين المهاجرين أنفسهم، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن أم العلاء رضي الله عنها قالت: (كان المهاجري يرث الأنصاري، والأنصاري يرث المهاجري بأخوة الإسلام، حتى نزل قول الله تعالى: وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا[الأحزاب:6]) قالت: (فكانوا يوصوننا) فهذا المعروف الذي أذن له به هو الوصية؛ فكانوا يوصون لهم، وهذا الإخاء يقوم على ركنين، هما: تحقيق الألفة، وإزالة الكلفة، فأي منهج لا يعتمد الإخاء بين الداعين إلى الحق والناصرين له أقصه من اللائحة.

    الركن الرابع من أركان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في نصرة الدين هو: الأخذ بالأسباب؛ فلم يترك أي سبب يؤدي إلى النصر في زمانه إلا أعمله، فقد غزا الغزوات وأخرج الكوماندوزات، مثل كوماندوز كعب بن الأشرف وكوماندوز أبي رافع بن أبي الحقيق ، وكتب الكتب إلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام، حتى أسباب النصر التي لا يعرفها العرب، وهي مستوردة من حضارات أخرى أعملها، مثل الخندق مستورد من حضارة فارس، والمنبر مستورد من حضارة الحبشة، والخاتم مستورد من حضارة الروم، وكلها أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فإذاً: أي منهج لا يعتمد أصحابه على الأخذ بالأسباب، وأنتم تعرفون أن أسباب النصر في كل زمان ومكان مختلفة، فمثلاً أسباب النصر اليوم في زماننا لا شك أن منها مثلاً الإعلام؛ فهو وسيلة من وسائل النصر، وكذلك جمع الأصوات؛ فهو وسيلة من وسائل النصر، وكذلك المشاركة النقابية والسياسية، فهذه وسيلة من وسائل النصر، فأي منهج لا يعتمد هذه الوسائل فأقصه من اللائحة؛ لأنه لم يسلك الطريق النبوي والمنهج النبوي.

    أخيراً الخامس من أركان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في النصرة هو: التدرج والمرحلية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم قط على مخاطرة ولا على مغامرة، هل سمعتم أنه قتل أحداً من رموز الشرك في العهد المكي، ثلاث عشرة سنة؟ أبداً، فلم يقتل أبا سفيان ولم يقتل عتبة ، ولم يقتل الوليد ولم يرسل من يغتال أبا جهل ، لم يقتل أحداً في العهد المكي، كذلك لم يكسر أي صنم في العهد المكي، وكان يسكن في دار الأرقم ومعه أربعون هم خيرة أهل الأرض، ودار الأرقم أين كانت؟ على الصفا، والصفا عليها صنم اسمه (إساف) وعلى المروة صنم اسمه (نائلة)، فلم يكسر أي صنم طيلة العهد المكي، لماذا؟ لأن هذه مغامرات ومخاطرات ليس فيها فائدة، فلو كسر صنماً من حجارة لبناه قريش من ذهب إذ ذاك؛ فلذلك أي منهج يعتمد المغامرات والمخاطرات التي ليس يدري ما يترتب عليها، مثل الذين يعتمدون التفجيرات والأمور التي لا يدرى ما يترتب عليها؛ هؤلاء لم يسلكوا المنهج النبوي؛ لأن المنهج النبوي لا بد أن تكون أموره مدروسة معلومة النتائج، إذاً: فهذا المعيار الأول: القرب من المنهج النبوي.

    معيار الشمول في هذا الدين

    والمعيار الثاني هو: الشمول في هذا الدين؛ فهذا الدين دين الله، وليس دين الناس، ولا تمكن تجزئته، والذي يريد أن يأخذ بجانب واحد منه ويترك الجوانب الأخرى لا بد أن يصاب بغلو حتى يجعل من الحبة قبة، فهذا المسجد لما أردتم تأسيسه وبناءه، هل يمكن أن نبني جانباً واحداً منه ونصبغه قبل أن نحفر الجوانب الأخرى؟ لا. وذلك من المستحيل! فلذلك لا بد أن يكون الدين مأخوذاً به جميعاً؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لــمعاذ حين أرسله إلى اليمن: ( ادعهم إلى كبير الإسلام وصغيره )، الدين يغطي كل الجوانب، فيه العبادة وفيه المعاملة وفيه السياسة وفيه الاقتصاد وفيه الاستماع، يغطي كل أمور الناس؛ فالذي يريد أن يأخذ بعض هذه الجوانب، يقول: أنا أعتني فقط بجانب العقيدة أو اعتني فقط بجانب العبادة، أو اعتني فقط بجانب الخلق، أو اعتني فقط بجانب الأمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، أو لا أهتم بالسياسة أو لا أهتم بالاقتصاد، أو لا أهتم بالاجتماع؛ فهذا لم يأخذ بشمول الإسلام ولا يمكن أن ينجح؛ فهو بمثابة الذي يريد أن يبني هذا الجدار ويصبغه بالأصباغ قبل أن يحفر للجدران الأخرى.

    معيار الخطورة لدى أعداء الحق

    والمعيار الثالث هو: الخطورة لدى أعداء الحق؛ فأعداء الحق لا يعادون الناس على أساس ذواتهم وأنسابهم، وإنما يعادونه على أساس ما يحملونه من الحق؛ فكل نصيبه من العداوة على قدر نصيبه من الحق؛ فلذلك إذا وجدت منهجاً يرضى عنه أعداء الحق، يرضى عنه اليهود والنصارى فاعلم أنه غير مستقيم؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[البقرة:120]، وبقدر عداوتهم لأي منهج من المناهج يدل ذلك على استقامته وسلامته.

    معيار الإنتاج

    والمعيار الرابع هو: الإنتاج؛ فالناصرون للحق يجتهدون فيقوم عملهم، فالذين تسمع لعملهم جعجعة ولا ترى طحناً لا شك أن عملهم لا يثمر، والذين لعملهم نتائج واضحة بالعيان في مختلف المجالات لا شك أنهم أولى من غيرهم.

    معيار السهولة واليسر

    والمعيار الخامس وهو الأخير هو: السهولة واليسر، ( فما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط بين أمرين إلا اختار أيسرهم، ما لم يكن إثماً ولا قطيعة رحم )، فالعمل الميسور الذي ليس فيه تكلفاً ولا عناء لا شك أنه أولى من العمل الذي فيه تكلف، وقد سئل جحا عن أذنه قيل: أين أذنك؟ فرفع يده من فوق رأسه وقال: هذه! لماذا لا يبدأ بالتي تليه؟! فالطريق المختصر الذي يوصل إلى النتيجة لاشك أنه أولى من الطريق الملتوي.

    وبهذا نكون قد أكملنا ما كنا نريده، واختصاراً هو مبني على رقم خمسة.

    فالحوافز التي تدعو إلى نصرة الحق خمسة، وأنواع الخوف خمسة، وأنواع نقص الثقة خمسة، ومعايير الاختيار خمسة، وأركان منهج النبي صلى الله عليه وسلم خمسة؛ فإذا خمسة ضرب خمسة؟ خمسة وعشرين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

    1.   

    الأسئلة

    دور ربات البيوت في نصرة الحق

    السؤال: ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به أمهات البيوت للمساهمة في نصرة الحق؟

    الجواب: أن أمهات البيوت عليهن من المسئولية في التربية، وفي أن يكون البيت مسلماً حقاً، وفي مساعدة أهل البيت على الالتزام الشيء الكثير، وهنا أذكر الرجال بأن عليهم أن يساعدوا ربات البيوت بأن يكون لهن مشاركة في نصرة الله ورسوله، على أرباب البيوت ألا يمنعوا إماء الله مساجد الله، وألا يمنعوا النساء من حضور الدروس، وألا يمنعوا النساء من المشاركة في نصرة الله ورسوله.

    إسناد حديث: (إنما الأعمال بالنيات)

    السؤال: هذا يسأل عن سند حديث: ( إنما الأعمال بالنيات )، ويريده بالإسناد المتصل؟

    الجواب: أنني حدثني جدي محمد عالي بن عبد الودود رحمة الله عليه عن يحظيه بن عبد الودود رحمة الله عليه عن محمد بن محمد سالم المجلسي عن حامد بن عمر عن الفقيه الخطاط عن القاضي ابن عل أمم السباعي عن شيخ الشيوخ الفاضل ابن أبي الفاضل الحسني ، عن علي بن الأجهوري عن البرهان العلقمي ، عن الجلال السيوطي ، عن زكريا الأنصاري ، عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، عن إبراهيم التنوخي ، عن أحمد بن أبي طالب الحجار ، عن عبد الأول بن يوسف السجزي ، عن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، عن عبد الله بن أحمد السرخسي ، عن محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، عن محمد بن إسماعيل البخاري قال في صحيحه: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير ، قال: أخبرنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن محمد بن إبراهيم التيمي أخبره أن علقمة بن وقاص الليثي أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه )، وبالإسناد السابق إلى البخاري رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه ).

    الكتب المؤلفة في أدلة الأحكام

    السؤال: هذا يقول: ما هو أكثر كتب الحديث اشتمالاً على فرض العين؟

    الجواب: أن الكتب المؤلفة بأدلة الأحكام من كتب الحديث منها مثلاً (بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر، ومنها (منتقى الأخبار) للمجد بن تيمية ، ومنها (الأحكام) لـعبد الحق الإشبيلي ، ومنها المنتقى لـابن الجارود ، وهذه كلها تتضمن بعض أدلة الأحكام.

    الفورية في فريضة الحج

    السؤال: هل تجب فريضة الحج على الفور؟

    الجواب: الراجح أن الحج يجب على الفور، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، لكن الراجح هو وجوبها على الفور؛ لأن الله تعالى يقول: وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:97]، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هؤلاء الأمصار؛ فلينظروا من فيهم ممن استطاع الحج فلم يحج فليفرضوا عليهم الجزية، ما هم المسلمين.. ما هم المسلمين.. ما هم المسلمين) وصح عن علي رضي الله عنه أنه قال: (من استطاع الحج فلم يحج؛ فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:97]) وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من استطاع الحج فليبادر؛ فإنه قد يمرض المريض وتأتي الحاجة وتضل الراحلة )، والحديث في سنن أبي داود وليس بالقوي، وفي حديث آخر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حجوا قبل ألا تحجوا، قالوا: وما بال الحج يا رسول الله؟! قال: يجلس أعرابها على أذناب أوديتها؛ فلا يصل إلى البيت أحد ).

    زكاة المال المخصص للحج

    السؤال: شخص لديه مبلغ مالي خصصه لتكاليف الحج، هل عليه زكاته أم لا؟

    الجواب: نعم، إذا مضى عليه حول وهو يملكه؛ فإنه يجب عليه الزكاة.

    كيفية قضاء صيام رمضان لمن أفطر بعذر

    السؤال: من فاته صوم رمضان ثلاث مرات لأسباب مرضية، كيف يمكنه القضاء بحيث لا يعد مفرطاً؟

    الجواب: أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل على الإنسان في هذا الدين من حرج؛ فقد قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج:78]؛ فعلى الإنسان أن يقضي ما عليه من الصيام بالقدر الذي لا يضر ببدنه ولا يضر بعمله، فيصوم ما استطاع ولا يشق بنفسه، وهذا الصوم يمكن أن يواليه سرداً في الشتاء ويمكن أن يصوم مثلاً الآن في الصيف يوم الإثنين ويوم الخميس دائماً، ويعد ذلك حتى يستكمل به ما عليه من الصيام، ولا يعد مفرطاً بذلك، فإذا كان يصوم يومين من كل أسبوع لا يعد مفرطاً.

    احترام لوح الكتابة

    السؤال: هل يجوز تسطير اللوح ونحوها من أجل استقامة الكتابة؟ وهل يعتبر ذلك أذية للوح؟

    الجواب: اللوح احترامه هو إنما هو برفعه عن الأقذار والأوساخ، ولكن ليس أذاه مثل أذى الإنسان الحي؛ فهو جماد ميت، فلذلك لا يضر تسطيره بأي وسيلة من الوسائل.

    تعلم المرأة من الرجل الأجنبي

    السؤال: هل يجوز للأجنبية التعلم من الأجنبي غير فرض عينها؟

    الجواب: نعم، تتعلم من الأجنبي لكن من غير خلوة وأن تكون متسترة، وقد كان النساء يتعلمن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصص لهن يوم الخميس، لا يشركهن فيه الرجال.

    مدى صحة حديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)

    السؤال: ما مدى صحة حديث: ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية

    الجواب: أن الحديث في صحيح مسلم وهو صحيح.

    العمل بالحديث والقرآن لغير المجتهد

    السؤال: هل يجوز العمل بالحديث والقرآن لغير المجتهد؟

    الجواب: نعم، الحديث والقرآن لم ينزلا ليعطلا، إنما جاء بهما رسول الله من عند الله ليعمل بهما، وكل من قامت عليه الحجة بآية من القرآن أو بحديث وفهمه فإنه يجب عليه العلم به.

    حلاقة الرأس حلاقة غير متساوية

    السؤال: ما حكم حلاقة الرأس حلاقة غير متساوية، مع العلم أنه للزينة فقط وليس تشبهاً؟

    الجواب: إذا كان ذلك يأتي على كل الرأس فنقص كل رأسه لكن بدرجات متفاوتة؛ فلا حرج، لكن إذا كان فيه تقزيع، بأن يحلق طرفيه ويترك أعلاه مثلاً، فالتقزيع نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حلاقة اللحية

    السؤال: ما حكم حلاقة اللحية وبماذا تنصحون حالقها؟

    الجواب: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه رسولا كسرى رآهما قد حلقا لحاهما ووفرا شاربيهما، فقال: ويلكما! من أمركما بهذا؟ قالا: ربنا أمرنا بهذا، فقال: لكن أنا أمرني ربي بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي )، والإعفاء معناه: التوفير؛ ولذلك ثبت في صحيح مسلم أن النبي قال: ( وفروا اللحى )، وتوفيرها معناه أن تكون مرئية شيئاً، وأهل العلم اختلفوا في القدر الذي يلزمه ذلك ويجب؛ فمنهم من قال: الشيء الذي إذا رآه الإنسان عرف أنه رجل وأنه ملتح يكفي، وهذا شيء يسير والحمد لله، وبعضهم قال: بل أقل ذلك قدر أربعة أصابع، أي: أن يوفر قدر قبضة، وما زاد على القبضة يجوز أخذه، وما زاد على قبضتين يكره إبقاؤه؛ لأنه تكون اللحية كبيرة جداً، فإذا زادت عن قبضتين كرهت، فيجعل الإنسان قبضة وقبضة وما زاد على القبضتين يجزه، والأخذ منها لأطرافها أو لمساواتها بالشيء الذي فيه تحسين لا حرج فيه؛ فقد ذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن مالك رحمه الله قال: إنما يؤخذ من اللحية ما قبح وتطاير، فالشيء الذي فيه قبح وتطاير هو الذي يؤخذ من اللحية؛ لأنه نهى عن التقزيع وعن كل ما هو قبيح مكروه، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم هكذا كانوا يفعلون، فلم يكن أحد منهم يترك ذلك، وقد ثبت عن ابن عمر و أبي هريرة أخذ ما زاد عن القبضة.

    الاستغفار لموتى المسلمين

    السؤال: [ ما حكم الاستغفار لموتى المسلمين؟ ]

    الجواب: بالنسبة للاستغفار لموتى المسلمين وسؤال المغفرة لهم من الأمور المحمودة شرعاً، وعلى الإنسان أن يبدأ بوالديه، وبالأقرب فالأقرب، وقد قال الله تعالى: وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء:24]؛ فمن حق الوالدين أن يستغفر لهما الإنسان دائماً وأن يدعو لهما، وكذلك من حقوق موتى المسلمين الاستغفار لهم عموماً؛ فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر:10].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755945989