إسلام ويب

اللجوء إلى اللهللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من سنة الله أن يبتلي المسلمين بالمصائب والأخطار لينظر من يثبت على دينه ممن يزيغ، والواجب عند الأخطار التفاؤل الحسن واللجوء إلى الله، وحسن الظن بالله عز وجل، والتلفظ بألفاظ حسنة فإن البلاء موكل بالمنطق.

    1.   

    الاعتصام بالله عند نزول المصائب

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صما،ً وقلوباً غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

    اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، و: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134] ، أما بعد:

    أيها المسلمون عباد الله! ففي هذه الأيام التي تحدق فيها بهذه البلاد أخطار، وتعظم خطوب، وبلغت قلوب الناس الحناجر، لا بد أن نذكر الناس بالواجب الذي علينا جميعاً وهو أن نلجأ إلى الله، وأن نعتصم به، وأن نتوكل عليه، وأن نحسن به الظن جل جلاله، وأن نعلم يقيناً بأنه سبحانه فعال لما يريد، يحكم ما يشاء، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، نعلم يقيناً أن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، نعلم يقيناً أن الله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، نعلم يقيناً أنه من توكل على الله كفاه، ومن اعتصم بالله هداه، وأن الله عز وجل ناصر من نصره، معز من أعز دينه.

    التفاؤل الحسن عند نزول المصائب

    ثم بعد ذلك علينا أيها المسلمون أن نتفاءل خيراً، فإن ( رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة)، وليس من دينه قط أن يتشاءم بل كان عليه الصلاة والسلام في أشد الأحوال أعظم الناس تفاؤلاً، وأكثرهم في الله رجاءً وأشرحهم صدراً، كان صدره عليه الصلاة والسلام منشرحاً، وكان قلبه مطمئناً، وكان أمله في الله كبيراً.

    ولما كان عليه الصلاة والسلام في مكة مستضعفاً هو ومن معه من الصحابة الكرام، كان يحدثهم ( أن الله عز وجل سيتم هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه )، وكذلك في يوم الهجرة لما حوصر صلى الله عليه وسلم في الغار، وأحدق به الكفار، وعاين أبو بكر رضي الله عنه الخطر وخشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، قال عليه الصلاة والسلام تلك الكلمة العظيمة التي سجلها القرآن: ( يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن، إن الله معنا ).

    وهكذا في يوم بدر لما رأى المشركين قد أقبلوا بقضهم وقضيضهم وخيلهم ورجلهم، يحادون الله ورسوله، نبينا عليه الصلاة والسلام أخذته إغفاءة ثم انتبه فقال: ( أبشروا معشر المسلمين! لقد أريت مصارع القوم، هنا يقتل فلان، وهنا يقتل فلان، وهنا يقتل فلان ، يقول الصحابة: والله ما جاوز أحدهم الموضع الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وكذلك يوم الأحزاب قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:10-11].

    والنبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الكرب العظيم يأتيه خبر يزلزل الجبال: أن اليهود قد نقضوا العهد، وأنهم قد حالفوا قريشاً وغطفان وتميماً والأحابيش، فقال له السعدان: ( يا رسول الله! عضل والقارة، فتقنع عليه الصلاة والسلام بردائه ثم قال: الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين )، يبشر الناس رغم أن الخطر محدق، والمدينة محاصرة، والخوف حاصل واقع على الأزواج والنساء والذراري، رغم ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفائلاً.

    ولما حوصر في الحديبية فرأى سهيل بن عمرو مقبلاً، قال للصحابة: ( قد سهل أمرنا إن شاء الله )، وكان عليه الصلاة والسلام إذا بعث عاملاً سأله عن اسمه، فإذا سمع ما يعجبه فرح به ورئي البشر في وجهه صلى الله عليه وسلم، وإذا دخل قريةً سأل عن اسمها، فإذا سمع ما يعجبه فرح به، ورئي البشر في وجهه، كان يتفاءل صلوات ربي وسلامه عليه، وعلمنا أن نتفاءل مهما كانت الأحوال.

    حسن الظن بالله سبحانه عند نزول المصائب

    أيها المسلمون، عباد الله! إن سوء الظن بالله عز وجل من سمات أهل النفاق، قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح:6] ، من ظن أن الله عز وجل يخذل أولياءه فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن الله عز وجل مسلم عباده فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن الله عز وجل لن يعلي كلمته ولن يظهر دينه، فقد ظن بالله ظن السوء، وكذلك من ظن أن الكفار سيفلتون من عقاب ربنا وأخذة مولانا وسيدنا، فقد ظن بالله ظن السوء.

    أيها المسلمون عباد الله! لنعود ألسنتنا النطق بالخير، الكلمة الطيبة، اللفظة الصالحة، لنعود ألسنتنا على أن نزرع في القلوب أملاً، فإن البلاء موكل بالمنطق، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، وروي أن يوسف عليه الصلاة والسلام شكا إلى ربه طول السجن، وأنه لبث في السجن سنين عدداً، قال الله عز وجل: يا يوسف! أنت سجنت نفسك حين قلت: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، ولو قلت: العافية أحب إلي لعوفيت، فلو أنه تفاءل بالعافية لنالها، وكذلك: في غزوة أحد لما أصيب طلحة رضي الله عنه في يده، فقال: حس! كلمة تفيد التألم والتوجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ).

    وقالوا: إن المؤمل بن أميل الشاعر قال يوم الحيرة:

    شف المؤمل يوم الحيرة النظر ليت المؤمل لم يخلق له بصر

    فعمي فأتي في المنام، فقيل له: هذا الذي تمنيت، لما قلت: ليت المؤمل لم يخلق له بصر، أعماك الله عز وجل.

    أيها المسلمون! إن بعضاً من الناس لا يعرف الكلمة الطيبة، إذا سمعته لا تسمعه إلا وهو ينذر بأن الأسعار ستغلو، وأن المعايش ستضيق، وأن الخطوب ستعظم، وأن الخطر سيدلهم، وأن الأمر قاب قوسين أو أدنى، وأن البلاد ستمزق شذر مذر، هكذا بعض الناس لا يعرف أن يتفاءل، ولا يعرف أن يقول خيراً، ولا يعرف أن يزرع في القلوب أملاً، نقول: ما هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هكذا ربى أصحابه رضوان الله عليهم.

    وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام وقد نزلت بالناس قاصمة الظهر حيث فقدوا الراعي، فقدوا المدبر، فقدوا النبي الذي يوحى إليه من السماء صلوات الله ربي وسلامه عليه, ارتدت الأعراب، وتنبأ الكذابون، ومنع الزكاة المانعون، ومع ذلك لم يفقد أبو بكر رضي الله عنه تفاؤله أبداً، بل كان ثابتاً ثبوت الجبال، فثبت الله به قلوب الرجال، وهيأ الجيوش، وأخذ بالأسباب، وقاتل المرتدين ومن منعوا الزكاة، حتى ألزم المنافقين جحورهم.

    وهكذا أيها المسلمون عباد الله! واجب علينا أن نأخذ بالأسباب، وأن نجدد لله توبة، وأن نقيم شرعه، وأن نكثر من ذكره، وأن نتوكل عليه، وأن نعتصم بدينه، وأن نثق بنصره جل جلاله، ثم بعد ذلك يا مسلم:

    كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا

    وانعم بطول سلامة تلهيك عما قد مضى

    فلربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا

    ولرب أمر مسخط لك في عواقبه رضا

    الله يفعل ما يشاء فلا تكن متعرضا

    الله يفعل ما يشاء جل جلاله.

    ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال

    الله جل جلاله بيده مقاليد السموات والأرض، بيده الريح المرسلة، وبيده أمور الإنس والجن والملائكة يفعل ما يشاء، ثقوا بالله عز وجل أيها المسلمون، وأكثروا من التضرع إليه، واطرقوا أبوابه جل جلاله.

    اللهم غير حالنا إلى أحسن حال، اللهم أبدلنا بعد الخوف أمناً، وبعد الذل عزاً، وبعد الفقر غنى، وبعد الفرقة والاختلاف وحدةً واعتصاماً، وردنا إلى دينك رداً جميلاً.

    التوبة والبعد عن المعاصي سبب لدفع المصائب

    الحمد لله رب العلمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والأخرين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الأمين:

    أما بعد:

    أيها المسلمون! فاتقوا الله حق تقاته: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .

    واعلموا إخوتي في الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بعث سعد بن أبي وقاص أميراً على جيش المسلمين الذي يغزو بلاد فارس قال له: يا سعد! فإني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل، فإنها خير الزاد وأقوى العدة، فما نصرنا على عدو بعدد ولا عدة، ولكن نصرنا بطاعتنا لله ومعصية عدونا إياه.

    يا مسلمون! أنتم موحدون تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، تعتقدون أن القرآن حق وأن الساعة حق، وأن الجنة والنار حق، وأن النبيين حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، تعتقدون يقيناً أن الله عز وجل مولانا وناصرنا وكافلنا، نعم المولى ونعم النصير، هذا معتقدنا الذي نستمسك به، ونعض عليه، ونسأل الله عز وجل أن نلقاه به.

    يا أيها المسلمون! إن عدونا عدو كافر لا يرجو لله وقاراً، لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، لو أننا أطعنا ربنا جل جلاله، وأخذنا بما تيسر من الأسباب، فإن الله عز وجل قادر على أن ينصرنا، لكن حذاري حذاري من الانغماس في المعاصي، والانبعاث في أنواع الفسوق، فإن من عصى الله عز وجل وحاربه وكله إلى نفسه.

    وكثير من المسلمين يتساءلون: ما بال الناس منذ مائة سنة أو تزيد وهم ينهزمون مرةً بعد مرة، رغم كونهم مسلمين، ورغم كون عدوهم كافراً فاجراً؟!

    نقول: هم مسلمون نعم بالاسم، لكن في واقع الأمر ما أحلوا الحلال ولا حرموا الحرام، ولا أمروا بالمعروف ولا نهوا عن المنكر، ولا أقاموا الصلاة ولا آتوا الزكاة، ولا عظموا حرمات الله، إذا فعل الناس ذلك فإن الله عز وجل يكلهم إلى أنفسهم.

    إن المعاصي أشد فتكاً في الأمم والشعوب من أسلحة الدمار الشامل، إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لما عصوا أمره يوم أحد رغم كونهم راكعين ساجدين عابدين تائبين معظمين لحرمات الله، قد خرجوا جهاداً في سبيل لله، رغم هذا كله هزموا، وقتل سبعون من خيارهم، قال الله لهم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:165-166] .

    يا أيها المسلمون! توبوا إلى الله عز وجل واستغفروه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8] .

    اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.

    اللهم اجعل بلادنا آمنةً مطمئنةً سخيةً رخية، ديار عدل وإيمان وسلام وإسلام، اللهم من أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بخير فأجر الخير على يديه، ومن أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بسوء، فاجعل دائرة السوء عليه، وأشغله بنفسه، واجعل تدميره في تدبيره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755906103