إسلام ويب

ديوان الإفتاء [524]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للمسجد أهمية عظيمة في حياة المسلمين، ففيه مكان اجتماعهم، وعقد ألوية حروبهم، وفيه تقضى حوائجهم؛ لذا حث الشارع على الاهتمام بالمساجد غاية الاهتمام، فأمر بنظافتها وخفض الصوت فيها، وشرع آداباً للداخل إليها.

    1.   

    أحكام المساجد وواجبنا تجاهها

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, والبشير النذير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    أما بعد:

    الحذر مما يشوش على المصلين في المساجد

    إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, وفي بداية هذه الحلقة يحسن بي التنبيه على أمر هو من الأهمية بمكان, وهذا الأمر يتعلق بآداب المساجد, فقد لوحظ في بعض بيوت الله عز وجل قيام بعض الناس عقيب السلام مباشرة, وقبل أن ينفتل الإمام ويعتدل في جلسته, يقوم قائمهم ليلقي موعظة أو ليسأل الناس, وأحياناً يقوم بعض الناس فيرتل آيات من القرآن, وهذا كله مخالف للسنة, ومخالف لما ينبغي أن تكون عليه بيوت الله عز وجل من السكينة والوقار, وعدم التشويش على المصلين, فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد, وكان أصحابه رضي الله عنهم ما بين قارئ وداع ومستغفر ومصل, وقد علت أصواتهم, فرفع النبي عليه الصلاة والسلام طرف خبائه وقال: ( أيها الناس! ألا كلكم مناج ربه, فلا يجهرن بعضكم على بعض ).

    فكل ما يشوش على المصلين والذاكرين، فإنه يمنع في بيوت الله عز وجل؛ لأن الناس بعد سلام الإمام إما مسبوق يريد أن يكمل صلاته, وإما آخر يريد أن يأتي بالباقيات الصالحات, أو ثالث قام ليأتي بالسنة الراتبة, وهكذا.

    فهذا الذي يقرأ القرآن, وذاك الذي يلقي موعظة, وهذا الذي يسأل الناس, كل هذا تشويش على الناس, ولذلك أوجه رسالة إلى إخواني أئمة المساجد أقول لهم: ينبغي أن يمنع المتحدث والقارئ والسائل بعد السلام إلى أن يفرغ المسبوق من صلاته, ويفرغ المسبح من الباقيات الصالحات, ونحو ذلك من الأمور المرتبطة بالصلاة، أما أن يتاح الفرصة لمثل هذا التشويش فهذا مما لا ينبغي.

    وأوجه رسالة إلى الجميع أئمة ومأمومين أقول لهم: إن المساجد هي بيوت الله عز وجل, وإننا مأمورون بأن نعظم حرمتها, وأن نعرف لها شرفها وقدرها قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ[الحج:30] وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32].

    بعض آداب المساجد

    ومن تعظيم المساجد التي هي بيوت الله عز وجل أن ندخلها ونحن على طهارة، وفي أحسن زينة وفي أبهى هيئة؛ استجابة لأمر ربنا حين خاطبنا بقوله: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف:31], وإذا دخل أحدنا إلى بيت الله عز وجل فليدخل بيمناه, وليأت بالدعاء المأثور: ( بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله, اللهم افتح لي أبواب رحمتك ), ولا يجلسن حتى يركع ركعتين ما لم يكن الوقت وقت نهي, فقد جاء في الحديث: ( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ونقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ).

    وبعد أن يركع الإنسان ركعتين إذا أراد أن يسلم على من بجواره فليكن ذلك بصوت منخفض لا يزعج الناس, ولا يقطع على التالي تلاوته, وعلى المصلي صلاته, وليس فيه تشويش. وليشغل أحدنا نفسه حال بقائه في المسجد بذكر الله عز وجل، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام, أو القراءة في بعض كتب العلم النافعة ونحو ذلك, ولو احتاج إلى أن يتكلم مع صاحبه بكلام مباح فلا مانع شريطة ألا ترتفع الأصوات، ولا تعلو الضحكات وما إلى ذلك.

    تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة

    ومن تعظيم شعائر الله عز وجل أن ننزه مساجدنا، عن كل رائحة كريهة مستقبحة فقد ورد في الحديث: ( فمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً, فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته, فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ).

    قال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير قول ربنا جل جلاله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور:36]: قال علماؤنا: ومن كل ذي رائحة كريهة لا تفارقه لسوء صناعته, فإنه يصلي في بيته, إذ الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام.

    ويلحق بذلك ما يوجد من بعض الناس الذي ابتلي بالتدخين, نسأل الله أن يعافينا والمسلمين, وأن يتوب علينا أجمعين, فمن كان كذلك فلا ينبغي له أن يؤذي الناس بهذه الرائحة المنتنة التي يتأذى منها المسلمون.

    الحذر من المخالفات حال عقد النكاح في المساجد

    ومما ينبغي التنبيه عليه كذلك: أن من الأذى الذي يحصل في أغلب المساجد إذا كان هناك عقد زواج, فإن الناس يأتون ببعض المأكولات من خبيص أو بعض المكسرات أو ما أشبه ذلك, فيدخل بها إلى المسجد, وهذه الأشياء يتفتت بعضها على فراش المسجد, بما فيها من سكر وسمن ودقيق وما إلى ذلك, ثم بعد ذلك تدوسها الأرجل وتتغير رائحة الفراش, وهذا كله مما ينبغي أن يتواصى الناس بالنهي عنه, فهذه المطعومات لا يدخل بها إلى صحن المسجد, وإنما تكون في فنائه، في ردهته, أو في برحته, فمن شاء أن يطعم هناك فلا بأس, أما في داخل المسجد فهذا من الأذى الذي ينبغي أن تصان عنه بيوت الله عز وجل.

    الاهتمام بنظافة المساجد

    صون المساجد عما لا يليق فيها من بيع وغيره

    إخوتي الكرام! وتصان المساجد عن البيع والشراء, فلا يبيع الإنسان فيها ولا يشتري, ولا ينشد ضالة, ( فمن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك, ومن سمعتموه ينشد ضالته في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك )، ومثله أيضاً: تصان المساجد عن الأمور الدنيوية التي مكانها الأسواق, وتصان المساجد عن إقامة الحدود, وضرب الرقاب, ولا يحمل فيها سلاح, ولا يروع فيها مسلم, ولا يرفع فيها صوت بغير ذكر الله, ولا صوت يعود نفعه للعامة, يعني: لو كان هناك شيء لعامة الناس, ومثله: لو أن إنساناً يذكر الله لنفسه, فيرفع صوته, ويؤذي غيره, ويشوش على من عداه, فهذا أيضاً مما يمنع منه الناس.

    حكم التسول في المساجد

    ولو أن سائلاً قال: إن بعض الناس قد يأتي إلى المسجد, فيعرض حاجته, ويطلب من الناس أن يعينوه فما الحكم؟ نقول: لا بأس بهذا, لكن بشرطين: الشرط الأول: أن تكون به حاجة حقيقية لا مدعاة, فلا يكون ممن احترفوا السؤال, فإن وجوهاً معينة تتردد على المساجد وتردد كلاماً محفوظاً في كل حين, ولربما يقابلهم الإنسان في الأسبوع مراراً, فهؤلاء قد احترفوا السؤال.

    الشرط الثاني: ألا يكون في ذلك تشويش على الناس, فلا يكون هذا السؤال بعد سلام الإمام مباشرة, بل ينتظر ويتريث إلى أن يفرغ المسبوق من صلاته, وإلى أن يكمل المسبح تسبيحاته, ثم بعد ذلك لا بأس أن يعرض السائل حاجته, فإن المسجد هو مكان قضاء الحوائج, وقد ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة, فدخل قوم من مضر مجتابي النمار, يعني: ثيابهم مشققة, فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة، وقال: تصدق رجل من ديناره, من درهمه، من صاع تمره, من صاع بره, من صاع شعيره, وبسط الثوب في المسجد, فجعل الصحابة رضي الله عنهم يأتون بما أفاء الله عليهم, هذا يأتي بقبضة من تمر, وذاك يأتي بصاع من شعير, حتى جاء رجل بصرة من مال قد عجزت يداه عن حملها, فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة, فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).

    أهمية المساجد في حياة المسلمين

    أيها الإخوة! المسجد هو المكان الذي تقضى فيه الحوائج, ويغاث فيه الملهوف, وينصر فيه المظلوم, وقد كان المسجد على زمان نبينا صلى الله عليه وسلم مكاناً لهذا كله, فلربما ربط فيه الأسير, ولربما عقدت فيه المناظرة بين أهل الإسلام وغيرهم, كما حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نصارى نجران.

    وفي المسجد كذلك تعقد الألوية, وفي المسجد تقام الشورى, وفي المسجد تعليم الجاهل, وفي المسجد تنبيه الغافل, مثلما حدث من معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه, لما جاء فتكلم في أثناء الصلاة, فنبهه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا أخا العرب! إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هو ذكر الله وتلاوة القرآن ), ولما جاء الأعرابي فبال في طائفة من المسجد قال له: ( يا أخا العرب! إن المساجد ما بنيت لشيء من هذه القاذورات, إنما هي لذكر الله ولتلاوة القرآن ), ونحو ذلك.

    فهذا كله كان في المسجد, والرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد يعظ الناس ويذكرهم, وفي المسجد كان يعبر لهم الرؤى ويؤولها لهم, وفي المسجد كذلك كان يجتمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والصبيان, كل يجد في المسجد بغيته, حتى كانوا خير أمة أخرجت للناس.

    ولذلك أقول: إخوتي وأخواتي! ينبغي أن نعنى في أحيائنا بمساجدنا, وأن نحيي فيها هذه السنن المباركة؛ من أجل أن تعود للمسجد رسالته, فلا يكون مكاناً للصلاة, ثم تغلق أبوابه, وتعصف الريح بأركانه, وينصرف الناس عنه, ولا يأتون إلا للصلاة الأخرى, بل المسجد هو المركز الإسلامي الذي تدار فيه الشئون, وتقضى فيه الأمور, ويغاث فيه الملهوف, ويجد ذو الحاجة حاجته, هذا هو المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهكذا ينبغي أن يكون.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا[الجن:18], أسأل الله أن يجعلنا من عمارها وقطانها, والركع السجود فيها.

    1.   

    الأسئلة

    المتصل: أكرمك الله يا شيخ! لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها.

    السؤال الأول: الآية ست وثمانون من سورة الكهف، قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا[الكهف:86], إلى نهاية الآية، ما تفسيرها؟

    السؤال الثاني: القارن هل عليه هدي؟

    السؤال الثالث: ما حكم التبليغ بعد الإمام في الصلاة لغير حاجة؟

    السؤال الرابع: ما حكم الدعاء أو ما يسمى بالفاتحة بعد الصلاة المكتوبة؟

    الشيخ: إن شاء الله أجيبك على أسئلتك.

    المتصل: يا شيخ! لدي بعض الأسئلة:

    السؤال الأول: في مسألة التسول ذكرتم أن بعض المتسولين يقوم عقب سلام الإمام مباشرة، فيسأل الناس وهم ما زالوا يسبحون ويأتون بأذكار عقب الصلاة، وسؤالي: ما واجبي أنا تجاههم، هل أعطيهم أم لا؟

    السؤال الثاني: إذا كان الشخص عليه أقساط لشركة ما, وهذه الشركة صفيت, ولا يعلم جهتها أين, وهو يريد إيصال ما بقي عليه من مال لإبراء ذمته, فماذا يعمل في هذه الحال؟

    السؤال الثالث: شخص كان تاركاً للصلاة لفترة طويلة ثم تاب, فهل يقضي جميع الصلوات الفائتة أم يكثر من النوافل عوضاً عنها؟ مع العلم أنه لا يعرف عدد الصلوات الفائتة.

    السؤال الرابع: ما حكم خروج المرأة للعمل خارج بيتها؛ وذلك لتسد حاجتها وحاجة أسرتها، مع أنها تخرج متحجبة؟

    السؤال الخامس: ما حكم قيادة المرأة للسيارة؟

    الشيخ: إن شاء الله أجيبك على أسئلتك.

    المتصل: بارك الله فيك يا شيخ! لدي سؤال: عندنا امرأة تعاني من مشكلة في الولادة، فذهبت إلى بعض الشيوخ فأعطاها أحجبة، فهل هذه الأحجبة حلال أم حرام؟

    الشيخ: إن شاء الله أجيبك.

    المتصل: يا شيخ بارك الله فيك! لدي سؤالان:

    السؤال الأول: أنا أنصح النساء بأن يكثرن من الاستغفار، لكن أنا أميل إلى قول: (حسبي الله ونعم الوكيل) دون غيرها، فما الحكم؟

    السؤال الثاني: أنا ساكنة في أمبدة، وأريد مكاناً لتعليم القرآن الكريم يكون مستمراً على مدار العام.

    الشيخ: إن شاء الله أجيبك.

    تفسير قول الله تعالى: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة...)

    السؤال: أخونا أبو أنس من الخرطوم أحسن الله إليه! سأل عن الآية السادسة والثمانين من سورة الكهف قول ربنا جل جلاله: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا[الكهف:86] ما تفسيرها؟

    الجواب: هذه الآية وردت في سياق الحديث عن ذي القرنين عليه السلام, وقد اختلف أهل العلم: هل كان نبياً أو كان حاكماً عادلاً، وهناك قول ثالث -قال به قلة من أهل التفسير- بأنه كان من الملائكة, لكن الظاهر بأنه إنسان, وإما أن يكون نبياً وإما أن يكون إماماً عدلاً, وهذا الإمام العدل ملك الأرض مشرقاً ومغرباً, وكما قال المفسرون: ملك الأرض مسلمان وكافران, أما المسلمان: فـذو القرنين وسليمان, وأما الكافران: فـالنمرود و بختنصر .

    فهذا الملك الصالح, وهذا الإمام العادل -أو هذا النبي المرسل على القول الآخر- بين ربنا جل جلاله بأنه كان ممكناً في الأرض قد أوتي من كل شيئاً سبباً, وحكى ربنا جل جلاله رحلاته الثلاث: رحلته إلى مغرب الشمس, ورحلته إلى مشرقها, ورحلته: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ[الكهف:93].

    ورحلته إلى أقصى المغرب: وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ[الكهف:86], أي كثيرة الحمئة أي: الطين الأسود, وفي قراءة أخرى: فِي عَيْنٍ حامية)), أي: حامية شديدة الحر.

    والقوم الذين كانوا يسكنون في ذلك المكان, الله عز وجل قال لــذي القرنين: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا[الكهف:86], فبين عليه السلام السياسة العادلة: بأن للظالم جزاءه, وأن للعادل جزاءه، فقال: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ[الكهف:87], أي: في الدنيا بإقامة حد الله عليه: ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا[الكهف:87], وفي قراءة: نُكُرًا))، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا[الكهف:88].

    لكن هذه العين أين هي؟

    نقول: عندنا قاعدة في أصول التفسير: أن مبهمات القرآن لا فائدة في تعيينها, فالقرآن أحياناً يبهم الزمان, وأحياناً يبهم المكان, وأحياناً يبهم الإنسان, فمثلاً: قول ربنا جل جلاله: وَاضْرِبْ لَهمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا المُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ[يس:13-14], هذه القرية هل كانت أنطاكية أو كانت في بلاد الشام أو غيرها؟ وهؤلاء المرسلون من هم؟ هذا كله مما أبهمه القرآن, ولم يهتم بتعيينه.

    ومثله أيضاً الكلام عن مجمع البحرين الذي لقي فيه موسى العبد الصالح عليهما السلام, ومثله أيضاً الجبل الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام, هذه كلها مبهمات فلا نتعب أنفسنا بتتبعها ومعرفتها, بل المراد العبرة كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى[يوسف:111].

    حكم الهدي في حق القارن

    الشيخ: أما سؤالك عن القارن يا أبا أنس , فإن القارن يلزمه هدي, والمتمتع كذلك يلزمه هدي؛ لأنهما قد استفادا بالإتيان بنسكين في سفر واحد, فالمتمتع أتى بعمرة وتحلل, ثم أحرم بالحج من داخل الحرم, والقارن قد أحرم من الحل, ولكنه أدخل العمرة على الحج, فكلاهما يلزمه هدي, وهذا الهدي إما أن يكون شاة, أو سبع بدنة أو سبع بقرة, يعني: إما أن تتقرب إلى الله بشاة من الضأن أو من المعز, وإما أن تتقرب إلى الله بأن تشترك مع ستة آخرين في بدنة أو بقرة, على الشروط المبينة في الأضحية؛ فلا بد أن تكون السن مجزئة, ولا بد أن تكون سالمة من العيوب, ولا بد أن تكون من بهيمة الأنعام, ولا بد أن تذبح في المكان الذي عينه ربنا هدياً بالغ الكعبة.

    التبليغ خلف الإمام في الصلاة

    الشيخ: التبليغ سنة إذا احتاج الناس إليه؛ كأن يكون صوت الإمام ضعيفاً, أو بالناس كثرة, أو المكبرات لا تعمل بصورة جيدة, فلا بأس أن يبلغ خلف الإمام واحد أو أكثر, أما إذا لم يكن بالناس حاجة فهو بدعة مكروهة؛ لما فيه من التشويش, وقد نص علماؤنا المالكية رحمهم الله على أنه يكره للمأموم أن يرفع صوته بغير تكبيرة الإحرام وتسليمة التحليل, فتكبيرة الإحرام نجهر بها: الله أكبر, وكذلك تسليمة التحليل, أما ما سوى ذلك فإنه يكره للمأموم أن يجهر به.

    الدعاء بعد الصلاة

    الشيخ: الدعاء بعد الصلاة أنكره أئمتنا المالكية, وما حبذه ولا استحبه سوى ابن عرفة , وقد شنعوا عليه وردوا عليه رحمة الله على الجميع.

    فكل إنسان يدعو لنفسه بما يريد من خير الدنيا أو الآخرة, كما بين نبينا صلى الله عليه وسلم في تعليمه لـمعاذ : ( يا معاذ ! والله إني لأحبك, فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).

    قيادة المرأة للسيارة

    السؤال: أم سليمان من جبرة سألت عن حكم قيادة المرأة للسيارة؟

    الجواب: نحن لا نسأل عن هذا الحكم؛ لأن المرأة عندنا أصلاً من قديم وهي تقود السيارة ولا زالت من غير نكير, ولا فرق في ذلك بين المنقبة وغيرها, فما دامت المرأة تقود ولا يستلزم ذلك سفراً, فهي ما سافرت وإنما هي في داخل المدينة, وفي داخل العمران, والحمد لله الأمن مستتب, فهي تقضي حوائجها, وتذهب إلى السوق, أو تذهب إلى البقالة, أو توصل أولادها إلى المدارس، أو تصل أرحامها ونحو ذلك, هذا كله لا حرج فيه ما دام أن زوجها قد أذن بذلك, وهو أفضل من ركوبها مع السائق الأجنبي.

    خروج المرأة للعمل خارج بيتها

    الشيخ: خروج المرأة للعمل من أجل أن تسد رمقها, وتجد رزقها لا حرج في ذلك إن شاء الله, فقد كان بعض النساء على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملن, والمرأة الصالحة الطيبة المباركة؛ ذات النطاقين أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما ثبت عنها في صحيح البخاري أنها قالت: ( تزوجت الزبير وهو لا يملك من الدنيا شيئاً, فكنت أعلف ناضحه, وأسقي أرضه, وأحمل النوى على رأسي ). فهذه رضي الله عنها كانت تعمل؛ فلا مانع من عمل المرأة خارج بيتها.

    وأيضاً ثبت في الصحيح بأن امرأة سوداء كانت تقم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا مانع من هذا إن شاء الله, شريطة أن تكون المرأة ملتزمة بحجابها وعفافها, ويجب على الإنسان المؤمن أن يعين من كان حالها كذلك, وأن يقدر لها سعيها, وأنها تريد الحلال الطيب, ولعلها تسعى على أيتام صغار, أو تسعى على نفسها, وهذا خير لها من أن تتكفف الناس, وتسألهم أعطوها أو منعوها.

    ما يلزم من تاب من ترك الصلاة تجاه الصلوات الفائتة

    الشيخ: تارك الصلاة الذي تاب, فإن الله عز وجل يتوب على من تاب, لكن من شروط صحة التوبة: أداء الحقوق, فلو أن إنساناً تاب من أكل أموال الناس فلا بد أن يردها, ولو أن إنساناً تاب من سفك الدماء فلا بد أن يمكن أولياء الدم إما أن يقتصوا وإما أن يقبلوا بالدية, وإما أن يعفوا, وهنا أيضاً حق الله عز وجل أحق أن يقضى, فلا ينبغي أن يشتغل تارك الصلاة بالنوافل, بل يجتهد في أن يأتي بهذه الصلوات, ويجتهد في ذلك غاية الجهد, بشرط ألا يؤثر ذلك على بدنه, ولا على سعيه على الرزق, بمعنى أن يفرغ من اليوم وقتاً يصلي فيه ما شاء الله له أن يصلي, فيجعل له شيئاً ثابتاً, مثلاً: في كل يوم يقضي صلاة ثلاثة أيام, أو يقضي صلاة يومين, أو على الأقل يقضي صلاة يوم واحد؛ فيصلي خمس صلوات متتابعات في وقت واحد, مثلاً: بالليل يصلي ظهراً ثم عصراً ثم مغرباً ثم عشاءً ثم صبحاً, هذا كله قضاء عن يوم واحد, وإذا استطاع أن يقضي عن يومين أو استطاع أن يقضي عن ثلاثة فهو أولى, وليكثر من الاستغفار؛ عسى الله أن يغفر له.

    كيفية تسديد أقساط شركة لا يعلم جهتها بعد أن صفيت

    السؤال: إنسان اشترى شيئاً من شركة, وهذا الشيء كان على أقساط, يعني: كان بيع نسيئة, ثم بعد ذلك هذه الشركة صفيت, ولا يدرى أين هي فما الواجب عليه؟

    الجواب: إذا عجز الإنسان عن الوصول إلى هذه الشركة أو القائمين عليها فإنه يتصدق بهذا المال, وتبرأ ذمته إن شاء الله.

    حكم التسول

    الشيخ: بالنسبة لقضية التسول, فالتسول من الأمور المكروهة التي لا ينبغي أن نشجع عليها, والنبي عليه الصلاة والسلام قد نهى عن المسألة, وأخبر أنه ( لا تزال المسألة بأحدهم حتى يلقى ربه وليس في وجهه مزعة لحم ), وأخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن ( المسألة ستأتي خموشاً أو خدوشاً في وجه صاحبها يوم القيامة ).

    وفي الحديث: ( لا تحل الصدقة لغني, ولا لذي مرة سوي ), (لذي مرة) أي: لذي قوة سوي, فإنسان فليس به عاهة ولا عجز, لا ينبغي له أن يسأل الناس, ولو سأل فلا ينبغي لهم أن يعطوه.

    ومثله أيضاً الأطفال الذين احترفوا السؤال, هؤلاء الذين نراهم في الإشارات الضوئية, ومعلوم بأن هناك من يؤزهم على ذلك أزاً, ويستعملهم في هذه المهنة القميئة, من أجل أن تدر له هو, ما تدر لهؤلاء الصغار, فهؤلاء لا ينبغي أن يعطوا؛ لأن الصغير الذي يعود على أن يمد يده للناس فيعطوه, وينال بذلك كسباً سهلاً, بعد ذلك لن يعمل أبداً.

    وهذا الذي يقوم في المسجد فيسأل الناس, إذا علم من حاله أنه محتال كذوب فلا ينبغي أن يعطى, ومن أعطاه فقد أعانه على الإثم والعدوان, لكن لو غلب على ظننا أنه محتاج, فلا حرج أن نعطيه, لكن ننصحه بألا يشوش على الناس, فإذا كان ثمة تشويش قد حصل, فننصحه بألا يفعل ذلك, ونحاول أن نقضي حاجته ما استطعنا, وقد جرب مراراً؛ لأن بعض الناس يقوم ويحمل وصفات دوائية, وأنه محتاج إلى أشعة وكذا, فيقوم بعض صالحي الأطباء جزاهم الله خيراً, فيتكفلون بأمره, ويقولون له: تأتينا في مكان كذا, ونحن إن شاء الله نقوم معك بالعلاج كله, ولا نريد بذلك إلا الجزاء من الله عز وجل، فالصادق يأتي إلى الطبيب ويباشر العلاج وما إلى ذلك, لكن الكثير منهم لا يذهب, وهذا دلالة على أنه لا يعاني شيئاً, وربما كان يعاني فيما مضى, فسأل الناس وهو ذو حاجة, ثم بعد ذلك صارت له عادة, نسأل الله السلامة والعافية.

    تعليق المرأة الأحجبة بغرض حل مشكلة العقم أو تعسر الولادة

    السؤال: فاطمة من الخرطوم قالت: بأن امرأة عندها مشكلة في الولادة -ربما تعاني عقماً- فذهبت إلى بعض الناس فكتب له أحجبة، فما حكم هذه الأحجبة؟

    الجواب: هذا لا يجوز, لا تعلقي تميمة ولا حجاباً, ولو قيل لك بأنه قرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعليق التمائم, فقد جاء في الحديث: ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له, ومن تعلق شيئاً وكل إليه ), بل التي تريد الولادة عليها بالإكثار من الاستغفار، فالله تعالى يقول: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[نوح:10-12] هذا أولاً.

    ثانياً: الإكثار من الدعاء كما فعل زكريا عليه الصلاة والسلام, فلا علق تميمة, ولا وضع حجاباً، وإنما قال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ[الأنبياء:89], قال الله عز وجل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[الأنبياء:90], وقال عليه الصلاة والسلام: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[آل عمران:38]، فالإنسان يدعو الله عز وجل الذي خزائنه ملأى, ويده سحَّاء.

    ثالثاً: صنائع المعروف, هل جزاء الإحسان إلا الإحسان, فأحسني إلى الناس يحسن الله إليك, فقد جعل الجزاء من جنس العمل, فهذه هي الأسباب التي يأخذ بها المرء, أما تعليق الحجاب أو التميمة فلا يجوز.

    الإكثار من قول: (حسبي الله ونعم الوكيل) دون غيرها من الأذكار

    السؤال: سها من أمبدة قالت: إنها تحب الذكر بـ (حسبي الله ونعم الوكيل)، وتكثر منها دون غيرها، فما الحكم؟

    الجواب: هذا شيء طيب, (حسبي الله ونعم الوكيل), قالها إبراهيم حين ألقي في النار, وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين: قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ[آل عمران:173-174].

    فهذا ذكر طيب مبارك, لكن يا سها بارك الله فيك! حبذا لو نوعت؛ لأن تنويع الأذكار سنة, فقولي: (حسبي الله ونعم الوكيل), ما شاء الله لك أن تقولي وأنت مأجورة, ولكن قولي أيضاً: لا حول ولا قوة إلا بالله, فإنها كنز من كنوز الجنة, وقولي: سبحان الله وبحمده مائة مرة؛ لتغفر لك ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر, وقولي: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم, فإنهما كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن, وأكثري من الاستغفار من أجل أن يوسع الله رزقك, ويفرج همك, ثم أيضاً لا تنسي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبها تضاعف الحسنات, وتكفر السيئات, وترفع الدرجات, وتجاب الدعوات, وتقضى الحاجات.

    ثم أيضاً لا تنسي التهليل, فإنها خير كلمة تقال, كلمة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, من قالها مائة مرة, كتبت له مائة حسنة, ومحيت عنه مائة سيئة, وكانت له عدل عشر رقاب, وكان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي ), وأفضل من هذا كله قراءة القرآن, فقد أجمع أهل العلم على أن قراءة القرآن أفضل الذكر، ( ومن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة, والحسنة بعشر أمثالها ).

    مكان لتعليم القرآن على مدار العام في أمبدة

    الشيخ: وأما سؤالك عن مكان لتحفيظ القرآن طوال السنة, فهناك أمكنة كثيرة، فعندك دار تحفيظ القرآن الكريم في شمبات, وهذه الدار ربما زاد عمرها على الخمسين سنة، رحم الله مؤسسها الشيخ عثمان الصديق نسأل الله أن يرفع درجته في المهديين, وأن يخلفه في عقبه في الغابرين, وأن يعلي مقامه في الجنة.

    وهناك أيضاً الخلاوي المنتشرة هنا وهناك, فيحفظ فيها كتاب الله عز وجل, وربما لو راجعت قسم الطالبات في جامعة القرآن الكريم, ستجدي هناك حلقات عامرة بذكر الله عز وجل, أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

    المتصل: بارك الله فيك يا شيخ! لدي سؤالان أرجو الإجابة عليهما:

    السؤال الأول: بالنسبة لتظليل زجاج السيارات عندما كنا في الإجازة ذهبنا إلى الميناء، فطلبوا منا إزالة هذا التظليل فأزلناه، ووقعنا في حرج، وفي المرة الثانية رفض زوجي إزالة التظليل، فكلما مررنا بنقطة تفتيش غرمونا تسعين ألف جنيه، فنريد أن تناقشوا لنا هذا الموضوع في مجمع الفقه؛ لأننا نريد ألا يزال التظليل لفائدته.

    السؤال الثاني: أريد منكم توجيه رسالة لإخواننا الذين يستعملون الجرائد في تنشيف اللحوم النيئة، وبارك الله فيكم.

    الشيخ: إن شاء الله نجيبك على الأسئلة.

    المتصل: بارك الله فيك يا شيخ! لدي سؤال: بعض أئمة المساجد يسكنون في داخل المساجد مع أنهم قادرون على أن يستأجروا، فإذا ذهبت إليهم لمعالجة بعض المشاكل عندهم, تجدهم لا يقومون بهذا الأمر حق القيام، فما حكم هذا الأمر؟

    الشيخ: إن شاء الله أجيبك على سؤالك.

    تظليل زجاج السيارات

    السؤال: أختنا أم محمد من السعودية تسأل عن تظليل زجاج السيارات ما حكمه؟

    الجواب: هذه لا فيها آية ولا فيها حديث, وإنما هي راجعة إلى مصلحة الناس, بالنسبة لتظليل زجاج السيارات لا شك أن فيه مصلحة، مثل: أن يتقي الإنسان به حرارة الجو, وأيضاً لو كان الإنسان معه بعض النساء ففيه ستر لهن, وفيه أيضاً ستر لما في داخل السيارة؛ لئلا يتعدى عليها الأشرار وما إلى ذلك، فلا يخلو هذا التظليل من مصلحة.

    لكن فيه أيضاً مفاسد أخرى؛ فبعض الناس يستغل هذا التظليل, من أجل أن يباشر أموراً منكرة, ويمارس أشياء قبيحة شرعاً وعرفاً, ولذلك القائمون على الأمر رأوا بأن المفاسد راجحة على المصالح, ولذلك منع التظليل.

    وأنا أتفق مع الأخت أم محمد بأنه منع التظليل فيه ضرر, لكن معلوم بأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام, ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح, وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من جرائم, بمعنى: أن التظليل من اخترعه أو من وضعه إنما أراد بذلك الراحة في الأصل لكن بعض الناس يستغل هذا الشيء فيما لا يحله الله عز وجل, ومن أجل هذا منع, وقد ارتكبت جرائم مروعة من وراء تظليل السيارات, ولذلك رئي بأنه يمنع بتاتاً, ولذلك نتحمل هذا وإن تضررنا منه.

    استعمال الجرائد في تنشيف اللحم النيء وشبهه

    الشيخ: قضية استعمال الجرائد في التنشيف, مثلاً: تنشيف الزيوت أو تنشيف اللحم النيء وما إلى ذلك, هذا لا يجوز يا أيها الناس! رجالاً ونساءً، لا يجوز أن نستعمل الجرائد المكتوب فيها باللغة العربية في تنشيف لحم أو الأكل عليها, أو أن تستعمل لفافات ثم بعد ذلك تلقى في المزبلة؛ لأن هذه الجرائد متضمنة لآيات وأحاديث، وفيها أسماء معظمة ومقدسة عندنا, فلا تخلو من اسم مريم, أو من اسم آسية، أو من اسم خديجة, أو من اسم عائشة, ولا تخلو من أسماء معظمة كأسماء الله عز وجل, وأسماء الأنبياء والمرسلين, وأسماء الصحابة وما إلى ذلك, واللغة العربية هذه الحروف الثمانية والعشرين منها تكون نظم القرآن, فينبغي لنا أن نجلها وأن نعظمها, ولا نترخص في ذلك, فلا يجوز الأكل عليها, ولا يجوز استعمالها، وبعض الناس إذا أراد أن يطلي جداراً أو باباً وضع هذه الجرائد تحت الأقدام فتداس, وتنزل عليها بقايا هذه الدهانات, فهذا كله لا يجوز, فاتقوا الله عباد الله.

    سكن أئمة المساجد داخل المسجد

    السؤال: الأخت فاطمة ذكرت بأن بعض أئمة المساجد يسكنون في داخل المساجد, وهم قادرون على أن يستأجروا خارجها، فما الحكم؟

    الجواب: لا شك أن هناك مصلحة من سكنى الإمام في داخل المسجد, فكونه أقرب إلى المسجد هذا أدعى ألا يغيب عن الصلاة, وكونه في المسجد أيضاً يتاح الوصول إليه لمن يريد أن يسأله من الناس, فيعرف بأن مكانه في المسجد, بل إنني أدعو إلى أن يكون في كل مسجد سكن للإمام؛ من أجل أن يباشر مهمته على الوجه الأكمل, وتكون حياته كلها في المسجد.

    وأيضاً أقول: إنه ينبغي للإمام أن يقوم بدوره في الصلاة بالناس, وفي تعليمهم دينهم, وفي الإجابة عن أسئلتهم, وفي قضاء حوائجهم, لكن حسب المستطاع, فليس الإمام هو الوالي, وليس الإمام هو المتحكم في الأمور, فربما كثير من الأشياء يعجز عنها الإمام, لا يستطيع أن يفعلها, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وإذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.

    التفكير في المعاصي بعد التوبة منها

    السؤال: أنا وقعت في المعاصي وتبت ولكنني أفكر في المعاصي، فما الحكم؟

    الجواب: يا أخي! اشغل نفسك بطاعة الله عز وجل, وأكثر من ذكر الله, واصحب ناساً طيبين, وحافظ على الصلاة مع الجماعة, واجعل لنفسك ورداً من القرآن, ليصرف الله عنك وسوسة الشيطان.

    حكم لعبة الكتشينة

    السؤال: ما حكم لعب الكشتينة؟

    الجواب: لا ينبغي؛ فإنها مضيعة للأعمار, مذهبة للأوقات, وهذا الوقت سنندم عليه.

    وصول ثواب قراءة القرآن للأموات

    السؤال: أبي وأمي متوفيان رحمة الله عليهما, وقد عملت لهما ختمة قرآن؛ كل يوم أقرأ لهما جزءاً, وبعد الجزء أدعو لهما, وهناك من قال: إن أجر القرآن لا يذهب لهما, هل هذا صحيح؟

    الجواب: هذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم, والذي أفتي به بأن ثواب قراءة القرآن يصل إن شاء الله, وهو ما رجحه الأئمة الكبار: كـأبي زكريا النووي و أبي العباس بن تيمية و أبي عبد الله بن القيم و الموفق ابن قدامة و أبي عمر بن عبد البر وغيرهم رحمة الله على الجميع.

    الواجب على من نسي صلاة الصبح ولم يذكر إلا بعد صلاة العصر

    السؤال: كيف أصلي صلاة الصبح وقد فاتتني اليوم، ولم أتذكر أني لم أصل إلا بعد صلاة العصر؟

    الجواب: صل الصبح وأعد ما بعدها, أي: صل الصبح وأعد الظهر والعصر.

    قتل النمل بوضعه في الشمس

    السؤال: هل يجوز قتل النمل بوضعه في الشمس؟

    الجواب: لا يجوز, وإنما يقتل إذا كان النمل مؤذياً, ويقتل بوسيلة تسرع في إزهاق روحه, وإذا لم يكن مؤذياً فلا ينبغي قتله.

    دخول بيع السلعة المستدانة في بيع ما لا يملك

    السؤال: إذا استدان المرء سلعة فباعها, هل تدخل في بيع ما لا يملك؟

    الجواب: لا، الدين هذا ملك, فلو أني استدنت من إنسان شيئاً على أن أرد مثله, فهنا صار ملكاً لي, أما إذا كان على سبيل العارية فلا يجوز لي التصرف فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( على اليد ما أخذت حتى ترده ).

    ذكر محاسن الوالد بعد وفاته

    السؤال: والدي متوفى منذ سنتين رحمة الله عليه, كثيراً ما أجد نفسي أتحدث عنه بالخير وأترحم عليه, لكن أهلي نصحوني بألا أكثر من ذلك, فهل أنا على خطأ؟

    الجواب: لا؛ بل أنت على خير إن شاء الله, طالما أنك تخبر بحقيقة الأمر ولا تزيد فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نذكر محاسن موتانا, وقد كان عليه الصلاة والسلام يكثر من ذكر خديجة ويترحم عليها, ويترضى عنها.

    معاملة المرأة ربيبها معاملة غير لائقة

    السؤال: ابن أبي يسكن معنا, ولكن الوالدة لا تعامله مثل أولادها, أنا أحكم بينهم وهي لا ترضى فما الواجب؟

    الجواب: ينبغي للوالدة أن تتقي الله عز وجل في ربيبها, وأن تحسن إليه, وأن تقوم على أمره وهي في ذلك مأجورة, والله لا يضيع أجر المحسنين.

    وقت الاغتسال من الجنابة لمن أراد الصوم

    السؤال: جامعت زوجتي بالليل, وهي ناوية أن تصوم, هل تغتسل بالليل أم الصباح؟

    الجواب: لا مانع من أن تغتسل بالليل -وهو أفضل- أو أن تؤجل الغسل إلى بعد طلوع الفجر، والصوم صحيح, وقد ( كان نبينا صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع وهو صائم, فيغتسل عليه الصلاة والسلام ).

    توجيه لمن خطب بنت عمه ثم تبين أنه لا يستطيع الاستمرار معها

    السؤال: خطبت بنت عمي من أبيها وأعمامها, وانتشر الخبر بين الأهل, ولكنني اكتشفت أني لا أستطيع الاستمرار معها, ولو تركتها لحدث انشقاق بين أهلي وأهلها, فماذا أفعل؟

    الجواب: الأفضل لك أن تتركها الآن وإن حصل انشقاق، فهو خير من أن تتزوجها ثم بعد ذلك تطلقها, والانشقاق يكون أكبر, والشقة تتسع, والخلاف يصعب على الحل.

    فالآن تريث في أمرك واستخر ربك واستشر من تثق بهم, وبعد ذلك لو تركتها عسى الله أن يبدلها خيراً منك, ويبدلك خيراً منها.

    إخوتي وأخواتي! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة؛ ليلة الجمعة, أسأل الله أن يحيينا على سنته, وأن يتوفانا على ملته, وأن يحشرنا تحت لوائه, وأن يوردنا حوضه, وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.

    والحمد لله في البدء والختام, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755979788