بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة )، فبين عليه الصلاة والسلام بأن هذه السلعة الغالية التي هي جنة عرضها السموات والأرض، لا يتوصل إليها إلا بيقين صادق، وعمل صالح، وخلق حسن؛ ولذلك في الآيات التي مضت بين ربنا جل جلاله بأنه لا يصل إلى تلك الجنة إلا من كانوا على صلاتهم دائمين، وكانوا للزكاة مؤدين، وكانوا لفروجهم حافظين، ولأماناتهم وعهدهم راعين، وكانوا من عذاب ربهم مشفقين، وكانوا على صلاتهم محافظين، هؤلاء الذين اتصفوا بتلك الصفات هم الذين يكرمون في تلك الجنات، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
وقد كان المشركون يتعجبون من الفقراء والمساكين الذين أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من أمثال بلال بن رباح ، و عمار بن ياسر ، و خباب بن الأرت وغيرهم، فكانوا يقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلن قبلهم، ولئن أعطي هؤلاء خيراً لنعطين خيراً منهم، فكانوا يستهزئون ويسخرون من هؤلاء الفقراء الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه.
فالله عز وجل عجّب نبيه عليه الصلاة والسلام من شأن هؤلاء الكفار المتكبرين، فقال: فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ [المعارج:36]، مهطعين أي: نافرين مسرعين منطلقين، لا يريدون السماع إلى القرآن ولا أن يتأملوا دلائل الهدى.
ثم قال: عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ [المعارج:37]، أي: فرقاً مختلفين، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ [المعارج:38]، هؤلاء الذين ما كانوا يصلون ولا يزكون ولا هم من عذاب ربهم مشفقون، ولا هم على صلاتهم يحافظون ولا هم لأماناتهم وعهدهم راعون، ومع هذا كله هم في الجنة طامعون، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ [المعارج:38]، كَلاَّ[المعارج:39]، أي: لا سبيل لهم إلى الجنة.
قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج:39]، هؤلاء المتكبرون مخلوقون من الشيء الذي يعرفونه جيداً ويعلمونه يقيناً، وهو أن الواحد منهم مخلوق من ماء مهين، من مني يمنى، من نطفة مذرة، خرج من مبال أبيه ثم خرج من مبال أمه؛ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2]، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً[النحل:78]، أي أن كل واحد في هذه الدنيا خرج من بطن أمه وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، لا يأكل إلا إذا أطعم، ولا يشرب إلا إذا سقي، ثم بعد ذلك يبول على نفسه ويتغوط، وما زال ربه جل جلاله يرعاه ويتعاهده شيئاً فشيئاً حتى صار سميعاً بصيراً متكلماً، عليماً قديراً مريداً.. إلى غير ذلك من الصفات التي أكسبنا ربنا جل جلاله إياها.
هؤلاء على أي شيء يتكبرون وقد خلقهم الله عز وجل مما يعلمون؟! كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج:39]، وقد قال المفسرون: ليس المقصود الخبر، وإنما المراد: لازم الخبر، يعني: ليس المقصود: أن يخبرهم ربهم بأنهم مخلوقون من تلك النطفة أو من ذلك الماء المهين، وإنما المقصود: لازم الخبر وفائدته؛ بأن يتواضعوا لله عز وجل، وأن يتواضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يتكبروا عليه.
ثم قال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[المعارج:40]، وقد مضى معنا الكلام مراراً في أن هذه الصيغة تعني: القسم، كما مر معنا في سورة الواقعة: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75]، المعنى: فلأقسم بمواقع النجوم، ومر معنا في سورة الحاقة: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ [الحاقة:38-39]، والمعنى: فلأقسم بما تبصرون وما لا تبصرون، وهنا أيضاً: فلأقسم برب المشارق والمغارب، إما أن تكون لا زائدة كما يقول بعض المفسرين وأنها قد جيء بها للتأكيد، كما في قول ربنا جل جلاله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[النساء:65]، فيكون المعنى: فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، وكما في قوله سبحانه: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ))[الحديد: 29]، أي: ليعلم أهل الكتاب، وكما في قوله سبحانه: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95]، المعنى: أنهم يرجعون، وكما في قوله سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ[فصلت:34]، أي: ولا تستوي الحسنة والسيئة، وكما في قوله سبحانه: يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِي[طه:92-93]، والمعنى: أن تتبعني، كما في قوله سبحانه: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ[الأعراف:12]، والمعنى: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك.
فـ(لا) هنا مزيدة، جيء بها للتأكيد، والمعنى: فلأقسم، فهنا يقسم الله جل جلاله بذاته.
قوله: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[المعارج:40]، في هذا الموضع جمعت المشارق والمغارب، وثنيت في سورة الرحمن: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]، وأفردت في سورة المزمل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً [المزمل:9].
أما على الإفراد: المشرق والمغرب: مشرق الشمس ومغربها، وأما على التثنية: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]، أي: مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما، وأما على الجمع كما في هذه السورة: المشارق والمغارب؛ باعتبار اختلاف المنازل، فإن للشمس في كل يوم مشرقاً غير اليوم الذي قبله، كما يقول علماء الهيئة أو علماء الفلك، فهم يقولون: للشمس في العام ثلاثمائة وستون مشرقاً، ولها ثلاثمائة وستون مغرباً؛ ولذلك نلاحظ في كل يوم أن شروق الشمس يختلف عن اليوم الذي قبله، وكذلك غروبها يختلف عن اليوم الذي قبله، فهذا هو وجه الجمع.
قال: إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ[المعارج:40-41]، هؤلاء الذين يستبعدون البعث وينكرون الإحياء بعد الإماتة يقسم الله عز وجل بذاته العظيمة جل جلاله أنه قادر على أن يبدل خيراً منهم، وهنا للمفسرين وجهان:
الوجه الأول: عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ[المعارج:41]، بمعنى: أن ننشئهم نشأة أكمل وأعظم وأفضل من نشأتهم في الدنيا، كما قال سبحانه: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ[الأنبياء:104]، وكما قال سبحانه: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ[ق:4]؛ ولذلك يوم القيامة سيبعثون في أكمل هيئة.
الإنسان في الدنيا يتعرض للنقص، لربما لما كبر سنه انحنى ظهره وضعف جسده وذهبت قوته، ولربما ذهبت شيء من الحواس، السمع والبصر، أما يوم القيامة فإنه سيرجع كما كان أولاً، هذا هو الوجه الأول في قوله سبحانه: عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ[المعارج:41]، أي: ننشئهم نشأة أكمل وأفضل مما كانوا عليه في الدنيا.
الوجه الثاني: عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ[المعارج:41]، المعنى: أن الله عز وجل قادر على أن يهلك هؤلاء ويذهب بهم، ويأتي بخير منهم، ويشهد لهذا المعنى قول ربنا جل جلاله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38]، فالله عز وجل يتهدد هؤلاء المشركين المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يهلكهم ويأتي بمن هو خير منهم، وهذا المعنى أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزل عليه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق على أهل مكة الأخشبين فقال: ( بل أصبر، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ).
قال: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ [المعارج:41]، أي: وما نحن بمعجزين، ذلك أن الله عز وجل لا يعجزه شيء، ولا يسبقه شيء، ولا يفوته شيء.. كما قال سبحانه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ [الأنفال:59]، فهو سبحانه وتعالى يخبر بأنه قادر على ما يريد.
ثم وجه الخطاب لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال له: فَذَرْهُمْ[المعارج:42]، أي: اتركهم، دعهم، لا تعبأ بهم، لا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تحزن عليهم؛ بل فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا[المعارج:42]، وقد كانوا من أهل الخوض ومن أهل اللعب، أما خوضهم: فإنهم كانوا يقولون على الله ما لا يعلمون، وكانوا بآياته يستهزئون؛ ولذلك يوم القيامة سيندمون، فإذا سئلوا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45].
قال: وَيَلْعَبُوا [المعارج:42]، أي: أنهم اتخذوا دينهم لعباً وهزواً ولهواً، واخترعوا من عند أنفسهم عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، وافتروا على الله الكذب حين قالوا: هذا حلال وهذا حرام، فيقول الله: اتركهم يا محمد! -صلى الله عليه وسلم- ولا تعبأ بهم.
قال تعالى: حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ [المعارج:42]، أي: ذلك اليوم الذي ينزل بهم ملك الموت، ويفرق بين أجسادهم وأرواحهم، حينها سيعلمون الحق الذي كانوا ينكرون، وسيعلمون بأن الله جل جلاله قادر عليهم، وأن الله جل جلاله متصرف فيهم، وأنه سبحانه وتعالى يحاسبهم؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، فهم إذا ماتوا أدخلوا في قبورهم ثم بعد ذلك بعثوا لميقات يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً[المعارج:43]، الأجداث: جمع جدث، وهو: القبر، وقد مر بنا في سورة (يس) قول ربنا الرحمن الرحيم: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس:51].
وبين ربنا جل جلاله أن خروجهم ليس بإرادتهم وإنما بفعل ربنا جل جلاله، كما قال: إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [العاديات:9]، وقال سبحانه: إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا [الزلزلة:1-2]، هذه الأرض تلفظ هذه الأجساد وتخرجها بعدما نتخلق في قبورنا، فالإنسان منا يدفن وبعد ذلك يبلى وينتهي، ويصير تراباً، ولا يبقى فيه إلا عجب الذنب، وهو عظم صغير يسير، فإذا أذن ربنا جل جلاله بقيام القيامة فإنه سبحانه وتعالى ينزل من السماء مطراً كالطل -أي: كالندى- كما أن الشجرة في الدنيا تنبت بالمطر، كذلك نحن في قبورنا ينزل الله عز وجل هذا الماء فننبت في قبورنا، ونعود كما كنا، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ[الأنبياء:104].
بعد ذلك ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور نفخة البعث، ينادي: أيتها الأجساد الخاوية! أيتها العظام النخرة! قوموا إلى ميقات رب العالمين، فنخرج من قبورنا ونحن ننفض التراب عن رءوسنا، الأولون والآخرون، الأنبياء والمرسلون، والصالحون والفاجرون.. الكل سيخرج إلى ذلك اليوم العظيم.
ثم يقول ربنا جل جلاله: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43]، وفي قراءة الجمهور: (كأنهم إلى نَصْب يوفضون) النصب جمع: نصب، وجمع الجمع: أنصاب، يعني: عندنا جمع وجمع الجمع، مثل كلمة رجل تجمع على رجال، وجمع الجمع: رجالات.
وكذلك كلمة (كلب) تجمع على: أكلب، وجمع الجمع: كلاب، وهنا أيضاً عندنا النصب، وهو: الصنم هذا الذي نصبوه يعبدونه من دون الله، هذا النصب يجمع على: نصب، والقراءتان واردتان في هذه، ثم الأنصاب مذكور في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ[المائدة:90]، والأنصاب هي: الأصنام التي نصبت لتعبد من دون الله.
قال: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43]، يوفضون: يسرعون، ويبتدرونه أيهم يتمسح به أولاً، مثل المسلمين الطيبين إذا صلوا إلى بيت الله الحرام، وانتهت الصلاة، فإنهم بعد الصلاة يسرعون إلى الحجر الأسود، وكلهم يريد أن يبتدره ويتمسح به أولاً؛ عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء يشبه الله عز وجل حالتهم الكئيبة في ذلك اليوم بحالهم في الدنيا حين كانوا يسرعون إلى تلك الأصنام يتمسحون بها ويطوفون حولها، يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً[المعارج:43]، من غير تأخير ولا بطء.
ثم قال تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ[المعارج:44]، وهذا المعنى تكرر في القرآن كثيراً؛ دلالة على الذل الذي يضربهم في ذلك اليوم، ويقول سبحانه في سورة القمر: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ[القمر:6-8]، أي: مسرعين ومنطلقين، إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:8]، وقال سبحانه: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ[الشورى:45]، ومر معنا في سورة القلم: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43]؛ ولذلك ربنا جل جلاله يبين سرعتهم في ذلك اليوم مع ذلهم وخشوعهم فيقول: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:44]، الله جل جلاله كان يتوعدهم بذلك اليوم لكنهم كانوا يكذبون وكانوا يجحدون.
وبذا نكون قد فرغنا من تفسير هذه السورة المباركة، سورة المعارج.
أسأل الله أن يجعلنا من المنتفعين المعتبرين المتعظين! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر