إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحدود [8]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا اعتدي على الإنسان في نفسه أو ماله أو عرضه فله دفع العدوان بالأخف فالأخف، فإن لم يندفع المعتدي إلا بالقتل فله قتله ولا ضمان عليه. ومثله لو كان الصائل بهيمة.

    1.   

    دفع الصائل

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم زدنا علماً وعملاً وهدى وتقوى يا رب العالمين، وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [ فصل: ومن عرض له من يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو حمل عليه سلاحاً أو دخل منزله بغير إذنه فعليه دفعه بأسهل ما يكون أنه يندفع به، فإن لم يندفع إلا بقتله فله قتله ولا ضمان عليه، وإن قتل الدافع فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه، ومن صالت عليه بهيمة فله دفعها بمثل ذلك ولا ضمان في ذلك.

    ومن اطلع إلى دار إنسان أو بيته من خصاص الباب أو نحوه فخذفه بحصاة ففقأ عينه فلا ضمان عليه، وإن عض إنسان يده فانتزعها منه فسقطت ثناياه فلا ضمان فيها].

    معنى الصائل

    المؤلف هنا بدأ يتحدث عن الصائل، والصائل معناه: هو الذي يهجم على الإنسان بغير حق مريداً نفسه أو ماله أو عرضه مما ليس للجاني حق فيه، وقولنا: مما ليس للجاني حق فيه ليُخرج بذلك استيفاء الحق بغير دعوى، مثال ذلك: لو أن شخصاً أخذ مالك فأخذت معك أناساً ثم دخلتم عليه حتى أخذتم المال، فأنت تعتبر صائلاً، لكن لك حق فيه، وهذه مسألة خلافية ذكرناها وهي: مسألة الظفر واستيفاء الحق بغير دعوى، وعلى هذا فمن عرض لإنسان وهاجمه يريد نفسه أو ماله أو حريمه -ومعنى حريمه: أولاده أو نساءه وغير ذلك- فهو صائل.

    كيفية دفع الصائل

    قول المؤلف رحمه الله: (فعليه دفعه بأسهل ما يكون أنه يندفع به)، والدليل على ذلك القاعدة الأصولية: أن دفع الضرر بالأدنى فالأعلى، فانظر الآن: عندنا ضرر والضرر هو أخذ المال فيُزال، فنقول: دفع الصائل مأمور به؛ لأنه ضرر والضرر يُزال بقدر الإمكان، فإن كان يمكن إزالة هذا الضرر بالكلام فلا يسوغ بأكثر منه، فأحياناً بعض الناس يكون الكلام كافياً له، فإذا حدثته بأعراف القبائل وغير ذلك فإنه ربما يرتدع به أكثر مما يرتدع من بريق السيف، ولهذا تجد أن بعض القبائل يخاف أن يحلف بطريقة عاداتهم أكثر مما يحلف بالله، فلو قيل له: احلف بالله العلي العظيم لحلف ولم يُبال، لكن لو قلت له: احلف بالله الغالب الطالب مقطع الأرقاب تجده يخاف، مع أن هذا إخبار وليس قسم بالله.

    وعلى هذا فالضرر يُزال بقدر الإمكان، فإن كان الكلام والترغيب والترهيب لا ينفع فإنه يُزال بالضرب، فإن كان الضرب لا يكفي فإنه يجرحه، مثلاً: إذا كان معه مسدس وشخص يريده فإنه يضربه في مكان لا يقتل غالباً مثل الرجلين أو اليدين فإنه لا يقتل غالباً، وهذا من الفقهاء رحمهم الله مقصود به بينه وبين الله، فإذا كان شخص يجيد استخدام السلاح وجاء صائل إليه وشهد الشهود أن الصائل جاء إليه وهو يُحسن إدارة السلاح فإنه لو أطلق عليه بعد أن أطلق عليه الجاني وقتله ربما يأتي الشهود ويقولون: نعم هو جنى عليه، لكن بينه وبين الله يأثم؛ لأنه قادر أن يُزيل هذا الجاني بأقل من القتل، ولهذا قال العلماء: بحسب الترتيب؛ لأن ثمة أمر ديانة وأمر قضاء، والقضاء لو شهد الشهود أنه لا يستطيع أن يخرج من مغبة هذا الأمر إلا بالقتل ولكنه قادر بينه وبين الله فهو مؤاخذ وإن قضاء لا يؤاخذ بشيء.

    وقولنا: (بالتدرج) يعني: لو أنه قتل ولم يثبت ذلك التدرج لم يقبل منه، مثال ذلك: جاء قريب لك ودخل بيتك في الليل ليسرق فأخذت السلاح فقتلته، أو قلت له: سلم نفسك فرفض وهو متلثم وضرب عليك واختبأ وضرب عليك مرة ثانية وجرحك في رجلك ثم أطلقت عليه فقتلته وسقط ومات، هنا لا بد أن تثبت هذا وإلا أقيم عليك حد القصاص على حسب الأدلة، قد يقول قائل: هو الذي أتى إلى بيتي، وهو الذي هتك ذمة البيت، فنقول: ومن يدري فلعلك أغريته فأتيت به إلى منزلك وقتلته غيلة.

    قول المؤلف رحمه الله: (فإن لم يندفع إلا بقتله فله قلته)، ومثله: لو لم يندفع إلا بإحراق أو إتلاف مال الجاني فإنه يجوز، مثال ذلك: لو أن الجاني جاء إليك وعندك شيء له، وقلت له: والله إذا لم تخرج لأحرقن سيارتك، فأبى فأحرقت سيارته، ثم صال عليك ثانية في نفس اللحظة، قلت: والله لأحرقن بيتك، ثم هرب بعد إحراق بيته فهل له أن يُطالب؟ نقول: لا، ماله هدر، والدليل على أنه ماله هدر أن العلماء ذكروا قاعدة قالوا: ما ترتب على المأذون فلا ضمان فيه، وهذا مأذون لك أن تحرق ماله، ومأذون لك أن تقتله، فلا ضمان عليك، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عمران بن حصين : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد عض يد رجل، فجاء الرجل المعضوض فنزع يده بسرعة فسقطت ثنايا العاض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تأمرني! تأمرني أن آمره أن يضع يده في فيك فتقضمها قضم الفحل؟ لا دية لك )، يعني: عضه وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكيه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( آمره أن يضع يده في فيك فتقضمها قضم الفحل؟ لا دية لك )، هذا هو الدليل، وانظر باب دفع الصائل، أخذ العلماء منه هذا الحديث وبدءوا يستدلون به، ومن أمثلة ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أن امرئ اطلع عليك بغير أذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح )، وهذا الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة ، وفي حديث سهل بن سعد الساعدي : ( أن رجلاً اطلع في جُحر من باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحك رأسه بمدراة في يده، فقال: لو علمت أنك تنظرني لطعنت بها في عينك، إنما جُعل الإذن من أجل البصر )، وهذا دليل على جواز إزالة هذا الخطأ ولو كان بفقئ عينه، وكل ذلك مبني على ثبوت الجناية وثبوت العقوبة بهذه الجناية.

    مسائل متعلقة بأحكام الصائل

    هنا مسألة: إذا كان الصول على مال الغير فماذا تفعل؟

    الجواب: تدافع عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ).

    والبهيمة لو قتلها الإنسان إذا صالت عليه فإنها هدر، فأحياناً بعض الذين يذهبون إلى سوق الإبل، بعض الإبل تكون فيها أوابد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش )، فتكون أحياناً ثائرة فتصول على مالكها، وأحياناً الإبل إذا أراد أن يميت أمات ولا يبالي، حتى أنه ربما يقع على السيارة ومن شدة حنقه لا يتركها حتى تنخسف، فلو رأى إنسان مثل هذا فضربه بالسلاح حتى أمات البهيمة فلا ضمان عليه في ذلك.

    قول المؤلف رحمه الله: (وإن عض إنسان يده فانتزعها فسقطت ثناياه فلا ضمان فيها)، يعني: ما يضمن الثنايا؛ لأنه نزع يده من باب حماية بدنه.

    ومن أحكام الصائل الجراد إذا انتشر في الحرم فإنه يصعب على الإنسان أن يمشي من غير أن يطأه، فقالوا: هذا في حكم الصائل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خمس فواسق يقتلن في الحِل والحرم )، فقالوا: كل ما كان في حكمها فإنه لا ضمان فيه، كذلك الصائل في الحرم لو قتله إنسان وهو صيد فإنه لا يضمنه، وأما آلة صيد الحشرات الموجودة حالياً فبعض العلماء منع الكهربائية منها، واستدل بأن هذا تعذيب بالنار، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) من حديث ابن عباس ، وقال بعضهم وهو القول الثاني: إن هذا ليس بنار، والمقصود بالنار النار التي لها لهب، وأما التي ليس لها لهب مثل الحرق الكهربائي قالوا: فهذا لا بأس به؛ لأنه المقصود من النار لهيبها، وهذا القول محتمل، وإن كنت أرى كراهة هذه الآلة.

    نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756313901