إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الجنائز
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - (باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور) إلى (باب مسألة الكافر)

شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - (باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور) إلى (باب مسألة الكافر)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الله تعالى كل وسيلة تؤدي إلى الإشراك به، ومنها: اتخاذ القبور مساجد والبناء واتخاذ السرج عليها، كما أثبت حق الإنسان وكرامته حتى بعد موته بعدم المشي بالنعال فوق قبره، والعبد إذا مات يسمع حتى قرع نعال أصحابه عند مغادرتهم، فيأتيه ملكان فيسألانه سواء كان مؤمناً أم كافراً.

    1.   

    التغليظ في اتخاذ السرج على القبور

    شرح حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التغليظ في اتخاذ السرج على القبور.

    أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج)].

    يقول النسائي رحمه الله: التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، مراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة، هو أن اتخاذ السرج على القبور من الأمور المحرمة، بل التي جاء فيها التغليظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم: أن إسراجها غالباً يكون مع البناء عليها، وذلك من تعظيمها وهو من الغلو فيها، وقد يؤدي إلى أن يسأل أصحابها ويعول عليهم، فالإسراج يلازم غالباً البناء، وكل منهما فيه تعظيم، وهو خلاف ما جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن القبور لا يبنى عليها، ولا تتخذ فيها السرج، بل تكون كالمقابر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبر أصحابه، وكذلك المسلمون من بعده، حتى حدث بعد ذلك ما حدث من البناء على القبور واتخاذها مساجد، ووقعت في ذلك المخالفة لما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    وقد أورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج).

    والحديث يشتمل على ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: لعن زائرات القبور، وهن النساء اللاتي يزرن القبور، وقد عرفنا أن زيارة القبور كانت ممنوعة، ثم أبيحت وشرعت، وقد مر بنا حديث بريدة بن الحصيب حيث قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فزيارة القبور كان منهياً عنها، ثم شرعت، واختلف هل مشروعيتها للرجال فقط، أو للرجال والنساء؟ فمن العلماء من قال: إن النساء يشرع لهن الزيارة كما يشرع للرجال، ويستدلون بما جاء في حديث عائشة الذي مر بنا قريباً، وهو أنها سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلة: (ماذا أقول إذا زرت القبور؟ فقال: قولي: السلام عليكم أهل الديار...) إلى آخر الحديث.

    والقول الثاني: هو المنع وأن ذلك لا يجوز، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)، ولكن الحديث بهذا اللفظ جاء بإسناد ضعيف؛ لأنه من رواية أبي صالح باذان مولى أم هانئ، وهو ضعيف، مدلس، ولكن جاء حديث آخر فيه ذكر النساء، ولعنهن إذا زرن القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) فإن هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والقول بالمنع أي: منع زيارة القبور في حق النساء هو الأظهر، وهو الأولى، وهو الأحوط أيضاً في الدين، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لعن زوارات القبور، وقد يقال: إن زوارات هذه صيغة مبالغة، فيكون المنع إنما هو من كثرة الزيارة، وأما إذا كانت الزيارة قليلة فإن ذلك لا بأس به.

    ولكن لفظ: (زوارات) يأتي للنسبة كما يأتي للمبالغة، زوارات يعني: منسوبات إلى الزيارة، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46] فإن المقصود هو: نفي أصل الظلم، وليس المبالغة فيه، أي: وما ربك بمنسوب إلى الظلم مطلقاً، فهنا نفي النسبة إلى الظلم، فيكون قوله: (لعن الله زوارات القبور) أي: المنسوبات إلى الزيارة، وهن اللاتي تحصل منهن الزيارة، فليس الأمر مقصوراً على المبالغة، فالقول بالمنع هو الأسلم والأحوط؛ وذلك لأن المرأة إذا لم تزر فإنه لا يترتب على عدم زيارتها شيء، أكثر ما في الأمر أن تكون تركت سنة، أو تركت أمراً مستحباً، وترك الأمر المستحب لا يعاقب الإنسان عليه، ولكن كونها تزور، فهي تتعرض للعنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور).

    وكونها لا تزور فإنها تسلم من التعرض للعنة ولا يحصل لها شيء بعد ذلك، فالقول بالمنع هو الأظهر من القول بالجواز في حق النساء.

    ثم إن النساء يتميزن عن الرجال بضعفهن، وجزعهن، وهلعهن، وعدم صبرهن وتحملهن، فزيارتها للقبور تهيجها وتجعلها تظهر الحزن، وقد تحصل النياحة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وتوعد، وجاء عنه الوعيد في النياحة، وجاء عنه اللعن، كقوله: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، التي هي: النياحة، هذا هو الأمر الأول من الأمور الثلاثة التي اشتمل عليها الحديث.

    أما الأمر الثاني: وهو اتخاذ المساجد على القبور، فالحديث كما عرفنا ضعيف، ولكن جاء التحذير من اتخاذ المساجد على القبور في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أو في أحدهما، ومما ورد في ذلك، ما جاء عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -يعني: بخمس ليال- يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وكذلك جاء فيه حديث عائشة من طريقين، والذي سيأتي في الباب الذي بعد هذا، فالأحاديث في لعن الذين يتخذون المساجد قبوراً كثيرة وثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وفي غير الصحيحين.

    فلعن المتخذين القبور مساجد ثابت بالأحاديث الصحيحة، ولا يضره كون هذا الحديث الذي معنا ضعيفاً، فإن ما اشتمل عليه من لعن المتخذين المساجد قبوراً يغني عنه ما جاء في الصحيحين وغيرهما، من لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم القبور مساجد.

    أما المسألة الثالثة وهي: اتخاذ السرج في المساجد، فهي أيضاً محرمة، وهي ملازمة للبناء، واتخاذ القبور مساجد، وهي مخالفة للهيئة والطريقة التي عليها مقابر المسلمين في زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وفي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث كانوا لا يسلكون هذه المسالك، ولا يعملون هذه الأعمال المحرمة، التي فيها تعظيم للقبور، وإظهار للفتنة فيها، والغلو بأصحابها، ومجاوزة الحد فيما ينبغي في حقهم.

    تراجم رجال إسناد حديث حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد الوارث بن سعيد].

    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن محمد بن جحادة].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي صالح].

    هو باذان مولى أم هانئ وهو ضعيف، ومع ذلك هو مدلس، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة، والحديث ضعف؛ لأن باذان أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف.

    [عن ابن عباس].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    1.   

    التشديد في الجلوس على القبور

    شرح حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التشديد في الجلوس على القبور.

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع عن سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التشديد في الجلوس على القبر، يعني: التشديد في منعه وتحريمه وبيان خطورته، وأن فيه إثماً عظيماً، وجرماً كبيراً، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)]، فهذا يدل على تحريم الجلوس على القبر، وأن جلوس الإنسان على جمرة تحرق ثيابه أهون وأسهل من كونه يجلس على قبر، وذلك أن الجلوس على القبر إن كان لقضاء الحاجة فالأمر أشد وأخطر، وإن كان لغير ذلك ففيه امتهان للقبر، كونه يجلس عليه، ويطأ عليه، وهو غير سائغ، وغير جائز، وقد جاء النهي عن ذلك، والوعيد عليه، والتشديد فيه، ومما جاء في هذا الحديث الذي معنا: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير من أن يجلس على قبر)، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).

    فهذا فيه منع أن الإنسان يستقبل القبور في الصلاة وأن يجعلها في قبلته، وكذلك أن يجلس عليها، كل ذلك جاء النهي فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأحاديث ثابتة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [عن وكيع].

    هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سفيان].

    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    وسفيان هنا غير منسوب فالمراد به: سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة.

    [عن سهيل].

    هو سهيل بن أبي صالح السمان، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في التقريب: أن البخاري روى عنه تعليقاً ومقروناً، ورمز له برجال أصحاب الكتب الستة، وهذا يفيد أن من خرج له في الصحيحين سواء كان ذلك استقلالاً أو مقروناً فإنه يرمز له برمز البخاري، ومسلم، وإذا كان الحديث رواه أصحاب الكتب يرمز له برواية أصحاب الكتب كما هنا؛ من روي عنه مقروناً فقد روي عنه بالأصول، وليس تعليقاً، واصطلاح المزي ومن بعده أنهم يأتون بالرمز، رمز الخاء والميم، البخاري، ومسلم، فيما إذا كان الرجل له رواية في الصحيحين بالأسانيد المتصلة، وليس تعليقاً، أما إذا كان تعليقاً فإنه يرمز له بالتعليق (هاك)، وأما إذا كان غير ذلك سواء كان مستقلاً أو مقروناً، فإنهم يرمزون له برمز الرواية عن البخاري، ومسلم استقلالاً، إذاً: الاستقلال والمقرون رمزهما واحد.

    [عن أبيه].

    أبوه هو ذكوان السمان، ويقال: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي هريرة].

    رضي الله تعالى عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وقد مر ذكرهم آنفاً.

    شرح حديث: (لا تقعدوا على القبور)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي عن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقعدوا على القبور)].

    أورد النسائي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا تقعدوا على القبور)] الحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من النهي عن القعود على القبور، والجلوس عليها، وقد ورد بمعناه حديث آخر: [(لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)] فهنا قوله: [(لا تقعدوا على القبور)] هو مثل ما جاء في بعض الروايات أو بعض الأحاديث: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقعدوا على القبور)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].

    هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [عن شعيب].

    شعيب وهو ابن الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثنا الليث].

    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا خالد].

    هو خالد بن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن أبي هلال].

    هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي بكر بن حزم].

    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني قيل كنيته واسمه، وقيل اسمه: أبو بكر وكنيته: أبو محمد، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن النضر بن عبد الله السلمي].

    مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [عن عمرو بن حزم].

    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.

    والحديث في إسناده النضر بن عبد الله السلمي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: أنه مجهول، ولكن الحديث جاء له شواهد تدل على ما دل عليه من النهي عن الجلوس على القبور، ومن التحذير من الجلوس على القبر كما جاء في الحديث الذي قبله، وهو: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر).

    1.   

    اتخاذ القبور مساجد

    شرح حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اتخاذ القبور مساجد.

    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اتخاذ القبور مساجد، أي: التحذير من ذلك، والمنع منه واللعنة على ذلك، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)]، وهذا يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وأن ذلك مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في أواخر أيامه وحياته صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أن الأحاديث في تحريم اتخاذ القبور مساجد كثيرة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن جماعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لكن قد يقال: كيف يكون اتخاذ القبور مساجد محرماً ونحن نرى ونشاهد أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، ومسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، ومع ذلك نجد قبره في مسجده؟

    الجواب عن هذا الاستشكال، أو عن هذه الشبهة هو: أنه يجب الأخذ بالأحاديث المحكمة الثابتة التي لم تنسخ والتي لا تقبل النسخ، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في آخر حياته كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، يعني: خمس ليال فقط، يقول: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) تأكيد بعد تأكيد في النهي؛ لأن قوله: (ألا فلا تتخذوا) هذا نهي كاف ولو لم يأتي شيء وراءه، لكنه جاء بعده: (فإني أنهاكم عن ذلك) فصار تأكيداً بعد تأكيد، وكان هذا قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس ليال.

    وجاء في حديث إحدى أمهات المؤمنين لما نزل بالرسول صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، قال: وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

    إذاً: الواجب هو العمل بالأحاديث المحكمة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في أواخر أيامه، بل في أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم.

    أما قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر في المسجد، وإنما قبر في بيته وقبره في البنيان من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأن مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت أنه يدفن في البنيان؛ لأنه دفن في بيت عائشة، وأن أصحابه صلوا عليه فرادى ولم يصلوا عليه جماعة، وأنه وضع تحته في اللحد قطيفة حمراء، قالوا: وهذه الأمور من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعمل مع أحد سواه.

    إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام دفن في خارج المسجد، ولم يدفن في المسجد، دفن في بيت عائشة في بيت كان يجامع أهله فيه، وكانت نساؤه تحيض فيه، وتجلس فيه، فهو ليس من المسجد، وإنما هو خارج المسجد، فلم يدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولم يبن المسجد على القبر، وإنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحثوا أين يدفنون رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمنهم من قال: يدفن مع الناس في البقيع، وروى بعضهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: المكان الذي يموت فيه النبي فإنه يدفن فيه، ولهذا دفنوه، وأخذوا بالحديث الوارد عنه عليه الصلاة والسلام بأن (الأنبياء يدفنون حيث يموتون)، فدفن في المكان الذي مات فيه عليه الصلاة والسلام، وهو بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أما دخول القبر في المسجد فكان ذلك في زمن بني أمية، ولم يكن في زمن الخلفاء الراشدين، ولا في زمن معاوية الصحابي الجليل رضي الله عنه، وإنما كان بعد ذلك في زمن بني أمية، فهذا أمر محدث، وأمر طارئ، ولا يجوز أن يحتج به، ولا يجوز أن يحتج بخطأ حصل من بني أمية، وتترك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإنما يوجد في كثير من بلاد المسلمين من البناء على القبور، واتخاذها مساجد هذا مصادمة صريحة، ومخالفة واضحة جلية، لما جاءت به الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي حصلت منه في أواخر أيامه، بل وفي أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، وهي لا تقبل النسخ بحالٍ من الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس المحدث، الناقد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [حدثنا خالد بن الحارث].

    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد بن المسيب].

    تابعي جليل، ومحدث، فقيه، وثقة، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقتادة مدلس وقد روى بالعنعنة، لكن من الطرق المعروفة التي يذكرها المحدثون أن شعبة إذا روى عن مدلس فإن تدليسه مأمون؛ لأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا من أمن فيه تدليسهم، فـشعبة إذا جاء يروي عن مدلس، والمدلس روى بالعنعنة فإنه محمول على الاتصال والسماع؛ لأن من طريقة شعبة أنه لا يروي عن مدلس إلا ما كان مأموناً فيه من تدليسه.

    [عن عائشة].

    رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وقد حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما فيما يتعلق بأمور البيت، وما يجري بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].

    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو مثل الحديث الذي قبله عن عائشة رضي الله تعالى عنها دال على ما دل عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة].

    هو محمد بن عبد الرحيم البغدادي أبو يحيى المعروف بـلقبه صاعقة، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [حدثنا أبو سلمة الخزاعي].

    هو منصور بن سلمة، كنيته توافق اسم أبيه منصور بن سلمة الخزاعي، وهو ثقة، ثبت، حافظ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي.

    [حدثنا الليث بن سعد].

    وقد مر ذكره.

    [عن يزيد بن الهاد].

    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن شهاب].

    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، تابعي جليل من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].

    وقد مر ذكرهما.

    1.   

    كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية

    شرح حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية.

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن الأسود بن شيبان وكان ثقة، عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك أن بشير بن الخصاصية رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، فحانت منه التفاتة، فرأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية، والنعال السبتية: مصنوعة من جلود البقر، يقال لها: سبتية، وإنما ترجم بالنعال السبتية لأنها وردت في الحديث نفسه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي بين القبور وعليه نعال سبتية، فقال: (يا صاحب السبتيتين! ألقهما)، معناه أنه نهاه أن يمشي بين القبور بهذه النعال، والذي يظهر أن المشي لا يختص بالنعال السبتية، وإنما السبتية وغيرها؛ لأن المقصود بذلك هو: احترام أصحاب القبور، وعدم تعريضهم للإهانة، بأن يمشى بين قبورهم بالنعال، وهذا إذا لم يكن هناك أمر يقتضي المشي في النعال، بأن تكون الأرض حارة رمضاء، أو يكون فيها شوك أو ما إلى ذلك فعند ذلك تلبس النعال، وتتخذ النعال في المقابر، أما في غير ذلك، فإذا كان الإنسان يمشي بين القبور فلا يفعل، أما إذا كان هناك ممرات أو أماكن ليس فيها قبور في المقبرة يمشي فيها الناس، فهذه لا بأس أن يمشي الإنسان فيها بالنعال.

    قوله: [(كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً)].

    يعني: أنهم فاتوا، ومضوا، وجاء بعدهم شر كثير، فهم سبقوه ومضوا عنه، وخلفهم ذلك الشر الكثير، وجاء بعدهم.

    قوله: [(ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً)].

    يعني: سبقوا، ومضوا، وجاء بعدهم خير كثير، عكس المسلمين.

    وقوله: [(فحانت منه التفاتة فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره قريباً.

    [حدثنا وكيع].

    هو وكيع بن الجراح وقد مر ذكره قريباً.

    [عن الأسود بن شيبان].

    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن خالد بن سمير].

    صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن بشير بن نهيك].

    هو بشير بن نهيك البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [أن بشير بن الخصاصية].

    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    1.   

    التسهيل في غير السبتية

    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التسهيل في غير السبتية.

    أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التسهيل في غير السبتية، يعني: تسهيل الأمر في غيرها، وذلك بأنه يمكن أن يمشى في المقابر بغير النعال السبتية، لكن كما ذكرت الذي يظهر والأولى أنه لا يمشى فيها بالنعال مطلقاً لا السبتية، ولا غيرها، إلا إذا كان هناك ممرات أو مواضع خالية ليس فيها قبور فيمشي الناس بنعالهم فيها، ولا مانع من ذلك، وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، (أن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)، وهذا هو محل الشاهد يسمع قرع النعال، معناه: أنهم يمشون بالنعال.

    فإذاً: يحمل ما جاء من النهي على النعال السبتية، أما غير السبتية يسهل فيها، هكذا يقول النسائي؛ لكن الأظهر هو التعميم في الحكم، وأنه لا فرق بين السبتية وغير السبتية؛ لأنها كلها تشترك، ولأن فيه تعريض للإهانة لأصحاب القبور في المشي عليهم بالنعال.

    أما الحديث الذي أورده النسائي وهو حديث أنس: [(إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)] فهذا لا يدل على أن ذلك يكون في غير السبتية، بل يكون في السبتية وغيرها، لكن ليس في المشي بين القبور، وإنما يكون في الأماكن الخالية في المقبرة التي ليس فيها قبور، أو يكون في ممرات مثلاً أي: طرق تكون بين القبور لا يمشي الإنسان فيها، وإنما يمشي في طرق ليس فيها قبور، فيكون ما جاء في قوله: (ليسمع قرع نعالهم) أي: أنهم لا يمشون بين المقابر إذا انصرفوا، ولكنهم يمشون في أماكن في المقبرة لا قبور فيها، ومن المعلوم: أن المقابر يبدأ بها من يكون في أبعدها، ثم تمشي القبور شيئاً فشيئاً حتى تمتلئ المقبرة عند الباب، ويكون الدفن في أماكن بعيدة عن الباب، ثم الناس ينصرفون في مكان خال لم تصل إليها القبور فيحمل على ذلك، والله تعالى أعلم، ولهذا فإن الأخذ بالحديث، وشمول ما جاء فيه من النعال السبتية وغيرها بأن الحكم لا يتعلق بالسبتية، وإنما يتعلق بالقبور واحترامها وعدم تعريضها للإهانة، وهذا تشترك فيه النعال السبتية وغير السبتية.

    ثم الحديث يدل على سماع الميت قرع النعال، لكن هذا لا يستدل به على أن الميت يسمع كل شيء، وأنه يسمع ما يجري حوله؛ لأن هذه أمور غيبية لا يتكلم فيها إلا بدليل، والدليل جاء بسماعه قرع النعال، فلا يدل على سماعه الأمور الأخرى فيوقف عند النص، ويثبت ما دل عليه النص، ولا يثبت شيئاً لم يدل عليه النص.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق].

    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.

    [حدثنا يزيد بن زريع].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد].

    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    وقد مر ذكره.

    [عن أنس].

    هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والذين مر ذكرهم آنفاً.

    1.   

    المسألة في القبر

    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة في القبر.

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة أخبرنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: فيأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المسألة في القبر، يعني: السؤال في القبر عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله عز وجل لهذه الأمة، والسؤال في القبر يكون عن الرب، وعن الدين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الأصول الثلاثة، وهي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والنسائي أورد حديث أنس بن مالك الذي فيه: (أنه إذا تولى عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم فيأتيه ملكان فيجلسانه)، وهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به والتصديق به، وإن لم يكن مدركاً بالعقل؛ لأنه معلوم أن القبر عندما وضع فيه اللحد، واللحد على قدر الإنسان الممتد، فلا يقال: كيف يوضع في القبر، والقبر قد دفن وما فيه إلا اللحد، فكيف يجلس، وجلوسه يحتاج إلى مسافة، هذا من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتصديق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم ندرك كنه ذلك وحقيقته، كما أن الإنسان يعذب في قبره أو ينعم، والناس يفتحون القبر ولا يرون نعيماً، ولا عذاباً، والنعيم موجود والعذاب موجود؛ لأن هذه أمور غيبية لا تقاس على أمور الدنيا وأمور المشاهدة، بل كل ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب يجب التصديق به وإن لم يدركها العقل، والإسلام، أو الأحاديث، أو النصوص لا تأتي بما تحيل به العقول، ولكنها تأتي بما تحار به العقول، والشيء الذي تدركه العقول، وهو غيب يجب الإيمان به والتصديق به، وأنه حق ثابت، وأن كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو واقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

    قوله: [(فيأتيه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟)].

    أي: محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المسألة في القبر، هذا هو المقصود من الترجمة.

    قوله: [(فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].

    يعني: يرى المقعد من النار الذي سلمه الله منه، ويرى النار وما فيها، ويرى المقعد الذي جعله الله له، والذي أعطاه الله إياه، وتفضل عليه به، فيرى المقعدين جميعاً، وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه (يفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ولا يزال كذلك حتى تقوم الساعة).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

    هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره.

    إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].

    هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [حدثنا يونس بن محمد].

    هو يونس بن محمد البغدادي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن شيبان].

    هو ابن عبد الرحمن التميمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة أخبرنا أنس].

    وقد مر ذكرهما.

    1.   

    مسألة الكافر

    شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسألة الكافر.

    أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً خيراً منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وأما الكافر أو المنافق، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة الكافر، أي: سؤاله في قبره، وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن الكافر أو المنافق يسأل، (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، يعني: أنه تابع غيره من الكفار الذين كذبوه، ولم يصدقوه، (فيقال: لا دريت ولا تليت)، يعني: لم تحصل له المعرفة، والدراية، ولم يتابع من يستحق أن يتابع على الحق ممن آمن بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو لم يدر، ولم يتبع من يدري، ومن هو على حق، (فيقال له: لا دريت ولا تليت).

    قوله: [(فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار)]، ليس أمامه إلا النار، وليس له إلا النار، (فيضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين)، وهذا يدلنا: على أن ما يجري في القبور من الصياح يسمعه غير الثقلين كالبهائم، والحيوانات، فإنها تسمع هذا الذي يجري في القبور، أما الثقلان وهما: الجن والإنس اللذان هما مكلفان فإن الله تعالى أخفى عنهم ذلك، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، يجعل هذا الصوت يخرج من مكان معين فيسمعه بعض المخلوقات وهي الدواب، ولا يسمعه الجن والإنس الذين هم مكلفون، والحكمة في ذلك والله تعالى أعلم هي: أنه يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، هذه هي الحكمة في كونه أخفي ذلك على الناس، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمع ما يجري في القبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767464802