إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب المساجد - (باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد) إلى (باب النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد)

شرح سنن النسائي - كتاب المساجد - (باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد) إلى (باب النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد، وبين أن ذلك مستوجب للعنة، وبين أيضاً فضيلة المشي إلى المساجد وأجر ذلك، ونهى عن منع النساء من الذهاب إليها إن أردن ذلك، ولم يترتب عليه محذور شرعي.

    1.   

    النهي عن اتخاذ القبور مساجد

    شرح حديث: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ النهي عن اتخاذ القبور مساجد.

    أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر ويونس قالا: قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله: أن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، قال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ].

    يقول النسائي رحمه الله: النهي عن اتخاذ القبور مساجد.

    هذه الترجمة معقودة لبيان أن اتخاذ القبور مساجد مما نهى عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بل نهى عنه وكرر، وكان ذلك في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أن هذا الحكم محكم وأنه غير منسوخ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما عاش بعده مدة من الزمان حتى يكون فيه احتمال النسخ، بل كان ذلك في آخر لحظاته، وفي آخر أيامه عليه الصلاة والسلام، وهذا من كمال نصحه لأمته وشفقته عليها، وحرصه على إبعادها عن كل ما فيه خلل في عقيدتها، وفي سيرها إلى الله عز وجل.

    فقد حذر عليه الصلاة والسلام من اتخاذ القبور مساجد، وحذر من فتنة القبور والافتتان بها، والغلو بها وبأهلها، وقد جاء ذلك عنه عليه الصلاة والسلام في آخر حياته، كما في هذا الحديث الذي أورده النسائي، فإنه في حال النزع، وفي حال خروج الروح كان ينهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، بل أيضاً قبل هذا بمدة وجيزة، وفي مرض موته نهى عن ذلك نهياً بليغاً بعبارات مختلفة، وبتأكيدات متنوعة متعددة، وذلك في حديث جندب بن عبد الله البجلي الذي أخرجه مسلم في صحيحه، والمشتمل على جملتين، وعلى أمرين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل )، يقول جندب بن عبد الله البجلي : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -يعني: بخمس ليالٍ فقط، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وهذا الكلام قاله يوم الخميس الذي قبل يوم الإثنين- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك )، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته هاتين الكلمتين، أو هاتين الجملتين، إحداهما مبينة فضل أبي بكر وميزته على غيره، وفيه الإشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ لأن كونه يقول هذا الكلام في مرض موته، وقبل أن يموت بخمس ليالٍ فإنه ينوه بفضله، ويبين عظيم قدره، وأنه الشخص الوحيد الذي لا يساويه مساوٍ، ولا يدانيه مدان، حيث قال: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، لأن الله اتخذه خليلاً، لكنه لو كان هذا الحق لأحد، ولو كان هذا الاتخاذ حاصلاً لأحد، ما حصل لأحد غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فدل هذا على عظيم فضله، ودل هذا على الإشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يموت بخمس.

    والأمر الثاني يتعلق باتخاذ القبور مساجد، وهذا فيه التنبيه إلى تحذير هذه الأمة أن تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، وأن يحصل منها ما حصل من الأمم السابقة، من فتنة اتخاذ القبور مساجد، والغلو في الأنبياء والصالحين، فإن الأمرين كليهما يتعلقان بما يكون بعد موته عليه الصلاة والسلام.

    الأمر الأول: أبو بكر والتنبيه إلى أنه الأحق بالأمر من بعده، والأمر الثاني: فيما يتعلق باتخاذ القبور مساجد، وأن لا يُعمل معه ما عملت الأمم السابقة مع أنبيائها وصالحيها.

    فقوله عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد )، هذه جملة فيها تنبيه، ثم قال: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد)، ثم قال: (فإني أنهاكم عن ذلك)، وهذا تأكيد بعد تأكيد؛ لأن قوله: (ألا فلا تتخذوا)، نهي، وقوله: (إني أنهاكم) نهي كذلك، ولكنه نهي بصيغ متعددة، وبتأكيدات متنوعة؛ بصيغة النهي، وبلفظ النهي، بصيغة النهي التي هي لا الناهية وذلك في قوله: (ألا فلا تتخذوا)، وبلفظ النهي في قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك)، وهذا من كمال بيانه، ومن كمال نصحه وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا الكلام قاله قبل أن يموت بخمس ليالٍ، كما في حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم.

    تحذير النبي من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد في آخر كلامه من الدنيا ودلالة ذلك

    أما حديث عائشة وابن عباس، فإنهما يحكيان شيئاً حصل بعد هذا، بل في حال النزع، وفي حال قبض الروح.

    وعلى هذا : فهذا من آخر ما تكلم به، وأما آخره فإنه قال: ( اللهم في الرفيق الأعلى )، فهذا آخر ما تكلم به، وبعدها خرجت الروح، ولكنه قال وهو في النزع: ( لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد )، قال هذا متى؟ قال هذا وهو في النزع، تقول عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني: لما نزل به الموت.

    وقوله: (طفق يطرح خميصة له على وجهه)، (وطفق)، يعني: جعل خميصة، وهي كساء له أعلام فيه خطوط، وكان متغطياً به ومغط وجهه، فإذا اغتمَّ وحصلت حرارة، وحصل انحباس النفس كشفه، ثم بعد ذلك أعاده، يعني: يغطي وينزع، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، قال: (وهو كذلك)، يعني: في هذه الحالة التي يغطي وينزع ويغطي وينزع في حال خروج الروح من جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، يقول وهو كذلك : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)، ومقصوده صلى الله عليه وسلم من ذلك تحذير أمته أن تقع فيما وقعت فيه اليهود والنصارى، وأن تقع أمته فيما وقعت فيه الأمم السابقة، من الغلو في الأنبياء والصالحين، والوقوع فيما وقعوا فيه، ولكن الكلام الأخير الذي ما بعده كلام فهو: (اللهم في الرفيق الأعلى)، هذا هو الذي قاله، وبعد ذلك خرجت الروح، كما جاء ذلك عن عائشة، مبيناً في بعض الأحاديث، ولكن الحديث الذي معنا يبين أنه حذر من فتنة القبور وهو في النزع، وهذا -كما قلت- من كمال نصحه، وكمال بيانه وفصاحته وحرصه وشفقته على أمته من أن تقع في الأمر الذي يعود عليها بالمضرة.

    واللعن يدل على أن الفعل من الكبائر؛ لأن الكبائر عند العلماء هي الذنب الذي جعل عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة أو غضب أو نار، يعني: الذي جعل فيه وعيد، كأن لعن صاحبه، أو أن الله غضب عليه، أو أنه من أهل النار، هذه علامة الكبائر، فالكبائر أصح ما قيل في تعريفها، والفرق بينها وبين الصغائر: أن الكبائر هي الذنب الذي جعل عليه حد في الدنيا، يعني: كالقطع في السرقة، وكالجلد في الخمر وفي الزنا، وكذلك الرجم، أي حد من الحدود الشرعية المقدرة التي جاءت في الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه علامة الكبيرة، أو توعد عليها بغضب، أو لعنة، أو نار، وهنا توعد باللعنة: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، يعني: ثم بين سبب هذا اللعن، وأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

    ومن المعلوم أن النصارى أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وعيسى هو آخر الرسل، وليس بينه وبين نبينا أحد، بل هو الذي يليه، وعيسى لم يمت، وإنما رفع إلى السماء، وسينزل من السماء في آخر الزمان، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتخذوا قبور أنبيائهم)، فالعلماء قالوا في الجواب عن هذا: إن الحديث جاء: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)، أن المقصود بالأنبياء، الأنبياء وأتباع الأنبياء الذين هم صالحو أتباع الأنبياء، وهذا هو الذي بينه حديث جندب : ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم وصالحيهم )، وهنا حصل الاكتفاء بذكر الأنبياء دون ذكر أتباعهم، وذكر الأتباع جاء مبيناً في حديث آخر: ( اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد )، فهذا مما قاله العلماء في كون عيسى الذي هو رسول النصارى، كونه رفع حياً وأنه لم يمت، وأنه لم يقبر، ولم يتخذ على قبره مسجداً؛ لأنه لم يمت حتى الآن؛ لأنه رفع وهو حي إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وسينزل في آخر الزمان كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    والحديث كما هو واضح يدل على التحذير من هذا العمل، والتنفير منه، وأن ذلك يؤدي إلى الشرك؛ لأن الغلو في الأنبياء والصالحين يؤدي إلى صرف شيء لهم من حق الله عز وجل، وجعل لهم نصيباً في العبادة مع الله، والعبادة يجب أن تكون خالصة لله عز وجل، لا تركة لغيره فيها، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.

    إذاً: فالحديث صريح وواضح في النهي، بل بتأكيد النهي، وبيان أنه من الكبائر، وكما ذكرت في حديث جندب أن فيه تأكيداً بعد تأكيد، وبألفاظ مختلفة؛ بلفظ (لا) التي هي الناهية، وبلفظ النهي التي هي قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك)، و(إن) من أدوات التوكيد، فأُكد بـ(إن)، وكرر لفظ النهي بلفظ النهي بعد أن ذكر بصيغة النهي التي هي (لا) الناهية الداخلة على الفعل: ( ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ).

    ثم مما بلي به الناس، أو كثير من بلاد المسلمين في هذا الزمان البناء على القبور، وبناء المساجد على القبور، ودفن الموتى في المساجد، فلا يخلو قطر من أقطار البلاد الإسلامية -إلا ما شاء الله- إلا ويوجد قبور في المساجد حيث دفن الموتى في المساجد، كوّن لهم بنايات مزخرفة، وعُمل فيها ما فيه الغلو الذي يجعل بعض الناس يعظمون، ويقعون في الأمر المحرم الذي حذر منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس عندما يذكر له المنع من هذا، والتحذير من هذا يستدل أو يذكر وجود قبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مسجده، فيقول: كيف لا تبنى المساجد على القبور، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، ومسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها؟! وهذه شبهة هي من تسويل وتسويف الشيطان، ومن عمل الشيطان الذي يلحق الضرر بالإنسان، بحيث يزين له الباطل، ومن المعلوم أن مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه الكرام، وبنى حجراته بجواره، فكانت حجرات أمهات المؤمنين، ومنها حجرة عائشة يبيت الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ويجامع أهله، ويحصل في الحجر أمور لا تحصل في المسجد، فلما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام، دفن في حجرة عائشة ؛ لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فالمكان الذي مات فيه الرسول صلى الله عليه وسلم دفن فيه، وبقيت الحجر خارج المسجد وفي زمن الخلفاء الراشدين الهادين المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ثلاثين سنة، ثم بعد ذلك مدة طويلة في عهد معاوية مقدار عشرين سنة؛ لأن معاوية بعد أن بويع له بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه بقي في الخلافة عشرين سنة؛ لأنه تولى أربعين سنة على الشام؛ عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ثم بعد ذلك بعد زمن معاوية مدة طويلة، وعهد الذين بعده، حتى جاء الوليد بن عبد الملك، ووسع المسجد وأدخلت الحجرات في المسجد.

    فإذاً: هذا عمل جديد، وعمل طارئ في زمن بني أمية، فلا يتخذ حجة بأن تبنى القبور على المساجد، في الأماكن المختلفة في الدنيا، ويغفل عن الأحاديث المتواترة التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أواخر لحظاته، وفي أواخر أيامه، فهي أحكام محكمة ليست منسوخة ولا سبيل لنسخها، ولا مجال لنسخها؛ لأن النسخ إنما يكون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا الكلام وهو في مرض الموت، وهو في النزع؛ وروحه تنزع، فلا يمكن أن يكون بعده نسخ، بل هو آخر أو من آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يحتج على ذلك بعمل حصل في زمن بني أمية، وتترك الأحاديث المحكمة المتواترة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي منها ما قاله وهو في النزع، ومنها ما قاله قبل أن يموت بخمس ليالٍ، كما في حديث مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

    قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر ].

    وهو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    [ أخبرنا عبد الله بن المبارك ].

    هو المروزي وهو ثبت، إمام، ذكر الحافظ ابن حجر جملة من صفاته الحميدة، وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن معمر ويونس ].

    معمر هو ابن راشد الأزدي البصري، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    و يونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ قال الزهري ].

    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً، وهو من أوعية العلم، ومن الفقهاء المحدثين، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث وفي كتب الفقه، وفي العلماء الذين تعزى إليهم الأقوال في المسائل المختلفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرني عبيد الله بن عبد الله ].

    وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ أن عائشة وابن عباس ].

    عائشة هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق، أكثر نساء هذه الأمة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ترو امرأة من النساء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها من الحديث، فهي مكثرة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أوعية حديث رسول الله، وحفّاظه رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد روت الكثير، وحفظت الكثير، لاسيما ما يتعلق في بيوته عليه الصلاة والسلام التي لا يطلع عليها إلا أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر

    وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ

    فهؤلاء السبعة هم المكثرون، وعائشة هي من هؤلاء السبعة، وهي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

    وابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي دعا له الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يفقهه في الدين، وأن يعلمه التأويل، فكان من أوعية العلم، وكان من حفاظ السنة، وكان من المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين ذكرتهم، والذين هم سبعة مكثرون من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلٌ منهما، أي: عائشة، وابن عباس، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى حدثنا هشام بن عروة حدثني أبي، عن عائشة رضي الله عنها: ( أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) ].

    وهنا أورد النسائي رحمه الله، حديث أم سلمة وأم حبيبة، أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وكانتا ذهبتا إلى أرض الحبشة، فذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في أرض الحبشة فيها تصاوير، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين حال هؤلاء الذين يتخذون البناء على القبور؛ على قبور الأنبياء والصالحين، فقال: ( إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )، فهاتان المرأتان من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، أخبرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رأتاه، وهذا يدل على أن الإنسان إذا رأى شيئاً من الأمور التي رآها وشاهدها مما يلفت الأنظار فإنه يخبر به، ويقصه ويبين ما رآه؛ لأن أمي المؤمنين ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشيء الذي رأتاه في أمر تلك الكنيسة، والرسول صلى الله عليه وسلم بين الأساس الذي بنى عليه أولئك هذا العمل، وأنهم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور.

    ثم قال: ( أولئك شرار الخلق عند الله )، فكونهم شرار الخلق عند الله بسبب هذه الأمور؛ بسبب اتخاذ القبور مساجد، وبسبب التصاوير، بالإضافة إلى ما عندهم من الأمور الموبقة، وبالإضافة إلى ما عندهم من الكفر بالله عز وجل، لأن الكنيسة هي معبد النصارى، وكذلك أيضاً تطلق على معبد اليهود.

    فقوله: (أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)، يدل على التحذير من اتخاذ القبور مساجد -وهو ما ترجم له النسائي- وبيان أن الذين يفعلون ذلك شرار الخلق عند الله، ثم أيضاً يدل على تحريم التصاوير، وأنه لا يجوز أن تتخذ الصور التي هي صور ذوات الأرواح، سواء كانت مجسمة، أو غير مجسمة، سواء كانت على ورق، أو على قماش، أو ما إلى ذلك فكل هذا داخل في التصاوير الممنوعة التي حذر منها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحديث دال على التحذير من هاتين الفتنتين: فتنة الغلو في القبور، وفتنة التصاوير، أي: تصوير ذوات الأرواح، ومن المعلوم أن الغلو، وأن عبادة الأوثان إنما حصلت في قديم الزمان بسبب الصور، كما جاء ذلك عن قوم نوح، وأنه حصل الشرك، ودخل فيهم باتخاذ الصور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)

    قوله: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ].

    وهو الدورقي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً، فكلهم رووا عنه، وهو من صغار شيوخ البخاري، وذكرت فيما مضى أن ثلاثة من شيوخ البخاري ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ شيخ للبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه والنسائي، وقد مات الثلاثة في سنة واحدة، وهم: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار , وكانت وفاة الثلاثة في سنة: (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة: (256هـ)، وهؤلاء الثلاثة، وهم من صغار شيوخه ماتوا في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

    وصغار شيوخه هم الذين أدركهم مثل النسائي، وأما كبار شيوخه فإن النسائي ما أدركهم، فالذين ماتوا قبل أن يولد النسائي، وأدركهم البخاري وروى عنهم، فهؤلاء من كبار شيوخه، وأما الذين تأخرت وفاتهم، وصار عهدهم قريباً من وفاة البخاري فهؤلاء يقال لهم: صغار شيوخه، ولهذا أدركهم من كان بعد البخاري، ولكنه بعده في الميلاد، وبعده أيضاً في الوفاة مثل فـالنسائي، النسائي ولد سنة: (215هـ)، وتوفي سنة: (303هـ)، والبخاري ولد قبل المائتين، ومات سنة: (256هـ)، فكبار شيوخه لم يدركهم النسائي، ولكن صغار شيوخه مثل: يعقوب بن إبراهيم، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى أدركهم النسائي وغير النسائي وروى عنهم.

    وحديثه أي: الدورقي أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كما ذكرت.

    [ حدثنا يحيى ].

    وهو ابن سعيد القطان، فهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ثبت، ناقد، محدث، من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا هشام بن عروة ].

    وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، فقيه، فاضل، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثني أبي ].

    وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، والذين يأتي ذكرهم مراراً وتكراراً، وقد مر ذكرهم قريباً عند ذكر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من الفقهاء السبعة، وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة .

    [ عن عائشة ].

    عروة بن الزبير يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها قريباً.

    والحديث من مسند عائشة ؛ لأنها تحكي أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا للرسول صلى الله عليه وسلم فقال كذا وكذا، يعني: فتكون عائشة قد حضرت، هذا هو الذي يبدو.

    وأم حبيبة.

    هي رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

    و أم سلمة هي هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    1.   

    الفضل في إتيان المساجد

    شرح حديث: (حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده فرجل تكتب حسنة ورجل تمحو سيئة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الفضل في إتيان المساجد.

    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن أبي ذئب حدثنا الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي عن أبي سلمة -هو ابن عبد الرحمن- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده، فرِجل تكتب حسنة، ورِجل تمحو سيئة ) ].

    هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي الفضل في إتيان المساجد، يعني: الفضل في الذهاب إلى المساجد، وأن ذلك فيه فضل عظيم، وأجر جزيل من الله عز وجل، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة، منها ما أورده النسائي هنا: أن الإنسان عندما يذهب إلى المسجد فإن رِجلاً تكتب حسنة، ورِجلاً تمحو سيئة، يعني: أنه يحصل له بكل خطوة يخطوها حسنة، أو يمحى عنه سيئة، بل جاء أيضاً في الحديث: أن ذلك في حال الذهاب والإياب، حتى في حال الإياب، كل خطوة يخطوها يكتب له بها درجة، ويمحى عنه بها خطيئة، يعني: في ذهابه إلى المسجد، وإيابه من المسجد إلى بيته وإلى منزله، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل، وفيه بيان الحث على الذهاب إلى المساجد، وحضور صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة كما هو معلوم واجبة على الرجال، ومن تخلف عنها فإنه يأثم؛ لأنه ترك أمراً واجباً عليه، والإنسان إذا فعل ذلك الأمر الواجب عليه فإنه يكتب له درجة، ويحط عنه خطيئة بكل خطوة يخطوها إلى المسجد في ذهابه وإيابه، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده فرجل تكتب حسنة ورجل تمحو سيئة)

    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].

    هو الفلاس، وهو ثقة، إمام، ناقد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، فعندما يأتي الكلام في الرجال يأتي ذكره بـالفلاس، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا يحيى ].

    وهو ابن القطان الذي مر ذكره قريباً.

    [ حدثنا ابن أبي ذئب ].

    وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، وهو ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، خرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا الأسود بن العلاء بن جارية ].

    الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي؛ واحد من صاحبي الصحيح، وواحد من أصحاب السنن الأربعة.

    [ عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن ].

    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، والأسود بن العلاء بن جارية تلميذه، قال: عن أبي سلمة، ما قال: ابن عبد الرحمن، ولكن من دونه هو الذي قال: هو ابن عبد الرحمن ؛ لأن الأسود بن العلاء ما يحتاج إلى أن يقول: هو ابن عبد الرحمن بل ينسب كما يشاء، ويأتي بنسبه كما يريد، ولكن إذا كان تلميذه ذكره بلفظ مختصر، فمن بعد يأتي بنسب غير ما قال التلميذ.

    1.   

    النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد

    شرح حديث: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد.

    حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها ) ].

    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد، يعني: نهي أولياء أمور النساء من أن يمنعوهن من الإتيان إلى المسجد إذا أرادت ذلك.

    وأورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها). وهذا نهي للأزواج أن يمنعوا زوجاتهم من الذهاب إلى المسجد إذا أردن ذلك، ولكن هذا النهي مقيد في أنها لا تخرج على هيئة لا يجوز الخروج عليها، كأن تخرج متجملة متزينة، وكأن تخرج متعطرة، وما إلى ذلك فإن هذا لا يجوز لها ، وله أن يمنعها أن تذهب بهذه الحالة، وبهذه الصورة التي هي عليها، ولكن إذا خرجت بدون ريبة، وبدون محذور، وبدون ما يكون سبباً في الفتنة فهذا هو الذي يقتضيه المنع، أو يقتضيه نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للأزواج أن يمنعوا النساء.

    ثم إن النساء يرغبن في الصلاة في البيوت، وينبغي أن يكون أكثر صلاتهن في بيوتهن، وإذا أردن في بعض الأحيان أن يخرجن إلى المساجد فإنهن لا يمنعن إلا إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك؛ من كونهن يخرجن على هيئة لا يجوز لهن أن يخرجن عليها، فعند ذلك لأزواجهن أو لأولياء أمورهن أن يمنعوهن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)

    قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم ].

    إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من الأوصاف العالية والألقاب الرفيعة التي لم يظفر بها إلا العدد القليل من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

    [ أنبأنا سفيان ].

    سفيان هو ابن عيينة ؛ لأنه يروي عن الزهري، والمعروف بالرواية عن الزهري سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن الزهري ].

    الزهري قد مر ذكره قريباً.

    [ عن سالم ].

    وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم كما ذكرت ذلك قريباً عند ذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

    [ عن أبيه ].

    وهو عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المشهورين في الصحابة، وأحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، فهم أربعة من صغار الصحابة أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم وأراضهم.

    وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من حكم بغير شرع الله مع اعتقاده وجوب تحكيم شرع الله

    السؤال: ما حكم من لم يحكم شرع الله جملة وتفصيلاً، مع اعتقاده بوجوب تحكيم شرع الله؟

    الجواب: الذي لا يحكم شرع الله ويحكم شرع غيره إذا كان لا يحكمه استنقاصاً له، أو يعتقد بأنه لا يكفي، أو أنه لا يناسب العصر، أو أن الأحكام هذه ليس هذا وقتها فهذا كفر وردة عن الإسلام؛ لأن شريعة الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان، وأما إذا كان يعتقد بأن الحكم يجب أن يكون لشرع الله، وأنه لا يجوز أن يحكم شرع غيره، ولكن فعل ذلك معتقداً أنه مخطئ، وأنه مذنب، وأنه فعل أمراً كبيراً فهذا العلماء اختلفوا فيه، فمنهم من قال: إنه يكفر؛ لأنه حكم غير شرع الله ولم يحكم شرع الله في كل شيء، ومنهم من يقول: إن من المعروف والمشهور أن القاضي إذا حكم في مسألة واحدة بخلاف حكم الله، مع معرفة أن الحكم بخلافه، ولكن قاده إلى ذلك الهوى فإنه يكون كفراً دون كفر، وإنه لا يكفر بذلك، وبعض العلماء يقول: إنه لا فرق بين المسألة، والمسألتين، والثلاث، والأربع، والخمس، والست، والسبع، والعشر، فليس فيه حد فاصل يميز بين مسألة، ومسألة، ولا شك أن الأمر خطير، وهذا مما ابتلي به الحكام في هذا الزمان إلا ما شاء الله.

    حكم من شرع قانوناً وضعياً مع اعتقاده عدم جوازه

    السؤال: ما حكم من شرع قانوناً وضعياً، مع اعتقاده أفضلية حكم الله، وعدم جواز الحكم بغيره؟

    الجواب: هذا من جنس الكلام السابق، وهو نفس السؤال السابق، يعني: كونه وضع شيئاً، وحكم به، أو وضع له وحكم به النتيجة واحدة.

    فكونه يقول: إن هذا شرع الله، وإنه يجوز في الشرع أن يحكم غير شرع الله، ولا يقول: إنه مذنب، وإن هذا ليس خطأ فهذا اعتقاد، ولكن إذا كان وضعها، ويعتقد أنه مذنب، وأنه مخطئ، وأنه أقدم على أمر منكر فهذا هو الذي فيه الكلام، وأما إذا قال: إنه لا فرق بين هذا وهذا، هذا شرع، وهذا شرع فهذا -كفر والعياذ بالله- واضح.

    حكم اقتناء لعب الأطفال التي تسمى بالعرائس

    السؤال: ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي تسمى بالعرائس؟

    الجواب: اللعب المصورة ، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة -كما عرفنا- كلها محرمة ، ويدخل في ذلك لعب الأطفال؛ لأنه لا فرق، فمادام أنها صورة مجسمة، سواء كانت لطفل أو لغير طفل، وما جاء عن عائشة رضي الله عنها، واللعب التي كانت تعملها ليست من هذا القبيل، فتلك أعواد تعترض بعضها ويلف عليها خرق، وهذه ليست كالصور التي تعمل في هذا الزمان على هيئة الإنسان، وشكل الإنسان، فهذه شيء، وهذه شيء، فلعب الصبيان، ولعب الأطفال التي هي سائغة مثلما كانت تفعلها عائشة، أعواد تعترض بعضها في بعض، ويلف عليها خرق، أو تعمل مثلاً على شكل أرجل من خرق، وأيدي على شكل خرق، فهي غير هذه الصور التي على شكل إنسان، إلا أنها صورة، فتلك لا يجوز اقتناؤها، ولا يجوز بيعها، ولا يجوز تعاطيها.

    أصحاب الفترة وبيان مصيرهم يوم القيامة

    السؤال: هل هناك أهل فترة؟ وما الدليل على ذلك؟

    الجواب: أهل الفترة هم الذين في زمان ما بلغتهم الدعوة، يعني: ما بلغتهم الرسالة، فالذين لم تبلغهم رسالة، هؤلاء يقال لهم: أهل فترة.

    وهؤلاء أحسن ما قيل فيهم: أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء ذلك الامتحان تكون النتيجة، إن كانوا من السعداء، أو كانوا من الأشقياء.

    وغالباً يذكر العلماء هذه المسألة عند تفسير قول الله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] .

    المفاضلة بين خديجة وعائشة رضي الله عنها

    السؤال: من أفضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل هي خديجة أم عائشة ؟

    الجواب: المعروف أن هاتين الأمين من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن هن خير أو أفضل أمهات المؤمنين، ولكن أيهما أفضل؟ كل واحدة لها ميزة حصلت لها ما حصلت للثانية، فـخديجة رضي الله عنها حصل لها من النصرة لرسول الله، ومن مساعدته في وقت الشدة، وفي الوقت الذي آذاه قومه، وهي تؤانسه، وتصبره، وتعينه، وحصل منها في تلك الفترة شيء ما حصل من عائشة، وعائشة حصل منها رضي الله عنها وأرضاها ما تلقته من العلم، وما حفظته من السنن، وما وعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي هي نبراس، والتي هي منهاج يسير عليه الناس؛ ولاسيما فيما يتعلق بأمور البيت، وأمور الأزواج، وما يجري بين النساء والأزواج، فحصل من عائشة شيء ما حصل من خديجة، وتفضيل أي واحدة على الأخرى ليس بواضح، ولكن مثلما قال بعض العلماء: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استوتا في التقوى استوتا في الدرجة، فليس فيه نص يبين بأن هذه أفضل من هذه، ولكن هذه جاء فيها فضل يخصها، وهذه جاء فضل يخصها، وما هناك شيء واضح بين يقول: إن هذه أفضل بلا شك من هذه، ولكن يقال: كل منهما في الغاية من الفضل، وأفضلهما أتقاهما لله، فإن استوتا في التقوى استويتا في الدرجة.

    إخراج قبر النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد النبوي

    السؤال: لماذا لا يخرج قبر النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد، ونخرج من هذا الوعيد الشديد؟

    الجواب: معلوم أن القبر دخوله في المسجد -كما ذكرت- ليس من فعل الخلفاء الراشدين، ولا من فعل معاوية الصحابي الجليل، ولا من فعل من بعده من بني أمية، وإنما حصل بعد ذلك، ومن المعلوم أنه دخل القبر واستمر على هذا، ولو أخرج لكان خيراً وكان أولى، والفضل حاصل في المسجد، دخل القبر أو ما دخل، فلا يقال: إن هذا المسجد مثل المساجد الأخرى التي بنيت على القبور، بل هذا الفضل دائم ومستمر، ولا يؤثر فيه كون القبر دخل أو ما دخل .

    زمن بناء القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحكم هدمها

    السؤال: متى بنيت القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: لا أدري.

    مداخلة: هل الواجب هدمها، أم يراعى في هذا جهل الناس؟

    الشيخ: والله كما هو معلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة ولم يبنها على قواعد إبراهيم، كما جاء في حديث عائشة : ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم )، يعني: فهو ترك أمراً خشية أن يحصل للناس شيء بسبب هذا العمل الذي كانوا توارثوه، وبقاؤها واستمرارها من حين بنيت.

    ففعلها أولاً لا يجوز، ولكن بقاؤها إذا بقيت من قبيل بقاء الكعبة على غير قواعد إبراهيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767457118