أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس حدثه عن معاوية بن حديج: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فدخل المسجد، وأمر
يقول النسائي رحمه الله: (الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة) التراجم التي ذكرها النسائي لفظها واضح، ومراده منها بين، وهو الإقامة عند إضافة الركعة التي نسيت من الصلاة، يعني: عندما يمضي عليها وقت يسير، وقد أورد النسائي فيه حديث معاوية بن حديج رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، ثم لما انتهى من الصلاة أدركه رجل وقال له: إنه بقي ركعة، فدخل المسجد وأمر
فالحديث معناه: هو أن من نسي ركعة من صلاته، ومضى عليه وقت يسير، ثم عاد وأتى بتلك الركعة، فإنه يقيم ويأتي بتلك الركعة، ثم يسلم، ومن المعلوم أن هذا فيه سهو، ولابد من سجود السهو وإن لم يذكر في الحديث، فعدم ذكره لا يدل على عدمه؛ لأن السهو للصلاة جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
وهو ابن سعد المصري، الثقة، الفقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
وهو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن سويد بن قيس حدثه].
وسويد بن قيس ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن معاوية بن حديج].
وهو معاوية بن حديج بالحاء، وهذا غير والد زهير بن معاوية بن حديج فوالد زهير متأخر، ومعاوية بن حديج -صحابي الحديث- متقدم، وهو صحابي صغير، خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي فقط.
أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن ربيعة: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فسمع صوت رجل يؤذن، حتى إذا بلغ: أشهد أن محمداً رسول الله)، قال الحكم: لم أسمع هذا من ابن أبي ليلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا لراعي غنم، أو رجل عازب عن أهله، فهبط الوادي فإذا براعي غنم، وإذا هو بشاة ميتة، قال: أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: نعم، قال: الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها)].
وهنا أتى النسائي بهذه الترجمة وهي باب أذان الراعي، والراعي هو راعي الغنم الذي يرعاها، يعني: راعي غنم أو إبل، وهنا راعي غنم، والمقصود بذلك هو الشخص المفرد الذي يكون وحده في الفلاة، فإنه يؤذن، وإنما ذكر الراعي ونص على الراعي -وإن كان المقصود من ذلك هو المفرد الذي يكون وحده- لأن القصة والحادثة إنما وقعت مع راعي، ولهذا جاءت التراجم منصوصاً فيها على الراعي، قال فيها: أذان الراعي، وإن كان المقصود منها أذان الشخص المفرد الذي يكون وحده فإنه يؤذن، ولا يقول: إن الأذان لا يكون إلا للجماعة، بل الإنسان يؤذن وحده ويرفع صوته بالأذان، وقد مر بنا أنه لا يسمعه إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، ولا يسمعه رطب ولا يابس إلا شهد له يوم القيامة.
فإذاً: حصول رفع الصوت بالأذان، ووجود الأذان من المفرد ولو لم يكن معه غيره هو السنة التي جاءت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الحديث الذي أورده النسائي حديث عبد الله بن ربيعة، يحكي فيه أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فسمع صوت راع، أو صوت رجل يؤذن، فقال: هذا راعي غنم، أو هذا عازب عن أهله، فلما هبطوا الوادي وجد أنه راعي غنم يؤذن، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى شاة ميتة فقال: (أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: نعم، قال: الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها)، يعني: من هذه الميتة على أهلها.
المقصود منه أنه سمع صوت مؤذن، وقال الرسول: هذا راع، فهبطوا ووجدوه راعياً يؤذن، وقد جاء في هذا اللفظ الذي ذكره المصنف: قال الحكم: لم أسمع هذا من ابن أبي ليلى، وهذا في بعض النسخ، وفي بعضها لم تذكر هذه الجملة، وقال الشيخ الألباني: إن هذه النسخة التي فيها ذكر: قال الحكم: لم أسمع هذا من ابن أبي ليلى، إن هذه نسخة ليست معتمدة، ولم يذكرها المزي في كتابه: تحفة الأشراف، وما نص عليها، والمعتمد غيرها الذي ليس فيه ذكر هذا النفي من الحكم أنه لم يسمع من ابن أبي ليلى، يعني: هذا إنما جاء في بعض النسخ، وفي بعضها ليس فيه هذا النفي، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال مثلما قال ذلك المؤذن، والحديث شاهد على ما ترجم له من حصول الأذان، وأن الرعاة الذين يرعون الإبل والغنم، ويكونون في الفلاة، وكذلك غيرهم ممن يكون في الفلاة فإنه يؤذن إذا جاء الوقت ويرفع صوته بالأذان؛ لأن ذلك فيه ذكر لله عز وجل، وفيه أيضاً رفع الصوت بذكر الله سبحانه وتعالى، وقد يسمعه أحد من بعد فيأتي ويهتدي إليه بسبب هذا الأذان، وحتى لو لم يكن هناك أحد يسمعه من الناس ويأتي إليه، فإنه لا يسمعه إنس ولا جن ولا رطب ولا يابس إلا شهد له يوم القيامة، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مرَّت بعض هذه الأحاديث، وفي آخر الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى شاة ميتة، قال: (أترون هذه هينة على أهلها؟)، وكان عليه الصلاة والسلام يريد من تقديم هذا السؤال أن يبني عليه ما وراءه، ومن المعلوم أنهم سيقولون: إنها هينة، وهذا أمر معلوم؛ لأنهم ما تركوها إلا لهوانها عليهم؛ لأن الميتة لا تحل لهم، ولا قيمة لها عندهم، وهم يتركونها ويأنفون منها، فهي هينة على أهلها ليس لها قيمة عند أهلها، فلما قرر بهذا السؤال لهم هوانها على أهلها بيّن عليه الصلاة والسلام أن الدنيا أهون على الله من هذه، يعني: معناه أن الدنيا هينة، وأنها ليست بشيء عند الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء)، فالدنيا كلها ليست بشيء، ولا قيمة لها بالنسبة للآخرة، و( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء )، وقد جاء في الحديث: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، فهي لا قيمة لها عند الله عز وجل، وإنما العبرة بالتزود فيها بالأعمال الصالحة، كما جاء في الحديث: (الدنيا ملعونة معلون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم)، هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان التنبيه على قيمة الشيء، أو على دناءة الشيء وهوانه بتقرير شيء قبله، فواضح أنها هينة، وأنها لا قيمة لها، ولا عبرة بها، وذلك كونه سألهم: (أترون هذه هينة على أهلها؟)، فلما قالوا: نعم، بعد ذلك أتى بالكلام الذي أراده، وجعل هذا تمهيداً له، وهو قوله: (الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها).
وهو ابن بهرام الكوسج، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا عبد الرحمن].
وهو ابن مهدي المحدث، الناقد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وهو من أئمة الجرح والتعديل.
[عن شعبة].
وهو شعبة بن الحجاج، قد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
وهو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، كثيراً ما يأتي ذكره في الكتب خطأً فيقال فيه: الحكم بن عيينة، وليس هو الحكم بن عيينة، وإنما هو الحكم بن عتيبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى].
وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى المحدث، الفقيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وله ابن اسمه محمد وهو ضعيف، وهو فقيه معروف بالفقه ومشهور بالفقه، ولكنه ضعيف في الحديث، وأبوه عبد الرحمن هذا من التابعين، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عن كعب بن عجرة حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال فيه: (لقيني
[عن عبد الله بن ربيعة].
وهو صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي .
أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه عن عقبة بن عامر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة؛ يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)].
هنا أورد النسائي (أذان المصلي وحده) أي: الرجل الذي يصلي وحده وليس معه أحد، وهو مثل التراجم السابقة، إلا أن التراجم السابقة أتى بها بأذان الراعي، يعني: راعي الغنم أو راعي الإبل، وهنا أذان المصلي وحده، وهو بمعنى تلك التراجم؛ لأن الراعي هو وحده، يعني: يرعى الغنم ويرعى الإبل، ويؤذن ويصلي، وأتى بلفظ (الراعي) حيث قال: أذان الراعي؛ لأن القصة كانت مع راعي، وهنا قال: أذان المصلي وحده، وكما قلت: ليس المقصود هو الراعي، بل المقصود المنفرد الذي يكون وحده في الفلاة، فإنه يؤذن ويرفع صوته بالأذان.
وقد أورد النسائي هنا حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: (يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل)، يعني: قطعة من جبل منبسطة، فيكون فيها راع ومعه غنمه يرعى، يؤذن ويصلي، يعني: يكون في ذلك الجزء من الجبل المكان المرتفع المنبسط، ترعى غنمه في ذلك المكان، وإذا جاء الوقت أذن وصلى، فيعجب الله عز وجل منه، ويقول: (انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة؛ يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)، والحديث يدل على مشروعية الأذان للمنفرد، وأن في ذلك الأجر العظيم من الله عز وجل، وأن الله تعالى يعجب من صنيع هذا أو من يكون كذلك، وفيه إثبات صفة العجب لله عز وجل على ما يليق بكماله وجلاله، وفيه: أن المنفرد يؤذن ويقيم، وفيه: أن ذلك من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب المغفرة من الله عز وجل.
وهو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: مسلم من صاحبي الصحيح، وثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، وهم من عدا الترمذي.
[حدثنا ابن وهب].
وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
وهو عمرو بن الحارث أيضاً المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا عشانة المعافري].
واسمه حي بن يؤمن، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: ما خرج له الترمذي، ولا خرج له مسلم، ولا خرج له البخاري في الصحيح، وإنما خرج له في الأدب المفرد، وهو ثقة، وهو مصري أيضاً.
[حدثه عن عقبة بن عامر الجهني].
وهو أيضاً قد سكن مصر، فالحديث مسلسل بالمصريين، كله مسلسل بالمصريين، محمد بن سلمة المرادي المصري، وعبد الله بن وهب المصري، وعمرو بن الحارث المصري، وأبو عشانة المعافري المصري، وعقبة بن عامر الجهني، وهو أيضاً سكن مصر، فهو مسلسل بالمصريين.
أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل حدثنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس في صف الصلاة ...)، الحديث].
هنا أورد النسائي هذه التراجم وهي الإقامة لمن يصلي وحده، والترجمة السابقة الأذان لمن يصلي وحده، وهو مشتمل على الإقامة؛ لأنه (يؤذن ويقيم، يصلي يخاف مني)، الحديث الذي مرّ، ففيه ذكر الإقامة، وهو دال على نفس التراجم، إلا أن النسائي رحمة الله عليه يأتي بتراجم ، ويأتي بحديث آخر، وقد يأتي بالحديث من طريق أخرى وهو نفسه؛ لأن طريقته كما عرفنا مثل طريقة البخاري، يكثر من التراجم، ويكثر من الاستدلال والاستنباط، وإيراد الأحاديث بالطرق المتعددة من أجل الاستدلال على المسائل المختلفة، وقد أورد النسائي في هذا حديث الصحابي رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الزرقي الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس في صف الصلاة ...)، الحديث، يعني: معناه أنه أتى بأوله ولم يأت بآخره، ومعنى كلمة (الحديث) يعني: اذكر الحديث، أو أكمل الحديث، هذا هو المقصود منها، مثل الآية، فعندما يذكر أول الآية ثم يقول: الآية، يعني: إلى آخر الآية، أو أكمل الآية، أو اقرأ الآية، وهنا الحديث، أي: أكمل الحديث، أو اذكر الحديث، هذا هو المقصود بمثل هذه اللفظة، والحديث في بعض الطرق عند أبي داود أنه قال: (توضأ وأذن وأقام وكبر)، ففيه الدلالة أو اشتماله على ما ترجم له، ولكن محل الشاهد ليس موجوداً؛ لأنه ذكر أول الحديث ولم يذكر بقيته، ومحل الشاهد موجود في البقية، محل الشاهد اشتملت عليه بقية الحديث التي أشار إليها بقوله: الحديث.
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[أخبرنا إسماعيل].
وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد].
وهو يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، أعني: يحيى الأول الحفيد؛ لأن عندنا يحيى (الحفيد) ويحيى (الجد)، فـيحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع، هذا مقبول خرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبيه].
وهو علي بن يحيى بن خلاد، وهذا ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وأما جده يحيى فهو أيضاً ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم.
ويحيى بن خلاد يروي عن جده رفاعة بن رافع، ورفاعة بن رافع صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان حديثه عند البخاري والأربعة، كحفيده يحيى بن خلاد بن رفاعة؛ لأن يحيى بن خلاد وجده رفاعة بن رافع، كل منهم خرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج لهما مسلم، والحديث فيه رواية الأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأجداد؛ لأن فيه رواية ابن عن أب عن جد، ورواية حفيد عن جد؛ لأن يحيى بن علي يروي عن أبيه، ثم أبوه يروي عن أبيه، عن أبيه علي، عن جده يحيى، وجده يحيى يروي عن جده رفاعة بن رافع، فهو من أمثلة رواية الأبناء على الآباء، وهو شيء كثير، يعني: هذه الجادة، وهذا هو الأصل كون الصغير يروي عن الكبير، ولكن الذي هو قليل رواية الآباء عن الأبناء، يعني: الكبار عن الصغار.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم حدثنا حجاج عن شعبة قال: سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العريان، عن أبي المثنى مؤذن مسجد الجامع، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الأذان؟ فقال: (كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا أنك إذا قلت: قد قامت الصلاة، قالها مرتين، فإذا سمعنا: قد قامت الصلاة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة)].
أورد النسائي هذه الترجمة ، وهي: كيف الإقامة، يعني: كيفية الإقامة، والمراد من ذلك ألفاظها كيف تكون؟ وقال: إنها مرة مرة، إلا عند قد قامت الصلاة فإنها تكون مرتين، وقد عرفنا فيما مضى أن هذا على الغالب، وإلا فإنها تكرر؛ لأن، (الله أكبر، الله أكبر)، في أولها مرتين، وفي آخرها: (الله أكبر، الله أكبر)، مرتين، و(قد قامت الصلاة) مرتين، فإذاً: قوله: مرة مرة، يعني: في الغالب، كما أن الأذان مثنى مثنى، يعني: أنه مكرر، هو في الغالب، وإلا فإن بعضه يكون مرة واحدة، وهو لا إله إلا الله.
فإذاً: الإقامة مرة مرة، يعني: في الغالب؛ لأن من ألفاظ الإقامة ما هو مكرر مثل: الله أكبر في أول الإقامة، والله أكبر في آخرها، فإنها تأتي مرتين في الأول وفي الآخر، وقد قامت الصلاة فإنها تأتي مرتين، وقد جاء في الحديث: (أُمِرَ
وقوله: (فإذا سمعنا: قد قامت الصلاة توضأنا)،
من المعلوم أنهم ما كان هذا شأنهم، وإنما شأن من يكون قد تأخر، أو يكون هذا هو الذي يفعل كذا، وإلا فإنهم كانوا عندما يسمعون الأذان يخرجون إلى المسجد، ومن المعلوم أنهم كانوا يبادرون إلى الصلاة.
ولعل قول ابن عمر: (فإذا سمعنا) لأنه من صغار الصحابة، وصفوفهم في الأواخر كما هو معلوم صفوف الصغار، وعبد الله بن عمر من صغار الصحابة؛ لأنه -كما هو معلوم- يوم أحد عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، ولم يجزه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمكنه من القتال، فلعل المقصود من ذلك أنه يشير إلى عمل بعض صغار الصحابة الذين يحصل منهم أحياناً التأخر، وأنهم عندما يسمعون الإقامة يتوضئون ويأتون إلى الصلاة.
وهو المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا حجاج].
وهو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
قد مر ذكره.
[سمعت أبا جعفر].
وأبو جعفر هذا محمد بن إبراهيم بن مسلم، وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه النسائي، وأبو داود، والترمذي. وقد مر بنا ذكره فيما مضى.
[عن أبي المثنى].
وهو مسلم بن مثنى أبو المثنى، كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، فهو مثل تلميذه أبي جعفر، فقد روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وهو ثقة.
[سألت ابن عمر].
وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، فهم صحابة أبناء صحابة، وهم من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأربعة كلهم من الصغار؛ لأن عبد الله بن عباس في حجة الوداع يقول: (ناهزت الاحتلام) كما جاء في الحديث في الصحيحين: وابن عمر أيضاً من الصغار؛ لأنه يوم أحد تقدم يريد الجهاد وعمره أربعة عشر سنة، والرسول ما أجازه، وعبد الله بن الزبير ولد في قباء أول ما هاجروا إلى المدينة ولدت به أمه في قباء عندما وصلوا إليها، فهو من صغار الصحابة؛ لأنه توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنوات؛ لأنه ولد في أول الهجرة، والرسول بقي في المدينة عشر سنوات ثم توفاه الله، فهو من صغار الصحابة، وعبد الله بن عمرو أيضاً هو من صغار الصحابة، فهم عبادلة أربعة في طبقة واحدة، وأسنانهم متقاربة، وقد عاشوا ولقيهم كثير من التابعين الذين لم يلقوا مثل عبد الله بن مسعود الذي توفي سنة: (32هـ)، وبعض العلماء يعده في العبادلة الأربعة، والصحيح أنه ليس منهم، وإنما هم هؤلاء الأربعة الذين ذكرت، وابن عمر أيضاً هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
فـابن عمر رضي الله تعالى عنهما هو أحد هؤلاء السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أيضاً من المعروفين بكثرة الفتوى كما عرفنا في المصطلح، فهو معروف بكثرة الحديث، ومعروف بكثرة الفتوى.
أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولصاحب لي: إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أحدكما)].
هنا أورد النسائي إقامة كل واحد لنفسه. هذه التراجم إذا كان المقصود بها أنهم إذا كانوا جماعة كل واحد يقيم لنفسه فهذا ليس بواضح، وهذا هو الحديث الذي أورده أنهم جماعة، أما لو كانوا متفرقين، وكان كل واحد وحده، وليسوا جماعة فمن المعلوم أن الواحد يؤذن ويقيم، كما مر بنا في حديث الراعي، والحديث الذي بعده أن الإنسان يؤذن ويقيم ويصلي وحده، ولكن إذا كانوا جماعة فالذي يؤذن واحد منهم، ويقيم واحد منهم، وليس كل واحد يؤذن، وكل واحد يقيم، ولفظ هذه الترجمة قد يكون ظاهره أن كل واحد يقيم في نفسه، والحديث لا يدل على ذلك؛ لأن قوله: (أذنا وأقيما)، معناه: أنه يتعين عليهما أن يوجد الأذان منهما، ووجوده بفعل واحد منهما، ولكن الخطاب موجه إليهما جميعاً، وليس معنى ذلك أن كل واحد يؤذن، ثم ينادون بالأذان وهم في مكان واحد، وهم جماعة واحدة، لا، وإنما المقصود من ذلك أنهم مأمورون بأن يوجد الأذان، لكن الذي يقوم به واحد منهما، ولهذا جاء في بعض الروايات: (يؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم)، كما جاء في بعض روايات حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، فالظاهر أن المقصود من الحديث هو أنهم لا يؤذنان جميعاً، ولا يقيمان جميعاً، وإنما يؤذن واحد منهم ويقيم واحد منهم، فهذا هو الذي يفهم من لفظ الحديث، ولكن ترجمة النسائي تفيد أن كل واحد يقيم، والأظهر أن الجماعة سواء كانوا اثنين أو أكثر لا يقيم كل واحد منهم الصلاة، وإنما يقيمها واحد منهم فقط، والباقون يقولون كما يقول المؤذن.
قوله: (أذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما)، هنا قال: (فليؤمكما أحدكما)، قد جاء بعض الروايات: (وليؤمكما أكبركما)، كما سبق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر