إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب حد الزنا [4]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جريمة الزنا لا تثبت إلا ببينة شرعية، كشهادة الشهود، ولابد فيهم من صفات يجب توافرها حتى تصح شهادتهم، وقد بينها العلماء رحمهم الله بأدلتها، وفصلوا الأحكام الشرعية التي تتعلق بالشهادة، وإذا لم تصح شهادة الشهود فيجب أن يقام عليهم حد القذف، وللقذف أحكام بينها العلماء رحمهم الله.

    1.   

    إثبات حد الزنا بشهادة الشهود

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    يقول المصنف رحمه لله تعالى: [ الثاني: أن يشهد عليه ].

    تقدم معنا أن جريمة الزنا لا تثبت إلا بأدلة شرعية معينة، منها الإقرار، وهو سيد الأدلة كما يقول العلماء رحمهم الله، وهو أقوى الحجج؛ لأنه ليس هناك أقوى من شهادة الإنسان على نفسه، وليس هناك عاقل يشهد على نفسه بالضرر، ثم بعد ذلك شهادة الشهود، وهو أن يشهد الشهود المعتبرون في حد الزنا على هذه الجريمة بالصفة المعتبرة شرعاً.

    فبعد أن بيّن المصنف رحمه الله النوع الأول من الأدلة ووسائل الإثبات وهو الإقرار، شرع في الشهادة، وهذا من باب التدرج من الأقوى إلى ما هو دونه، فالإقرار أقوى ثم يليه بينة الشهادة، وقد نص الله عز وجل على هذه البينة كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، فنص سبحانه وتعالى على اعتبار هذا النوع من وسائل الإثبات وهو الشهادة، وقال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء:15]، فنص أيضاً في هذا الموضع على اعتبار هذه البينة، وهي شهادة الشهود، وبيّن تعالى أن هؤلاء الشهود لا بد أن تتوافر فيهم صفات من جهة العدد، والمصنف رحمه الله في هذا الموضع سيذكر جانبين:

    الجانب الأول: يتعلق بصفات الشهود.

    والجانب الثاني: يتعلق بمضمون الشهادة. وهذان الجانبان -عند العلماء- مهمان جداً في البينات، جانب صفة البينة التي ينبغي أن تكون عليها سواءً كانت شهادة أو إقراراً أو كتابة أو غيرها من الحجج في عموم الأشياء والإثباتات، خاصة في قضايا غير الحدود والقصاص، ثم بعد ذلك جانب مضمون البينة.

    وينبغي التنبيه على أمر مهم جداً، وهو أن مسألة الشهود والشهادة الأصل فيها أن تذكر في باب القضاء، وشروط الشاهد التي ينبغي توافرها فيه للحكم بشهادته في الحقوق سواءً كانت لله عز وجل أو كانت لعباده؛ محله باب الدعاوى والبينات، وأفرده العلماء رحمهم الله بالكلام والتفصيل في ذلك الموضع، لكن من عادة أهل العلم رحمهم الله أنهم يقدمون الشهادات الخاصة التي تتميز ببعض الصفات أو ببعض الشروط الخاصة، لقوتها وأهميتها ثم ينبهون على جملة من مسائلها في مواضعها، فالأصل أننا نؤخر الكلام على هذه البينة إلى باب البينات والدعاوى، ولكن هنا الشهود لابد أن تتوافر فيهم صفات معتبرة.

    وقبل ذكر صفات الشهود، اعلم أن الله تعالى رضي بالمسلمين بعضهم شهوداً على بعض، فدين الإسلام ووشيجة الإسلام التي بين المسلم وأخيه المسلم تفرض عليه أن يتقي الله في أخيه المسلم، وأن يقول فيه الحق، ولا يقول فيه الكذب، ولا يزور في قوله، ولا يغير ولا يبدل في شهادته، ولا يبني على التهم ولا على الظنون ولا على الأراجيف، وإنما يبني قوله على علم، وأشار الله إلى هذه الأسس في قوله: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا [يوسف:81]، فبين أن الشهادة الحقة المبنية على العدل والإنصاف لا تكون إلا بعلم، ونهى عن الزور ظلماً فقال: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152]، وهذا يقتضي أن المسلم ينصف أخاه المسلم، ويعدل ولا يظلم، فرضي الله بالمسلم أن يكون حكماً على أخيه المسلم في الشهادة عليه كما قال صلى الله عليه وسلم مؤكداً لما دل عليه الكتاب: (أنتم شهداء الله في الأرض)، فمن كانت شهادته قائمة على العدل والإنصاف الذي قامت عليه السماوات والأرض؛ فهو مؤمن مسلم حقاً، ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا توافرت فيه الشروط المعتبرة.

    الشروط المنبغي توافرها في الشهود

    الشرط الأول: الإسلام؛ لأن الإسلام سلامة واستقامة على دين الله ومنهج الله، (فالمسلم -كما قال صلى الله عليه وسلم- من سلم المسلمون من يده ولسانه)، بمعنى أنه لا يظلم، فالإسلام شرط معتبر لقبول شهادة الشاهد على المسلم، فلا يشهد على مسلم إلا مسلم، فلا تقبل شهادة الكافر، سواءً كان ذمياً، أو كان وثنياً، أو كان مشركاً، أو كان ملحداً لا دينياً، أو كان مرتداً، فهؤلاء لا تقبل شهادتهم؛ لأن الكافر عدو للمسلم، والعدو تحمله العداوة على الأذية والكذب والضرر، وبعض الناس يرضى ديانة أن يؤذي من عاداه في الدين، ولذلك قالوا: عداوة الدين أعظم ضرراً من عداوة الدنيا؛ لأن عداوة الدين تأتي عن عقيدة، فقد يشهد اليهودي والنصراني والملحد والشيوعي والوثني على المسلم زوراً؛ لأنه يحب له الضرر، بل ربما يدعي أنه يتقرب إلى الله بأذيته.

    إذاً: لابد من الإسلام، ولا تقبل شهادة الكافر على المسلم؛ لأن هذا علو على المسلم، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، قال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، ولو قبلنا شهادة الكافر بالزنا على المسلم؛ فقد جعلنا للكافر على المسلم سبيلاً، والآية خبر بمعنى الإنشاء، وقد بين تعالى عداوتهم بقوله: إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101]، فهذه الآيات كلها تدل -بشهادة الله عز وجل- أن الكافر لا تقبل شهادته، إلا ما استثناه الله عز وجل في مسألة واحدة تقبل فيها شهادة الكافر على المسلم، وهي: الشهادة على وصية المسافر المسلم إذا لم يجد أحداً من المسلمين يشهد على وصيته، وبشروط معينة: أن يكونوا من أهل الكتاب، وأن يشهدوا شهادة الحق على الصفة التي بينتها آية المائدة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانها.

    إذا ثبت هذا، فالأصل أنه لابد أن يكون الشاهد مسلماً، لكن تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض، وهذا في مسألة أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا، وقد وقع هذا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما زنى اليهوديان ورفعت القضية إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فدعا ابن صوريا وسأله فقال: نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رءوه... الحديث، (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالشهود فشهدوا)، فهذا يدل على أنه تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض، وهل هذا يختص باتحاد الملة أم نقبل شهادة الكفار إذا اختلفت مللهم؟ هذا فيه تفصيل سيأتي إن شاء الله في باب الشهادات.

    الشرط الثاني: العقل، فلا تقبل شهادة المجنون بالزنا؛ لأن المجنون مرفوع عنه القلم كما قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: المجنون حتى يفيق)، ولأن المجنون لا يوثق بقوله، ولا يوثق بخبره، فسقط اعتبار شهادته؛ ولأن المجنون لا يتكلم عن علم، والأصل في الشهادة أن تكون عن علم.

    الشرط الثالث: أن يكون بالغاً، فلا تقبل شهادة الصبي، فلو شهد الصبي -مميزاً كان أو غير مميز- لا تقبل شهادته؛ لأنه في حكم المجنون، وليس عنده عقل يردعه ويمنعه؛ ولأنه مرفوع القلم ولا يؤاخذ، فيمكن منه الكذب لذلك.

    الشرط الرابع: أن يكون عدلاً، فلا تقبل شهادة الفاسق، ولذلك قال الله تعالى فيمن فسق بالقول: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4]، فالفاسق ساقط القول، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، ونبأ نكرة، أي نبأ وأي خبر فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، فلو كان الفاسق مقبول القول والشهادة لما توقفنا في قبول خبره، فأمرنا الله أن ننتظر حتى نعلم صدقه من كذبه، فدل على أن قوله المجرد ليس بحجة، وأن شهادته ليست موجبة للحكم، والفاسق لا يوصف بالفسق إلا إذا أخل بما يجب، فإذا عُلم منه الإخلال في حق الله وحق عباده؛ لم يؤمن منه أن يخل في شهادته، ومن هو العدل؟

    العدل من يجتنب الكبائر ويتقي في الأغلب الصغائر

    فلا تقبل شهادة الفساق سواءً كان فسقهم من جهة الاعتقاد أو من جهة الجوارح أو من جهة الأقوال.

    الشرط الخامس: أن يكون معروفاً بالضبط وعدم الغفلة ، فالمغفل قد يظن شيئاً ويتوهم شيئاً ويشهد به، وخفيف الضبط قد ينسى أشياء تضر بشهادته مع الغير؛ لأن الشهود على الزنا قد يُسألون عن أشياء مهمة، فمن حق القاضي إذا شهدوا عنده أن يسألهم عن أشياء يعرف بها صدقهم من كذبهم، فمثلاً لو قال: في أي ثوب رأيته يزني؟ فلربما قال الثلاثة الشهود، مثلاً: كان ثوبه أبيض أو رأيناه بقميص، فإذا كانت عنده غفلة حرف شهادته وغير في الشهادة ووهم، فيضر بنفسه ويضر بغيره، وخفيف الضبط ليس عنده علم يوثق به، والله تعالى يقول في الشاهد المقبول الشهادة: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا [يوسف:81]، فهي شهادة عن علم، وخفيف الضبط لا يعلم علماً تاماً؛ لأنه لا يضبط ضبطاً تاماً.

    الشرط السادس: ألا يكون عدواً للمشهود عليه، فإذا ثبت أن أحد الشهود الذين شهدوا على المتهم بالزنا بينه وبين المتهم خصومة، أو عداوة قديمة، أو بينه وبينه ثارات، أو بين بيته وبيته ثارات، أو بين أسرته وأسرته ثارات، ويغلب على الظن أنها تحمل على الضرر والأذية؛ فإنها لا تقبل الشهادة في هذه الحالة، قال صلى الله عليه وسلم -كما في حديث الحاكم وصححه غير واحد-: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين)، الخصم معروف من الخصومة، والضنين هو المتهم كما قال تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] أي: بمتهم، فالضنين هو المتهم على أحد الأقوال في تفسير الآية، فالشاهد أن الحديث أسقط شهادة الخصوم بعضهم على بعض؛ لأن العداوة تحمل على الحقد والأذية والضرر، ولذلك لا تقبل شهادة الأعداء، فإذا ثبت أن أحد الشهود أو كل الشهود بينهم وبين المتهم عداوة؛ فإنها لا تقبل شهادتهم عليه.

    قد نتعرض -إن شاء الله في باب الشهادات- لشهادة الديانة، وذلك إذا اختلفت الطوائف وكانت هناك عداوة بينها؛ فهل تقبل شهادة بعضهم على بعض؟ هذا فيه تفصيل عند أهل العلم رحمهم الله.

    حكم الشهادة في غير مجلس القضاء والحكم

    قال المصنف رحمه الله: [ في مجلس واحد ]

    هو مجلس الحكم والقضاء، فلابد في الشهادة أن تكون في مجلس القضاء، فلا يحكم بشهادة في غير مجلس القضاء، وعلى هذا؛ إذا شهد الشهود الأربعة فإنهم يأتون القاضي في مجلسه ويشهدون هذه الشهادة، وإن شهد اثنان؟ وبقي اثنان، قال بعض العلماء: إذا قال المدعون: أمهلنا يوماً حتى نأتي بالشهود الباقين، يعطون المهلة التي يتمكنون في مثلها من إحضار الشهود دفعاً للضرر عنهم؛ لأنهم ربما كانوا صادقين، فيمكنون ويمهلون، وهذه من مسائل القضاء التي تحصل فيها النظرة والإمهال، ويمكن فيها القاضي المدعي والشاهد وصاحب القضية من استيفاء أدلته وجمع أدلته، بشرط ألا يكون هناك تلاعب أو ضرر.

    وقوله: (في مجلس واحد) قالوا: لأن الأصل أن يكون في مجلس واحد، فلو شهد ثلاثة في مجلس، أو جاء أربعة فشهد ثلاثة منهم، وامتنع الرابع؛ فحينئذٍ يقام عليهم حد القذف، وتسقط شهادتهم؛ لأنها لم تستتم العدد المعتبر، لابد أن يكونوا أربعة، ولا نفتح الباب ونقول: ننتظر يمكن يأتي رابع بدون طلب، وبدون أن يكون هناك ما يدل عليه، فهذا لا تقبل شهادته، لكن لو قالوا: عندنا من تقبل شهادته وهو فلان وسنحضره فلا بأس، لكن لو قالوا: هذا شهد وردت شهادته، فنحن يمكن أن نجد رابعاً، فحينئذٍ يقام عليهم الحد، ولا نظرة؛ لأنه لو فتح هذا الباب لتلاعب من يشهدون بالزنا ويقولون: والله! يمكن أن يأتي رابع يشهد معنا، فالأصل أن تكون الشهادة في مجلس واحد؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة يهود في مجلس واحد، وكذلك عمر رضي الله عنه في قصة المغيرة المشهورة حينما جاء الشهود وشهدوا في مجلس واحد.

    مضمون الشهادة

    قال المصنف رحمه الله: [ بزناً واحد ]

    دخل المصنف رحمه الله في مسألة مضمون الشهادة، فلابد أن يشهدوا بفعل زناً واحد لا متعدد، فلو قال اثنان: رأيناه يزني العصر بالأمس، وقال اثنان: رأيناه يزني الصبح، فحينئذٍ شهادة الصبح غير شهادة العصر، فإما أن تكمل بينة أحد الموضعين وإلا جلد الجميع؛ لأن الشهادة ليست بزناً واحد، قد يقول قائل: هذا زان لأنه لو جئنا بالشهادتين ولفقناهما فمعناه أنه زانٍ، نقول: هذا غير صحيح؛ لأن الله أمر أن يشهد أربعة بأنهم رءوه يزني بفعل واحد، وليس بفعل للزنا متعدد، فإذا شهدوا بفعل متعدد فلا تلفق الشهادة، وهذا يسميه العلماء: اتفاق مضمون الشهادة، وهي: أن يتفق مضمون الشهادة زماناً ومكاناً وصفة، والصفة تكون بأمور قد يضطر القاضي إلى الاستبيان منها.

    لكن هنا مسألة وهي أن الأصل أن الشاهد لا يعنت، ولا يبالغ القاضي في التضييق عليه: كيف رأيته؟ وكيف كذا؟ ويدخل على الشاهد الأسئلة المحرجة؛ لأنه ربما التبس عليه الأمر، وأدخل عليه الغلط، وهذا معنى قوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، وهذه المسألة فيها إشكال في بعض الجوانب عند الأئمة، وهي متى يحق للقاضي أن يتدخل في مضمون شهادة الشاهد فيسأله عن أمور، ويستوضح ويستبين، إبراءً للذمة وإحقاقاً للحق وصيانة للقضاء عن شهادة الزور والكذب؟

    بعض العلماء يقول: من حقه أن يتدخل، وأعطوه صلاحية أكثر من غيرهم، ويقولون: نحن عندنا متهم، وعندنا مظلوم، حتى يثبت أنه ظالم وأنه مسيء، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بالتحري والضبط، فلابد أن نراعي جانب المشهود عليه، وبعضهم قال: إن الله تعالى نهانا عن أذية الشهود، وقال: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] فلا ينبغي للقاضي أن يتدخل إلا في أحوال مخصوصة.

    من حيث الأصل العام نفرق بين قضيتين، فنقول: الأصل أننا نطالب الشهود أن يبينوا شهادتهم على وجه تتفق به الحادثة، هذا شيء، ومن حق القاضي أن يعرف، هل شهدوا بحادثة واحدة أو متعددة؟ وأن يسأل عن بعض الأمور المهمة لإثبات الشهادة وإثبات الجريمة، يبقى الجانب الثاني الذي شدد فيه أصحاب القول الأول وقالوا: من حقه أن يشدد على الشهود حتى يثبت ويعلم على وجه يصون به القضاء عن شهادة الزور والكذب والخطأ، وبعض المحققين من العلماء يقول: من حقه أن يفعله عند الشك والريبة، فإذا شك وارتاب؛ فإن من حقه أن يتدخل وأن يراعي حال المشهود عليه، وهل يقدم حال المشهود عليه أو الشاهد؟

    المنبغي العدل، وأن تكون الأمور على السنن، وإن كان عمر رضي الله عنه أُثر عنه أنه قدم حق المشهود عليه، ولكن هذا قد يكون خاصاً في قضية المغيرة بن شعبة، حينما شهد عليه أبو بكرة وشبل وزياد ومعبد بأنه زنى، فأُحظر الشهود، وشهد أبو بكرة وشبل وزياد ومعبد ، ولما أتي بـزياد قال له عمر رضي الله عنه -كما في الرواية-: ما وراءك يا أبا عفان؟! إني لأرجو ألا يُفضح صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد شهد أبو بكرة أولاً، فقال: ذهب ربعك يا مغيرة! ثم شهد الشاهد الثاني فقال: ذهب نصفك يا مغيرة! ثم شهد الشاهد الثالث فقال: ذهب ثلاثة أرباعك يا مغيرة! ثم رجا الله عز وجل ألا تتم الشهادة؛ لأن مغيرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقت فراسته، فلم يأت الشاهد الرابع -وهو زياد- بمضمون الشهادة على السنن، ووصف وصفاً لم يثبت فيه الإيلاج، وقال: إنه رآه على صفة -سنذكر القصة إن شاء الله- ولم ير الإيلاج، فكبر عمر رضي الله عنه وحمد الله، قال بعض العلماء: إن عمر نبه الشاهد الرابع أن يرجع عن شهادته، تعظيماً لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، واستشكله بعض العلماء وقالوا: كيف هذا فإنه في هذه الحالة سيجلد الثلاثة ويحكم بفسقهم؟ وأجيب بأن هذا أهون من قتله، فإنه إذا شُهد عليه وهو محصن؛ فسيقتل، قال بعض العلماء: إن عمر ورّى ولم يقل له: ارجع عن شهادتك، لكن جعل له الخيار أن يشهد أو يمتنع، والأصل يقتضي أنه يجب عليه أن يشهد، وكان بعض مشايخنا رحمة الله عليهم يقول: القضية على ما جرت عليه، وعمر رضي الله عنه لم يقصد التورية ولا التنبيه له، وإنما رجا الله عز وجل، وحقق الله رجاءه، وكان رضي الله عنه محدثاً ملهماً، فما يقول لشيء أُراه وأظنه إلا وافق الحق.

    فالشاهد من هذا: أنه بالإمكان أن يدقق القاضي في الشهادة عند الشك والريبة، فإذا شك وارتاب؛ ففي هذه الحالة من حقه أن يدقق حتى ننصف المشهود عليه، خاصة إذا كان محصناً والأمر سيفضي إلى قتله ورجمه.

    قال المصنف رحمه الله: [ يصفه أربعة ممن تقبل شهادتهم فيه ]

    يصف الزنا أربعة وصفاً خالياً من الاحتمال، خالياً من اللبس، والشريعة تراعي الأدب والكمالات والمروءة، ومن ذلك ألا يُتحدث صراحة بالأمور المستبشعة مما يحدث بين الرجل وامرأته، ومما يوصف به الفرج، ونحو ذلك، والله عز وجل يقول في كتابه: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] ، طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله يُكني، وهذا من أدب القرآن، حيث أن الله علم عباده الأدب، ولكن انظر إلى كمال هذه الشريعة ودقتها، فإذا جاءت الأحكام الشرعية والمسائل الشرعية، واحتاج العالم أو الفقيه أو القاضي أو المفتي أو المعلم أن يصرح بهذه الأشياء؛ فيأتي بها صريحة ولا يأتي بها محتملة؛ لأنه إذا جاء بها محتملة ربما ضاعت حقوق الناس، ولذلك لابد أن يسأله عن الجماع وعن الزنا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أدخل ذلك منك في ذلك منها؟)، (أنكتها؟) لا يكني صلوات الله وسلامه عليه، كل هذا حتى لا تذهب حقوق الناس، ولو كانت على الكنايات والاحتمالات لربما شهد الشاهد كناية حتى يخدع القاضي، ولذلك في هذا الموضع لابد من التصريح، وأن يقول: إنه رأى ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة وكالرِّشاء في البئر، ولا يشترط أن يقول: كالمرود في المكحلة وكالرشاء في البئر، فإذا قال: رأيت ذكره في فرجها والجاً أو داخلاً، فهذا يكفي، لكن بالنسبة للأصل كما جاء في قصة اليهوديين، أنه صلى الله عليه وسلم سأل ابن صوريا (ما الذي يجدونه في التوراة؟) فذكر أن فيها أن يشهد منا أربعة أنهم رءوا فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة، وهذا يدل على حصول الدخول والإيلاج، وأنه لا يكفي أن يرى امرأة تضاجع رجلاً، أو يرى امرأة مع رجل متجردين، فهذا لا يكفي؛ لأنه ربما حصل التجرد ولا يحصل الإيلاج، ولربما كان بصفة دون الوطء، فإذاً لابد أن يصفوا الزنا.

    ومن هنا قيل في قصة المغيرة رضي الله عنه أنه هو الذي أفحم الشاهد، وهذا قول من يقول: إن عمر لم يكنّ، وذلك أنه لما شهد الثلاثة وجاء الرابع، وأراد أن يصف قال له: يا أمير المؤمنين! سله أرآني مقبلاً أو مدبراً؟ يعني: رآني من جهة الأقدام أو من جهة الوجه، فقال: رأيته مدبراً، وهذا قيل في قضية شبل فقال: يا أمير المؤمنين! هي امرأتي وكنت أجامعها، فهذا من الأشياء التي يحصل بها التأكد من الزنا؛ لأنه ربما وطئ زوجته، وربما كان مجامعاً لأهله، وعلى هذا فإنه لا يستقيم أن تقبل الشهادة هكذا، يقول: فلان رأيناه يزني، بل لابد أن يصرح بالزنا، ويصفه وصفاً خالياً من الاحتمالات.

    قال المصنف رحمه الله: [ سواءً أتوا الحاكم جملة أو متفرقين ]

    عندنا مسألتان: المسألة الأولى: إتيان الشهود، والمسألة الثانية: مجلس الحكم، فالقاضي إذا جلس في الصباح مجلساً واحداً وأتاه الأول: الساعة الثامنة، والثاني: الثامنة والنصف، والثالث: جاءه التاسعة، والرابع: جاءه العاشرة، فهذه شهادة واحدة في مجلس واحد، لكنهم أتوا متفرقين، فالتفرق مع اتحاد المجلس لا يضر؛ لأن هذا لا يشكل مع ما تقدم؛ لأن الشرط اتحاد المجلس، واتحاد المجلس تكون معه شهادة المتفرقين والمجتمعين، قالوا: الشهادة المتفرقة كقضية المغيرة ، وشهادة المجتمعين هي الأصل، والله عز وجل لم يفرق بين الشهود متفرقين أو مجتمعين.

    ولكن إذا جاءوا مجتمعين فإن أسئلة القاضي تنكشف أكثر مما لو فرقهم، فإذا جاءوا مجتمعين فللقاضي أن يفرقهم ويسأل كل واحد منهم على حدة، ويقول للأول مثلاً: متى وقع الزنا؟ قال: رأيته يزني في الصباح، فيقول: داخل المدينة أو خارج المدينة؟ قال: داخل المدينة، يقول: هل كانا متجردين أو على بعضهما بعض الثياب؟ صف ذلك، ويكون هذا الكلام بغيبة البقية، ثم يأذن للثاني ويسأله، ثم يأذن للثالث ويسأله، والرابع ويسأله، حتى يستبين من الشهادة؛ لأنه لو سألهم أمام بعضهم البعض لاتفقت كلمتهم، ولقن بعضهم بعضاً الجواب، فله إذا جاءوا مجتمعين أن يفرقهم للاستبيان والتأكد.

    1.   

    حكم من حملت ولا زوج لها ولا سيد

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بمجرد ذلك ]

    الأصل الشرعي أن المرأة إذا كانت منكوحة وذات زوج فإن الولد للفراش، ولا يجوز اتهامها بأن هذا الولد ليس بولدها، وإن كان المتهم زوجها فيلاعن أو يقام عليه الحد، وإن كان غيره فيثبت ذلك أو يقام عليه الحد، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش)، فأثبت أن المرأة إذا كانت فراشاً لرجل أنه يلحق الولد به، وهكذا إذا كانت أمة؛ لأن أصل الحديث في قصة عبد بن زمعة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما في يوم الفتح، والشاهد من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش)، فجعل الأمة التي كانت لـزمعة تابعة للفراش، ولذلك قالوا: إذا كانت أمة يطؤها سيدها؛ فالولد لذلك السيد، وكذلك إذا كانت زوجة، فالولد لذلك الزوج، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش).

    لكن لو حملت وهي بكر، أو طلقت وبانت من زوجها ومضت مدة أكثر الحمل، يعني بعد أربع سنوات من الطلاق؛ لأنه تقدم معنا في الطلاق ومسائل الإلحاق أنها تمضي إلى أكثر مدة الحمل، فمضت إلى أكثر مدة الحمل، ثم فوجئ بها وهي حامل، فهل مجرد حمل المرأة دليل على زناها إذا لم تكن ذات زوج وثيب؟

    للعلماء والأئمة رحمهم الله في ذلك قولان:

    القول الأول: إن الحمل ليس دليلاً على الزنا، ولا تحد المرأة بمجرد الحمل، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث، وهو مروي عن عمر بن الخطاب في إحدى الروايتين عنه رضي الله عنه وأرضاه.

    القول الثاني: إن حمل المرأة غير ذات الزوج والثيب دليل على زناها، فيقام عليها الحد، فترجم إن كانت محصنة بأن طلقت ثم حملت على هذا الوجه، وتجلد وتغرب إن كانت بكراً، وهذا مذهب المالكية وطائفة من السلف رحمة الله على الجميع، وهو رواية أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    روي عن عمر القولان: القول الأول: في خطبته عندما ذكر حد المرأة إذا زنت وقرأ آية: ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكم ) وقال: إذا كانت البينة أو الحبل، فجعل الحمل دليلاً من أدلة الإثبات في المرأة إذا لم يكن لها زوج ولا سيد.

    القول الثاني: في قضية امرأة كانت بمكة، وكان عمر في الموسم أو في عمرة من عمره رضي الله عنه وأرضاه، فأُتي بامرأة كانت بكراً وهي حامل، والناس يريدون جلدها، فسأل عن حالها، فأخبر أنها من بيت صالح، وأنها امرأة صالحة مستقيمة، فدعا بها وسألها وقال: ما بكِ؟ قالت: إنني كنت أصلي من الليل ما شاء الله، ثم غلبتني عيناي فلم أشعر إلا وقد اعتلاني رجل وقذف فيّ كالكوكب أو كالشهاب، فعلم عمر رضي الله عنها غفلتها مع أنها معروفة ببيت صالح وبيئة صالحة، فأسقط عنها الحد، ولم يقم عليها الحد، وكتب إلى الآفاق ألا يقتل بمجرد الحمل حتى يكتب إليه.

    ولكن هل هذا رجوع من عمر عن قوله الأول، أو تخصيص من عموم الأصل؟

    للمسألة وجهان: إن قلنا: إن عمر رضي الله عنه ذكر البينة والحمل كدليل ما لم توجد شبهة تدرأ الحد، فحينئذٍ يبقى الحمل من أصله دليلاً وحجة، لكن إذا وجدت قرائن تدل على إسقاط الحد، مثل أن تدعي المرأة أنها غلبت أو أكرهت أو سُقيت منوماً أو نحو ذلك؛ قُبل قولها وسقط الحد عنها؛ لأن الله تعالى قال: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ [النور:13]، فجعل الأصل قائماً على البينة، وهي الشهادة، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجماً أحداً من غير بينة لرجمت هذه) فجعل البينة في الأصل الشهود، وهذا مذهب جماهير السلف والخلف خلافاً لبعض العلماء الذين يرون عمومها، ولكن الأصل في البينة هذا، قال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما حينما قذف هلال بن أمية امرأته بـشريك بن سحماء- : (البينة أو حد في ظهرك) وقد أجمع العلماء أنه لا بينة في الزنا إلا الشهود، وهذا يدل على أن الشريعة تطلق البينة عموماً وتريد الخصوص وهو شهادة الشهود.

    وعلى كل حال الأشبه أنه لا يقام الحد إلا بالبينة على ظاهر النص، ويقال: إذا وجدت الشبهة اندرأ الحد، وعلى هذا فقول الجمهور الذين يقولون بالبقاء على الأصل أولى وأحرى؛ لأنه لم يرد نص في الكتاب والسنة باعتبار الحمل دليلاً على ثبوت الزنا.

    1.   

    الأسئلة

    الشهادة على الزنا بآلات التصوير

    السؤال: هل تقوم آلات التصوير الحديث مقام الشهود في إثبات الزنا، أثابكم الله؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد: فهذه وسيلة ناقصة، ولا تعتبر موجبة لثبوت الحد، فهذه الأشرطة وهذه الصور لا يُعمل بها ولا يعول عليها، ولا تعتبر دليلاً يثبت الجريمة، التشابه موجود، وربما يكون فعل هذه الفعلة من زمان قديم ثم تاب بعدها وأصلح، وكذلك الآلة ليس فيها تكليف يمكن أن يبنى عليه الحكم الشرعي، ومن أقوى الأدلة على رد مثل هذه القرائن ما ثبت في الصحيح في قصة المرأة في اللعان التي تلكأت، شهدت المرأة وشهد الرجل ثم قال عليه الصلاة والسلام: (الله أعلم أن أحدكما كاذب، حسابكما على الله) ثم قال: (انظروا إليه -يعني: الولد الذي ستأتي به- فإن جاءت به خدلج الساقين وكذا وكذا ) وذكر صفة، فهو للرجل الذي اُتهمت به، وهي كاذبة، وزوجها صادق، وإن جاءت به على صفة كذا وكذا فهو لزوجها، وهو كاذب، فجاءت به على صفة الزاني فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجماً أحداً من غير بينة -يعني: من غير الشهود- لرجمتها) فقطع كل الأدلة، هذا دليل واضح ما فيه إشكال؛ لأنه حتى القافة يستطيعون أن يقولوا: هذا ولد هذا، وينسبوه لأبيه، لكن الشريعة جعلت الأمر تعبدياً، وجعلته للشهود، وجعله للشهود فيه حكم عظيمة، وحتى الشاهد نفسه يندب له الستر وألا يفضح، فهناك أمور تعبدية وأحكام شرعية مُنبنية على وجود الشهادة، فهذا الحكم هو الأصل الشرعي.

    ممكن شخص يأتي ويرفع السلاح ويقول له: ازن بالمرأة، ولما يزني يصوره معها، ليس قضية وجود الجريمة وحدها كافياً، ممكن أن يهدد الرجل ويهدد المرأة، وممكن أن يأتي بامرأة على صفة المرأة، ويأتي برجل على صفة الرجل، ما يمتنع هذا، هذا سهل، الوسائل هذه ليست كالشهود الذين يدخلون على الرجل في حالة لا إكراه له فيها، ولا شبهة له تمنع من إقامة الحد عليه، وإذا امتنع من الاعتراف يشهدون عليه، فهذا كله على وجه واضح بين، وفيه أمر التعبد كما ذكرنا، والله تعالى أعلم.

    الفرق بين شهادة الشهود والإقرار بالزنا في اعتبار المجلس الواحد

    السؤال: أشكل عليَّ لماذا اشترط المصنف رحمه الله في شهادة الشهود بالزنا أن تكون في مجلس واحد، ولم يشترط ذلك في الإقرار بالزنا، مع أن كلا الأمرين يثبت بهما الزنا، أثابكم الله؟

    الجواب: لأنه إذا أقر على نفسه في مجلس أو مجالس متعددة، فهو قد أثبت أنه زنى، وبعبارة واضحة الشهادة كبينة تتجزأ، لكن الإقرار من الشخص نفسه ما يتجزأ، توضيح ذلك: إذا شهد شاهدان أنه زنى بعد العصر أمس، وشهد شاهدان أنه زنى الصبح أول أمس، فالزنا الأول غير الزنا الثاني، لابد أن تكتمل بينة الأول، وتكتمل بينة الثاني.

    إذاً: إذا أقر في مجلس واحد أو أقر في مجالس متعددة فقد شهد على نفسه بالزنا؛ لأن المرة الواحدة منه في الزنا كافية بإقراره، وهو يقصد تلك المرة، وأما إذا تعددت المجالس وفتح باب التعدد؛ لما استطعنا أن نقيم الحد على شهود نقصت شهادتهم أو ردت؛ لأنهم يقولون: سيأتي واحد، أو سنبحث عن من يعضد شهادتنا؛ لأن المجالس متعددة، ولذلك لا يعطون مهلة إلا لمجلس واحد، فإذا تيسر ذلك أو أُقيم عليهم الحد فلا إشكال.

    وعلى هذا نقول: إن المجلس الواحد في الشهادة غير المجلس الواحد في الإقرار؛ لأنه إذا أقر على نفسه بالزنا ولو تكرر منه الزنا مائة مرة فإقراره بالمرة الواحدة صادق على أي زنية، ولكن إذا تعدد المجلس في الشهادة فإنه يكون لأكثر من زنية ولأحوال متعددة، ولذلك لا يثبت به الحد كثبوته في الإقرار، والله تعالى أعلم.

    حكم إعطاء الأم من الزكاة

    السؤال: أريد إخراج الزكاة، فهل يجوز أن أعطيها لأمي وهي في أمس الحاجة إلى المال، أثابكم الله؟

    الجواب: الأم لا تعطى الزكاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الولد مع والديه كالشيء الواحد، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (إنما فاطمة بضعة مني) فجعل فاطمة بضعة منه عليه الصلاة والسلام؛ أي: أن الولد قطعة من الوالد، فإذا أعطيت الزكاة لأمك؛ فكأنك أعطيتها لنفسك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) ولذلك لا تعطى الزكاة لا للوالدين ولا للأولاد.

    ولكن -أخي في الله- عليك أن تتقي الله في أمك، وأن تحسن إلى والدتك، وأن تحاول أن تتفقد مواطن النقص فيها فتكملها، وأن تجبر كسرها، وأن تكون معها كما أمرك الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] كيف تكون ابناً باراً بها وعندك المال الذي تزكيه ووالدتك في أمس الحاجة إلى مالٍ قليل لا يساوي إلا اثنين ونصف من مائة من مالك؟

    اتق الله في نفسك، واتق الله في والدتك، وعلى هذا لا تعطها الزكاة، ولكن أنفق عليها بالمعروف حتى تغنيها، عل الله أن يرد عليك بأضعاف، ويجزل لك الخير في مالك، والله تعالى أعلم.

    توجيهات تتعلق بدروس الشيخ في شرحه لعمدة الأحكام بجدة والمدينة

    السؤال: هل تنصحنا أن نأخذ مذكرات عمدة الأحكام القديمة التي في جدة، أو مذكرات عمدة الأحكام التي -حفظكم الله- تشرحونها في المدينة، أثابكم الله؟

    الجواب: عمدة الأحكام التي في جدة تكمل التي في المدينة، والتي في المدينة تكمل التي في جدة، عمدة الأحكام شرح الحديث، لكن عمدة الفقه فهو في الفقه، ودرس عمدة الفقه القديم الذي في المدينة لم أسمح للتسجيلات أن تبيعه، وأحب من طلاب العلم أن ينبهوها على ذلك، ومن باع تلك الأشرطة فقد آلمني بذلك؛ لأنها قديمة، وهناك مسائل رجعت عنها، والحرم يغني عنها، فأحب أن تنبهوا التسجيلات على هذا، درس المدينة القديم هذا لم أسمح به، ونبهت أكثر من مرة على أنه لا ينشر؛ لأن هناك شرحاً ثانٍ أوسع وأكثر توضيحاً للمسائل التي رجعنا عنها، ووجه الرجوع، فينبه على ذلك، ويستغنى بدرس عمدة الفقه الموجود في الحرم، نسأل الله أن يجعله خالصاً لوجه، وأن يعين على إتمامه.

    أما عمدة الأحكام في المدينة وفي جدة، فأنا عندي منهج أسأل الله أن يعينني عليه، وهو أنني لا أحب تكرار المسائل أو المنهج في كتاب واحد أشرحه مرتين أو أكثر، ولا أريد طالب العلم أن يقتصر بكتاب على آخر، وأرجو من الله أن يفتح عليَّ في جدة، ويفتح عليَّ في المدينة، فالذي يريد أن يستغني بدرس المدينة أظن أنه لا يستغني عن درس جدة، في درس جدة فوائد كثيرة، وأيضاً الذي يصبح جداوي: سيفوته خير كثير من الشرح المدني، وعلى كل حال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وهما عينان في الرأس، لكن أظن اليمنى الذي في المدينة، وإن شاء الله يكون في كلا الشرحين خير، في درس جدة بعض المسائل توسعت فيها وأسهبت، وفيه بعض الجوانب التربوية، ودرس المدينة أيضاً فيه جوانب طيبة، وعلى كل حال: المعول كله على القبول من الله عز وجل، والمعول كله على ما خلص وأُريد به ما عند الله، نسأل الله أن يوفقنا لذلك، والله تعالى أعلم.

    تحية المسجد لا تنقض الوتر

    السؤال: هل تحية المسجد تنقض الوتر، أثابكم الله؟

    الجواب: لا تنقض تحية المسجد الوتر، ولا تنقضه ركعتا الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر ثم صلى ركعتين بعد الوتر، والسنة أن تجعل الوتر آخر صلاتك بالليل، ولكن إذا دخلت المسجد بعد وترك فصلِ ركعتين، أو توضأت فصلِ ركعتين، وهذا لا ينقض الوتر، والله تعالى أعلم.

    حكم الاستفتاح في صلاة الجنازة

    السؤال: هل أستفتح في صلاة الجنازة؟

    الجواب: السنة عدم الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ لأنه ورد في حديث علي وابن عباس رضي الله عنهما أنه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح فيها، وأنه اقتصر على الفاتحة، ولم يذكر دعاء الاستفتاح، وبعض العلماء قال بدعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة ولكنه قول ضعيف، واستدل بالعموم، (كان إذا استفتح الصلاة) ولكن الأقوى والأشبه أن المبين مقدم على المجمل، والمفصل مقدم على المجمل، فنأخذ بحديث ابن عباس وعلي رضي الله عنه لما اختلفت صورة الصلاتين، وهنا لا يعترض المعترض بالنافلة والفريضة بأننا دائماً نأخذ عمومات النافلة ونجعلها أصلاً للفريضة؛ لأن صورة صلاة الجنائز مختلفة عن صورة الصلاة الأصلية، ومن هنا قوي أن تخص بأحكامها، وألا يعمل بالعموم على هذا الوجه في هذه المسألة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756400381