إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ألزم الشرع الحكيم كل موسر بالنفقة على المعسر ممن كان من قرابته الأصول أو الفروع، وكذلك على الداخلين في الفروض أو العصبات من الحواشي، واستحب له أن ينفق على ذوي الأرحام أيضاً، وهذا كله من التكافل الاجتماعي الذي ينفرد به الإسلام عن غيره من المذاهب الأرضية المنحطة.

    1.   

    النفقة على الأقارب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    يقول المصنف رحمه الله: [باب نفقة الأقارب والمماليك].

    أسباب وجوب النفقة

    تقدم أن النفقة من الحقوق التي أوجبها الله عز وجل على المسلم، وأن هذا الحق له أسباب تقتضيه وتوجبه، وهذه الأسباب تتنوع في الشريعة الإسلامية، وهناك ثلاثة أمور مهمة ينبني عليها الحكم بوجوب النفقة:

    الأول: ملك النكاح.

    والثاني: ملك اليمين.

    والثالث: البعضية والقرابة.

    فهذه ثلاثة أسباب توجب النفقة: إما من جهة ملك النكاح؛ لأن الرجل يملك الاستمتاع بالمرأة.

    وإما ملك اليمين؛ كما قال تعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، والرقيق والعبد والمملوك محبوس لخدمة سيده، كما أن المرأة محبوسة لزوجها، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنهن عندكم عوان) ، والعوان: هو الأسير المحبوس، فالمرأة مملوكة بالنكاح محبوسة لحق الزوج، وملك اليمين -الرقيق- مملوك لسيده ومحبوس لمصالحه.

    وكذلك القرابة والبعضية توجب النفقة.

    فهذه ثلاث جهات ينبني عليها الحكم بوجوب النفقة.

    والمصنف رحمه الله قد بيّن لنا ما يتعلق بوجوب النفقة من جهة الزوجية، وهي ملك النكاح، وشرع الآن في بيان جانبين؛ الأول منهما يتعلق بالقرابة والبعضية، والثاني يتعلق بملك اليمين. وكلا الجانبين وردت فيه نصوص في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بينت بعض الأمور والمسائل والأحكام المتعلقة به.

    يقول رحمه الله: (باب نفقة الأقارب والمماليك) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق ببيان النفقة الواجبة من جهة القرابة، والنفقة الواجبة من جهة ملك اليمين.

    النفقة للآباء على الأبناء

    قال رحمه الله: [تجب أو تتمتها لأبويه وإن علوا].

    أي: أنه يجب على المسلم أن ينفق على والديه، وهذه النفقة على الوالدين إما أن ينفقها نفقة تامة كاملة؛ بأن كان الوالد لا يستطيع العمل، وليس عنده أي دخل؛ فحينئذ يقوم ولده بنفقته نفقة تامة كاملة، أو يكون عند الوالد بعض الدخل، ويحتاج إلى سد العجز والنقص الموجود، فهذه تتمة النفقة.

    الأصل في وجوب ذلك: أن الله تعالى أمر الولد-سواء كان ذكراً أو أنثى- بالإحسان إلى الوالدين، قال الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] أي: أحسنوا بالوالدين إحساناً، ولأن الوالد أنفق على الولد، فجعل الشرع من العدل؛ أنه إذا احتاج الوالد أن ينفق عليه ولده.

    ولأن الولد كان بسبب الوالدين، فحقهما آكد الحقوق، وفرضهما آكد الفرائض، ولذلك لا يتقيد بقدر -كما سيأتينا- لعظم حقهما.

    ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أن الله فرض على الولد أن يحسن إلى والديه، وليس من الإحسان أن يكون الولد قادراً وبالوالدين عجز ولا ينفق عليهما.. بل هذا من الإساءة.

    وأما نص السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم). فدل هذا الحديث على أنه إذا أكل الوالد من مال ولده فكأنه يأكل من كسبه هو.

    ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث فاطمة رضي الله عنها: (إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها). والبضعة من الشيء كالشيء، فكما أنه يجب على الولد أن ينفق على نفسه، كذلك ينفق على والده.

    وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (أنت ومالك لأبيك). فهذا كله يدل على أن الوالد له حق في مال ولده، وأنه إذا أعوز الوالد أو أعسر وجب على الولد أن يتقي الله فيه، وأن يؤدي الحق الذي أوجب الله، فيسد خلته ويقضي حاجته.

    وإذا قلنا (الوالد) فهذا يشمل الأب والأم؛ أما الدليل على أنه يشملهما: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن البر، وأحق الناس بالبر: (يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب؛ حقاً واجباً، ورحماً موصولاً)، كما في رواية أبي داود في السنن.

    فهذا يدل على أنه يجب على الولد أن يقوم بحق والده إن عجز الوالد أباً كان أو أماً، ويسد هذا العجز بالنفقة عليه. وإن كان عجزاً جزئياً؛ فيجب بعض النفقة، أي: يجب عليه أن يتم مادام قادراً مستطيعاً على ذلك الإتمام.

    الأمر المهم بالنسبة للنفقة أنها قد تكون على الزمان المتباعد، وقد تكون على الزمان المتقارب، فإذا كان الوالدان بهما حاجة في يوم -الذي هو جزء الزمان- فيجب عليه أن ينفق عليهما في ذلك اليوم، لأن الوالد قد يحتاج في يوم من الأيام، وقد يحتاج طيلة الشهر، وقد يحتاج طيلة الأسبوع، المهم أنه يجب عليه أن ينفق.

    فلو أن والداً لم يجد طعاماً، أو والدة لم تجد طعامها؛ فإنه يجب على الابن أن يعطيها نفقتها من أول اليوم، كما ذكرنا في نفقة الزوجة، وبينا وجه أن النفقة تستحق من أول اليوم.

    قوله: (لأبويه) هذا من باب التغليب: كالعمرين، والقمرين.

    وقوله: (لأبويه) يشمل الوالد والوالدة، الذكر والأنثى.

    وقوله: (وإن علوا): يشمل جده من جهة أبيه، وجده من جهة أمه، وكذلك جدته من جهة أبيه، وجدته من جهة أمه، الجدة سواء كانت صحيحة أو كانت -كما يسمونها- ساقطة أو كاسدة، أي: أنها ساقطة وفاسدة في الإرث، وليس عندها سبب يقتضي ميراثها، كما سيأتي إن شاء الله بيانه في باب الفرائض.

    لو أن رجلاً عنده أب الأب - الجد الصحيح- ليس عنده نفقة، ولا طعام، ولا كسوة؛ وجب عليه أن ينفق عليه، ولو كان عنده جدة تمحضت بالإناث كأم أمه، أو تمحضت بالذكور كأم أب الأب، أو جمعت بينهما؛ كأم أب الأم؛ ففي هذه الحالة يجب عليه أن ينفق عليها إذا كانت معسرة.

    فقوله: (وإن علوا) يشمل أب الأب؛ الجد المباشر، والجد بواسطة، أب أب الأب، وأم أم الأم، وإن علوا. أي ولا ينظر إلى القرب والبعد.

    النفقة للأبناء على الآباء

    قال رحمه الله: [ولولده وإن سفل]

    ويجب على المسلم أن ينفق على ولده وإن سفل-أي: وإن نزل- لأن الله عز وجل وصى الوالد على ولده، وأمره بالإحسان إليه، وجاءت النصوص في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تقتضي بالقيام على الولد بالرعاية والعناية، قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]. والمولود شاملاً للذكر والأنثى على التفصيل الذي سيأتي إن شاء الله؛ فهذه الآية تدل على أنه يجب على الوالد أن ينفق على ولده.

    والإجماع قائم على ذلك، وجاءت السنة تؤكد ما في كتاب الله عز وجل، كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصة هند ، لما قال لها عليه الصلاة والسلام - أي: لـهند -: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فقوله يدل على أنه يجب على الوالد أن ينفق على ولده، لأنها قالت:إن أبا سفيان رجل شحيح، أفآخذ من ماله؟ فدل على تقصيره في النفقة، على دعواها أو سؤالها، على الخلاف هل هي دعوى أو فتوى؟ والصحيح أنها فتوى.

    فأفتاها عليه الصلاة والسلام أن تأخذ من ماله ولكن بالمعروف، فدل على أن الولد تجب نفقته على والده، لأنه جعل له حقاً في المال، وأمر الزوجة أن تأخذ من ذلك المال بالمعروف للولد. فلو كان الولد لا نفقة له على والده لما أحل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ذلك المال. وأجمع العلماء رحمهم الله على أنه يجب على الوالد أن ينفق على ولده.

    قوله: (وإن سفل) يعني: وإن نزل، وهذه العبارة يستعملها العلماء والفقهاء رحمهم الله في كتاب الفرائض وغيره، والمراد بها سواء كان مباشراً كالابن، أو بواسطة كابن الابن، سواء تمحضت الواسطة من جهة الذكور كابن ابن، أو تمحضت بالإناث كبنت بنت، أو جمع بين الذكور والإناث: كابن البنت، وبنت الابن.

    النفقة على ذوي الأرحام

    قال رحمه الله: [حتى ذوي الأرحام منهم].

    أي: حتى ذوي الأرحام من الأصول والفروع، فهاتان الجهتان أقوى جهات الحقوق في النفقة، أعني جهة الأصول والفروع؛ لأن نصوص الكتاب والسنة تدل على عظم حق الولد عند والده، وعظم حق الوالد عند ولده، وكما في حديث فاطمة رضي الله عنها: (إنما فاطمة بضعة مني)، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن عائشة في السنن: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن ولدكم من كسبكم)، فجعل كسب الولد والوالد كالشيء الواحد؛ فهذا يدل على قوة هذه الجهة من جهة الأصول، أو من جهة الفروع.

    والواقع يصدق ذلك، فالابن فرع لوالده، والوالد أصل للولد، فتعظيم هذا الجانب حق حتى ولو كان من ذوي الأرحام، وذوو الأرحام هم في الحقيقة دون جهة الفرض والتعصيب.

    وذوو الأرحام لا يرثون؛ فالخال، والخالة، والعمة، وابن العمة، وابن الخالة، وبنت العم؛ هؤلاء ليس لهم ميراث في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأصل، لكن اختلف العلماء رحمهم الله إذالم يوجد وارث لا بفرض ولا بتعصيب، هل ينزلون منزلة من أدلوا به؟

    فاختار جمع من العلماء رحمهم الله أنهم ينزلون، ودليلهم حديث: (الخال وارث من لا وارث له). والأصل عندهم قوله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، فدل على أنها جهة تستحق، وسيأتي تفصيل هذه المسألة إن شاء الله في الفرائض.

    مثال لذوي الأرحام: الجدة الصحيحة، والجدة الفاسدة، فالجدة الصحيحة من تمحضت في الإناث، من أمثلتها: أم الأم، فهذه حقها ثابت من جهة النفقة، لكن بالنسبة للجدة الأنثى إذا أدلت بذكر بين أنثيين، فهذه تعتبر ساقطة في الإرث، يسمونها الجدة الفاسدة أو الساقطة، إشارة إلى أنه لا حق لها في الإرث، فتعتبر من ذوي الأرحام، ولا إرث لها في الأصل، كأم أبي الأم، هذه جدة لا إرث لها في الأصل، لا فرضاً ولا تعصيباً، وهي من ذوي الأرحام في الأصول.

    فذوو الأرحام يكونون في الأصول، والفروع والحواشي، فالنسبة لذوي الأرحام في الأصول والفروع لا يسقطون، فبنت بنت الابن لا تسقط، لأننا قلنا: الأصول والفروع لا يسقط ذوو الأرحام منهم، وهذا لعظم جهة الأصول والفروع، وبناءً على ذلك؛ لو كان له جدة أم أبي أم فاسدة، أو جدة ساقطة، فإنه يجب عليه أن ينفق عليها مع أنها من ذوي الأرحام في جهة الأصول، ولو كان عنده بنت ابن البنت، فهذه من جهة الفروع تعتبر من ذوي الأرحام، بخلاف بنت الابن فلها فرضها في كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بالنسبة لبنت ابن البنت، وبنت البنت، هذه تعتبر من ذوي الأرحام، ويجب عليه أن ينفق عليها، فلو أن بنت بنته احتاجت وجب عليه أن ينفق عليها وكذلك بنت بنته.

    فالأصول والفروع لا يسقطون إذا كانوا من ذوي الأرحام.

    النفقة على المعسر المحجوب في الوراثة

    قال رحمه الله: [حجبه معسر، أو لا].

    أي: سواءً كان الأصل أو الفرع يحجب هذا الذي يجب أن ينفق عليه أو لا.

    والحجب أصله المنع، والحجب مصطلح يستعمله العلماء رحمهم الله في الفرائض، لأن الشريعة جعلت الحقوق في الإرث مرتبة مفصلة، فالله جل وعلا تولى قسمة الحقوق والفرائض من فوق سبع سماوات، ولم يكلها لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]. والكلالة مسألة من مسائل الميراث، وهو من انقطع من النسب فلا والد له ولا مولود، أي: انقطع من الآباء والجدود والأبناء.

    فهذه الفرائض فرضها الله عز وجل وقدرها، وهناك من يحجب ويمنع بوارث جعله الله أحق منه بالإرث، وإذا حجب هذا الشخص ذكراً كان أو أنثى، فإما أن يحجب في شرع الله حجباً كلياً باسم الحجب الكامل (حجب الحرمان) وإما أن يحجبه حجب نقصان، فالشريعة الإسلامية جعلت الحقوق مرتبة في الفرائض، واصطلح العلماء في هذا الحرمان وهذا المنع الكلي أو الجزئي على تسميته بالحجب.

    فإن قيل: فلماذا أدخل العلماء مسألة الحجب في النفقة؟

    فالجواب: لأن النفقة التي للقرابة مبنية على الإرث، وهذا في الحقيقة من عدل الله سبحانه وتعالى، حيث جعل الغرم بالغنم، فإذا كان قريب الإنسان إذا مات يرثه، فكذلك هو يستفيد من إرثه، ويأخذ الربح من جهة إرثه، فكذلك إذا افتقر هذا القريب في حال حياته، فإنه ينفق عليه، فعدل الله سبحانه وتعالى وجعل الإرث مؤثراً: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، فجعله موجباً لثبوت حق النفقة.

    فهنا في مسألتنا إذا كنا نقول: إن الإرث سبب من أسباب وجوب النفقة، فالوارث تارة يحجب وتارة لا يحجب؛ فإن لم يكن محجوباً فلا إشكال لأنه مستحق من جهة الإرث. لكن إذا كان في الإرث يحجب حجب نقصان أو حجب حرمان؛ فهذا يؤثر، لكنه في الأصول والفروع لا يؤثر، وهذا جعله استحقاقاً ثابتاً لأن الأصل والفرع جهته متمحضة من حيث البعضية بخلاف الوارث؛ فإنه من جهة التشريك في القرابة، سواء كان من الفروع أو الحواشي أو نحوها.

    ففُرق بين الأصول والفروع في مسألة ذوي الأرحام- التي تقدمت معنا- وهنا في مسألة وجود من هو حاجب؛ سواء كان حجب حرمان أو حجب نقصان.

    فقوله: [حتى ذوي الأرحام منهم حجبه معسر أو لا].

    لو أن له جداً، هو أبو أبيه، والأب فقير، فتستحق النفقة عليه للوالد وللجد. إذا جئنا من ناحية الإرث، فإن الجد لا يرث مع وجود الابن. فهذا الذي يريد أن ينفق عليه محجوب، ولا يرث من جده مع وجود أبيه، فالأصل يقتضي أنه لا تجب عليه نفقة هذا الجد، وإنما تجب على الأب، سواء حجبه معسر أو لا.

    ففي هذه الحالة نقول للابن: أنفق على أبيك وجدك، فإذا حكمنا بإنفاقه على جده، فإنه في الأصل لا يرث من هذا الجد لوجود الأب، ولكن هذه مسألة مستثناة في الأصول-كما ذكرنا- بخلاف غير الأصول والفروع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

    وأيضاً قوله: (حجبه معسر أو لا): يفهم منه أنه إذا لم يحجبه؛ مثل أن يفتقر جده ويحتاج إلى النفقة، ووالده ميت - الذي هو أبوه- ففي هذه الحالة يجب عليه أن ينفق على الجد، فاستوت العبارة في الدلالة على أنه ملزم بالنفقة، سواء كان محجوباً بمعسر-الذي هو الأب الموجود- أو كان غير محجوب؛ كأن يكون جده قد مات ابنه-الذي هو الأب- فيجب على هذا الولد أن ينفق على جده سواء حجب من معسر أو لم يحجب.

    1.   

    تأثير التوارث في وجوب النفقة

    قال رحمه الله: [وكل من يرثه بفرض أو تعصيب].

    هذا الجانب الثاني في القرابة، فالجانب الأول: أصل الإنسان وفرعه، وهنا الجانب الثاني، ويشمل البقية؛ كالحواشي والقرابات،كما سيأتي بقية القرابات.

    فبقية القرابات بين المصنف رحمه الله أنه يجب عليه أن ينفق على من يكون وارثاً له منهم، سواء كان بفرض أو بتعصيب، فإذا كان وارثاً بفرض أو تعصيب استحق النفقة، لقوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]. فهذه الآية الكريمة من سورة البقرة أوجب الله سبحانه وتعالى فيها النفقة، وبينت حكم النفقة على الولد في الرضاعة، فأمر الله عز وجل الوالدة أن ترضع ولدها، وأمر الله الوالد أن ينفق على هذه المرضعة، ولما أمره بالإنفاق، وبين أن المولود له -وهو الوالد- يجب عليه أن ينفق، قال بعد ذلك: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

    فبعد أن قال: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] ، قال: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، فاستفدنا من الآية أن الوالد ينفق على ولده في الرضاعة، وذلك حق عليه واجب: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]. ثم قال: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] أي: فلو كان والد الطفل ميتاً لنظرنا إلى قرابته الذين يرثونه، وقلنا لهم: أنفقوا على هذا المولود الذي لا والد له بالمعروف، فكما أنهم يرثون هذا المولود لو مات، كذلك يجب عليهم أن ينفقوا عليه إذا أعسر.

    ومن هنا ندرك ما ينقمه الأعداء على الإسلام؛ أنه يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين.. أمور جاءت مرتبة مفصلة من لدن حكيم خبير، الذي أعطى كل شيء حقه وقدره، لا تستطيع أن تزيد فتظلم وتجور، ولا تستطيع أن تنقص فيكون فيه إجحاف بحقه، لا تستطيع أن تزيد على ما شرع الله قليلاً ولا تنقص.

    وهذا هو العدل؛ تجد أن الأنثى لا تحمل ما يحمله الذكر، وتجد في طبيعة الناس وفطرتهم التي فطرهم الله عز وجل عليها أن النساء لا يستطعن في حال العوز والفقر أن يقمن ببعض ما يقوم به الرجال، ففضل الله بعضهم على بعض، وهو أعلم وأحكم سبحانه وتعالى؛ يحكم ولا معقب لحكمه.

    فهذه أمور كلها ارتبطت ببعضها، كما أنه في الإرث يستحق أن يرث منه؛ لوجود الإرثية والقرابة الموجبة للإرث، كذلك إذا أعوز هذا الموروث يجب عليه أن ينفق عليه.

    ونصت الآية على أن للقريب حق النفقة عليه، وجاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وحسنه غير واحد من العلماء؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يبر؟ فقال له: (أمك-أي: بر أمك- وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك أدناك). يعني الأقرب فالأقرب إليك، وهذا يدل على أنه ينبغي أن توصل الرحم، فينفق عليها إذا احتاجت، فمثلاً لو كان له أخ محتاج ليس عنده نفقة يومه، نقول له: أنفق على أخيك، كذلك لو كان عنده أخت محتاجة ما وجدت نفقتها، ولا ما تكتسي به، وبحاجة إلى السكنى، فإنه يجب عليه أن ينفق عليها بالمعروف.

    فهذا الحكم أجمع عليه العلماء رحمهم الله، والأصل فيه دليل الكتاب في قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، ودليل السنة والعقل يقتضي هذا، وبناءً على ذلك أجمعوا على أنه يجب على الوارث أن ينفق على قريبه، والتفصيل في هذا يرجع إلى مسألة الإرث، فينفق عليه بقدر ما يكون له من النصيب.

    قوله: (بفرض، وتعصيب) الفروض في كتاب الله عز وجل ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. وبعضهم يختصر فيقول: النصف، ونصفه، ونصف نصفه، والثلثان، ونصفهما، ونصف نصفهما.

    نصف وربع ثم نصف الربع والثلث والسدس بنص الشرع

    والثلثان وهما التمام فاحفظ فكل حافظ إمام

    هذه الفروض المحددة المقدرة في شرع الله عز وجل؛ إذا قيل بالفرض؛ فإما أن يكون له النصف، فيكون له النصف، أو نصفه، أو يكون له الثلثان، أو نصفهما، أو نصف نصفهما.

    أما التعصيب: فهو من العصبة، وعصبة الإنسان: قرابته الذين يحيطون به، وتتمحض العصبة من جهة الذكور، وسموا بذلك: لأنهم في الشدائد يتعصبون معه، ويحيطون به كالعصابة التي تحيط برأس الإنسان.

    فالإرث في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إما فرضاً وإما تعصيباً، فيجب على القريب أن ينفق على قريبه الوارث؛ سواء كان الإرث من جهة الفرض أو التعصيب. ويشمل هذا عشرة من الذكور، وسبعاً من الإناث في الفرائض:

    والوارثون من الرجال عشرة أسماؤهم معروفة مشتهرة

    الابن وابن الابن مهما نزلا والأب والجد له وإن علا

    والأخ من أي الجهات كانا قد أنزل الله به القرآنا

    وابن الأخ المدلى إليه بالأب فاسمع مقالاً ليس بالمكذب

    والعم وابن العم من أبيه فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه

    والزوج والمعتق ذو الولاء فجملة الذكور هؤلاء

    هؤلاء عشرة يرثون بفرض الله عز وجل الذي فرضه في كتابه، إما أن يرثوا بالفرض المقدر الذي ذكرناه، وإما أن يرثوا بالتعصيب.

    وأما بالنسبة للإناث فهن سبع من النسوة:

    والوارثات من النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع

    بنت وبنت ابن وأم مشفقه وزوجة وجدة ومعتقه

    والأخت من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت

    فهؤلاء سبع يرثن في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويستحق هؤلاء سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً النفقة عليهم، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في كتاب الفرائض.

    فالوارث: سواء كان إرثه من جهة الفرض أو من جهة التعصيب له حق على القريب، والأصل في هذا-كما ذكرنا- دليل الكتاب، ودليل السنة، وإجماع أهل العلم رحمهم الله.

    وجوب النفقة على عمودي النسب من ذوي الأرحام

    قوله: [لا برحم سوى عمودي النسب] أي لا يجب عليه أن ينفق على القريب من ذوي الأرحام، وذوو الأرحام كبنت البنت، وبنت ابن البنت من جهة الفروع، وكذلك أيضاً من جهة الحواشي؛ كبنت الخال، أو الخال نفسه، وبنت الخالة، أو الخالة نفسها، لا يجب عليه أن ينفق عليها في الأصل؛ لأنها من جهة ذوي الأرحام، وهؤلاء ليسوا من الوارثين، والله عز وجل خص النفقة الواجبة اللازمة بالوارث.

    وذوو الأرحام لهم إرث كما ذكرنا، لكن من قال بتوريثهم فهذا عندما ينزل منزلة من أدلى به، لكنه ليس في الأصل من الوارثين، وإنما قيل بتوريثه لقوله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75] ، ولحديث: (الخال وارث من لا وارث له). وفيه كلام عند العلماء رحمهم الله.

    قوله: (سوى عمودي نسبه): فعمودي النسب من جهة الأب، والأم، والأجداد، والجدات لا يسقطون إذا كانوا من ذوي الأرحام.

    أما الجدة الساقطة، والجد الساقط، أو كما يقولون: الجدة الفاسدة، والجد الفاسد، فهؤلاء يجب عليه أن ينفق عليهم، وكونهم ساقطون في الإرث لا يسقط حقهم في النفقة؛ لأن في عمودي النسب موجباً للإنفاق أكثر من القرابة والورثة، فليس الأنفاق عليهم بسبب الإرث -أي: عمودي النسب- إنما هو بسبب نعمة الوجود؛ لأن الله عز وجل جعل وجود الابن بفضل الله ثم بفضل والديه، ولذلك قال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14].

    النفقة على الوارث من جهة

    قال رحمه الله: [سواء ورثه آخر كأخ أو لا؛ كعمة وعتيق].

    أي: سواء ورثه آخر كأخ، أو لم يرثه كعمة وعتيق.

    فلو أن الأخ توفي فأنت أخوه ترثه ويرثك، فالتوارث من الجهتين، وهذا من دقة الفقهاء رحمهم الله أنهم ذكروا أن بعض الأسباب تتمحض فتكون من الجانبين، مثل مسألتنا هنا: ترث الذي تريد أن تنفق عليه ويرثك؛ فالتوارث من الطرفين.

    في بعض الأحيان يكون التوارث من طرف واحد، فالعمة أنت ابن أخيها فترثها، لكنها لا ترثك، فالتوارث من جهة لا من جهتين، وبناءً على ذلك يقول: سواء كان من جهة أو كان من الجهتين.

    العتيق أو المعتقة: جعل الله عز وجل الولاء لحمة كلحمة النسب، فإذا لم يوجد وارث ولا عاصب للميت، فإنه يرثه من أعتقه، فالمولى يرثه سيده الذي أعتقه، أو قرابة السيد -على التفصيل الذي سيأتينا- لأن الولاء سبب من أسباب الإرث الثلاثة المشهورة:

    وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب

    هذا الولاء قال عنه صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب)، يرث به السيد من أعتقه في حال عدم وجود من يرث العتيق.

    مثلاً: أخذ عبده ثم أعتقه، وهذا العبد جميع قرابته كفار، وليس هناك له وارث؛ لأن الكفر مانع من موانع الإرث؛ ففي هذه الحالة يرثه سيده الذي أعتقه، فيبقى الولاء بين السيد وعبده. لكن من الذي يرث؟ السيد يرث العبد، والعبد لا يرث سيده؛ فإذاً التوارث من جهة وليس من الجهتين.

    فبين رحمه الله أنه يستحق به الإنفاق، فلو أن هذا المولى الذي أعتقه سيده أصبح فقيراً، ولا عائل له، نقول لسيده: أنفق عليه، ويجب عليك أن تنفق عليه لوجود السبب الموجب؛ وهو التوارث.

    1.   

    مقدار ما ينفق على الأقارب والمماليك

    قال رحمه الله: [بمعروف].

    الأصل في النفقة أنه يرجع فيها إلى العرف والعادة، وأعراف المسلمين يحتكم إليها، والمراد بأعراف المسلمين: الأعراف الغالبة التي لا تطرأ عليها معارضة للشرع، يعني يشترط في العادة أن تكون موافقة للشرع لا مخالفة له؛ لذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لو جرى في العادة محرم ومنكر فإنه لا يحتكم إليها.

    وهذه المسألة راجعة إلى الأصل الشرعي الذي قرره العلماء رحمهم الله، واستنبط من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن العادة محكمة، وهي إحدى القواعد الخمس التي قام عليها الفقه الإسلامي: الأمور بمقاصدها -اليقين لايزال بالشك- المشقة تجلب التيسير -الضرر يزال- العادة محكمة.

    فهذه العادة محكمة؛ أي: يحتكم إلى عادات المسلمين وأعرافهم، والمراد فيما لا نص فيه، أما الذي فيه نص فلا يلتفت فيه إلى العرف. فالعرف إنما يرجع إليه ويلتفت إليه في حالة عدم وجود النص، وبشرط عدم معارضته للنص، فلو جرت العادة-والعياذ بالله- بأمور مستقبحة أو مشينة لم يحتكم إليها.

    والسبب في هذا أن الله عز وجل نص في كتابه على الرجوع إلى العرف: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، وقال صلى الله عليه وسلم لـهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).

    والعلماء رحمهم الله اختلفوا في مسائل النفقات؛ كيف تقدر منها مسألة العسر واليسر ومقدار النفقة؟ أي: متى نحكم بكون القريب معسراً؟ ومتى نحكم بكونه موسراً؟ ومتى نحكم بكونه في حال وسط بين الإعسار واليسار؟

    من العلماء من قال: الرجوع إلى العرف، ومنهم من حد ضابطاً، وقال: ينظر إن كان دخله أكثر مما ينفق فهو موسر. وإن كان إنفاقه أكثر مما يدخل عليه فهو معسر. وإذا استوى الأمران فهو متوسط بين اليسار والإعسار.

    وهنا في مسألة إعطائه النفقة، أنه ينفق عليه بالمعروف، وسبق أن بينا هذا في نفقة الزوجة، وتقدير ذلك: أنه يصار إلى نفقة مثلها بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها.

    1.   

    الأسئلة

    حكم تكليف الأب ابنه فوق طاقته من النفقة

    السؤال: أنا أنفق على والدي وزوجتي، ومصدر دخلي قد لا يكفي، وأحياناً بل غالباً يأمرني والدي بأن أستدين من الناس. فهل أطيعه في هذا الأمر؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فالنفقة على الوالد سداد لحاجته، وقيام بما يكفيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله ما يكفيك). فجعل الأمر موقوفاً على الكفاية، وما زاد عن الكفاية فهو فضل وليس بفرض. فلو كان الوالد يحتاج مائة، فأعطاه ما زاد عن المائة فهو فضل من الولد على والده ليس بواجب عليه وليس بلازم، فإذا فعله فهو مأجور، والله يخلف عليه، وإذا لم يفعل واقتصر على قدر الكفاية؛ فقد أدى ما أوجب الله عليه.

    لكن إذا كان عند الابن قدرة ويساراً، فهنا اختلف العلماء: هل يأثم أو لا يأثم؟

    مثلاً: الوالد طلب منه ألف ريال فوق النفقة، والابن عنده قدرة، فهل هذا المستحب يصير واجباً بأمر الوالد؟

    بعض العلماء يقول: إذا امتنع مع قدرته على ذلك كان من العقوق، وهذا من جانب آخر لا من جانب الاستحقاق بالنفقة، ولا شك أن الابن لا يكلف فوق طاقته، حتى غير الابن.. فأي إنسان ينفق لا يكلف فوق طاقته، ولذلك قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] وذلك حينما بين أحكام النفقات في سورة الطلاق، فبين سبحانه وتعالى أنه لا يكلف إلا على قدر ما في وسع الإنسان من النفقة، وبناءً على هذا لا يكلف الابن فوق طاقته وفوق كفاية الوالد إذا كان ذلك يجحف به ويضر.

    أما إذا أمكن الابن أن يتفضل ويتجاسر -شريطة ألا يكون هناك من الوالد الإنفاق على المحرمات أو إسراف- فلا شك أنه لا يزال له من الله عون ومدد، وسيخلف الله عليه إن عاجلاً أو آجلاً.

    لو أن الوالد صادفته ضائقة في دين، وطلب من الابن أن يستدين من الناس، فنظر إلى مصاريف والده فوجدها مصاريف معقولة، وأنها في حاجة الوالد، ونفقة إخوانه وأخواته، فاحتسب عند الله عز وجل أن يفرج كرب والده، فوالله لن يخيب، وسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً.

    فأعظم طاعة بعد الإيمان بالله وتوحيده بر الوالدين، فلذلك قرنه الله ببره فقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] ألا ترى والداً ينفق على الإخوان والأخوات، وقد يستدين من أجل الإنفاق عليهم، فإذا نظرته ينفق نفقة معقولة، أو ممكن أن يسدد ديونه التي ترتبت على النفقة بالمعروف؛ فتقف معه، وتستعين بالله عز وجل فتؤدي عنه، والله لن تخيب إن فعلت، فهذا فضل عليك وليس بفرض، والله عز وجل يجزي المحسن على الإحسان، فما بالك إذا كان الإحسان على أحق الناس، وأولاهم بالإحسان؟!

    وأنت حينما تعطي الوالد؛ إيماناً بالله واحتساباً للأجر عند الله، فما الذي تنتظره عند ربك الذي لا يخلف الميعاد، وقال لك: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]!

    والإحسان أعلى مراتب العبادة. فاختار للعبد في بره لوالديه أجمل وأكمل المراتب، حتى إنه قال: ِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]، ما قال: أكثر عملاً، والإحسان- كما هو معلوم-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهو أعلى مقامات العبودية، فاختار الله هذا المصطلح الكريم الجليل العظيم في التعبير عن حق الوالدين؛ أي: أحسنوا في حق الوالدين إحساناً.

    فلا شك أنه إذا احتسب الولد وأنفق على والده أن الله سبحانه وتعالى لا يخيبه، لكن إذا كان الأمر يجحف بالابن ويضر به، ولربما يعرض حياته للضرر؛ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فليس للوالد على ولده إلا قدر الكفاية. والله تعالى أعلم.

    حكم النفقة على ذات الزوج المعسر من البنات

    السؤال: البنت المتزوجة إذا كان زوجها معسراً هل تجب نفقتها على أهليها؟

    الجواب: من حيث الأصل فإن نفقة الزوجة على زوجها، ولا يجب على الأب أن ينفق على البنت وهي في عصمة زوجها، وقد بينا أنه إذا كان الزوج معسراً فلها أن تصبر، أو تستمر، ولها حق الفسخ -على التفصيل الذي ذكرناه- فإذا اختارت الصبر؛ فحينئذ حقها عند زوجها، ولا يجب على أهلها نفقتها في حال كونها في عصمة الرجل؛ لأن هذا يؤدي إلى تعدد جهات الإنفاق.

    والأصل الشرعي: أنها في حق الزوجة جهة واحدة؛ وهي إنفاق الزوج على زوجته. والله أعلم.

    الإهلال بالإحرام لأهل مكة إن أتوا من خارجها

    السؤال: إذا كنت من سكان مكة، وذهبت لزيارة الوالدين خارج مكة، ثم رجعت في اليوم الثاني، فهل يجب علي الإحرام من الميقات؟ أم أهل بالحج من مكة؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: إذا دخلت أشهر الحج، وهو الميقات الزماني، وخرج من كان من أهل مكة إلى قريب أو بعيد؛ كأن سافر إلى المدينة وعنده نية الحج في ذلك العام؛ فإنه في هذه الحالة قد مر بميقات المدينة بعد دخول الميقات الزماني المعتبر، فيأتي بعمرة ويتمتع بها-إذا كان الزمان بعيداً عن الحج- إلى الحج.

    وأما إذا كان سافر إلى المدينة وليس عنده نية أن يحج، ومر بالميقات راجعاً إلى مكة، وليس عنده نية الحج في ذلك العام، ثم طرأت عليه النية بعد أن رجع إلى مكة، فيحرم من مكة، لأنه أنشأ النية من مكة، ثم يفصل في ذلك: إن طرأت عليه النية في أثناء الطريق، وجب عليه أن يحرم من مكانه، فيتمتع بعمرة، ثم يهل بالحج من عامه.

    والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام، من حديث ابن عباس في المواقيت: (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة). فهذا قد أتى إلى الميقات الأبعد -وهو ميقات المدينة- بعد دخول الميقات الزماني، وعنده نية للحج.

    لكن لو أنه سافر إلى المدينة في رمضان، وعنده نية أن يحج، ثم رجع إلى مكة قبل أن يدخل شهر شوال- الذي هو الميقات الزماني- لم يؤثر، لأنه ما دخل عليه الميقات الزماني، فلم يؤمر بالميقات الأبعد، ولم ينطبق عليه الإلزام بالإحرام من الميقات الأبعد. والله تعالى أعلم.

    حكم طواف القدوم لمن دخل مكة يوم التروية

    السؤال: من أراد الحج مفرداً من غير أهل مكة، هل عليه طواف القدوم إذا دخل مكة يوم التروية؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: بعض العلماء لا يرى وجوب طواف القدوم، والأصل عندهم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وأرضاه: أنه لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم النحر، فقال: (يا رسول الله! أقبلت من جبل طي أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا هذه، ووقف موقفنا هذا، وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه، وقضى تفثه).

    وكان عروة لم يأت إلى مكة ولم يطف بالبيت، كما هو ظاهر الحال في سؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن أهل العلم من قال: إن هذا يختص بمن ضاق عليه الوقت، وأما من اتسع له الوقت فيجب عليه أن يأتي ويطوف طواف القدوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف قدومه عند قدومه على مكة.

    وظاهر الحديث، يقتضي عدم وجوبه، لكن السنة أن يطوف بالبيت إن أمكنه. والله تعالى أعلم.

    حكم الأخذ من الشعر قبل السعي للرجل والمرأة

    السؤال: عن امرأتين طافتا ولم يسعيا، فما حكم عمرتهما؟

    الجواب: الواجب على المرأة والرجل أن يتما عمرتهما نويا العمرة أو الحج، فمن نوى العمرة من الرجال والنساء فالواجب عليه أن لا يتحلل، وأن لا يأخذ من الشعر إلا بعد أن يطوف بالبيت ويسعى، وبناءً على ذلك وقوع القص بالشعر أو التقصير يكون قبل السعي واقعاً في غير موقعه؛ فعليهم الفدية؛ لأنهم أخذوا من الشعر قبل تمام النسك. فيرجعون ويؤدون السعي، ثم بعد ذلك يفتدون.

    أما بالنسبة لركعتي الطواف؛ فهما سنة، وفعلهما بعد الطواف في داخل البيت سنة، على كل حال عليهم أن يصلوا ركعتي الطواف، وإذا أعادوا الطواف ثم سعوا بعده، جعلوا الطواف نافلة بناءً على قول من قال: لا يصح السعي إلا بعد طواف. هذا أفضل.

    وكونهم يأتون إلى التنعيم، هذا لا أصل له، وما له داع ولا موجب.

    فيجب عليهم الآن الذهاب إلى مكة ليعيدوا الطواف؛ لفوات الموالاة بين السعي والطواف، فقد كان المفروض أن يقع السعي بعد الطواف.

    فالأفضل له أن يطوف، ثم يسعى،ثم بعد ذلك يتحلل، وتجب عليهما الفدية إن كانوا قد تطيبوا. أما إن كانوا لم يتطيبوا ولم يكن هناك محظورات فعلوها؛ فهم إلى الآن محرمون، ويجب عليهم أن يذهبوا.

    وإن كانوا قد قصروا الشعر فهذا يوجب عليهم الفدية؛ لأنه لا يجوز أن يقصروا إلا بعد انتهاء السعي. والله أعلم.

    حكم تطييب البدن بعد الإحرام

    السؤال: هل يجوز التطيب في البدن فقط بعد ارتداء ملابس الإحرام؟

    الجواب: إذا دخل في النسك فلا يجوز له أن يتطيب؛ لأن الله تعالى حرم على المحرم أن يتطيب.

    وأجمع العلماء رحمهم الله على أن الطيب من محظورات الإحرام، قال صلى الله عليه وسلم: (إنزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب). فأمر المحرم أن لا يتطيب.

    في هذه الحالة: الواجب على المسلم أن لا يتطيب بعد إحرامه، فإن تطيب قبل الإحرام واغتسل أو اغتسل ثم تطيب قبل أن يدخل في النسك؛ فهذا لا بأس به، وهو في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل حرمه، ولحرمه قبل أن يطوف بالبيت). سواء وقع الطيب بعد الغسل أو قبل الغسل؛ فإن الصحيح أنه من السنة، ولا بأس به، وقد قالت أم المؤمنين عائشة : (كنت أرى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم).

    فهذا يدل على أنه لا بأس أن يكون على بدن المحرم الطيب، بشرط أن يكون قد وضعه قبل الدخول في النسك.

    وبعض الناس يرى أنه بمجرد اللبس قد دخل في النسك! وهذا ليس بصحيح، فإن التجرد عن المخيط ليس دخولاً في النسك، إنما يكون الدخول بالنية, وبناءً على ذلك فلا عبرة بلبسه، وإنما العبرة بدخوله في النسك.

    حكم العمرة بعد الحج

    هذه المسألة من حيث الأصل: السنة أن من أتى بعمرة قبل حجه، ثم حج وتمتع بها: أن يكتفي بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح، لما أرادت عائشة رضي الله عنها أن تأخذ عمرة بعد حجها، قال عليه الصلاة والسلام: (طوافك بالبيت، وسعيك بين الصفا والمروة كافيك لحجك وعمرتك).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم عتب عليها، وضيق عليها بعض الشيء، كأنها تأتي بعمرة بعد عمرتها، لكن إذا وجد لبعض الناس سبب؛ مثلاً: والده أو قريبه لم يعتمر، وأراد أن يأخذ العمرة عنه؛ فلا بأس أن يأتي بالعمرة بشرط أن تكون النية طرأت عليه في مكة، لا من الميقات الأبعد. والله تعالى أعلم.

    حكم ثوب الإحرام الذي فيه أزرار

    وبالنسبة لثوب الإحرام الذي فيه (طقطق) هذا ينصح الناس فيه، ولا يجوز لهم لبسه؛ لأنه في حكم المخيط. الإحرام الذي فيه أزارير يجب أن تزيلها، وتفكها، وتبقى مفتوحة، ولا يضر إن شاء الله. والله أعلم.

    حكم حج من اعتمر في أشهر الحج ثم نوى الحج

    السؤال: من أتى بعمرة في أشهر الحج، ثم نوى بعد ذلك الحج في العام نفسه، هل يلزمه التمتع، أم يخير؟

    الجواب: ليس هناك إلزام بنسك، فعن أم المؤمنين عائشة كما في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى الميقات قال: (من أراد منكم أن يهل بحج فليهل، ومن أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل).

    فالأصل في هذه الأنساك أنها تخييرية -أي: الأنساك الثلاثة- ومن أتى بأي واحد منها فلا حرج عليه ولا عذر، والخلاف بين العلماء رحمهم الله في الأفضل، وليس هناك إلزام بأحد هذه الأنساك. بل يبقى هذا النص على الأصل وأن المسلم مخير.

    وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بفسخ الحج بعمرة، وهو إيجاب فسخ الحج بعمرة على من لم يسق الهدي؛ فهذا كان في ذلك العام، ولذلك لم يلزم بها أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان مدة الخلافة الراشدة كلها، وفهم الصحابة ذلك وطبقوه، وهم أعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (متعتان لا تصلح إلا لنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: متعة النساء، ومتعة الحج). يعني إيجاب الفسخ، وليس مراده مطلق التمتع بالحج، يعني أن إيجاب الفسخ كان في ذلك العام هدماً لعقيدة الجاهلية الذين كانوا لا يجيزون العمرة في أشهر الحج، وكانوا يقولون كما في الصحيح عن ابن عباس: (إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر)، فكانوا يرونها من الفجور.

    ولذلك قالوا: (يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: لا؛ للأبد، للأبد). صلوات الله وسلامه عليه. وقال: (دخلت العمرة في الحج). أي: أنه يجوز لك إيقاع العمرة في أشهر الحج إلى الأبد، لا ما كان يعتقده أهل الجاهلية من تحريم إيقاع العمرة حتى ينسلخ صفر، فذاك من أدران الجاهلية، ومما اختلقه أصحاب الجاهلية من المسائل المحدثة وألصقوها بالحنيفية وهي منها براء.. فردها عليه الصلاة والسلام, ورد الأمر إلى أصله؛ من أنه يجوز الاعتمار في أشهر الحج، ولذلك وقعت عمرته عليه الصلاة والسلام في أشهر الحج؛ كعمرة الجعرانة حينما وقعت في ذي القعدة لما انتهى عليه الصلاة والسلام من قسم الغنائم بعد فتحه للطائف؛ صلوات الله وسلامه عليه. والله تعالى أعلم.

    حكم صيام أيام عشر ذي الحجة

    السؤال: هل يعتبر صيام عشر ذي الحجة من السنة؟

    الجواب: صيام عشر من ذي الحجة ما عدا يوم النحر لا بأس به ولا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع بشيء من ذلك).

    فهذا يدل على أنه يشرع فعل الطاعات، وأنه لا بأس بصيامها؛ سواء صام التسع كاملة أو صام بعضها، فلا حرج في ذلك ولا بأس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يُفعَل الشيء ويتركه، وقد شرع ذلك للأمة بقوله: (ما من أيام العمل الصالح فيهن...) وبناءً على ذلك يبقى هذا النص القولي على عمومه، ولم يأت ما ينقضه، فيبقى صيامها مستحباً على الأصل. والله أعلم.

    أما يوم النحر: ففيه حديث عمر في الصحيحين: (أنه عليه الصلاة والسلام خطب ونهى عن صوم يومي النحر والفطر)، فلا يجوز الصيام في هذين اليومين؛لأنهما يوما عيد الإسلام، والصيام فيهما إعراض عن ضيافة الله عز وجل، فلا يجوز صيامهما بإجماع العلماء. والله تعالى أعلم.

    حكم الدم إن أصاب الثوب

    السؤال: هل دم الإنسان إذا أصاب الثوب يجب غسله؟ أو أن الشرع حدد المقدار الذي يجب غسله؟

    الجواب: جمهور العلماء على أن الدم المسفوح نجس؛ لقوله تعالى: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (اغسلي عنك الدم، ثم اغتسلي وصلي)، فهذا أصل عندهم في أن الدماء نجسة.

    وقال بعض العلماء: إنها طاهرة؛ لحديث الشعب، ولصلاة عمر رضي الله عنه وجرحه ينزف، وقد أجيب عن حديث الشعب؛ بأنه من النزيف الذي لا يرقأ، لأنه أصيب بالسهم، والسهم غالباً ينزف، والنزيف لا يرقأ، ولذلك محل الخلاف لا يستقيم به الاستدلال، وكذلك عمر رضي الله عنه، لأن جرحه استنزفه إلى الموت، ولذلك قالوا: لو رعف الإنسان -مع قولهم بالنجاسة- أو المرأة المستحاضة يستثقل معها الدم، فهذا من العفو؛ لأنه لا يمكنها إيقافه، فالاستدلال بهذا الحديث فيه نظر من هذا الوجه، كما ذكر جمهور العلماء رحمهم الله والصحيح: أنه نجس، وحكمه حكم النجس؛ يجب غسل الدم، لكن الدم على حالتين:

    الحالة الأولى: أن يكون يسيراً.

    والحالة الثانية: أن يكون كثيراً، وهو الذي يسميه بعض العلماء: متفاحشاً.

    واختلف العلماء رحمهم الله في التفريق بين اليسير والكثير، أو الكثير والمتفاحش، فمنهم من يقول: إذا بلغ قدر الدرهم فهو يسير، وإن كان أكثر من الدرهم فهو كثير يجب غسله.

    ومنهم من قال: إن الكثير والقليل يفرق بينهما بما لا يتفاحش في النفس؛ يعني إذا رآه كثيراً حكم بكونه كثيراً، وإذا رآه قليلاً حكم بكونه قليلاً. والأول أقوى، لكن يوجد حديث ضعيف، وهو حديث الدرهم البغلي، لكن حكي الإجماع على أن قدر الدرهم من العفو، ولذلك يستدل بعض العلماء على أنه يصح من جهة العفو، ويؤخذ بهذا الأمر المتفق عليه؛ وهو أشبه.

    وقدر الدرهم تقريباً: قدر الهللة القديمة الصفراء؛ فإنها تقارب الدرهم كما حرره بعض مشايخنا رحمة الله عليهم، فإذا كان مجموع الدم مقدار ذلك فهو من العفو فما دون، ولذلك عصر عبد الله بن عمر بثراً في صلاته ولم يقطعها؛ لأنها من اليسير، وهذا من حيث الأصل-أعني اشتراط أن يكون كثيراً- ودليله ظاهر آية الأنعام؛ فإن الله تعالى يقول: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، فجعل الحكم بالنجاسة مبنياً على كونه مسفوحاً، والمسفوح في لغة العرب: الكثير.

    ففرق الله بين القليل والكثير، ولذلك ذهب جماهير السلف والخلف إلى هذا التفريق، على ظاهر النص في قوله: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام:145]. والله تعالى أعلم.

    حكم معارضة الوالد إن أراد غير المعروف

    السؤال: أبي يريد أن يزوج أختي بشاب لا يصلي، وأنا معارض لهذا الأمر، فهل أكون عاقاً، وكيف أنصح والدي؟

    الجواب: هذا من طاعة الله عز وجل، والسمع والطاعة الأصل أن تكون بالمعروف لا بالمنكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما السمع والطاعة بالمعروف). فسماعك لأمر والدك وامتثالك له إنما هو مقيد بالمعروف الذي أقره الله عز وجل، أما إذا كان بالمنكر فلك أن تنكره وترده عليه، فالحق معك، ولا يزال معك من الله معين وظهير.

    كيف تزوجها من رجل لا يصلي قد قطع صلته بالله عز وجل، خسر الدنيا والآخرة؛ ذلك هو الخسران المبين، ففي هذه الحالة من حقك أن تعترض، ومن حقك أن تبين للوالد، وتحاول بالتي هي أحسن أن تؤثر عليه، وأن تستعين بالأشخاص الذين يؤثرون عليه إذا لم تستطع بنفسك، وتوصي الأخت أن لا تقبل مثل هذا زوجاً لها؛ بل تمتنع وتصر على عدم القبول، وهي مثابة على إصرارها على هذا الحق.

    فلا بارك الله بزوج لا يصلي؛ إنه منزوع البركة، مشئوم على من يتزوجه؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والكفر ترك الصلاة). فحرمان الخير-والعياذ بالله- موقوف على ترك الأمور التي فرض الله عز وجل، والتي أعظمها عماد الدين بعد الشهادتين.

    فمثل هذا لا يزوج، وحري به أن لا يكرم بالتزويج، ونسأل الله أن يهدي والدك إلى سماع الحق وقبوله، وأن يختار لأختك ولبنات المسلمين من فيه الخير والصلاح.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756324546