إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الفوات والإحصار [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • استكمل الشيخ حفظه الله ما بقي من أحكام الفوات والإحصار، فذكر أحكام المحصر بمرض أو ما في حكمه من المسائل المعاصرة، ثم ذكر أحكام المحصر بذهاب نفقته، وختم حديثه ببيان مسألة الاشتراط في النسك.

    1.   

    حكم المحصر عن الحج والعمرة بمرض وما في حكمه

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أحصره مرض].

    ذكر المصنف رحمه الله مسائل الفوات والإحصار؛ فبين حكم من فاته الحج، وحكم من أحصر عن الوصول إلى البيت؛ سواء كان الإحصار في الحج أو العمرة، ولما فرغ رحمه الله من بيان أحكام المحصر شرع في بيان من أصابه المرض، وكان عليه شديداً؛ بحيث لا يستطيع أن يصل إلى البيت فيدرك الحج أو يأتي بالعمرة أثناء المرض، فهل يجوز له أن يتحلل مباشرة، فيكون حكمه حكم المحصر -كما تقدم- أم أنه ينتظر حتى يبرأ من مرضه أو يقوى على المسير إلى البيت فيؤدي نسك الحج إن أدركه وإلا تحلل بعمرة؟

    وقد كثر في هذا الزمان وجود الحوادث التي تقع في الطريق، وهي في حكم المرض؛ فلو أن إنساناً أراد الحج ثم حصل له حادث في الطريق، فأصابه كسر أو مرض في جسده، فلم يستطع أن يخرج، أو كان تحت عناية في علاجه، بحيث يقرر الأطباء أنه لا يخرج قبل الحج، أو أنه لا يمكنه أن يقوم بمناسك الحج حتى فات وقت الحج، فما حكمه؟

    قال رحمه الله: [يبقى محرماً] أي: أن من أصابه المرض فلا يحكم بكونه محصراً، وإنما يبقى بإحرامه حتى يبرأ من المرض؛ فإذا برئ من المرض فلا يخلو من حالتين:

    الحالة الأولى: أن يكون شفاؤه وبرؤه قبل الوقوف بعرفة؛ بحيث يمكنه أن يذهب ويتم مناسك حجه، فالحكم حينئذٍ: أن يمضي ويتم مناسك الحج.

    الحالة الثانية: إذا كان برؤه وشفاؤه بعد فوات الوقوف بعرفة؛ فإنه يتحلل بعمرة، ثم يلزمه الهدي، ويكون هذا الهدي بسبب فوات الحج، ثم يأتي بحجة من العام القادم؛ سواء كانت حجته لفرض أو لنافلة.

    والعمرة التي يأتي بها يقصد منها أن يتحلل من نسك الحج؛ وذلك لأن الحج قد فاته، فيتحلل منه بعمرة، ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر من فاته الحج أن يتحلل منه بعمرة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يفسخوا حجهم بعمرة.

    ثم عليه أن يهدي لفوات الحج، وعليه كذلك الحج من قابل؛ فهو في حكم من كان معذوراً بالمرض وفاته الحج لعذر آخر.

    وكان من الأعذار المشهورة قديماً: أن يظن الحاج أن الوقوف بعرفة يوم السبت، ويكون الوقوف يوم الجمعة، فيأتي إلى عرفة يوم السبت وقد فرغ الناس من الوقوف، ولا يمكنه أن يدرك الوقوف، فحينئذٍ يكون في حكم المريض، فيمضي إلى البيت ويطوف ويسعى ويتحلل بعمرة، ثم عليه الهدي والحج من قابل.

    وفي حكمه أيضاً: من نام عن الوقوف بعرفة؛ كرجل مشى إلى عرفات، ثم قبل أن يصل إليها وبسبب الإجهاد والتعب أراد أن ينام، فنام حتى ذهب وقت الوقوف، ولم يمكنه إدراكه، فحينئذٍ يكون حكمه حكم المريض أيضاً، فيبقى محرماً، ثم يمضي إلى البيت ويأتي بعمرة كاملة يتحلل بها من الحج؛ لأن الحج قد فاته، وقد قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك لما جاءه هبار بن الأسود فقال: يا أمير المؤمنين! إني كنت أظن أن اليوم يوم عرفة -وكان اليوم الذي جاء فيه يوم النحر- فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ابق كما أنت -أي: بإحرامك- ثم ائت البيت وطف واسع، وتحلل بعمرة، ثم اهد وعليك الحج من قابل).

    قال العلماء: في هذا دليل على أنه لما أحرم بالحج فإنه يفسخ هذا الحج بالعمرة؛ لأنه لا يمكنه أن يصبر إلى السنة القادمة وهو محرم، فلو أن إنساناً أحرم بحج، ومرض أو أصابه عذر ولم يمكنه أن يدرك عرفة، فقلنا له: ابق بإحرامك إلى العام القادم؛ فإن هذا فيه حرج ومشقة عظيمة؛ لأنه سيبقى مجتنباً لمحظورات الإحرام وممتنعاً عنها شأنه شأن المحرم، فلذلك خفف الله عز وجل عن عباده.

    ومضت الفتوى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بأنه يتحلل بعمرة، وهذه الفتوى لها أصل شرعي؛ فمن فقه أمير المؤمنين -الذي أمرنا باتباع سنته- أنه انتزع هذه الفتوى من فسخ النبي صلى الله عليه وسلم حج أصحابه بعمرة، فأمر من لم يسق الهدي أن يتحلل بعمرة، ولذلك قالوا: ينصرف من حجه إلى عمرته؛ كأنه فسخ، لا أنه حقيقة قد فسخ حجه بعمرة، بدليل لزوم القضاء عليه من قابل.

    وقوله رحمه الله: (ومن أحصر بمرض)، هذا القول الذي اختاره المصنف هو مذهب جمهور العلماء، وهذا المذهب يقوم على أن المرض لا يعتبر الإنسان فيه محصراً، ولذلك قال رحمه الله: (بقي محرماً)، ولكن الإمام أبا حنيفة رحمه الله قال: إن من أحصر بالمرض فحكمه حكم المحصر. وحينئذٍ فحكم المحصر بالمرض: أن يتحلل في مكانه، ويهدي إن كان معه الهدي، وإذا لم يكن معه الهدي صام، ثم يكون حكمه حكم من أحصر بالعدو ونحوه كما تقدم تفصيله.

    وقال الجمهور: إن الإحصار يتقيد بالحصر بالعدو -كما تقدم- لقوله تعالى: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] ، فجعل الله سبحانه وتعالى الأمن مرتباً على الحصر؛ فدل على أن الإحصار ليس مطلقاً، وإنما هو مختص بالحصر بالعدو، على التفصيل الذي تقدم بيانه.

    وقوله: (بقي محرماً) فإذا كان الشخص قد أصيب بمرض، ثم انتهى به هذا المرض إلى الموت؛ فإنه يكون محرماً عند الجمهور، وحكمه حكم المحرم عندهم، كما يحدث -نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم ولجميع المسلمين- في مسألة موت الدماغ، كأن ينقلب مثلاً في حادث، أو تأتيه ضربة في رأسه، ويصبح في عداد الموتى، ثم ينتهي به الأمر إلى الموت، أو يصاب بمرض يؤدي به إلى الوفاة، فللعلماء رحمهم الله تفصيل في هذا:

    فمنهم من قال: إن المريض يعتبر في حكم المحصر، فحينئذٍ لا إشكال في أنه يأخذ حكم المحصر ويتحلل، أما إذا قلنا: إن المريض لا يأخذ حكم المحصر، وإنما يبقى بإحرامه، ونحكم بكونه محرماً، فإنه إذا مات يعامل معاملة الميت الذي وقصته دابته، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عباس ، فيغسل ويكفن ولا يطيب، ويأخذ حكم المحرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تغطوا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، فيأخذ حكم المحرم.

    ومنهم من قال: إذا أصيب بمرض ينتهي به إلى الوفاة، وتوفي بعد الوقوف بعرفة؛ فحينئذٍ إذا تأملت حاله، وجدت أن الحج قد فاته، فبعض العلماء يرى أن عليه دم الفوات في هذه الحالة.

    وقال بعض العلماء: لا يجب عليه شيء، وإنما يغسل ويكفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه)، ثم لم يأمر أهله بإتمام الحج عنه ولا بقضائه، وإنما أعطاه حكماً خاصاً، فمن هنا استثنوه من الأصل الذي ذكرناه.

    1.   

    حكم المحصر بذهاب نفقته

    قال رحمه الله: [أو ذهاب نفقة].

    هذا نوع آخر من أنواع الحصر، وذهاب النفقة يأتي على صور:

    منها: أن يسرق ماله، أو تذهب نفقته، بمعنى: أن يكون ظنه أن الحج يكفي له ألف ريال، ثم طرأت له أمور تستلزم منه النفقة، فأنفق حتى ذهبت نفقته قبل أن يصل إلى مكة وقبل أن يقف بعرفة.

    مثال ذلك: لو أن إنساناً عادته أن يكفيه لحجه ألف ريال، فلما مضى في طريقه تعطلت سيارته واحتاج أن ينفق عليها، فأنفق ثلاثة أرباع النفقة أو جلها لإصلاح سيارته من أجل أن يصل عليها، ولكنه لم يتيسر له ذلك، فهذا الذي ذهبت نفقته فيه تفصيل:

    إن كان قادراً مليئاً في بلده وأمكنه أن يستدين ويتم حجه، لزمه ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن الله قد أوجب عليه إتمام الحج، فقال سبحانه: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ، فلما ألزمه الله بإتمام الحج وأمكنه أن يتم الحج دون حرج عليه وذلك بالاستدانة؛ فإنه يتم حجه ويستدين، قال بعض العلماء: بشرط أن لا يقع في حرج ومهانة ومذلة لا تليق بمثله. وأما إذا كان هذا الشخص لا يجد المال، وأمكنه أن يمشي على قدميه حتى يبلغ مكة، فقال بعض العلماء: إن الراجل يجب عليه الحج كما يجب على الراكب، بشرط أن يطيق المشي؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا [الحج:27]، فذكر الراجل فيمن يأتي بالحج، وقوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] على سبيل الوجوب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)، فهذا الذي فرضه الله من إتيان بيته والحج إليه قال الله فيه: (رجالاً)، فقدم الراجل على الراكب، قالوا: فإن أطاق المشي، ولم يكن فيه حرج؛ فإنه يلزمه أن يمضي ويتم الحج، أما لو لم يستطع المشي، ولم يمكنه أن يستدين؛ فإنه يبقى بإحرامه، فإذا تيسر له من ينجده ويتفضل عليه، وأمكنه أن يذهب ويدرك الحج، فلا إشكال في ذلك، وأما إذا حبس ولم يمكنه أن يدرك الحج حتى ذهب يوم عرفة، فحينئذٍ يبقى بإحرامه حتى لو رجع إلى بلده ليأخذ النفقة ثم يأتي بعمرة يتحلل بها من حجه، وحكمه حكم من فاته الحج.

    إذاً: من ذهبت عنه النفقة يفصل فيه بهذا التفصيل: إما أن يمكنه أن يستدين ولا يقع في حرج، وذلك بأن يستطيع سداد ذلك الدين دون حصول الحرج عليه فيلزمه ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإما أن لا يمكنه أن يستدين، ويمكنه أن يمشي ويطيق المشي ويدرك بمشيه الحج؛ فيلزمه المشي إلى مكة وإتيان المشاعر، وإما أن لا يمكنه المشي ولا يمكنه الاستدانة، ولا يتيسر له أحد يأخذه معه حتى فاته الحج؛ فإنه يبقى محرماً، حتى ولو عاد إلى بلده لكي يأخذ النفقة التي يبلغ بها، ثم يتحلل بعمرة، وعليه الدم والحج من قابل.

    1.   

    الاشتراط في الحج والعمرة

    قال رحمه الله: [بقي محرماً إن لم يكن اشترط].

    الاشتراط في الحج سبق بيانه، وأنه قد ثبت به الدليل في حديث ضباعة رضي الله عنها وأرضاها حين قالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج وأنا شاكية -أي: مريضة؛ لأن المريض يشتكي ما به؛ أي: يغالبه- فقال صلى الله عليه وسلم: أهلي -أي: ادخلي في النسك- واشترطي: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما اشترطت) ، قال العلماء: في هذا دليل على مسائل:

    المسألة الأولى: أنه يشرع الاشتراط في الحج إذا كان الإنسان مريضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها به.

    المسألة الثانية: أن العمرة تأخذ حكم الحج؛ لأن العمرة هي الحج الأصغر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها بذلك، ومن المعلوم أن الحج قد يكون تمتعاً وقد يكون قراناً، فدل على استواء الحكم في الحج والعمرة، وليس هذا من خصوصيات الحج.

    المسألة الثالثة: أن المرأة -وهي ضباعة - كانت مريضة، فقال بعض العلماء: يختص الحكم بمن كان مريضاً قبل الحج، كأنْ لما أصيب بالمرض وألزم نفسه بالحج، تحمل المشقة؛ فخفف عنه الشرع؛ لأنه التزم بما لا يلزمه، ولذلك قالوا: خفف عنه من هذا الوجه.

    وقال بعض العلماء: الحكم عام، سواء كان به المرض، أو خاف المرض، أو لم يكن به مرض لكن اشترط هكذا وهو صحيح، وهذا لا يخلو من نظر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتى ضباعة بهذا وهي بالمدينة قبل أن تهلّ، ثم لما بلغ الميقات لم يأمر الصحابة أن يشترطوا ولم يشترط في إحرامه، فدل ذلك على أن هذا الحكم يكون في حق من كان في حكم ضباعة وصورته صورة ضباعة ؛ لأن القاعدة في الأصول: أن ما خرج عن الأصل يتقيد بصورة النص. وعلى هذا فلو اشترط أن محله حيث حبس، فإنه لا يخلو من أحوال ذكرها العلماء رحمهم الله:

    فتارة يشترط إن حبسه الحابس أن يهدي ويتحلل، فيلزم نفسه الإهداء، ويكون في حكم المحصر؛ فإن كان قد ألزم نفسه أن تحلله يكون بالهدي؛ فحينئذٍ يتحلل بهديه، كما اختاره جمع من العلماء، وهو مذهب الشافعية وبعض أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لك على ربك ما اشترطت) ، وقد اشترط على نفسه أن يتحلل بالدم كالمحصر؛ وذلك لطلب الفضيلة والأجر، وتشبهاً بالمحصر، فقالوا: لا بأس، وحينئذٍ يكون تحلله بالخروج من النسك مباشرة، ويلزمه أن يهدي؛ لأنه التزم ذلك، فكان في حكم من نذر.

    أما لو أنه قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، دون أن يقيد؛ فإنه يتحلل بمجرد أن يصعب عليه المرض ويشق عليه الذهاب، وليس له التحلل بمجرد المرض، وذلك أنه قيد نفسه فقال: إن حسبني حابس، فقال العلماء: يتقيد هذا بأن يكون المرض شديداً بحيث لا يمكنه أن يتم، أما لو كان المرض خفيفاً ويمكنه الإتمام، فإنه ليس بحابس ذي بال؛ لأن ضباعة رضي الله عنها أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط إذا ضاق عليها الأمر، وهذا يفهم منه: أنها لا تحتبس إلا إذا اشتد عليها المرض وضاق بها الحال.

    والاشتراط لا يخلو من ثلاثة أحوال:

    إما أن يشترط قبل أن يهل، وإما أن يشترط مقارناً لإهلاله، وإما أن يشترط بعد إهلاله.

    الحالة الأولى: إن وقع الشرط قبل الإهلال، وكان الفاصل مؤثراً، سقط اعتباره. مثال ذلك: لو أنه خرج من المدينة إلى ميقات ذي الحليفة، وبين المدينة وبين الميقات ما لا يقل عن عشرة كيلو مترات، فقال في المدينة: أشترط إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني الحابس -وهو مريض- ثم مضى وانقطع بوجود الفاصل المؤثر من المسافة والزمن، ثم بعد ذلك لبى بحجه أو بعمرته، فإن هذا الفاصل مؤثر، ويسقط الاشتراط الأول ما لم يكن قد اشترط أثناء الإحرام، فلا بد في الاشتراط أن يكون مصاحباً للإحرام أو قريباً منه.

    الحالة الثانية: أن يصحب الاشتراط الإحرام، وذلك بأن يقول: لبيك حجاً أو لبيك عمرة، ثم يشترط، فحينئذٍ لا إشكال فيه، وهو صورة النص، كما جاء في رواية أبي داود وغيره من أصحاب السنن، وفيه ذكر التلبية مع الاشتراط، وهذا بالإجماع عند من يقول باعتبار الاشتراط، وهم الشافعية والحنابلة، يقولون: إنه مؤثر.

    الحالة الثالثة: أن يهل ويدخل في النسك، وبعد تمام الإهلال يشترط، فحينئذٍ يلغى اشتراطه، ويلزم بما يلزم به من أهلّ بدون اشتراط.

    وقوله: (إلا أن يكون قد اشتراط)، فالمشترط يتحلل مباشرة ولا يلزمه دم، وليس عليه شيء إذا ضاق به المرض وأضرّ به.

    1.   

    الأسئلة

    حكم المغمى عليه إذا أحضر إلى عرفة ولم يفق إلا بعد الوقوف

    السؤال: امرأة أغمي عليها إلى ما بعد الوقوف بعرفة، إلا أن أهلها حملوها وهي مغمىً عليها إلى عرفة، وبعدما أفاقت أكملت شعائر حجها، فهل حجها صحيح، أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة تنبني على مسألة: هل المغمى عليه مكلف، أو غير مكلف؟

    فبعض العلماء يرى أن المغمى عليه كالنائم، وفي هذه الحالة لا يسقط عنه التكليف إلا في ضمانات النائم ووجود الإخلالات بالتروكات، أما مسألة صحة العبادة واعتبار العبادة فيرون أنها تأخذ حكم المكلف ولا تأخذ حكم المجنون.

    وقال بعض العلماء: الإغماء كالجنون؛ والسبب في هذا: أن المغمى عليه فيه شبه من الجنون، وشبه من النوم.

    فإذا شبه بالمجنون فإن هذا يوجب فساد الحج عند من يقول: إن المجنون لا يصح حجه. وأما إذا شبه بالنائم فإنه يصح حجه خاصة على القول الذي لا يرى النية للوقوف، وإنما يرى أن الركن يتحقق بوجود الجسد حتى ولو كان الإنسان نائماً، فقالوا: لو حمل وهو نائم أو مغمى عليه، فهي مسألة فيها الخلاف على هذا الوجه، وأنا كثيراً ما أتوقف في مسائل الإغماء؛ سواء من جهة العبادة وقضاء الصلوات إذا أغمي عليه شهوراً أو سنوات، ولكنني أقول: إن القول بالإجزاء من القوة بمكان، وأتوقف عن الترجيح. والله تعالى أعلم.

    الحكم فيما إذا حاضت المرأة قبل التحلل من العمرة

    السؤال: قمت بأداء عمرة عن أبي رحمه الله، وبعد الانتهاء منها نسيت أن أتحلل من إحرامي، وبعد عدة ساعات جاءني الحيض، وفي خلال هذه الساعات حدث مني بعض المحظورات، كل هذا وأنا ناسية أني محرمة، ولم أتذكر إلا بعد مجيء الحيض، فهل عليَّ دم، أم ماذا أفعل، أثابكم الله؟

    الجواب: أما بالنسبة لاعتمارك وأدائك النسك عن والدك فأسأل الله أن يثيبك عليه؛ لأن هذا من البر، وإذا توفي الوالد أو الوالدة ولم يحجا ولم يعتمرا وحج عنهما الولد، فهذا من أبلغ البر وأحسنه، فأسأل الله أن يحسن إليك كما أحسنت إلى والدك بهذا البر.

    أما المسألة الثانية: وهي وقوع الدم بعد انتهاء العمرة وقبل التحلل؛ فإن العمرة صحيحة، ولا يضر ورود الدم بعد الطواف، فإذا ورد الدم على المرأة بعد تمام طوافها فإنه لا يؤثر، حتى ولو كان أثناء السعي؛ لأن السعي لا تشترط له الطهارة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين لما حاضت: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت)، فحظر عليها الطواف بالبيت، ومن هنا إذا وقع حيضها بعد تمام الطواف بالبيت صحت عمرتها وأجزأتها.

    وأما بالنسبة لوقوع المحظورات نسياناً؛ فلا تخلو المحظورات من حالتين:

    الحالة الأولى: أن تكون محظورات يمكن التدارك فيها؛ كالطيب، فإنه يمكن غسله، وتغطيه الوجه في غير وجود الأجانب، فإنه يمكن إزالته -إزالة الغطاء- فهذه المحظورات التي يمكن تلافيها لا شيء عليك بالنسيان إذا أزلتِ المحظور عند الذكر.

    الحالة الثانية: إذا كان المحظور مما لا يمكن التدارك فيه؛ كتقليم الأظفار، وقص الشعر؛ فإنه تلزم فيه الفدية، فالعمد فيه والنسيان سواء، إلا أن النسيان يسقط الإثم دون العمد، فتلزمك فيه الكفارة أو الفدية، وعليه فينظر في هذا المحظور الذي وقع منك قبل التحلل.

    وأما بالنسبة لتحللك بعد فهو تحلل صحيح؛ لكن من أهل العلم من يشترط في التحلل وقوعه في الحرم، فإذا حصل التحلل خارجاً عن حرم مكة فإنه يرى فيه الدم؛ لفوات التوقيت المعتبر من الشرع، كما هو قول طائفة من أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. والله تعالى أعلم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756372329