إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب زكاة عروض التجارةللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عروض التجارة من الأموال التي أمرنا بإخراج الزكاة فيها، والعروض هي ما يملكه الإنسان بنية التجارة، وأما ما ملكه بنية الاقتناء فلا يدخل في ذلك. فمن ملك مالاً بنية التجارة وحال عليه الحول وبلغ النصاب وجب عليه إخراج زكاته، وينبغي عليه أن يقوِّمه عند إخراجه بالأحظ للفقراء والمساكين وألا يظلمهم حقهم.

    1.   

    زكاة عروض التجارة ومشروعيتها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [باب زكاة العروض].

    العروض: جمع عرض، والعرض: هو المتاع، ومراده رحمه الله أن يبين حكم زكاة التجارة، وهي الأموال التي يعرضها الإنسان بقصد المتاجرة فيها، وذلك أن ما عند الإنسان منه ما يكون للقنية كسيارته وأثاث بيته ونحو ذلك، ومنه ما يكون معروضاً للبيع والمتاجرة.

    والأصل في وجوب الزكاة في عروض التجارة عموم قوله سبحانه وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] ، ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى لم يفرِّق بين مال وآخر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الزكاة من المال، وعروض التجارة مال، فالأصل وجوب الزكاة فيها، حتى يدل الدليل على الإسقاط.

    أما الدليل الثاني: فقوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] ، قال مجاهد -وهو تلميذ عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن- في تفسيرها: إنها عروض التجارة، وأشار إلى ذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، ففسر الآية: بأن المراد بها عروض التجارة، ولا شك أن مجاهداً رحمة الله عليه كان يأخذ التفسير من عبد الله بن عباس ، وكان يستوقفه عند كل آية، يسأله عن حلالها وحرامها وما فيها من أحكام، فمثل هذا الغالب أنه أخذه عن ابن عباس رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس مكانته عالية في التفسير والتأويل؛ وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فهو معلَّم ملهم رضي الله عنه وأرضاه، وعلى هذا قالوا بوجوب الزكاة في عروض التجارة، وبذلك قال جماهير العلماء رحمة الله عليهم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وكان يقول به فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيَّب وخارجة بن زيد والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وغيرهم من فقهاء المدينة السبعة، ولا يشتهر هذا القول في المدينة غالباً إلا وله أصل عن الصحابة، ولذلك قال العلماء: القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة هو الأصل، حتى يدل الدليل على الإسقاط.

    قال رحمه الله: (باب زكاة العروض) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بزكاة عروض التجارة.

    1.   

    شروط وجوب زكاة عروض التجارة

    قال المصنف رحمه الله: [إذا ملكها بفعله بنية التجارة وبلغت قيمتها نصاباً زكّى قيمتها].

    (إذا ملكها بفعله) أي: بفعل المكلف، كأن يشتري عروضاً من أغذية أو أكسية أو دواب -كالسيارات الموجودة الآن فهي حكم الدواب- فيملكها بفعله، أي: يشتريها، فلا تأتيه عن طريق الإرث، وتدخل عليه بغير محض الفعل، فاشترط العلماء رحمهم الله: أن يكون مالكاً لها بالفعل، أي: أنه أدخلها إلى ملكه قاصداً التجارة بها.

    حولان الحول من حين نية التجارة

    قوله: (بنية التجارة) أي: لا بد في زكاة العروض من وجود نية التجارة، فالعبرة في حول زكاة العروض بالنية، فمتى ما نوى المتاجرة بهذا المال، فإنه يبتدئ الحول من هذه النية، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات) ، ولا شك أن الزكاة داخلة في هذا العموم، فلا يُحكم بوجوب الزكاة على إنسان في مالٍ على أنه من عرض التجارة حتى ينوي المتاجرة به؛ فإن المال حينئذٍ صدُق عليه أنه معروضٌ للتجارة.

    ولكن لو كانت نيته القنية، أي: أنه تملكه للقنية، أو للارتفاق به، فهذا ليس من عروض التجارة، ولا يدخل في هذه النية كون الإنسان عنده بيت أو عنده سيارة، وينوي في قرارة قلبه أنه إذا احتاج إلى بيعها أنه يبيعها، فإن هذه النية مترددة، ولا توجب الحكم بوجوب زكاة عروض التجارة؛ فالإنسان من حيث هو لو أصابته فاقة أو حاجة، فسيبيع ما يملك، فهذه النية عارضة ولا تؤثر، ولا بد من وجود النية المستقرة التي يقصد منها المتاجرة، سواء كان ذلك في العقارات أو المنقولات، والمنقولات كالأغذية، فلو اشترى مائة كيس من طعام، ونوى أن يتاجر بها، فإنها من عروض التجارة، وكذلك العقارات، فلو اشترى أرضاً أو اشترى داراً أو عمارةً، وقصد منها أن يربح بها الأكثر، فحينئذٍ تعتبر هذه الأرض وهذه العمارة من عروض التجارة، وزكاتها زكاة عروض التجارة.

    بلوغ النصاب

    قوله رحمه الله: (وبلغت قيمتها نصاباً زكى قيمتها).

    هذا الشرط الثاني: أن تكون قد بلغت النصاب بالفضة، وهو -كما ذكرنا- ثلاثٌ وخمسون ريالاً، فإذا بلغت هذا القدر وعرضها للتجارة، فإنه لا بد من حولان الحول على هذه النية، فلو باعها قبل حولان الحول فلا زكاة فيها، مثلاً: لو عرض غذاءً أو كساءً كالأقمشة، لمدة ستة أشهر بنية التجارة، ثم بيعت أثناءها، واستُنفدت قيمتها، فهذه لا زكاة فيها، فلا بد في عروض التجارة أن يمر عليها حولاً كاملاً، ويستوي في ذلك أن تكون العين بنفسها أو ما قام مقامها مما تولد من أصلها، وذلك كأن يدخل للتجارة بمائة ألف ريال، فيشتري بها عشر سيارات ليتاجر بها، يشتري واحدة ويبيعها ثم يشتري أخرى ثم يبيعها، وهكذا فحينئذٍ الحول حول رأس المال، فهو متاجرٌ بالمائة ألف، فإذا حال الحول، وبقي من المائة ألف ما يساوي قدر النصاب وجب عليه زكاة ذلك القدر الباقي.

    قال المصنف رحمه الله: [فإن ملكها بإرث أو بفعله بغير نية التجارة ثم نواها لم تصر لها].

    كما ذكرنا؛ لأن الأصل في أموال التجارة أن تكون متأصِّلة أو متمحضة النية بالتجارة؛ فلو أنها دخلت عليه بهبة أو بإرث، فلا تعتبر من عروض التجارة بالنية.

    1.   

    الاعتبار في تقدير الزكاة عند الحول

    [وتُقوَّم عند الحول بالأحظ للفقراء من عين أو ورِق].

    (وتقوّم) أي: عروض التجارة.

    من المعلوم أن عروض التجارة في الغالب -سواء كانت من العقارات أو المنقولات- تحتاج إلى معرفة القيمة، فهناك قيمتان: القيمة الأولى: التي اشتريت بها، والقيمة الثانية: التي تعرضها أو تعرض بها الشيء المبيع، فلو أنك اشتريت عشر سيارات لعرضها للتجارة، وقيمتها -مثلاً- في الأصل حينما اشتريتها مائة ألف، ولكنك حينما عرضتها للبيع عرضتها بمائة وخمسين، فحينئذٍ يجب عليك اعتبار سعر البيع، وأما قيمة الأصل فإنها ليست بقيمة؛ والسبب في هذا أن الذي تعرضها به للبيع يعتبر مالاً في الحكم، أي: كأنك مالك لهذا القدر، وأما الذي اشتريت به فإنه لا يؤثر لكونه غير مستقر، وحينئذٍ يستوي أن يكون زائداً عما تعرض به، أو يكون ناقصاً عنه، فلو أنك اشتريت (بمائة ألف) وتريد أن تبيع (بخمسين ألفاً)، أو انخفض السعر حتى أصبحت تباع (بخمسين)، فالقيمة (خمسون)، ولو أنك اشتريت (بخمسين) ثم ارتفعت قيمتها، وعرضتها (بمائة)، فالقيمة مائة، وقس على هذا.

    وتقوّم بالأحظ للفقراء، فيُنظر إذا كان الأحظ أن تقوم بالدراهم قُوِّمت بالدراهم، وإن كان الأحظ أن تقوم بالدنانير قوِّمت بالدنانير.

    قال المصنف رحمه الله: [ولا يُعتبر ما اشتريت به].

    (ولا يعتبر) أي: في القيمة والتقدير والتقويم (ما اشتريت به)، وفي ذلك أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه أمر أن تقوَّم عروض التجارة بقيمتها، أي: في حالها، وهذا يدل على أن العبرة في عروض التجارة بقيمة البذل لا بقيمة الشراء، وقد بيّنا أن السبب في هذا أنك إذا عرضت الدار -مثلاً- أو الأرض للبيع، وكانت القيمة التي اشتريت بها مائة وتعرضها بمائة وخمسين، فأنت في الحقيقة بمثابة المالك للمائة والخمسين، ولكن يرد سؤال: لو أن هذا الشيء المعروض للتجارة فيه اضطراب، أي: لا يثبت على قيمة معينة، فأنت تقدِّر أن أقل ما تبيع به هذه السيارة هو مائة وخمسون، ولكنك إذا جئت تعرض تقول: مائة وسبعون أو مائة وستون، فهل العبرة بأكثر ما تطلبه، أم العبرة بأقل ما تطلبه أو ترضى به؟

    أولاً: قضية سوم الأشياء بأعلى من قيمتها حتى تنزل، فيه حديث أم أنمار رضي الله عنها، فإنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا أرادت أن تشتري الشيء سامته بأقل من قيمته، فلا تزال مع صاحبه حتى يبلغ قيمته فتشتريه، وإذا أرادت أن تبيع الشيء سامته بأكثر من قيمته حتى يبلغ القدر الذي ترضى به فتبيع، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، فكره بعض العلماء مثل هذا.

    ولكن الصحيح أنه يجوز؛ لأن هذا الحديث متكلّم في سنده، وقد ذكره الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في الإصابة، وأشار إلى سنده، وله أصل في سنن ابن ماجة.

    والصحيح: أنه يجوز للإنسان أن يسوم بالأكثر والأقل، والأفضل له أن يجتزئ بأقل الأرباح حتى يضع الله له البركة فيما يأخذ، وهذا مبني على عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأً سمحاً إذا باع) ، قالوا: السماحة في البيع أن يرضى بأقلّ الربح.

    ثانياً: إذا قلنا: إنه يشرع أن تسوم بالأكثر حتى تبلغ الأقل، فحينئذٍ نحن بالخيار بين ثلاثة أمور:

    إما أن نقول: العبرة بالأكثر لأنها تسام به، وعُرضت متاجرةً بهذا الأكثر، وكونه يرضى بالأقل، هذا شيءٌ رضي خسارته على نفسه، فلا نرضى خسارته على الفقراء والمساكين.

    وإما أن نقول: العبرة بالأقل؛ لأنه هو اليقين، والقاعدة في الشرع: (أن اليقين لا يزال بالشك)، فالأصل أن الذي يبيع به وتُقدَّر به السلعة ويرضى به المشتري في الغالب هو الأقل، فحينئذٍ نقول على هذا الوجه: العبرة بالأقل.

    وإما أن نقول: العبرة بما بينهما.

    والذي يترجح من هذه الثلاثة الأمور القول: بأن العبرة بالأقل؛ لأنه اليقين، وهذا أصل طرده العلماء رحمة الله عليهم في كثير من المسائل.

    وعليه: فإنه إذا كان يعرضه بمائة ويرضى بتسعين فالعبرة بالتسعين.

    وقال بعض العلماء: الورع أنه ينظر إلى السوق، فإن كان السوق رائجاً حتى يصير بالأكثر، فإنه يقدره بالأكثر، وإن كان بالأقل فلا حرج أن يقدره بالرخصة بالأخذ بالأقل.

    قال المصنف رحمه الله: [وإن اشترى عرضاً بنصاب من أثمانٍ أو عروض بنى على حوله].

    أي: بنى على حول الشراء، ما دام أنه اشتراه بنية التجارة، وهذه المسألة الأصل فيها ما ذكرنا أن من دخل إلى التجارة برأس مال واشترى بها عروضاً ثم باعها قبل تمام الحول، فإن العبرة بالأصل، أي: بالثمن، ولا يلتفت إلى هذه العروض؛ لأننا لو قلنا بهذا لما استطعنا أن نزكي عرضاً للتجارة إلا في القليل النادر، وتوضيح ذلك: أن من دخل بمائة ألفٍ يريد أن يتاجر بها في شهر محرم، فاشترى بها عشر سيارات -مثلاً- فعرضها للبيع، فبيعت في منتصف العام، واشترى أخرى مكانها، فقد يقول قائل: الأول قد انقطع بالبيع، والثاني يستأنفه بالشراء من منتصف الحول، نقول: لا، العبرة بالأصل، فحينئذٍ هذه المائة ألف لما تمحّضت للمتاجرة فإننا نقول: العبرة بحولها، فإذا اشترى وأدخل وأخرج، فهذا كله تابع لأصله، يبني عليه، وتجب عليه زكاته كما ذكرنا.

    [وإن اشتراه بسائمة لم يَبْنِ] وهذا بناءً على أن زكاة السائمة غير زكاة الأموال المعروضة للتجارة؛ لأنه انتقل من أصل إلى أصل، فالسائمة إذا قطعها بالبيع لا يبني وإنما يستأنف، مثال ذلك: لو كان عنده من الإبل ما يبلغ النصاب، وتجب عليه فيه الزكاة، وفي منتصف العام باعها، ثم اشترى به سيارات أو أكسية أو أغذية، وعرضها للتجارة، فإننا نقول: السائمة لها زكاة مستقلة، وعروض التجارة التي هي الأكسية والأغذية لها حول مستقل، فيستأنف الحول من جديد، ولا يبني على الحول الأول لاختلاف الأصلين، فأصل السائمة شيء، وأصل عروض التجارة شيءٌ آخر.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    1.   

    الأسئلة

    المعتبر في زكاة العملة الورقية

    السؤال: ما هو نصاب المال المعتبر في العملة الورقية، هل المعتبر فيه نصاب الذهب، أم نصاب الفضة؟ ولماذا؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فالعملة الورقية أصلها فضة كما ذكرنا، وبناءً على ذلك فزكاتها زكاة الفضة؛ لأنها عبارة عن أسناد توثيقية عن الفضة، فيقدر النصاب بهذا القدر الذي ذكرناه، وهو ثلاثة وخمسون ريالاً، وهي تعادل مائتي درهم، فما بلغه فإنه تجب فيه الزكاة، وما كان دونه فلا تجب فيه الزكاة، وأما تقديرها بالذهب فليس بسديد؛ لأنها إذا قدِّرت بالذهب خرجت عن أصلها، والأوراق لا يؤمر بزكاتها، وإنما أُمرنا بزكاة هذا الأوراق (العملة الورقية)؛ لأن رصيدها من الفضة، ولا يؤثر في ذلك كونه يحصل على الرصيد (الفضة) أو لا يحصل، أو يتمكن منه أو لا يتمكن؛ لأن هذا المستند ثابت من ناحية شرعية، وإلغاء الرصيد لا يؤثر في قيمته الحقيقية واعتباره من الفضة. والله تعالى أعلم.

    زكاة المحلات التجارية

    السؤال: كيف يُخرج أصحاب المحلات التجارية كالدكاكين والبقالات الزكاة، وذلك لاختلاف البضائع فيها واختلاف أسعارها؟

    الجواب: إذا حال الحول يحتاط صاحب (البقالة) و(المتجر) باليوم واليومين الذي يتمكن فيها من جرد البضائع، وحينئذٍ يقفل هذا المحل أو يتصرف بطريقة يمكنه بها أن يجرد في هذا اليوم الذي هو رأس حول المال، فإذا جرد أصناف البضائع وصنّف كل صنفٍ على حدة، حينئذٍ ينظر إلى قيمة عرضه في ذلك اليوم، فلو كان عنده ألف صنف، فيُنظر العدد الموجود من كل صنف، وقيمة كل شيءٍ منه، ثم بعد أن يجرد هذا بقيمته يزكي المحل بقيمة واحدة، ولا يجوز له أن يخمِّن ولا أن يقدر؛ لأن القاعدة: (أن القدرة على اليقين تمنع من الشك) وبعض الناس قد يتلاعب في هذا الأمر، بل قد يتسامح البعض في الفتوى، والواقع أنه ينبغي عليه أن يجرد، وينبغي أن يشعر الناس بأهمية الزكاة، والفقه أننا نطالبهم بالجرد؛ لأن الجرد يُشعر بأهمية الزكاة ووجوب هذه الفريضة، ولو أنه احتاج إلى هذا الجرد لمحاسبة شركائه لوجدته يجرد كل صغيرة وكبيرة، ولا يجد العناء، ولكن في حق الله يتلاعب الناس إلا من رحم الله، ويتساهلون ويبحثون عن الرخصة في الفتوى، فالواجب حملهم على الأصل؛ إلا إذا تعذر القيام بهذا الأصل. والله تعالى أعلم.

    زكاة الدين في عروض التجارة، وإخراج الزكاة من العروض نفسها

    السؤال: عندي محل تجاري حال عليه الحول، وبه بضاعة بمبلغ مائة ألف ريال، وعلى المحل دين من البضاعة الموجودة بمبلغ وقدره خمسة وثلاثون ألف ريال، فهل أزكي على قيمة البضاعة كاملة، أم أزكي بعد خصم الدين؟ وإذا حال الحول ولا توجد عندي سيولة نقدية، فهل يجوز لي أن أزكي من البضاعة التي توجد عندي، أم تبقى الزكاة ديناً عليَّ، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: للعلماء في الدَّين وجهان:

    منهم من يقول: إن الدَّين يُسقط، وحينئذٍ تُسقط هذا المبلغ الذي هو دين عليك.

    ومنهم من يقول: أنت بالخيار بين أمرين: إما أن تُسدد حقوق الناس قبل استتمام المدة وحولان الحول، وإما أن تُطالب بزكاة الجميع، وهذا أقوى والنفس إليه أميل؛ لأنه هو الأصل، ولا شك أن الإنسان إذا ملك هذا القدر وكان في ماله يمتنع من سداد حقوق الناس، ثم بعد ذلك يسقط الزكاة عنه، فهذا فيه ضعف، ولا يخلو من نظر، وعليه فإنه يقوى القول بأنك تُطالب بأحد الأمرين: إما أن تسدد للناس حقوقهم، أو يجب عليك زكاة المبلغ كاملاً.

    على هذا يجب عليك زكاة المال كاملاً، ولا يسقط منه شيء إعمالاً للأصل. والله تعالى أعلم.

    أما إذا حال عليك الحول وليس عندك سيولة؛ فإنه حينئذٍ يجب عليك أن تخرج هذا المال، إما ديناً من الغير، أو تتصرف بما تستطيع الحصول على حق الفقراء وتعطيهم حقهم كاملاً، أما إخراج الزكاة من نفس العروض فقول جمهور العلماء: أن ذلك لا يجزئ؛ لأن الله عز وجل أوجب عليك المال بعينه، فتُخرج من الفضة فضة وتخرج من الذهب ذهباً، وإن كانت من العروض تُخرج بقيمتها من الذهب والفضة، ولو أن إنساناً قيل له: اعمل شهراً، فإذا عمل الشهر جيء له بطعام وكساء ودواء، وقيل له: راتبك خمسة آلاف ريال، وهذه كلها مئونتك بالخمسة آلاف ريال، فلن يرضى، وسيقول: ليس من حق أحد أن يتصرّف في مالي، وهذا حق لي، لا آذن لأحد أن يتصرف فيه، فكذلك الفقير؛ لأن الله يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25] ، فليس من حق التاجر أن يتصرف في أموال الفقراء والضعفاء، بل إنه قد يحتال بهذه الطريقة، فيجد البضاعة لا تنفد، وسوقها كاسد، فحينئذٍ يدفع عن نفسه ضرر كساد السوق ويعطي الفقراء والضعفاء مما عنده من المعروضات للتجارة، وعلى هذا فإنه يجب عليه أن يؤدي حق الله في ماله، ويمكِّن الفقير من عين المال من الذهب والفضة، ولا يخرج الأطعمة وغيرها من عروض التجارة. والله تعالى أعلم.

    زكاة مهر المرأة غير المدخول بها

    السؤال: هل في المهر زكاة إذا أعطي للزوجة ولم يتم الزواج إلا بعد سنة؟

    الجواب: إذا أخذت المرأة المهر فإنها حينئذٍ تزكيه، وتعتبر حوله من القبض؛ لأنها تستحق هذا المال بالقبض، ويبقى النظر في خوف وجود الطلاق قبل الدخول، ولذلك بعض العلماء يقول: هي مستحقة لنصفه، ولا تجب عليها زكاة النصف الثاني إلا إذا دخل بها، فإن دخل بها قضت زكاة ما مضى، وهذا له وجه، ولكن الأول أورع وأحوط؛ لأن الطلاق نادر، فأُعمِل الأصل من بقاء العقد. والله تعالى أعلم.

    حكم من يشتري سلعة ليبيعها لغيره بالتقسيط

    السؤال: إذا قال البائع للمشتري: اذهب واختر السلعة التي تريدها وأنا أشتريها لك وأقسطها عليك، فما الحكم في ذلك؟

    الجواب: هذا عين الربا، فإذا قال له: اذهب واشتر ما شئت من متاع أو سيارات وائتني بفواتيره، ثم يشتريها ذلك الشخص ثم يقسِّطها عليه، فهذا عين الربا، بدل أن يقول له: خذ مائة ألف وردها مقسطة بمائة وعشرة احتال بإدخال السلعة، ثم يتفق هؤلاء مع التجار على أنه إذا رفض المشتري أنهم يردون البضاعة، وقد يقول البعض: بأن هذا جائز؛ لأن الطرف الذي ذهب إليه المحتاج اشترى السلعة ولم يلزم الطرف المدين أو الذي يريد هذه السلعة بالعقد، وبناءً على ذلك خيّره، وقال له: إن شئت فخذ وإن شئت فدع، نقول: إن الشريعة ألغت صورة العقدين مع صحتهما ظاهراً لذريعة الربا. مثال ذلك: بيع العينة، وصورتها: رجل جاء إلى تاجر فاشترى منه سيارة بمائة ألف مقسطة، فالسيارة قيمتها بالأقساط مائة ألف؛ لكن قيمتها بالنقد ثمانون ألفاً، فلما اشتراها بمائة ألف إلى أجل قال التاجر: أشتريها منك نقداً بثمانين، فإذا جئت تنظر إلى صورة العقدين فالأصل صحتهما، فالسيارة قيمتها الحقيقية بالأقساط مائة وقيمتها الحقيقية بالنقد ثمانون، فالأصل يقتضي أن العقد صحيح، لكن لما صُرفت السيارة للمشتري ثم عادت للبائع أُلغيت صورة العقدين، وصارت حقيقة الأمر كأنه أخذ النقد أي: الثمانين في مقابل المائة المؤجلة، فحرم الشرع هذا النوع من العقد، وألغى صورة العقد.

    كذلك هنا لما كان البنك أو الشركة أو مَنْ يشتري ليس مراده أن يستفيد بالسلعة أصلاً، وإنما يشتريها بناءً على طلب وتحديد وتعيين، فلما وجدت الرغبة ووجدت الحاجة حينئذٍ توجه بالشراء، فلما اشتراها آل الأمر إلى أنه بدل أن يعطيه الثمانين المعجلة ويقول: ردها مائة مؤجلة أدخل السلعة حيلة وحينئذٍ يعتبر من بيوع الربا، وشبهة الربا فيه ظاهرة. والله تعالى أعلم.

    معرفة النصاب في المال

    السؤال: عندما أريد أن أعرف ما عندي من المال هل بلغ نصاباً أم لا، فإنني أسأل الصاغة عن قيمة خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً من الفضة كم تساوي من الريالات، فهل فعلي صحيح؟

    الجواب: هذا الفعل ليس بصحيح؛ لأن الريال مع الفضة لا بد فيه من التساوي والتماثل، فإذا قلت: خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً كم تساوي بالفضة، فهذا عين الربا؛ لأن أصل الورق ريال من الفضة، وله وزن محدد، فعندما تشتري بريال الورق الفضة لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد، فإذا أعطاك الصائغ قيمتها متفاضلاً فإنه قد بناها على الربا؛ لأن التفاضل محرم، وهذه مسألة تحتاج إلى دقة من طالب العلم، لأنه في هذه الحالة كأنه يبادل الفضة بالفضة، ولا بد من التماثل والتقابض، وحينئذ لا تلتفت إلى قيمة زنة الغرامات، وإنما تلتفت إلى تحرير الريال الفضي القديم بالفضة، ثم تنظر إلى عدلها من مائتي درهم، وقد كُفيت المئونة؛ فإن هذا يعادل ثلاثة وخمسين ريالاً، وبناءً على ذلك ثلاثة وخمسون من الفضة القديمة تعادل بزنتها هذا القدر، وحينئذٍ يجب عليك زكاة هذا القدر.

    اعتبار الحول في زكاة العروض

    السؤال: رجل اشترى خمس سيارات في محرم، وعرضها للتجارة، ثم لم يلبث أن باعها في رمضان واشترى بقيمتها أغناماً وعرضها أيضاً للتجارة، فهل يبدأ الحول من جديد، أم يبقى على الحول الأول، أثابكم الله؟

    الجواب: يقول بعض العلماء: إذا كانت تجارته من جنس وانتقل إلى جنس آخر فإنه يستأنف الحول، بشرط أن لا يقصد الفرار من الزكاة أو الاحتيال على الزكاة، وعليه فلو دخل في تجارة السيارات، ثم بعد ذلك تحوَّل إلى السائمة، قالوا: يستأنف الزكاة، بمعنى: يحسب حولاً جديداً من رمضان لهذا المال الجديد. والله تعالى أعلم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756203177