إسلام ويب

شرح زاد المستقنع فصل: يقف المأمومون خلف الإمامللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على المأمومين التأخر خلف الإمام إن كانوا جماعة، والواحد يقف عن يمينه إلا المرأة فخلفه، ولا يجوز لمنفرد أن يصلي خلف الصف وحده إلا المرأة، ولا تعتبر المصافة مع الكافر والمحدث والمرأة، ومن وجد فرجة دخل فيها وإلا جذب من يصلي معه، ولابد من سماع لمن صلى في المسجد أن يسمع الإمام، وإن لم يره، وإن كان خارج المسجد فلابد أن يرى الإمام وتكره الصلاة بين السواري، وهناك آداب ينبغي للإمام أن يتحلى بها.

    1.   

    تابع أحكام الإمامة

    موقف المأموم من الإمام

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف عليه رحمة الله: [فصل: يقف المأمومون خلف الإمام]

    تقدم في المواضع السابقة بيان جملة من الأحكام المتعلقة بالإمام، وما ينبغي أن يكون عليه من صفات قبل إمامته للناس، وكذلك حال إمامته.

    وهنا شرع المصنف في مسألة مهمة من مسائل الإمامة وصلاة الجماعة، وهي التي تعرف بموقف المأموم مع الإمام، وذلك أن الجماعة تتحقق بواحد مع الإمام، ولا تكون الجماعة لواحد منفرد.

    وعلى هذا يرد السؤال عن موقف الواحد مع الإمام، وعن موقف الاثنين، وعن موقف الثلاثة وأكثر.

    ثم بعد ذلك يرد السؤال عن موقف الرجال وموقف النساء وموقف الصبيان والخناثى، ونحو ذلك من الأحكام المتعلقة بالمواقف.

    قال رحمه الله: [يقف المأمومون خلف الإمام].

    السنة للمأموم أن يقف وراء الإمام، وهذا إذا كان المأمومون أكثر من واحد، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنما جعل الإمام ليؤتم به).

    والإمام -كما يقول العلماء رحمهم الله-: مأخوذ من الأمام، وهو الخط الذي يخط في أول الدار؛ فكأنه ينبني عليه غيره، ولذلك يكون متقدماً متميزاً على غيره بهذا التقدم، ولا يكون مساوياً للمأمومين، فهذا في الأصل.

    فقوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، معناه أن يكون المأموم تبعاً للإمام، وهذا يشمل ما يكون في الأفعال وما يكون في الصورة، فصورة المأموم في موقفه، فالأصل إذا كان المأمومون أكثر من واحد أن يكونوا وراء الإمام، أما لو كان المأموم واحداً فسيرد التفصيل في أحكامه، لكن الأصل في المأموم أن يقف وراء الإمام.

    وقوله: [يقف المأمومون] عبر فيه بالجمع، وهذا يقتضي أن موقف الجماعة يكون وراء الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر، وإذا وقف الاثنان عن جانبه الأيمن صحت صلاتهم؛ لأنه موقف معتبر.

    وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه لما قام عليه الصلاة والسلام بعد هوي من الليل وتوضأ ووقف قال ابن عباس : (فقمت فصنعت مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جئت فقمت عن يساره فأدارني فجعلني عن يمينه).

    فدل على أن ميمنة الإمام موقف، لكن إذا كان المأمومون أكثر من واحد فإنهم يقفون وراء الإمام، فلو وقف الاثنان عن يمينه فقد وقفا في موقف معتد به شرعاً فيصح ائتمامهم.

    قال رحمه الله تعالى: [ويصح معه عن يمينه]

    هذا يقع في الأحوال التي قد توجد فيها حاجة، أو توجد فيها ضرورة، كما لو كان المكان لا يتسع أن يتأخر المأمومون عن الإمام، فإذا كان المكان لا يتسع أن يتأخر المأمومون عن الإمام فإنهم يقفون ويصلون عن يمينه، ثلاثة كانوا أو أكثر، ولو كان صفاً طويلاً فلا حرج، كأن يكون هناك ممر وليس هناك متسع أن يكون الإمام متقدماً، فحينئذٍ يقفون عن يمينه.

    وقال بعض العلماء: إنهم لو جعلوا الإمام أمامهم ثم تأخروا قليلاً عنه، وجعلوا فسحة بينهم وبينه فإنه لا حرج، واغتفروا هذا الفاصل اليسير، لكن شدد فيه بعض العلماء؛ لأنه بمثابة قطع الصف.

    فالحاصل أنهم لو كانوا محتاجين ووقفوا عن يمينه فلا حرج، وهكذا إذا كانت ثَمَّ مشقة، بأن قطع الإنسان الصفوف وجاء ووقف عن يمين الإمام فلا حرج.

    قال رحمه الله تعالى: [أو عن جانبيه].

    يعني عن جانبي الإمام، فإنه لا حرج في أن يقف المأمومان أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، وهذا ثابت في حديثٍ أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صلى بـعلقمة والأسود صاحبيه، فأقام أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان هذا الحديث فيه إشكال في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه إن صح موقوفاً فـابن مسعود ناهيك به علماً وفقهاً، وهذا مذهب الحنفية رحمة الله عليهم، فيرون أن الاثنين يقف أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره.

    وخالفهم الجمهور رحمة الله عليهم فقالوا -وهو الصحيح-: إن الاثنين يقفان وراء الإمام؛ لحديث جابر وجبار فإنه لما قام جابر عن يمينه صلى الله عليه وسلم وجاء جبار دفع صلوات الله وسلامه عليه بصدورهما وراءه، كما في الحديث الصحيح، فدل على أن الاثنين يقفان وراء الإمام، ولا يقفان بحذاء الإمام عن يمينه وعن يساره.

    وأما حديث ابن مسعود فالذي يظهر -والعلم عند الله، كما هو جواب طائفة من المحققين- أنه كان في أول الإسلام، وهي الصلاة المكية، ثم نسخت بالتشريع المدني.

    والسبب في ذلك أن ابن مسعود لما صلى بـعلقمة والأسود رحمة الله عليهما ركع فطبق بين يديه، والتطبيق: هو أنه حينما يركع يجعل كفه اليمنى مع كفه اليسرى مجموعتين غير متداخلتين -أي: بدون تشبيك-، ويجعلهما بين الفخذين.

    وكانت الصلاة بهذه الصفة كالتعظيم لله سبحانه وتعالى، ثم نُسِخت بوضع الكفين على الركبتين وإلقامهما، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم معنا في صفة الركوع.

    فكانت سنة مكية أنه إذا صلى الإمام يجعل أحد المأمومين عن يمينه والثاني عن يساره، ثم نسخ هذا بحديث جابر وجبار ، وكما يقول العلماء: إنه يستفاد من رواية الراوي ما يدل على النسخ، فلما كان ابن مسعود من أحفظ الناس للتشريع المكي، وهو من أسبق الصحابة رضوان الله عليهم وأعرفهم بالفقه المكي، وحديث جابر وجبار إنما كان بالمدينة قالوا: هذا يشير إلى أنه كان منسوخاً، بدليل أن جباراً لما جاء وقف عن اليسار، فدل على أنه كان معهوداً في أول الأمر أن يقف أحدهم عن يمينه والثاني عن يساره، وهذا هو أعدل الأوجه وأقواها في الجواب عن هذه السنة الواردة، والتي حفظها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.

    فالخلاصة أن الاثنين فأكثر يقفون وراء الإمام، والأصل في ذلك حديث أنس (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فلو أنه وقف الإمام بينهم لم يكن ائتماماً بالصورة، ولذلك قالوا: يتقدم ويتأخران.

    قال رحمه الله تعالى: [لا قدامه].

    أي: لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام، وذلك لنص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فلو تقدم عليه لم يأتم به، وإنما صار المأموم كأنه إمام لإمامه، وهذا خلاف المقصود شرعاً.

    ثم إنَّ تقدمَ المأموم على الإمام فيه مفاسد، ومن أعظمها أنه تختلف عليه أفعال الإمام، ولربما يحصل منه اختلاج في صلاته، والسبب في ذلك واضح، فلو صلى وراء الإمام رباعية وسها الإمام ولم يجلس للتشهد الأول فقام ووقف، فإن المأموم سيجلس للتشهد؛ لأن ظنه أن الإمام جلس للتشهد، فلا يشعر إلا والإمام راكع، وحينئذٍ تختلف صلاة المأموم مع إمامه.

    قال رحمه الله تعالى: [ولا عن يساره فقط].

    الدليل على أن اليسار ليس بموقف حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإن ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة رضي الله عنه وعنها قال: (فلما كان هوياً من الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى إلى شنِّ فتوضأ، ثم قمت فصنعت مثلما صنع فقمت عن يساره فأدارني عن يمينه).

    ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك ابن عباس ، وحصل هذا الفعل لمصلحة الصلاة، فدل على أن يسار الإمام ليس بموقف، وأنه إذا وقف المأموم في يسار الإمام وجب أن يحوله إلى يمينه.

    بطلان صلاة المنفرد خلف الصف غير المرأة

    قال رحمه الله تعالى: [ولا الفذ خلفه أو خلف الصف إلا أن يكون امرأة].

    أي: لا تصح صلاة الفذ إذا وقعت خلف الصف، فإنه إذا صلى منفرداً خلف الصف لم تصح صلاته، إلا المرأة، فإن النص ورد باستثنائها.

    أما الدليل على أن المنفرد لا تصح صلاته خلف الصف فحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) .

    وكذلك حديث علي بن شيبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل من صلاته ورأى رجلاً يصلي وحده فقال له: (استقبل الصلاة -أي: أعد الصلاة- فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، فدل على أن من صلى وراء الصف ركعة كاملة فأكثر أن صلاته باطلة وتلزمه الإعادة.

    قوله: [إلا أن يكون امرأة]

    أي: إلا أن يكون الواقف امرأة، وهذا الأصل فيه حديث أنس رضي الله عنه -وهو ثابت في الصحيحين- أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها، قال أنس : فقال لنا: (قوموا فلأصلي لكم) -وهذا في الضحى- قال أنس : (فقمت إلى حصير قد اسود من طول ما لُبس فنضحته، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من خلفنا).

    ووجه الدلالة أن العجوز -أي: المرأة- صلت وراءهم وهذا يدل على أن المرأة إذا انفردت فصلاتها صحيحة، وعلى هذا قالوا: إن عموم قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) يخصص، وتستثنى منه المرأة لثبوت الحديث الصحيح باستثنائها، وللشرع في ذلك حكم، منها: دفع المفاسد باختلاط الرجال مع النساء.

    موقف إمامة النساء

    قال رحمه الله تعالى: [وإمامة النساء تقف في صفهن].

    ذكرنا أن النساء يُشرع لهن أن تكون بينهن جماعة، وأن تكون إمامتهن منهن، ولا حرج في ذلك؛ لحديث أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها، حيث أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي بأهل دارها.

    فلما أذن لها عليه الصلاة والسلام أن تصلي بأهل دارها دل هذا على أن المرأة تكون إماماً، ولكن للنساء، وعلى هذا يرد السؤال: حيث عرفنا أن موقف المأموم يكون وراء الإمام فهل هذا الحكم عام للرجال والنساء؟

    والجواب أنه يختص بالرجال دون النساء، أما النساء فلو كانت الإمامة منهن فإنها تقف بينهن ولا تقف أمامهن، وهذا فعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكذلك أم سلمة رضي الله عن الجميع، وروى ذلك سعيد بن منصور في السنن.

    فقالوا: إنه لا يمكن أن تفعل أم المؤمنين رضي الله عنها وهي الفقيهة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، لا يمكن أن تفعل هذا دون توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.

    ثم إن مقاصد الشرع تؤكد هذا، حيث إن المرأة إذا صلّت بين النساء كان هذا أستر لها وأحفظ، بخلاف ما لو تقدمت عليهن، ولأن للرجال درجة على النساء، وفرق ما بين النساء والرجال، فقُدِّم الرجال لأمن الفتنة، وتأخرت النساء لوجود الفتنة.

    ترتيب المأمومين خلف الإمام

    قال رحمه الله تعالى: [ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء كجنائزهم].

    أي: يلي الإمام الرجال، والأصل قوله عليه الصلاة والسلام: (ليلني منكم أولو الأحلام).

    فدل على أن السنة أن يلي الإمام الكبار والعقلاء، خاصة أهل العلم والحلم والعقل والفضل، ويكون هذا المكان -الذي هو خلف الإمام مباشرة- لأمثال هؤلاء.

    والمطلوب أن يبكروا، وأن يبادروا بالحضور لا أن يتأخروا ويتخطوا رقاب الناس، أو تحجز لهم أماكن، فإن المساجد لا يجوز فيها حجز الأماكن إلا لمن خرج لضرورة وحاجة بعد أن يجلس وينال حق المكان، أما أن يحجز لأمثال هؤلاء الأماكن ويمنع منها من سبق فهذا لا يجوز، وهذا من الظلم الذي يعتبر أذية للناس، والله تعالى منع أن يمنع الإنسان أحداً أن يصلي في مساجده، فإذا جاء شخص إلى الصف الأول مبكراً فهذا حقه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من سبق إلى شيء فهو أحق به).

    وبعض الناس يفهم من قوله: (ليلني منكم أولو الأحلام) أنه يحجز ما وراء الإمام للكبار وأهل العقل ونحوهم، وهذا ليس بصحيح، فإن الناس في المساجد على حد سواء.

    ولذلك مَن سَبق فهو أحق، وإنما مراده عليه الصلاة والسلام في قوله: (ليلني منكم أولو الأحلام) أن يبادروا وأن يبكروا بالمضي، حتى يكون ذلك أدعى لحفظ صلاة الإمام.

    والسبب في الأمر بأن يليه الرجال وأهل العقل أنه ربما طرأت أمور، بمعنى أن الإمام قد يسهو، وكذلك أيضاً ربما يصيبه السهو في القراءة، فيحتاج إلى من يرد عليه، وكذلك ربما التبس عليه الأمر ماذا يصنع في صلاته، فإذا كان وراءه من يعقل ويفهم فإنه ينبهه.

    ثم إنه يكون على درجة من الوعي والإدراك لما يفعله الإمام، بخلاف العوام وهيشات الناس فإنهم دون ذلك لانشغالهم بمصالحهم، وبعدهم عن استشعار الصلاة مثل أولي الأحلام والنهى.

    فيتقدم الرجال، ثم بعد الرجال الصبيان، كما ورد في حديث أنس وأبي موسى الأشعري رضي الله عن الجميع، فكان صلى الله عليه وسلم يكون الرجال وراءه، ثم وراءهم الصبيان، ثم من بعد ذلك النساء، فهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    والخناثى يكونون بين الرجال والنساء، ولا يكون الخناثى مع النساء ولا مع الرجال؛ لأنهم لم يبلغوا درجة الرجال، وليس بمتحقق أنهم نساء، فهم بين الأمرين، ونظراً لهذا يكون موقفهم بينهما، أي بين الرجال والنساء.

    وقوله: [كجنائزهم].

    يعني مثلما تقدم في الجنائز.

    1.   

    صلاة المنفرد خلف الصف وما يتعلق بها

    قال رحمه الله تعالى: [ومن لم يقف معه إلا كافرٌ أو امرأة أو من علم حدثه أحدهما أو صبي في فرض ففذ].

    هذا نوع من التسلسل في الأفكار، ومن عادة الفقهاء رحمة الله عليهم أنهم يذكرون لك الأصل، وبعد تقريرهم للأصل يبينون ما استُثني من الأصل، أي يبين الأصل الذي دلت عليه النصوص، ثم بعد ذلك يرد السؤال في الأحوال الطارئة.

    فنحن لو قلنا: إن المنفرد لا تصح صلاته خلف الصف، فهذا يأتي على صور، فإن كان المنفرد جاء وصلى وحيداً وراء الصف فلا إشكال في أن هذا انفراد حقيقي.

    وهناك نوع ثانٍ وهو الانفراد الحكمي، وصورة ذلك: أن يصلي معه صبي، أو يصلي معه كافر، أو يصلي معه محدِث يعلم بحَدَثه، فهؤلاء وإن كانت صورة حالهم أنهم مؤتمون، ولكنهم في الحقيقة وجودهم وعدمهم على حد سواء، فإن الكافر لا تصح صلاته، والصبي لا تعتبر مصافته على هذا القول الذي درج عليه المصنف رحمه الله، والمحدِث كذلك صلاته غير صحيحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

    فمعنى ذلك أن المحدث الذي يصلي بجانبه لا صلاة له، وإذا كان لا صلاة له فإنه حينئذٍ لا تعتبر مصافّته، فوجوده وعدمه على حد سواء.

    وأما الكافر فإنه لا إشكال أن الكافر وجوده وعدمه على حد سواء، والمحدث لا إشكال أن وجوده وعدمه على حد سواء، وبقي عندنا اثنان: أحدهما الصبي، والثاني المرأة. فلو فرضنا أنك جئت والإمام في ركعة من الركعات، فجئت وكبرت وبجوارك صبي ليس هناك غيره، وأنت وإياه دون الصفوف، فهل تعتد بهذه الركعة وتصح صلاتك، وتعتبر في حكم من دخل الصف، أم أن وقوف الصبي بجوارك وجوده وعدمه على حد سواء فأنت منفرد، ولو كنت في الظاهر مع غيرك؟

    الجواب: هذه المسألة فيها قولان للعلماء:

    فالجمهور على أن الصبي يُعتبر من صلى بجواره غير فذ وصلاته صحيحة.

    وذهب بعض الحنابلة رحمة الله عليهم -ونص البعض أنه هو مذهب الإمام أحمد- إلى أنه لا يُعتد بالصبي، وأنه يلزمه أن يعيد صلاته إذا لم يأتِ بالغ يعتد بموقفه.

    والصحيح مذهب الجمهور أن وقوف الصبي معك معتد به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع)، فدل على صحة الصلاة واعتبارها منهم، وأمر بضربهم عليها لعشر.

    والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف ابن عباس عن يساره أداره عن يمينه، فدل على أنه معتد بموقفه، إذ لو لم يكن لموقفه اعتداد لما كان لإدارته من فائدة؛ لأنه يستوي أن يقف هنا أو هنا إذا كان لا يُعتد به.

    فدل على أن الصبي يُعتبر وقوفه مع الإنسان رافعاً لوصف الفردية، كذلك أيضاً مما يؤكده حديث أنس في الصحيحين: (وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا) فقوله: (وصففت أنا واليتيم وراءه) يدل على أن الصبي يعتبر رافعاً لوصف الانفراد.

    إذ لو لم يكن رافعاً لقدَّم النبي صلى الله عليه وسلم أنساً يصلي بجواره، فلو قال قائل: إن أنساً ربما كان صبياً، أو صغير السن، فجوابه: ولو قلنا بذلك! ألا تراه عليه الصلاة والسلام أخَّرهما، فدل على أنهما اثنان، وإذا كانا اثنين فمعنى ذلك أنه معتدُّ بوقوف اليتيم مع أنس، فبوقوف أنس مع اليتيم صارا بمثابة الصف، وعلى هذا فمن وقف بجوار صبي صحت صلاته، ولا يعتبر منفرداً على الصحيح.

    وأما المرأة ففيها خلاف أيضاً:

    فمن العلماء من قال: إن المرأة إذا وقفت بجوار الرجل وهو فذ فصلاته صحيحة، ويرتفع عنه الوصف المؤثر الموجب لبطلان صلاة الفذ؛ لأنه ليس بفذٍ. وهذا مذهب المالكية والشافعية وطائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.

    والقول الثاني يقول: إن وقوف الرجل بجوار المرأة لا يعتبر رافعاً لوصف الفذ، بل هو فذ وشدد الحنفية وقالوا: لو وقف الرجل بجوار امرأة، أو صف الرجل بجوار النساء ولو كان معه رجال من الطرف ونساء من الطرف، ولو امرأة واحدة بالغة بطلت صلاة الرجال الذين صفوا والنساء.

    وقد ذكرنا هذه المسألة من قبل، وبينا أن الصحيح أن الرجال إذا حاذوا النساء لا تبطل صلاة الرجال؛ لأنه ليس ثم دليل على أن المرأة إذا وقفت بجوار الرجل تُبطِل صلاته، لكن المسألة التي معنا هي أنه لو وقفت المرأة مع الرجل فإنه فذ على الصحيح، وهو المذهب، والسبب في ذلك واضح، وهو أن الشرع أمر المرأة في هذه الحالة أن تتأخر، فإن تقدمت وصافت الرجل فإن هذا التقدم منهي عنه شرعاً، والمنهي عنه شرعاً لا يُعتد به ولا يُحتسب، فصار وجوده وعدمه على حد سواء.

    الدخول في الفرجة والتفصيل فيه

    قال رحمه الله تعالى: [ومن وجد فرجة دخلها وإلا عن يمين الإمام].

    أي: من وجد فرجة في الصف فمن حقه أن يدخل، بل يجب عليه أن يسد ما بين الصفوف من الفرج، وهذا هو الأصل، حتى لا يتخلل الشيطان.

    وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، وكل ذلك حتى لا يتخلل الشيطان، وبناءً عليه فمن وجد فُرجة فإنه يُحاول أن يتمكن منها ويدخل.

    والفرجة فيها تفصيل، فالفرجة في بعض الأحيان تكون دون الشخص، فلو وجد فرجة ولكنها دونه بحيث لو دخل في الصف فإنه يضايق الناس فهذا لا يدخل في الصف لوجود الحرج والأذية، والذين سبقوا أحق بذلك.

    والحل في هذه الحالة أنه إذا وُجِدت الفرجة سحب بعضهم بعضاً، والعبرة بجهة الإمام، فإن كانت الفرجة عن اليمين والإمام في المنتصف فإن معنى ذلك أن ينسحبوا إلى جهة اليسار؛ لأن العبرة بجهة الإمام، وإن كانت الفرجة في اليسار والإمام في المنتصف فإنهم ينسحبون إلى جهة اليمين، فيسحب بعضهم بعضاً إلى جهة اليمين حتى تصير الفرج في الأطراف.

    فإن صارت الفرجة في الطرف ففيها تفصيل: فإن كانت الفرجة تسع الرجل أثم من تأخر من الرجال في الصف الذي يليه، وإن كانت الفرجة لا تسع بأن كانت لا يمكن دخول الرجل فيها فإنهم يُعذرون في ذلك، ولا تؤثر شيئاً، كما لو صلوا وانتهى حد الصف عند هذا القدر.

    قوله: [وإلا عن يمين الإمام].

    أي: إن وجد الفُرجة دخل حتى لا يصلي منفرداً، وإلا صلى عن يمين الإمام حتى تصح صلاته، ويصح له أن يأتي عن يمين الإمام، ولا حرج عليه.

    حكم جذب المنفرد لشخص من الصف

    قال رحمه الله تعالى: [فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه]

    إذا جئت فوجدت الصفوف مكتملة بينك وبين الإمام، ولا تستطيع أن تتخطى هذه الصفوف، ولم تجد فرجة أمامك، فلك أن تنبه من أمامك، قالوا: فإذا أمسك الساحب بطرف ثوبه يتراجع، وإذا رجع كان هذا من التعاون على البر والتقوى، ولا إثم عليه.

    وقالوا: إنه إذا رجع فقد أعان على صحة صلاةٍ، خاصة إذا لم يوجد شخص آخر، فإعانته على صحة الصلاة له فيها الأجر؛ لأن الصلاة لهذا المنفرد لا تصح إلا مع وجود من يقوم معه، وهذا قد فعل السبب الذي صحّت به صلاته فكان له كأجره؛ لأنه أعان على خير.

    وقد ورد في هذا حديث عند الحاكم ، ولكن تُكلِّم في إسناده ولم يخل من مقال، ففي هذا رواية معضلة، وفيه رواية مرسلة وهي رواية الجذب: أي أنه يجذب أحداً من الصف، وقال بعض العلماء: إنه لا يجذب، وإذا جذب أحداً فإنه يأثم، ولا ينبغي للمجذوب أن يستجيب لمن يجذبه.

    وإن كان الأقوى والأشبه أنه إن جذبه واستجاب فبها ونعمت، وإن لم يجذبه فإنه يُصلي، فإن جاء أحد فبها ونعمت، وإن لم يجئ أحد فإنه يستقبل صلاته ويصليها.

    وشدد بعض العلماء حتى قال ابن حزم الظاهري : إنه إذا لم يجد أحداً فإنه يرجع إلى بيته، وهذا أمر الصعوبة منه بمكان؛ فإن المساجد بنيت لإقامة الجماعة، وكونه يؤمر بالرجوع إلى بيته فيه مخالفة لمقصود الشرع.

    والذي يظهر -والله أعلم- أنه يحاول الجذب حتى يجد من يستجيب، فإن رجع الإنسان بالجذب فعلى حالات:

    الحالة الأولى: أن تمكث معه بقية الصلاة ولا يأتي أحد فلا إشكال، فتصير الفرجة التي حدثت في الصف يمكن سدها بجذب بعض الناس لبعض حتى تصير في طرف الصف، ويصير الناس معذورين بهذا، وأنت معذور بتصحيح صلاة من معك.

    قالوا: إن مفسدة الفرجة أهون من مفسدة فساد الصلاة وهذا صحيح؛ فإنك لو تأمَّلت أنه لو سُحِب صارت فرجة فإن هذه الفرجة يمكن سدها لو حضر شخص معه، وإذا لم يمكن سدها وبقيت فإن مفسدتها أهون من مفسدة فوات الصلاة على هذا المصلي.

    وعلى هذا فإن لم يجئ أحد وبقيت معه فلا إشكال، فلك أجر إعانته على صحة صلاته، وإن جاء أحد تقدمت إلى الفرجة وسددتها؛ لأن القاعدة تقول: (ما شرع لعذر بطل بزواله)، وبعضهم يقول: (ما جاز لعذر بطل بزواله)، وهذا جاز لعذر -وهو تصحيح صلاته معك- وقد صحت، ثم لما جاء الثاني زال العذر، فحينئذٍ يبطل تأخرك عن الصف، فتتقدم للصف الذي كنت فيه.

    قال رحمه الله تعالى: [فإن صلى فذاً ركعة لم تصح].

    قيل: لم تصح صلاته، وقيل: لم تصح الركعة التي صلاها دون الصف، وعلى هذا لو أدركه أحد في الركعات الباقية فإنه يقضي هذه الركعة وحدها، فتبطل الركعة التي دون الصف ويلزم بإتمامها، وقال بعض العلماء: بل تبطل جميع الصلاة.

    حكم الركوع فذاً قبل الدخول في الصف

    قال رحمه الله تعالى: [وإن ركع فذاً ثم دخل في الصف، أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت].

    هذه مسألة اعترض بها الجمهور على القائلين بأن صلاة الفذ لا تصح، فالإمام أحمد رحمة الله عليه يقول: من صلى فذاً أو منفرداً دون الصف بطلت صلاته إلا المرأة.

    فاعتُرض عليه بحديث أبي بكرة ، وحاصل حديث أبي بكرة أنه (دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فخاف أن يرفع النبي صلى الله عليه وسلم فكبر دون الصف، ثم دب ودخل في الصف، فلما سلّم عليه الصلاة والسلام قال: من فعل كذا وكذا؟ قال أبو بكرة : أنا. قال: زادك الله حرصاً ولا تَعُد)، فروي في لفظ الحديث: (لا تَعُد)، (ولا تُعِد)، (ولا تعدُ).

    وأقوى الروايات: (ولا تَعُد) قيل معناها: لا تعد إلى التأخر عن الصلاة حتى لا تضطر إلى مثل هذا الفعل. وهذا عند من يرى صحة هذا الفعل وبقاء التشريع به.

    وقيل: ولا تعد إلى مثل هذا الفعل مرة ثانية. وقيل: لا تَعُد إلى الإسراع؛ لأنه كأنه أسرع بعد ركوعه فصار فيه تشويش؛ لأن المساجد كانت في الرمال، ومشي الناس بسرعة يزعج المصلين.

    ولذلك قالوا: هذا هو المقصود من قوله (ولا تَعُد)، وأما (ولا تُعِد)، و(ولا تَعْدُ)فلا إشكال فيهما.

    فعلى هذا اعترض الجمهور، فقالوا: أنتم تقولون: إن المنفرد إذا صلى خلف الصف بطلت صلاته، وهذا أبو بكرة قد كبر تكبيرة الإحرام وركع ودب إلى الصف، فانعقد ركنه دون الصف! فلو كانت صلاة الفذ لا تصح لبطلت صلاته، ولأمره عليه الصلاة والسلام بإعادتها.

    والجواب عن ذلك ما قاله الإمام أحمد حيث قال: أُبقي حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على عمومه، وأستثني من فَعل فِعل أبي بكرة وهذا هو الفقه، وهو الجمع بين النصوص على حسب دلالتها، فأعمل رحمة الله عليه عموم قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، واستثنى حالة أبي بكرة ، وقال: لا إشكال فيمن فَعل فِعل أبي بكرة، فإني أصحح صلاته، بمعنى أنه يكبر ثم يدب إلى الصف.

    قال: وفي حكمه ما لو ركع وجاء رجل معه وركع قبل أن يرفع الإمام فإنه تصح صلاته وتجزيه.

    وهذا القول لا شك أن السنة تدل عليه، خاصة أنه مسلك أصولي صحيح، فأنت إذا تأملت حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) وجدت أن هذا العموم دخله التخصيص، والدليل على ذلك أنه استثني منه المرأة فيما ذكرناه من حديث أنس ، فإذا استثنيت المرأة فمعنى ذلك أنه عام مخصص، فلا مانع أن تخصص منه الأحوال في جنس ما قيل بالعموم فيه، أعني الرجال.

    1.   

    حكم الاقتداء بالإمام مع رؤيته وعدمها

    يقول رحمه الله: [فصل: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره].

    هذا كما في الأعمى، فإنه يصح اقتداؤه به، خاصة أنه إذا كان داخل المسجد فإنه سيرى من يقتدي بالإمام، وسيعلم بأفعال الإمام من جهة المأمومين الذين يصلون معه.

    قال رحمه الله تعالى: [ولا من وراءه إذا سمع التكبير وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين].

    أي: كذلك إذا لم ير من وراءه، بشرط سماعه للتكبير، وهذا أحد المذاهب عن العلماء رحمة الله عليهم، فيقولون: المهم عندنا أن يكون في المسجد، كما هو مذهب الحنابلة، ووافقهم الشافعية رحمة الله على الجميع.

    فيقولون: ما دام أنه داخل مسجد واحد وموضع واحد يصلي مع الإمام، فيستوي ألا يراه ويرى المأمومين، أو لا يراه ولا يرى المأمومين، لكن المهم أن يسمع الصوت.

    قوله: [وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين].

    ظاهر السنة أن الصلاة تصح إذا رأى المأموم الإمام أو المأمومين.

    فيقولون: إن هذا يدل على أن الأصل أن يرى الإمام أو من يقتدي بالإمام داخل المسجد؛ لأنه إذا لم ير الإمام لم يأمن أن تختلج أفعاله، ولا يأمن عند سهو الإمام ألا يدري ماذا يصنع، كما لو سها في الرباعية فقام الإمام بدل أن يجلس للتشهد، فإنه لا شك إذا لم ير الإمام ولا من يقتدي بالإمام أن يقع منه هذا اللبس.

    لكن قالوا: إنه يصح الاقتداء ولو لم يرَ أحداً قياساً على الأعمى. وأكدوا هذا بحديث الحجرة أيضاً، فإنهم ائتموا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون صوته ولا يرون شخصه، قالوا: لأن الحجرة مع المسجد كالشيء الواحد، فاستثني هذا.

    فهذا حاصل ما قيل إذا كان داخل المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فجماهير أهل العلم لا يصححون الصلاة إلا برؤية الإمام، أو من يقتدي بالإمام، ولا يكون هذا إلا باتصال الصفوف؛ لأنها هي الإمامة الحقيقية، وهي السنة والهدي والاقتداء.

    أما لو كان لا يرى الإمام ولا يرى المأمومين وهو منفصل عن المسجد، كأن يكون في بيت بينه وبين المسجد طريق، أو بينه وبين المسجد بيوت، ويسمع عن طريق الأجهزة الموجودة الآن فإنه لا يصح اقتداؤه ولا تصح متابعته.

    وهكذا لو سمع عن طريق الأجهزة التي تنقل، كالراديو ونحوه، فإنه لا تصح صلاته؛ لأنه غير مؤتم حقيقة بالإمام.

    فلذلك قالوا: لابد وأن يرى الإمام أو من يقتدي بالإمام.

    1.   

    حكم ارتفاع الإمام على المأمومين

    قال رحمه الله تعالى: [وتصح خلف إمام عالٍ عنهم].

    إن كانت الأرض التي يقف عليها الإمام والمأموم واحدة فلا إشكال، وهذا الأصل في موقفه عليه الصلاة والسلام.

    لكن هناك حالة يرتفع فيها الإمام ويكون المأموم أنزل منه، وحالة يكون الإمام في أرض هي أدنى في الارتفاع من أرض المأموم.

    فأما إذا علا الإمام فإنه لا يعلو إلا من ضرورة وحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه في حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه وأرضاه قال لامرأة من الأنصار: (انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها)

    فصنع أعواد المنبر، قال سهل: (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليها فكبر -أي: كبر تكبيرة الإحرام على المنبر- ثم ركع، ثم رفع -وهو على المنبر- ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم رفع ثم سجد، ثم رفع ثم صعد المنبر، ثم كبر فركع، ثم رفع، ثم رجع القهقرى وسجد في أصل المنبر، ثم قال: إنما صنعت هذا -أي: كوني صليت على المنبر- لتأتموا بي)، واللام للتعليل، أي: من أجل أن تأتموا بي فتروني، (لتأتموا بي ولتعلّموا صلاتي).

    فللعلماء في هذا وجهان:

    فمنهم من قال: لا حرج عندي في ارتفاع الإمام عن المأمومين، ولا بأس بذلك؛ لأن السنة دلت عليه فلا حرج.

    ومنهم من قال: لا يجوز للإمام أن يرتفع عن المأمومين، وإن ارتفع من غير حاجة فإنه يأثم.

    وشدد بعضهم فقال بعدم صحة الصلاة والاقتداء إذا كان الارتفاع بدون حاجة، خاصة إذا قصد به الكبر والترفع، والعياذ بالله.

    وأكدوا هذا بما جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مع ابن مسعود، فإن حذيفة حينما صلى بأصحابه وهو على دفة الدكان القديمة وقف عليها رضي الله عنه والمأمومون وراءه، فلما رآه ابن مسعود جاء وجذبه فأنزله، فلما سلم قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن هذا؟

    قالوا: فدل على أنه منهي عنه، وأنه لا يجوز، قال: قد علمت، أو تذكرت حينما جذبتني.

    فدل على أن ارتفاع الإمام عن المأمومين الأصل فيه الحظر والمنع. وهذا القول هو الصحيح، فلا يرتفع الإمام عن المأمومين إلا إذا وُجدت حاجة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)، فكأنه ارتفع بقصد التعليم، فقالوا: لو زار عالم أناساً لا يعرفون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فأحب أن يكون في موضع يراه الجميع فيعلمون صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في انتقاله وفي وقوفه وفي ركوعه وسجوده، فصلى على نشز أو مرتفع فلا حرج.

    ويكون بقدر المنبر، فلا يرتفع ارتفاعاً فاحشاً؛ لأنه هو الهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن الحاجة تتحقق بمثل هذا، فقالوا: لا حرج. أما إذا لم توجد الحاجة فلا.

    قال رحمه الله تعالى: [ويكره إذا كان العلو ذراعاً فأكثر كإمامته في الطاق].

    ذلك لأنهم حزروا وقدَّروا منبره عليه الصلاة والسلام -الذي هو ثلاث درجات- بهذا القدر؛ لأنه لا يقل عن ثلاثة أشبار، وبناءً على ذلك قالوا: لا يزيد على ذراع، فإذا زاد على ذراع قالوا: إنه في هذه الحالة يكون مكروهاً.

    ونص بعض العلماء على حرمته؛ لقوله: كانوا ينهون عن ذلك. والأصل في النهي أنه يُحمل على أعلى درجاته، إلا إذا دل دليل على ما هو أدنى من ذلك، أعني الكراهة.

    قوله: [كإمامته في الطاق]

    الطاق هو: المحراب، أي: دَخْلة المحراب، وكان السلف كـابن مسعود وغيره يشددون في ذلك ويمنعون منه، خاصة أن في القديم ما كان هناك سماعات، فإذا دخل الإمام في الطاق داخلاً لم يروه، وبناءً على ذلك تخفى على بعض الناس الذين هم في أطراف الصف أفعاله، ولذلك قالوا: لا يصلي داخل الطاق، وكرهوا ذلك، وشدد فيه بعض أئمة السلف كالإمام مالك رحمة الله عليه وغيره.

    1.   

    حكم تطوع الإمام في موضعه

    قال رحمه الله تعالى: [وتطوعه موضع المكتوبة إلا من حاجة]

    أي: لا يتطوع الإمام موضع المكتوبة، وهذا فيه تفصيل، فبعضهم يقول: الإمام لا يصلي النافلة في موضع إمامته.

    وهذا القول وجيه، وسبب ذلك أن المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلى بالناس وانتهى من الأذكار ينصرف.

    يقول العلماء: الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الإنسان إذا تقدم على الناس تميز وصار له فضل، وحينئذٍ يكون الناس وراءه، وهذا الفضل شُرِع لحاجة وهي الإمامة، ثم أعطي قدر الأذكار، فبقي ما عداها على الأصل، فلا ينبغي له أن يبقى في موضع إمامته.

    ولذلك شدد العلماء رحمة الله عليهم، وبعض المتقدمين شددوا على الإمام أن يطول في الأذكار ويطيل الجلوس في المحراب، ولا يتذكر أنه متقدم على الناس؛ لأن هناك أناساً لهم فضلهم ولهم مكانتهم، فلا يتقدم عليهم إلا بقدر ما أذن له الشرع بالتقدم.

    وهذه من آداب الإمامة التي ينبغي أن يتنبه لها الإمام، وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يبقى في موضعه إلا بعد صلاة الفجر، فكان عليه الصلاة والسلام يجلس -كما ثبت في الصحيح- ويتحلّق حوله أصحابه، واستثنى بعض العلماء إذا وُجدت حاجة كالتعليم، كأن يكون عند الإمام درس علم ونحو ذلك، ويكون في موضع المحراب، قالوا: لا حرج في هذا. وإن كان بعضهم يستحب له أن ينتقل.

    فالشاهد أنهم قالوا: لا يتطوع في موضع المكتوبة، وجاء فيه حديث ضعيف عند ابن حبان، أو ابن ماجة ينهى عن التطوع في موضع المكتوبة.

    واختلف الأئمة في تعليل ذلك، فقال بعض العلماء: إنما هو للتميز -كما ذكرنا-، وقال بعضهم: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يوصل بين الصلاتين، فلا يصل بين الصلاتين حتى يتكلم، أو يفعل فعلاً يخرج به عن الصلاة، وهذه من سماحة الإسلام، حتى يخرج المسلم عن رهبنة النصارى والغلو في العبادات.

    ولذلك قالوا: إنه لا يصل الصلاة بالصلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل الصلاتين ببعضهما ما لم يتكلم أو يعمل، قالوا لا يصلي حتى يكلم أحداً، أو ينتقل من موضعه، وقالوا: فإذا انتقل من موضعه صلى ولا حرج عليه.

    وقال بعض الأئمة في تعليل ذلك: إنه إذا صلى في موضع المكتوبة فإنه يشهد الموضع له بالصلاة، فإن أراد أن يصلي النافلة فليستكثر من الخير وليتقدم أو يتأخر أو يتيامن أو يتياسر، وقد حفظ عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي على يمين منبره، وهو الموضع الذي ورد في الصحيح أنه كان يتحرى الصلاة عنده عليه الصلاة والسلام.

    فهذا يدل على أن الإمام لا يتعطَّن، كأنهم يقولون: إنه إذا صلى في هذا الموضع كأنه تعطَّنه؛ لأنه إمام يصلي المكتوبة ويصلي النافلة في هذا الموضع، قالوا: كأنه تعطَّن، وقد نهي عن تعطن المواضع في المساجد.

    فهذا حاصل ما ذُكِر في تنفِّله في موضع المكتوبة، وإن كان الأشبه أن المراد به ألا يتميز على الناس، وألا يتقدم عليهم، فبعد انتهائه من الأذكار يدخل إلى بيته متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ويصلي الراتبة، إلا ما ورد فعله منها في المسجد، أو يصلي في أي ناحية من المسجد، حتى لا يكون متميزاً على الناس.

    1.   

    حكم إطالة الإمام القعود في موضعه بعد الصلاة وكيف ينصرف

    قال رحمه الله تعالى: [وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة].

    السنة للإمام إذا صلى بالناس وانتهى أن يستغفر وهو مستقبل القبلة ولا يلتفت.

    والسبب في هذا أنه يمكث بقدر ما يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ثلاثاً، قالوا: لاحتمال أن تكون الصلاة فيها نقص، واحتمال أن يكون قد سها في صلاته، فإذا انتقل مباشرة فإنه لا يكون بحالة أكمل مما لو بقي في موضعه.

    ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يتحول مباشرة، فعلى الإمام أن يبقى، قالوا: فيه مصالح، منها: قضية تدارك ما فات، سواءٌ أكان بسجود سهوٍ، أم بقضاء ركعة بقيت وسلم قبل أن يفعلها، وكذلك أيضاً قالوا: إنه قد يكون هناك نساء يُرِدن الانصراف، فإذا عجل فإنه لا يأمن الفتنة، ولذلك قالوا: لا يبادر بالانصراف. وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يتأخر في انصرافه قليلاً ليتمكن النساء من الانصراف، كما ورد في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام.

    فهذا من آداب الإمامة، فإذا ثبت أنه لا يستعجل فكذلك أيضاً لا يتأخر، فلا يبقى معطياً للناس ظهره؛ لأنها صفة لا تليق؛ لما فيها من الانتقاص؛ لأن تولية الظهر للشيء انتقاص له.

    ولذلك وصف الله عز وجل من أعرض عن القرآن بأنه اتخذه وراءه ظهريا، فإذا كان الإنسان معطياً لغيره ظهره فإن هذا لا يكون إلا بقدر الحاجة، فلما وُجِدت الحاجة بالإمامة وانتهت الإمامة فإنه ينفتل إلى الناس ويستقبلهم.

    وللعلماء أوجه في جهة الانصراف:

    فقيل: السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر الانصراف عن يساره، وقال: (لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته)، قالوا: إذا انصرف فلا ينصرف دائماً عن يمينه وإنما ينصرف عن يساره، وقال بعض العلماء: بل ينصرف عن يمينه كابتداء انفتاله من الصلاة؛ لفضل اليمين وشرفه، ثم إذا قام وهبَّ إلى بيته، أو هب إلى موضع درسه، أو إلى موضع في المسجد فإنه يكون انصرافه عن اليسار تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا ضعيف؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في اليمين بعد أن ينفتل، ولم يكن في اليسار.

    فلو كان انصراف النبي صلى الله عليه وسلم دائماً المراد به عن يمينه ثم ينفتل عن يساره، لأصبح في هذا مشكلة أنه عن يساره سينفتل إلى الجهة الغربية في المدينة، والجهة الغربية جهة الخوخات في المسجد، وهي بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وغيرهما من الصحابة، وليس ببيته وحجراته عليه الصلاة والسلام، ولم تكن إلا حجرة بعض نسائه عند باب الرحمة، وهي الجهة الغربية، ولا يمكن أن يقصدها ابن مسعود في إخباره عن أكثر انفتاله عليه الصلاة والسلام في قوله: (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ينفتل عن يساره).

    والذي يظهر أن الإنسان لا يجعل حظاً للشيطان، فينفتل تارة عن يمينه وتارة عن يساره، والناس تُنكر هذه السنة، فإحياؤها طيب، ومستحب أن يحيي الإنسان هذه السنة، والأفضل أن يسبق ذلك بتنبيه للناس حتى لا يحدث تشويشاً عليهم.

    قال رحمه الله تعالى: [فإن كان ثم نساء لبث قليلاً لينصرفن].

    هذا من باب الرفق بهن حتى يكون ذلك أدعى لسترهن وأبعد عن فتنته.

    1.   

    حكم الصلاة بين السواري

    قال رحمه الله تعالى: [ويكره وقوفهم بين السواري إذا قطعن الصفوف]

    الصلاة بين السواري قد جاء فيها حديث أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يُطردون عنها طرداً.

    وقال بعض العلماء: إنه لا تجوز الصلاة بين السواري، واختلفوا، فقال بعضهم: إنما نهي عن الصلاة بين السواري لأنها تقطع الصفوف، وهذا وجه للتعليل.

    والوجه الثاني أنها كانت موضع الأحذية، وليست موضع الِعبادة، ولذلك مُنِع منها تنزيهاً وتشريفاً للصلاة، كما هو معهود في غير ما مثال من الشرع.

    فلذلك قالوا: لا يصلى بين السواري لهذا، وإنما يصلى في الصف التالي، واغتفر بعض العلماء رحمة الله عليهم القاطع اليسير والقاطع المضطر إليه كقاطع المنبر ونحوه، قالوا: إن هذا يغتفر، وهكذا إذا كان القاطع يسيراً لا يمنع العلم بأطراف الصلاة، كما كان في المسبوقات القديمة التي تكون للأئمة ونحوهم.

    قالوا: إن هذه القياسر ونحوها تستثنى ولا حرج فيها، خاصة إذا كانت قدر شبر ونحوه، أي: يسيرة، قالوا: إن هذا يغتفر ولا حرج فيه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التقدم على الإمام من غير جهته في الكعبة

    السؤال: الصلاة في الحرم المكي أمام الصف الأول مما يلي الكعبة في غير جهة الإمام هل تعتبر من التقدم على الإمام أم لا؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فمن صلى داخل المسجد الحرام فإنه على حالتين:

    الحالة الأولى: أن يكون في الجهة التي فيها الإمام.

    والحالة الثانية: أن يكون في غير جهة الإمام.

    فأما من كان في جهة الإمام فإنه لا يجوز له أن يتقدم على الإمام، وهذا هو الأصل الذي ذكرناه وقررناه.

    توضيح ذلك: لو صلى الإمام في الجهة التي تلي باب الكعبة وكان بينه وبين الكعبة ثلاثة أذرع، فلا يجوز لأحد أن يتقدم على هذا القدر، وإنما يكون وراء الإمام.

    وأما بالنسبة للجهات الأُخَر فإنه يجوز له أن يكون على بعد ذراع من الكعبة، ولا حرج عليه في ذلك، وهذا قول جماهير العلماء، وأفتى به طائفة من السلف رحمة الله عليهم، وكان معروفاً في مكة في أزمنة الأئمة رحمة الله عليهم، ونقله الإمام الشافعي رحمه الله، قالوا: إن هذا لم يكن أحد ينكره، أي: التقدم في غير جهة الإمام.

    والسبب في ذلك أن غير جهة الإمام لا يكون الإنسان فيها مطالباً بالتأخر عن الإمام؛ إذ لو قلنا: إنهم مطالبون بالتأخر إلى حد الإمام لوجب عليهم أن يرجعوا ويصلوا وراءه فتتعطل الجهات الأُخَر، فلما أُذِن بالصلاة في الجهات الأخر استوى أن يكونوا قريبين أو بعيدين.

    والأمر الثاني: أن المفسدة التي من أجلها نهي عن التقدم على الإمام غير موجودة في هذه الحالة، والسبب في ذلك أنهم في الجهة هذه يرون الإمام أو من يقتدي بالإمام، وعلى هذا قالوا: إنه إذا لم يره بشاخص الكعبة فإن أطراف الصف يرون، فينتقل العلم بطرف الصف.

    وإذا ثبت أنه يجوز في الجهة التي هي غير جهة الإمام أن يتقدم فلو كان الإمام من جهة الباب، أو من جهة المقام بينه وبين الكعبة متر حيث يجوز أن يكون بينك وبين الكعبة قدر ذراع، فيجوز أن تكون أقرب إلى الكعبة، فإنه يرد السؤال: هل العبرة في الصف الأول بمن يلي الإمام من حدِّه دائراً على الكعبة؟ أم العبرة في الصف الأول في غير جهة الإمام بمن كان أقرب للكعبة؟

    وجهان للعلماء:

    أصحهما وأقواهما أن من كان أقرب للكعبة فإنه هو الصف الأول؛ لأنه لما أُذِن بالشرع بتقدمهم فإنه يعتبر صفهم هو الأول، ولا يستقيم أن يُقال عن صف: إنه الصف الأول، وقد تقدم عليه غيره؛ لأن الوصف لا يتحقق، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول..).

    فالصف الأول من غير جهة الإمام الذي أذن به الشرع هو أقرب الصفوف إلى الكعبة، فكما أن الصف الأول من جهة الإمام أقربها إليه كذلك من غيرها الصف الأول أقربها إلى الكعبة، وهو أولى الأقوال وأقواها إن شاء الله تعالى.

    حكم القصر إذا سافر دون مسافة القصر

    السؤال: إذا وصل المسافر إلى ضاحية أو قرية من قرى مدينته التي لا تبعد عنها مسافة القصر، فهل له أن يقصر الصلاة إذا قفل راجعاً من سفره؟

    الجواب: من خرج من مدينته إلى موضع دون مسافة القصر فإنه لا يقصر الصلاة، فلا بد في جواز القصر من وجود المسافة، وهذا هو مذهب طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتدل عليه السنة في ظاهرها.

    أما دليل السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم..)، فوصف مسيرة اليوم بكونها سفراً، ولو كان ما دون اليوم يسمى سفـراً لمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن تسافر.

    الأمر الثاني: أن الصحابة رضوان الله عليهم أفتوا بذلك، فإن ابن عباس رضي عنه سئل وهو بمكة عن قصر الصلاة إلى مر الظهران وما قرُب من مكة فقال: لا، إنما يقصر إلى عسفان وجدة والطائف، وكانت عسفان وجدة والطائف على مسافة القصر.

    ولذلك قالوا: إن هذا يدل دلالة واضحة على أن مسافة القصر مؤقتة، ويؤكد هذا السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أُحد وهي بضاحية المدينة ولم يقصر الصلاة، ومكث بالخندق وهي تبعد ميلين عن المدينة إبان عهده عليه الصلاة والسلام ولم يقصر الصلاة، وخرج إلى بني النضير خمسة عشر يوماً وحاصرهم ولم يقصر الصلاة، وخرج إلى بني قريظة وصلى بأصحابه العصر ولم يقصر الصلاة، وكلها ضواحٍ، مع أنه في حكم المسافر؛ لأنه حينما نزل على بني قريظة إنما قصد حصارهم وحربهم، وهذا سيكون بلا شك أنه في حكم السفر، ومع ذلك لم يقصر الصلاة، حتى إن الإمام ابن حزم الظاهري مع تمسكه بظواهر النصوص والتزامه بها رحمة الله عليه يقول: علمنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقصر في القليل والكثير، وإنما كان يقصر في المسافة.

    فدل على أنه يؤقت السفر بالمسافة، وهذا هو الذي أفتى به جمهور العلماء، وعليه العمل، فالعبرة في السفر بالمسافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى ضواحي المدينة لم يقصر.

    وعلى هذا إذا كان المكان الذي تريد قصده دون مسافة القصر كضاحية فإنك لا تقصر، لكن لو أنك قصدت مدينة بعيدة، كأن تخرج من مكة إلى المدينة، ثم لما خرجت من مكة نزلت بعد بُعدِك عن مكة بعشرة كيلو مترات، أو بخمسة كيلو مترات في موضع أو في ضاحية حل لك أن تقصر.

    فمتى خرجت عن آخر عمران مكة جاز لك أن تترخص بالقصر في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة العصر ركعتين.

    فدل على أن القصر يكون بمجاوزة آخر العمران، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما يفهم من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه وأرضاه. والله تعالى أعلم.

    حكم إعادة تحية المسجد عند الخروج والدخول للمسجد

    السؤال: يصلي كثير من الطلاب مع الجماعة في الصف الأول، ثم يصعدون للحلقات في الدور الثاني، فهل عليهم إعادة تحية المسجد مرة أخرى؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل، فإن خرجوا من باب المسجد ودخلوا من باب ثان صاعدين إلى المسجد فالسنة واضحة: (إذا دخل أحدكم المسجد..)، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين طول العهد وقصر العهد، والأصل في العام أن يبقى على عمومه.

    فلو قيل: إنه إذا كان حديث العهد جاز، وإن كان طال العهد لم يجز، أو: إذا خرج بالنية جاز له أن يدخل ولا يصلي فإن هذا فيه نظر؛ لأنه إذا خرج وكان خروجه قريباً ورجع فإنه يحتاج إلى تأقيت يُفرَّق فيه بين القليل والكثير، وهذا ليس فيه دليل من الشرع، ولذلك يقولون: تأقيت بدون مؤقت.

    وقالوا: إن التفريق بين كونه قريباً وبعيداً مبني على الاستحسان، والأصل أن إعمال عموم النص أولى من إعمال الاستحسان في مثل هذا، خاصة وأنه شُرِع على وجه التعبد؛ فقال: (إذا دخل أحدكم المسجد..)، ولم يفرق بين هذا وذاك.

    وقال بعض العلماء: لو خرج بكامل جسمه ثم رجع مباشرة لزمه أن يعيد تحية المسجد، أما لو خرج من المسجد ناوياً الرجوع، أو خرج من المسجد على نية أن يبقى فهذا مبني على إلغاء الظاهر وإعمال النية والباطن.

    وتوضيح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (إذا دخل أحدكم المسجد)، علق هذا على ظاهر المكلف ولم يعلقه على نيته.

    وما من إنسان يخرج من المسجد -إذا كان عبداً صالحاً أو يريد الخير- إلا وفي نيته غالباً أن يعود إليه، ولذلك ورد في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد).

    بل قل أن تجد إنساناً صالحاً يخرج إلا وفي نيته أن يعود إلى الفرض الذي بعده، وعلى هذا تسقط تحية المسجد، والذي يظهر والله أعلم أن العبرة بعموم النص، وما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا دخل أحدكم المسجد)؛ حيث لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين دخول يطول الفصل فيه ودخول يقصر فيه الفصل، ولم يفرق بين كونه ناوي الرجوع، أو غير ناوٍ. والله تعالى أعلم.

    حكم قطع الطواف لصلاة الجنازة

    السؤال: من كان يطوف فهل له أن يقف ويصلي على الجنازة، أم يمضي في طوافه؟

    الجواب: الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه يُتم طوافه ولا ينشغل بصلاة الجنازة، أما لو كان الطواف فرضاً كطواف الإفاضة ونحوها من الأطوفة الواجبة واللازمة كطواف الوداع فلا إشكال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الطواف بالبيت بأنه صلاة، ولا يترك الصلاة المفروضة اللازمة لما هو دونها في المرتبة، فإن الصلاة على الجنازة من فروض الكفايات، وقد قام حقها بصلاة غيره عليها، فلا يترك الفرض العيني المتعلِّق به إلى فرضٍ قد سقط عنه بفعل غيره، ولذلك يبقى في طوافه ولا يقطع.

    ولكن إذا أُقيمت صلاة فريضة فإنه ينسحب ويصلي، ثم إذا صلى الفريضة كالعصر والظهر ونحوها ورجع فهل يرجع من أول الطواف، أو يرجع من الموضع الذي قطع فيه؟ أصح الأقوال أنه يرجع من الموضع الذي قطع فيه.

    وبناءً على ذلك يرجع إليه ويُتِم طوافه، والأحسن أن يبتدئ من بداية الشوط الذي قطعه على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب. والله تعالى أعلم.

    نصائح وتوجيهات لطلبة العلم

    السؤال: نود ذكر ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من حيث ضبط المسائل ومراجعتها؟

    الجواب: أولاً: أوصي الإخوان وأوصي الجميع ونفسي بتقوى الله عز وجل، فيتقي الإنسان ربه، وهذا العلم يراد به ما عند الله سبحانه وتعالى.

    وكان العلماء رحمة الله عليهم يوصون دائماً بالإكثار من التواصي بالإخلاص في العلم، فإن الله يضع البركة فيه، ويكثر خيره، وينمي ما فيه من نفع المسلمين بحسن نية صاحبه.

    فينوي الإنسان بهذا العلم أن ينقذ نفسه من الضلال، وأن يعمل به، وأن يعلمه الناس، وأن يكون في نيته ألا يبخل على أحد بحكمة رزقه الله علمها، فهذا من أفضل ما يكون في توفيق الإنسان، وكلما صلحت نية طالب العلم كان ذلك أدعى لتوفيق الله ورحمته به.

    فإن الله اختار القلوب للنظر، ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فأَرِ الله من نفسك حسن النية.

    الأمر الثاني: لا تعجب، ودائماً كن في احتقار وانتقاص لنفسك؛ فإن الله يرفع قدرك، قال بعض السلف: والله ما جلست مجلساً أظن نفسي أني أعلى القوم إلا خرجت وأنا أدناهم، وما جلست مجلساً أرى نفسي أصغر القوم إلا خرجت وأنا أعلاهم.

    فإذا احتقر الإنسان نفسه وقال: من أنا، وأخذ يظن بنفسه أنه دون الناس رفع الله قدره، وجعل بين الناس حبه والثقة بما يقول.

    الأمر الثالث: أن تضبط هذا العلم حق ضبطه، فتأخذه كما ينبغي أن يأخذه طالب علم بجد واهتمام وصدق كما قال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، فيحتاج العلم إلى عزيمة، ولا يكون بكسل أو خمول أو توانٍ، فتأخذ العلم بهمة صادقة وعزيمة على الخير وحب للانتفاع به.

    قال صلى الله عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا)، فأرِ الله منك الجد والاجتهاد والصبر والتحمل.

    ولذلك موسى عليه السلام لما بلغه أن هناك من هو أعلم منه قال: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا[الكهف:60] ومعنى (حقبا) أي: إلى آخر الدهر حتى أبلغ هذا الذي هو أعلم مني.

    وهذا يدل على الهمة الصادقة في العلم، فإن وجدت من هو عالم ويوثق بدينه وما عنده من العلم فخذ العلم كما ينبغي أن يؤخذ، فتكون عندك الهمة الصادقة فيه، والجد والاجتهاد والتفاني فيه، وبقدر ما تضحي للعلم يضع الله لك البركة والخير والنفع للمسلمين.

    فمن تعب اليوم فإنه يجني الثمار غداً، فيجنيها في الدنيا والآخرة، ويجنيها من الله سبحانه وتعالى في عاجل أمره وآجله؛ لأن المعاملة مع الله رابحة على أتم الوجوه وأكملها.

    الأمر الرابع: أول ما تُعنى به تطبيق العلوم بعد أن تعلمها وتعرف حلالها وحرامها، فتعمل بهذا العلم الذي علمته، ولذلك قالوا: اعمل بالحديث ولو مرة تكن من أهله.

    فإذا علمت أن الله أحل فأحِل، وإذا علمت أن الله حرم فحرم، وكن عاملاً بهذا العلم، فإذا وفقك الله للعمل بما علمت فإن الله يرزقك علم ما لم تعلم.

    قالوا: من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم، أي: رزقه ما لم يكن له على الحسبان، وفتح الله له البركة؛ لأن العمل توضع بسببه البركة في علم العالم.

    الأمر الآخر الذي أحب أن أوصي به بعد العمل: أن تدعو الناس، وتهدي الناس إلى هذه السنن، وتحس أنها في رقبتك أمانة، فتبين للناس حلال الله وحرامه، وتدعوهم بالتي هي أحسن إلى أن يعملوا بالحلال وأن يحلوه، وأن يجتنبوا الحرام ويبتعدوا عنه وينبذوه.

    فمن خير المنازل الدعوة إلى الله عز وجل بالعلم، حتى تكون ممن عناهم الله عز وجل بقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا[فصلت:33].

    وينبغي عليك أن تتنبه لأمور:

    أولاً: شيء لا تعلمه لا تتكلم فيه؛ فإن الله عز وجل إذا أراد أن يسلم العبد من تبعة هذا العلم رزقه الأمانة فيه، فلا تتكلم إلا بقدر ما علمت، وكلما كان طالب العلم دقيقاً من أول طلبه للعلم، فلا يتكلم إلا في حدود ما يعلم كان أدعى لضبطه للعلم، وأدعى -أيضاً- لسلامته من تبعة العلم.

    فإن الإنسان تزل قدمه بكلمة واحدة، وقد يمقت الله العبد بكلمة من غضبه حينما يفتري على الله كذباً فيقول: هذا حلال، والله حرَّم، أو: هذا حرام، والله أحل، خاصة إن كان عن جهل وجرأة على الله، نسأل الله السلامة والعافية.

    قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا[الأنعام:21]، فلو وقفت أمام الناس والخلق أجمعين يسألونك عن شيءٍ لا تعلمه فقل بكل عزة وإباء: الله أعلم، فمن قال: لا أدري، فقد أُنفذت مقاتله، ويكون الله أعلم في قلبك من كل أحد، ولا تبال بأحد.

    ولو ضاقت عليك الأرض بما رحبت فلا تقل في دين الله وشرع الله ما لا تعلم أبداً، فلا تتقدم، فإنك إن فعلت فقد تقحّمت النار على بصيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

    ومن كانت عنده الجرأة على الاجتهادات والخوض في الآراء وكثرة الجدل حتى يُحدث لنفسه أقيسة وفروعاً فقد زلت به القدم -نسأل الله السلامة والعافية- إن عاجلاً أو آجلاً، وقل أن يسلم من مكر الله به والعياذ بالله، فينبغي أن تكون أميناً.

    فاتق الله يا طالب العلم، فإن الناس إن جلست بين يديك تريد علماً صادقاً، ولا تريد الكذب، ولا تريد الغش، ولا تريد إحلال الحرام وتحريم الحلال، وإنما تريد الأمانة.

    وقد قال تعالى: اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[الأحقاف:4]، قال بعض العلماء: في هذه الآية دليل على أن العالم لا يكون صادقاً إلا إذا تتبع الأثر.

    ولذلك تجد في بعض الأحيان بعض الكتب تنقل ولا تزيد، حتى إن الكلمات مكررة، وهذا يدل على أمانة العلماء، وهم قادرون على أن ينظِّروا، وأن يجتهدوا، وأن يفرعوا، وأن يؤصِّلوا، ولكن الخوف من الله حبسهم.

    فينبغي لطالب العلم أن يكون بهذه المثابة، فلا تتكلم في شيء لا تعلمه، وإذا أصبحت من الآن لا تخطو خطوة إلا وأمامك دليل وحجة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فأنت على خير.

    والوصية التي أحب أن أنبه عليها أيضاً أنك لا تدخل في مماراة السفهاء ومجادلة العلماء، فلا تتعلم العلم لتماري به السفهاء، أو تجادل به العلماء، فمن تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليجادل به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار.

    وليكن أهم شيء عندك رضوان الله العظيم، وأهم شيء أن الله يرضى عنك حينما علمت فعملت وعلّمت ودعوت، فإذا بلغت هذا وضع الله في قلوب العباد الثقة بعلمك، ووضع الله في قلوب العباد حبك، وتجد من تيسير الله لك في العلم، حتى إنه في بعض الأحيان تقول: (الله أعلم) فتخاف الله عز وجل وتتورع، فلا تجاوز مكانك حتى يفتح الله عليك بالحق فيها، وهذا مجرب، فربما تتذكر أدلة ونصوصاً في المسألة، وكأن الله يمتحنك، وكأن الله يبتليك ويختبرك، فإذا كنت بهذه المثابة فإن الله يفتح عليك.

    ثم عليك أن تشوب العلم بالصلاح والتقوى والورع، فكلما نظرت إلى الله سبحانه وتعالى كيف علّمك وفهمك وهداك وأرشدك فينبغي أن تشكر هذه النعمة؛ فإن الله تأذن بالزيادة لمن شكر، وتأذن بمحق البركة لمن كفر.

    ولذلك يقول العلماء: قرينان لا يمكن أن يكون الإنسان إلا على واحد منهما، إما شكر وزيادة، وإما كفر -والعياذ بالله- فمحق للبركة وخسارة، فإذا أردت أن يبارك الله لك في هذا العلم فدائماً اذكر فضل الله عليك، وأثن على الله بما هو أهله.

    ودائماً ينبغي أن تدمع عينك، خاصة إذا كنت في خلوة بينك وبين الله، فتقول: يا رب: لك الحمد، علمتني وكنت جاهلاً، وهديتني وكنت ضالاً، وأرشدتني وكنت حائراً. إلى غير ذلك.

    فلا تزال تثني على الله وتصعد منك هذه الكلمات، ففي الحديث: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها).

    فلربما أنك تجلس خالياً فتذكر ولو مجلساً واحداً جلسته، ولو فتوى واحدة سمعتها من أهل العلم، فإن الله يرفعك بها درجات، فإن شكرت بارك الله لك.

    والوصية الأخيرة: أن تتأدب مع العلماء والسلف الصالح رحمة الله عليهم، فأنت لم تتعلم العلم لكي تضع نفسك في مكان لست بأهله، فلا تكن جريئاً على تخطئة الأسلاف، وكذلك بيان عوارهم وانتقاصهم، وإنما تأدب مع السلف الصالح والأئمة، وتأدب مع من هو أعلم منك.

    وإن جلست في مجلس وهناك من هو أعلم منك فأعط الزمام له، قال صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر)، فاحفظ حق من هو أكبر منك، ومن هو أسبق منك، ولا تتعال على الناس، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[القصص:83].

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل علمنا نافعاً، وعملنا صالحاً خالصاً لوجهه الكريم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا فيما علمنا وعملنا، وأن يجعله خالصاً لوجهه ليس فيه لأحد سواه حظ ولا نصيب؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756191879