إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب السواك وسنن الوضوء [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للوضوء سنن كثيرة منها: السواك، ويتأكد استعماله عند القيام من النوم، وعند القيام إلى الصلاة، وعند تغير رائحة الفم بطعام أو غيره، ومن سنن الوضوء كذلك غسل الكفين، والمضمضة والاستنشاق، والتثنية والتثليث في غسل الأعضاء، وكذلك أخذ ماء جديد للأذن.

    1.   

    أحكام السواك

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    الأدلة على عدم وجوب السواك

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسنون كل وقت إلا لصائم بعد الزوال].

    هذه الجملة مراد المصنف بها أن يبين حكم السواك فقال رحمه الله: (مسنون) ومراده بذلك: أنه ليس بواجب ولا بلازم.

    وقال بعض العلماء -كما تقدم في المجلس الماضي-: إن السواك واجب, ولكن هذا القول يعتبر مرجوحاً؛ وذلك لمعارضته للسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

    فهذا الحديث يدل على أن السواك ليس بواجب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من إيجابه على الأمة خوف المشقة عليهم, ولذلك يعتبر القول بالوجوب مرجوحاً من هذا الوجه.

    ويعتبر السواك مسنوناً لا واجباً ولا لازماً, بمعنى: أن الإنسان يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.

    (مسنون) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سنّه بقوله وفعله، أما بقوله: فكما تقدم في حديث أبي هريرة وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث البخاري معلقاً بالجزم : (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) فهذا الثناء من النبي صلى الله عليه وسلم على السواك يدل على أنه سنة.

    وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه أكد السواك وندب إليه حتى قال في الحديث الصحيح: (أكثرت عليكم في السواك) وهذا يدل على حبه صلوات الله وسلامه عليه وحرصه على هذه الخصلة المحمودة، وقد جاء كذلك عنه عليه الصلاة والسلام أنه رغب في السواك في آخر حياته وهو في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه، ففي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة : (أن عبد الرحمن رضي الله عنه -أعني: أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعن أبيه- دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده سواك، قالت أم المؤمنين: فأبّده النبي صلى الله عليه وسلم بصره) وقد كان عليه الصلاة والسلام عفيفاً، لا يسأل الناس شيئاً، ولكن لفضل السواك وعظيم مكانته أبّده بصره، ففهمت رضي الله عنها وأرضاها حب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السواك.

    فالسواك بالإجماع سنة إلا من خالف وقال بوجوبه, أي: يكاد يكون قول الجماهير، إلا أن بعض أهل الظاهر قالوا بالوجوب، والصحيح: أنه ليس بواجب.

    حكم السواك بعد الزوال للصائم

    وقوله: (إلا لصائم بعد الزوال)، قوله: (لصائم) عام, فيشمل الصائم فرضاً, والصائم نفلاً، وهذا هو أحد قولي العلماء رحمة الله عليهم، وهو قول موجود في مذهب الحنابلة والشافعية: أن السواك لا يستحب بعد الزوال، واحتجوا لذلك بأدلة:

    أولها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ووجه الدلالة من هذا الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم امتدح الخلوف، وأخبر أنه أطيب عند الله من ريح المسك، قالوا: فلو قلنا بمشروعية السواك في هذا الوقت -أعني: بعد الزوال- لأذهب فضل الخلوف وهو مقصود في العبادة بذاتها، فلا تشرع إزالته بالسواك، كما لا تشرع إزالة دم الشهيد بالغسل إذا قتل في المعركة, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشهداء أحد أن يلفوا في ثيابهم وأن يكفنوا فيها دون أن يغسلوا رضوان الله عليهم أجمعين.

    فقالوا: لا تشرع إزالة أثر الصيام كما لا يشرع إزالة أثر الشهادة بجامع أن الخلوف ودم الشهيد كل منهما أثر لعبادة شرعية.

    وحاصل أدلتهم أحاديث ضعيفة احتجوا بها, وأقوى ما استدلوا به:

    أولاً: السنة في قوله: (لخلوف فم الصائم) .

    وثانياً: القياس، حيث قاسوا خلوف فم الصائم على دم الشهيد، فقالوا بعدم مشروعية إزالة هذا الأثر، كما لا تشرع إزالة ذلك الأثر.

    وأصح القولين -والعلم عند الله- القول بمشروعية السواك، وذلك على العموم ولو كان للصائم بعد الزوال، وذلك لما يلي:

    أولاً: لعموم الأدلة في فضل السواك، قال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولم يقل: إلا بعد الزوال، وقد قال لـلقيط بن صبرة : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فلم يستثنِ صلى الله عليه وسلم السواك، وأمر بالسواك يوم الجمعة، وأكثر فيه عليه الصلاة والسلام ولم يقل: إلا أن يكون صائماً.

    وكما هو معلوم عند الجميع أن رمضان لا يخلو من جمع, ومعلوم أن الإنسان لا يمضي للجمعة غالباً إلا ما يقارب الزوال, وبناء على هذا كله فإن الذي يترجح هو القول بسنية السواك مطلقاً ولو كان للصائم بعد الزوال.

    أما الجواب عن أدلة من قال بالمنع أو بكراهيته بعد الزوال:

    أولاً: استدلالهم بقوله: (لخلوف فم الصائم ..) نقول: جوابه أن الخلوف ناشئ من المعدة, وليس من نتن الفم، فإن الخلوف بخار يتصاعد من جوف الإنسان لا من فمه، وأما السواك فإنه يذهب أثر الفم وليس أثر الجوف, وهذا معلوم ومدرك ومشاهد بالحس أن السواك لا يؤثر على فضل الخلوف الذي ينشأ عن الجوف، وبناء على ذلك: يكون قوله: (لخلوف فم الصائم ..) غير دال على المنع من السواك بعد الزوال.

    ثم الأمر الثاني: أن قولهم: إنه أثر فضلة عبادة لا تشرع إزالته, نقول: إن الذي يزيله السواك هو وسخ الأسنان الذي أمر الشرع بتطهيره، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وبهذا كله يترجح القول بأن السواك يشرع ولو للصائم بعد الزوال؛ لعموم الأدلة الثابتة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقوله: [بعد الزوال].

    (الزوال) كما هو معلوم مأخوذ من زال الشيء إذا تحرك, والزوال يكون بعد انتصاف الشمس في كبد السماء، فمن سنة الله عز وجل الكونية أن الشمس تسير من المشرق إلى المغرب، فإذا بلغت منتصف النهار وصارت في كبد السماء وقفت لحظة، وهذه اللحظة لا يتحرك فيها الظل لا إلى جهة المشرق ولا إلى جهة المغرب، وهي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (حين يقوم قائم الظهيرة) أي: يقوم الظل فلا يتحرك, فإذا وقف الظل هذه اللحظة وهي من أربع دقائق إلى خمس دقائق تقريباً، تبدأ الشمس بعد ذلك بالتحرك إلى جهة الغروب، فإذا تحركت تحرك الظل إلى جهة المشرق بعد أن كان في جهة المغرب؛ لأن الشمس تشرق من المشرق فيكون الظل في المغرب, فإذا انتصفت في كبد السماء وقف الظل ثم إذا تحركت إلى المغرب تحرك الظل إلى جهة المشرق, ولذلك يقولون: زالت, أي: تحركت, فهذا هو الزوال، وهو الدلوك ودحض الشمس, وهو الدلوك الذي عناه الله بقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] والدحض الذي عناه أبو بردة رضي الله عنه بقوله: (كان يصلي الهجيرة التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس)، فالمقصود: أن الزوال تحرك ظل الشمس إلى المشرق.

    1.   

    أوقات يتأكد فيها استعمال السواك

    قال رحمه الله تعالى: [متأكد عند صلاة وانتباه وتغير فم].

    السواك عند الصلاة

    (متأكد) أي: هذه السنة النبوية -أعني: السواك- يتأكد فعلها (عند صلاة) لثبوت النص: (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وهنا للعلماء وجهان:

    قال الجمهور: يشرع قبل الصلاة أن يستاك الإنسان ولو كان في المسجد.

    وقال طائفة من العلماء -وهو مذهب بعض المالكية- بكراهية السواك عند الصلاة مباشرة, وحملوا الحديث: (عند كل صلاة) على أن المراد به عند الوضوء، كما في الرواية الأخرى، وقالوا: إننا لو قلنا: إن الإنسان يستاك عند الصلاة لحصلت محاذير:

    أولها: أنه ربما جرح اللثة؛ لأن السواك لا يؤمن أن يكون ناشفاً، فيجرح اللثة أو يدميها فيسيل الدم, والدم نجس وهو قول الجماهير.

    الأمر الثاني: أن الإنسان إذا استاك عند الصلاة، إما أن يتفل في المسجد وهذا ممنوع عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة) وإما أن يبلع الوسخ والقذر الذي أخرجه السواك من أسنانه، فيكون منظفاً لظاهره ومفسداً لباطنه بدخول هذه الفضلة إلى الباطن وربما أضرت بالجسد، قالوا: فلا يشرع فعلها عند الصلاة مباشرة، والصحيح: أنه يشرع، أما ما ذكروه من إدماء اللثة فإنه يحتاط بالسواك الرطب, وكذلك أيضاً يحتاط بإجراء السواك على العظم دون اللثة إذا كان السواك ناشفاً.

    وأما ما ذكروه من البصاق في المسجد فليس على كل حال، فبإمكان الإنسان أن يبصق في منديل أو في ثوبه، أو إذا كان المسجد غير مفروش بصق تحت قدمه اليسرى ثم دفن بصاقه، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن يبصق في المسجد: (فلا يبصق عن يمينه فيؤذي بها الذي عن يمينه, ولا يبصق عن شماله فيؤذي الذي عن شماله, ولكن عن يساره تحت قدمه) هذه هي السنة إذا كان المسجد غير مفروش, أما إذا كان مفروشاً فإنه يبصق في منديل ونحو ذلك,

    (متأكد عند صلاة) من الأدلة على تأكده عند الصلاة: حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن أبيه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) يشوص: بمعنى: يدلك، شاصه وماصه إذا دلكه, وهذا الحديث يدل على مشروعية السواك عند الصلاة سواء كانت فريضة أو كانت نافلة.

    وورد في حديث ولكن تكلم العلماء في سنده في فضل السواك عند الصلاة وأنها أفضل من سبعين صلاة بدون سواك، ولكنه حديث ضعيف، وقال بعض العلماء: إنه يستحب عند الصلاة لمكان دنو الملك من قراءة القارئ للقرآن، حتى ورد في الخبر أنه يدني إلى فم القارئ لفضل قارئ القرآن، ولذلك قالوا: يستحب للإنسان أن يحرص على نظافة فمه بالسواك.

    السواك عند القيام من النوم

    قال رحمه الله تعالى: [وانتباه]

    أي: انتباه من النوم؛ لأن أم المؤمنين رضي الله عنها ذكرت أنها كانت تعد للنبي صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره, فيبعثه الله من الليل ما شاء, ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا قام يشوص فاه بالسواك كما جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في الصحيحين: (كان إذا قام من الليل يشوص فاه) قال بعض العلماء: هذا يتضمن السواك على الوجهين: عند الصلاة؛ لأنه قائم من أجل الصلاة, وعند الانتباه من النوم لأنه لما انتبه من النوم؛ تغيرت رائحة فمه فشرع له أن يزيل تلك الرائحة بالسواك.

    السواك عند تغير الفم

    قال رحمه الله: [وتغير فم]

    قالوا: حديث حذيفة دل على مشروعية السواك عند الانتباه من النوم, فيكون بلفظه دليلاً على السنية عند الانتباه من النوم، ويكون بمعناه دليلاً على أن السنة أن يستاك عند تغير رائحة الفم, فيكون الحديث فيه لفظ ومعنى.

    أما لفظه: فيدل على سنية السواك في هذا الوقت.

    وأما معناه: فهو العلة؛ لأنهم قالوا: ما فعل ذلك عند قيامه من النوم إلا لأن النوم يغير رائحة الفم, فيستنبط من ذلك أنه يشرع عند تغير رائحة الفم.

    وتتغير رائحة الفم على أوجه: منها: الطعام وخاصة إذا كانت له زهومة, ومنها: أن تتغير رائحة الفم بنوم, أو تتغير بطول صمت, أو بجوع, أو بشدة ظمأ فكل ذلك يشرع فيه أن يستاك الإنسان, وكذلك إذا أكل الإنسان شيئاً له رائحة فيستحب له أن يزيلها بالسواك.

    1.   

    كيفية الاستياك

    قال رحمه الله: [ويستاك عرضاً]

    وفيه الحديث: (استاكوا عرضاً، وادهنوا غباً، واكتحلوا وتراً) وهو حديث ضعيف.

    والاستياك عرضاً للعلماء فيه وجهان:

    منهم من يقول: المراد بالعرض أن يأخذ من طرف فمه الأيمن إلى طرف فمه الأيسر, فيبدأ باليمين إلى اليسار, فيكون استياكه على عرض السن.

    وقيل: العرض عرض الفم وذلك يكون بطول السن، أي: في ذلك وجهان: إما أن تقول: العرض عرض الفم فيكون الاستياك بطول الأسنان, وإما أن تقول: العرض عرض الأسنان فيكون الاستياك بطول الفم، فعرض الأسنان طول الفم وطول الأسنان عرض الفم, وهما وجهان في تفسير هذا الحديث.

    فمنهم من يقول: (استاكوا عرضاً) أي: أنه يأخذ من طرف فمه الأيمن إلى طرف فمه الأيسر، على الصفة المشهورة، وقيل: (استاكوا عرضاً) أي: أن يأخذ كل سن على حده فيبدأ بشقه الأيمن؛ لأن المراد بأن يستاكوا عرضاً أن يبالغ في تنظيفها, فإذا أخذ كل سن على حدة، فيكون العرض هو عرض الفم لا عرض السن، فيستاك على طول السن الذي هو عرض الفم قالوا: إن هذا أبلغ في تطهير وتنظيف الأسنان وهو المقصود من السواك.

    والصحيح: أن صفة السواك يشرع فيها فقط في السنية التيامن, أن يكون بالتيامن، أي: يبدأ بشقه اليمين، أما الصفة والطريقة التي يزيل بها فهذا موسع فيه, والإنسان فيه مخير، إن شاء أخذ بعرض الفم وطول الأسنان أو بطول الفم وعرض الأسنان، فالحال يختلف، وبناء على ذلك: ليس فيه سنة معينة غير البداءة بالشق الأيمن.

    وقوله: [مبتدئاً بجانب فمه الأيمن]

    لظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في كل شيء: في طهوره، وتنعله، وترجله وفي شأنه كله) ونص العلماء على أن السنة أن يبدأ بالشق الأيمن وينتهي بشقه الأيسر، ويكون السواك على هذه الصفة مسنوناً لما فيه من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    حكم ترجيل الشعر ودهنه

    قال رحمه الله: [ويدهن غباً].

    الادهان يكون للشعر، ويشمل ذلك شعر الرأس وشعر اللحية، وهذا كما قلنا أورده المصنف لأن الحديث قال: (استاكوا عرضاً، وادهنوا غباً، واكتحلوا وتراً) ولذلك أدخل هذه الجزئية في باب السواك وراعى هذا تأدباً مع الحديث, وهذا منهج الفقهاء أنهم يذكرون الشيء بما قاربه تأسياً بآية أو حديث، فذكر أحكام الادهان.

    والسنة أن الإنسان يدهن شعر رأسه وشعر لحيته إذا أمكنه ذلك, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرجل شعره, والدليل على مشروعية ذلك: حديث أم المؤمنين وقولها: (وترجله ..) أي: ترجيله لشعره, ولذلك قالوا: يسن.

    قال بعض العلماء: ترجيل الشعر أن يدهن الشعر ثم يسرحه, فالترجيل في مذهب بعض العلماء أن يجمع بين تسريح الشعر مع وجود الدهن.

    وقال بعض العلماء: الترجيل هو مطلق التسريح بغض النظر عن كونه بدهن أو بدون دهن.

    ومن سماحة الشريعة أنه يشرع للإنسان أن يضع الدهن في شعر رأسه ولحيته، وذلك على الوسط فلا يترك الشعر أشعث أغبر, ولا يبالغ في الادهان والتسريح، بل يكون وسطاً أما كونه لا يتركه شعثاً فحتى لا يتشبه بأهل الرهبنة وأهل البدع والأهواء الذين هم غلاة أهل الطرق والذين يبالغون في التزهد والتقشف، فلا يتشبه بهم.

    وكذلك أيضاً لا يتشبه بمن يتأنث ويبالغ في تجميل نفسه, بل يكون وسطاً، وهذا هو القوام الذي جعل الله عز وجل شريعة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، بلا إجحاف ولا غلو، وهو العدل الذي أمر الله به في كتابه وجعله هدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأدلة على أنه لا يداوم على الترجيل: حديث النسائي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة أن يمتشطوا كل يوم) ولذلك ينبغي للإنسان -إذا كان ولابد- أن يمتشط يوماً ويترك يوماً، وهذا أبلغ في الرجولة وأبلغ في الفحولة مع الاعتدال دون غلو ودون إسراف أو إجحاف، ولذلك يشرع تسريح الشعر وتسريح اللحية، ولكن ينبغي أن يكون التسريح على غير مشابهة لأهل الخنا والفجور, وإنما يكون على قصد القربة والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في إكرام الشعر.

    السنة أنه إذا ادهن أن يبدأ بشقه الأيمن, فيضع الزيت على لحيه الأيمن, وكذلك شق شعره الأيمن, ثم يبدأ بتسريح شعر رأسه ولحيته، وكذلك الحال بالنسبة لشقه الأيسر بعد أن يفرغ من شقه الأيمن.

    1.   

    الاكتحال وكيفيته

    (ويكتحل وتراً) لما تقدم في الحديث وقلنا: إنه ضعيف, والاكتحال أن يضع الكحل في العين, والكحل لا حرج فيه, وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) والإثمد هو: الحجر الأسود، وهذا هو المحفوظ في لغة العرب, وفيه شاهد: خارجي من سواد الإثمد.

    وكذلك نبه عليه غير واحد، ومنهم: الإمام ابن مفلح رحمة الله عليه في الآداب الشرعية أنه الحجر الأسود، وهو أقوى وأنفع وأبلغ في تنظيف العين وقوة البصر, ويليه الحجر إذا وضع معه شيء من الحديد بصفة يعرفها الأطباء.

    وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الحجر لما فيه من العلة التي ذكرها من أنه يجلو البصر وينبت الشعر، أي: يجلو بصر الإنسان فينظف العين ويجعل فيها حدة, وكذلك ينبت الشعر.

    (فيكتحل وتراً) للعلماء في معناه وجهان: قال بعض العلماء: يبدأ بعينه اليمنى فيضع فيها المرود ثم ينتقل إلى اليسرى، ثم يرجع إلى اليمنى ثم يكحل اليسرى, ثم يرجع إلى اليمنى ثم يكحل اليسرى، وقال بعض العلماء: بل إنه يبدأ باليمنى حتى ينتهي من تثليثها، ثم ينتقل إلى اليسرى ويثلثها، والأمر واسع، فإن شاء فعل هذا، وإن شاء فعل هذا والناس متفاوتون, فقد يكون من المشقة على الإنسان أن يأخذ المرود باليمنى ثم يقلبه لليسرى، لكن يستحب الإيتار لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر يحب الوتر) وقال بعض العلماء: إن في هذا الحديث استحباب الوتر مطلقاً, لعموم قوله: (إن الله وتر يحب الوتر)، أي: جنس الوتر بغض النظر عن كونه في عبادة أو شأن آخر.

    1.   

    حكم التسمية قبل الوضوء

    قال رحمه الله: [وتجب التسمية في الوضوء].

    بعد أن فرغ رحمه الله من بيان السواك وأحكامه شرع في بيان واجبات الوضوء فقال رحمه الله: (وتجب) الواجب مأخوذ من قولهم: وجب إذا سقط, ومنه قوله تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] أي: سقطت واستقرت على الأرض.

    ومنه ما ثبت في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت الشمس) بمعنى: سقطت وغاب قرصها، فالواجب في اللغة يطلق بمعنى: الساقط، ويطلق بمعنى: اللازم، تقول: هذا واجب عليك بمعنى: أنه لازم وحتم, ومنه قول الشاعر:

    أطاعت بنو عوف أميراً نهاهم عن السلم حتى كان أول واجب

    أي: أول لازم عليهم أن يفعلوه.

    ومراد الشرع بالواجب: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فإذا قال العلماء: هذا واجب, أي: أنه يلزم المكلف أن يقوم به, فإن فعل ذلك أثيب وإن تركه فإنه يعاقب.

    (وتجب التسمية) أي: من أراد أن يتوضأ فإنه يجب عليه أن يسمي, وهذا هو أحد قولي العلماء في هذه المسألة, وهي مسألة التسمية عند الوضوء، فقال بعض العلماء -وهو اختيار بعض المحدثين-: تجب التسمية للوضوء؛ لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (لا وضوء لمن لم يسمِّ)، وهذا الحديث اختلف العلماء في إسناده، والجماهير على أنه ضعيف، وقد قال الإمام أحمد : لا يثبت فيه شيء، أي: لا يثبت في التسمية شيء، وإن كان القول بتحسينه له وجه, وقد اختار بعض المتقدمين وبعض العلماء المتأخرين أن حديث التسمية حسن.

    أدلة عدم وجوب التسمية في الوضوء

    يبقى الإشكال في مذهب الجمهور, فإنهم يرون أن التسمية ليست بواجبة، وعندهم أدلة: أولاً: دليل الكتاب, وثانياً: دليل السنة, ولهم جواب عن هذا الحديث.

    أما دليل الكتاب: فإن الله عز وجل قال في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ولم يأمر بالتسمية، ولو كانت واجبة لأوجبها، كما قال تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118] وقوله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] فلم يأمر بالتسمية في الوضوء في كتابه, وجاءت السنة تؤكد هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي : (توضأ كما أمرك الله) فلو كانت التسمية واجبة لذكرها الله عز وجل.

    الدليل الثاني من السنة: حديث عثمان وعبد الله بن زيد -رضي الله عن الجميع- في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حديث علي ، فإنه لم يذكر واحد منهم التسمية, ولو كانت واجبة لما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ولسمّى قبل وضوئه حتى تسمع تسميته وتنقل؛ لأنه في معرض البيان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا ..) الحديث.

    وبناء على ذلك: قالوا: إن هذه السنة تدل على عدم وجوب التسمية، أما حديث: (لا وضوء لمن لم يسمِّ) فأجابوا عنه سنداً ومتناً, أما سنداً: فالضعف الذي فيه, وكذلك أيضاً من وجه السند أنه معارض بما هو أصح منه, فإنه حسن، والحديث الذي لم يذكر التسمية في الصحيحين بل من أعلى الصحيحين، والحسن إذا تعارض مع الصحيح سقط اعتباره, كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله في الحديث الحسن:

    وهو -أي: الحديث الحسن- في الحجة كالصحيح ودونه إن صير للترجيح

    أي: أن الحديث الحسن يحتج به, ولكن إذا عارض الصحيح فإنه يسقط الاحتجاج به، هذا من جهة السند.

    أما من جهة المتن فقوله: (لا وضوء لمن لم يسمِّ) نفي مسلط على الحقيقة الشرعية، وهي مسألة أصولية معروفة بقولهم: إذا تسلط النفي على الحقيقة الشرعية هل يحمل على الصحة أو على الكمال؟ وجهان: فإذا انتفى حمله على الصحة وجب حمله على الكمال, فإذا كان حمله على الصحة يعارض النصوص فيجب صرفه إلى الكمال.

    وما معنى هذه القاعدة؟ النفي بقوله: (لا) مسلط على الحقيقة الشرعية -وهي الوضوء- فهل يحمل على الصحة أو يحمل على الكمال؟ قلنا: يحمل على الصحة ما لم يتعارض مع الدليل، فيجب صرفه إلى الكمال، فيكون هذا النفي بسبب معارضته للأحاديث الأخرى محمولاً على نفي الكمال, أي: لا وضوء كامل لمن لم يسمِّ، أو لمن لم يذكر اسم الله عليه كما في الرواية الثانية, وبهذا يجمع بين النصوص وتكون التسمية مستحبة لا واجبة.

    ومع هذا ينبغي للمسلم أن يحتاط وأن يأخذ بالأكمل، فإن أولى الناس بقبول عمله الصالح هو من كان أقرب إلى الكمال باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي على طلاب العلم دائماً أن يأخذوا بأحوط الأقوال لما في ذلك من الأخذ بالكمالات, ولما فيه من بالغ تقوى الله عز وجل وحب الخير والحرص عليه, فيحرص الإنسان على ذكر اسم الله عز وجل.

    صيغة التسمية عند الوضوء

    يبقى النظر (التسمية): التسمية تفعيلة من اسم الله, فما هي التسمية؟

    التسمية الكاملة هي: (بسم الله الرحمن الرحيم) ولكنها هنا: باسم الله, فيقف عند قوله باسم الله, ويكون معتبراً؛ لأن قوله: (لمن لم يذكر اسم الله)، أن المراد به اسم الله فقط, بدليل أن الله قال: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (باسم الله).

    وبناءً على ذلك: فإن التسمية تكون باسم الله, واختلف العلماء هل يحل غير لفظ الجلالة محله، كأن يقول: باسم الرحمن, أو باسم الرحيم, أو باسم الملك, أو باسم القدوس, أو باسم العزيز؟

    الصحيح: أنه ينبغي الاقتصار في الأذكار على الوارد دون تغيير ولا تبديل ولا يجتهد فيها, فكما قال: (لمن لم يذكر اسم الله) فإنه يؤتى باسم الله ولفظ الجلالة؛ وذلك لشرف هذا الاسم وفضله على سائر الأسماء وقد قال بعض العلماء في قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] قيل: هل بمعنى: (لا)، أي: لا تعلم له سمياً, قيل: أي: اسم الله، فإن اسم الله لم يتسم به أحد, وهذا لشرفه، حتى قال طائفة من العلماء: إنه هو الاسم الأعظم الذي إذا سأل العبد به ربه حاجة خالصة من قلبه استجاب دعاءه؛ ولذلك يقتصر على هذا الاسم بعينه وهو قوله: باسم الله، ولا يؤذن في قول: باسم الرحيم ولا باسم الرحمن.

    أما قوله: (في الوضوء) ليست الظرفية على ظاهرها، أي: ليس مراده في داخل الوضوء, وإنما قوله: (يجب التسمية في الوضوء) بمعنى: أن يبتدئ عبادة الوضوء، بذكر اسم الله عز وجل.

    وقال بعض العلماء: تذكر التسمية عند أول فرض, فإن كان مستيقظاً من نومه كانت اليد، فيقولها قبل غسل الكفين, وإن كان مستيقظاً -يعني: أثناء النهار- قالوا: يسمي الله عز وجل عند المضمضة والاستنشاق على القول بوجوبها, أو عند غسل الوجه على القول بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق, والأكمل أن الإنسان يسمي عند ابتداء الوضوء.

    حكم ترك التسمية نسياناً

    قال رحمه الله: [مع الذكر].

    أي: أنها تسقط عند النسيان، فلا يطالب الإنسان بإعادتها, وقال بعض العلماء: إنه إذا لم يذكر اسم الله جل وعلا وجب عليه الرجوع وإعادة الوضوء.

    فعلى القول الذي اختاره المصنف أنها واجبة, ولكن ليست شرطاً في صحة الوضوء, وعلى قول إسحاق وبعض أهل الحديث أنها شرط في صحة الوضوء ويلزمه أن يعود إلى ابتداء الوضوء ويسمي من جديد.

    1.   

    حكم الختان للرجال والنساء

    قال رحمه الله تعالى: [ويجب الختان].

    الختان: مصدر ختن يختن ختاناً، وهو خاتن، وفلان مختون.

    والختان بالنسبة للرجال: إزالة أعلى حشفة الجلد التي على رأس الذكر.

    وأما بالنسبة للنساء: فهي إزالة أعلى الجلدة التي على الفرج، وشبهها العلماء رحمهم الله بعرف الديك بياناً لمحل الفرض والواجب على القول بوجوبه على النساء.

    والختان مكرمة وسنة جليلة, وأول من اختتن إبراهيم إمام الحنيفية، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، اختتن وهو ابن ثمانين سنة امتثالاً لأمر الله عز وجل، ولذلك عُد هذا من ابتلاء الله واختباره له، فإن الختان مع تقدم السن وكبرها لا شك أن فيه أمراً شديداً ومشقة عظيمة، ولكنه امتثل أمر الله؛ ولذلك قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس قال في تفسير قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة:124] أصل التقدير ابتلى رب إبراهيم إبراهيم بكلمات فأتمهن, وذكر منها: الختان، أنه ابتلاه وهو في كبر سنه فاختتن عليه الصلاة والسلام.

    مشروعية الختان

    والختان شرعه الله للرجال لما فيه من إزالة هذا الموضع الذي تكمن فيه النجاسة, ولذلك إذا أزاله كان ذلك أبلغ في الطهارة والنقاء والبعد عن الدنس, والدين دين طهارة حساً ومعنىً, كما قال تعالى: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6] فهذه من الطهارة، وطهر الله عز وجل المؤمنين حساً ومعنىً وشرفهم بهذه الطهارة وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108].

    فشرع هذا الختان طهارة للرجل, وكذلك تخفيفاً من الشهوة في المرأة, فإن المرأة إذا تركت على حالها اشتدت شهوتها, ولذلك كما ذكر شيخ الإسلام رحمة الله عليه يقول: يوجد في نساء الكفار من الشدة لطلب الفساد والحرام ما لا يوجد في نساء المؤمنين، وذلك لمحل الختان.

    وجعل الله في الختان مصلحة الدين والدنيا, فلذلك يحصل به العفة للمرأة والرجل, وتحصل به العفة للمرأة والطهارة للرجل، ولذلك المرأة إذا اجتثت هذه الجلدة ذهبت شهوتها كما يقول الأطباء والحكماء من المتقدمين والمتأخرين، وإذا تركت اشتدت غلمتها, ولذلك ورد في حديث ابن عطية كما أشار إليه الإمام ابن القيم في التحفة: (أشمي ولا تنهكي) والاشمام يكون من أعلى الشيء، والإنهاك اجتثاثه من أصله، وهو حديث متكلم في سنده, ولكن معناه صحيح عند العلماء، أن الخاتنة ينبغي عليها ألا تأخذ الجلدة بكاملها ولا تستأصلها؛ لأنه استئصال للشهوة وذهاب لها، وكذلك أيضاً لا تترك الجلدة, فشرع الله هذا لما فيه من اعتدال الشهوة للمرأة.

    كذلك يختن الرجل لطهارته ونقائه, والغريب أنهم وجدوا أن من الحكم والفوائد التي تترتب على الختان أنه قلّ أن يصاب المختتن بسرطان القضيب, وهذا معروف عند الأطباء، وهذا من رحمة الله عز وجل، وإنما يعرف السرطان -والعياذ بالله- الذي يصيب العضو لمن لم يختتن, وذكر بعض الأطباء -وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام وفضائل السنة النبوية التي جاءت عنه عليه الصلاة والسلام ومنها: الختان- أنه يوجد نسبة 1% من المختتنين ممن يصاب بسرطان القضيب.

    ومن القصص الغريبة التي تحكى للاتعاظ والاعتبار حدثني بها بعض الأطباء: أنه كان في بعض البلاد الإسلامية، وكان معهم طبيب نصراني, وكان تخصص هذا المسلم مع النصراني في المسالك البولية, فكان يهزأ هذا النصراني من الختان ويستخف به كثيراً, حتى أراد الله عز وجل أنه ابتلي -والعياذ بالله- بسرطان القضيب، وحصل له ما حصل من أذية هذا البلاء بسبب استهزائه وسخريته من هذه الشعيرة التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم.

    الختان يشرع للرجال وللنساء والصحيح: وجوبه على الاثنين، وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (خمس من الفطرة ..) وذكر الختان دون أن يفرق بين الرجال والنساء؛ لأن المرأة تحتاج إليه طلباً للعفة, والعفة مطلوبة وواجبة, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ولما كان اعتدال شهوة المرأة يحصل به مقصود الشرع كان الختان من هذا الوجه أقرب للوجوب منه للاستحباب والندب.

    وينبغي أن ينبه على تساهل كثير من الآباء ومنعهم بعض النساء من الختان وهذا لا ينبغي بل ينبغي إحياء هذه الشعيرة بين النساء وذلك لما ذكرناه من الحكم والفوائد، وقد ذهب طائفة من العلماء رحمهم الله إلى وجوبه على الجميع.

    وأما ما ورد من حديث ابن كليب : (أن الختان واجب للرجال ومكرمة للنساء) فهو حديث ضعيف, والصحيح أنه للرجال والنساء, وفيه ما ذكرناه من الحكم, ويجب على المسلم إذا قارب البلوغ والأفضل أن يختن الذكر صبياً وتختن الانثى صبية, وينبغي على كل من الخاتن والخاتنة مراعاة حدود الله في الختان، فلا يجوز ويحرم كما نبه الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء السادس عند كلامه على الإجارة: يحرم على الخاتن أن يختن إلا إذا كان بصيراً بالختان, عارفاً له.

    وإذا ختن غير عارف وتجاوز -أو ختن وهو عالم- وتجاوز حدود الختان فإنه يضمن ويأثم شرعاً، أما ضمانه إذا لم يكن عالماً فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث السنن: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) وأجمع العلماء على أنه يأثم، وإذا قصد الإضرار فإنه يقتص منه ولو كان طبيباً, لقوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] فيختن كلاً من الرجال والنساء وتراعى حدود الله عز وجل من عدم ختن الرجال للنساء إذا وجد النساء, وعدم النظر إلى العورة أكثر من الوقت المحتاج إليه, وعدم الزيادة على الحد المعتبر في الختان.

    قال رحمه الله تعالى: [ما لم يخف على نفسه].

    ككبير السن, الشيخ الهرم، أو يكون هناك التهابات أو أمراض بحيث لو اختتن زادت عليه واستفحل شرها فيرخص له في ترك الختان.

    1.   

    حكم القزع

    قال رحمه الله: [ويكره القزع].

    القزع: هو حلق بعض الشعر وترك بعضه, والقزع نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في المراد منه, فقال بعض العلماء: أن يحلق وسط الرأس, وقال بعضهم: أن يحلق أطرافه، كأن يحلق الشق الأيمن والأيسر والقفا ويبقي وسطه، كما هو شأن أهل الفساد وصنيع السفلة الرعاع، نسأل الله السلامة والعافية.

    وقيل: أن يحلق نصف الرأس ويترك نصفه, وقيل: أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره أو العكس, ولكن لا مانع من اعتبار هذه الصور كلها؛ لأنه يحتملها النص, والأصل: أنه إذا احتمل النص وجوهاً متعددة ولم يرد الشرع تقييد وجه منها أن تبقى دلالته على العموم.

    علة تحريم القزع

    وللعلماء في تعليل تحريم القزع وجوه:

    قال بعض العلماء: لأنه مشابهة لليهود، فقد كان اليهود يحلقون بعض الشعر ويتركون بعضه.

    وقال بعضهم: إن فيه ظلماً للإنسان لنفسه، والله أمر الإنسان بالعدل حتى مع نفسه, وتوضيح ذلك: أنه إذا حلق شقه الأيمن وترك شقه الأيسر ظلم شقه الأيمن إذا كان الزمان برداً، وظلم شقه الأيسر إذا كان الزمان حاراً؛ ولذلك نهي أن ينتعل بإحدى رجليه ويترك الأخرى لأنه ظلم للرجل التي لم تنتعل, وأيضاً نهي عن الجلوس بين الشمس والظل؛ لأنه إذا كان الزمن صيفاً ظلم النصف الذي في الشمس, وإذا كان الزمن شتاء ظلم النصف الذي في الظل، فلذلك قالوا: نهي عن القزع لئلا يكون الإنسان ظالماً حتى مع نفسه, والصحيح: أن كل هذه علل وفيه ظلم وفيه تشبه بأهل الفساد.

    ومن يقصر أطراف الشعر ويجعل الشعر كثيفاً في منتصف الرأس فإنه يشمله هذا؛ لأن فيه تشبهاً بأهل الفساد, وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء رحمة الله عليهم، وكنا نعهد مشايخنا رحمة الله عليهم من الأولين أنهم كانوا يشددون في تخفيف الشعر بعضه دون بعضه وكانوا يعدون ذلك من القزع, وقالوا: إما أن يخفف كله أو يحلق كله، وهذا هو الأصل الذي عليه العمل عند أهل العلم؛ أن السنة في الرأس أن يحلق كله أو يخفف كله، لا أن يفعل ببعضه ويترك بعضه لما فيه من مشابهة أهل الفساد.

    وإذا كان القزع حراماً حرم للحلاق أن يفعله بالغير، فإن فعل أثم؛ لأنه معين على الإثم والعدوان, وحرمت الإجارة وحرم الثمن، يعني: المال الذي يدفع في مقابل ذلك الشيء ويعتبر حراماً، وهذا على الأصل المقر: أن الإجارة على المحرم محرمة.

    1.   

    سنن الوضوء

    قال رحمه الله تعالى: [ومن سنن الوضوء السواك].

    يقول رحمه الله: (ومن سنن الوضوء) السنة: أصلها الطريقة، وسن الشيء: إذا شرعه، والمراد بها: من سنن النبي صلى الله عليه وسلم في عبادة الوضوء, والمراد بالسنة: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

    ويشمل ذلك السنن القولية والفعلية والتقريرية, أي: التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم أو فعلها أو فعلت وأقرها, فكل ذلك يوصف بكونه سنة ولا يطلب من المكلف طلب إلزام.

    (من سنن الوضوء) يعني: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينبغي للمكلف ويستحب للمكلف أن يحرص عليه ويحافظ عليه.

    وهنا أنبه على أمور:

    أولاً: أن بعض طلاب العلم يفهم من السنن أنها أمور سهلة ويسيرة؛ فيتساهل في تركها, وكم سمعنا من بعض المنتسبين للعلم من يقول: هذا سنة لا حرج فيه! فإذا جاءه السائل قال له: هذه سنة وخفف من أمرها، ولا حرج أن يبين له عند الحكم إذا ظن السائل وجوبها أن تقول له: سنة لا حرج, لكن الحرج أن يستخف بالسنن ويعتبر قول العلماء: إنه سنة طريقاً للترك, فأخذ بعض طلاب العلم أنه إذا قيل: سنة، يعني: أنه يترك ولا حرج في تركه, لكن أهل الفضل والكمال وأقرب الناس للخير وأحبهم إلى الله وأقربهم نجاة وسلامة وعلو شأن في دينه من كان محافظاً على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقال أبو بكر صديق هذه الأمة رضي الله عنه وأرضاه: (والله لا يبلغني شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه إلا فعلته, إني أخاف إن تركت شيئاً من هديه أن أضل) ولذلك ينبغي للإنسان الموفق دائماً في أي عبادة أن يسأل عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على تطبيقه، وأخشع الناس في العبادة، وأكثرهم توفيقاً لها وأكثرهم شعوراً بلذتها وحصولاً لثوابها وثمرتها وحسن عاقبتها هو أكثرهم متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك طريقه طريق إلى الجنة, وسبيله سبيل الرحمة: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] فمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص على اقتفاء أثره والسير على نهجه فهو أقرب الناس إلى الخير.

    وكان العلماء رحمهم الله يقولون: إن أقرب الناس لقبول العبادة من كان موفقاً في إصابة السنة فيها، فأي عبادة تسمعها أو تعلمها وتريد أن تطبقها فاسأل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، وقد كان السلف الصالح رحمة الله عليهم -مع جلالة علمهم وعلو قدرهم- كانوا يجلسون مع الصحابة ويسألون عن كيفية فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من الأعمال، وربما سألوا عن أوضح الأشياء، قال أحدهم: شهدت عمر بن الحسن سأل عبد الله بن زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ للصلاة؟ سبحان الله! الوضوء الذي كان يعرفه صغار التابعين قبل كبارهم، فيدخل هذا العالم الجليل على هذا الصحابي ويقول له: كيف كان يتوضأ عليه الصلاة والسلام؟

    فكانوا يحبون السنة ويحبون التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

    فينبغي أن يعلم أن قوله: (ومن سنن) أنه ليس المراد به أن نتساهل ونترك, وإنما المراد الدلالة حتى نعلم ونعمل بها وندعو إليها, علماً وعملاً، ونسأل الله العظيم أن يجعلنا من هداتها ودعاتها.

    السواك سنة من سنن الوضوء

    قال رحمه الله: [السواك]

    من السنن التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم عند الوضوء: السواك، والحديث التي تقدمت الإشارة إليه: (عند كل وضوء) ولذلك قالوا: قبل أن يتوضأ يستاك.

    حكم غسل الكفين عند ابتداء الوضوء

    قال رحمه الله: [وغسل الكفين ثلاثاً].

    لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين من حديث حمران مولى عثمان عن عثمان , وحديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن زيد : (أنه استفتح وضوءه فغسل كفيه ثلاثاً) قال بعض العلماء: إنما حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الكفين ثلاثاً؛ لأن الكفين آلة الوضوء وهي التي تنقل الماء؛ فينبغي أن تكون على نقاء وطهارة حتى يكون ذلك أدعى لوصول المقصود من الوضوء.

    وقوله: [ويجب من نوم ليل ناقض لوضوء].

    غسل الكفين على حالتين: إما أن يكون للمستيقظ من النوم, وإما أن يكون لغير المستيقظ من النوم, فإن كان الإنسان مستيقظاً من نوم سواء كان نوم ليل أو نهار فإنه يجب عليه غسلهما ثلاثاً؛ لظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) فدل هذا الحديث الصحيح على أنه يجب على من استيقظ من النوم أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء، أما إذا كان لغير المستيقظ من النوم كأن يكون الإنسان قد بقي مستيقظاً من بعد الفجر إلى صلاة الظهر, وحضرت عليه صلاة الظهر وأراد أن يتوضأ، فلا تخلو كفاه من أحوال:

    الحالة الأولى: أن يتيقن نجاستها، فيجب عليه أن يغسلها قبل أن يتوضأ.

    الحالة الثانية: أن يتيقن طهارتها أو يشك في الطهارة, فإن تيقن الطهارة فإنه يسن له غسلها ولا يجب, وإن شك في طهارتها استحب له غسل الكفين كذلك ولا يجب.

    فإذاً: هنا ثلاث حالات: إن تيقن نجاسة الكفين وجب الغسل، وإن تيقن الطهارة سن الغسل، وإن شك في الطهارة استحب الغسل؛ لأن اليقين طهارتها والشك نجاستها، فيلغى الشك ويبقى على اليقين, هذا بالنسبة لغسل الكفين والكفان مثنى كف، وضابط الكف: من أطراف الأصابع إلى الزندين، وهما العظمان البارزان عند طرف الكف، وسمي الكف كفاً لأنه تكف به الأشياء.

    البدء بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء

    قال رحمه الله تعالى: [والبداءة بمضمضة].

    أي: يسن البداءة بالمضمضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن غسل كفيه تمضمض واستنشق ثلاثاً، والمضمضة مأخوذة من قولهم: مضمضت الحية إذا تحركت في جحرها، فأصل المضمضة: التحريك, ولذلك قالوا: يتفرع على قولنا إن المضمضة هي التحريك مسألة لطيفة وهي: لو أن إنساناً أدخل الماء في فمه ثم ألقاه مباشرة هل يعتبر متمضمضاً؟ على القول بأن المضمضة هي التحريك لا يكون متمضمضاً ومصيباً للسنة إلا إذا حرك الماء في فمه.

    ثم اختلفوا: هل المضمضة مجرد تحريك الماء ولا يستلزم طرحه أو لابد من طرحه؟ وجهان: قال بعض العلماء: المضمضة التحريك والطرح, فلو مضمض ولم يطرح لم يكن متمضمضاً.

    توضيح ذلك: لو وضع الماء فحركه ثم شربه, فبناء على القول بأنه لابد من طرح فلا يكون متمضمضاً, وعلى القول بأنه لا يلزم الطرح يكون متمضمضاً.

    قال رحمه الله: [ثم استنشاق].

    الاستنشاق من النشق, والنشق: جذب الشيء بالنفس إلى أعلى الخياشيم, ومنه: النشوق، ويكون عن طريق الأنف, والاستنشاق سمي بذلك لأن الإنسان يجذب الماء إلى أعلى الخياشيم بالنفس, وهي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم التي حافظ عليها ولم يتركها في الوضوء، صلوات الله وسلامه عليه.

    والسنة أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة, فيضع نصف الكف في الفم، ثم يرفع النصف الباقي للأنف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ قسم كفه في حديث عبد الله بن زيد فمضمض واستنشق ثلاثاً من ثلاث غرفات, أي: أن كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق وهذا هي السنة.

    وقوله: [والمبالغة فيهما لغير صائم].

    والمبالغة في المضمضة والمبالغة في الاستنشاق، المبالغة مفاعلة من بلغ الشيء يبلغه بلوغاً, إذا وصل غايته تقول: بلغت إذا وصلت الغاية, فقول المبالغة أي: أن الإنسان يصل غاية الاستنشاق وغاية المضمضة وذلك عن طريق المبالغة في جلب الماء بالنفس بالاستنشاق والمبالغة في الإدارة والتحريك في المضمضة.

    (لغير صائم) هذا الاستثناء لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وقد دل هذا الحديث على أنه لا يسن للإنسان أن يبالغ في استنشاقه, وهذا من باب التنبيه بالنظير على نظيره بالاستنشاق على الفم.

    وذكر الاستنشاق على أن الغالب في الاستنشاق ألا يتحكم الإنسان عند مبالغته بخلاف المضمضة فإن الغالب أنه يتحكم؛ فنبه بالاستنشاق وإلا فالمضمضة آخذة حكم الاستنشاق.

    وقوله: (وبالغ في الاستنشاق) فيه تنبيه على قاعدة وأصل عند العلماء: أنه لا يشرع تضييع الفرائض بالسنن, أو ارتكاب المحرمات لطلب السنن، وتوضيح ذلك: إذا بالغ في الاستنشاق فإنه ضيع الواجب وهو الصيام, وكذلك أيضاً لا يبالغ في إصابة سنة إذا كان ذلك سيؤدي للوقوع في محظور, كما لو كان على الحجر الأسود طيب، فإنه إذا بالغ وأصر على لمسه أو تقبيله في عمرته أو حجه فإنه سيصيب الطيب، وذلك تحصيل للسنة يؤدي للوقوع في محظور ولذلك قالوا: يتركه حتى يقبله الغير ثم يقبله من بعده, أو يلمسه الغير فيلمسه من بعده, ولا يضر الأثر وإنما يضره العين مع القصد, ولذلك لا ينبغي تفويت الواجب وارتكاب المحظور طلباً للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا نهى الصحابي أن يبالغ في الاستنشاق حتى لا يفوت الواجب تحصيلاً للسنة.

    تخليل اللحية والأصابع

    قال رحمه الله: [وتخليل اللحية الكثيفة].

    التخليل: تفعيل من الخلل، وخلل الشيء: أجزاؤه والمناسم التي فيه, تقول: رأيته من خلل الباب, أي: من المناسم الموجودة فيه وهي الفتحات الصغيرة, وقالوا: سمي التخليل تخليلاً؛ لأن الإنسان يوصل الماء إلى الشعر من خلاله أي: يخلل الماء بين الشعر, فيدخل الماء في خلل الشعر وفي خلل اللحية, وكذلك الأصابع؛ لأنه يدخل خنصره بين الأصابع، فقالوا: خَلَّل، كأن الأصابع شيء واحد وقد دخلت الخنصر في خلل ذلك الشيء.

    وتخليل اللحية فيه حديث عثمان رضي الله عنه وأرضاه, وقيل: لا يصح في التخليل شيء، وحسن بعض العلماء إسناد حديث التخليل.

    فاللحية إذا كانت كثيفة كثة تخلل؛ لأن الله أمر بغسل الوجه، فإذا كانت كثيفة فإن صاحبها يواجه الناس باللحية فكانت من الوجه فتخلل، أي: يجب إدخال الماء في خللها, وهذا على وجهين: إما أن يدخل الماء في خللها بالكف كما ورد في الحديث أنه أخذ كفاً من ماء وألقمه لحيته، وإما أن يكون بغسل الوجه حتى إذا بلغ لحيته خللها بإجراء الماء في المناسم بالأصابع، وكل منهما لا حرج فيه.

    قال رحمه الله: [والأصابع].

    تخليل أصابع اليدين: هو أنه إذا كان الإنسان يريد أن يتوضأ فصب الماء لكي يغسل يده اليمنى فإنه يجعل كفه اليسرى عند المرفق، ثم إذا سكب الماء مر الماء على ظهر يده اليمنى حتى ينتهي إلى المرفق، فتجمع اليسرى الماء الذي نزل من اليد ثم يقلبه على اليمنى مخللاً.

    وقيل: أن يغسل اليد أولاً حتى إذا انتهى خلل كلاً منهما، والمراد: أن يتأكد من وصول الماء إلى الخلل، وشرع التخليل وفيه حديث عن المستورد بن شداد ولكن تكلم العلماء في سنده، وإن كان بعض العلماء يحسن إسناده، ولكن الضعف فيه من القوة بمكان، لكن يخلل الإنسان على هذه الصورة وذلك بإدخال أصابع اليسرى في اليمنى, وإدخال أصابع اليمنى في اليسرى على الظاهر.

    وكذلك أيضاً بالنسبة لتخليل القدمين، وذلك بالخنصر كما ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام على القول بثبوته, وإلا فالأمر واسع، قال بعض العلماء في تخليل أصابع القدمين: أن يخللها بجميع الأصابع وقيل: بأصبع واحدة حتى يكون أبلغ في وصول الماء.

    والتخليل في الحقيقة ليس مراداً لذاته، وإنما المراد: هو أثره، وهو التأكد من وصول الماء إلى ما بين الأصابع؛ لأنه -كما هو معلوم- لو سكب الماء والأصابع ملتصقة ربما لم يتخلل، خاصة في القديم حيث كانوا يتوضئون بالأواني والماء قليل، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكفيه مغراف من الماء لوضوئه, وهذا يحتاج إلى نوع من التحري والتحفظ, ولذلك اعتبر التخليل واجباً إذا توقف وصول الماء للبشرة عليه, وليس وجوبه لذاته ولكن من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وإلى ذلك قد أشار بعض الفضلاء بقوله:

    خلل أصابع اليدين وشعـر وجه إذا من تحته الجلد ظهر

    أي: (خلل أصابع اليدين وشعر وجه) وهو اللحية, (إذا من تحته الجلد ظهر) يعني: إذا كانت اللحية تبدو معها البشرة.

    التيامن في الوضوء

    قال رحمه الله: [والتيامن].

    والتيامن: تفاعل من اليمين، وهي الجهة التي شرفها الشرع كما هو محفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يكون في الأعضاء المثناة، ويشمل ذلك: اليدين والرجلين, فإنه يتيامن فيها، فيبدأ بغسل يده اليمنى قبل يده اليسرى, ورجله اليمنى قبل رجله اليسرى, ولكن لا يشرع التيامن في الأعضاء المنفردة، فلا يأتي إنسان ويأخذ الكف ويغسل شق وجهه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر؛ لأن هذا تنطع وتكلف في العبادة، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغسل وجهه غسلاً واحداً ويمسح رأسه مسحة واحدة, فمن فعل ذلك فإنه يعتبر مبتدعاً؛ لأن ذلك لو كان له فضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فيشرع التيامن في الأعضاء المثناة كاليدين والرجلين, وأما بالنسبة للوجه والرأس فإنه لا يشرع فيها التيامن.

    فقال: رحمه الله: (التيامن) والتيامن سنة، وبناء على ذلك: لو أن إنساناً غسل يده اليسرى قبل يده اليمنى فوضوءه صحيح، لكنه فوت الأكمل والأفضل، والدليل على صحته أن الله عز وجل يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6] فأمر بغسل اليد مطلقاً، ومن غسل اليسرى قبل اليمنى فقد امتثل ما أمر الله به، غير أنه فوت الفضيلة بتقديم اليسار على اليمين.

    مسح الأذنين بماء جديد

    قال رحمه الله: [وأخذ ماء جديد للأذنين].

    في حديث عبد الله عند الترمذي وفيه ابن لهيعة ، والترمذي يحسن روايته.

    (وأخذ ماء جديد) أي: أن الإنسان يمسح رأسه مقبلاً مدبراً, ثم يأخذ ماء جديداً لأذنيه, بأن يأخذ كفاً ثم يجعلها لأذنيه ويمسح بها أذنيه على الصفة التي وردت في الحديث بأن يجعل إبهامه خلف الأذن ثم السبابة في داخل الأذن ويمرها على ما ثم.

    غسل كل عضو مرتين أو ثلاثاً

    قال رحمه الله: [والغسلة الثانية والثالثة].

    أي: ليست بواجبة إنما هي سنة, والدليل على عدم وجوبها: أن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] والغسل يتحقق بالمرة، فمن غسل مرة فقد امتثل، وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان أنه توضأ مرة مرة, ومرتين مرتين, وثلاثاً ثلاثاً, فدل على أنه لا تجب التثنية ولا يجب التثليث, وأن الغسلة الثانية والثالثة سنة وليست بواجبة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الاستياك باليد اليسرى

    السؤال: هل يستاك باليد اليمنى أم باليد اليسرى؟ وهل من السنة وضع السواك بين الأصابع؟

    الجواب: باسم الله, والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فقد اختلف العلماء رحمهم الله في السواك, فمنهم من يقول: يجعله باليسرى؛ لأنه إزالة قذر، فلا ينبغي أن تليه اليمنى على الأصل المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جعل يمينه لما فيه شرف, ويسراه لما فيه قذر ونحو ذلك؛ قالوا: فلذلك يستحب له أن يستاك بيسراه.

    وقال بعض العلماء: يستاك بما شاء, إن شاء باليمين وإن شاء باليسار, ولا يعتبر السواك باليسار سنة، وهذا هو الصحيح؛ لأن إزالة الأذى إن وليت اليد الإزالة مباشرة كانت باليسرى, وإن كانت بحائل فإنه لا حرج في اليمنى, وتوضيح ذلك: أنه إذا استاك باليمنى فإن الذي يلي القذر هو السواك وليست اليد, فلا غضاضة, ودليلنا على أن إزالة الأذى باليمين بدون مباشرتها الأذى لا يقدح في فضل اليمين: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمسك الإنسان ذكره بيمينه, وأن يستجمر بيمينه، قالوا: إنه لابد أن يمسك الحجر باليمين, فدل على أنه إذا وجد الفاصل الذي هو المزيل بين المحل الذي يراد تنظيفه واليمين التي تلي التنظيف فإنه لا حرج ولا غضاضة.

    ومن الأدلة أيضاً: أن الناس يختلفون، فربما لو استاك بيساره أدمى لثته وجرح نفسه, وربما أنه لا ينقي كما لو استاك بيمينه, ولذلك قالوا: إنه يترك الناس على التخيير، وهذا هو الأقوى، ولكن مع هذا إذا تأول الإنسان السنة واستحب أن يجعل سواكه بيسراه فإنه يثاب إن شاء الله، ولا حرج عليه.

    حكم الاستياك للاستيقاظ من نوم النهار

    السؤال: هل يستاك من قام من نوم النهار؟

    الجواب: من قام من نوم النهار فإنه في حكم القائم من نوم الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام من نوم الليل استاك, والمعنى واحد في نوم الليل ونوم النهار, والقاعدة: أنه إذا اختلف الزمان واتحدت العلة فلا تأثير في اختلاف الزمان, فالزمان هو: ليل ونهار والعلة: هي الإنقاء, فلذلك يطلب من الإنسان أن ينقي الفم عند وجود نتن الفم الناشئ عن النوم، وهذا موجود في نوم النهار كنوم الليل، فيشرع للإنسان أن يستاك من نوم النهار كما يشرع له أن يستاك من نوم الليل، والله أعلم.

    حكم التكحل بالإثمد وغيره

    السؤال: هل يعتبر التكحل بالإثمد سنة، وهل التكحل بغيره سنة أم لا؟

    الجواب: الاكتحال بالإثمد سنة, ولا حرج في الإنسان أن يكتحل، ولكن كره بعض السلف أن يصبح وفي عينيه كحل؛ لأنه ربما يكون فيه تشبه ببعض أهل الفساد, ولكن ليس هناك دليل يدل على تحريم ذلك, والنبي صلى الله عليه وسلم نص على الاكتحال فقال: (عليكم بالإثمد) وهذا في صيغة الجمع (عليكم) كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105] وهذا الشأن للرجال والنساء، وإذا كان الإنسان محتاجاً إلى الكحل في عينيه لضعف في البصر فإنه يشرع له على العموم، حتى ولو كان أمام الناس, ولا حرج في ذلك، وإن كان بعض السلف قد شدد فيه، إلا أن الأصل التوقيف في مثل هذا، أي: في نهي الناس عن الأمور التي وسع فيها الشرع، فيوقف على النص مادام أنه ليس هناك نص يمنع، فلا حرج أن يكتحل ولو أمام الناس.

    وأما كون بعض العادات تمقت ذلك أو تمنعه فإن العادات ليست شريعة ولا ديناً, وإنما يترك الشرع والحكم لله جل وعلا، قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57] فالحكم لله جل وعلا, وليس للعادات ولا للتقاليد.

    فإذا أراد الإنسان أن يصيب السنة واكتحل وتأسى بقوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالإثمد) فلا حرج عليه ولو كان أمام الناس, وإن أحب ألا يساء الظن به وأن يسلم من أذية الناس فلا حرج عليه, لكن أن يمنع الناس ويشدد عليهم، أو يستخف بمن يفعل ذلك فليس ثم دليل يدل على هذا التشديد أو هذا المنع.

    وقد ورد عن ابن عباس أنه اكتحل وسرح شعره في حضرة أصحابه وقال: (إني أحب أن يرى مني أهلي ما أحب أن أرى منهم), وهذا كله يدل على سماحة الشريعة، وفيه أيضاً ترفع عن غلو أهل الزهد في زهدهم وتنطعهم في التشديد في مثل هذه الأمور التي فيها السماحة والرفق بالنفس.

    حكم الإبر والمغذيات للصائم

    السؤال: ما حكم أخذ الإبر التي في العضل أو في الوريد للصائم؟ وما حكم المغذيات أيضاً؟

    الجواب: الذي أحفظه قول جمهور العلماء فيها أنه يستوي فيها المغذي وغير المغذي وأنها مفطرة، والعبرة بالوصول للجوف، والدليل على ذلك ما يلي:

    أولاً: هذه المسألة للعلماء فيها وجهان: منهم من يقول: أعتبر المدخل ولا أعتبر صفة الدخول, يعني: العبرة عندي بالفم والأنف, فما جاء عن طريق الفم والأنف يفطر, وما جاء من عداهما لا يفطر, وصاحب هذا القول أشكل عليه حكم الإبر المغذية، فإنه حين يقول: العبرة عندي بالفم والأنف، فإن الإبر المغذية ينتفع بها الجسم ويرتفق بها كارتفاقه بالطعام الواصل من الحلق سواء كان عن طريق الأنف أو الفم.

    وقال بعض العلماء: نفرق -خروجاً من هذا الإشكال- بين الإبر المغذية والإبر غير المغذية، وهذا التفريق بدون دليل؛ لأنه إما أن يقول: إنني أعتبر الوصول إلى داخل الجسد بغض النظر عن كونه مغذياً أو غير مغذٍ، بدليل أن الفم الذي هو مدخل للطعام لو أدخل منه الدواء، لأفطر, كذلك الإبر إذا قلت: إن الدخول إلى البدن من سائر الأعضاء فيستوي في ذلك أن يكون مغذياً أو دواءً, كما أن الفم استوى فيه أن يكون مغذياً أو دواءً.

    ولذلك الذي عليه الجمهور والمنصوص عليه في فتاوى العلماء المتقدمين أنه يستوي الدخول إلى البدن أياً كان, فلو قال قائل: إن الإبر في العضل لا ينتفع بها كانتفاع الطعام والشراب، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث لقيط بن صبرة : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فالإنسان عندما يستنشق وتذهب قطرة واحدة إلى حلقه فإنه يفطر إجماعاً, وهذه القطرة قد لا ينتفع بها الجسم, بل ربما أنها قبل أن تصل إلى الجسم تشربها الأمعاء بمجرد وصولها إلى الجدار كما هو معلوم طبياً, بل إنها لا تصل إلى الجوف أصلاً, وبناء على ذلك -وهو كلام جمهور العلماء- فإن العبرة بالوصول إلى الجوف سواءً كان مغذياً أو غير مغذٍ، وهذا هو الأقوى والأبرأ للذمة، بل إن بعض إبر العضل إذا ضربت وجد طعمها في الحلق, وهذا من أظهر الدلائل على انتفاع الجسم وارتفاقه.

    ففقه المسألة: إما أن نقول: العبرة بالفم ولا عبرة بغيره؛ فيستوي في ذلك الإبر المغذية وغير المغذية.

    وإما أن نقول: العبرة بالفم وبما وصل إلى الجوف بغض النظر عن كونه مغذياً أو غير مغذٍ كالحال في الفم، وهذا من ناحية أصولية أقوى وهو أسلم وأقوى من ناحية الاستنتاج، ومن أخذ هذه الإبر وتأول فيها قول من يقول: إنها لا تفطر؛ فلا حرج عليه؛ فإنه في هذه الحالة لا يعتبر مفطراً, ولكن الحقيقة أنه يفطر.

    وننبه على مسألة وهي أن البعض يقول: ليس هناك دليل على اعتبار ما يصل إلى الجوف عن غير طريق الفم والأنف أنه مفطر, والواقع أن هناك دليلاً، وهو حديث لقيط بن صبرة؛ لأن فقه المسألة: أن حديث لقيط بن صبرة فيه دلالة على اعتبار الوصول إلى الجوف بغض النظر عن طريق الوصول، توضيح ذلك:

    أن الأكل والشرب والمفطر الأصل فيه أنه يصل عن طريق الفم, قالوا: فنبه الشرع باعتبار ما يدخل من الأنف مفطراً على أن العبرة بالوصول إلى الجوف بغض النظر عن طريق الوصول؛ لأن الأنف ليس طريقاً لوصول الطعام إلا في حالات الاضطرار, فلو قال قائل: هو يكون طريقاً للتداوي، فنقول: إذاً: ما وصل إلى الجوف تداوياً يفطر.

    فأقول: من ناحية أصولية الأقوى أنها مفطرة, سواء كانت مغذية أو غير مغذية ومن قال: إنها لا تفطر إذا كانت في العضل ولم تكن مغذية فيلزمه أن يقول بأنها لا تفطر إذا كانت مغذية, وأما القول بالتفصيل بأنه يرتفق أو لا يرتفق فليس عندنا دليل في الشرع يقول: إن ما نفع الجسم غذاءً أفطر، وما ينفعه دواءً لا يفطر, بل إن الإجماع قائم على أن من تعاطى الدواء بالفم والأنف أنه يفطر، فيستوي في ذلك غير الفم من سائر المنافذ بداخل البدن, والله تعالى أعلم.

    حكم خروج المذي من الصائم عند المداعبة

    السؤال: ما حكم خروج السائل من المرأة أو المذي من الرجل أثناء المداعبة، وهل ذلك يضر بالصوم؟

    الجواب: إذا كان مذياً -وهو الذي يخرج عند بداية الملاعبة والشهوة- فإنه لا يوجب الفطر على أصح أقوال العلماء، وهو قول الجمهور.

    وقال بعض العلماء: إنه يوجب الفطر, والصحيح: أن المذي لا يوجب الفطر؛ لأن الذين قالوا بأنه يوجب الفطر قاسوه على المني, وهذا القياس منتقض لأنه قياس مع الفارق, وهو أحد قوادح القياس الأربعة عشر, وتوضيح الفارق: أن المني كمال الشهوة, والمذي جزء الشهوة واللذة، ولذلك أوجب كمال الشهوة الفطر دون بعضها، فلو قال قائل: أنا أنقض بجزء الشهوة كما أنقض بكلها؛ رد عليه بأن النظر إلى المرأة بالشهوة لا يفطر إجماعاً, مع أن فيه لذة، فدلّ على أن جزء اللذة لا يوجب الفطر.

    فيقوي القول بأن خروج المذي لا يوجب الفطر، وأنه يصح الصوم ولو أمذى الإنسان، لكن كما يقول بعض العلماء: لا يؤمن أن ينقص أجر الإنسان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي يرويه عن ربه: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل) والرفث هو ما يكون عند النساء، ولذلك قالوا: ينبغي للإنسان أن يتحامى حتى يكون أكمل في صومه وأبلغ في طاعته لربه؛ لأن المراد ترويض النفس وتعويدها على الامتثال لأمر الله والبعد عن الشهوة، والله تعالى أعلم.

    حكم اغتسال الصائم بعد الزوال وبلع الريق

    السؤال: ما حكم الاغتسال بعد الزوال للصائم، وما حكم بلع الريق القليل أو الكثير المتجمع؟

    الجواب: أما بالنسبة لاغتسال الصائم فلا حرج فيه ولا مانع منه, وليس هناك دليل يمنع من الاغتسال للصائم لا قبل الزوال ولا بعده.

    وأما بالنسبة لبلع الريق فلا حرج فيه، ولا حرج على الإنسان أن يجمع ريقه ويبتلعه؛ لأنه مما يوسع الله فيه على العباد؛ ولأنه لو فتح باب عدم بلع الريق لوقع الناس في حرج ومشقة ووسوسة لا يعلمها إلا الله.

    وإنما الممتنع هو النخامة، وهي البلغم الذي يخرج من الصدر أو يسحبه الإنسان من أنفه إلى فمه, وأما بالنسبة للعاب والريق الذي يكون في الفم فلا حرج فيه ولا عتب على الإنسان أن يبلعه ولو جمعه، والله تعالى أعلم.

    حكم مسح الوجه بعد الدعاء

    السؤال: ما حكم مسح الوجه بعد دعاء القنوت؟

    الجواب: مسح الوجه بعد الدعاء فيه حديث عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه), وهو حديث ضعيف الإسناد, وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن مجموع طرقه تقويه حتى يرتقي إلى درجة الحسن، بمعنى: إلى درجة الثبوت.

    وبناءً على ذلك: لا ينكر على من مسح وجهه خارج الصلاة، أما داخل الصلاة فلا, ففي خارج الصلاة الصحيح: أنه لا يمسح؛ لضعف الحديث, لكن لو مسح شخص فلا ينكر عليه؛ لأنه قد يكون عاملاً بالحديث على قول من يعتد بتحسينه وتصحيحه، وهو الحافظ ابن حجر .

    وقد أجمع العلماء -رحمهم الله- على أن المكلف لو أخذ بتصحيح حديث أو تضعيف حديث من عالم يعتد بتصحيحه وتضعيفه فإنه يجزئه، كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله:

    واقبل لإطلاق بصحة السند أو حسنه إن كان ممن يعتمد

    أي: إذا كان من أهل العلم والفن الذين يعتمد تصحيحهم وتضعيفهم، والإمام الحافظ ابن حجر إمام في التصحيح والتضعيف, وبناء على ذلك: من مسح في خارج الصلاة فلا حرج عليه, وأما في داخل الصلاة فقد جاء في رفع اليدين في القنوت حديث أنس، ذكره الحافظ ابن الملقن في تحفة المحتاج وحسنه، ولكن المسح زيادة عمل, والأصل: أن يسكن الإنسان في الصلاة لظاهر حديث مسلم : (اسكنوا في الصلاة) ولذلك لا يشرع المسح بها بعد الانتهاء من القنوت في الوتر، لكن لو مسح في خارج الصلاة وتأول حديث عمر فلا حرج عليه في ذلك، وإن كان الأولى والأقوى ألا يمسح، والله تعالى أعلم.

    حكم قراءة القرآن من المصحف في التراويح

    السؤال: هل تصح قراءة القرآن من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن؟

    الجواب: الأولى أن يتقدم الناس حافظ القرآن ويصلي بهم القيام أو التراويح, فإن لم يوجد وأراد الناس أن يصلوا بإمام يستطيع القراءة من المصحف فلا حرج, وهو فعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين أمرت خادمها أن يصلي بها أو يقوم بها في رمضان بالمصحف.

    ولذلك الفتوى عند أهل العلم على أنه لا حرج في إمساك المصحف والقراءة منه, حتى ولو كان الإنسان حافظاً وأراد أن تكون ختمته للقرآن في مأمن من الخطأ والخلل، أو كان يخشى في مواضع التشابه وأراد أن يجل القرآن من الخطأ، فهذا أكمل له وأعظم أجراً، ولا حرج عليه في ذلك، والله تعالى أعلم.

    نصيحة بخصوص قدوم شهر رمضان

    السؤال: هل من كلمة حول رمضان؛ فإن بعض الشباب يضيعون أوقاتهم في هذا الشهر الكريم فيما لا ينفع؟

    الجواب: أقبل رمضان وهو شهر الرحمة والغفران, أقبل رمضان والله أعلم كم في جنباته من حلم وصفح ورحمة وغفران! أقبل شهر قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة) وهو شهر الخيرات والمنافسة في الطاعات, اختاره الله جل وعلا من بين الشهور فجعله شهر العبادة والرحمة, والتلاوة والتسبيح، والتهجد والتراويح، كم دخله من بعيد فقربه الله! وكم دخله من مسيئ مذنب فتاب الله عليه فيه! وكم لله فيه من نفحات! وكم لله فيه من رحمات ومغفرات! وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وكم من صائم صام يومه وآذنته الشمس بالغروب, فغيبت معها الخطايا والذنوب.

    وهو الشهر الذي فضل الله قيامه، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فطوبى لتلك الأحشاء التي ظمئت لوجه الله! وطوبى لتلك الأمعاء التي جاعت لوجه الله! وطوبى لتلك الأقدام التي انتصبت في جوف الليل بين يدي الله! وطوبى لتلك العيون التي سحت بالبكاء من خشية الله! هذا شهرها وهذا أوانها, ينادي منادي الله: يا باغي الخير! أقبل ويا باغي الشر! أقصر، تسلسل فيه الشياطين، وتفتح أبواب النفحات والرحمات من الله رب العالمين.

    وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة) فما أعظمه من شهر! وما أجلها من غنيمة وذخر! وطوبى لمن خرج من رمضان فخرج عنه رمضان بصفح وغفران! وما يدريك فلعلك أن تخرج من ذنوبك منه كيوم ولدتك أمك.

    فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل لنا فيه أوفر حظ ونصيب, وأن يجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل لنا من هذا الشهر أوفر حظ ونصيب من كل رحمة ينزلها, ومن كل مغفرة يسبغها، ونسأله أن يسبغ علينا الرحمات وعلى جميع الأموات من المسلمين والمسلمات الذين لم يدركوه, وأن يجبر كسرهم، وأن يعظم أجرهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755964140