إسلام ويب

فقه العبادات [54]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أركان الحج: الوقوف بعرفة، وبعض الناس يعتقد أن لجبل الرحمة قدسية خاصة، وهذا من الجهل، فيحصل فيه من المزاحمة وأذية الناس الشيء الكثير.

    1.   

    تابع الأخطاء التي تقع في الوقوف بعرفة

    المقدم: في لقائنا الماضي سألنا عدة أسئلة حول الأخطاء في الحلق والتقصير، والأخطاء في الإحرام وفي يوم التروية، ثم خلصنا إلى الأخطاء في المبيت في منى في اليوم الثامن، وانتقلنا بعده إلى الأخطاء في الذهاب إلى عرفة والوقوف بها، وذكرتم من الأخطاء فيما يحضرني في الوقوف بعرفة الوقوف خارج عرفة، والانتقال من ذلك الموقف إلى المزدلفة دون الوقوف بعرفة، والتوجه بالدعاء إلى الجبل واستدبار القبلة، والحرص أيضاً الشديد على الذهاب إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع تجشم المتاعب وما إلى ذلك، وأيضاً أن الناس يعتقدون حرمة النبات في عرفة، كما يعتقدون حرمته داخل الحرم، فهل هناك أيضاً أشياء غير هذه الأشياء التي يقع فيها الحجاج؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    اعتقاد أن جبل الرحمة له قدسية خاصة

    نعم هناك أخطاء في الوقوف بعرفة غير ما ذكرناه، منها: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسيةً خاصة؛ ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيءٌ من رائحة الوثنية، فـ(إن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).

    وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.

    المزاحمة في الصلاة في المسجد لصلاتي الظهر والعصر

    ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضاً: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع إمام المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجاً وضيقاً، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ، وكذلك أيضاً قال: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذىً عليه ومشقةٍ فإن ذلك خيرٌ له وأفضل.

    الخروج من عرفة قبل غروب الشمس

    ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأٌ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه.

    وعلى هذا؛ فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت لغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز الإبقاء للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.

    إضاعة الوقت في غير فائدة

    ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمةً من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في المحظورين: أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خللٌ حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والثاني: إضاعة الوقت، أما إذا كان الحديث بريئاً لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة للوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة بما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا ملّ من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة في بحث في العلوم الشرعية، أو كذلك مما يدخل السرور عليهم ويفتح لهم باب الأمل والرجاء برحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهزوا الفرصة في آخر ساعة في النهار، فيشتغل بالدعاء، ويتجه إلى الله عز وجل متضرعاً إليه مخبتاً منيباً طامعاً في فضله، راجياً لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا خير الأدعية، فإن الدعاء في هذه الساعة حريٌ بالإجابة.

    1.   

    أخطاء تقع في المبيت بالمزدلفة

    المقدم: إذاً هذا أهم ما يقع فيه الحجاج من الأخطاء في يوم عرفة، نأمل أيضاً أن نعرف إذا كان هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في المزدلفة والانصراف منها؟

    العجلة في الانصراف إلى مزدلفة ومضايقة الحجاج

    الشيخ: تقع أخطاء في الانصراف من المزدلفة، منها ما يكون من فعل الانصراف -كما أشرنا إليه سابقاً- من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس، ومنها أنه في دفعه من عرفة إلى مزدلفة يكون فيه مضايقات بعضهم من بعض، والإسراع الشديد، حتى يؤدي ذلك أحياناً إلى تصادم السيارات، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد أشنق لناقته القصوى الزمام حتى إن رأسها ليكون موضع رحله وهو يقول بيده الكريمة: (أيها الناس! السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع)، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى جبلاً من الجبال أرخى لناقته الزمام حتى تصعد، فكان عليه الصلاة والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني؟ فالتأني أفضل.

    النزول قبل وصول مزدلفة

    ومن الأخطاء في المزدلفة والدفع إليها: أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر، ثم ينصرفون منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمرٌ خطير جداً؛ لأن المبيت في المزدلفة ركنٌ من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجبٌ من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة لقول بعضهم، ولكن الصواب أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت بالمزدلفة، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فالمهم أن بعض الناس ينزل قبل أن يصل إلى مزدلفة.

    صلاة المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة

    ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ قال له أسامة بن زيد وكان رديفه: (الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك)، وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء، فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756404797