الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة لسورة مباركة ميمونة، إنها سورة العصر، وتلاوة آياتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! سورة العصر تدور على ثلاثة محاور: حكم، ومحكوم به، ومحكوم عليه. أي: محكمة فيها حكم ومحكوم به، مادة المحكوم به والمحكوم عليه فقط. وآيتها ثلاث آيات.

قال فيها محمد بن إدريس الشافعي عالم قريش تغمده الله برحمته، قال: لوما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.

وقد نقل هذا إلينا سيد الوهابيين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته الصغيرة: الأصول الثلاثة، وهي عبارة عن آية وحديث فقط إذا نظر إليها الحنفي.. المالكي.. الشافعي .. كذا.. يقولون: هذا مذهب خامس .. مذهب وهابي.

أمة هابطة لا تقرأ، ولا تسمع، ولا تفكر، ولا تقبل!

كم وكم نقول: بالله الذي لا إله غيره! لا يوجد مذهب وهابي على الأرض، ولكن لا يفهمون.

وهنا قصة: عندما كنت طفلاً أدرس في الكتاب، وكنا ندرس القرآن فقط والحمد لله، كما في القرى النائية.. في الصحراء: لما حمل راية الدعوة الشيخ الطيب العقبي تغمده الله برحمته خريج هذا المسجد، كانوا يقولون عنه كافر وهابي، وما أظلت السماء ولا أقلت الغبراء أعلم منه.

والطيب هو مؤسس جريدة القبلة ثم حولها إلى جريدة أم القرى، وهو خريج هذا المسجد أنار شمال إفريقيا بالدعوة السلفية، ولكن كانوا يقولون عنه: كافر، وهابي.

ونحن صحراويون، وهناك بعض العوام يشتغلون في الميناء فيجلسون وقت فراغهم وقد تشبعوا بالعقيدة السلفية، فأحدهم جاءني برسالة الأصول الثلاثة طبعوها في العاصمة الجزائرية -هذا قبل ستين سنة- فقرأتها وعرضتها على الشيخ الذي يدرسنا القرآن، فقلت: هذه الرسالة جاءت من الجزائر، فتصفحها وقال: هذا الكلام طيب، ولكنهم يقولون: هذا الرجل وهابي خامسي. أي: مذهب خامس.

وإلى الآن يتهمون كل سلفي بأنه وهابي ويذبحونه.

وأنا أقول: بلغوا لعل الله ينفع.. فالسلفية عملت عملها في الجهاد الأفغاني، ولا ينكر هذا إلا هابط ليس له عقل ولا دين -وما أكثر المنكرين- فكان لها السهم القوي.

هل الحكومة السعودية وهابية؟

الشعب السعودي وهابي إلا أصحاب الهيشات ودعنا منهم، وهم يعيشون كالفئران في الظلام، لكن الواقع أن الأموال والدماء التي سالت هناك أكثرهم سلفيون.

لم أجهزوا على جميل الرحمن ؟ قالوا: وهابي. هذا في السنة الماضية، والآن أهنئكم بأن الحكومة استقرت وأطلقت مدافع الفرح في كابل، وويل للوهابيين فسوف يتتبعونهم، ولم يبق لهم مجال.

ألم أقل لكم: إني لم أخطئ في نظرية من عشرات النظريات السياسية البحتة، وإن أردتم برهاناً على هذا:

فقد جاءني جميل الرحمن في المنزل في الحج الذي قبل هذا، وعرض علي فكرته، فقلت له: يا شيخ! أنت بين أمرين: بين أن تنتهي من حملة فكرة تحكيم الشريعة وإقامة الشرع وتدعو إلى الله في هذه الأمة الجاهلة فتطهر قلوبها وأرواحها من الشرك والضلال والخرافات، وهذا ميدان واسع والله معك، وإما أن تصر على تكوين الدولة الإسلامية، وقطع اليد وفعل وفعل فوالله ما يفرغون من كابل حتى يكروا عليك ويبيدونك أنت وجماعتك.

وصحت النظرية، واستعجلوه ولم يؤخروه إلى اليوم، والمفروض غداً أن يكروا عليه لكن صعب أن يدخلوا كابل فقتلوهم تحت عنوان: وهابيين كفار. هذه أمتنا!!

يقسم الله تعالى فيقول: وَالْعَصْرِ [العصر:1] حلف بالدهر كله، والله هو خالق الدهر .. وإن كان عصر النبوة فيستحق أن يحلف به، وإن كان المراد بالعصر صلاة العصر .. الصلاة الوسطى فتستحق الإقسام بها.

ثم قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2]. و(ال) في كلمة (الإنسان) للاستغراق الجنسي.

يقسم الله بالدهر على أن الإنسان في خسر .. لا يخرج منه، بل هو فيه يعاني ويكابد المشاق والمتاعب منذ أن وجد في بطن أمه إلى أن يموت ثم ينتقل إلى خسران أبدي، يخسر كل شيء ويعيش في عالم لا يعرف العودة منه إلى هذه الدنيا.

أي خسران أعظم من هذا؟ يخسر نفسه.

هذا حكم من؟ حكم الله. حكمه على من؟ على عبيده، ولا دخل لك أنت، هو صنعهم كما شاء أن يصنعهم ثم امتحنهم وأعلمهم أن من أطاعه رفعه إليه، ومن عصاه وتمرد عليه أنزله في دركات الكون السفلى، وما ربك بظلام للعبيد.

وبعد أن عرفنا أن الحاكم هو الله، والحكم هو هذا، والمحكوم به هو الخسران، والمحكوم عليه هو الإنسان؛ ابن آدم، استثنى الله تعالى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:3] أولاً.

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] ثانياً.

وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] ثالثاً.

والآن لا يهلك على الله إلا هالك.

عرفتم الآن سبيل النجاة، آمن يا عبد الله.. آمني يا أمة الله. ومن قال: كيف أؤمن؟ نقول له: يذهب إلى عالم ويقول له: كيف أؤمن؟

ومن يعرف الإيمان وأراد أن يتأكد يقرأ القرآن أو يأتي طالب قرآن فيقول له: اقرأ علي كل يوم حزباً لكي أسمع، ويعطيه خمسين ريالاً.

ويشاهد المؤمنين في القرآن فإن وجد نفسه معهم هلل وكبر وخر ساجداً، وإن وجد نفسه غير موجود يطلب الإيمان من جديد.

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] ما هي الصالحات؟

الصالحات كل قول أو اعتقاد أو عمل أمر الله به ليفعل!

كل اعتقاد أو قول أو عمل هو من الصالحات التي تصلح النفس وتزكيها على شرط أن تأتي بتلك الأعمال والأقوال وفق ما بين الرسول الكريم، فإذا زدت وأنقصت، وقدمت وأخرت لا تنفعك، وأعمالك فاسدة لا تنتج لك الطاقة.

وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3] أي: الزمه، واعرفه، وامش عليه، وتقول هذا لأمك ولأختك، ولأخيك، ولجارك، ولمن معك، ولحاكمك ومولاك.

والتواصي بالصبر على الألم، على الجوع، على الحرارة، على الثبات، على هذا.. وإلا تنتفض وتتزعزع.

إذاً: هذا سبيل النجاة: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].

فضل مجالس العلم