إسلام ويب

تفسير سورة الزمر (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الناس أمام نعم الله وأقداره صنفان: صنف إذا مسه الضر والبلاء جأر إلى ربه ودعاه، وأناب إليه وارتجاه، فإذا كشف الله ما به من الضر، وأزال ما أصابه من الفقر تمرد على ربه ومولاه، ومشى في الأرض ليفسد فيها ويضل عن سبيل الله، ويجعل لله الواحد أنداداً وشركاء، فتعساً له وترحاً، أما الصنف الثاني فهو العبد القانت، الذي يعبد ربه آناء الليل وأطراف النهار، يشكره سبحانه على النعمة ويحفظها، ويحمده على المصيبة ويتقبلها، فله عند ربه جزاء الحسنى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:8-9].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن السور المكية تعمل على إيجاد عقيدة سليمة صحيحة يصبح صاحبها حياً كامل الحياة، إذا أُمر امتثل. وهذه السورة -وهي سورة الزمر- مكية، أي: نزلت بمكة. فقول ربنا عز وجل: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ [الزمر:8]. المراد بالإنسان هنا: كفار مكة، إذ كانوا يؤمنون بوجود الله، وأنه هو رب الأولين والآخرين، وخالق السماوات والأرضين، ولكنهم كانوا يعبدون معه أصناماً نحتوها وقدموها بين أيديهم يتوسلون بها إلى الله تعالى، كما قال الله عنهم في أول هذه السورة: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]. فهم يتقربون إليهم؛ من أجل أن يقربوهم إلى الله عز وجل فيقضي حوائجهم، وهذا جهل مركب، فإنها أحجار وأصنام، أو قبور وأضرحة لا تسمع ولا تبصر، ولا تعطي ولا تمنع، فكيف يقفون أمامها ويدعونها وينادونها؟ إن هذا من الجهل.

    والضر: هو ما يضر الإنسان، كفقد زوجة، أو فقد ولد، أو فقد مال، أو حمى أو آلام، أو غيرها مما يضره، والإنسان كما قلنا المراد به هنا: الكافر المشرك، الجاهل الضال، لا المؤمن الموحد العالم بربه.

    وقوله تعالى: دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ [الزمر:8]. وهكذا كانوا إذا أصابتهم مصيبة في أموالهم أو في أنفسهم؛ كانوا يفزعون إلى الله، ويرفعون أكفهم سائلين ربهم عز وجل، ومع هذا يعبدون اللات والعزى ومناة والأصنام والأحجار، وسبب ذلك: الجهل.

    وهنا لطيفة علمية: فإن أحد الأصحاب رضوان الله عليهم لما فتح الرسول مكة هرب، ولم يصبر حتى يسلم، حتى بلغ ساحل جدة، ووجد سفينة تريد أن تقلع فركب معها هروباً من الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فلما توسطت السفينة في البحر جاءت أمواج، واضطربت السفينة اضطراباً عظيماً، فقال ربانها وهو سائقها: ارفعوا أيديكم إلى الله، وادعوا الله أن ينجيكم، فتعجب! عكرمة وقال في نفسه: نحن هربنا من هذا، والآن في البحر نعود إليه؟ والله لئن رجعت بي إلى الساحل وعدت إلى مكة؛ لأسلمن، وبالفعل لما رجع إلى الميناء دخل مكة وأعلن عن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.

    وقد ذكر الشيخ رشيد رضا رحمه الله في تفسيره المنار حادثة مشابهة، وهي: أن سفينة على عهد العثمانيين كانت تحمل الحجاج من الإسكندرية ومن غيرها من الموانئ إلى مكة، قال: وفي يوم من الأيام جاءت أمواج بحرية فاضطربت السفينة، فإذا بالحجاج: يدعون يا رسول الله! يا فاطمة! يا سيدي عبد القادر، يا مولاي فلان، قال: فقال لهم رجل منهم: أنسيتم الله؟ ثم رفع يديه وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك، فهم في حالة الغرق يدعون غير الله، والكفار في مكة في حال الغرق يدعون الله وحده. فانظر إلى الفرق بين الجاهلية الأولى والجاهلية المعاصرة، فجهال مكة المشركون إذا جاء هم أمر كبير يفزعون إلى الله كما سمعتم، فإنهم لما كانوا في البحر قال لهم ربان السفينة: لن ينجيكم إلا الله، فارفعوا أيديكم إلى الله، فمن ثَمَّ فهم عكرمة وقال: إذاً: نرجع ونسلم، فما دام أنه لا بد من العودة إلى الله فمن الآن نعود.

    وأما السفينة التي ذكرها الشيخ رشيد رضا في تفسيره فإنها لما اضطربت فزعوا، فهذا يدعو يا عبد القادر! وهذا يا رسول الله! وهذا يا فاطمة ! وهذا يا حسين ! وهكذا. فما كان من المؤمن إلا أن قال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك. فكان أهل الجاهلية إذا مسهم ما يضرهم كفقر ومرض يفزعون إلى الله عز وجل، وإذا كانوا في الأمن والرخاء والسخاء عبدوا الأصنام وتقربوا إليها، كالتفكه والتلاعب.

    وقوله تعالى: ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً [الزمر:8]، أي: أعطاه نعمة، نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [الزمر:8]. ففي حال الشدة يفزعون إلى الله، فإذا ذهبت نسوا الله تماماً واستمروا مع أصنامهم وأحجارهم، والمطلوب من العباد أن يفزعوا إلى الله في الرخاء والشدة، فهو مولاهم وسيدهم وخالقهم، ومعبودهم وإلههم، فإذا أصابتهم نعمة حمدوه وأثنوا عليه، وتوسلوا إليه ودعوه ورفعوا أكفهم إليه سائلين منه وحده، وإذا أصابهم ضر أو مرض أو مجاعة أو غيرها فزعوا إليه أيضاً، إذ هو مالك الملك الذي بيده كل شيء، فكيف يفزعون إلى الأصنام والأحجار، أو إلى الرجال والنساء من الأموات والأحياء؟

    وسبب هذا: هو الجهل، فهم ما جلسوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعلموا، ولما جلسوا وتعلموا أصبح المؤمن الواحد منهم يساوي ملء الأرض.

    يقول تعالى مخبراً عنهم ومحذراً إيانا ومفقهاً لنا: وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا [الزمر:8]. أي: شركاء وأضداداً؛ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [الزمر:8]. وهذه حقيقة الضال الجاهل الكافر الذي ما آمن بالله ولا عرف رسوله، ولا عرف كلام الله ولا دينه، وحاله الآن وقبل الآن، والآن في أوروبا،وفي أمريكا، وفي الصين، وفي اليابان إذا أصابتهم كروب وهم وغم لا يفزعون إلى الله، لأنهم لا يعرفونه، والعرب في الجاهلية أفضل منهم، فقد كانوا يفزعون إلى الله في الشدة، أما هؤلاء فلا يفزعون إلى الله لا في الشدة ولا في الرخاء أبداً.

    ثم قال تعالى: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8]. أي: قل لهذا الذي ينسى ربه عند الرخاء فيفزع إلى الأصنام والأحجار، قل له يا رسولنا، وبلغه عنا، بأن: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8]. وقطعاً الكافرون والمشركون الذين يعبدون غير الله أو يعبدون مع الله سواه، هم سيتمتعون هذه الأيام، والمصير الكامل والمرجع التام هو إلى النار، فالله تعالى يأمر رسوله أن يبلغهم بأن: تمتعوا بكفركم قليلاً، وهو قليل فعلاً، فالإنسان يعيش مائة سنة وكأنها سنة واحدة، بل كأنها يوم.

    وقوله: إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8]. أي: من أهل النار الذين لا يفارقونها أبداً، فصحبتهم لها دائمة، لا يفارقونها أبداً، وصاحبك هو الذي لا يفارقك لا بليل ولا نهار، فإن قال: لا أريد أن أكون من أصحاب النار قلنا له: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتوضأ واغتسل وصل واعبد الله، ولن تكون منهم بإذن الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً...)

    قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]. فهل يستوي هذا مع ذلك الكافر الذي يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، ولا يذكر الله إلا في حال الشدة؟.لا يستوون.

    فقوله: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ [الزمر:9]. أي: عابد.

    وقوله: آنَاءَ اللَّيْلِ [الزمر:9]. أي: ساعات الليل، سواء كان أول الليل، أو وسط الليل، أو آخر الليل، والذين يصلون المغرب والعشاء قد صلوا أول الليل، فإذا قاموا في آخر الليل أتموا وأكملوا.

    وقوله: سَاجِدًا وَقَائِمًا [الزمر:9]. هذه هي الصلاة حيناً قائماً، وحيناً راكعاً وحيناً ساجداً.

    وقوله: يَحْذَرُ الآخِرَةَ [الزمر:9]. أي: يخشى أن يفسق أو يفجر، ويخشى أن يقول كلمة باطلة، وأن يرتكب محرماً؛ لأن الله سيعذبه بذلك، ويشقيه في الدار الآخرة، فهو يحذر الآخرة، فلا يقول قولاً، ولا يعمل عملاً، ولا يتحرك حركة من شأنها أن توجب له عذاباً يوم القيامة، وهذا هو المؤمن الصادق الإيمان، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ولا ييأس، ولا يقنط، فهو دائماً مع الله، يدعوه ويرجوه طول حياته.

    والموقف هذا ذو شقين، فهو أولاً: يحذر الدار الآخرة، فإذا تكلم كلمة قال قبل أن يقولها: هل ترضي الله عني أو تسخطه؟ فإن كانت ترضيه عني قلتها ليسعدني في الدار الآخرة، وإن كانت تسخطه عني لا أقولها، وهذا شأن العالمين العارفين بربهم، ولا ينظر النظرة حتى يعرف هل يرضى الله عنها أو لا يرضى؟ ولا يأكل أكلة، ولا يشرب شربة، إلا إذا عرف أن الله راض عليه؛ لحذرانه الدار الآخرة.

    وقوله: وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]. أي: فلا يقنط، ولا ييأس أبداً، فهو دائماً يرفع أكفه إلى الله ويسأله ليلاً ونهاراً.

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل يا رسولنا! هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]. فالذين عرفوا ربهم وعرفوا محابه ومكارهه فعبدوه وعادوا إليه، لا يسوون بمن جهلوا ربهم، وكذبوا به وكفروا به، وعصوه وخرجوا عن طاعته، فهؤلاء علموا ربهم فعبدوه، وهؤلاء جهلوا ربهم فما عبدوه. وهؤلاء عرفوا محاب ربهم ففعلوها، وعرفوا مكارهه فتركوها، وهؤلاء ما عرفوا محاب الله ولا مكارهه، فهم يخبطون ويفعلون المكاره.

    وفي الآية وجوب طلب العلم بالله عز وجل، وبمحابه ومكارهه، وبما لديه وبما عنده، وهذا هو العلم الضروري الذي لا بد منه لكل مؤمن ومؤمنة، فنتعلم محاب الله في الاعتقادات والأقوال والأفعال؛ لنحب ما يحبه الله، ونفعل ما يحبه الله، ونعلم أيضاً ما يكرهه الله؛ لنكره ذلك ونبتعد عنه، ولا بد من هذا، وهذا هو العلم والمعرفة، وليس الذين يعلمون كيف يزرعون ويحصدون ويبنون وغيرها من أمور الدنيا، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). والمسلمة تابعة لأخيها المسلم، وليس المراد الصناعة والزراعة والفلاحة، وإنما معرفة لله عز وجل بأسمائه وصفاته، وليس شرطاً أن تراه بعينيك الضعيفتين في الدنيا، ولكن أن تؤمن به وتعرف جلاله وكماله، فمعرفة الله أولاً، ثم تعرف ما يحب من الكلمات فتقولها، وما يكره من الكلمات فتتركها، وما يحبه من الأكل والشرب فتأكله وتشربه، وما يكره فتتركه وتنتهي عنه، ولا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره.

    وهذا العلم لن يأتيك وأنت نائم في فراشك، فلا بد أن تمشي إليه وتطلبه، وقد كانوا يرحلون من الأندلس إلى المدينة من أجل أن يتعلموا.

    والطريق السهل لكي تتعلم نساؤنا ويتعلم رجالنا أن يتنادى أهل القرية وأهل المدينة -إذا مالت الشمس إلى الغروب- بينهم عند انتهاء العمل، فالفلاح يلقي المسحاة من يده، والكاتب يلقي القلم من يده، والتاجر يغلق متجره، ثم يتوضئوا ويحملوا أطفالهم ونساءهم إلى بيت ربهم المسجد، وإذا لم يتسع وسعوه؛ ليتسع لأهل الحي أو لأهل القرية، ويصلون المغرب، ثم يجلس لهم عالم بالكتاب والسنة ما بين المغرب والعشاء، فيقرأ ليلة آية من كتاب الله، فيحفظونها ويفسرها لهم؛ حتى يعلموا مراد الله منها، ويعزمون على العمل والتطبيق، ويعلمهم في ليلة ثانية حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة من البخاري أو مسلم أو الموطأ، ويحفظون الحديث، ويعلمهم معناه، ويضع أيديهم على المطلوب فيعملوه، وهكذا طول العام، فلن يبق في القرية أو المدينة جاهل أو جاهلة أبداً.

    فيكونون في النهار فلاحون ونجارون وفي غيرها من المهن، وبين المغرب والعشاء يكون وقت راحة وليس وقت عمل، فإذا استمروا على ذلك سوف يزداد إيمانهم وتستنير قلوبهم، وسيقل الفسق والفجور والشر والباطل وينتهي، بلا حديد ولا نار ولا سجن ولا تعذيب، فقط بهذه الربانية الصادقة.

    وإلى الآن لم نجد قرية اجتمع أهلها في مسجدهم، ولا وجدنا أهل حي من أحياء المدن اجتمعوا في مسجدهم، وإذا لم يتعلموا ويعرفوا كيف يعبدوا الله، فلن يحسنوا العبادة ولن يطيعوا الله، ولاستفهام في قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]؟ واضح، فالذين يعلمون ربهم ومحابه ومكارهه يطيعون ويتوبون، والذين لا يعرفون ربهم يفسقون ويفجرون.

    ثم قال تعالى: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9]. والألباب: جمع لب، والمراد باللب: القلب الحي، الذي يسمع ويبصر ويعي ويفهم، والذي يتذكر ويتعظ إذا سمع هذا القرآن هو صاحب القلب الحي.

    إذاً: في الناس من قلوبهم ميتة وهم الذي يعيشون في الدنيا ولا يسألون عن خالقهم، يعيش الواحد منهم مع المؤمنين الذين يعبدون الله فلا يسأل: لم هؤلاء يعبدون الله؟ أبداً، فهو ميت تماماً، لا قلب له.

    اللهم ارزقنا قلوباً حية، ونورها يا رب بعبادتك وطاعتك وحبك وحب رسولك والمؤمنين.

    وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] والآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية هذه الآيات:

    أولاً: تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد ] ومحوه، وأنه هو الموت والعياذ بالله تعالى. وتقرير التوحيد وإثباته، وأنه هو الروح.

    [ ثانياً: الكشف عن داخلية الإنسان قبل أن يؤمن ويُسلم، وهو أنه إنسان متناقض لا خير فيه ولا رشد له، فلا يرشد ولا يكمل إلا بالإيمان والتوحيد ] فالإنسان إذا لم يؤمن إيماناً حقاً؛ ميت لا يسمع ولا يبصر، ولا يعطي ولا يأخذ أبداً، فإذا نفخت فيه الروح، روح الإيمان وأصبح يؤمن بربه، وأنه لا يخفى عليه شيء من عمله، استقام واستطاع أن يعبد الله ويتقيه، ويفعل الخيرات ويتجنب المنكرات.

    أما الذي هو ميت لا إيمان له، فلا يستطيع أن يبصر ولا يسمع ولا يعطي ولا يأخذ حتى تنفخ فيه روح الإيمان، فإذا آمن وعرف ربه وأنه يسمعه ويبصره، ويعطيه ويأخذ منه، وأن مصيره إليه، حينئذ يستطيع أن يستقيم ولو عاش مائة سنة.

    [ ثالثاً: بشرى الضالين عن سبيل الله المضلين عنه بالنار ] فبشرى المطيعين بالجنة، وبشرى العصاة بالنار.

    [ رابعاً: مقارنة بين القانت المطيع، والعاصي المضل المبين، وبين العالم والجاهل، وتقرير أفضلية المؤمن المطيع على الكافر العاصي، وأفضلية العالم بالله وبمحابه ومكارهه، والجاهل بذلك ] وهذه مقارنة واضحة عجيبة بين الإيمان والكفر، وبين الإحسان والإساءة، وبين العلم والجهل، وبين الطاعة والعصيان، وكل ذلك من باب دعوة الله لنا إلى أن نؤمن ونحقق إيماننا، وأن نعمل الصالحات بصدق وجد، وأن نتجنب الشركيات والسيئات والآثام؛ لنكمل في حياتنا، ونسعد فيها، فنطهر ونطيب ونصفو، ثم ننتقل إلى دار السلام الجنة دار الأبرار، ونكون في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. اللهم اجعلنا منهم.

    [ خامساً: فضل العالم على الجاهل لعمله بعلمه، ولولا العمل بالعلم لاستويا في الخسة والانحطاط ] هذه لطيفة: وهي أن العالم إنما فضل وشرف وكمل على الجاهل بعلمه، فإذا لم يعمل بعلمه استويا، وأحلف بالله! أن من عرف وعلم بالله والله لن يعصي الله ولن يخرج عن طاعته، وإذا كان العلم صحيحاً فإن صاحبه لا يقدر على معصية الله، وإذا كان العلم صورياً، إنما طلبه صاحبه للوظيفة، ولم يرغب في ما عند الله ولم يرهب ما عنده فلن ينتفع بعلمه وهو والجاهل سواء، ونحن نشاهد طلبة علم ضائعين تمام الضياع؛ لأنهم ما درسوا دراسة ربانية، ولم يريدوا أن يعرفوا الله ليحبوه ويطيعوه.

    والله تعالى أسأل أن يعلمنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756244075