إسلام ويب

تفسير سورة يونس (23)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من جهل المشركين بربهم وضلالهم عن جلال قدره وعظيم قدرته أن نسبوا إليه سبحانه الولد، فكما نسب بعض النصارى الولد لله جاء المشركون ووصفوا الملائكة بأنهم بنات الله، دون برهان عندهم ولا سابقة من علم أتتهم، إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، فليس لهم إلا أن يتمتعوا في هذه الدنيا قليلاً، ثم يوم القيامة يذوقون عذاباً وبيلاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة يونس بن متى عليه السلام، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:68-70].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! السورة مكية، وهي تعالج قضايا العقيدة كما علمتم، فقال تعالى مخبراً عما قاله المبتدعة والضلال من العرب المشركين واليهود المجرمين والنصارى الضالين الذين قالوا قولاً باطلاً كذباً وافتراء: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [يونس:68]، وحاشى لله أن يتخذ ولداً، فالذي له كل الكون في قبضته وبيده، ويقول للشيء: كن فيكون إذا أراده؛ هل يحتاج إلى ولد؟ يا للعجب! ولا تعجبوا، سلوا علماء النصارى الآن، يعتقدون أن عيسى ابن الله.

    عبث الشيطان بالعرب وغيرهم في نسبة الولد إلى الله تعالى

    قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [يونس:68]، فالفرية الشيطانية التي روجها الشيطان وأعوانه بين العرب أنهم قالوا: إن الله تعالى أصهر إلى الجن، فأنجب الملائكة بناته، فقالوا: الملائكة بنات الله، فقال تعالى: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:153-154] من سورة اليقطين، واليهود قالوا: عزير ابن الله، وقد ذكرت لكم سبب هذه الفرية، وهو أنه لما احتل البالبليون ديار فلسطين وأخرجوهم منها، وأخذوا أموالهم، أخذوا من جملة كنوزهم التوراة، فبكوا وقالوا: أخذت التوراة وما منا من يحفظها؛ لأنها ليست سهلة الحفظ كالقرآن لكبرها، فهي ألف سورة، فالعزير عليه السلام -وهو أحد أنبياء بني إسرائيل- أملاها عليهم حفظاً غيباً، فقالوا: إذاً: لن يكون هذا إلا ابن الله، وإلا فكيف يحفظ التوراة ويمليها علينا؟ والشياطين هي التي تعبث وتعمل على إفساد القلوب وفتنة النفوس، فمن ثم قالت اليهود: عزير ابن الله، ومن نفى اليوم وقال: ما قلنا؛ فإنا نرد عليه بقول الله تعالى من سورة التوبة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، وقالت العرب: الملائكة بنات الله، والدعوى كلها تدور حول أن يعبدوا غير الله، فالذين ألهوا العزير عبدوه، والذين ألهوا عيسى عبدوه، والذين ألهوا الملائكة عبدوهم، وهو إبطال التوحيد ونفي العبادة عن الله لغيره، ولا إله إلا الله.

    تنزه الله تعالى عن اتخاذ الولد

    فلنسمع ما قص تعالى علينا: قال جل جلاله: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [يونس:68]، ثم قال تعالى: سُبْحَانَهُ [يونس:68]، فما معنى: سبحانه؟ أي: تنزه وتقدس وتعالى وتكبر عن أن يكون له ابن؛ لأن الابن يحتاجه الإنسان ويحتاجه الجان؛ لحاجته إليه، ابنك يسعدك في حياتك، يسعدك بالنظر إليه وجلوسه بين يديك، يعمل على إسعادك إذا كبر، أنت مفتقر إليه، أما الله تعالى وهو القائل للشيء: كن فيكون فهل يحتاج إلى من يعمل معه أو يساعده؟! ثم يكيف يكون له الولد وهو خالق كل شيء؟ لا بد في الولد من صاحبه وزوجة، وتعالى الله أن تكون له زوجة، أيخلق النساء كما شاء ثم يحتاج إلى زوجة؟ فهم سيء وسقيم، ولكن لا لوم؛ لأن الشياطين هي التي تزين هذه الأباطيل وتحسنها، وتصبح عقائد من عقائد البشر ليضلوا ويهلكوا.

    سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ [يونس:68]، غنى مطلقاً لا يحتاج إلى شيء، غنى الله تعالى ذاتي مطلق لا يقيد بشيء، والله لا يحتاج إلى شيء من خلقه، كيف يحتاج للشيء وهو يقول له: كن فيكون كما يريده تعالى؟

    ثانياً: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [يونس:68] من الملائكة والجن والإنس والحيوانات والكائنات، وأفلاك السماوات، والأشجار، كل الخلق له، فهل هذا يحتاج إلى ولد؟! لم ينسبون إليه الولد؟ من أجل أن يعبدوا غير الله، يتوسلون به إلى الله، يستشفعون به إلى الله بنسبته أنه ولده ليعطيهم الله ويكرمهم ويعزهم ويسعدهم، فمن أوحى بهذا؟ إبليس هو الذي يزين هذا، فجهال وضلال المسلمين لماذا عبدوا الأولياء وألهوهم وحلفوا بهم وذبحوا لهم ونذروا لهم، وتحابوا من أجلهم وتباغضوا من أجلهم، من زين لهم هذا؟ والله! أن إبليس ليضلهم، وإلا فأولياء الله يترحم عليهم، يستغفر لهم، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، لا أن يسألوا، لا أن يستشفع بهم، لا أن يتوسل بهم أبداً، لا يملكون شيئاً، ماتوا والتحقوا بربهم، فكيف ندعوهم ونسألهم ونتوجه إليهم بقلوبنا ووجوهنا سائلين ضارعين؟ من زين هذا؟ والله! إنه لإبليس، من أجل إدخالهم في الضلال ليهلكوا كما هلك، وليخسروا كما خسر، فكيف يكون له تعالى ولد وله ما في السماوات وما في الأرض من كل الكائنات؟ أهذا يفتقر إلى ولد؟!

    معنى قوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون)

    ثم قال تعالى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا [يونس:68]، (إن) بمعنى (ما)، ما عندكم ­-والله- من حجة ولا برهان تثبت أن لله ولداً، هاتوا الحجج، ما عندكم أبداً من سلطان بهذا الذي تزعمون وتدعون وتقولون، لو قيل لليهودي: أثبت أن العزير ابن الله، ما هي حجتك، ما برهانك، ما دليلك؛ فإنه ينكسر، يا مسيحي يا صليبي! لم تعبد المسيح، لم تكذب وتقول: هو ابن الله؟ ما الدليل على أنه ابن الله؟ ما حجتك، ما برهانك، ما سلطانك في هذا؟ فسينقطع.

    عباد القبور عندنا نسألهم: ما عندكم من سلطان ومن حجة وبرهان على أن الرسول قال: ادعوهم مع الله، سلوهم واطلبوا منهم، تقربوا إليهم، اذبحوا لهم، سوقوا لهم قطعان الغنم والبقر فإنهم يفعلون ويفعلون؟ والله! لا وجود له، ما هناك حجة ولا برهان.

    ومن هنا لا يصح أن يعتقد امرؤ عقيدة إلا ببرهانها وسلطانها، ولا يعمل عملاً ولا يقول قولاً إلا إذا كان معه الدليل: الحجة والبرهان القاطع، أما بالأوهام والظنون والكذب فلا.

    هكذا يقول تعالى لهم: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا [يونس:68]، ما عندكم من سلطان بما تزعمون وتدعون أن الملائكة بنات الله، أو أن العزير أو عيسى ابن الله.

    ثم قال لهم: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يونس:68]؟ هذا التقريع، هذا التوبيخ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يونس:68]؟ لو قلتم عن إنسان فممكن أن يغفر لكم، إن قلتم بالكذب بدون علم، لكن على الله تقولون بالكذب، وتدعون أنكم تؤمنون بالله وتخافونه وترغبون فيما عنده وتتوسلون بالشرك إليه؟! كيف هذا؟! أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يونس:68].

    حرمة القول على الله تعالى بغير برهان وعلم

    وفي هذه الآية -معاشر المستمعين والمستمعات- أنه لا يقولن أحد كلمة عن الله إلا إذا كان له فيها دليل وبرهان، ولا يقل: شرع الله أو سن رسول الله إلا إذا كان عنده برهان وحجة وسلطان يثبت ذلك، فمن لم يعلم فليقل: الله أعلم.

    ولو سد هذا الباب لطلبنا العلم كلنا، لو أغلق باب القول بدون علم لأقبل المسلمون على العلم، لكن ما دام أن الأمر قل ما شئت وتصرف كما تشاء؛ إذاً: ما هناك حاجة إلى طلب العلم.

    أقول: لو أننا التزمنا بمبدأ إن علمت قلت وإلا فقل: الله أعلم، ولا يحل لك أن تقول بدون علم؛ لكان أحدنا مضطراً إلى أن يتعلم وإلى أن يسأل أهل العلم ليعلم، لكن ما دمنا نقول كما نريد ونحدث بما نريد ونفعل ما نريد فهذه الحال تدعونا إلى ألا نطلب العلم، هذا مأخوذ من قوله تعالى: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)

    ثم قال تعالى لرسوله ومصطفاه: قل يا رسولنا أيها المبلغ عنا: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [يونس:69].

    يا ويحنا من هذه الآية، قل يا رسولنا المبلغ عنا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [يونس:69] يختلقون الكذب على الله، يقولون: الله له كذا أو فعل كذا أو أمر بكذا أو نهى عن كذا وهو ما فعل، هؤلاء لا يفلحون، والله! لا يفوزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.

    الفلاح: هو الفوز، والفوز معناه أن ينجو العبد من عالم الشقاء النار ذاك المصير المظلم ويدخل الجنة دار النعيم، هذا الفلاح وهذا الفوز، فالذين يكذبون على الله ويقولون: قال وما قال، وشرع وما شرع، وأحل وما أحل، وحرم وما حرم؛ هؤلاء يقول تعالى عنهم: لا يُفْلِحُونَ [يونس:69]؛ لأن الفلاح بيده، فلن يفلحهم.

    هكذا يقول تعالى لرسوله: أعلن هذا، قل: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [يونس:69] فالذين يقولون: عيسى ابن الله هل يفلحون؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون)

    ثم قال تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا [يونس:70] ومعنى هذا أنه قد يقول قائل: النصارى مفلحون؛ يطيرون في السماء ويغوصون في الماء، والعمارات تناطح السحاب والأموال وكذا وكذا وكذا؛ فكيف يقول تعالى: لا يُفْلِحُونَ [يونس:69]؟

    فقال تعالى: لا يفلحون في الدار الآخرة، أما هذه الأيام المظلمة فلا قيمة لها، متاع في الحياة الدنيا فقط ثم يموتون بعد سنة أو عشرة وينتقلون إلى عالم الشقاء إلى جهنم دار العذاب والشقاء.

    متاع في الدنيا فقط، لا يقولن قائل: هؤلاء الذين يكذبون على الله ويشرعون ويقننون يأكلون ويشربون أكثر منا أو يتمتعون بمتع ليست عندنا، فهذه انزعها من ذهنك؛ فإن ذلك مرده إلى تدبير العليم الحكيم له أسبابه وعلله، وهو بالنسبة إليك ما هو إلا متاع قليل، أيام وستنتهي، فهل خلد واحد من أوروبا؟ إذاً: يموتون، فإلى أين ينتقلون؟ إلى جهنم والخلد فيها أبداً، فلا عبرة إذا رأيتهم يأكلون ويشربون.

    هكذا يقول تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [يونس:69] فإن فرضنا أن قائلاً يقول: ها هم مفلحون؛ فالجواب ما هو؟ قل لهم: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا [يونس:70] يتمتعون به ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70]، فكل من يكذب على الله كافر، كل من يكذب على الله وينسب إليه ما لم يقله أو يشرعه فهو كافر بنص هذه الآية، أما قال تعالى: بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70]، أي: بسبب ما كانوا يكفرون.

    واسمعوا الآيات مرة أخرى: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:68-70].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات:

    ما زال السياق في تحقيق التوحيد وتقريره بإبطال الشرك وشبهه، فقال تعالى: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [يونس:68] أي: قال المشركون: إن الملائكة بنات الله، وهو قول مؤسف محزن للرسول صلى الله عليه وسلم، كقولهم له: لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد:43]، وقد نهي صلى الله عليه وسلم عن الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة. ونزه الله تعالى نفسه عن هذا الكذب فقال: سُبْحَانَهُ [يونس:68]، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغني الغنى الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره، فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد؟ وبرهان آخر على غناه: أن له ما في السموات وما في الأرض، الجميع خلقه وملكه، فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له؟ ] لا يعقل.

    [ وحجة أخرى: هل لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت ذلك؟ والجواب: لا، لا ] لا برهان بهذا.

    [ قال تعالى مكذباً إياهم: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا [يونس:68] أي: ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون. ثم وبخهم وقرعهم بقوله: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]؟ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [يونس:69].

    إن قيل: كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة أحياناً؟ فالجواب في قوله تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا [يونس:70] أي: ذلك متاع في الدنيا يتمتعون به إلى نهاية أعمارهم، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً، ثم يذيقهم العذاب الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا.

    وعلل تعالى ذلك العذاب الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال: بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70] أي: يجحدون كمال الله وغناه، فنسبوا إليه الولد والشريك ] والعياذ بالله.

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً ]، قاعدة: كل من ينسب إلى الله عجزاً ويصفه به فهو كافر، ولا تشك في هذا، أما قال تعالى: بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70]؟

    [ ثانياً: كل دعوى لا يقيم لها صاحبها برهاناً قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها ]، قل ما شئت، فإذا لم يكن لقولك حجة وبرهان ساطع فلا قيمة لما تقول، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يونس:68].

    [ ثالثاً: أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران ]؛ لأنهم يكذبون على الله وينسبون إليه ما هو منه بريء.

    [ رابعاً: لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن ]، لا تغتر يا عبد الله؛ [ فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يئول أمرهم إلى خسران دائم ] في عالم الشقاء.

    والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756035321