إسلام ويب

تفسير سورة النمل (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء لوط عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله، وترك ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران، زاهدين عما أحله الله لهم من النساء، وذلك لانتكاس فطرتهم، وظلمة قلوبهم، فما كان من قومه إلا أن تمالئوا عليه وعلى أهل بيته بحجة أنهم قوم يطّهرون، وأرادوا إخراجه من قريتهم، فعاقبهم الله بأن أنجاه وأهله ودمر المجرمين، وأرسل عليهم حجارة من سجيل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ [النمل:54-58].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا تعالى: وَلُوطًا [النمل:54]، أي: اذكر يا رسولنا! لوطاً إذ قال لقومه كذا وكذا، أو وأرسلنا لوطاً كما أرسلنا قبله من الأنبياء والمرسلين. فهذه القصة خاصة بقوم لوط.

    ولوط عليه السلام هو لوط بن هاران، وعمه إبراهيم عليه السلام، فإبراهيم الخليل له أخ يسمى هاران، وهاران أنجب ولداً سماه لوطاً في أرض بابل.

    ولما تمت تلك الجرائم في تلك البلاد، وحكموا على إبراهيم بالإعدام، ونجاه الله تعالى هاجر وهاجر معه ابن أخيه لوط، وامرأته سارة ، وخرجوا من أرض بابل من ديار العراق متجهين إلى الشام.

    ثم نبأ الله لوطاً عليه السلام، وأرسله إلى قوم ديارهم الآن هي البحيرة المنتنة أو البحر المنتن، وكان فيها عواصمهم سدوم وعمورية. وكان هؤلاء القوم جهلة كما وصفهم تعالى، وكانوا يرتكبون أفحش وأقبح الذنوب والآثام، فأرسل إليهم لوطاً صلى الله عليه وسلم.

    واسمع القصة كما ذكرها تعالى، قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [النمل:54]. وهو ليس منهم، وليس بأخيهم، وإنما هم قومه الذي أرسل إليهم.

    توبيخ لوط عليه السلام لقومه على إتيانهم الفاحشة

    قال لوط عليه السلام لقومه: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [النمل:54]؟ أي: أترتكبون أقبح الفواحش وأعظمها؟ وهو إتيان الذكور في أدبارهم.

    وقوله: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54]؟ هذا الاستفهام إنكاري تقبيحي، وتهويل للموقف، أي: كيف تفعلون هذا؟ أي: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54]؟ والفاحشة: الخصلة القبيحة التي هي أشد قبحاً، ولا أعظم من اللواط قبحاً.

    وقال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [النمل:54]؟ إذ كانوا يفعلونها في أنديتهم وهم يضحكون ويصفقون. ولا عجب من هذا، فقد بلغنا أن في أوروبا الآن أندية للواط، فهم عادوا إلى تاريخ قوم لوط. وبلغنا أن هناك في أوروبا من يعقد على الذكر ويتزوجه، والعياذ بالله. ولا حرج، فقد هبطوا، وعمهم الجهل.

    وقوله: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54]؟ أي: القبيحة المنتنة والأشد قبحاً، وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [النمل:54] وتشاهدون، أو وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [النمل:54] قبح هذه الجريمة وعظم فحشها، ثم تفعلونها. هذه كلمة رسول الله لوط عليه السلام لهم، وهذا هو إنكاره عليهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ...)

    قال تعالى حاكياً أن لوطاً قال لهم: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ [النمل:55]. وتعطلون النساء، أي: المرأة التي إذا جومعت أو جامعها زوجها أنجبت ولداً. والرجل يتحصن بزوجته، وأنتم تجهلون هذا الباب، وتفتحون باب الشر والخلاعة والدعارة، ويأتي بعضكم على بعض، وأنتم ذكران. ولذلك قال لهم: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً [النمل:55]. وتعطلون النساء. وكانوا قد يأتون النساء في أدبارهن أيضاً، ولا يقبلون حتى فرج المرأة. والذي زين لهم هذا هو إبليس، الذي ما زال إلى الآن يزين كل قبيح في الأرض، ويحسنه لأتباعه وأوليائه.

    ثم قال لهم: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل:55]. وهذه حقيقة. وقد قالها لوط صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل:55]. ووالله لولا جهلهم بالله وصفاته وجلاله وكماله وشرائعه ووعده ووعيده ما فعلوا هذا، ولكنهم ما عرفوا، بل هم جهال.

    ولهذا اعلم يا عبد الله! واحلف على هذا، أن هذه الجرائم لا يأتيها إلا من جهل ربه، وأما من عرفوا الله وعرفوا محابه ومكارهه ووعده لأوليائه ووعيده لأعدائه وشرائعه وأحكامه فوالله ما يقدمون على هذا الجرائم، ولو زلت قدم أحدهم يوماً في الدهر بكى طول العام وطول السنة، وأما الذي يستحل هذه المحرمات ويتبجح بها ويفعلها والله ما هو إلا أجهل الخلق، فلهذا يجب أن نقاوم الجهل قبل أن نقاوم الفسق والفجور، وذلك بأن نذهب الجهل عن قلوبنا ونفوسا. وهذه القضية مشاهدة علناً، وكما قلنا: ادخل أي قرية في أي بلد واسأل عن أتقاهم وأبرهم وأصلحهم فوالله لن يكون إلا أعلمهم، واسأل عن أفجرهم وأشقاهم ووالله لن يكون إلا أجهلهم. ولا تشك في هذا أبداً، لهذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يجمع رجاله، ويدعهم يأتون من أنحاء المدينة؛ ليعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فعلموا فارتفعوا وساموا وسادوا، ونحن تركنا الجهل يغمرنا، ويغطي نساءنا وبناتنا وأولادنا، ثم نقول: كيف ظهر هذا الباطل وهذا المنكر؟ وتأملوا قوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل:55]. فوالله لولا جهلهم ما ارتكبوا هذا الكبيرة الفاحشة القبيحة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)

    قال تعالى حاكياً ما أجاب به قوم لوط لوطاً عليه السلام: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل:56]. وهذه هي العنترية والقوة والباطل، فبدل أن يتعظوا وترق قلوبهم ويراجعوا أمرهم، ويقولوا: عملنا كذا مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل:56]. وعللوا لإخراجهم بقولهم: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]. وقالوها استهزاء وسخرية. وقد شاهدنا من الناس من يسخر من متوضئ أو مصلٍ بهذه السخرية، ويقول: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]. فأخرجوهم من دياركم؛ لأنه لا تتلاءم حياتكم مع حياتهم، فأخرجوهم من دياركم. وعزموا على إخراج لوط وقومه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين)

    قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [النمل:57]، أي: الهالكين. فلما دقت الساعة وآن الأوان خرج لوط عليه السلام مع ابنتيه ومع زوجه البارة التقية النقية، وترك زوجته الكافرة الفاجرة التي كانت تأتي باللائطين إلى بيت لوط؛ لأن عنده ضيوفاً. وحسبنا من ذلك ما قص تعالى علينا في سورة هود، فقد جاء الضيوف جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى لوط، فذهبت وحرشت عليهم، وقالت: إن لوطاً في بيته ضيوفاً، والعياذ بالله.

    وأما كيفية إهلاكهم فقد ساخت بهم الأرض، بل انقلبت، وكانت سدوم وعمورية مدينتان عظيمان، فانقلبتا، فأصبح الأسفل فوق، والفوق أسفل، وأصبحت بحراً أو بحيرة، والذين لم يكونوا داخل المدينة ومنهم امرأة لوط هذه الفاجرة أرسل الله عليهم حجارة من طين من سجيل، فالذين كانوا خارج المدينتين أهلكوا بالحجارة، ومنهم امرأة لوط الكافرة الظالمة، فقد هلكت كذلك بالحجارة، كما قال تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [النمل:57]، أي: قضينا وحكمنا على أنها من الهالكين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين)

    قال تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ [النمل:58]. فقد أمطر الله عليهم مطر حجارة من سجيل من جهنم؛ وهذا لأن الله أنذرهم برسوله وبالوحي إليه، وعلمهم وخوفهم وأنذرهم، فأصروا على الباطل والإجرام، والشرك والكفر، والفسق والفجور فاستوجبوا العذاب؛ لأنهم منذرون، ولو ما أنذورا بعد لكانوا ما زالوا لم يستوجبوا العذاب، ولكنهم لما استوجبوا العذاب لما أنذرهم وأبوا، فأهلكهم، وما نجا إلى لوط صلى الله عليه وسلم وابنتاه وامرأته المؤمنة الصادقة، كما قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [الحجر:65-66]. وبالفعل هلكوا مع الصباح.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات:

    هذا بداية قصص لوط عليه السلام مع قومه اللوطيين، فقال تعالى: وَلُوطًا [النمل:54]، أي: واذكر كما ذكرت صالحاً وقومه اذكر لوطاً، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [النمل:54] منكراً عليهم، موبخاً مؤنباً لهم، على فعلتهم الشنعاء، أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [النمل:54]؟ أي: قبحها وشناعتها ببصائركم وبأبصاركم، حيث كانوا يأتونها علناً وعياناً، وهم ينظرون.

    وقوله: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ [النمل:55]، أي: لا للعفة والإحصان، ولا للولد والإنجاب، بل لقضاء الشهوة البهيمية، فشأنكم شأن البهائم لا غير. وفي نفس الوقت آذيتم نساءكم؛ حيث تركتم إتيانهن، فهضمتم حقوقهن ] وهذا لما اعتزلوا النساء، واشتغلوا بالرجال، فهضموا بهذا حق النسا.

    [ وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل:55]، أي: قال لهم لوط عليه السلام، أي: ما كان ذلك الشر والفساد منكم إلا لأنكم قوم سوء، جهلة بما يجب عليكم لربكم من الإيمان والطاعة، وما يترتب على الكفر والعصيان من العقاب والعذاب ].

    قال: [ هذه بقية قصص لوط عليه السلام، إنه بعد أن أنكر لوط عليه السلام على قومه فاحشة اللواط، وأنهم عليها، وقبح فعلهم لها، أجابوه مهددين له بالطرد والإبعاد من القرية، كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ [النمل:56]، أي: لم يكن لهم من جواب يردون به على لوط عليه السلام إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل:56]، أي: إلا قولهم: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل:56]. وعللوا لقولهم هذا بقولهم: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]، أي: يتنزهون عن الفواحش، قالوا هذا تهكماً، لا إقراراً منهم على أن الفاحشة قذر يجب التنزه عنه.

    ولما بلغ بهم الحد إلى تهديد نبي الله لوط عليه السلام بالطرد والسخرية منه أهلكهم الله تعالى، وأنجى لوطاً وأهله، إلا إحدى امرأتيه، وكانت عجوزا كافرة، وهو معنى قوله تعالى في الآية (57): فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [النمل:57]. حكمنا ببقائها مع الكافرين؛ لتهلك معهم.

    وقوله تعالى في الآية (58): وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ [النمل:58]، هو بيان لكيفية إهلاك قوم لوط، بأن أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود فأهلكهم. فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ [النمل:58]، أي: قبح هذا المطر من مطر المنذرين، الذين كذبوا بما أنذروا به، وأصروا على الكفر والمعاصي، وهذا المطر كان بعد أن جعل الله عالي بلادهم سافلها، أردف خسفها بمطرٍ من حجارة؛ لتصيب من كان بعيداً عن المدن ].

    معاشر المستمعين! والسنة عندنا في حد اللواط هو الرجم حتى الموت، بلا فرق بين المحصن وغير المحصن. هذا حد اللواط في الإسلام في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، ولا فرق بين المحصن الذي تزوج وعرف النساء، وبين غير المحصن الذي ما تزوج بعد من الشبان على حد سواء؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول ).

    وهنا اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في كيفية قتل اللائطين.

    قال: [ وقد اختلفت كيفية قتلهما عن الصحابة، فمن الصحابة من أحرقهما بالنار، فأدخل اللائط والملوط به في حفرة وأشعل عليهما النار. ومنهم من قتلهما رجماً بالحجارة، فربطهما في باب المسجد، ثم جاء بالحجارة وقتلهم بالحجارة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ينظر أعلى بناء في القرية ] والآن البناء عندنا عالياً، وفي الأول كان نادراً [ ويرمى بهما منكسين، ثم يتبعان بالحجارة ] أي: يرسلان من أعلى البناية على الأرض منكسين على رءوسها، ثم يرجمان بالحجارة حتى الموت. هذا حكم اللواط في الإسلام، ومن ثم قل هذا الذنب في العالم الإسلامي بالنسبة إلى عالم الكفر، ففيه كما علمتم أندية للواط.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات فلنتأمل ما درسناه [ من هداية الآيات ] التي تدارسناها[ أولاً: بيان ما كان عليه قوم لوط من الفساد والهبوط العقلي والخلقي ] مع بعضهم البعض، فقد كان فيهم هبوط في عقولهم وأخلاقهم، وقد أخذنا هذا من قوله تعالى: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54]؟

    [ ثانياً: تحريم فاحشة اللواط، وأنها أقبح شيء، وأن فاعلها أحط من البهائم ] والله. ولا ننسى كلمة عبد الملك بن مروان الخليفة في دمشق وهو على المنبر، فقد أقسم بالله وهو يخطب الناس يوم الجمعة وقال: لولا أن الله ذكر قوم لوط ما كان يخطر ببالنا -أي: العرب- أن الذكر ينزو على الذكر. وهو كذلك، فهذا أبعد ما يكون، أن ينزو الذكر على الذكر. وأول حادثة حدثت كما قدمنا في البحرين، وكانت من عجم لا من عرب.

    [ ثالثاً: بيان أن الجهل بالله تعالى وما يجب له من الطاعة، وبما لديه من عذاب وما عنده من نعيم مقيم هو سبب كل شر في الأرض وفساد. ولذا كان الطريق إلى إصلاح البشر هو تعريفهم بالله تعالى، حتى إذا عرفوه وآمنوا به أمكنهم أن يستقيموا في الحياة على منهج الإصلاح المهيأ للسعادة والكمال ] في الدارين.

    [ رابعاً: بيان سنة أن الظلمة إذا أعيتهم الحجج والبراهين يفزعون إلى القوة ] وقد أخذنا هذا من قوله تعالى: قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ [النمل:56]. فلما عجزوا عن البيان والحجة قالوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل:56]. وهذه سنة ماضية إلى اليوم، وهي: أن الظلمة إذا أعيتهم الحجج والبراهين ولم يستطيعوا يفزعون إلى القوة، ويقولوا: أدخلوهم السجن أو أقتلوهم.

    [ خامساً: بيان سنة أن المرء إذا أدمن ] والإدمان معروف، فهو المواصلة للشيء [ على قبح قول أو عمل يصبح غير قبيح عنده ] والله العظيم. فالذين يتعاطون المخدرات لا يعتبرونها قبيحة أبداً، بل يستلذونها، والذين اعتادوا على الضحك والاستهزاء والسخرية بالمؤمنين لا يعدون هذا أيضاً هذا قبيحاً، وهكذا، فهذه سنة ماضية. والمرأة التي تكشف عن وجهها وعن ذراعيها وساقيها وتخرج في الشراع فهي لا تستحي من هذا، ولا تراه قبيحاً والله، ولو رأته قبيحاً لوقعت على الأرض وبركت، وغطت وجهها، ولكنها أدمنت على هذا وألفته واعتادت عليه. ولهذا يجب ألا نسمح للفواحش أن تستمر في البلد، بل إذا ظهرت فاحشة نقاومها حتى يتم القضاء عليها؛ لأن من أدمن على فاحشة يصبح يتلذذ بها. وليس هناك فاحشة أعظم من اللواط، وقد أصبحوا يأتونها في الأندية وهم يضحكون؛ لأنهم أدمنوا عليها، وعاشوا عليها.

    [ سادساً: سنة إنجاء الله أولياءه، وإهلاكه أعداءه بعد إصرار المنذرين على الكفر والمعاصي ] فلما أصر الظالمون أهلكهم الله، وأنجى عباده المؤمنين.

    والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755825070