إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (51)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتوعد الله عز وجل المشركين به، المكذبين بآياته ورسوله، أنهم إن أعرضوا عن دين الله فلينتظروا أن تأتيهم الملائكة لانتزاع أرواحهم، أو تقدم عليهم الساعة فيرون آياتها رأي عين، لكنهم حينئذ لن ينتفعوا بشيء، ولا حتى بكلمة التوحيد إن أتوا بها، وسيكون مصيرهم إلى نار جهنم جزاء تكذيبهم وإعراضهم، وهو مصير كل مكذب منهم وممن قبلهم من الأمم السابقة الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله إن شاء الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    هذا وإننا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت في نزولها بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلكم السورة التي قررت المبادئ العظمى والقواعد المثلى الأربع:

    أولاً: لا إله إلا الله، والله لا يوجد إله حق يعبد مع الله إلا الله، بالبراهين والحجج والآيات والمنطق.

    ثانياً: محمد رسول الله، بالحجج والبراهين والآيات والمعجزات، لا ينكر رسالته إلا أحمق أو ميت لا عقل له ولا ضمير.

    ثالثاً: التشريع حق الله عز وجل، هو الذي يحل ما شاء ويحرم ما شاء، هو الذي يشرع ما يشاء من العبادات، هو الذي ينهى ويأمر؛ لأنه المالك، ولأنه العليم الحكيم، وغيره لا حق له في التشريع، قررت السورة هذا المبدأ بالآيات والحجج والبراهين.

    رابعاً: البعث الآخر والحياة الثانية، والجزاء على الكسب في هذه الدنيا، إما بالنعيم المقيم في دار السلام، وإما بالعذاب المهين في دار البوار، كذلك بالحجج التي لا ترد.

    هذه السورة المكية سورة الأنعام ها نحن في آخرها، ومع هذه الآيات الثلاث، فلنستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة ونحن نتأمل ونتدبر، ثم نأخذ إن شاء الله في دراستنا، فليتفضل التالي أو القارئ ليسمعنا قراءتها.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:158-160].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، هذا استبطاء لأولئك الذي يسمعون كلام الله يتلى بلسان رسول الله وهم يصدفون عن الإيمان ويصرفون غيرهم، يعرضون ويصرفون الناس عن الإسلام، ماذا ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيشاهدونها وهي تنزل من السماء أو تمشي أمامهم، أو تقبض أرواحهم ثم يؤمنون بعد ذلك، وهل ينفعهم إيمان؟

    هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] جل وعز في عرصات القيامة، ليحكم بين عباده ثم يؤمنوا، أو يأتي أمر ربك بإنزال الصواعق عليهم أو الخسف بهم ثم يؤمنون.

    أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، والآيات: جمع آية، وهي العلامة الدالة على الشيء، الآية معناها: العلامة الدالة على الشيء، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، هذه الآيات هي علامات يوم القيامة، هي أشراط الساعة، قال تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد:18]، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، والرسول الكريم يقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين )، ما هناك فرق بيني وبينها، وإن كان بيننا ألف وخمسمائة سنة، أو ألفا سنة، ما هو بشيء.

    معنى قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)

    قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158]، ومن هذه الآيات الآيات العشر التي جاءت في صحيح مسلم وفي غيره، ولم يظهر منها بعد آية، وأولاها: طلوع الشمس من مغربها، اختلال الفلك وإشعار بنهاية هذه الحياة، الشمس بدل أن تطلع من المشرق يقع خلل، إعلام بأن الأفلاك قد اهتزت؛ فإذا الشمس تطلع من المغرب، إعلام واضح صريح في نهاية هذه الحياة، هذه من أعظم الآيات، يوم تطلع الشمس المؤمن مؤمن والكافر كافر، والله العظيم، لو أراد الكافر أن يؤمن والله ما قبل منه إيمان، هو على كفره، ومن كان مؤمناً ولم يفعل خيراً وأراد أن يفعل الخير لن ينفعه ذلك، لا صيام ولا صدقة ولا ذكر ولا تلاوة، أغلق باب العمل.

    يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] لا كل الآيات، وهي عشر. لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ، ونفساً كانت مؤمنة ولم تكسب في إيمانها خيراً؛ لضعف الإيمان، ثم لما شاهدت علامة القيامة قام الناس يصلون ويقومون الليل، فما ينتفعون بهذا؛ إذ الدار دار ابتلاء، والعمل يجزى به فاعله وله وقت، إذا آذن الله بنهاية الحياة ما بقي صيام ولا صلاة، هكذا يقول تعالى مستبطئاً إيمان الناس إلى متى ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] جل جلاله وعظم سلطانه، كما يأتي في ساحة فصل القضاء للحساب والجزاء، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] الكبرى.

    ذكر علامات الساعة الكبرى

    يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] يا رسولنا أو يا أيها السامع لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158]، ولا ننسى أن هذه الآيات الكبرى والعلامات الكبرى كالخرزات في خيط، إذا ظهرت واحدة توالت، وهي عشر، منها: طلوع والشمس من مغربها وهو أول الآيات.

    ثانياً: الدابة التي تخرج من صدع من جبل الصفا، هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، والعجيب أن صدع الصفا الآن صنع فيه طريق تأتي الدابة منه، وكنا نفهم أن الجبل يتصدع وتخرج هي، الآن الطريق مصنوعة، فصلى الله على رسول الله وسلم، تخرج من صدع من جبل الصفا، هذه فتنة، تكلم الناس وتضللهم ويستجيبون لها، كل من كان لا إيمان له أو إيمانه مهزوز يمشي وراءها.

    من الآيات: خروج يأجوج ومأجوج، هذه الأمة التي تكتسح الأرض، حتى الماء تشربه، وكذلك نزول عيسى عليه السلام، وقبل نزول المسيح الدجال الأعور، ثم ثلاثة خسوف: خسف في المشرق، وآخر في المغرب، وخسف في جزيرة العرب، ثم الدخان، ولا نعلم كيفية هذا الدخان الذي يسد العالم، وأخيراً: النار التي تخرج من قعر عدن، وتسوق الناس إلى الشام تبيت حيث باتوا وتقيل حيث قالوا، هذه الآيات الكبرى ما بعدها إلا قيام الساعة، هذه هي الآيات.

    هَلْ يَنظُرُونَ [الأنعام:158] في استبطائهم في إيمانهم وصلاح أعمالهم واستقامتهم، ينظرون ماذا؟ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، أعلمهم: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ، أو نفساً آمنت ولم تكسب في إيمانها خيراً. ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158].

    امتناع قبول التوبة حال الغرغرة

    ومن الآيات إذا حشرجت النفس في الصدر وغرغرت وظهر الملك للعبد -ملك الموت- فكذلك لا ينفعه الإيمان، ولهذا تقبل التوبة من العبد ما لم يغرر، فإن غرغر وحشرجت في الصدر، وشاهد ملك الموت وأعوانه وآمن فلن ينفعه إيمان، وإن أعلن عن توبته فلن تنفعه، ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )، واقرءوا لذلك قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:17-18]، لن تنفع، وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18] كذلك، ومعنى هذا: يا عباد الله! عجلوا، من كان مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب فالآن يتوب من ليلته هذه، ومن كانت تزل قدمه ويعود إلى الطريق فليسأل الله الثبات وليستمر على توبته قبل فوات الوقت، فما هي إلا أيام وإن كثرت ثم تأتي الساعة أحببنا أم كرهنا، هكذا يقول تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

    ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلِ انتَظِرُوا [الأنعام:158]، أيها المشركون، أيها الكافرون، أيها الفاسقون، أيها الفاجرون، يا من استبطئوا ولم يتوبوا، انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]، ولا بد أن يقع هذا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ...)

    ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ [الأنعام:159] وشتتوه، وحولوه إلى طوائف ومذاهب وطرق، وعلى رأسهم اليهود والنصارى، تبرأ منهم يا محمد، لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، أول من يدخل في هذا: اليهود والنصارى، ثم هذه الأمة، وقد أفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الحقيقة وقال في ملأ من الناس: ( افترق اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترق النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة )، وقد تم هذا، وهذا القرطبي في تفسيره جعل لها قائمة وعدها إلى ثلاث وسبعين فرقة.

    إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الأنعام:159]، الشيع: جمع شيعة، الجماعة يتشيع بعضها لبعض وينصر بعضها بعضاً، هذا من شيعتي، أي: من أنصاري وموالي، هؤلاء لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، أنت بريء منهم.

    ولنذكر أنه لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر العظيم قال صلى الله عليه وسلم: ( كلها في النار إلا واحدة )، ( ستفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )، فقام أحد الحاضرين دفعه الله عز وجل وسخره فقال: من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ فلم يقل: المالكية ولا القادرية ولا التجانية ولا الوهابية ولا الحنفية، وإنما قال: ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ).

    وسر القضية معلوم، لأن العبادات على اختلافها وتنوعها مشروعة لغاية ألا وهي تطهير النفس وتزكيتها، فهذه العبادات إذا لم تكن مشروعة، أو لم تؤد على الوجه الذي شرعها الله؛ فوالله ما تنتج زكاة النفس ولا طهارتها، وحينئذٍ إذا خبثت النفس هل تدخل الجنة؟ أما صدر حكم الله في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فالذي عقيدته تختلف مع عقيدة رسول الله وأصحابه كالذي عباداته تختلف عن عبادات رسول الله وأصحابه، كالذي آدابه وأحكامه تختلف، وهو قطعاً من أهل النار. ‏

    وجوب موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في معتقداته ومتابعته في عباداته

    فلهذا واجب على كل إنسان أبيض أو أسود أن يعمل على أن تكون معتقداته كمعتقدات رسول الله وأصحابه، لا يقول: أشعري ولا ماتريدي ولا كذا ولا كذا. فقط أنا أعمل على أن أعتقد ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعتقدونه، في ذات الله، في أسماء الله، في صفات الله، في البعث، في الجزاء، في القضاء في القدر، كل العقائد نعمل على أن نوافق رسول الله وأصحابه.

    ثانياً: في العبادة، لا أقول: شافعي ولا حنبلي ولا مالكي ولا زيدي ولا أباضي ولا كذا. أنا مسلم فعلموني كيف كان رسول الله يصلي؛ فأصلي كصلاته، علمونا كيف كان الرسول وأصحابه يتوضئون، يغتسلون، يتيممون؛ حتى أتوضأ وأغتسل وأتيمم كما كانوا يفعلون، وهكذا نعمل جهدنا على أن نكون حقاً من أتباع رسول الله وأصحابه، هذا سبيل النجاة.

    أما هذه القطع وهذه التنازعات فلها عوامل كثيرة سياسية ووطنية وقبلية، ولكن أعظم ذلك هو اليهود والنصارى والمجوس، هم الذين عملوا على تفرقة هذه الأمة، قالوا: لماذا نفترق نحن وهم لا يفترقون؟ ليسعدوا ونشقى فقط! إذاً: لنعمل على تفرقتهم حتى يصبحوا مثلنا. وقد نجحوا، ولكن مع هذا في كل زمان في كل مكان يوجد المسلم الذي لا ينتسب إلى غير رسول الله وأصحابه، في عقيدته، في أخلاقه، في آدابه، في معاملته، دائماً: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يتطلب من أبناء الإسلام الرجوع إلى كتاب الله القرآن العظيم، وكيف بينه رسول الله وأصحابه وأتباعهم، وإلى السنة النبوية الفعلية والقولية، وكيف كان الرسول وأصحابه يصلون أو يصومون أو يعطون أو يأخذون، لابد من العلم.

    اسمع هذا البيان: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، تبرأ منهم يا رسولنا، ومن تبرأ منهم رسول الله هل يصبحون مؤمنين؟ هل يصبحون أهلاً للسعادة في الآخرة والدنيا؟ والله ما كان، هم أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف ينجون أو يسعدون؟

    واقع الأمة الإسلامية في التفرق والتحزب وأثر ذلك عليها

    هل أمة الإسلام تفرقت أم لا؟ تفرقت، القرية الواحدة كنا نعيش فيها وفيها الطريقة الفلانية والطريقة الفلانية والطريقة الفلانية، في البلد الواحد هذا مذهبه كذا هذا مذهبه كذا، والمشايخ: هذا شيخه سيدي فلان وهذا فلان، وهكذا فرقة ظهرت آثارها في تمزيق الأمة وانقسامها وتقطيعها وهو الواقع الشاهد، فكم دولة عندكم؟ ثلاث وأربعون دولة، آلله أذن في هذا؟ هل أذن الله ورسوله بهذا ؟ أليست هذه الفرقة والعياذ بالله؟

    كم مذهباً عندنا؟ مذاهب، وكم طريقة؟ طرق، وكم حزباً؟ أحزاب، وكم وطناً؟ أوطان، فرقة كاملة، ومن شاء الله نجاته نجا، فاسع يا بني على نجاة نفسك، صحح عقيدتك كما هي عقيدة رسول الله وأصحابه، أصلح عباداتك وآدابك كما كانت في حدود طاقتك، تبرأ من الحزبية والجماعات والمذاهب، وكن عبد الله تنجو بإذن الله.

    إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ [الأنعام:159]، هذا فيه من التهديد والوعيد ما فيه، معناه: اتركهم لنا، ابتعد عنهم واتركهم للرب عز وجل يجري عليهم سننه، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ [الأنعام:159]، في الدنيا والآخرة، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].

    هل تمزق العالم الإسلامي أم لا؟ وهل ذل أو لم يذل؟ وهان أو لم يهن؟ وافتقر أو لم يفتقر؟ قل ما شئت؛ بسبب التفرقة، فمن أجرى هذا عليهم؟ الله؛ لأن الأمر له، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159]، لم فعلت كذا؟ ولم تركت كذا؟ ويجري الجزاء بالحساب الدقيق، والله هو الذي يجزي ويحاسب، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159] من كل الأعمال الصالحة والطالحة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ...)

    ثم قال تعالى في بيان الجزاء: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، من جاء منكم يا بني آدم، من جاء منكم يا بني الإسلام، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]؛ وذلك لكرم الله عز وجل وإحسانه ورحمته، وألطافه، الحسنة بعشر.

    ما هي الحسنة هذه؟ صورة؟ امرأة؟ ريالات؟ الحسنة: تلك الكلمة أو الحركة التي أنتجت طهراً وزكاة في النفس البشرية، وهذه الحسنة لن تكون إلا ما شرعه الله من العبادات والأقوال والأفعال والآداب والأخلاق، فيعملها المؤمن إيماناً بالله واحتساباً للأجر عنده وإخلاصاً له، هذه الحسنة يضاعفها الله عز وجل له بعشر، وقد يضاعفها إلى سبعمائة أو إلى ألف ألف مليون، فقد قال تعالى من سورة البقرة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إلى أضعاف كثرة وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، وهذا فضل الله وعطاؤه وجودوه وكرمه وهو ذو الفضل والإحسان.

    وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160] ما السيئة؟ العقيدة، القول، العمل، النظرة، الحركة المنهي عنها المحرمة من قبل الله الحكيم العليم، تنتج سوءاً في النفس، وظلمة، ونتناً وعفناً، هذه السيئة يجزى صاحبها بمثلها لا تضاعف؛ وذلك لعدالة الله عز وجل، فالله أعدل العادلين، لا ظلم، إذاً: فصاحب السيئة ما يضاعف له سيئته، يجزيه على قدرها، أي: يجزيه بها بلا زيادة ولا نقصان.

    قال تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، لا المحسنون ولا المسيئون، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]، فهم لا يظلمون في عرصات القيامة، وساحة فصل القضاء، فيحاسبهم حساباً دقيقاً، ويجزيهم بما كسبوا ولا يظلم أحداً.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    نسمعكم شرح الآيات من الكتاب، لتتأكدوا مما فهمتم.

    قال: [ معنى الآيات:

    بعد ذكر الحجج وإنزال الآيات التي هي أكبر بينة على صحة التوحيد وبطلان الشرك، والعادلون بربهم الأصنام ما زالوا في موقفهم المعادي للحق ودعوته ورسوله، فأنزل الله تعالى قوله: هَلْ يَنظُرُونَ [البقرة:210]، أي: ما ينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] لقبض أرواحهم، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] يوم القيامة لفصل القضاء، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، الدالة على قرب الساعة كطلوع الشمس من مغربها، إن موقف الإصرار على التكذيب هو موقف المنتظر لما ذكر تعالى من مجيء الملائكة ومجيء الرب تعالى أو مجيء علامات الساعة للفناء.

    وقوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، أي: الدالة على قرب الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها إيذاناً ] إعلاماً [ بقرب ساعة الفناء، في هذه الحال يخبر تعالى أن نفساً لم تكن آمنت قبل ظهور هذه الآية لو آمنت بعد ظهورها لا يقبل منها إيمانها ولا تنتفع به؛ لأنه أصبح إيماناً اضطرارياً لا اختيارياً ]، فنحن عرفنا أن الحسنة تأتيها باختيارك تريد وجه الله فتنتج لك الطهر، أما بالعصا تجبر عليها فما تنفع، كالكفر، لو أجبرت على الكفر بسب الله أو الرسول والسيف على رأسك فما يتعلق بذلك إثم أبداً ولا تخبث نفسك، لا بد من الإرادة الاختيارية ثم العلم والمعرفة.

    قال: [ كما أن نفساً آمنت به قبل الآية] التي هي طلوع الشمس [ ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً وأرادت أن تكسب الخير، فإن ذلك لا ينفعها فلا تثاب عليه؛ لأن باب التوبة مفتوح إلى هذا اليوم -وهو يوم طلوع الشمس من مغربها- فإنه يغلق ]، هذا بالنسبة للعامة، وبالنسبة للأفراد إذا حشرجت النفس وشاهد ملك الموت أغلق باب التوبة.

    [ وقوله تعالى: قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]، يأمر الله رسوله أن يقول لأولئك العادلين بربهم المصرين على الشرك والتكذيب: ما دمتم منتظرين انتظروا إنا منتظرون ساعة هلاككم فإنها آتية لا محالة. هذا ما تضمنته الآية الأولى.

    أما الآيتان بعدها فإن الله تعالى أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً -أي: طوائف وأحزاباً وفرقاً مختلفة- كاليهود والنصارى، ومن يبتدع من هذه الأمة بدعاً فيتابع عليها فيصبحون فرقاً وجماعات ومذاهب مختلفة متناطحة متحاربة، هؤلاء لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، أي: أنت بريء منهم، وهم منك بريئون، وإنما أمرهم إلى الله تعالى هو الذي يتولى جزاءهم، فإنه سيجمعهم يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون من الشر والخير. مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، أي: من قِبَلِنا، فلا ننقص المحسن منهم حسنة من حسناته، ولا نضيف إلى سيئاته سيئة ما عملها، هذا حكم الله فيهم ].

    الآن مع هدايات، وكل آية هداية، إذ قلت لكم: كل آية تقرر أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الآية من قالها من أنزلها من تكلم بها؟ هل هناك من يقول: أمي أو أبي؟ لم يبق -إذاً- إلا الله، فالله موجود، هذا كلامه، هذه الآيات تحمل الهدى والنور، إذاً: قولوا: لا إله إلا الله.

    ومن نزلت عليه ألا يكون رسولاً؟ مستحيل ألا يكون رسولاً والله يوحي إليه وينزل عليه كلامه، كل آية تدل هذه الدلالة.

    هداية الآيات

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: إثبات صفة الإتيان في عرصات القيامة للرب تبارك وتعالى من أجل فصل القضاء ]، واقرءوا: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:22-23]، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر:68-69].

    قال: [ أولاً: إثبات صفة الإتيان في عرصات القيامة لفصل القضاء ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158].

    [ ثانياً: تقرير أشراط الساعة، وأن طلوع الشمس منها، وأنها متى ظهرت أغلق باب التوبة ]، من أين أخذنا هذا؟

    من قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [الأنعام:158].

    [ ثالثاً: حرمة الفرقة في الدين ]، الفرقة في الدين حرام، وأريكم صورة بشعة: الآن يؤذن للعشاء، فجماعة يصلونها لأنهم مالكية، جماعة يصلونها لأنهم أحناف، جماعة يصلون لأنهم شافعية وهكذا.. فهل هذه صورة بشعة أم لا؟ حتى التراويح، فالأحناف ما يصلون، يصلون الوتر وحدها، كيف يجوز هذا؟ المهم أن هذا هو الواقع.

    [ حرمة الفرقة في الدين، وأن اليهود والنصارى فرقوا دينهم، وأن أمة الإسلام أصابتها الفرقة كذلك، بل وهي أكثر لحديث: ( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ) ]، مذهبك أنت ماذا؟ طريقتك؟ أنت تجاني؟ قال: لا. أنا قادري، وأنت؟ قال: أنا رحماني، وأنت؟ قال: عيسوي. وهكذا.. من أين أخذنا حرمة التفرق؟ من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، اتركهم لله يجري عليهم حكمه بالنكال والعذاب.

    [ رابعاً: براءة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن فرقوا دينهم، وترك الأمر لله يحكم بينهم بحكمه العادل ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، أما تهزكم هذه الآية؟ فلهذا والله لا نقول: حنفي ولا مالكي ولا حنبلي ولا شافعي ولا زيدي ولا إباضي أبداً، ما أنا إلا مسلم، قل لي: قال رسول الله وأثبت لي فسأتابعك الآن وأعمل.

    [ خامساً: مضاعفة الحسنات، وعدم مضاعفة السيئات عدل من الله ورحمة ]، المضاعفة من رحمته وعدم المضاعفة من عدله، السيئات لا يضاعفها، السيئة سيئة، والحسنات يضاعفها إلى عشر إلى سبعمائة؛ لأنه ذو الفضل والإحسان والكرم.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755816902