إسلام ويب

تفسير سورة النحل (26)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يفتح الله عز وجل باب التوبة لعباده من كل ذنب صغر أو كبر، ما دام أن صاحبه صدق في توبته وأصلح ما بينه وبين الله فهؤلاء حق على الله أن يغفر لهم ويرحمهم في الدنيا والآخرة، ثم يذكر الله فضائل إبراهيم عليه السلام وأنه كان أمة بهمته ودعوته، مطيعاً لله قانتاً في عبادته، شاكراً لله على فضله ونعمته، حتى أهّله هذا إلى أن الله اصطفاه لخلته وأرشده إلى طريق هدايته، وأكرمه بعاجل أجر الدنيا وآجل فضل الآخرة، بل أمر خير أنبيائه ورسله أن يتأسى به ويتبع ملته، ثم أشار الله عز وجل بعد ذكر فضائل من أطاعه إلى فضائح من عصاه، وهم اليهود الذين جعل الله السبت عليهم نقمة لهم لا نعمة، وبين أنه سيريهم عاقبة مخالفتهم لرسله وذلك يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

    وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

    قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل:119-124].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه بشرى ربانية إلهية تزف إلى عباد الله من المؤمنين، واسمعوها وهي قول الله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ [النحل:119] يا رسول الله لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [النحل:119] فالله يغفر لهم ويرحمهم.

    ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ [النحل:119] كالمشركين الذين كانوا يعبدون غير الله بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [النحل:119] ما أفسدوا من نفوسهم ومن حقوق الناس، هؤلاء: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:119] أي: بعد تلك التوبة؛ لَغَفُورٌ [النحل:119] لهم، رَحِيمٌ [النحل:119] بهم.

    وكما قدمنا هذه الآية بشرى للمؤمنين، فأيما مؤمن تزل قدمه ويرتكب معصية ثم يتوب بعد ذلك ويصلح ما أفسد إلا ويتوب الله عليه ويغفر له ويرحمه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ...)

    ثم قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا [النحل:120] وذكر له تسع فضائل في هذه الآيات.

    أولاً: إبراهيم.. من إبراهيم؟

    تذكرون أن إبراهيم باللغة العبرية: (أب رحيم)، إبراهام أي: (أب رحيم)، فلما تعربت أصبحت (إبراهيم) وأصلها: أب رحيم، وهو حقاً أب رحيم عليه السلام.

    إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] وحده، وكل من دعا إلى الله وحده وصبر يطلق عليه: أمة، ولو كان واحداً فقط؛ لأنه قام بما تقوم به أمة!

    الذين يدعون إلى الخير ويتابعون ذلك ويصبرون عليه بين الناس يسمون أمة ولا حرج، إذ إبراهيم عليه السلام كان وحده يدعو إلى الله ويعبده.

    كان أمة وقانتاً، أي: مطيعاً لله عز وجل، لا يخرج عن طاعة الله في ما يأمر به ولا في ما ينهى عنه.

    إبراهيم عليه السلام كان أمة قانتاً لله حنيفاً، والحنيف: من الحنف وهو: الميل، والمعنى: كان مائلاً عن عبادة الأوثان والأصنام والأحجار والشمس والقمر والكواكب، إذ بعث في أمة كلها مشركة، وهو وحده مال إلى دعوة التوحيد وعبد الله فكان حنيفاً.

    الحنف: الميل، فالبشرية كلها تعبد الأصنام والأحجار والشموس والأقمار وهو وحده يعبد الله، مال عنها فقيل فيه: حنيف، وملته هي الإسلام، والملة الحنيفية هي ملة الإسلام إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120].

    وهنا يروي لنا مالك رحمه الله إمام دار الهجرة، يقول: بلغني أن عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه وأرضاه -وهو من خيرة الأصحاب- قال: يرحم الله معاذاً كان أمة قانتاً.

    عبد الله بن مسعود على جلالته يعجب بحال معاذ بن جبل الداعية إلى الله، الصاحب الجليل يقول: معاذ كان أمة قانتاً. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن -كنية عبد الله بن مسعود - إنما ذكر الله عز وجل بهذا إبراهيم عليه السلام فكيف يكون معاذاً ؟ فقال: إن الأمة: هو الذي يعلم الناس الخير، والقانت: هو المطيع.

    إذاً: كل معلم للناس الخير وهو مطيع لله عز وجل يطلق عليه لفظ: (أمة) ولا حرج.

    ما الأمة فينا وبيننا؟

    الجواب: الأمة: من يعلم الناس الخير ويطيع الله عز وجل ولا يعصيه، هذه صفة إبراهيم فيتصف بها من شاء الله أن يتصف بها، وهذا معاذ وصفه عبد الله بن مسعود بذلك، ووافق مالك وحدث بذلك.

    إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120] ما كان والله من المشركين، لا في دياره بأرض بابل ولا في ديار هجرته بمصر ولا بالشام ولا بالحجاز أبداً، ما كان من المشركين، فلا يوافقهم ولا يرضى بشركهم ولا يحبهم ولا حتى يجالسهم. وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)

    ثم قال تعالى: شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ [النحل:121] أي: أنعم الله، إبراهيم عليه السلام كان شاكراً لأنعم الله، فما من نعمة يعطيه الله إياها إلا قال فيها: الحمد لله وصرفها حيث يحب الله، وقلبه مملوء بذكر الله فهو المنعم عليه.

    شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ [النحل:121] أي: لأنعم ربه تعالى.

    اجْتَبَاهُ [النحل:121] أي: اختاره، اصطفاه وجعله نبيه ورسوله وخليله.

    وَهَدَاهُ [النحل:121] من فعل به هذا؟ الله ربنا، الله ولينا، الله ولي المؤمنين هو الذي يفعل هذا بعباده الصالحين الذين يقبلون عليه ويقرعون بابه ويلازمونه حتى يفتح لهم الباب، يجتبيهم.. يهديهم.. يوفقهم، وهذا من إنعامه.

    وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:121] ألا وهو: الإسلام، الصراط المستقيم والله إنه الإسلام، وفي كل ركعة من ركعات صلاتنا نقول لربنا بعدما نحمده ونثني عليه ونمجده ونتملقه نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ألا وهو الإسلام.

    ما هو الإسلام؟

    الجواب: الإسلام هو: إسلام القلب والوجه للرب تعالى، قلبك لا يتقلب إلا في طلب رضاه، ووجهك لا يقبل على شيء إلا على الله فتطيعه في أوامره ونواهيه. هذا هو الإسلام.

    وقد جاء الإسلام ووضع له الله خمس قواعد وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، فكانت هذه القواعد هي أساسه التي ينبني عليها، ولو سقطت قاعدة سقط الإسلام، فلهذا من ترك قاعدة من القواعد كفر وخرج من الإسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين)

    قال تعالى: وَآتَيْنَاهُ [النحل:122] أي: أعطيناه فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [النحل:122].

    ما حسنة الدنيا؟

    الجواب: هي كثيرة، منها: الذرية الصالحة إسماعيل، إسحاق

    ومنها: الثناء عليه بين الأمم، فلا توجد أمة إلا وتوالي إبراهيم وتحبه، كاليهود والنصارى وغيرهم، هذه هي حسنة الدنيا.

    ونحن يكفينا أننا ما صلينا فريضة إلا وصلينا عليه وقلنا: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).

    أي حسنة أعظم من هذه في الدنيا بكاملها؟

    وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل:122] وإنه في الآخرة مع من؟ مع الصالحين. والله يقول: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) أعددت لعبادي الصالحين وإبراهيم عليه السلام من الصالحين.

    اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين.

    هيا بنا نكن منهم.

    من هم الصالحون؟ الصالحون: هم الذين يؤدون حقوق الله كاملة، لا يبخسون ولا ينقصون منها شيئاً، ويؤدون حقوق العباد كاملة لا ينقصون ولا يبخسون، هؤلاء هم الصالحون.

    الذي يؤدي ما أوجب الله عليه كاملاً -فعلاً وتركاً- ويؤدي حقوق العباد أيضاً فلا يظلم ولا يزيد ولا ينقص ولا كذا سمه عبداً صالحاً، والله إنه لمن الصالحين، الذين أصلحوا أنفسهم، زكوها وطيبوها وطهروها بالإيمان وصالح الأعمال وأبعدوها عن الشرك وسيء الأفعال.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً)

    ثم قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النحل:123] يا رسولنا.

    من هو هذا الرسول؟ محمد صلى الله عليه وسلم.

    أين هو الآن؟ هذا قبره الشريف في حجرته الطاهرة ملاصق لمسجده العظيم، فلا يوجد على الأرض قبر نبي أو رسول تجزم وتقول: بالله إنه لهذا إلا قبر محمد صلى الله عليه وسلم فقط.

    ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النحل:123] ماذا أوحى إليه؟ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] وهذه فضيلة أخرى.

    أمر الله رسوله المصطفى أفضل الأنبياء وسيدهم أن يتبع ملة إبراهيم، ولا حرج أن يفعل المفضول ما عند الفاضل، أو الأفضل يفعل ما عند الفاضل، وفي هذه رمز أو إشارة إلى أن نبينا أفضل من إبراهيم، وهذا وإن لم تدل عليه الآية فهو مجمع عليه، فهو سيد الأنبياء عليهم السلام، جمعهم الله تعالى له في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، فكان إمامهم.

    ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النحل:123] يا رسولنا أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] ألا وهي التوحيد، اعبد الله وحده ولا تشرك بعبادته سواه، لا في دعاء ولا في استغاثة ولا نداء ولا ذبح ولا قربان ولا أي عبادة، وحد الله وحده.

    وهنا! من إخواننا الجاهلين من يحلفون بغير الله فيقولون: (وحق سيدي فلان)، أو (والملح الذي بيننا)، أو (والرحم التي كذا)، وهذا كله شرك في عبادة الله عز وجل؛ لأن الحلف بالشيء تعظيم له فوق المستوى، وما يحلف بالشيء إلا من عظمه ورفعه إلى مستوى الألوهية.

    من الأعظم؟ أليس الله؟ بلى. الله أكبر. فكيف إذاً ترفع مخلوق إلى منصب الله وتحلف به؟!

    وحسبنا أن يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) والله أشرك.

    كيف أشرك؟

    الجواب: جعل مخلوقاً ضعيفاً مثل الله. أليس اليمين بالله؟ ولا يجوز الحلف بغير الله لأنه لا أعظم من الله، فمن حلف بغير الله فقد عظمه وجعله مثل الله، وهذا هو الشرك، فالعظمة لله، فمن رفع مخلوقاً إلى تلك العظمة وحلف به فقد جعله مثل الله، وهذا هو الشرك.

    وبعض الجاهلين يدعون الأولياء والصالحين: (يا سيدي فلان)، (يا مولاي فلان)! أنا بكذا!

    وبعضهم يدعون الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أنا دخيلك، أنا حماك، أنا كذا!

    وبعضهم يدعو فاطمة : يا فاطمة ، يا علي .

    وكل هذا شرك أمر الله تعالى رسوله ألا يكون من أهله.

    ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النحل:123] وهي ملة التوحيد: لا إله إلا الله.

    ومن كان منكم يجري على لسانه الحلف بغير الله بدون قصد، لما يخرج من لسانه فعليه أن يقول: لا إله إلا الله؛ لأنها تمحها.

    بمجرد ما يغلط ويقول: وحق سيدي فلان يقول بعدها: لا إله إلا الله. والله لتمحونها، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسنة تمحو السيئة وأية حسنة أعظم من لا إله إلا الله؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه...)

    ثم قال تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ [النحل:124] الاستراحة والأكل اللذيذ الطيب يوم السبت، هذا هو السبت.

    من فرض السبت على اليهود وألزمهم به؟ الله.

    إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:124] ألا وهم اليهود.

    أولاً: الأيام ثلاثة: الجمعة، والسبت، والأحد.

    والجمعة للموحدين المؤمنين المسلمين، والسبت لليهود والعياذ بالله تعالى، والأحد للنصارى.

    أما اليهود فقالوا: السبت هذا يوم استراح الله فيه؛ لأن الله أخبر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة. هذه ستة، فقالوا: واستراح يوم السبت، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

    الذي يخلق الكون كله في ستة أيام يطلب راحة؟!

    الراحة للعبيد، للضعفاء الذين يتعبون، أما الذي يقول للشيء: كن فيكون، خلق السماوات والأرض في ستة أيام فهل يحتاج إلى راحة؟!

    وصفوا الله تعالى بالعجز والعياذ بالله، ووصفوه بصفات العباد فقالوا: إذاً نستريح في هذا اليوم كما استراح الله فيه، لا عمل ولا شغل ولا.. ولكن البقلاوة والحلاوة.. عيد.

    وهم أخطئوا.. أذنبوا، وصفوا الله بما هو منزه عنه من العجز والضعف وأصروا على أن يكون هذا اليوم هو يوم راحتهم فكتبه الله عليهم، ومن ثَمَّ من خرج عنه وفسق يضرب على رأسه، أهلك أمة كاملة من أجل هذا، فقال تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:124] جعل عليهم واجباً يجب ألا يشتغلوا وأن.. وأن.. وأن.. لأنه يوم راحة، هم طلبوه بأنفسهم، فمن فسق فيه وخرج تلقى ضربة الله عز وجل ونقمته.

    وأمّا نحن فالآخرون الأولون، هكذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( نحن الآخرون الأولون ) والله! إن أول من يدخل الجنة من الأمم هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    نحن الآخرون.. جئنا الأخيرين وإلا فهم أخذوا السبت وأخذوا الأحد ونحن جئنا الجمعة وأصبحنا أولهم، الجمعة قبل السبت والحمد لله، ولا تدخل أمة الجنة إلا بعد هذه الأمة، أولاً تدخل هذه الأمة ثم تدخل الأمم بعدها.

    نحن الآخرون الأولون، لأننا جئنا متأخرين بعد موت عيسى بستمائة سنة، وأعطانا الله الجمعة وفزنا بها!

    أليست الجمعة قبل السبت والأحد؟

    الجواب: بلى. انظر: ( نحن الآخرون الأولون ) فضل الله علينا عظيم، ولهذا الجمعة يوم عبادة ويوم ذكر ويوم شكر وليست يوم عمل للدنيا.

    هكذا يقول تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [النحل:124] متى؟ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل:124] وإذا حكم -وحكمه العدل- فسوف يجزيهم بكفرهم وخلافهم وبعدهم عن الحق والتوحيد.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معاشر المؤمنين! هيا بنا نقرأ شرح هذه الآيات من الكتاب لنزداد بصيرة. ‏

    معنى الآيات

    قال المؤلف غفر الله لنا وله:[ معنى الآيات:

    بعدما نددت الآيات في سياق طويل بالشرك وإنكار البعث والنبوة من قبل المشركين الجاحدين المعاندين ] في الآيات السابقة قدمنا أن السورة المكية كلها تدعوا إلى التوحيد وإلى الإيمان بالبعث الآخر وإلى إثبات النبوة المحمدية، وهذه هي أصول الدين: التوحيد، النبوة، البعث الآخر.

    [ بعدما نددت الآيات في سياق طويل بالشرك وإنكار البعث والنبوة من قبل المشركين الجاحدين المعاندين، وقد أوشك سياق السورة على الانتهاء فتح الله تعالى باب التوبة لهم وقال: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ [النحل:119] أي: بالمغفرة والرحمة، لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النحل:119] فأشركوا بالله غيره وأنكروا وحيه وكذبوا بلقائه، ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [النحل:119] فوحدوه تعالى بعبادته وأقروا بنبوة رسوله وآمنوا بلقائه واستعدوا له بالصالحات.

    وَأَصْلَحُوا [النحل:119] ما كانوا قد أفسدوه من قلوبهم وأعمالهم وأحوالهم.

    إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا [النحل:119] من بعد هذه التوبة والأوبة الصحيحة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:119] بهم، فكانت بشرى لهم في كتاب ربهم.

    وقوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120-123] إنه لما كان من شبه المشركين أنهم على دين أبيهم إبراهيم ].

    كان المشركون يقولون: يا محمد! نحن على دين أبينا إبراهيم، يتبجحون بذلك.

    قال: [ إنه لما كان من شبه المشركين أنهم على دين أبيهم إبراهيم باني البيت وشارع المناسك ومحرم الحرم، واليهود والنصارى كذلك يدعون أنهم على ملة إبراهيم فأصر الجميع على أنهم متبعون لملة إبراهيم، وأنهم على دينه، ورفضوا الإسلام بدعوى أن ما هم عليه هو دين الله الذي جاء به إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، ومن باب إبطال الباطل وإزاحة ستار الشبه وتنقية الحق ذكر تعالى جملة من حياة إبراهيم الروحية والدينية كمثال حي ناطق إذا نظر إليه العاقل عرف هل هو متبع لإبراهيم يعيش على ملته، أو هو على غير ذلك؟

    فقال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] أي: إماماً صالحاً جامعاً لخصال الخير، يقتدي به كل راغب في الخير. هذا أولاً.

    ثانياً: أنه كان قانتاً، أي: مطيعاً لربه، فلا يعصي له أمراً ولا نهياً.

    ثالثاً: لم يك من المشركين بحال من الأحوال، بل هو بريء من الشرك وأهله.

    رابعاً: كان شاكراً لأنعم الله تعالى، أي: صارفاً لنعم الله عليه فيما يرضي الله.

    خامساً: اجتباه ربه، أي: اصطفاه لرسالته وخلته؛ لأنة أحب الله أكثر من كل شيء فتخلل حب الله قلبه، فلم يبق لغيره في قلبه مكان، فخالّه الله، أي: بادله خلة بخلة ] والخلة: بمعنى الحب والمحبة [ بادله خلة بخلة، فكان خليل الرحمن.

    سادساً: وهداه إلى صراط مستقيم الذي هو الإسلام ] دينكم أيها المستمعون والمستمعات، فاحمدوا الله على ذلك.

    [ سابعاً: وآتاه في الدنيا حسنة وهي الثناء الحسن والذكر الجميل من جميع أهل الأديان الإلهية.

    ثامناً: وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين قال الله تعالى فيهم: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ) وهي منزلة من أشرف المنازل وأسماها.

    تاسعاً: مع جلالة قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته أمره الله تعالى أن يتبع ملة إبراهيم حنيفاً ].

    مع جلالة قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد الأنبياء ورفعة مكانته أمره الله تعالى أن يتبع ملة إبراهيم، فكان لإبراهيم في ذلك فضل ومنزلة عالية.

    قال: [ فهذا هو إبراهيم، فمن أحق بالنسبة إليه؟ المشركون؟ لا. اليهود؟ لا. النصارى؟ لا. المسلمون الموحدون؟ نعم نعم] هم أحق بالنسبة إليه [اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وأكرمنا يوم تكرمهم ] اللهم آمين.

    [ وقوله تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:124] فيه دليل على بطلان دعوى اليهود وأنهم على ملة إبراهيم ودينه العظيم، إذ تعظيم السبت لم يكن من دين إبراهيم، وإنما سببه: أن الله تعالى أوحى إلى أحد أنبيائهم أن يأمر بني إسرائيل بتعظيم الجمعة، فاختلفوا في ذلك وآثروا السبت عناداً ومكابرة، فكتب الله عليهم تعظيم السبت.

    وقوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل:124] فيه وعيد لهم، وأنه سيجزيهم سوءاً على تمردهم على أنبيائهم واختلافهم عليهم.

    هداية الآيات

    قال: [هداية الآيات: من هداية الآيات:

    أولاً: باب التوبة مفتوح لكل ذي ذنب عظم أو صغر على شرط صدق التوبة بالإقلاع الفوري والندم والاستغفار الدائم وإصلاح المفاسد ].

    باب التوبة مفتوح لكل ذي ذنب عظم -هذا الذنب- أو صغر على شرط صدق التوبة بالإقلاع الفوري والندم والاستغفار الدائم وإصلاح الفاسد، ومعنى إصلاح الفاسد: أنك إذا تبت وقد سرقت مال فلان وأكلت مال فلان فلا بد وأن تستسمحهم وتعطيهم المال.

    ثانياً: تقرير التوحيد والإعلاء من شأن إبراهيم عليه السلام وبيان كمالاته وإنعام الله تعالى عليه.

    ثالثاً: بيان أن سبت اليهود هو من نقم الله عليهم لا من نعمه وإفضاله عليهم ].

    اللهم أنعم علينا وأفضل علينا، وأبعدنا من ملة اليهود وأهلها.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754725804