إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 60للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده الاستئذان عند دخول البيوت حفظاً لأعراض العباد من أن تنتهك، وصيانة لعورات الناس من التطاول عليها، إلا أن هناك مواطن رخص الله فيها للناس الدخول بلا استئذان، كأن يكون البيت غير مسكون، أو يكون مما هو مفتوح لعموم أصحاب الأغراض والحاجات.

    1.   

    وجوب الاستئذان على من يراد الدخول عليه في بيته

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا والحمد لربنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.

    ها نحن الليلة مع هذه الآيات الثلاث التي تضمنها [ النداء الثامن والخمسون ] من نداءات الرحمن لأهل الإيمان، وهي [ في وجوب الاستئذان على من يراد الدخول عليه في بيته، وعدم مشروعية الاستئذان على بيت غير مسكون للعبد حاجة فيه ]

    وإليكم النداء، فاصغوا واستمعوا إليه.

    قال: [ الآيات (27 - 29)

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:27-29] ].

    أولاً: أذكركم بأن فاحشة الزنا والعياذ بالله تعالى من أعظم الفواحش وأقبحها، وقد ذكرت مقرونة بقتل النفس والشرك بالرب تعالى، فقد قال تعالى: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69]... الآيات. ومن صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]. والحمد لله. فقد سمعتم وبلغكم أنه أقيم اليوم الحد على اثنين من الزناة في هذه المدينة المباركة حول المحكمة، وهذا من تطبيق شريعة الله عز وجل في هذه الديار. فاللهم احفظها، واحفظ ولي العهد فيها يا رب العالمين!

    وكل ما من شأنه أن يصل بالعبد إلى هذه الفاحشة فهو حرام، وكل الأسباب التي تؤدي بالعبد إلى ارتكاب هذه الفاحشة فهي محرمة. ولنبدأ بالنظر، فهو حرام، فقد قال تعالى في النظر: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]. وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]. لأن النظرة تؤدي إلى الفاحشة.

    ثانياً: حجب الله المؤمنات حجباً، ومنعهن عن الخروج والاتصال بالرجال، ومنعهن من ذلك، ولم يأذن إلا لعجوز غابرة لا يتأتى لها أن تفجر؛ من أجل أن لا تقع هذه الفاحشة. والأغاني التي تشيع هذه الفاحشة وتثيرها وتوجد غرائز النفوس فيها محرمة بالإجماع، ولا تحل أبداً.

    فمن هنا لما كانت هذه قبيحة فرض الله تعالى على المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يدخل بيت أخيه أن يستأذنه، فإن أذن له دخل، وإن لم يأذن له رجع وهو غير غضبان ولا ساخط، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]. والاستئناس هو الاستئذان، أي: طلبك الإذن من صاحب البيت أن يأذن لك في الدخول؛ وقيل في الاستئذان: استئناس لأنه لا يكون إلا من الإنسان فقط، والحيوان لا يستأذن، فأنت بما أنك إنسان وإنسانيتك واضحة فلا تدخل كالحيوان بيت الناس بدون أن تطلب إذناً منهم، بل لا بد وأن تقف عن جانب الباب الأيمن أو الأيسر وتقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن أذن لك دخلت وإلا رجعت، وترجع وأنت غير غضبان، ولا ترجع وأنت تلعنهم وتسبهم وتقول عنهم كذا وكذا. وقد ورد أن أحد الأصحاب رضوان الله عليهم طلب هذه الفضيلة أربعين سنة ولم يظفر بها، وهي أن يأتي فيستأذن ويسلم فلا يؤذن له ويرجع وهو راض، ولم يحصل على هذا، بل كلما استأذن أذن له، وكان يتعمد هذا، ويأتي بيوت المؤمنين ويستأذن ليقال له: ارجع؛ حتى يرجع ونفسه مطمئنة. فلم يحصل على هذا، وقد طلبه بجد.

    وقد قال تعالى في هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27]. وتعرفون هذه الحقيقة.

    وفاحشة اللواط لا نذكرها، فهي لم تكن تقع ولم تقع إلا مع قوم لوط، وقد قال فيها عبد الملك بن مروان على المنبر: والله لولا أن الله ذكرها في القرآن ما كان يخطر ببالنا أن الذكر ينزو على الذكر أبداً. وما عرف العرب هذا قط، بل كانوا ينزون الحمار على الفرس، أي: يرفعونه عليه.

    وحدثت حادثة اللواط على عهد أبي بكر وخلافته في رجل أعجمي في البحرين، واحتار الأصحاب كيف يحكمون، وكيف ينفذون حكم الله فيه؟ فقال علي : أرسلوه من أعلى جبل إلى الأرض وارجموه كما فعل الله بقوم لوط.

    ثم يقول تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا [النور:28]، أي: في البيت، فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ [النور:28] بالدخول. وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:28].

    ثم قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النور:29]. كأن يكون مقهى أو دكاناً أو فندقاً أو بيتاً ليس مسكوناً، فيجوز أن تدخلوه بدون استئذان. وأنت لا تستأذن عند الدخول إلى مقهى أو فندق أو حمام أو ما أشبهها، كما قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور:29]، أي: مصلحة وحاجة. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:29]، أي: والله يعلم ما تبدونه وما تظهرونه، وما تخفونه وما تكتمونه، فراقبوا الله عز وجل فيكم.

    ولنستمع إلى شرح هذا النداء من الكتاب؛ فإنه مفصل ومبين والحمد لله.

    الحكمة من مشروعية الاستئذان وكيفيته

    قال: [ الشرح: إنه نظراً إلى خطر الرمي بالفاحشة ] وهي فاحشة الزنا [ وخطر فعلها، وحرمة ذلك ] أي: الرمي بالفاحشة وفعلها [ بين المؤمنين ] من أجل هذا [ شرع الله تعالى الاستئذان عند دخول البيوت، فنادى عباده المؤمنين قائلاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:27]، أي: يا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]. والاستئناس هو الاستئذان ] وطلب الإذن في الدخول [ لأن الاستئذان لا يكون إلا من إنسان، ولا يكون من حيوان محال، فلذا أطلق الاستئناس وأريد به الاستئذان. وكيفيته ] أي: وكيفية الاستئذان [ أن يقف المرء إلى جانب باب المنزل عن يمينه أو عن شماله ويقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن أذن له في الدخول دخل، وإلا انصرف راضياً غير ساخط ولا غاضب ] وعاد من حيث أتى، ولا غضب عنده ولا سخط، بل الرضا والطمأنينة [ وقوله تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27]، أي: الاستئذان والسلام على أهل البيت قبل الدخول خير للمستأذن ولأهل البيت الذين يريد أن يدخل عليهم؛ إذ علة وجوب الاستئذان هي أن لا يطلع المرء على عورة أخيه، وناظر العورة يتأذى كما يتأذى صاحب العورة سواء بسواء؛ فلذا كان الاستئذان خيراً للجانبين ] أي: للمستأذن ولأهل البيت [ وهو ما أراده تعالى بقوله ] أي: الذي أراده الله تعالى بقوله: [ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27]، أي: تذكرون أنكم مؤمنون، وأن الله تعالى أمركم بالاستئذان حتى لا يحصل لكم ما يضركم، فتبقى لكم طهارة نفوسكم، وسمو أرواحكم ].

    حكم من استأذن للدخول ولم يؤذن له

    قال: [ وإن استأذن المرء ولم يجد في البيت أحداً فلا يدخل حتى يوجد من يأذن له بالدخول أو عدمه، وهذا معنى قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا [النور:28]. وإن وجد في البيت أحد وقال للمستأذن: ارجع فإن عليه أن يرجع، ولا يسأل لماذا لم يأذن له بالدخول ] وذلك [ لقوله تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور:28] ] هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28]. فارجعوا [ لأنه ما أمر صاحب البيت بالرجوع إلا لأمر اقتضى ذلك ] أي: هذا الرجوع [ وفي الرجوع خير من الدخول بدون إذن صاحب البيت، ولذا قال تعالى: هُوَ [النور:28] ] أي: الرجوع [ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28]، أي: أطهر ] وأطيب [ لنفوسكم، وأكثر عائدة عليكم بالخير، ومن مظاهر ذلك أن تبقى الألفة والمحبة بينكم.

    وقوله تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:28]، أي: مطلع على أحوالكم وأعمالكم، فتشريعه لكم الاستئذان واقع موقعه، وعليه فأطيعوه فيه وفي غيره؛ تكملوا وتسعدوا ] في الدارين والحياتين.

    حكم دخول البيوت غير المسكونة والاستئذان لذلك

    [ وقوله تعالى في الآية الثالثة في هذا النداء: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور:29]، هذه رخصة منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ] والحمد لله [ وهي أن لا يستأذنوا إذا أرادوا دخول بيوت غير مسكونة، أي: ليس فيها نساء من زوجات و] إماء [سريات ] يتسرى بهن [ وغيرهن من النساء ممن يحرم النظر إليهن ] إذ العلة في الاستئذان هو مخافة الفتنة والوقوع في الفاحشة. وهناك نساء لا يحرم النظر إليهن، وهن العجائز، التي أعمارهن في السبعين أو الثمانين من السنين.

    قال: [ وذلك كالدكاكين والفنادق والأسواق وما إلى ذلك، فللمؤمن أن يدخل لقضاء حاجته المعبر عنها بالمتاع ] والمتاع بمعنى الحاجة التي تتمتعون بها، فيدخل [ بدون استئذان؛ لأنها مفتوحة للعموم من أصحاب الأغراض والحاجات من عامة الناس. هذا في الاستئذان. أما السلام فهو سنة في حق كل مؤمن يدخل أو يمر على مؤمن، إذ ( يُسلم الراكب على الماشي، والواقف على القاعد، والصغير على الكبير ) ] فرخص لنا في الدخول بدون استئذان، وأما السلام فلابد [ فمن دخل دكاناً أو نزلاً أو مطعماً من السنة أن يسلم قائلاً: السلام عليكم ] فلا يجوز أن تدخل الفندق بدون أن تسلم، بل قل: السلام عليكم، وإذا دخلت الدكان فقل: السلام عليكم، والرخصة فقط في عدم قولك: أأدخل؟ فهذا لا معنى له؛ا لأن الباب مفتوح لكل أحد من أصحاب الحاجات، وأما السلام لابد. ويسلم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والصغير على الكبير، وهذا مبدأ هذه الأمة الذي تعيش عليه [ ويرد عليه من سلم عليه ] وجوباً [ قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ] لقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ [النساء:86] أو على الأقل رُدُّوهَا [النساء:86]. فالمسَلِّم يقول: السلام عليكم، والراد يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن اكتفى بقول: وعليكم السلام يجزئه، ولكن فاته عشرون حسنة؛ لأن وعليكم السلام بعشر حسنات، ورحمة الله بعشر حسنات، وبركاته بعشر حسنات، فتكون ثلاثون حسنة. وقد استعملنا هذا أيام الشبيبة، وكنا من عند باب البيت إلى نهاية ما نريد الذهاب إليه نسلم، فنحصل على مائتين .. ثلاثمائة حسنة، ونسجل ذلك، وكذلك من باب المسجد إلى باب البيت نسلم: السلام عليكم، وإذا سلم علينا شخص ردينا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونسجل، فنجد مائتين .. ثلاثمائة حسنة. فافعلوا هذا وجربوا، وسلم من باب المسجد وسجل، وستجد لك مائتين .. ثلاثمائة حسنة، والله يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]. وأحسن منها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    الحث على مراقبة الله تعالى

    قال: [ هذا النداء الموجب للمؤالفة والمحبة بين المؤمنين، والمحقق للطهر والمحافظة عليه ختمه تعالى بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:29]، أي: ما تظهرون وما تخفون من نياتكم وأقوالكم وأفعالكم وأحوالكم. إذاً: فراقبوه تعالى فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه ] وانتبهوا. وهو قد أمركم بالدخول بعد السلام، ونهاكم عن الدخول بدون إذن [ فافعلوا المأمور واتركوا المنهي؛ تكملوا في آدابكم وأخلاقكم، وتسعدوا في حياتكم وفي آخرتكم ] والله. ومن راقب الله وأصبح لا ينظر إلا بإذنه، ولا يتكلم إلا بإذنه، ولا يعطي إلا بإذنه، ولا يمنع إلا بإذنه، ولا ينام ولا يستيقظ إلا بإذنه فهذا المراقب لله عز وجل قد فاز، وأصبح سيد الناس. ولهذا أرشد الله رسوله وأمته التابعة له، فقال له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]. فيا يا من تريد الكمال والإسعاد اقرأ الكتاب، أي: القرآن، واعمل بما فيه. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]. فعليك بتلاوة الكتاب، وإقام الصلاة، وذكر الله، ومراقبة الله عز وجل. فراقب الله مثل ما لو كان هناك حارساً عليك، فإنك تعمل وتراقبه، ومعنى مراقبتك له: أن تنظر إلى أنه يراك، وأن تعمل ليرضى عنك.

    سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا ...)

    قال: [ هذا وإليك أيها القارئ الكريم! والمستمع المستفيد! معلومات إضافية، فاذكرها؛ فإنها خير لك، وهي:

    أولاً: اذكر أن سبب هذا النداء ] أي: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا [النور:27]. سببه [ هو أن امرأة من الأنصار ] أي: من سكان المدينة من أهل البلاد لا المهاجرين [ قالت: ( يا رسول الله! إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا ولد ولا والد، فيأتي الأب فيدخل علي، فإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي على تلك الحال، فكيف أصنع أنا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ) ] فهي اشتكت وقالت: أكون في بيتي وعلى حال، أي: يمكن أن أكون كاشفة عن فخذي أو عن رأسي، ويدخل أبوها أو يدخل ولدها أو يدخل غيرهما، فسألت ماذا تصنع وكيف تفعل؟ فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27]. هذا سبب نزول هذه الآية. فانظر المرأة سألت فأجابها الله [ وقال أبو بكر ] فـأبو بكر سأل فأجيب، والحمد لله، فقد قال: [ ( يا رسول الله! أرأيت الخانات والمساكن في شرق الشام ليس فيها مساكن؟ فأنزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ... [النور:29] ) ].

    كراهة قول: (أنا) عند الاستئذان وذكر الاسم بدلاً منه

    [ ثانياً: إذا استأذن أحد فقال له صاحب البيت: من أنت؟ فلا يقل أنا، وإنما يذكر اسمه ] ويقول: عمر أو صالح [ أو كنيته ] مثل أبو بكر، فيذكر اسم أو كنية يعرف بها [ إذ استؤذن ] واسمع التعليل [ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] وهو في حجرته، أي: استأذنه مستأذن [ فقال ] أي: النبي [ للمستأذن: ( من هذا؟ فقال: أنا، فقال: أنا، أنا. كأنه كره ذلك ) ] فالرسول رد أنا، أنا، فلا تقل: أنا؛ لأنك لا تعرف، بل قل: عمر أو أبو بكر أو عثمان أو فلان. فاعرفوا هذا. وما زال كثير يقولونها، فقل: إبراهيم أو عبد السلام، وإن كانت لك كنية فقل: أبو عبد العزيز مثلاً.

    من آداب الاستئذان

    [ ثالثاً: من آداب الاستئذان أن يقف المستأذن بجانب الباب، فلا يعترضه ] وينظر فيه في وسطه، بل يقف إلى جانب الباب من يمين أو شمال؛ حتى لو فتحت الباب امرأة لا يراها، فلا يقف في الوسط. ومن لم يعرف هذا يفعله، والحمد لله فقد عرفنا، فإذا أردت أن تستأذن فلا تقف في عرض الباب، بل قف إلى جانبه من يمين أو شمال واستأذن.

    قال: [ وأن يرفع صوته بقدر الحاجة ] ومعنى بقدر الحاجة: بقدر ما يسمعه أهل البيت، فهو لا يؤذن، فيرفع صوته بقدر الحاجة [ وأن يقرع الباب قرعاً خفيفاً ] لا أن يطرقه بالعصا، بل يقرعه قرعاً خفيفاً [ وأن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ] ويعيدها [ ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع ] ولا يرجع غضبان يشتم، بل يرجع راضياً مطمئن النفس.

    طاعة الله ورسوله خير وبركة

    [ رابعاً: اعلم أن في كل طاعة لله ورسوله خير وبركة، وإن كانت كلمة طيبة ] ففيها خير وبركة. ومعنى هذا: هيا نطع الله ورسوله في الأمر والنهي، والله تعالى أن يحقق لنا ذلك ويعيننا عليه.

    [ وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755909435