وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وأسأل الله عز وجل بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجمعنا سوياً مع سيد الأنبياء والمرسلين في الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقبل أن نبدأ في رحلتنا مع دروس الفقه من كتاب العدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي ، ومع كتاب الحج والعمرة، يسعدنا أن نبدأ هذا اللقاء بكلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام: مما لا شك فيه أن الزواج من سنن الله عز وجل في خلقه، قال عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، ولكن الحديث في عجالة سيدور حول أسس اختيار الزوجة، والمعايير التي ينبغي على الشاب المسلم أن يضعها نصب عينه وهو يختار الزوجة؛ لأن الزوجة سكن، وهي حسنة الدنيا على رأي بعض المفسرين في قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، فحسنة الدنيا قال بعضهم: هي المرأة الصالحة؛ لأن المرأة إذا صلحت صلحت بها المجتمعات، وإذا فسدت المرأة تفسد بها المجتمعات؛ ولأن أعداءنا يعلمون تلك الحقيقة راحوا يخططون ويمكرون بالمرأة ليل نهار، وراحوا يفسدونها ويخرجونها عن حيائها وعن عفافها؛ ليعم الفساد والبلاء، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). أسس اختيار المرأة في الإسلام يقوم على معايير وضعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الشباب من يبحث عن الجمال ويضع له شروطاً يضيق بها على نفسه، فتراه يريدها طويلة بيضاء البشرة صفراء الشعر زرقاء العينين ممشوقة القوام .. إلى غير ذلك، يشدد فيشدد الله عليه، ومن الناس من يبحث عن ذات المال فيبحث عن مالها كم هو؟ وإن قدر الله لأبيها الموت فماذا سترث بعد موته، ومن الناس من يبحث عن الجاه والحسب فيخطب من عائلة فلان ويضع اسم العائلة نصب عينه، ومن الناس من يبحث عن الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، والفائز بين هؤلاء جميعاً هو الذي يبحث عن دينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وخير ما ينال المرء بعد تقوى الله المرأة الصالحة، كما جاء في بعض الآثار.
الزواج إيجاب وقبول، قال تعالى عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص:27]، هذا إيجاب؛ لأن ولي أمر المرأة هو الذي بدأ بالعرض، وموسى عليه السلام وافق، ولذلك الإمام البخاري يبوب في صحيحه باب: الرجل يعرض ابنته على الرجل الصالح، فيجوز لك أن تعرض ابنتك على رجل صالح تثق في دينه، فهذا كنز يا عبد الله! ولكن في عرفنا إن قال أحد لآخر: عندي أخت أو عندي بنت قالوا: يدلل عليها؛ لأنها سلعة راكدة، أما يستحي قائل هذا؟! فيا عبد الله! هذا هو الشرع، يجوز للرجل أن يعرض ابنته على الرجل الصالح، وقد فعل هذا عمر ؛ فإنه لما مات زوج حفصة ذهب يعرضها على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فعرضها أول ما عرضها على أبي بكر ، فأعرض الصديق ولم يجب بنعم أو بلا، ثم عرضها من بعد أبي بكر على عثمان ذي النورين رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين.
يقول صاحب مسلسل رجل الأقدار: أنا لا أحب عمرو بن العاص ، فنقول له: من أنت حتى تحب أم تكره أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن تلك الألسنة أو تلك الأسماء إذا ما ذكرناها نحتاج إلى أن نتمضمض سبع مرات من ذكرها، فهذا يقول: إنه لا يحب عمرو بن العاص ! فهل تعلم أن بغض أصحاب رسول الله من النفاق وحبهم من الإيمان، فمن أنت يا عبد الله! حتى تعلن أمام كل الجمهور الحضور أن شخصية عمرو شخصية استبدادية وشخصية أثرت بكذا، وأنا لا أحبه بل أكرهه؟! فاتق الله! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ، وقال الله في حقهم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، وقال الله في حقهم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، قال ابن الجوزي في زاد المسير: كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ لأن الله اصطفاه واصطفى له أصحاباً.
ومن عقيدة أهل السنة: أن نكف عما شجر بينهم من خلاف؛ لأنهم في الحالتين أجروا؛ المجتهد فيهم إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ له أجر.
وهذا الأمر هو الذي دفع الشيخ المغراوي حفظه الله -من المغرب العربي- أن يؤلف رسالة في هذا؛ فإنه رأى أن الكثير بدأ يسب سيدنا معاوية بن أبي سفيان وهو أحد كتبة الوحي، فألف رسالة سماها: (من سب معاوية فأمه هاوية)، نعم من سب معاوية فأمه هاوية؛ لأن معاوية أحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.
أقول: ثم عرضها عمر بعد ذلك على عثمان رضي الله عنه فاعتذر عثمان اعتذاراً واضحاً، أما الصديق فعلق المسألة، فقابله عمر بعد أن خطبها النبي فقال له الصديق : لعلك وجدت في نفسك مني؟ قال: أنت لم تجب بنعم ولا بلا، فقال: يا عمر ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها لنفسه فأردت ألا أفشي سر رسول الله، فكانت حفصة من نصيب سيد البشر عليه الصلاة والسلام، وإحدى زوجاته، فـعمر يوم أن عرض ابنته حفصة على الصديق وعلى عثمان كان يلتمس صاحب الدين، ومن بعد أبي بكر وعثمان ذي النورين الذي طعن فيه من طعن في زمننا هذا؟ بل إن بعض الكتاب الذين أفضوا إلى ما قدموا وقعوا فيه، وهذا الأمر هو الذي دفع علماء السلف إلى أن يبرئوا ساحة عثمان ذي النورين الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام في حقه في حادثة جيش العسرة: (ما ضر
كلمة (استحب) تشير إلى أن غسل الإحرام مستحب، أي: أنه من فعله أثيب، ومن لم يفعله فلا شيء عليه، فإذا أراد أن يحرم يغتسل غسل الإحرام، والدليل على الغسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
وفي الحديث: (أنه دخل على
قال الشارح رحمه الله تعالى: [ وأمر أسماء بنت عميس أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض ] أي: أن المرأة إذا حاضت عليها أن تغتسل غسل الإحرام لا غسل رفع الحيض، شأنها شأن سائر الحجاج..
قال: [ وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل) ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ].
أول أمر للمحرم: يستحب له أن يغتسل.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام بعد إحرامه تفوح رائحة المسك من مفارقه صلى الله عليه وسلم، فالمحذور على المحرم أن يتطيب بعد الإحرام، أما قبل الإحرام فله أن يتطيب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام.
المخيط هو: ما فصل على الجسد، وبعض الناس يعتقد أن المخيط: كل شيء فيه خيط، وهذا كلام لا ينتمي إلى العلم بصلة، فالإزار الذي يلبس للإحرام فيه خيط لكنه غير مخيط؛ لأن المخيط هو ما فصل على هيئة الجسد، فالمحرم يتجرد من المخيط، وبعض الناس يلبس (الشورت) تحت الإزار ويظن أنه لا بأس بذلك، فلابد أن الرجل يتجرد عارياً تماماً ثم يلبس الإزار ويلبس الرداء وليس تحتهما شيء على الإطلاق؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)، والإزار هو الأسفل، والرداء هو الأعلى، والنعلان للقدمين، فإن لم يجد النعلين فبخف، لكنه يقطعهما بحيث يكونا تحت الكعبين، والكعبان هما النتوآن في جانب القدم، النتوء الذي في القدم يميناً ويساراً اسمه الكعب، إذاً: أي نعل أو خف تحت الكعب يجوز أن تحرم فيه ولا بأس.
أما بالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تحرم في كل شيء إلا ملابس تشابه ملابس الرجال، فتحرم في ملابسها، قال ابن عباس : إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها، يريد بذلك: أن الرجل لا يجوز له أن يغطي رأسه وهو محرم، كما أن المرأة لا يجوز لها أن تغطي الوجه إلا إذا خالطت الرجال، والأصل الآن أنها تخالط الرجال، فنقول لها: غطي الوجه شريطة ألا يمس النقاب الوجه، هذا هو الذي قاله العلماء.
والآن هناك ملابس إحرام جديدة يجعلون فيها من الداخل بطانة داخلية على شكل سروال داخلي، فإن كان الإحرام يفصل على الجسد فلا يجوز، لكن إن كان ما يوضع تحت عبارة عن بطانة للإحرام فلا بأس به، فما فصل على أعضاء الجسد فلا يجوز، فالأولى أن يترك هذا الإحرام الذي يكون بهذا الوصف ويباع في الأسواق.
والخمار لا يمس وجه المرأة، وذلك بأن تلبس شيئاً تطرده عن وجهها، وإذا جاء الهواء ولامس الوجه فلا بأس، إنما الأصل أن تبعده عن الوجه في حال الإحرام.
قال: [ إذا لم يجد إزاراً لبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين ].
يعني: أن السروال يجوز أن تحرم فيه، لكن السروال غير المفصل على هيئة الجسد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم يصلي ركعتين ]. بعض الناس يظن أنهما ركعتا الإحرام، وليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام.
بمعنى: أنه إذا اغتسل وتنظف وتطيب ولبس ملابس الإحرام يصلي إما الفريضة إذا حان وقت الفريضة وإما أن يصلي ركعتين مسببتين كتحية المسجد، أو سنة الوضوء، لكن ليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام، وبعض الناس بعد الوضوء يقول: ماذا نصلي؟ فنقول: الأمر يسير، فطالما توضأت صل سنة الوضوء، لكن لا تقل: أصلي ركعتين سنة الإحرام، فليس هناك ما يسمى بسنة الإحرام.
قال الشارح: [ ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت مكتوبة صلاها وأحرم عقبها، وإلا صلى ركعتين تطوعاً، وأحرم عقيبها.
قال الأثرم : قلت لـأبي عبد الله: أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقتك؟ قال: كل قد جاء في دبر الصلاة وإذا علا البيداء أو إذا استوت به الناقة، فوسع فيه كله ].
والمعنى: هناك فرق بين التهيؤ للإحرام وبين الإحرام، فالتنظف والاغتسال والتطيب ولبس ملابس الإحرام كل هذا تهيؤ للإحرام.
فكل ما كان قبل أن تقدم على الميقات هذا تهيؤ للإحرام، وأما الإحرام الحقيقي فيكون في الميقات، فكونك تلبي بحج وعمرة أو بحج فقط أو بعمرة فقط هذا كله في الميقات، وتحاسب على محظورات الإحرام بعد الميقات.
فبعد الميقات نحاسبك إذا ارتكبت محظوراً أما قبل ذلك فأنت في حل حتى وإن لبست ملابس الإحرام، فالعبرة بالميقات والتلبية فيه، وإذا كان سفر المحرم بطائرة فمعلوم أن الطائرة لن تقف، فيصلي ركعتين قبل أن يصعد الطائرة وبعد أن يلبس ملابس الإحرام.
قال: [ ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام بقلبه، ولا ينعقد الإحرام بغير نية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، ويكون عقيب الصلاة؛ لقول ابن مسعود : (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته) ]. والإحرام ركن، فلو أن رجلاً مر على الميقات ولم يحرم فإما أن يعود ويحرم من الميقات، وإما أن ينوي الإحرام بعد الميقات ويلزمه فدية؛ لأنه أحرم بعد الميقات.
فالإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، وإذا ترك الإحرام فسد الحج أو فسدت العمرة، وإذا ترك الإحرام من الميقات يجوز له أن يحرم بعد ذلك ويلزمه فدية، فأصل الإحرام ركن، لكن الإحرام من الميقات واجب، لذلك إن مر على الميقات ولم يحرم نقول له: أحرم من مكانك ويلزمك دم؛ لأنك أحرمت بعد الميقات، وأصل الإحرام ركن، ولذلك هناك فرق بين أركان الحج وواجبات الحج، وفرق بين أركان العمرة وواجبات العمرة، وتجد البعض لم يفرق بين الاثنين، يقول: أركان العمرة: الإحرام من الميقات، وهذا خطأ، فإن الإحرام من الميقات واجب، والركن هو الإحرام نفسه، فكان يجب أن يفرق بين أصل الإحرام وبين الإحرام من الميقات، وهذا مما نبهنا إليه كثيراً.
ولا بد أن يحدد النسك في حال إحرامه من الميقات، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حج عن نفسه يقول: لبيك حجاً فاقبله مني، مثلاً، وإن حج عن غيره يقول: لبيك عن فلان، ويلبي عن الذي يحج عنه من الميقات، فلا بد أن يحدد.
ثم يشترط ويقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا يسميه العلماء: اشتراط، فيشترط عند إحرامه بحيث إذا حبسه حابس لا يلزمه فدية؛ لأنه اشترط عند إحرامه، فيقول: لبيك حجاً فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ويفيد الاشتراط أنه إذا أعاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فله التحلل ولا دم عليه ولا صوم، فإذا أعاقه عائق في الطريق، أو عرض له عارض كأن تمنعه الشرطة من دخول مكة، وكنفاد نفقته، وكانتهاء صلاحية التأشيرة، كل ذلك وارد فإن اشترط عند الإحرام يتحلل ولا شيء عليه، أما إن لم يشترط فيلزمه فدية.
قال: [ لما روى ابن عباس : أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: (قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت)، رواه مسلم .
وروت عائشة قالت (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
قال بعض الفقهاء: إن الاشتراط يكون في حال الخوف والمرض، أما رجل لا يخاف من عدو وآمن وليس به مرض فلماذا يشترط؟
فـضباعة كانت تشتكي، فأمرها بالاشتراط، ومن ثم الاشتراط يكون لعلة، وطالما أنت في طائرة فإنك لا تدري ربما تعوق الطائرة ظروف جوية فتهبط أو تعود، وربما في المطار يمنعونك؛ لفساد التأشيرة، أو لكذا أو كذا، فطالما أنت في طريق لا تضمن فاشترط؛ حتى تخرج من الخلاف، وقل: لبيك عمرة، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
ويشترط في الميقات، ولا عبرة بالاشتراط قبل الميقات، فحينما يقول قائد الطائرة: نحن على مقربة من الميقات، أو بقي على الميقات ربع ساعة، أو نحن الآن في الميقات، فعند محاذاة الميقات تقول: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ومن هذا الوقت يحاسب المحرم في ارتكاب المحظورات؛ لأنه أحرم من هذه اللحظة.
ولا يحرم قبل الميقات، جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم من الروضة قال: من أي البلاد أنت؟ قال: من المدينة، قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أحرم من روضة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام! إن هي إلا أميال أزيدها؟ فتلا مالك : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فالإحرام من الميقات سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ولو أحرم قبل الميقات ولبى فإحرامه صحيح، لكنه خالف السنة.
الحاج له أن يختار أحد النسك: التمتع أو الإفراد أو القران، ولكن أي النسك أفضل؟ هناك اختلاف بين العلماء، والراجح: أن التمتع هو أفضل النسك، والنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً، يعني: قرن بين الحج والعمرة، حيث اعتمر وبقي على إحرامه إلى أن أدى مناسك الحج؛ لأنه ساق الهدي، فالنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً بلا خلاف؛ لأنه أمر الصحابة أن يتمتعوا، أما هو فبقي على إحرامه وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولتحللت) ، فالذي منعه من التحلل: أنه ساق الهدي من المدينة، فحج قارناً عليه الصلاة والسلام، ومن العلماء من يرى أن أفضل النسك هو القران؛ باعتبار أن النبي قد حج قارناً وهو لا يفعل إلا الأفضل، وقد كان عمر بن الخطاب يقول بعدم التمتع، بل كان يضرب عليه، لكننا مع رأي الجمهور في أن أفضل النسك هو التمتع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به الصحابة، وبين لهم أنه كان يحب أن يتمتع لولا أنه ساق الهدي، والفرق بين الإفراد والقران والتمتع في أمور:
أولاً: المتمتع يلبي بعمرة فقط في أول الأمر، وبعد أن يتحلل يبقى على تحلله إلى اليوم الثامن من ذي الحجة فيحرم مرة ثانية ويلبي بحج.
ثانياً: الهدي، قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، فالحاج المتمتع عليه هدي، وكذلك الحاج القارن، أما الحاج المفرد فليس عليه هدي.
قالت عائشة رضي الله عنها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بحج)، والذي أهل بعمرة متمتع، والذي أهل بحج وعمرة قارن، والذي أهل بحج فقط مفرد.
وقالت عائشة : (أهللت بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)، يعني: من ساق الهدي لا بد أن يحج قارناً، ولا يتحلل إلا أن ينتهي من مناسك العمرة ومناسك الحج.
قال: [ واختار المتعة جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم؛ لما روى جابر وابن عباس وأبو موسى وعائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة) ، ونقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل الأولى، ولم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هدياً، وثبت على إحرامه، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) -رواه البخاري- فهذا معلوم صحته يقيناً، والنبي صلى الله عليه وسلم نقلهم من الحج إلى المتعة، وتأسف كيف لم يمكنه ذلك، ولو كان الإفراد والقران أفضل لكان الأمر بالعكس؛ ولأن المتعة منصوص عليها في كتاب الله تعالى بقوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، من بين سائر الأنساك؛ ولأن التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج كاملين غير متداخلين على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك هو الدم فكان ذلك أولى ].
إذاً: مذهب الإمام أحمد هو أن التمتع أفضل النسك، وفي كتاب أضواء البيان للشيخ الشنقيطي بيان مذهب المالكية في أن أفضل النسك هو القران وأتى بالأدلة على تفضيله.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً، ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
الجواب: يجوز للمنفرد والمنفردة أن يقرأ من المصحف، ويجوز للإمام أن يقرأ من المصحف؛ لما ثبت أن ذكوان مولى عائشة كان يصلي بها من المصحف في النافلة في قيام الليل فتصلي خلفه، لكن الأولى أن يقرأ من الذاكرة حتى يكثر الحفظة، هذا هو الأولى، ولا يجوز للمأموم أن يفتح المصحف ليتابع الإمام، هذا لا يجوز؛ لأن فتوى علمائنا أن المأموم مأمور بوضع اليمنى على اليسرى وإذا أمسك المصحف يخل بهذا الشرط.
ثم أيضاً الإمام يقرأ من مصحف فلماذا تقرأ أنت خلفه؟ وقد جوّز الشيخ ابن باز رحمه الله أن مأموماً واحداً يمسك بمصحف إذا كان الإمام يقرأ من الذاكرة ليفتح عليه.
الجواب: إذا كان في كفارة الظهار وانقطع الصيام بعلة أو عذر مرض عليه أن يتم وهذا هو الراجح؛ لأن المعمول به هو أن يفطر بإرادته، أما هذا ففطره الشارع، فإذا أفطر في يوم العيد فقد فطره الشارع، وإذا أفطر لمرض فكذلك؛ لأنه أفطر بغير إرادته، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا تكليف إلا بمقدور، فمن الحرج أن نقول له: لأنك مرضت عد إلى الصيام من الأول، وإذا كان بإرادته يعيد من أول الصيام، والله تعالى أعلم.
الجواب: هذا إجرام أيما إجرام، ولا يقول قائل: الأحاديث في ذلك ضعيفة، فالآية واضحة: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، قال ابن كثير : والحرث هو موضع الإنبات، فمن أي مكان يخرج النبات وهو الولد؟ قال تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، أي: في أي وضع شئتم لكن في صمام واحد، فلا يجوز مجامعة المرأة في دبرها بحال، فهذا عمل مخالف للشرع، فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وأن يستغفر، وأن يتصدق، وأن يكثر من الصيام؛ ليكفر عن ذنبه؛ لأن هذا مخالف للشرع فضلاً عما ورد في ذلك، وأحيلك إلى الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، فقد أتى بالأحاديث والآثار عن الصحابة التي بينت حرمة ذلك.
الجواب: لا شبهة في دراستك شريطة أن يكون عملك بعد التخرج حلالاً، فدراسة الكفر ليست كفراً، حينما أدرس الرياضيات البحتة وحساب سعر الفائدة هذا ليس بحرام، وحينما أدرس أسباب الردة لست بمرتد، وحينما أدرس أسباب الكفر لست بكافر، فدراسة الكفر ليست بكفر، إنما العبرة بالعمل، لكن إن درست الكفر ثم طبقت بعد ذلك فهذه مصيبة، وطلبة التجارة يدرسون الرياضيات البحتة، ويدرسون حساب سعر الفائدة: رجل أودع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه في البنك ثم يحسب سعر الفائدة في مدة كذا، ويحسب معدل الربح، فهل هو يرابي؟ فدراسة الكفر ليست بكفر، وربنا يقول: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55]، فمعرفة سبل الحرام ومعرفة أبواب الحرام ليست حراماً، من هنا أقول لك: لا بأس بدراستك طالما ليس فيها حرام، والله تعالى أعلم.
الجواب: يا عبد الله! لا يجوز؛ فإن الجمع بين الفريضة والنافلة لا يجوز؛ لأن النافلة تختلف عن الفريضة في الصيام من وجوه عديدة:
1- صيام الفريضة لابد أن تنويه بالليل، وصيام النافلة يجوز من الصباح.
2- صيام الفريضة لا يجوز لك أن تفطر إذا شرعت فيه، وصيام النافلة أنت أمير نفسك إن شئت أكملت وإن شئت أفطرت، فهناك اختلاف من وجوه عديدة، فلا يجوز أن تجمع بين نيتي الفريضة والنافلة، إنما يجوز أن تجمع بين نيتين في النافلة، فلك أن تصوم إثنين وخميس مع صيام الست من شوال، يعني: أن يكون صيامك في شوال كل إثنين وخميس يجوز، وهكذا صيام ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر الثلاثة أيام القمرية، يجوز أن تجعلها من الست من شوال، ولا بأس بهذا. وأما هل يقدم القضاء أولاً أم صيام الست من شوال؟ فرأي الجمهور القضاء أولاً؛ إذ هل من المعقول أو من المنقول أن أكون علي دين لك ثم أتصدق أو أقرض؟! فوفاء الدين أولاً، وكما قال علماؤنا: الحديث يحمل الإجابة: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) ، والذي عليه قضاء أيام من رمضان ما صام رمضان، فيلزمه القضاء أولاً.
3- الواجبات تقدم في الوفاء بها، قال تعالى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، فالتعجيل بأداء الواجب هذا هو الأصل، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر