إسلام ويب

سلسلة آيات الحج في القرآن الكريم [8]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا أحرم الإنسان بالحج فقد دخل في عبادة عظيمة، فعليه أن يمتنع عن محظورات الإحرام، ومن اضطر إلى ارتكاب محظور فعليه أن يفدي عن ذلك بصيام أو صدقة أو نسك، أما هدي التمتع فهو هدي لمن قدر عليه وإلا صام عشرة أيام.

    1.   

    حكم الفدية على من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام

    فدية حلق الرأس وغيره من محظورات الإحرام

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة في برنامجكم (آيات الحج في القرآن) مع ضيف البرنامج الشيخ صالح بن عواد المغامسي ، إمام وخطيب مسجد قباء، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ.

    الشيخ: حياكم الله أخي الشيخ فهد ، وحيا الله الإخوة المستمعين والمستمعات.

    السؤال: لا زلنا في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وكنا قد أنهينا الحديث عن الإحصار ومعناه المراد به، وفي هذه الحلقة نتحدث عن قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، ما معنى هذه الآية؟

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

    لا يخفى أن الشارع الحكيم لما شرع الإحرام جعل له محظورات يمتنع على المؤمن أن يأتيها حالة تلبسه بالإحرام، ومنها الصيد، ومنها حلق الرأس، ومنها تغطية الرأس، ومنها لبس الثياب المخيطة.

    فهنا يتكلم الله جل وعلا عن أحد محظورات الإحرام، ذلك أن الإنسان قد يحتاج أحياناً إلى أن يحلق رأسه، فقال الله جل وعلا: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196]، فإذا وقع هذا وتعذر الصبر عليه، فإن الدين يسر، وشرع الله جل وعلا له الفدية.

    والفدية معناها اللغوي: أن يفتدي الإنسان نفسه، أي: أن يخرج من ذلك الذي هو فيه إلى حل مباح بطريقة شرعية، فقال الله جل وعلا: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فحرف (أو) أفاد التخيير، فهذه الثلاث يأتيها المؤمن المضطر على التخيير.

    والأصل في سبب النزول هذه الآية أن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أهلَّ بالحج، وكان له شعر كثير، فكثرت هوام رأسه ودب القمل إليه بشدة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ما كنت أظن أن الأمر بلغ بك إلى هذا الحد) ، فأذن له أن يحلق رأسه.

    فالإذن بحلق الرأس من محظورات الإحرام، وشرعت له الفدية، فقال الله جل وعلا: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، والآية قد أجملت لكن السنة فصلت، فالله جل وعلا قال: مِنْ صِيَامٍ [البقرة:196]، وهذا ينطبق على اليوم وينطبق على الشهر وينطبق على أشهر، فجاءت السنة بأنه صيام ثلاثة أيام.

    أَوْ صَدَقَةٍ [البقرة:196] والصدقة تنطبق على الكثير، وتنطبق على القليل، وعلى إعطاء الواحد، وعلى إعطاء المائة، وجاءت السنة على أنه يطعم ستة مساكين.

    أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]: أي: ذبح ذبيحة.

    فأصبح الإنسان إذا ارتكب محذوراً من محذورات الإحرام كفر بفدية وهو مخير بواحد من ثلاث:

    إما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين، أو أن يذبح شاة؛ على التخيير.

    المقدم: طيب يعني: معنى ذلك أن هذا مفصول تماماً لهذه القضية.

    والآية عامة في محذور من محذورات الإحرام اضطر الإنسان له، فما دام الإنسان قد اضطر إلى أن يلبس ثوباً مخيطاً فحجه صحيح، وعليه الفدية: صيام أو صدقة أو نسك، وما أشبه ذلك في كل محذورات الإحرام، باستثناء الجماع فإنه من محظورات الإحرام ولكنه يفسد الحج.

    حكم الفدية على المعاقين وأمثالهم

    المقدم: يرد إلينا كثيراً مسألة من يسمون بالمعاقين نسأل الله أن يعظم أجرهم، فبعضهم كتلة لحم بعضهم، وليس عنده إمكانية للإحرام، كأن يكون النصف الثاني غير موجود، وهؤلاء يحجون، وإذا لم يلبسوا تكشفوا، فما رأيكم؟

    الشيخ: يلبس قطعة إذا كان يريد فقط أن يستر عورته؛ لأنه ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أن كان لها عبيد يحملون هودجها في الحج، فكانوا إذا رفعوا لها الهودج وقاموا وقعدوا وحملوا تنكشف عوراتهم؛ فكانت توصيهم بأن يلبسوا شيئاً يستر عورتهم غير مخيط، وهو قريب مما يلبسه النساء في عصرنا، وله اسم معروف، فكانوا يضعونه يسترون به سوءاتهم، تحت الإحرام؛ لأن لبس إحرامهم ينكشف كثيراً عندما يشتغلون، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كانت الأمر مثل هذا فلا يطالب بالفدية.

    والمعاق ليس عند قدره على إمساك الثوب ولا على ربطه، وهو إنما يحرك في أجهزة، فهذا لا يطالب بفدية.

    قياس هدي الإحصار على هدي التمتع في البدل

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]

    الجواب: المتمتع يذبح هدياً، لكن قد لا يجد، وعدم وجود الهدي له صورتان:

    الصورة الأولى: أن لا يكون معه مال يشتري به هدياً.

    والصورة الثانية: أن يكون معه مال ثم فقد المال الذي يشتري به الهدي.

    وأياً كان فالمقصود أنه لم يستطع أن يقدم هدياً، فينتقل إلى الحالة الأخرى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

    فأذن الله جل وعلا له عوضاً عن ذلك الهدي أن يصوم عشرة أيام كما في الآية.

    وهل يقاس عليه هدي من هذا حاله، من به أذى في الفدية؟

    الجواب: العشرة أيام هذه جاءت في التمتع، لا في الفدية، فالفدية جاءت مخيرة، كما تقدم في الآية، أما هنا فقد قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196].

    ومن لم يجد هدي التمتع هل يقاس عليه من لم يجد هدي الإحصار، ذهب بعض العلماء إلى هذا، وقد حججت عاماً مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه فأفتى به.

    وبعض العلماء يرى أن هذا القياس لا يصح القياس، ولهم حجتان:

    الحجة الأولى: أن الله جل وعلا ذكر هدي الإحصار ولم يذكر بديله، وذكر هدي التمتع وذكر البديل، فقالوا: لو كان واجباً لذكره الله كما ذكر الذي بعده.

    الحجة الثانية: قالوا: إن المتمتع فعله -أي حله من الإحرام-باختياره، أما المحصر ففعله -أي حله من الإجرام- إجبار.

    وهذا القول قاله العلامة ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، وطبعاً نحن حررنا في مسائل كثيرة، قضية أن المستفتي على دين مفتيه، ولكل دليل، فقد قال كثير من العلماء بأنه يقاس عليه، ومنهم من قال: إنه لا يقاس عليه.

    وبعضهم يقيس عليها كل واجب، مثلاً: من لم يبت في مزدلفة، على القول أن المبيت بها واجب، فهذا ترك واجباً فعليه دم، لكنه لو لم يجد دماً، هل نقول له: يبقى في الذمة أو يسقط، أو نقيسه على هدي التمتع؟

    بعضهم يقول: يقاس على هدي التمتع فدية ترك الواجب، لكن لا نقيس فدية هدي الإحصار، وذلك لأن هدي الإحصار نص عليه في القرآن، أما هدي ترك الواجب فلم ينص عليه في القرآن، وإنما جاء عن ابن عباس : من ترك شيئاً من النسك أهرق دماً.

    وبعضهم يقيس الجميع، فيقيس هدي الإحصار أيضاً، والذي يظهر والعلم عند الله أنه يقاس عليه دم ترك الواجب ولا يقاس عليه دم ترك هدي الإحصار.

    حكم حج التمتع وهديه على أهل مكة

    السؤال: في قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، علام يعود اسم الإشارة (ذلك)؟

    الجواب: صدر الآية فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ [البقرة:196]، الإشكال في ( ذلك ) هل هي عائدة إلى الأقرب وهو الهدي الواجب على من تمتع، أو هي عائدة على التمتع نفسه؟

    فإن قلنا: عائدة على التمتع نفسه لزم أن نقول: ليس على أهل مكة تمتع، أو ليس لهم أن يتمتعوا، فالمعنى: (ذلك) أي التمتع لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196].

    وإن قلنا: إن (ذلك) عائدة للأقرب وهو الهدي فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] يصبح لهم أن يتمتعوا وليس عليهم هدي.

    ويتصور من أهل مكة أن يتمتعوا، حيث يعتمر من الحل، فيكون قد خرج إلى الحل، ثم يرجع إلى بيته ويتحلل، ثم يحرم بالحج، وهنا تأتي للطيفة، فالذين قالوا: إن (ذلك) عائدة على الهدي قالوا: فلنأخذ المسألة بعقلية أكبر قليلاً فنقول: إنما فرض هدي التمتع على المتمتع لأنه وجد فسحة بالتحلل والرجوع إلى بيته بين الحج والعمرة، فأحرم وطاف وأهل بالعمرة، ثم تحلل من عمرته وعاد إلى أهله، ثم عاد في اليوم الثامن إلى مكة وأهل بالحج.

    فهذه المدة الزمنية التي تمتع بها هي التي أوجبت في حقه الهدي، ويصبح الهدي دم جبران لهذا الأمر الذي حصل، لكن أهل مكة يختلفون عن هؤلاء في أنهم لم يستفيدوا شيئاً؛ لأنهم أصلاً في مكة، إلى أين سيعود حتى تقول هو استفاد؟

    فالراجح أن (ذلك) يعود على الهدي، وأن أهل مكة يتمتعون دون هدي.

    حاضرو المسجد الحرام

    المقدم: من هم حاضرو المسجد الحرام، وما هي حدوده؟

    الشيخ: حاضرو المسجد الحرام هم أهله، والذي يبدو والعلم عند الله أن المسجد الحرام في القرآن والسنة جاء على أربعة أضرب:

    الضرب الأول: الكعبة نفسها.

    والضرب الثاني: المسجد المحيط بالكعبة.

    والضرب الثالث: حدود الحرم.

    والضرب الرابع: ما يسمى في النطاق العمراني والإداري مكة.

    وهذا الضرب، ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] المقصود به أهل مكة، وتحرير المسألة، أننا لو قلنا: إن المقصود به حدود الحرم لكان الهدي واجباً على من بيته في عرفة أو منى، فيصير بعض أهل مكة يجب عليهم الهدي وبعضهم لا يجب عليهم، وهذا لا يرد في الشريعة.

    1.   

    يوم التروية وما يعمل فيه الحاج

    المقدم: اليوم الثامن هو يوم التروية، نريد أن نتعرف على معنى كونه يوم التروية؟ وماذا يفعل الحاج فيه؟

    الشيخ: هذا هو أول أيام الحج الذي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من أحل منهم من العمرة أهل بالحج في هذا اليوم، أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان قد بقي على إحرامه لأنه قد ساق الهدي معه، فأتى منىً قبل الظهر وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقصر في الرباعية صلوات الله وسلامه عليه.

    واختلف في سبب تسميته بيوم التروية، والأظهر أنهم كانوا يكثرون فيه من التروي من الماء وحمله حتى يأخذونه معه إلى عرفه، هذا اليوم لم يقل أحد، قد يكون في أقوال شاذة، لكن الذي عليه العلماء كافة أنه لم يقل أحد بوجوبه، لكنه سنة من أعظم السنن.

    والإنسان إذا أراد عظيم الأجر وجزيل المثوبة والحج المبرور فليتأس ما أمكن بنبينا صلى الله عليه وسلم، فيصلي في منى الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاث ركعات في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، وكذلك فجر اليوم التاسع ركعتين في وقتها، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نوافل كثيرة في هذا اليوم.

    لو قدر أن الإنسان تأخر كأن أبطأت به السيارة أو نام، فله أن يجمع؛ لأنه في سفر، لكن الأفضل أن يصلي الصلاة في وقتها ويقصر الرباعية منها، لكنه لو اضطر إلى أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير فلا حرج إجماعاً؛ لأن هذا سفر ونسك في نفس الوقت، فلا حرج عليه، لكن كما قلت: يتقيد بالسنة ما أمكن.

    يتوجه إلى عرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع.

    والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مسجد الخيف من متى، وهو وسط منى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً).

    ونحن نوصي الحجاج بأن يسعوا قدر الإمكان أن يصلوا في مسجد الخيف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جميع فروضه في منى في مسجد الخيف، وليس هذا واجباً ولا ملزماً ولم يقل أحد فيما أعلم بلزومه، لكن لا شك أن التأسي بسنته صلى الله عليه وسلم خير عظيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755948963