إسلام ويب

سلسلة معالم بيانية في آيات قرآنية [7]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد من الله تعالى على نبينا صلى الله عليه وسلم برفعة مقامه وإعلاء درجته على الخليقة كلها، ويشهد لذلك جملة من النصوص سواءً كان ذلك بصريح العبارة أو عن طريق الإشارة، ولذا كان على أتباعه من أمته توخي الأدب معه صلى الله عليه وسلم بانتقاء أحسن الألفاظ في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تبعاً لمنهج القرآن في بيان خطاب الله له بالأسلوب المغاير لذكر الأنبياء قبله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر...)

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق الكون بما فيه، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا درس جديد في معالم بيانية في آيات قرآنية، والآية التي نحن بصددها في هذا الدرس المبارك هي قول الله جل وعلا في سورة القصص: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص:44].

    فهذه الآية ذكر الله جل وعلا فيها نفياً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بجانب الغربي من جبل الطور في تلك اللحظات المباركات التي كلم الله جل وعلا فيها موسى وقربه وناجاه وأدناه وأوحى إليه بما شاء من الأمر، فهذا الأصل في الآية.

    وأما ما نريد أن نميط اللثام عنه فهو أن موسى عليه الصلاة والسلام أحد أولي العزم من الرسل الكرام، وهذا النبي الكريم اصطفاه الله جل وعلا وكلمه، قال الله جل وعلا ممتناً عليه: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:144].

    بيان درجة رفيع منزلة نبينا في الآية الكريمة

    والطور في اللغة: هو الجبل الذي ينبت فيه الشجر، وأما الطور المقصود هنا فهو ذلكم الجبل الذي نبت فيه الشجر من أرض سيناء، فالطور جبل واحد في أرض سيناء، ومعلوم أن أي شيء موجود واقع ماكث له أربعة جوانب وله أربع جهات: شمال وجنوب وشرق وغرب، ومعلوم أن هذه الجهات الأربع لا تحتمل شيئاً من المدح ولا من الذم، أي: لا يتعلق بإحدى هذه الجهات الأربع مدح في ذاته من غير ما قرينة أخرى، فالجهات لا يفضل بعضها على بعض لكونها جهة شمال أو جهة جنوب أو جهة شرق أو جهة غرب.

    وأما اليمين والشمال ففيهما جهة فضل، فاليمين أفضل من الشمال قطعاً، ومن دلائل ذلك أن الله جل وعلا أفردها في مقابل الجمع، وهو أسلوب قرآني في بيان الفضل، قال الله جل وعلا: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ [النحل:48].

    فإذا علم ذلك فإن الله جل وعلا أخبر في القرآن أنه كلم موسى عليه الصلاة والسلام عند جانب الطور الأيمن، فقال جل وعلا: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]، وقال تبارك وتعالى: وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ [طه:80].

    ولكن الرب تبارك وتعالى هنا يقول: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ [القصص:44]، فعدل القرآن هنا عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب إظهاراً لكرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، فإن قال قائل: ما علاقة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر والله جل وعلا هنا يتكلم عن موسى؟! قلنا: لما ذكر الله جل وعلا الإثبات ذكر صفة اليمين مقترنة به فقال تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]، ثم إن الله جل وعلا حكى لنبيه هذا الأمر لبيان شرفه صلوات الله وسلامه عليه عند ربه، فحين ذكر الله النفي قال: وَمَا كُنتَ [القصص:44]، فأزال الله جل وعلا ذكر كلمة اليمين حتى لا ينفى الفضل عنه صلوات الله وسلامه عليه، فعدل القرآن عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب، فقال جل وعلا: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ [القصص:44]؛ لأنه لو قيل في غير القرآن وما كنت بجانب الأيمن لكان فيه نفي اليمن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا محال في حقه من جهة إكرام الله له، فعدل القرآن عن هذه اللفظة إلى لفظة لا يتعلق بها مدح ولا ذم، وهي جهة الغرب، فقال الله جل وعلا: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص:44].

    وهذه -تالله ووالله- من فرائد العلم التي تبين عظيم المنزلة وجليل المكانة لنبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه.

    1.   

    دلالة تكليم الله لنبينا على عظيم مكانته

    وإذا استطردنا في هذا الموضوع فإنه يجب أن نتنبه إلى أن كلمة (كليم) إذا أطلقت يراد بها كليم الله موسى، ولكن لا يعني هذا أبداً أن الله جل وعلا حصر مقام التكليم في موسى، فقد سئل صلوات الله وسلامه عليه عن أبيه آدم أنبي هو فقال: (نبي مكلم) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الصحيح مقام التكليم لنبي الله آدم، كما أنه هو صلوات الله وسلامه عليه كلمه ربه في رحلة المعراج، فأضحى في الخبر الصحيح أن الذين ثبت أن الله كلمهم ثلاثة: آدم ثم موسى ثم نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد أن يعطى مثل هذا المقام خليل الله جل وعلا إبراهيم.

    والذي عنيناه من إماطة اللثام هنا بيان رفيع الدرجة وعلو المنزلة في الخطاب القرآني لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا الخطاب القرآني لنبينا عليه الصلاة والسلام المبين رفيع مقامه له قرائن عديدة لا تحصى، منها أن الله خاطب أنبياءه بأسمائهم المجردة، كقوله تعالى: يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48]، قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود:76]، يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، وليس في القرآن كله مخاطبة الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم باللفظ المجرد، فليس في القرآن كله (يا محمد) وإنما (يا أيها النبي) و(يا أيها الرسول) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يبين رفيع المقام وجليل المكانة له عليه الصلاة والسلام عند ربه.

    فيجب علينا أن نتأسى بأسلوب القرآن في حديثنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فنتوخى جميل الألفاظ وأصدق العبارات وأحسن الكلمات التي تنبئ عما في قلوبنا لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهذا الصديق رضي الله عنه وأرضاه يأمره النبي عليه السلام بأن يبقى في مكانه عندما صلى بالناس ثم قدم عليه الصلاة والسلام، فتأخر أبو بكر فأمره النبي أن يبقى مكانه فرفع يديه يدعو ثم تأخر، ثم تقدم عليه الصلاة والسلام فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته سأله (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟) فقال الصديق : ما كان لـابن أبي قحافة أن يتقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتأمل قول الصديق: (ما كان لـابن أبي قحافة ) ولم يقل: ما كان لـأبي بكر .

    فهذا بعض من فيض أدب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معه.

    وفقني الله وإياكم للفقه في الدين والعلم النافع، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756170446