إسلام ويب

حقيقة الالتزامللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من ينتسب إلى الالتزام ينبغي عليه أن يكون قلبه مطمئناً بذكر ربه جل وعلا، وأن يكون راضياً بقضاء الله وقدره، حريصاً على فضائل الأعمال والإكثار منها، وأن يعلم أن هذه الطريق شاقة، ومليئة بمخاطر السخرية والاستهزاء والابتلاءات؛ فلا يثبت عليها إلا الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين وطلبة العلم المحتسبين.

    1.   

    وصايا للملتزمين

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين والمؤمنات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالآيات البينات بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    الالتزام قرب إلى الله سبحانه

    إنها لمناسبة طيبة أن نجتمع في هذا المجلس المبارك على ذكر الله عز وجل وطاعته، خير ما اجتمعت عليه القلوب والتفت عليه الأرواح، فإن القلوب تصدأ وجلاء صداها بذكر الله عز وجل، والقلوب في قلق وحيرة لا طمأنينة لها إلا بذكر الله جل جلاله، وصدق الله تعالى إذ يقول: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] إذا لم يكن في ذكر الله جل جلاله إلا أن الله يذكر من ذكره لكفى بذلك شرفاً وفضلاً للذاكرين.

    إن الله خلق العباد: فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26] منهم مهتدٍ ملتزم بطاعة الله جل جلاله أحب الله وأحبه الله، لا يبتغي عن سبيله تحويلاً ولا عن هدي رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً.. يدرك أن هذا الوحي أصدق قيلاً وأحسن تأويلاً.. التزم بدين الله جل جلاله يوم رأى السعادة والنور والرحمة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، حينما وجد شيئاً طالما فقده، ووجد أمنية طالما تمناها، حينما أحس أنه أحوج من يكون إلى القرب إلى الله جل جلاله، فنفحه الله برحمته فدخلت الهداية من قلبه، فإذا أراد الله أن يبارك له في هذه الهداية رزقه ذكره سبحانه وتعالى؛ فأصبح قلبه متعلقاً بالله جل جلاله ينسى مع الله كل شيء، ويقبل على الله جل جلاله إقبال الصادقين، ويحب الله محبة المؤمنين الموقنين.. يعبد الله كأنه يسمعه ويراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وهي مرتبة المحسنين التي نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها أجمعين، قال جبريل عليه السلام: (يا محمد! ما الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فإذا كملت هداية الإنسان بلغ مراتب الإحسان.

    أصبحت أشجانه -أي: الملتزم- وأحزانه كلها لله جل جلاله، ولا يرتاح قلبه ولا تطمئن نفسه إلا بالكلمة التي تقربه إلى الله أو الخصلة -من خصال الخير- التي تدني به إلى جنة الله جل جلاله، يشتري رحمة الله حتى بالابتسامة يبتسمها في وجه أخيه، يشتري رحمة الله حتى بالكلمة الطيبة يريد بها ما عند الله سبحانه وتعالى، لا نفاقاً ولا رياءً ولا تصنعاً ولا تكلفاً؛ لكي يجذب بها قلوب الناس، ولكنه يريد ما عند الله جل جلاله من واسع رحمته وما يدريك فلعل هذه الحسنة التي تحرص عليها ينقذك الله بها من النار، فإن العبد قد تستوي حسناته وسيئاته فيستوي خيره وشره؛ فقد تكون عنده حسنات كأمثال الجبال تذهب بمظالم الناس فتستوي حسناته وسيئاته حتى يكاد يؤمر به إلى النار فتأتي حسنة واحدة ترجح بها ميزان الحسنات فينجو من نار الله جل جلاله.

    الالتزام والابتلاء

    العبد الملتزم والشاب الصادق في التزامه وهدايته يجد ويجتهد، ثم إن ربك إذا أحب عبده ابتلاه، فإذا التزم بدين الله صب الله عليه البلاء فضاقت عليه الدنيا ووسع الله ضيقه وعظمت عليه الهموم والغموم، حتى يفر من غير الله إلى الله، ويصبح في ليله ونهاره ينادي رباه رباه.

    إذا أحب الله الملتزم المهتدي المستقيم على طاعته صب عليه البلاء والهموم والغموم؛ لأن النفس البشرية إن غفلت وأعطيت النعمة أرخت لنفسها العنان في معصية الله جل جلاله، واتبعت الشيطان فكان صاحبها من الغاوين، ولكن الله يحب هذا العبد فيصب عليه الوساوس والهموم والغموم حتى ينطرح عند باب الله يناديه ويناجيه ويحس أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، تمر عليه اللحظات تلو اللحظات وقد ضاقت عليه نفسه، وعظمت عليه كربته، واشتدت عليه بليته ولكنها بالله هينة، وبمناجاته لله سبحانه وتعالى سعة ورحمة، وإذا بها اليوم تؤذيه ولكنها في الغد ترفعه وتكرمه بين يدي الله جل جلاله، اليوم تصب عليك الهموم والغموم والحسرات والفتن والمحن حتى من أعداء الله عز وجل عندما يستهزءون ويسخرون ويكيدون، ولكن الله سبحانه وتعالى يبدد هذه الأشجان والأحزان عنك، فيثقل بها ميزانك، ويعظم بها أجرك، ويكثر بها ديوانك، فتبكي اليوم من الهموم ولكن تضحك بين يدي علام الغيوب عندما ترى صحائف الأعمال حسناتها كأمثال الجبال.

    إذا رأى أهل البلاء ما عند الله من الأجر والمثوبة تمنوا أن حياتهم كلها بلاء، فإذا رأى الملتزم والمستقيم على طاعة الله جل جلاله أن سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين يثقل الميزان ويعظم الأجر عند الرحمن تمنى أن حياته كلها من هذا الضرب والمثيل، فاصبر وصابر واحتسب، وإذا أحب الله عبداً ملتزماً بدينه حببه للخير وحبب الخير إلى قلبه، فأصبح لا يرتاح ولا يأنس ولا يحس بسعادة إلا إذا كان قريباً من الله جل جلاله، تضيق عليه نفسه إلا في مجلس ذكر أو شكر، إذا خرج من المسجد أحس أنه ضيق النفس، فإذا دخل إلى المسجد إذا به يدخل منشرح الصدر مطمئن النفس، يدخل كأنه ورد على رحمة كورود الإبل التي اشتد ظمؤها على الماء البارد في اليوم الصائف أو أشد، كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بها يا بلال ) .

    فإذا كمل التزام العبد كمل إقباله على الله جل جلاله، فصلاته صلة، ودعاؤه صدق، وإقباله على الله عز وجل إقبال المجد المشمر عن ساعد الجد في رحمته ومرضاته جل شأنه وتقدست أسماؤه، ومعنى ذلك: أن كل من التزم بطاعة الله عليه أن يجعل نصب عينيه أنه مأجور على كل هم وغم وبلاء متى احتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى.

    الالتزام وحب القرآن والسنة

    وإذا أحب الله عبداً وأراد أن يبارك له في التزامه حبب إلى قلبه كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد الإنسان أن يرى مقدار حب الله له فلينظر إلى منزلة القرآن من قلبه، فإن وجد أنه يتأثر بالقرآن صدق التأثر، ويشتاق إلى القرآن كمال الشوق، وأن هذا الكتاب يبكيه وعيده وتهديده ويشوقه وعده، فليعلم أن له عند الله مكانة. إذا أصبح من أهل القرآن المتأثرين بآياته ومواعظه، المحبين لسماعه، والمتلهفين على تلاوته وتدبره، فليعلم أن تلك رحمة من الله سبحانه وتعالى، يصطفي لها من شاء من خلقه وعباده، جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل.

    إن العبد لا يزال يقرأ القرآن ويحبه حتى يشفعه الله فيه: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]، ولا يزال العبد يحب كتاب الله حتى يقر الله عينه بكلامه، وما من إنسان أحب القرآن صدق محبة ورغب فيه بصدق الرغبة إلا تبوأ منزلة عند الله وعند خلقه، ولذلك ترى أهل القرآن أشرح صدراً وأيسر أمراً وأكثر ذكراً، وهم عند الله بمكان، ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أن القرآن يأتي يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً لأصحابه) فنعمت الشهادة من كلام الله جل جلاله، ونعمة الشفاعة من كلام الله سبحانه وتعالى، فهو الشفيع الذي لا ترد شفاعته. والشهيد الذي لا تكذب شهادته!

    وإذا أراد الله بالملتزم خيراً حبب إلى قلبه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن ترى عبداً بارك الله له في هدايته فانظر إلى ذلك العبد الذي يبحث عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يتكلم أخذ يبحث كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم؟ وماذا كان يقول؟ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه) فيكون مسلماً حقاً قد سلم المسلمون من هناته وزلاته وخطيئاته وعوراته، فإذا تكلم تكلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم؛ عفيفاً عن أعراض المسلمين، دالاً على الخير، مذكراً بالله سبحانه وتعالى، فلا تسمع منه إلا الذكر أو الشكر أو كلمة في منافعه الدنيوية، أما ما عدا ذلك فإنه أعف الناس عن قول الحرام، وأبعدهم عن فضول الكلام، فمن يتأسى بهديه صلوات الله وسلامه عليه في الأفعال حتى أنه لا يرفع قدماً ويضع أخرى إلا وهو يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في رفعها ووضعها، قال بعض السلف: ( إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل ) بمعنى أنك لو أردت أن تقوم على شأنك الخاص فلتتذكر أن هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبدأ باليمين قبل الشمال؛ فتبدأ باليمين قبل الشمال تأسياً به عليه الصلاة والسلام.

    فإذا وجدت الشاب المهتدي يسأل عن السنة، ويحرص على تطبيقها، ويغشى مجالس العلماء للعلم بها والعمل؛ فاعلم أن الله بارك له في التزامه وهدايته، وإذا وجدته غافلاً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعن هديه، فإن المحروم من حرم.

    حرص الشباب الملتزم على فضائل الأعمال

    مما يبارك الله به في التزام العبد: حرصه على فضائل الأعمال، فإن الله أوجب الواجبات، وحرم المحرمات، ودعا إلى الحسنات والطاعات، فالسابق إلى الخيرات الذي ذكره الله في كتابه، وأثنى عليه وجعله من أحبابه وصفوة خلقه هو الذي يحرص على النوافل كحرصه على الفرائض، فالذي يريد أن يبارك الله له في التزامه فليكمل إيمانه بالحسنات الفاضلة ولا يستهين بشيء من ذلك، فإذا أصبحت وأمسيت وأنت تحرص على كل حسنة -ولو كانت من الفضائل- لن تمسي وتصبح إلا وإيمانك على أحسن المراتب وأكملها، والعبد الذي تراه يحرص على السنة والنافلة التي ليست بعزيمة فإنه على الواجبات والفرائض ألزم وأحسن وآكد، والله تعالى جعل الحسنة تدعو إلى أختها، فمن حرص على الفضائل ونوافل العبادات، فأصبح طليق الوجه بالبشر والسرور للمسلمين يشتري رحمة الله عز وجل في سروره ويسره ورفقه بالعباد، يشتري رحمة الله بإفشاء السلام وإطعام الطعام وقيام الليل والناس نيام ... إلى غير ذلك من خصائل الكرام، يقوى إيمانه، ويثبت قلبه، ويكمل يقينه، ويجد في قرارة قلبه حلاوة الإيمان التي لا لذة مثلها بفضائل الأعمال، ليس لنا عند الله حسب وليس بيننا وبينه نسب، ولا ينظر الله إلى ألواننا ولا إلى جمالنا، ولكن ينظر إلى ما كان منا من الأقوال والأعمال.

    فلترِ الله منك في التزامك وهدايتك حقيقة الالتزام بالكثرة من ذكر الله وطاعته عز وجل؛ ولذلك تجد العلماء وطلاب العلم الفضلاء أقرب الناس إلى الخير بسبب ما ألفوه من كثرة فضائل الأعمال، وقلّ أن تجد شاباً يحافظ على فضائل الأعمال ثم ينتكس، وقلّ أن تجد شاباً يحافظ على فضائل الأعمال فيقع في الانحراف؛ لأن الذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الحدود والمحارم، والذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الواجبات والفرائض، ولا تزال نفسك تحب هذه النوافل والفرائض حتى تعرف بها وتصبح ديدناً لك بحيث لو فقدتها كأنك فقدت الطعام والشراب.

    كان من السلف الصالح من إذا نام عن قيام الليل يبكي كأنه فجع بولده؛ لأنه يحس أنه ما فقد القيام في هذه الليلة إلا لأن منزلته نزلت عند الله عز وجل. عندما التزم السلف الصالح بهذا الدين التزموا التزام الموقن الذي يتحسس في كل صغيرة وكبيرة، بل حتى البلاء الذي ينزل إليه يتلذذ به، فقد أثر عن بعض العلماء قصة عجيبة: أثر عن هذا العالم أنه كان ذات يوم مهموماً مغموماً، وكان أحد طلابه ينظر إليه وهو في همه وغمه، فلما كان المساء جاءه رجل من عبيده وكلمه بشيء ففرح وزوال عنه الهم والغم، فقال التلميذ يستعجب مما جرى للشيخ: إني رأيتك يومي هذا وأنت مهموم مغموم، حتى أتاك فلان فأخبرك بخبر فسري عنك، فأخبرني يرحمك الله، قال: إني أصبحت ولم أر مصيبة في نفسي ولا في أهلي أو مالي أو ولدي، فقلت: قد نزلت مكانتي عند الله عز وجل، فلما أمسيت جاءني الرجل فأخبرني أن عبدي فلاناً مات، فعلمت أن منزلتي عند الله ما زالت.

    كانوا يعلمون أن الله إذا ابتلاهم أنه يحبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم) فقوم بهذه المثابة يتلذذون بالمصائب وبالبلايا لعلمهم أن الله قدرها وكتبها، فيرضون بقضائه وقدره، لقد أصابوا منزلة عند الله بمكان، قوم بلغوا هذه المنزلة حتى تعود عليهم المصائب والمصاعب سلواناً وفرحة فوالله لقد كمل إيمانهم وعظم يقينهم، ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة السوداء: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله لكِ؟ قالت: أصبر ولي الجنة) ما دام أن النهاية الجنة أصبر وأحتسب وأرجو عند الله الثواب.

    مدار الالتزام على القيام بحقوق الله والرضا بقضائه

    وليعلم الملتزم أنه مهما التزم بطاعة الله فلا بد أن يمتحن، والله يقول في كتابه: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] فلا بد من الابتلاء، وعلى هذا يكون مدار الالتزام على هاتين القاعدتين العظيمتين: إحداهما القيام بحقوق الله على أتم الوجوه وأكملها، ويدخل في ذلك الحرص على النوافل والخيرات، والثاني: الرضا عن الله سبحانه وتعالى في كل صغير وكبير وجليل وحقير، فمن التزم فإنه لا ينتكس عن التزامه إلا بأحد الأمرين: إما بإضاعته لحقوق الله، وإما بسبب سخطه على قضاء الله وقدره فضاقت نفسه؛ فضيق الله عليه في الدنيا والآخرة.

    فعلى الإنسان الذي ذاق حلاوة الهداية وأحب أن يبارك الله له فيها وأن يختم الله له فيها بخير أن يحرص على هذين الأمرين: أحدهما القيام بحقوق الله، فإن الله يرضى من عبده أن يقوم بحقه: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:31-34] ادخلوها بسلام يوم سلمتم جوارحكم وأركانكم لله جل جلاله، أسلمت واستسلمت، وكل من أسلم واستسلم في بلاء فإن الله يعده على ذلك بالخير في الدنيا والآخرة.

    يقول الله عن نبيه إبراهيم وهو في أشد مواقف الابتلاء وأعظمها وأكربها، وقد أضجع ولده ووضع السكين عليه لكي يقيم حق الله الذي أمره به: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:103-105] قال العلماء: لما أسلم، أي: استسلم لأمر الله جاء الفرج. فكل من استسلم لقضاء الله وقدره ونزلت به الهموم والغموم فأسلمها لله معتمداً على الله متوكلاً عليه؛ فإن الله لا يخيبه، ومن ذلك: إذا التزم بدين الله وطاعته ومحبته.

    تذكر الموت في كل لحظة

    الوصية الأخيرة التي يوصى بها كل من التزم بدين الله عز وجل: أن يحس بقرب الأجل؛ فإن طول الأمل في الدنيا يقسي القلوب، وإذا قست القلوب عميت البصائر -نسأل الله ألا يعمي لنا بصيرة- فإذا عميت بصيرة العبد ضل وأضل وشقي وأشقى، نسأل الله السلامة والعافية.

    فإذا قصر أملك في الدنيا خفت من الآخرة، وإذا خفت من الآخرة عملت لها فقوي التزامك، وكملت هدايتك، وأصبحت قوي القلب في طاعة الله عز وجل، وصورة ذلك: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). واحسس كأن الموت أدنى إليك من شراك نعلك، فكم من إنسان ضحك لأخيه وتبسم في وجهه ثم فارقه في طرفة عين! فالآجال مكتوبة، إذا جاء الأجل لا يستأخر ساعة ولا يستقدم.

    إذا أراد العبد أن يبارك الله له في هدايته جعل الموت نصب عينه، فإن ذلك يزيد من الطاعة ومن الالتزام والهداية، وكما أنه يزيد من الخوف من الله وخشيته سبحانه وتعالى، ولقد نغص الموت كل طيب إلا ما طاب لله جل جلاله:

    علمي بأني أموت نغص لي طيب الحياة فما تحلو الحياة لي

    فالإنسان إذا تذكر أنه سيموت ويرحل أحس أن أشجانه كلها للآخرة، وأن هذه الدنيا ما هي إلا كبلغة يتبلغ بها لدار ليس من بعدها دار، ولقرار هو القرار، إما في جنة وإما في نار، وسيعلم الإنسان منقلبه بينهما، فلا منزل ثابت يصير إليه غيرهما.

    نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا بالقول الثابت، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في الصحيح: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) فقولوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.

    1.   

    الأسئلة

    سؤال في الأذكار

    السؤال: قول: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير) في الصباح والمساء، وما صحة هذا الذكر؟

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الله، الرواية: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) يقولها عشراً إذا أصبح، وعشراً إذا أمسى، هذا من أذكار الصباح والمساء، وهذه الزيادة لا أحفظ فيها شيئاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم صيام النوافل قبل قضاء الصيام الواجب

    السؤال: هل يجوز لمن عليه قضاء من رمضان أن يصوم ستاً من شوال ثم يقضي ما عليه؟

    الجواب: يجوز صوم ستة من شوال قبل القضاء؛ لأن القضاء موسع، وإذا كان القضاء موسعاً يجوز أن يتنفل الإنسان قبله، ولا حرج على المرأة -مثلاً- أن تصوم ستة من شوال، ولا حرج أن تصوم يوم عرفة والعاشر من محرم وتصوم يوم الإثنين والخميس وتؤخر القضاء، لكن الأفضل أن تصوم قبل الست من شوال، لكن لو أخرت لا حرج عليها؛ لأننا لو قلنا إنه لا بد أن تقضي -أولاً- ثم تصوم الست فعندما تكون نفساء قد تستغرق رمضان كله، فبناءً على ذلك ستخرج من الفضل؛ لأنه لا يكون عليها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال...) .

    فصيام رمضان يأتي على صورتين: إن كان في رمضان فهو في رمضان، وإن كان أفطر لعذر فصيام رمضان ينتقل إلى عدة من أيام أخر لقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] فإذا كان عدة من أيام أخر يصبح من صام العدة من أيام أخر كأنه صام رمضان؛ لأن القضاء ينزل منزلة الأداء. والله تعالى أعلم.

    حكم من أفطرت في صيام القضاء طاعة لزوجها

    السؤال: امرأة عليها قضاء من رمضان، فصامت ثم جاء زوجها وقال لها: أفطري، فأفطرت، وربما وقع شيء من الجماع، فماذا يترتب عليها؟

    الجواب: من صام في القضاء لا يجوز له أن يفطر إلا من عذر، بل قال بعض العلماء: من صام القضاء وأفطر بدون عذر عليه الكفارة. والصحيح أنه ما عليه كفارة، فإذا صامت قضاءً ثم أفطرت ثم وقع الجماع بعد الفطر فإنه لا شيء عليها، لكن عليها الندم والاستغفار وتقضي مكان هذا اليوم يوماً آخر.

    حكم السارق غير البالغ

    السؤال: رجل كان في صغره يأخذ من قريب أموالاً ليست له وكان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة -أي: قبل أن يبلغ- وكان يأخذ هذه الأموال بدون علم صاحبها، وقد مات صاحب هذه الأموال منذ فترة طويلة، والآن يريد أن يرد هذه الأموال، فماذا يعمل؟

    الجواب: أولاً: الصغير إذا سرق أو أتلف مالاً فإنه يجب ضمان هذا المال بإجماع العلماء، ولذلك يقولون: لو قتل الصبي وكان قتله قتل عمد فإنه يصير خطأً، فيجب عليه الضمان فتكون عليه الفدية، ولا تكون عليه كفارة ولا يكون عليه إثم؛ لأنه غير مكلف.

    فعند الشرع جانبان: الجانب الأول: الحكم التكليفي. الجانب الثاني: الحكم الوضعي. فالحكم التكليفي: هو الحكم بالإثم، كالوجوب والندب والاستحباب، أي: الأحكام التكليفية المعروفة، فهذه لا يكلف بها الصبي، أما بالنسبة للضمان: فهو حكم وضعي، سواء كان الصبي مكلفاً أو غير مكلف فإنه يجب ضمان ما أتلفه.

    فالمال الذي سرقه الصبي يجب ضمانه، والمال هذا يقدره الصبي بعد بلوغه، فإذا عرف مقدار ما سرق فيجب عليه أن يرده لورثة الميت، وحكمه حكم التركة، ويستغفر الله -أيضاً- للميت.

    أما إذا كانت هذه الأموال لا يعلم صاحبها، ففي هذه الحالة قال العلماء: يتصدق بها على نية صاحبها، والسبب في هذا، أنه إذا وقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وجاء صاحب المال يطالبه بهذا الحق وجد من الحسنات على قدر مظلمته؛ لأنه تصدق بها على نية صاحبها، فيوفى لصاحب الحق حقه، وهذا هو أصح الأقوال عند العلماء. والله تعالى أعلم.

    صيام يوم عرفة بنية قضاء يوم من رمضان

    السؤال: رجل صام يوم عرفة بنية قضاء يوم من رمضان، دون أن يقصد صيام يوم عرفة لذاته، فهل يكتب له أجر صيام يوم عرفة؟

    الجواب: سئل عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة الباقية) فيقول بعض العلماء: لا يتأتى هذا إلا بالقصد، يعني: أن يقصد يوم عرفة، ولذلك يخرج من الإشكال في أن يصوم يوم عرفة لذاته، ويترك القضاء إلى يوم آخر.

    إذا انتهت عدة المطلقة ثم رجعت إلى زوجها بعقد جديد فلا يهدم الطلاق الماضي

    السؤال: إذا طلق رجل زوجته وانقضت عدتها ثم تزوجها بعقد ومهر جديد، فهل تعد تلك الطلقة أم لا؟

    الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين الجمهور والحنفية، وهي التي يسمونها: هل انتهاء العدة يهدم فيه أو يبني؟ يهدم بمعنى: أنه عندما عقد عليها عقداً جديداً فإنه حينئذٍ يصبح كأنه تزوج من جديد، هذا إذا كان قد تزوجها أحد من بعده، فيقولون: إنها تعود إلى الأول بعدد جديد ولا تعود بالأعداد الأولى.

    والصحيح مذهب الجمهور: أنه إذا خرجت من عدتها سواء تزوجها أحد أو لم يتزوجها أنها تعود ببقية الطلاق؛ لأن الله تعالى في كتابه قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] وقال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] فأخبر أن الإنسان طلق طلقتين رجعيتين من حقه أن يسترجع فيها، ثم قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] يعني: إذا راجعها أو عاد إليها فطلقها، فلم يفرق في الطلقة الثالثة بين كونها عادت بعقد جديد أو عادت بعد زوج أو لا، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب الجمهور: أنها تعود وله بقية الطلقات، فلو طلقها طلقة ثم تزوجها رجل من بعده ثم عادت للأول فإنها تعود له بطلقتين، يقولون: يبني.

    أما الحنفية فيقولون: أنها تعود بعد الزوج الثاني بعقد جديد وعدد من الطلاق جديد؛ لأنهم يرون أن البناء بالزوج يهدم، والصحيح ما ذكره الجمهور. والله تعالى أعلم.

    جناحا السلامة للمؤمن الخوف والرجاء

    السؤال: ما قولكم فيمن يخاف الموت خوفاً شديداً جعله ذلك يعطل مصالحه ومصالح أبنائه، فلا يرى أن يقوم ببناء بيتاً لأهله مثلاً، فكيف تحثه على ترك هذا الغلو؟

    الجواب: تحثه على ذلك بأن تذكر له أن الله يعظم أجره ويجزل ثوابه يوم أحسن لورثته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) دين الإسلام دين عمل وليس دين عبادة فحسب، بل جعل العمل من العبادة: (حتى اللقمة يضعها الرجل في في امرأته يكون له بها أجر) .. (قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر) فالإسلام دين عمل وليس دين خمول وكسل، فإذا كان ذكر الموت يمنع الإنسان من الوقوع في محارم الله، فهذا شيء طيب، أما أن يمنعه من أن يصلح حاله وحال أولاده ويحسن إليهم من بعد موته فهذا غير صحيح، وقد يعرضهم ذلك للفتن وللوقوع في الحرام، وفي أمور لا تحمد عقباها، فينبغي عليه أن يأخذ بالأسباب من الآن، ولا حرج عليه أن يشتري الأرض ثم يبني عليها الدار وأن يحسن لأولاده، فهذا مما يثاب ويؤجر عليه بإذن الله عز وجل.

    ومن حسنات الإسلام أنه لا يجعلنا فقط نقتصر على الرهبنة، والخوف نوعان: خوف فيه التزام بحدود الله عز وجل وهو الخوف المحمود، وأشار إليه شيخ الإسلام بكلمة جميلة لطيفة فقال رحمة الله عليه: أصل الخوف ما كف عن حدود الله، وما زاد فلا يضرك تركه. لماذا؟ لأن الزائد قد يوصل الإنسان -والعياذ بالله- إلى درجة القنوط، الخوف لا يراد لذاته إنما يراد لمعانٍ وهي المعاملة مع الله عز وجل، فيعينك على كثرة الخير وقلة الشر، فإذا حملك على هذا فإنه لا يضرك ما زاد عنه.

    النوع الثاني من الخوف: الخوف الذي يخرج به إلى ترك المباحات، يقول مثلاً: لا آكل الطعام اللذيذ، لماذا؟ يقول: أخاف أن الله يحاسبني عليه، هذا -كما قال العلماء- الورع الكاذب.

    سئل الإمام أحمد عن رجل يقول: (لا آكل الفالوذج، فقال الإمام أحمد : ولماذا؟ قالوا: لأنه يقول: لا أستطيع أن أؤدي شكرها، قال: قبّحه الله، أويستطيع أن يؤدي شكر الماء البارد في اليوم الصائف؟) يعني: لو كان هذا المبدأ لما أكلنا ولا شربنا، فهذا هو الورع الكاذب، في بعض الأحيان الشيطان إذا يئس من العبد في باب الشر جاءه من باب الخير.

    فالإنسان يكون خوفه منضبطاً بالعلم وبأصول الشرع، ولا بد من جناحي السلامة: الخوف والرجاء، فيكون الإنسان بين الخوف والرجاء، ولذلك وصف الله أهل الجنة بهما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9] فجمع بين الخوف وبين الرجاء، وقال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16] فهذا يدل على أنه لا بد من الجمع بين الخوف والرجاء، وهما كما يقول العلماء: جناحي السلامة. والسلف الصالح شبهاهما بالجناحين؛ لأنه لا يستطيع الطائر أن يطير بجناح واحد، فإذا كان الإنسان لا يعبد الله إلا بالخوف فقط فلا يأمن على نفسه أن يقنط من رحمة الله وأن ييأس من روح الله والعياذ بالله، وإذا عبد الله بالرجاء فقط وترك الخوف فإنه لا يأمن من الاستخفاف بحق الله والوقوع في محارمه، نسأل الله السلامة والعافية.

    حكم خروج المرأة من بيت زوجها المتوفى عنها أثناء العدة

    السؤال: امرأة مات زوجها، فهل يجوز لها أن تجلس في بيت والدها أثناء العدة؛ لعدم وجود من يجلس معها في بيت زوجها المتوفى؟

    الجواب: هذه المسألة الأصل في المرأة أن تسكن في بيت زوجها في العدة، قال صلى الله عليه وسلم في حديث فريعة بنت مالك بن سنان عندما توفي عنها زوجها: (امكثي في بيتك الذي جاءك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله) وأمر الله عز وجل من توفي عنها زوجها أن تتربص ببيت الزوجية أربعة أشهر وعشراً، وفي الصحيح من حديث أم سلمة أنه اشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تتألم من عينها تريد أن تكتحل وهي في عدتها، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما هي أربعة أشهر وعشراً) وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أم حبيبة في الصحيحين أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) ودلائل النصوص تلزم المرأة المتوفى عنها زوجها أن تمكث في بيت زوجها.

    لكن إذا كانت في موضع لا يؤمن على عرضها فيه، أو تخاف أن تقتل، أو تخاف الجوع، أو تخاف الضرر، يجوز أن تنتقل، وللعلماء تفصيل في هذا الانتقال: بعض العلماء يقول: تنتقل إلى أقرب أقرباء لها قريبين من بيت زوجها الأول، مثال: لو كان لها أقرباء في جدة وأقرباء في المدينة وبيت زوجها في جدة، فلا يجوز أن تنتقل إلى أقربائها في المدينة كابنها مع وجود أخيها -مثلاً- في جدة، بل تنتقل إلى أقرب بيت لها وهو بيت أخيها في جدة، وبعض العلماء يقول: وجود هذه الضرورة يبيح لها أن تعتد في أي بيت؛ لأنها عندما انتقلت من بيت زوجها صارت البيوت كلها بمثابة البيت الواحد، لكن الأحوط أن تكون في أقرب البيوت، وإذا انتقلت إلى بيت أبعد فلهذا وجه من فتوى العلماء.

    إذاً: لا يستثنى إلا من لم يؤمن عليها من الأذية في عرضها أو في نفسها أو تخشى أن يحصل لها ضرر فما تجد أحداً قريباً منها، فمثلاً: المرأة التي تكون في البادية والصحراء كان معها زوجها يحفظها بعد الله عز وجل، فتوفي عنها فلا تستطيع أن تبقى في البادية لوحدها، ولا تستطيع أن تبقى في بيت زوجها في ذلك المكان الذي لا تأمن فيه، لا على عرضها ولا على نفسها من أي شيء كان، ففي هذه الأحوال يستثنى للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تخرج وتعتد في بيت أهلها.

    حكم خروج المرأة من بيت العدة لقضاء حوائجها

    السؤال: هل يجوز لها أن تخرج من بيت العدة لإحضار أموال وأغراض من أهل بيت زوجها المتوفى؟

    الجواب: هي ينبغي عليها أن تبقى في بيت زوجها المتوفى، وأما بالنسبة لخروج المرأة في النهار لقضاء مصالحها ففيه حديث صحيح، ولذلك إذا كان عندها أيتام وهي أرملة تسعى عليهم، وعندها عمل ولا كسب لها إلا من هذا العمل وأيتامها في عنقها لا تجد لهم عائلاً ولا من يقوم عليهم، فحينئذٍ يجوز لها أن تخرج وتعمل، لكن في الليل لا تبات إلا في بيتها، وترجع بعد العمل مباشرة وتأوي إلى بيتها تجلس فيه، لكن لو عندها كسب آخر وترك لها زوجها الثمن أو الربع وفيه غنى لها وكفاية، فتعتذر عن وظيفتها وتقدم إجازة، ولا يجوز لها أن تترك المقام في بيت زوجها؛ لأن عذرها زائل بوجود البديل.

    علاج الفتور

    السؤال: ماذا يجب على المسلم إذا فتر في عبادته وقصر حتى في السنن؟

    الجواب: عليه أن يستغفر الله عز وجل، فإنه ما نزل هذا البلاء إلا بذنب، قال سفيان الثوري : (أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل أربعة أشهر). فإذا وجد الإنسان قصوراً في طاعة الله، فقد يكون بسبب عقوق للوالدين، أو قطيعة رحم، أو ظلم للزوجة أو الأولاد، أو أذية جار، ونحو ذلك من المظالم التي يغضب الله عليه بسببها، فمحق بركة الخير الذي كان فيه، فإن الخير لا يسلب إلا بذنب: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

    فإذا فتر الإنسان فيكثر من الاستغفار؛ لأن الله قال: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199] فالذي يستغفر يرحمه الله.

    ثانياً: أن يدعو الله عز وجل ويندم حتى يبلغه الله أجر عامل.

    حكم من أفطر قبل الوقت لأذان المؤذن ثم تبين أن المؤذن مخطئ

    السؤال: مرض المؤذن في رمضان فأناب عنه أحد الإخوة، وفي جدة الأذان بعد أذان المدينة بخمس دقائق، فالأخ استمع إلى المذياع وكان أذان المدينة، فبعد سكوت أذان المدينة شرع في الأذان وأفطر معظم الناس على أذانه، مع العلم أن هناك فرقاً بما يقارب حوالي خمس دقائق فما حكم الذين أفطروا؟

    الجواب: أولاً: مسألة أن أذان جدة لا يكون إلا عند انتهاء أذان مكة أو المدينة، هذا باطل، وينبغي إعادة النظر فيه، فإن أذان مكة ربما يطول وربما يقصر، ولا يقع فيه الاستعجال في بعض الأحيان، ولذلك لا يجوز الاعتداد بهذا الأذان؛ لأنه قد يطول أحدهما وقد يقصر في الآخر، فإن طول في السحور فقد أفطر الناس وإن قصر في الفطر واستعجل فإنه يفطر الناس قبل الوقت، والضابط أن كل بلد يعتبر بمغيب الشمس، وعلى الإخوة أن ينظروا إلى غروب الشمس فهو الضابط المعتبر أو تكون هناك تقاويم مضبوطة من أهل الخبرة، أما مسألة إذا سكت أذان مكة أو بلغ حيَّ على الصلاة أو حيَّ على الفلاح، كل هذا لا أصل له، ولذلك لا بد من ضبط هذه المواقيت ضبطاً دقيقاً، ومن هنا وصف المؤذن بالمؤتمن كما في حديث أبي هريرة في السنن: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن) هذه أمانة.

    وأما مسألة فطر الناس على هذا الأذان فالذي يلزمهم قضاء هذا اليوم الذي أفطروا فيه قبل الوقت بخمس دقائق، والله تعالى أعلم.

    وقضية وضع التقاويم، إنما هي من عمل الفلكيين الذين لهم خبرة في درجات المدن، أما أن يطلق القول في هذا فلا. فالمسائل الطبية تتوقف على الأطباء، والمسائل التي ترجع إلى أعمال الناس ومعاشهم وأعراف التجار يبدع فيها التجار، هذه الأمور تضبط بضوابطها، ويكون المفتي يقعد القاعدة.

    المفتي يقول: العبرة في غروب الشمس، لكن أن ننظر إلى انتهاء أذان مدينة كذا، فهذا شيء باطل؛ لأنه من المعلوم أن الأذان قد يطول وقد يقصر، فحينما يقول: أشهد أن محمداً رسول اللــه ويمد، ليس كالذي يقول: أشهد أن محمداً رسول الله ويحذف، فهذا الفرق قد يصل إلى دقائق، فإذا كان المد في السحور فسيتأخر سحور الناس إلى وقت مؤثر، وإذا كان قد استعجل في الفطور فإنه سيكون الأذان القادم قبل الوقت بنصف دقيقة أو بدقيقة.

    فأنا أقول: من الخطأ الرجوع إلى أذان المؤذنين، فهذا خطأ، ولابد أن يوضع مقدار بين لأهل جدة، ولا ينبغي عليهم أن يفطروا الناس على هذا الأذان، بل ينبغي عليهم أن يضبطوا الوقت، حتى لو قالوا: بعد ثلاث دقائق، فلا حرج إذا قال الخبراء والفلكيون أنه بعد ثلاث دقائق، يصير في هذه الحالة أن الأوقاف تلزم المؤذنين بوقت الغروب فلا يتقيدون لا بأذان ولا بغيره، بل يصبح مردهم إلى الوقت حتى لا يضروا بإفطار الناس وسحورهم، فيا حبذا لو ينبه المؤذنون على هذا، والأئمة -أيضاً- عليهم أن ينصحوا المؤذنين.

    اشتراط السجود على السبعة الأعضاء في سجود التلاوة

    السؤال: هل يشترط في سجود التلاوة السجود على الأعضاء السبعة؟

    الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث ابن عباس : (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء) وسجود التلاوة سجود.

    استحباب سجود التلاوة على طهارة

    السؤال: هل تشترط الطهارة لسجود التلاوة أو سجود الشكر؟

    الجواب: فضلاً لا فرضاً، يعني: الأفضل أن يكون متطهراً.

    شروط المسح على العمامة

    السؤال: ما شروط وكيفية المسح على العمامة؟

    الجواب: أولاً: أن تكون العمامة من عمائم المسلمين لا من عمائم أهل الذمة وهي -أي: عمامة أهل الذمة- العمامة المقطوعة التي لا ذؤابة لها، وعمامة المسلمين تكون لها ذؤابة، مثل هذه العمامة تعتبر من عمائم أهل السنة، وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت يصف الصحابة:

    إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبعُ

    يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا

    فوصفهم بقوله: إن الذوائب، فدل على أن العمائم كانت لها ذؤابة، وجاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف وأرسل عذبة بين كتفيه، وقال: هكذا فاعتم يا ابن عوف) وكانت عمامته لها عذبة.

    والشرط الثاني: أن تكون على غالب الرأس، أن تغطي ما جرت العادة بتغطيته، فلو أنه كشفها عن رأسه إلى النصف إلى ما فوق الربع فلا يصح المسح، فلقد حددها بعض العلماء، أما لو كشف عن الناصية، بقدر ثلاثة أصابع، فهذا لا حرج فيه؛ لأنه في حديث المغيرة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة) .

    الشرط الثالث: أن تكون طاهرة.

    أما القلنسوة إذا لف طرفيها وعقدها من مؤخرتها فتعتبر عمامة، ويجوز المسح عليها.

    حكم خلع العمامة بعد المسح عليها

    السؤال: إذا خلع شخص العمامة بعد المسح عليها، هل ينقض ذلك الوضوء أم لا؟

    الجواب: في المسألة تفصيل فإن كان خلعه قبل أن تجف الأعضاء التي قبل الرأس الممسوح وهي غسل الوجه واليدين، فإن كان الوقت الذي خلع فيه قد يبست فيه يداه يستأنف الوضوء، أما لو مسح ثم غسل رجليه ثم قال: لا أريد العمامة، ولا زالت أعضاؤه لم تجف، فيمسح على رأسه ويغسل رجليه ويجزيه.

    حكم المسح على الشماغات والغتر

    السؤال: هل يقاس بالمسح على العمامة المسح على الشماغ والغترة؟

    الجواب: لا، لا يقاس؛ لأنها لا تعتبر عمامة.

    نصائح للداعية إلى الله

    السؤال: بعض الشباب وفق لطلب العلم وربما أصبح داعية إلى الله، يعظ الناس في المجالس والمساجد، ونريد منكم أن تذكروا لنا الضوابط في المواضع التي يتكلم فيها الداعية لعامة الناس، وذلك لأنه وقع إشكال في استخدام ذلك؟

    الجواب: بالنسبة للمسائل الشرعية الفقهية المطروحة من العوام يعني حاصل السؤال أنه ربما يشوش على العامة، مثلاً: عندما يأتي ويفتح درساً ويكون فوق مستوى الناس فيحدث عندهم نوع من التشويش أو يحدث عندهم ارتباك في المسائل، فهذا لا يحبذ، بل تترك المسائل الدقيقة لمجالس طلاب العلم، أي: يجعل له درساً خاصاً بطلاب العلم الذين يفهمون، ويجعل للعوام درساً بالقدر الذي يناسب عقولهم، ولا شك أن تعليم أبناء المسلمين فيه خير كثير ويستوجب للعبد الرحمات والدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فيجعل للعوام بعد الفجر أو بعد صلاة العصر درساً يقوم فيه ألسنتهم بالفاتحة ثم ما بعد الفاتحة من قصار السور، ويتكلم عن آية أو آيتين في الآداب والأحكام يوجههم ويسددهم، هذا شيء طيب، فالناس بحاجة إلى ذلك، والقلوب تحتاج دائماً إلى من يذكرها، ولو لم يكن في الجلوس في مثل هذه المجالس إلا أن الله يرحم أهلها لكفى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الملائكة تقول: يا رب! فيهم فلان -عبد خطَّاء كثير الذنوب- جاء لحاجة معهم، قال: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) تأملوا في هذا الشخص الذي جلس مع الصالحين، ولم يكن جاء قاصداً المجلس، فكيف بمن قصد المجالس؟!

    ثم كيف بالعالم الداعية الذي تقوم عليه المجالس! فنسأل الله العظيم من فضله، لا شك أن هذا من بركة العلم، فالداعية أو الشاب الذي بمجرد أن يتفقه في الدين ثم ينشر علمه وينفع الناس ويبين لهم الحق فهذا يدل على أن فيه خيراً كثيراً.

    إذاً: من الصعب أن نضع الضابط المعين لما سبق، مثلاً: عندك بعض المساجد يكون أهلها في لهو الدنيا، كأصحاب الأعمال والمهن والحرف، فهؤلاء يختلف وعظهم باختلاف الشيء الذي تذكرهم به، والوقت الذي تذكرهم فيه، فمثل هؤلاء الذين يشتغلون أو أن عليهم ضغوطاً في الأعمال فتنفر وتسوء أخلاقهم بسبب ضغط الأعمال، فتأتيهم أنت بشيء من الدين لكي يقوي إيمانهم فتحسن معاملاتهم، فتربطهم بالله عز وجل من جهة أن الإنسان يبتلى في عمله ويكون العمل عليه شاقاً لكن الله يثيبه، وتذكرهم بأنهم قائمون على أولادهم وزوجاتهم فهم مأجورون عليهم، فتربطهم بالدين وتربطهم بالطاعة مع أنهم في حرف وأعمال يكونون في غفلة عن هذه النية، فيصبح الرجل ملتزماً بدين الله حتى في أثناء عمله، فتحيي في نفسه ارتباط بك والارتباط بالشرع. هذه الخطوة الأولى.

    الخطوة الثانية: بعد أن تعطيه هذه الطعمة وقد ارتبط بك تأتي له بالمرغبات من التذكير بالجنة وما عند الله من الرحمة، ثم بعد ذلك تأتي له بالمرهبات، أما الضابط والمقدار فهذا أمر يرجع إليك.

    وأقول: إن مدار الأمر على أعظمها وهو الإخلاص، فإنك إذا أخلصت لله عز وجل سيأتيك من التوفيق ما لم يخطر لك على بال، ولربما تخرج من الصلاة ثم تنتهي من الأذكار فتقف واعظاً دون أن يكون في نيتك الوقوف، لكن بمجرد أن تقف يفتح الله عليك بقول كلمة، فيهدي الله بها قوماً ظالمين، ويسعد بها أشقياء ومحرومون.

    فهذا من الأهمية بمكان أن يكون الإنسان صالح النية والمعاملة مع الله عز وجل، فأما أن نضع نحن الضوابط لذلك، فهذا صعب جداً، ولذلك أرى أن الأفضل أن يترك هذا لأحوال الناس، فإذا كان الإنسان مخلصاً لله عز وجل فإن الله سيفتح عليه.

    أذكر مسجدين كنت أصلي فيهما في أيام طلب العلم، فأما المسجد الأول: فكنت إذا أتيت إليه وأنا ليس بخاطري شيء وصليت مع أهله، فما إن أسلم إلا ونفسي تشتاق لوعظهم فيفتح الله عليَّ بكلام ما حضرته، ولكنه من الله سبحانه وتعالى، هؤلاء هم كبار في السن ومن البادية على فطرتهم، محبون للخير بشكل عجيب.

    وأما المسجد الآخر فلو أتيته وأنا محضر إذا بنفسي تستغلق، فلا أستطيع وعظهم؛ لأنهم مشغولون بالبيع والشراء وأهل دنيا، فكأنهم لا يدخلون المسجد إلا وهم يقادون بالسلاسل، فيصلون ويخرجون مباشرة، فسبحان الله! البون بينهم وبين أولئك شاسع.

    بعض الناس -مثلاً- قد يأتيك ويسألك مسألة في الفقه، وأنت تعلم منه الصدق والإخلاص وأنه يحبك ويجلك ويكرمك ويعظم العلم الذي تقوله، فتنشرح نفسك فتعطيه من العلم، وتحس أنك تأتيه بكل شاردة وواردة في المسألة، ويأتيك شخص -نسأل الله السلامة والعافية- غير ملتزم بالدين الالتزام المطلوب، أو يأتيك وهو معترض على السنة وعلى الوحي، سبحان الله العظيم! تريد أن تفتح فتجد الأمور كلها مغلقة في وجهك؛ لأنه ما هيأ نفسه بالإخلاص؛ لأن هناك ارتباط بين الواعظ والموعوظ، والمتكلم والسامع، والأمر مجرب، ولذلك نسأل الله أن يرحمنا برحمته.

    فوضع ضوابط شيء صعب، لكن أقول: الإخلاص، ثانياً: تحيُّن الفرص المناسبة، وهذا يرجع إلى ذكاء الإنسان، ثالثاً: الرفق، يعني: لماذا نقول: لا يطول الإنسان في صلاته ولا في خطبته؟ ليست القضية قضية أن الجمعة هذه يصلون معك في حدود ربع ساعة، لا. لكن القضية أنك إذا خطبت الخطبة الأولى -مثلاً- ربع ساعة والخطبة الثانية ربع ساعة والثالثة ربع ساعة وجئت يوماً وخطبت ساعة ونصف فلن تجد أحداً يقول لك: أطلت؛ لأن النفوس جبلت على أنك ترحمها وعلموا أنك رفيق بهم.

    فعندما تنظر إلى قضية أن هذا يختلف باختلاف الدعاة أمر مهم جداً، فإذا أوجدت عند الناس شعوراً في حب الخير والإقبال عليه سهل عليك أن تجد الأوقات المناسبة لوعظهم. والأخلاق الحميدة تفتح لك ما لم يخطر لك على بال، يعني: تصور الآن إماماً طليق الوجه للناس دائماً، فعندما يأتيه أفقر الناس يهش له ويبش كأغنى الناس، لا يوجد عنده تمييز بين الناس، فيراه الناس وهو طليق الوجه والجبين، وصفحة قلبه كوجهه، لا يغشهم بأن يكون في قلبه -والعياذ بالله- دخن، مثل هذا الشخص تكون دعوته مباركة، فأنت مثلاً -إن جئت للخطبة أو للموعظة- فمن حب الناس لك يأتيك المذنب لكي تنصحه، ويأتيك العاصي لكي تذكره، ما السبب؟ بفضل الله ثم بسبب أخلاقك، فصارت شخصية الداعية تعين على الدعوة وتعين على تهيئ الفرص المناسبة. فمعظم من يقع في الجرائم يأتي إلى المسجد منهاراً نفسياً، فلولا الله سبحانه وتعالى ثم إنه رأى من شخصية الإمام وما يسمع عنه وعن أخلاقه خيراً كثيراً لما أتى إليه.

    ولذلك حقيقة الضوابط ترجع إلى توفيق الله سبحانه وتعالى والإخلاص وكذلك شخصية الداعية، فهذا أمر مهم جداً، دائماً نحرص على قضية أنه يكون الإنسان رفيقاً ودوداً مع الناس حتى يستطيع أن يصل إلى قلوبهم، أما إذا كان الإمام جافاً مستعلياً وينظر الناس منه التناقض بين قوله وفعله، يرون إذا جاء الفقير لا يبالي به لكن إذا جاءه الغني أقبل عليه وسأل عنه وحيا به، فيرى الناس أنه ليس أهلاً لوعظهم ولا أهلاً لأن يرجعوا إليه.

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم) فلذلك الأمر مهم جداً.

    تحضير الخطب والمواعظ

    السؤال: هل يشترط في إلقاء المحاضرات أو المواعظ التحضير؟

    الجواب: هذا يختلف باختلاف الأشخاص،وينبغي لطالب العلم أن يكون علمه في صدره، وبعض العلم الذي يُلقى بدون تحضير قد يكون فيه من الفتح ما لم يكن في المحضر، فإن كان عنده أهلية وقدرة ووفقه الله عز وجل للأخذ بأسباب النجاح في الإلقاء فليتوكل على الله، أما إذا كان ضعيف الشخصية ولا يستطيع أن يتكلم إلا بتحضير فلا يتكلم بل يسكت؛ لأنه لا يأمن من التلعثم أمام الناس، فمن تعود على أن يعظ الناس من ورقة فلا يحرج نفسه ويحرج المقام الذي يقومه، فقد كان بعض العلماء والمشايخ إذا لم يحضر درسه لم يلقه؛ لأن الدرس يقوم على التحضير وقد تعوَّد هو على التحضير، وبعضهم يلقي بدون تحضير، فالبعض يكون مستحضراً متمكناً من علمه، والله تعالى يقول: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [النساء:162] وهذا يدل على أن أهل العلم منهم من يكون فيه رسوخ في العلم، والرسوخ في العلم أي: ثبات القدم فيه، ولا يكون ذلك إلا بتوفيق الله عز وجل ثم سعة العلم حتى يكون به على بصيرة، أشار الله إلى هذا المعنى بقوله: قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي [الأنعام:57] .

    ترك البكاء أثناء وعظ الناس خشية الرياء

    السؤال: ماذا تقولون فيمن يترك البكاء أمام الناس حين يعظهم خشية الإصابة بالرياء والعجب؟

    الجواب: هذا عمر بن عبد العزيز خطب فأبكى الناس ثم قعد، خاف على نفسه الرياء، هذا يختلف بعض الناس يقوى خوفه من الله جل وعلا، حتى إنه يخاف أن يبكي أمام الناس، بل بعضهم لا يعظ الناس حتى يعرض موعظته على نفسه، فمنهم من يبكي بينه وبين نفسه أكثر من بكائه أمام الناس، فيجعل الله أثر محاضرته وموعظته وكلامه وخطبته بعد سماع الناس لها أكثر مما لو بكى فيها؛ لأنه لو بكى ربما دخله الرياء والعجب.

    ولذلك الله الله في المعاملة مع الله: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا [الأنفال:70] يعني: إن يعلم الإخلاص، والإنسان إذا تكلم والجنة والنار بين عينيه لا شك أنه يقول ويبلغ ويجعل الله لكلامه القبول، وهذا الشيء بيد الله جل جلاله، فهو المطلع على الخفيات وعلى النيات وهو الأعلم بالسرائر وبما تكن الضمائر.

    فالإنسان إذا خاف الرياء، نعم، لكن هناك أناس رزقهم الله قوة الإيمان، حتى لو بكى أمام الناس لا يبالي بهم، بل قد يبلغ من نعم الله على العبد أنه يدخل في المسجد وهو مليء بالناس كأنه جالس مع أخيه، لا يبالي بكثرة الناس أمامه ولا يلتفت لذلك، وهذا من كمال إخلاصه لله جل جلاله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755949836