إسلام ويب

من أخلاق المؤمناتللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله إذا أراد أن يتم نعمته وأن يكمل منته على عبده، كلله بالأخلاق الفاضلة، وزينه بالخلال الحميدة الجليلة التي طبع عليها أهل الإيمان؛ لذلك وجه الشيخ الفاضل حديثه في هذه المادة إلى النساء، حاضاً لهن على التمسك بأخلاق المؤمنات، حتى يكن خير خلف لخير سلف.

    1.   

    مكانة الأخلاق في الإسلام

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

    أخواتي المسلمات: أحمد الله تبارك وتعالى أن جمعنا بكن في هذا المجمع المبارك، وأسأله جل جلاله أن يجعل الكلمات خالصة لوجهه الكريم، نافعة يوم لقائه العظيم، وأشكر بعد شكر الله عز وجل اللجنة النسائية بالندوة العالمية على تفضلها بالدعوة إلى هذه الكلمات، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشكر مسعاكن، وأن يعظم في الآخرة أجوركن.

    أخواتي المسلمات: كم هي نعمة من الله عز وجل عظيمة، ومنة من الله تبارك وتعالى جليلة، تلك النعمة التي أقبلت فيها أمة الله إلى الله، وأقبلت فيها على الله وأنابت إلى طاعة الله، أي ساعة تلك الساعة التي أنابت فيها القلوب إلى الله؟ أي ساعة تلك الساعة التي لبت فيها داعي الله واستجابت فيها لأوامر الله؟ تلك الساعة التي انبعثت فيها النفس اللوامة، وثارت في النفوس أشجان وأحزان تذكرها؛ فاستيقظت من منامها وانتبهت من غفلتها وأنابت إلى ربها، ما أعظمها من ساعة!

    لكن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يتمم نعمته وأن يكمل منته تممها بالأخلاق الفاضلة، وزينها بالأخلاق الحميدة الجليلة التي طبع الله عليها أهل الإيمان، فأهل الإيمان هم أهل الخصال الحميدة والخلال الكريمة المجيدة، إنها الأخلاق التي طالما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي ربه يناجيه ويناديه، يسأله أن يهديه لأحسنها، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما قام في الليل يناجي ربه قال في دعائه: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، وأنا عبدك ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني شرها وسيئها فإنه لا يصرف عني شرها وسيئها إلا أنت).

    فسأله أن يهدي قلبه إليها وأن يدله عليها، وأن يكون هاديه إليها، سأله أن يرزقه كريم الخصال وجميل الخلال حتى يكون قريباً من الكريم المتعال، وهل نزل الكتاب ونزلت السنة على نبي هذه الأمة إلا لكي تتمم من الأخلاق مكارمها، ولكي تزان خلالها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما روى أحمد في مسنده ، كان يقول: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

    فلما أنزل الله تبارك وتعالى على النبي الكتاب، ودله على هذا المنهج الكريم من مناهج الصواب، تمم الله عز وجل بجميع ذلك الأخلاق وجملها وزينها، فتمت نعمة الله عز وجل على البشرية بالدلالة والهداية إليها، لذلك كان من أجلّ نعم الله عز وجل على المؤمن والمؤمنة أن يزينه ويجمّله بالأخلاق الفاضلة.

    والمؤمنة إذا أضافت إلى إيمانها جمال قولها وحسن فعالها ازدانت عند بارئها وارتفعت عند الله درجتها، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أكرم بالأخلاق الفاضلة فالله تبارك وتعالى يبلغه الدرجات العالية، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم).

    فكم من مؤمنة بالله زينها الله عز وجل وجملها بالأخلاق، أدركت بكريم أخلاقها وجميل خصالها وجليل خلالها رحمة ربها، ففازت بعظيم الدرجات، وفازت بجميل الحسنات.

    1.   

    جملة من خصال المؤمنات

    لذلك أختي المسلمة خير ما يضاف إلى الإيمان وخير ما يزين به الإحسان أن تكون المؤمنة ملتزمة بدين الله عز وجل .. بأخلاقه وآدابه، أن تتأدب بتلك الآداب التي دعا الله إليها، وحبب القلوب فيها، فكم أنزل الله عز وجل في كتابه من آيات تدل المؤمنة على رحمة الله عز وجل وعظيم فضله، حتى أدب الله عز وجل بكتابه المؤمنة، وهي ترفع القدم وتضع الأخرى في مسيرها: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] وأدبها وهي تخاطب الرجال الأجانب: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].

    كم وقفت آيات الكتاب أمام هذه الجوهرة المكنونة والدرة المصونة؛ حتى تحفظ بهاءها، وتصون بالأخلاق جمالها وجلالها، فيالله من شريعة كمل الله بها أخلاق المؤمنات، وهداهن بها إلى كريم الخصال الموجبة لمحبة فاطر الكائنات.

    لذلك أيتها المؤمنة: خير ما يعنى به بعد الإيمان، تحقيق الإيمان بالأخلاق الكريمة، والالتزام بآداب الإسلام، حينما تلقي المؤمنة على نفسها لباس الحياء، وتكتسي بكساء التقوى، وتسير في طريق يوجب من الله الحب والرضا وتستمسك من الدين بعروته الوثقى.

    الاستجابة الصادقة لأوامر الكتاب والسنة

    الخصلة الأولى: أول هذه الخصال وأحبها إلى الكريم المتعال، خصلة تعلقت بسويداء قلب المؤمنة، خصلة دخلت إلى أعماق قلبها لا يعلمها إلا الله، تلك الخصلة التي تحقق بها إيمانها وتصدق بها التزامها بشريعة ربها، إنها الاستجابة الصادقة لأوامر الكتاب والسنة، فأعظم أخلاق المؤمنين والمؤمنات وأحبها إلى الله عز وجل: الاستجابة الكاملة للكتاب والسنة، فمفتاح الخير كله في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    ولقد شهد الله عز وجل في كتابه أن من أطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم فقد فاز فوزاً عظيماً، فقال سبحانه يهذب من المؤمن والمؤمنة أخلاقهم في الاستجابة للكتاب والسنة: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [النساء:66-68] فإن أحببت من الله عز وجل الحب والرضا، يكون ذلك موجباً لكِ للتمسك بالعروة الوثقى؛ فخذي أوامر الكتاب، وسيري على منهجه لكي تهتدي إلى السنة والصواب، خذي بأوامر الدين وعضي عليها بالنواجذ دون تكذيب ولا ميل، خذي بأوامر الكتاب كما أخذته الفاضلات من الصحابيات الجليلات.

    أختاه: إن مقامك عند الله على قدر العمل بالكتاب والسنة، فإن الله لا ينظر إلى الأنساب والأحساب والجمال والكمال، ولكن ينظر إلى ذلك القلب الذي أقبلت به عليه، أن تسكنيه الاستجابة الصادقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ما أكملها وأجلها وأحبها لله من مؤمنة إذا قيل لها قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت بلسان الحال والمقال: سمعت وأطعت غفرانك ربنا وإليك المصير.

    أختاه: حققي هذا الإيمان وحققي الالتزام بدين الرحمن، حينما تكوني أصدق المؤمنات استجابة للكتاب والسنة، واعلمي أن الله تبارك وتعالى سيسألك عن هذا الدين وعن هذا الكتاب وعن سنة سيد المرسلين، فأيما آية بلغتك فإنما هي حجة لكِ أو عليكِ، واعلمي أن الله تبارك وتعالى سيجعل هذا الكتاب بينك وبينه، فإن استجابت المرأة لمنهج ربها وأحبته والتزمته واتبعته؛ كتب الله لها السعادة، وتأذن لها بالفضل والزيادة.

    واعلمي أن الله تبارك وتعالى لا يغرس الاستجابة في قلب إلا أحب قالبه، فأحبي أوامر الدين، وخذيها دون تكذيب ولا ميل.

    ومن الاستجابة لأوامر الكتاب والسنة: فعل فرائض الله، وترك محارمه، وعفة الأقوال والأفعال، فبعد هذه الاستجابة الكريمة تظهر على المؤمنة في أقوالها وأفعالها وخصالها وآدابها آثار الاستجابة لربها.

    أختي المسلمة: إن هذه الاستجابة تظهر في الجوارح حينما تكون المؤمنة أكمل المؤمنات أخلاقاً في الأقوال والأفعال، تظهر هذه الاستجابة الصادقة في قلب عفيف عن الحسد والبغضاء، والسوء والشحناء، والظن بالمؤمنين والمؤمنات بما يوجب غضب الله عز وجل وعدم مرضاته، فحققي هذه الاستجابة بسلامة القلب والقالب، فإذا أرادت المؤمنة أن تحقق التزامها بالآداب الفاضلة، فإن أول ما يظهر الأثر على لسانها الصادق، وقالبها المحقق لطاعة ربها جل وعلا.

    الخصلة الثانية: أختي المسلمة: إن في المؤمنة آداباً يحبها الله، وأخلاقاً توجب الرضا من الله، هذه الآداب وهذه الأخلاق الكريمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبب أصحابه فيها من أعظمها بعد الاستجابة ومن أهم ما يدعو إليها: أن تكون المؤمنة عفيفة في ظاهرها وباطنها، العفاف الذي يكون به الخير للمؤمنة في دينها ودنياها وآخرتها، فما كانت امرأة عفيفة إلا أقر الله عينها بالعفاف، كوني عفيفة في القول والعمل والقلب والقالب.

    ومن عفة اللسان: صونه عن أذية المسلمين، والتقرب به بذكر إله الأولين والآخرين، ولذلك قال العلماء: إن للسان خصلتين حبيبتين إلى الله، الخصلة الأولى: عفته عن أذية العباد، والخصلة الثانية: حرصه على ذكر رب العباد.

    أما الخصلة الأولى: أن تسلمي من أن تؤذي مؤمنة بهذا اللسان، فهو عضو صغير لكنه عظيم خطير، فكم أورد صاحبه المهالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له معاذ: أو مؤاخذون بما نقول؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).

    كم أمست المؤمنة وقد اشترت رحمة ومرضاة الله بلسانها، ذلك اللسان العفيف عن أعراض المسلمين، والبريء عن أذية المؤمنين، ذلك اللسان المسخر في ذكر إله الأولين والآخرين، استخدمي هذا اللسان في محبة الله، واستكثري به من ذكر الله تفوزين برحمة الله.

    وإن من الآفات التي قد تتخلق بها بعض المؤمنات والمسلمات: كثرة وفضول الحديث فيما لا يرضي الله عز وجل، ولو كان من المباح، فإن العلماء رحمهم الله قالوا: إن استرسال اللسان في الأمور المباحة، قد يفضي به إلى الوقوع في الحرام.

    فصوني اللسان واحفظيه عن أذية بني الإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المسلم الصادق في إسلامه بقوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فليسلم المسلمون من لسانك، إياكِ والغيبة والنميمة! وإياكِ وكلمة تؤذي بها مؤمنة بالله عز وجل! صوني اللسان واحفظيه، فإنه خير لك في الدين والدنيا والآخرة.

    وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يمسك بلسان نفسه، ويقول: [هذا الذي أوردني الموارد].

    الحلم زين والسكوت سلامـة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا

    فإذا ندمت على سكوتك مرة فلتندمنّ على الكلام مرارا

    فمن جمال المؤمنة طول صمتها عما لا خير فيه من كلامها، فمن دليل كمال عقل المرأة، وحسن استقامتها وإيمانها أن تكثر الصمت مع حسن السمت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم الآفات التي تكون من اللسان والزلات، فأخبر أنه قد ينتهي بالمؤمنة إلى النار، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قام يوم العيد فذكر النساء بالله، ولما أخبر ما أعد الله عز وجل من عقوبته بالنار، سألته امرأة فقالت: ولم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) فإياكِ وكثرة السباب، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).

    فمن أخلاق المؤمنة طول صمتها، ولا يعني هذا كثرة السكوت، وإنما المراد أن تصان الألسن عما لا يرضي الله عز وجل، فإذا حفظت اللسان كان ذلك اللسان نعمة لك لا عليك.

    حفظ السمع والبصر

    الخصلة الثالثة من الخصال التي ينبغي للمؤمنة أن تتحلى وتتجمل بها: أن تحفظ السمع والبصر، فقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه أن السمع والبصر محل السؤال، فقال جل جلاله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] صوني السمع وما حوى وما أصغى، والبصر وما رأى، فقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر المؤمنات بآيات؛ فقال جل ذكره وتقدست أسماؤه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] قل يا محمد! قل يا نبي الأمة! قل يا من أرسلك الله رحمة للعالمين! قل للمؤمنات تلك الفئة المباركة التي صدقت والتزمت وآمنت وحققت، ليس لسائر النساء ولكن للمؤمنات، فلا تحفظ البصر كمال الحفظ إلا مؤمنة تخاف من الله، وتخاف من نظرة ترديها وتشقيها، فكم نظرة أورثت شهوة، وكم شهوة أورثت حزناً طويلا، ولله در القائل:

    كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

    كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتكت السهام بل قوس ولا وتر

    والمرء مادام ذا عين يقلبها في أعين الغيد محفوفاً على خطر

    يسر مقتله ما ضر مهجته لا خير في سرور قد جاء بالضرر

    لا خير في نظرة أتبعت شهوة، ولا خير في شهوة أتبعت فكرة، ولا في فكرة أتبعت عذاباً طويلاً.

    فالله الله في هذا البصر! فإن الله تبارك وتعالى سيسأل عن النظر فيما بذل، أفي محبته أم فيما لا يرضيه؟ فاتقِ الله في هذا البصر، فإياكِ والنظرة المسمومة، والنظرة الآثمة المحمومة، فإن للنظر عذاباً، ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رحمة الله للمؤمن والمؤمنة التي صانت بصرها وحفظت نظرها، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل العيون دامعة أو باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله).

    فإن أحببتِ ألا تكون عينك باكية يوم القيامة دامعة شاكية فصونيها عما لا يحل النظر إليه، إن المؤمنة الفاضلة التي زينها الله بالأخلاق الكاملة لا يعدو بصرها موضع قدمها، ولذلك كانوا يقولون: إن المرأة العفيفة الحرة لو ضربت على رأسها ما التفتت ولا نظرت من ضربها.

    الحياء والخجل

    أما الخصلة الرابعة: التي يكون بها جميل الخصال والأخلاق للمؤمنة، وهي من أعظم الخصال وأحبها إلى الله عز وجل: إنها خصلة الحياء والخجل، الحياء الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه لا يأتي إلا بخير، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير).

    أختاه! إن الحياء نعمة وجمال من الله، فما أجمل المرأة إذا اكتست بحيائها، وتمت لها مروءتها، وأصبحت في عفة من حالها! ولذلك كن النساء المؤمنات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد كمل حياؤهن، ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الصحابي وصفه قال: [كان أشد حياءً من العذراء في خدرها] فكوني على هذه الخصلة الكريمة.

    يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء

    فإذا ذهب الحياء ذهب الخير الكثير، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) فمن الحياء البعد عن مواطن الريبة، ومخاطبة الرجال، وإذا وجدت الحاجة ألجمت المرأة بحيائها، وانكسرت من خجلها، وذلك كمال لها لا منقصة فيها، فاستديمي هذه الخصلة الكريمة.

    ومن الحياء: أن تكون المؤمنة حيية كريمة مع أحب الناس إليها، وأقرب الناس إليها وهم الوالدان، فلقد كانت نساء المؤمنين إلى عهد قريب لا تستطيع المرأة أن ترفع البصر في عين أبيها وأمها، وكانت البنت أشد ما تكون حياء من والديها، فمن نعم الله على المؤمنة أن يستتم حياؤها مع الوالدين، فذلك مما يحبه الله ويرضاه.

    ومن الحياء: الحياء مع الزوج والعشير، والأخ والقريب، والحياء في وسط النساء، وذلك بإظهار لبس يليق بالمرأة مما يدل على كامل مروءتها وكمال حيائها وخجلها، فلا تكون المؤمنة متتبعة للرخص التي تريق الماء من وجهها، البسي جلبابك وكوني على أكمل الحياء في ثيابك، وأعلمي أن الجمال كل الجمال في هذا الحياء الذي يظهر الله به الهيبة والجلال.

    التمسك بالآداب والأخلاق

    أما الخصلة الخامسة التي يكمل لله عز وجل بها أخلاق المؤمنة فهي: الأخلاق والآداب التي يحصل بها الخير للناس، فمنها: الجود والسخاء والبذل والعطاء، ولقد كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وموعظته للنساء أن قال: (تصدقن فإني أريتكن أكثر حطب جهنم، قلنَّ: ولِمَ يا رسول الله؟! قال: بكفركن للعشير) وفي الرواية الأخرى: (قلن: أيكفرن بالله؟ قال: لا. وإنما يكفرن العشير).

    فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسم طريق النجاة من تلك النار دعا نساء المؤمنين إلى الإنفاق والبذل والعطاء، كل ذلك كرماً منه وإشفاقاً، فقال: تصدقن، وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فمن كريم خِلال المؤمنة، ومن جميل خصالها كثرة الصدقات، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) ولو كان المبذول قليلاً، فإنه عند الله عظيماً جليلاً، أنفقي من المال، واعلمي أنك موعودة بالإخلاف من الكريم المتعال، أنفقي فلا شلت يمين بذلت، أعطي لوجه الله وليكن ذلك الإنفاق ابتغاء مرضاة الله وما عند الله.

    ولقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقات، وأخبر أنها من أسباب رحمة الله بالعباد، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

    أختي المسلمة! إن الآداب والأخلاق أمانة عظيمة ومسئولية جليلة، أول من يسأل عنها هم الوالدان، فإذا حملتِ تربية الأبناء والبنات فربيهم على طاعة الله، ونشئيهم على الأخلاق الموجبة للحب من الله، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ابتلي بشيء من هذه البنات، فأدبهن فأحسن تأديبهن، ورباهن فأحسن تربيتهن إلا كُنّ له ستراً من النار) فنشئي أبناء وبنات المسلمين على طاعة رب العالمين، وعلى كريم الخصال وجميل الخلال، وكما أنها مسئولية على الأبناء والأمهات، فإنه مسئولية على الداعيات والمربيات، فلتكن كل داعية قدوة حسنة في تعليمها وتوجيهها وتربيتها، فذلك من توفيق الله للمؤمنة.

    كم غرس في قلوب الطالبات من الخصال الكريمات حينما كانت المعلمات والمربيات على سمت ووقار، وحسن أدب وقرار، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتمم أخلاقنا، وأن يزين بها أقوالنا وأفعالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    صلاح الإنسان يدور مع صلاح حاله مع القرآن

    السؤال: صلاح الإنسان كما هو معلوم يدور مع صلاح حاله مع القرآن -هذا حسب رأيي- لكن أشعر بعجزي عن الاستفادة من القرآن، وأن أشعر وكأنه نزل مخاطباً لي، فما هي الوسيلة التي يتم بها صلاح الحال مع القرآن، وبالتالي يكون الإنسان ذاكراً للآخرة بشكل دائم؟

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فما ذكرته أختي المسلمة من كون صلاح أمَة الله موقوفاً على القرآن تدبراً وعملاً، وتفكراً وتطبيقاً، لاشك أنه هو عين الصواب، فإن المؤمنة صلاحها موقوف على القرآن، كما أن المؤمن صلاحه موقوف على القرآن.

    وأما ما ذكرته واشتكته من وجود الفرقة بينها وبين كتاب الله عز وجل، وإحساسها بأنه لا يؤثر في أقوالها وأفعالها فلعل ذلك لذنب بينها وبين الله عز وجل، ولذلك قال العلماء: إن الإنسان يحرم التوفيق في الطاعة على قدر معصيته لله عز وجل، فاستكثري من الاستغفار، وسؤال الله عز وجل أن يهبكِ القلب الحي الذي يتأثر بكلامه، وشرعه ونظامه، سليه فإنه كريم لا يرد سائله، وارجيه فإنه حليم رحيم لا يخيب راجيه، هذا الأمر الأول.

    أما الأمر الثاني: فما الذي يحول بينكِ وبين هذا الكلام الذي أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، أحسي وكأن القرآن يناديكِ، وأنكِ أنتِ المعنية بكل حرف فيه، وبكل كلام تقرئيه منه، أحسي أن هذا القرآن يناجيك، وأنه لرحمة الله يدعوك، فإذا وجد هذا الشعور، وكان هذا الإحساس منكِ فإنه سرعان ما يؤثر فيك، فأحسي أن كتاب الله يدعوكِ، وأن كلام الله موجه إليك، فذلك من أعظم الأسباب التي تقودكِ للعمل بما فيه، والله تعالى أعلم.

    علاج ظاهرة الفتور في حياة المرأة الداعية

    السؤال: نحن إن شاء الله داعيات إلى الله، ونحاول مجاهدة النفس باستمرار، ولكن في بعض الأحيان نصاب بنوع من الفتور، والرجوع إلى الوراء في طريق العبادة والدعوة، فما نصيحتك لنا حتى نحاول الارتقاء إلى الأعلى، وعدم التخاذل والرجوع إلى الوراء جزاك الله خيراً؟

    الجواب: أولاً: أسأل الله العظيم أن يكثر من أمثالكن في طاعة الله عز وجل، فأحب المقامات وأشرف المراتب والولايات ذلك المقام الذي يقوم فيه العبد والأمة بتبليغ رسالة الله، والهداية إلى الله، وتحبيب القلوب في مرضاة الله، كما أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33].

    أختي المسلمة! أوصيكِ بأمر عظيم ينبغي لكل مؤمنة تقلدت الدعوة أن تتخلق به وهو: الصبر والتحمل، فإن هذا الفتور الذي تشتكين منه معشر الداعيات هو ابتلاء وامتحان من الله، ولكن صبر جميل، واستدمن ما أنتن فيه من الخير، فنعم العمل عملتن! ونعم القول قلتن! ونعم الدعوة دعوتن! فأحسنَّ الظن بالله.

    وأما ما ذكرتن من القهقرة والتأخر عن طاعة الله، فالله الله أن تكون المؤمنة يخالف قولها فعلها، فإن ذلك من أسباب المقت من الله، فاحرصي أختي الداعية إلى الله أن يتوافق القول مع العمل، وإذا شعرت بذلك الملل، فاسألي الله عز وجل العافية، وخذي بالأسباب، فلعل هناك ذنباً بينك وبين الله، والله تعالى أعلم.

    حكم لبس الملابس القصيرة والفاضحة

    السؤال: هناك ظاهرة شائعة في هذا الزمن في بعض الأفراح الإسلامية، حيث تأتي الكثير من النساء المدعوات بلباس قصير يصل إلى ما فوق الركبة، وقد يصل إلى نصف الفخذ دون حياء، علماً بأن هذه الظاهرة أصبحت شائعة جداً الآن، فنرجو النصيحة جزاك الله خيرا؟

    الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله المستعان! أما الذي ذكرته أختي السائلة من هذه الظاهرة فيعلم الله أننا كنا نتمنى ألا نعيش إلى زمان نسمع فيه مثل هذا، وأي زمان أشقى على المؤمنين إذا ذهب الحياء بين النساء، وأصبحت المرأة لا تستحي ولا تبالي أن تظهر مفاتنها أمام النساء، وأي بلاء وأي شقاء إذا تربت بناتنا من الصغر على هذا، فرأين النساء الكبيرات، ورأين منهن قدوة في المجتمع يلبسن القصير، أو يلبسن ذلك اللباس المثير، إنا لله وإنا إليه راجعون من موت القلوب، ومن عدم الحياء من الله علام الغيوب، فلقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة عمن يخلو لوحده عرياناً فقال جواباً لمن سأله: (الله أحق أن تستحي منه).

    فإذا كان الإنسان في خلوته لا يستطيع أن يتعاطى بعض الأمور حياءً من الله فكيف بين الناس؟ فلذلك كان من البلاء العظيم أن نسمع هذه الأمور في مجتمعات المسلمين.

    إن المرأة التي تكشف عن ساقيها، وتبدي فخذيها امرأة ناقصة العقل والشعور، وقد تحطمت الآداب في صميم قلبها، ولو كان عندها مسكة من العقل لما اختارت لنفسها أن تبدي المفاتن بين النساء، ما الذي تريده من النساء حينما تبدي بياض بشرتها، وجمال ساقيها؟ ما الذي تريده من النساء غير إثارتهن للمفاتن، وتذكيرهن بهذه المحن، وإيجاد القدوة السيئة في هذه المجتمعات الكريمة؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    أما الوصية: فإني أوصي الخيرات الصالحات أن يذكِّرن هذه النماذج السيئات، وأن يقفن حجر عثرة أمام نشر هذه النماذج السيئة في المجتمع، فإذا رأت المؤمنة من تخلقت بهذه الأخلاق فلتذكرها بالله، فلعل قلبها أن يحيا من بعد موات، ولعله أن يستفيق من بعد منام، ذكروهن بالله وانصحوهن، وخذوا على أيديهن، وكذلك ذكِّروا بنات المجتمع بأخطائهن، وذلك بنشر ما ينبغي نشره من الوعي بين النساء، وتنبيه البنات حتى لا يتشبهن بهن، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهديهن إلى سواء السبيل، وأن يسلِّم مجتمعات المسلمين من هذا البلاء والعناء، والله تعالى أعلم.

    حكم نتف الحواجب ولبس العباءات المطرزة

    السؤال: أرجو تنبيه أخواتي إلى عدم جواز نتف الحواجب، ولبس العباءات المطرزة بالذهب، والرقص في الحفلات؟

    الجواب: أما بالنسبة لنتف الحواجب فهو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ومن فُعل به، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصات والمتنمصات).

    وأما لبس العباءات المطرزة بالذهب فهذا لا يجوز، ولذلك بين العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز في لبس العباءة والملاءة أمور:

    الأمر الأول: أن تكون مطرزة، أو يكون فيها نقش ولو كان خالياً من الذهب؛ لأن هذه النقوش إذا رأيت جذبت الأنظار إليها، ثم جذبت الأنظار إلى من فيها، فحصلت الفتنة.

    الأمر الثاني الذي ينبغي أن تسلم منه العباءة هو: ضيقها.

    الأمر الثالث هو: أن لا تكون شفافة بحيث تصف ما وراءها.

    فلذلك ينبغي للمؤمنة أن تسلم من هذه الأمور، وأن تكون بعيدة من هذه الشرور، وتتقي الله في نظرات المؤمنين، وألا تكون داعية إلى النظر إليها بلبس هذه الملابس الفاتنة.

    وأما ما سألت عنه من لبس البناطيل أو القصير إلى الركبة، فقد سبق أنه خلاف المروءة، والمرأة التي تلبس القصير على ملأ من النساء تعتبر ساقطة المروءة، ومن سقطت مروءتها ردت شهادتها وسقطت عدالتها، والله تعالى أعلم.

    حكم الرقص للنساء وأخذ الأجرة على ضرب الدف

    السؤال: كثر في هذا الزمان الرقص في الأعراس الإسلامية، وقيل: إن الدف في الأعراس الإسلامية مقابل قليل من المال لا يجوز، فما حكم ذلك؟

    الجواب: أما بالنسبة للرقص فما كان منه مشابهاً للرقصات الغربية الوافدة فهذا مجمع على تحريمه لمشابهة الكافرات، وأما بالنسبة للرقص فأصح أقوال العلماء رحمهم الله المنع منه، ولذلك قال بعض العلماء في دليل تحريمه وقد استدلوا بقوله تعالى: ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ [غافر:75] قالوا: إن المرح هو الرقص، ولذلك قالوا: إن المرأة إذا رقصت هزت أكتافها، وأبانت شيئاً من سوءاتها، فكان ذلك فتنة لمن نظر إليها ولو كانت امرأة مثلها، كما أن الرجل يفتن بالرجل كذلك المرأة تفتن بالمرأة.

    ثم هو ليس من كريم الخصال، ولا من جميل الخلال، وإنما هو على العكس من ذلك، ولذلك نهى العلماء رحمهم الله عنه، وأفتى طائفة من أهل العلم رحمهم الله بتحريمه.

    وأما ما سئل عنه من الدف فإن الدف جائز ومشروع، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف).

    أما ما سألت من أخذ الأجرة على الدف فإنه جائز ومشروع، ولا حرج في الإجارة على ضرب الدف؛ لأن أهل العلم رحمهم الله أجمعوا على أنه يجوز الاستئجار للمنفعة المباحة، وحيث إن ضرب الدف مباح في الزواج فلا حرج من أخذ الأجرة عليه، لكن إذا كان ذلك على وجه المبالغة، ويتكلف صاحبه أجراً كثيراً، فإن فيه سفه، ويعتبر ممنوعاً إذا كان زائداً عن حده، وتحريمه عند الزيادة عن حده لا يوجب تحريم أصله، كما لو اشترى الإنسان طعاماً أكثر من حقه فإنه سفه، والله تعالى أعلم.

    حكم زواج المرأة المسلمة بالكافر

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتزوج من رجل غير مسلم؟ وأرجو أن تدلها على تعلم القرآن وغيره من الأمور النافعة؟

    الجواب: أولاً: أهنئ هذه السائلة برحمة الله عز وجل لها بالإسلام، وأسأل الله العظيم مقلب القلوب أن يثبت قلبها على طاعته، وأن يثبته على سبيل محبته ومرضاته، وأما ما سألت عنه أن كونها تريد الزواج بالكافر، فإن الكافرة إذا أسلمت وزوجها على الكفر فسخ النكاح بينهما، ولا يجوز بقاءها تحت عصمة الكافر، قال الله تعالى: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221] فلا يجوز تزويج المرأة المسلمة من الكافر بل ينفسخ العقد بإسلامها، ولا ترد إلى ذلك الكافر: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].

    على خلاف الزواج من الكافرة، فإن الرجل إذا تزوج الكافرة علا عليها، وقد يكون ذلك سبباً في إسلامها، فالمقصود أنه لا يجوز بقاء المسلمة عند الكافر، وإنما تطلق منه طلقة بائنة بإسلامها وتبين منه.

    وأما ما سألته من معرفتها بالقرآن وتعلمها له بالطريقة الصحيحة، فإن هذا أمر ينبغي الأخذ بأسبابه، وذلك بالرجوع إلى بعض الكتب أو المؤلفات، وإذا تيسر الاتصال ببعض الإدارات الدينية كمكتب التوعية في جدة، فلعلها أن تجد بعض الرسائل القيمة، والله تعالى أعلم.

    حكم مشاهدة أفلام الكرتون للأطفال مع وجود الموسيقى

    السؤال: هل نأثم إذا تفرج الأطفال إلى أفلام الكرتون مع العلم أن بها موسيقى؟

    الجواب: أما الموسيقى فهي محرمة، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي في آخر الزمان أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف والقيان، ما هم بمؤمنين، ما هم بمؤمنين) فلا يجوز ترك أبناء المسلمين وبناتهم يستمعون إلى الغناء أياً كان، وأما بالنسبة إذا سلم المنظور أو المسموع من ذلك فلا حرج، لكن هذه الأفلام -بنقل الثقات- وجد أنها تشتمل على ما يهدم العقيدة، ويفسد الأخلاق، ويربي الطفل على الشرور والإجرام، فهي محرمة لما فيها من ذلك الفساد العظيم والبلاء الجسيم، والله تعالى أعلم.

    ظاهرة انتشار العنوسة في المجتمعات

    السؤال: انتشرت العنوسة في المجتمعات، والمشايخ جزاهم الله خيراً ذكروا أسباب هذه الظاهرة، ومنها: غلاء المهور، ومواصلة التعليم، ولكن ثمة أسباب غفل كثير من المشايخ عنها وهي: أن الآباء هم أيضاً سبب في هذه العنوسة، فأكثر الفتيات يتقدم إليهن شباب ملتزمون، ومن عائلات محترمة محافظة، ولكن الآباء يواجهون ذلك بالرفض، وذلك لأنهم يريدون أن يكون هذا الزوج من القبيلة، فهذه عادات وتقاليد موروثة من الآباء أو يكون سعودي الأصل، والرسول صلى الله عليه وسلم كما تعلمون يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) فهل من نصيحة لعل الآباء يسمعون، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أما هذه المسألة ففي الحقيقة قد كثرة الشكوى منها، ولقد وصلني عدد من الرسائل من النساء المؤمنات، ويعلم الله الذي لا إله إلا هو أنني لم أستطع إكمال بعضها من البكاء، لما فيها من الأشجان والأحزان والأمور المروعة والمؤسفة، وهذه من المظالم التي بلي بها كثير من النساء المؤمنات، سواء في الأسباب التي ذكرتها أو غيرها من الأمور التافهة، كالنظر إلى غنى الزوج وثرائه، وعلو مرتبته ومنصبه، فهذه كلها من المآسي التي بلي بها المجتمع في هذا الزمان، وذلك لضعف الإيمان في قلوب كثير من الرجال.

    والقصص في هذه المآسي كثيرة، ولاشك أنها تعتبر ظاهرة ينبغي فيها عدة أمور:

    الأمر الأول: العناية بها من أهل العلم والفضل ووجهاء المجتمع، وأن يكون هناك توجيه للآباء بتزويج بناتهم من الأكفاء، وأداء هذه الأمانة والمسئولية على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

    إن موازين الإسلام ثابتة وأصوله بينة واضحة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الأمور التي تنكح لها المرأة ويزوج لها الرجل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

    فلا مانع أن تزوج المرأة من قريبها، وشيء حسن إذا كان ابن العم كفوءاً كريماً صاحب دين وخلق، أو كان القريب ابن الخال أو نحوه كفوءاً كريماً، وزوجاً صالحاً فلا حرج، والأقربون أولى بالمعروف، وينبغي للمرأة أن يتسع صدرها للقريب وأن تحبه وتكرمه، وأن تنظر إلى حقه في القرابة، ولكن الحرج كل الحرج أن يُضحى بالمرأة لإنسان لا دين له ولا أخلاق ولا مروءة ولا كفاءة، فهذا من الظلم الذي يحرمه الله عز وجل على العباد.

    ووالله ما من أب وولي يوقع موليته في إنسان ليس بكفء إلا حمل أوزارها، وسئل بين يدي الله عز وجل عن همومها وغمومها، وما اكتحلت عيناها السهر في هم ولا غم إلا كان شريكاً لها في ذلك الإثم كله.

    فلذلك ينبغي للآباء أن يتقوا الله عز وجل، ويخافوا الله عز وجل في هذه المسئولية العظيمة، والأمانة الجليلة، ونحن نقول: لا حرج من النظر إلى القريب الكفء، ولكن الحرج كل الحرج أن يزج بالنساء العفيفات الصالحات الطاهرات لمن لا خير فيه.

    الأمر الثاني والذي ينبغي أن يعمله كل من سئل عن امرأة: أنه لا مانع أن يمتنع من قريبها، ولكن يبحث عن كفء آخر لها، أما أن يبقي المرأة على عنوستها تراودها الأفكار، وتتعرض لمخالب الأشرار آناء الليل وأطراف النهار، فإنه سيبوء بغضب الله عز وجل الواحد القهار.

    هذه جريمة عظيمة، ومسئولية كبيرة، فينبغي لكل من حمل أمانة الأبناء والبنات أن يتقي الله عز وجل، وأن يزوج بنته وكريمته من الكفء.

    ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن على المسلمين بصلاح الأحوال إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755977470