إسلام ويب

الدعوة في موريتانيا رجال ومواقف [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدعوات المختلفة لعلماء موريتانيا لم تشهد وقتاً كانت آكد فيه من وقت مجيء المستعمر الكافر، عندما جاءت فرنسا بأساطيلها تجوب الأرض، وتريد استعمارها، وقد وقف بعض علماء موريتانيا في وجه المستعمر، والجهاد وحده هو الذي تكفل الله تعالى لمن قام به بالهداية.

    1.   

    دخول المستعمر الكافر بلاد موريتانيا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

    فإن ما ذكرناه سابقاً من الدعوات المختلفة لعلماء موريتانيا لم تشهد وقتاً كانت آكد فيه من وقت مجيء المستعمر الكافر، عندما جاءت فرنسا بأساطيلها تجوب الأرض، وتريد استعمارها في وقت وصفها فيها أحد العلماء في مقدمة كتاب له وهو عبد الله الأسيطي حيث قال:

    وجنادع الروم تجوس وراءنا الأغفال وروعاتها تبين الحواصل الأحبال

    وهذا وصف دقيق لجيوش الروم في بداية غزوها لهذه البلاد، وإقامتها لمؤسساتها، واستعمارها لهذه الأرض، فلما جاء المستعمر أراد أولاً أن يتصل بأمراء القبائل، فدعوا بعض الأمراء منهم: أحمد سالم اللألي والمحب الحبيب وغيره، فقالوا: نحن نريد أن تتفقوا معنا على الحماية، وعلى أن تكونوا خاضعين للدولة الفرنسية، ونحن نقيم بينكم العدل، ونحمي لكم دينكم، ونمنع أي فساد يقع، فقال: إني لا أجرؤ على هذا، أخاف أن يكفرني الزوايا، فقالوا: ومن يجرؤ عليه؟ قال: لا يجرؤ عليه إلا رجلان لا يستطيع الزوايا تكفيرهم، فأشار عليهم بالشيخ بابا بن الشيخ سديه ، والشيخ سعدبوه بن الشيخ محمد فاضل بن الشيخ بن مامي .

    فالتقى المستعمر بهذين الإمامين، فكان رأيهما قد اتفق على أن أي إصلاح يراد في هذه الأرض لا يمكن أن يتم تحت تلك الظروف وتلك الوضعية التي تشهد فيها القبائل إغارات بعضها على بعض، والظلم سافر بين الناس، وأيضاً قد تخلص الناس فيها من كل وسائل النظام، فلم يعد هناك رمز للنظام يمكن الالتفاف حوله.

    وكان الشيخ بابا بن الشيخ سديا من قبل هذا يريد أن يسعى لأجل لم شتات الناس، وإقامة دولة، ولكنه لم يستطع؛ لكثرة الحروب الأهلية، وكثرة الإغارات بين الناس، فاجتهد هذان الرجلان اجتهاداً قد يكون مصيباً، وقد يكون خاطئاً، وقد يكون وسطاً له حظ من الصواب، وله حظ من الخطأ، فاتفقا على أن يأذنا للمستعمر في دخول هذه البلاد، وشرطا عليه اثني عشر شرطاً، واتفقا على هذا، ومع ذلك كان جمهور العلماء مخالفين لهذين الرجلين، وأعلنوا الجهاد حتى من غير إمام، ومن غير أمير، ومن غير خليفة، فجاهدوا النصارى جهاداً مستميتاً، وسعوا لإيجاب الهجرة على الناس، وكان اختلافهم في ذلك خلافاً فقهياً مبنياً على القواعد، فالشيخ بابا بن الشيخ سديا وكذلك الشيخ سعدبوه يريان أن ارتكاب أخف الضررين والحرامين أولى، وأن التغيير والإصلاح الذي يريدانه لا يمكن أن يتم تحت الظروف العصرية، وأن المستعمر لا طاقة لهم بقتاله، وهم متفرقون متناحرون، وأنه إذا أقام لهم الهياكل استطاعوا أن يطردوه عن طريق السياسة والرأي، وذلك أن هذين الرجلين كانا قد اطلعا على أخبار الدول الأخرى، وكانت تصل إليهم الجرائد فيطلعان على أوضاع الناس، وعلى تشوف بعض الدول للحرية في ذلك الوقت، ورأيا أن المستعمر ليس له مستقبل في استعمار البلاد والبقاء فيها، أما غيرهما من العلماء فقد رأوا أن هذا المستعمر الكافر يجب جهاده بكل ما يملك أهل هذه البلاد من قوة، وأنه لا يمكن أن يصمد أمام قوة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    وقوف الشيخ محمد العاقب في وجه المستعمر

    ودعا إلى ذلك الشيخ بلعينين، وكذلك الشيخ محمد العاقب بن مايابي ، وقام الجهاد في سبيل الله تعالى، وهذا الجهاد وإن كانت عدته بسيطةً جداً، وكان عدد أهله قليلاً جداً، إلا أنه مع هذا وقف في وجه المستعمر وقفات عجيبة، وأنال الله تعالى به الذين سعوا إليه عزاً عجيباً، وهذا يدلنا على أن الرأي والصواب كان مع هؤلاء؛ ولذلك فإن محمد العاقب بن مايابي لما أرسل أرجوزته لأهل البلاد التي خضعت للمستعمر، أوجب فيها عليهم أحد أمرين: قال: أنتم بين قوي وضعيف، الضعيف تجب عليه الهجرة، والقوي يجب عليه الجهاد، ولا عذر لكم في غير هذين الأمرين، وهي التي يقول في مقدمتها: مني إلى من في حمى المكبل.

    والمكبل يقصد به في ذلك الوقت كابولاني ، وهو القائد النصراني في ذلك الوقت، يقول:

    مني إلى من في حمى المكبل من دربلٍ لما وراء العقل

    أعيذكم بالله من فضيحة الدنيا ومن رأيكم المفيل

    إلى أن يقول فيها في وصف النصارى يقول:

    خيبتهم لخوباً والكبت لكابتين والتكبيل للمكبل

    ودعاهم فيها للجهاد في سبيل الله، فقاموا بغارات شهدت توفيقاً عجيباً، وانتصروا فيها وغنموا، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي أخرجه أبو داود و أحمد في المسند، و الحاكم في المستدرك، و البيهقي وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، والمقصود بدينكم هنا: الذي يطلب منكم الرجوع إليه الجهاد في سبيل الله؛ لأنه لم يقل: إنهم تركوا إلا الجهاد في سبيل الله. قال: ( إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد )، انظروا إلى قوله: ( وتركتم الجهاد )، هذا هو الدين المتروك، ( سلط الله عليكم ذلاً، لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، معناه: حتى ترجعوا إلى الجهاد في سبيل الله.

    والجهاد وحده هو الذي تكفل الله تعالى لمن قام به بالهداية في آيتين من كتابه، فالله تعالى يقول في خواتيم سورة العنكبوت:

    وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ويقول في سورة محمد: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:4-6].

    فهذا ضمان من رب العزة والجلال القادر المقتدر على نصرة من جاهد في سبيله، وعلى هدايته إلى سواء الطريق.

    المهم انتصر الشيخ محمد .. بن الشيخ بلعينين على الإسباني والإنكليزي والفرنسيين في وقت واحد، ثلاث دول، انتصر عليها في عدوان ثلاثي يختلف عن العدوان الذي حصل في مصر، أي: اعتدوا عليه عدواناً ثلاثياً فانتصر عليهم، وطردهم من الرباط، ومن مراكش، ومن كثير من مدن المغرب، ثم إنهم كادوا له، فأخرجوا له بعض المغاربة الموالين للمستعمر، واستطاعوا التغلب على جيش الفاتحين، فخبت جذوة هذا الجهاد، وبقي علمه موضوعاً في الأرض ينتظر منكم معاشر المسلمين أن ترفعوه، ويناديكم صباح مساء: يا خيل الله اركبي.

    بعد هذا تغلب المستعمر على البلاد كلها، ونشر سطوته، ولم يزل أهل هذه البلاد يحاولون التخلص منه، والجهاد بكل ما يملكون، وبكل ما يستطيعون.

    انظروا إلى المغامرة الشريفة التي قام بها سيدي مولاي زين حينما قام بالمغامرة العجيبة، حيث رأى في النوم ليلة الجمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يقتل هذا النصراني الكافر، فقال: قد قامت علي الحجة، وليس لي عذر أمام الله تعالى، فالله أمرني بالجهاد في سبيله في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرني به في السنة الثابتة، وأمرني به في النوم من باب العاطفة، فإذاً لا بد أن أقوم بهذا العمل، فدعا ولده وابن عمه، وقام بهذه المحاولة الجريئة، وقتل هذا القائد النصراني الذي كان ابنه قد وطأ بفرسه على قبر صلاح الدين الأيوبي في سوريا، وقال: يا صلاح الدين ها نحن عدنا، فقتل سيدي مولاي زين ابنه انتصاراً لـصلاح الدين ، وإعلاء لكلمة الله تعالى، وإعزازاً لدينه، ولم يخسر سيدي مولاي زين أي شيء، بل نصره الله تعالى وأيده وأعز به الحق، ولم يخسر هو أي شيء، مع أن هذه المغامرة في ذلك الوقت كانت عزيزة جداً.

    وقفة البكار بن سويد في وجه المستعمر

    وكذلك البكار بن سويد أحمد الذي جاء المستعمر فدخل عليه تجانس وهو قد جاوز مائة سنة من عمره، وهو كبير السن، ومع ذلك لم يرد أبداً أن يتضعضع للعدو الكافر، بل قال: إنه لم يبق من عمري إلا ضلع حمار، وأنا أنذره لله تعالى، وأريد أن أموت في سبيل الله، فخالفه بعض أولاده، وبعض أقاربه فلم يعبأ بهم، وخرج في ثلة معه قليلة، ووقف في وجه المستعمر وقاتلهم حتى قتل شهيداً بعد أن زاد على المائة من السنوات.

    ولذلك تجدون أن بابا بن لما ترجم له في كتابه إمارتي ..... لم يرد إلا أن يبين للنصارى أن بكار لم يخسر شيئاً، فقال: فقتل بكار في هذا اليوم، وذلك ما كان يتمناه، ومعناه: أنه لم يخسر شيئاً، هو إنما يريد الشهادة في سبيل الله وقد نالها، فالنصارى لم يربحوا أي شيء، وبكار قد تجاوز المائة، وقد ذاق كل ما في الدنيا حتى يمكن أن يتمثل بقول قيس بن الخطيم :

    متى يأت هذا الموت لم تبق حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها

    ومع ذلك نال الشهادة في سبيل الله مقبلاً غير مدبر.

    مواقف لبعض العلماء في وجه المستعمر

    وكذلك أحمد بن محمد بن أحمد بن عيدة الذي قاتل المستعمر ووقف في وجهه، وأراد ألا تبقى الإمارة في ولاية أدراد إمارة روتينية، بل رتب مجلساً من الأعيان جعلهم أهل الشورى، وجعل فيهم بعض العلماء، وكان يستشيرهم في كل الأمور، ولذلك بسط العدل بين الناس، ونصره الله تعالى بالعدل، حتى إن أحد الشعراء يقول فيه من الشعر الشعبي، يقول:

    من عافيتك من لمحمد ولا أحمد ما .....

    حد الحد لا يعطي حد الحد في .....

    وغيره من الذين وقفوا هذه المواقف المشرفة كثير.

    وكذلك من العلماء الذين سعوا لتأليب الناس على هذا الأمر، ومنهم على سبيل المثال: عبد العزير بن شيخ محدر مامي الذي حين مر عليه ركب من أهل الشمال يقصدون جهة الجنوب، قال: ما بينكم وبين دخول الجنة إلا أن تخرقكم رصاص النصارى، وموعدي وموعدكم تحت ساق العرش عندما تهبون أرواحكم لله تعالى، فخرجوا فجاهدوا يوم متوسي هنا شمال نحو مائة كيلو، فجاهدوا فانهزم أمامهم المستعمر، وتركوا وراءهم ثلاثين قتيلاً، وخرجوا يجرون خسائرهم على آثارهم، ولم يقتل من المجاهدين إلا سبعة.

    ويحدثني بعض كبار السن أنه جاء بعد المعركة بأيام، فوجد الذين قتلوا مع النصارى قد تغيرت أجسادهم، وتغيرت ألوانهم، فأصبحوا كلهم سوداً، حالكي السواد، والمجاهدون السبعة الذين قتلوا وجدهم كهيئتهم، يقول: كأنهم نيام يغطون في نوم هادئ.

    وكذلك الذين قاموا مع أحمد بن زيد في مدوشيشي وهو قريب، هنا في الجنوب، أيضاً جاهدوا المستعمر فانتصروا عليه نصراً عزيزاً، فـأحمد يقول للثلة الذين معه، وهم قلة، يقول: هذا البحر المحيط وراءكم، وهذه قبعات النصارى أمامكم، فإذا لم تنجكم أفواه بندقياتكم فإنه لن ينجيكم الهروب، فهذه الكلمة التي قالها أحمد بن زيد في ذلك اليوم كان لها أثر بالغ في انتصاره على النصارى، وهزيمتهم، فهزم الله النصارى ورجعوا أيضاً على آثارهم يجرون الخسائر، ونجا أحمد ومن كان معه، ولم يقتل منهم إلا رجل واحد، وكسر كعب رجل واحد من المجاهدين.

    وهكذا سنة الله تعالى وعادته في خلقه أن كل من أراد إعلاء كلمته وإعزاز دينه من المجاهدين في سبيل الله ينصره الله تعالى ويثبته إذا علم منه الإخلاص في قلبه، ولو كانت عدته وعدده لا يمكن أن يساوي في الميزان المادي شيئاً في مقابل عدة وعدد العدو.

    ما فعل المستعمر في بلاد موريتانيا وبعض المحاولات لاستعادة الحكم الإسلامي

    جاء الاستعمار فبسط نفوذه، وبدأ في اختيار نخبة من أولاد الناس يعلمهم في مدارسه، ويربيهم على الانبهار بالحضارة الغربية، فجاءوا وقد انسلخوا مما كان عليه هذا المجتمع، ومما تربى عليه أسلافهم، وهم الذين رأيتموهم، وتلقونهم، وتسمعون كلامهم، وما زالوا بين ظهرانيكم، والناس يسمونهم: النخبة، والنخبة من انتخبهم المستعمر الكافر، فهو الذي انتخب هؤلاء، وهو الذي رباهم على غير ما كان عليه أسلافنا، وعلى غير ديننا، وعلى غير حضارتنا، وانتخبهم لهذه المهمة.

    ولذلك لما خرج المستعمر قال أحد الحكماء من أهل هذه البلاد، قال: إن النصارى قد خرجوا ولكن المسلمين لم يأتوا، وهذه كلمة بليغة وهي الواقع، فالواقع أن الدولة النصرانية قد خرجت، ولكن الدولة الإسلامية لم تقم، فجاء هذا الاستقلال الذي يحتفل به الناس، ويخلدونه، وليس استقلالاً في الواقع؛ لأنه لم يعد فيه الناس إلى ما كان عليه أسلافهم، ولم يرجعوا إلى المحجة البيضاء التي تركهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد حصل بعض المحاولات، ففي السنة الثانية من الاستقلال اجتمع العلماء هنا في نواكشوط، واجتمع منهم في ذلك العصر أربعمائة وستون عالماً من مختلف أنحاء البلاد، يمثلون ولايات البلاد في ذلك الوقت، وعقدوا مؤتمراً هنا في هذا المكان، الذي يسمى بقصر العدالة القديم، الذي فيه اليوم وزارة العدل، وبنوا خياماً في هذا المكان اجتمعوا فيها، وترأس المؤتمر رجلان كانا يتناوبان رئاسته هما: الشيخ المحفوظ بن بيه ومحمد ولد محمد فال الملقب بـ .....

    فاجتمع العلماء ليعرض عليهم قانون هذه البلاد، وينظرون ما فيه مما يخالف الصواب فينفوه، فلما عرض عليهم القانون وقرئ عليهم، والرجل الذي قرأه عليهم مازال حياً إلى اليوم، وهو يشهد بهذه الشهادة، ولو سألتموه لأقر بهذا الشيء، قرأ عليهم هذا القانون فرفضوه جميعاً، وقالوا: لا يمكن أن نقبل هذا إلا أن نغيب في الأرض في قبورنا، ثار العلماء وخرجوا فاستقبلهم رئيس الدولة في ذلك الوقت، ووزير العدل، ووزير الداخلية، واسترضوهم، وقالوا: سنغير كل ما لا يرضيكم من هذا القانون، وسنقيم قانوناً إسلامياً صحيحاً، والموعد في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة.

    مضت سنوات ولم يجتمع العلماء، ولا زالوا يطالبون بتطبيق الشريعة، ولم تزل هذه المنابر كهذا المنبر وغيره من منابر هذه البلاد، تنادي في كل يوم جمعة، وفي كل مناسبة بتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، وتعلمون ما اتخذ من القرارات في هذا المجال، وما حصل فيه، حتى سعى بعض القضاة مشكوراً مأجوراً، وفقهم الله تعالى وثبتهم، سعوا من أجل إيجاد البديل، قالوا: إن الدولة تتذرع دائماً بأنه لا يوجد بديل للموازين القانونية التي قننها نابليون مثل القانون الفرنسي، فانتدب بعض العلماء من القضاة فوضعوا قانوناً كاملاً متكاملاً موافقاً للشرع، وقالوا: أنتم تعتذرون بهذا، فهذا القانون أصلح من قانونكم، وهو موافق لشرع الله تعالى، فأسكتوهم، وأقاموا عليهم الحجة.

    ثم اتخذ قرار تطبيق الشريعة، وإن كان في الأصل قراراً جزئياً؛ لأنه لم تفهم فيه الشريعة على هيئتها، ولكنه على الأقل مكسب للإسلام والمسلمين، وبه تخلص هذا الشعب من أعباء قانون وضعي فرض عليه لم يرضه، ولم يألفه، وكذلك تحقق بعض المكاسب في ذلك الوقت، بسبب عمل بعض العلماء الذين كانوا موظفين في الدولة، في بعض الوظائف الكبرى، سعوا من أجل طمس القانون الوضعي، وتكوين قانون شرعي، وتوحيد القضاء الإسلامي، وأيضاً من أجل تغيير بعض المظاهر مثل عطلة الأسبوع، جعلوها يوم الجمعة، حصلوا على بعض المكاسب من هذا القبيل.

    وما زال المسلمون يطالبون بهذا، وأذكر أننا في سنة ثمانين ميلادية خرجنا من هذا المسجد في مسيرة مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، يقودها بعض الدعاة المخلصين، الذين قد لقي بعضهم الرفيق الأعلى، وذهب إلى الله تعالى، نسأل الله أن يغفر له، وأن يتقبله، وما زال بعضهم ينتظر ذلك فما غيروا، وما بدلوا، وقد خرجنا من هذا المسجد، ومن مساجد أخرى مطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية في ذلك الوقت، وتلك المسيرة التي لعل كثيراً منكم قد شهدها، وخرج فيها، وما زالت أمثالها تخرج، ونسأل الله تعالى أن يعجل بتطبيق شرعه، وإقامة الخلافة الراشدة التي لا تخاف في الله لومة لائم.

    1.   

    بعض الإيجابيات في بلاد موريتانيا في عصرنا الحاضر

    إننا تكلمنا هنا في استعراض تاريخي عما مضى، وعسى أن تكون كثير من الأسماع قد ملت العرض التاريخي الذي يبتعد عن واقع الناس، وما يعيشونه، فعسى هنا أن تستمعوا إلى لحظات قليلة من نقد واقعكم الذي أنتم فيه، فلعل ذلك يكون متمماً لهذا العرض السابق.

    إن بلاد الإسلام كما ذكرت، كلها بلاد دين، والمسلمون كلهم رجال دين، وهذا الدين قامت به الحجة على كل من اقتنع به، والمسلمون جميعاً قد بايعوا الله تعالى هذا البيعة التي لا يمكن أن يتراجعوا عنها، وقد أكدها الله تعالى بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:10].

    وإن الواقع في هذا البلد يختلف عن الواقع في كثير من بلاد الإسلام الأخرى، وذلك من جهات بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، ونحن ينبغي أن نكون أهل صراحة، وأن نكون أهل عدل، فالله تعالى أمرنا بالعدل، فقال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، لذلك فسنذكر الإيجابيات والسلبيات ما استطعنا، وليس معنى هذا أننا سنحصرها ونأتي على كلها، بل هي أمثلة ستتذكرون بها ما وراءها، فمن هذه الإيجابيات:

    عدم انخراط الكثير من الموريتانيين في الحضارة الغربية

    أن أهل هذه البلاد لم يفش فيهم كثير مما فشا في غيرها من البلدان الإسلامية التي انخرطت في الحضارة بمعناها وبمفهومها الغربي، فانخلع فيها النساء من ملابسهن، ومن حجابهن، وتقاصر فيها الرجال عن القوامة على الأسر، وتدجن فيها الناس، وشاعت فيهم الذلة والمسكنة، حتى لم يجرؤ أحد منهم أن يقول كلمة الحق مدوية أمام الناس، وعلى رءوس الأشهاد، وهذه إيجابية لهذا البلد يختص بها عن كثير من البلدان، وبالأخص في بعض البلدان المجاورة.

    فمثلاً: لا تشهدون الخمور تباع في الحوانيت أمام الناس، ولا تشهدون بيوت البغاء مصرحة أمام الناس في الشوارع الرئيسية، ولا تشهدون كذلك انخلاع النساء من جلابيبهن وخلعهن عن رءوسهن، وإن كان في بعض الأحيان قد يقع التفسخ، لكنه لا يصل إلى المستوى المألوف في بعض البلدان المجاورة، إذاً: هذه إيجابية محمودة، نسأل الله تعالى أن يزيد فيها، وألا يستلبها من أيدينا.

    الرضا بحكم الله عند الكثير من الموريتانيين

    الإيجابية الثانية: أن عموم هذا الشعب يرضى بحكم الله، ولذلك أذكر حكاية قد حصلت في أيام المستعمر، عندما كان أحد القضاة، وهو ضعيف في قضائه؛ لأنه كبير السن، يعني: ضعيف البنية، أراد أن يحكم على أحد الأقوياء، فلما أراد أن يكتب حكمه قام عليه، ومعه بندقيته، فقال: يا فلان! تريد أن تحكم علي وسدد إليه بندقيته، فقال: أمسكوه عني حتى أكتب هذا الحكم، ثم ليفعل ما شاء، فلما كتب الحكم جاءه الرجل خاضعاً ذليلاً، وقال: سمعنا وأطعنا، أي: الرجل الذي كان يقف دون حكم الله ببندقيته جاء صاغراً يقول: سمعنا وأطعنا، وذلك أن هذا الشعب في عمومه تجد في مخه، وفي فمه الرضا بحكم الله، لذلك يسعى لأجل إقامة شرع الله، ويؤيد كل من دعا إليه، وفي هذا يقول أحد شعراء هذا البلد رحمه الله تعالى -وهو محمد بن المختار بن حامدن- رحمهم الله تعالى، يقول:

    فإنك قائد شعباً إذا ما دعوت إلى شريعته أجابا

    وقوم حين بات الشعب يشكو بفرحته به باتوا غضابا

    أولئك لا خلاق لهم ولا هم إذا وزنوا يساوون الذبابا

    قد اختاروا سوى الرحمن رباً وغير كتابه اختاروا كتابا

    إلى أن يقول فيها:

    قشور حضارة الغرب استطابوا وخلوا خلفهم منها اللبابا

    زعموا أنهم أرعى لحق رباب من الذي خلق الربابا

    فقد كذبوا وقد ضلوا وخابوا وضل من اقتدى بهم وخابا

    فإذاً: هذا الشعب كله يجد في قرارة الأنفس حباً لهذه الشريعة الغراء، وحباً لحكم الله تعالى.

    البذل والتضحية لأجل الله عند الموريتانيين

    الإيجابية الثالثة: أن هذا الشعب من القدم يعرف بالتضحية والبذل، ولذلك أشار الأخ إلى أن تجار هذا البلد قد فتحوا كثيراً من البلدان الإفريقية، وحتى اليوم ما زال بعضهم يقوم بنفس الدور الذي عمل به أسلافهم، فهم يسعون في ظاهر الأمر للاتجار وكسب المال، ولكنهم في باطن الأمر لا يريدون إلا التجارة مع الله، يريدون نصرة دين الله، وتعليم كتاب الله، وإحياء دين الله تعالى في القلوب الميتة.

    ولذلك تجدون في كل قرية، وفي كثير من القرى الإفريقية تاجراً يأتي فيفتح دكاناً فيكون ممولاً لأهل تلك القرية التي يعتمد أهلها على الزراعة، ولا يجدون كسباً طيلة السنة، فيأخذون منه كل نفقاتهم بالديون إلى أن يأتي الموسم أي: موسم الحصاد، فبذلك يصل إلى قلوبهم، ثم يأخذ أولادهم فيعلمهم ويكتب لهم بالألواح كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينتشر فيهم هذا، ولذلك اشتهر بعض القبائل الزنجية التي تأثرت بهذا المنهج.

    فمثلاً تسمعون قبيلة لوف، هذه القبيلة في السنغال وفي غيرها كثيرة، وأصل كلمة لوف، معناها: لوح، فتسمعون محمد لوف، وبا لوف، وغيرها كثير، ومعناها: لوح، وهذه القبيلة اشتهرت بالألواح؛ لأنها كانت تعلم أولادها بالألواح من بين كثير من القبائل الهندية، وما ذلك إلا لأثر خدمة هؤلاء التجار الذين سعوا لنصرة دين الله تعالى، وإعزاز كلمته، وما زالوا إلى اليوم يقومون بنفس الدور، ثبتهم الله تعالى وأيدهم، ووفقهم.

    وهذه التضحية والبذل ميزة غالية قلما توجد، ولذلك يشكو كثير من الدعاة في كثير من البلدان من عدم تضحية التجار، وعدم بذلهم في سبيل الله، يقولون: إن الذين يمارسون التجارة كثير منهم طلاب دنيا، لا يريدون الاتجار مع الله، أما هذا البلد فإن أكثر المضحين فيه هم التجار، وذلك أن هؤلاء التجار ينظرون إلى ما تحت أيديهم في كثير من الأحيان، خاصة المتعلمون منهم يعلمون أنهم ما رزقوه عن قوة، ولا أيدي ولا بطش، وإنما رزقوه من رزق الله، فالله هو الذي رزقهم، ولذلك يجدون كثيراً من إخوانهم الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل التجارة، فما حصلوا على مكسب، ويجدون آخرين أنفقوا أوقاتاً ضئيلة يسيرة فامتلأت أيديهم من المال، ومن وسخ الدنيا، فلذلك يعلمون أن الرزق من عند الله، وأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فيسعون من أجل أن يقدموا شيئاً لآخرتهم، وألا يكون حظهم الدنيا فقط، فحينئذٍ يحاولون أن ينجوا من الفتنة التي حصلت لـقارون حينما قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78].

    إذاً: تجار هذا البلد هم الذين حملوا هذه الدعوة وساعدوها في مختلف الأوقات، وهم الذين ما زالوا يبذلون الكثير في سبيل نصرة دين الله تعالى، تقبل الله منهم، وثبتهم ووفقهم، ونذكر من بين هؤلاء، ونحن نعلم أن الحي لا تؤمن فتنته فلا نذكره، ولكننا نذكر من الأموات الذين بذلوا الكثير في سبيل الله منهم: الشيخ حاجي رحمه الله تعالى الشريف، فهذا الرجل من تجارنا الذين نعتز بما قدموه في سبيل الله تعالى، ولا شك أن كثيراً منكم يشهدون له بالخير، وبالبذل في سبيل الله تعالى، نسأل الله أن يتقبل منه، وأن يغفر له، وأن يرحمه، وأن يخلفه في أهله بخير.

    فهو من الذين بذلوا كثيراً في سبيل الله تعالى، وقدموا وضحوا من أجل ذلك، وما زال حتى الآن تشهد له هذه المؤسسة التي ما زالت بين ظهرانيكم، وهي جمعية المساجد والمحاضر التي تشاهدون خدماتها اليوم، وهي في ميزان حسنات هذا الرجل، نسأل الله أن يتقبل منه، وأن يتقبل من إخوانه الذين ما زالوا يعيشون بين ظهرانينا، ويخدمون بنفس العمل، ويقومون على نفس المنهج.

    التكافل الاجتماعي عند الموريتانيين والحرية

    الإيجابية الرابعة: التكافل الاجتماعي السائد بين الناس، فتجد القبيلة ليس فيها من الأغنياء إلا واحد، ومع ذلك ينفقون على كل فقرائها، ويسعى من أجل أن يعم خيره لأكبر قدر ممكن من الناس، وهذه الميزة قلما توجد في غير هذا الشعب، فنسأل الله أن تستمر، وأن يكون فيها الخير، وأن يتقبل من أهلها.

    الإيجابية الخامسة: بعض الحرية، وهذه قد تكون من الميزات الأكثر وضوحاً لديكم، فإن الأنظمة المتعاقبة على هذا البلد لم تستطع أن تمحو الحرية لدى الناس، فكل شخص يتكلم في كثير من الأحيان بما شاء، والحكومات كثيراً ما تعلم أن الشعب هكذا، وأنه لقاح لا يُملك، وأنه متعود على عدم ملكه، فلا تتعرض لهذه الحرية غالباً، وإذا تعرضت لها قد تصدم، وتعلم أن ذلك لا يستمر.

    1.   

    بعض السلبيات في بلاد موريتانيا في عصرنا الحاضر

    بداوة الشعب الموريتاني

    أما الميزات السلبية، وأرجو أن تسامحوني فهي ربما تكون أكثر من الميزات الإيجابية، فأخطرها: أن هذا الشعب شعب بدوي، لا يمكن أن ينساق وراء دعوة يسير فيها، ولا يعلم أبعاد ما يكاد له من المكائد، وهذه صفة بدوية نجدها في نفوسنا، قلما نهتم بالتخطيط، وقلما نهتم بالمستقبل، وقلما تنساق جموعنا وراء أمر نضحي فيه مع قناعتنا له، إننا اليوم نقتنع بوجوب خدمة دين الله تعالى، وإعلاء كلمته، وإعزاز دينه، ولكننا مع ذلك لا نجد ذلك البذل، ولا تلك التضحية، ولا تلك التناسق، والتآلف فيما بيننا في هذه المهمة النبيلة.

    فلهذا فإن الانسياق وراء الدعوة واجب لا بد منه، ولا يمكن أن تقوم الدعوة، ولا أن تستقيم أمرها حتى تتألف وراءها الحشود، وأنتم اليوم إذا دعيتم إلى محاضرة أو ندوة، يمكن أن تستجيبوا بحشد كبير، وأن تملئوا ساحات المساجد، ولكن أين أولئك الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد في حال السراء والضراء، أنتم اليوم تأتون في الظل، وتحت المراوح، لكن إذا جاء وقت الشدة، ووقت الضراء، لم نجد يخرج إلا القلة، فالذين يخرجون اليوم في السعة كثير، ولكن الذين يخرجون في وقت الضراء قليل، وهكذا الذين يضحون في وقت اليسار كثير، ولكن الذين يضحون في وقت المشقة والعسرة قليل، وهذه الميزة هي أخطر الميزات السلبية في هذا المجتمع.

    فاللازم أن الذين يقبلون على الله بقلوب منفتحة سليمة، ويرتادون المساجد، ويعلمون أنهم يقولون فيما بينهم وبين الله: لا إله إلا الله، ويرفعون أصابعهم، ويشهدون الله على أنفسهم، لا ينبغي أن يركعوا لغير الله، فإن الركوع لا يكون إلا لله، ومع هذا نجدهم في حال الضراء يختفون في بيوتهم، ويغلقون عليهم أماكنهم، ويخفون أنفسهم، فنحن نقر في وقت السراء أننا من جند محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتباعه، ومن أهل الدعوة إلى دين الله، وهذا في حال السراء، أما في حال الضراء فأين أولئك الذين يقولون: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، ويفتحون أزرار قمصهم لاستقبال الرصاص، هم قلة بيننا، نسأل الله أن يكثرهم، وأن يثبتهم، وأن يوفقهم.

    ترسخ المجون عند كثير من الموريتانيين

    كذلك من هذه الميزات السلبية: المجون، والسلبية وصف سائد في هذا المجتمع، قلما يسلم منه كثير من أفراده، فكثير منا لا يتوقع أنه مسئول عن دين الله، وعن نصرة دين الله، إذا طلع الفجر وانتشر، وقال: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله رب العالمين، لا يتذكر أن هذا عمر جديد قد جاء، هو مطالب فيه بأن يقدم شيئاً لدين الله، أن يحاول نشر هذا الدين، ويحاول زيادة مساحة دين الله تعالى.

    كذلك من هذه الميزات السلبية: أن هذا المجون قد ترسخ في النفوس، فكثير من الناس لا يبالي ما يقول، ويتكلم كأنه لا يشعر بالحساب، ولا يعلم أن الله تعالى سيتجلى لفصل الخصام، وأنه سيستحضره ويقول: أي عبدي أتذكر يوم كذا إذ فعلت كذا، وقد نهيتك عنه، فيقول: نعم أذكره وكنت قد نسيته، فيقول الله: لكنني لم أنسه.

    هذا المجون الذي تربى عليه هذا الشعب، وساد فيه، هو سبب نقص المسئولية فيه، وكثير من الناس تجده يتكلم ولا يبالي، فيتكلم في أعراض المسلمين كثيراً، ويتكلم حتى يصل بكلامه وجراءته إلى الجراءة على الله، وعلى رسول الله، وعلى كتاب الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة الواحدة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في قعر جهنم ) .

    ترسخ العنصرية عند الموريتانيين

    كذلك من هذه الميزات السلبية: وقد ترسخ فيهم العنصرية بين الناس، والتفرقة بينهم، حتى لدى بعض أهل الدعوة، بعض الذين يجدون في نفوسهم الغيرة على دين الله من أئمة المساجد، أو الدعاة إلى الله تعالى، تجدون في قلوبهم تفريقاً بين فلان وعلان بين أفراد هذا المجتمع، بسبب الأنساب، والأنساب كلها مجهولة، مستورة بستر الله، لا نعلم منها إلا أننا جميعاً لآدم، وآدم من تراب، نعلم أننا جميعاً من ذرية نوح فقط، ونعلم أن أكرمنا عند الله أتقانا، وما وراء ذلك من الأنساب فهو مستور، لا أحد يستطيع أن يجزم بنسبه ويعده إلى فلان بن فلان أبداً، حتى إن كل شخص منا لا يعلم الصحة الواقعية لنسبه لأبيه إلا عن طريق الوحي.

    مثلاً عبد الله بن حذافة بن قيس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أبي؟ فقال: حذافة )، لكن غيره لا يدري، ولذلك قال الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ [البقرة:233]، ولم يقل: وعلى الوالد رزقهن وكسوتهن؛ لأن الأنساب في الدنيا مبنية على الستر، أما الآخرة، ويوم تبلى السرائر، تنكشف الأنساب حينئذ، ولذلك يقول الله تعالى: لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، عن نسبتهم إلى آبائهم؛ لأنهم يعلمون أن النسب الدنيوي مستور، لا يدرى ما هو، إنما هو مثل التعامل الدنيوي كله، مبناها على الستر والدرء، فلا نتكلم فيه، ولا ننفيه، ولا نثبته، مثلاً: نثبته بحسب الظاهر، ندعو فلاناً بن فلان؛ لأن الله أمرنا بذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5].

    ولكن هل تستطيع أن تجزم علم اليقين تكون عقيدة لديك أن فلاناً هذا من ذرية الصحابي الفلاني، أو من القبيلة الفلانية، أو أن القبيلة الفلانية تعود إلى النسب الفلاني؟ لا يمكن أن تجزم بهذا، وتؤمن به وتقطع عليه، ولست مخاطباً بذلك، والتكليف لم يصل إلى هذا، بل أنت مكلف بأن تنسب فلاناً إلى نسبه، ونسبه إذا ادعى أي شخص اليوم نسباً لا ينكره العقل، ولم ينكره عليه أحد، وحازه عشر سنين، لم ينكره عليه أحد، بل ننسبه إليه، ولا ننازعه فيه، ومن نفاه عنه جلد ثمانين جلدة، لماذا؟ لأن أئمتنا نصوا على أن النسب لا تحاز به الأملاك، والورث يحاز بالحيازة مدة عشر سنوات على المذهب المالكي، ولذلك قال خليل رحمه الله تعالى: وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف عشر سنين، والمالك حاضر ساكت بلا عذر لا تسمع ولا بينته. معناه: لم تسمع دعواه، ولا بينته، أما في المذهب الحنفي فهي خمس عشرة سنة، وفي المذهب الشافعي قيل: ثلاثون سنة، وقيل: خمس عشرة سنة، وهكذا.

    فإذاً: مدة الحيازة ما بين عشر سنوات إلى ثلاثين سنة، هذه إذا حاز شخص فيها نسباً معيناً ننسبه إليه، ولكن هذا في أمور الدنيا فقط، أما أمور الآخرة فلا ندري.

    الانفصام الشخصي عند كثير من الموريتانيين ومخالفة أفعالهم لأقوالهم

    كذلك من السلبيات التي شاعت بيننا: أن كثيراً منا يخالف قوله فعله، فهو يقول في دعاء القنوت مثلاً في الصلاة، إذا قنت في صلاة الفجر، يقول في دعائه: اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونخضع لك، ونخلع، ونترك من يكفرك. فنخلع هنا معناه: نخلع الولاء لغير دينك، معناه: لا نوالي إلا دينك، فالله تعالى شرط هذا الولاء، قال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، ومع هذا إذا عاد من صلاة الفجر تجده يوالي غير دين الله، ويحاول نصرة غير دين الله، ويسير في ركب لا يدعو إلى دين الله، وبذلك لا تحقق ولايته لله تعالى، وينقض فعله قوله، فيتناقض لسانه وجوارحه.

    ومن السلبيات: انفصام في الشخصية نجده في نفوسنا، وقل من ينجو منه من بيننا، إلا من رحم ربك، فكثير منا نجده اليوم رجلاً عزيزاً يتكلم بملء فيه، ولكنه في المواقف التي تستدعي الرجولة، والمواقف التي يكون فيها دين الله مهدداً، لا نجد لديه تلك الرجولة، ونجده مثل الفراش، فالذي كان ينتفخ انتفاخة الأسد، نجده في وقت الأزمات، ووقت تعرض دين الله تعالى للمحن، نجده مثل الفراشة اللينة، فهذا انفصام في الشخصية، وهو داء يدب في نفوسنا، يجب علينا أن نعالجه.

    كذلك من هذه السلبيات التي نجدها في نفوسنا: أن الكثير منا إذا رأى خدمة لدين الله تعالى، ومكسباً له بادر إليه بطبيعته، وسعى من أجل نصرة دين الله تعالى، ولكنه يبيع ذلك المكسب بسعيه لأن يجعل ذلك المكسب منصباً في بوتقة محددة، ويحاول أن يجلبه إلى سمعة، أو إلى قبيلة، أو ألا يجعله خالصاً لوجه الله تعالى بمختلف المحاولات.

    اتهام النيات عند الموريتانيين

    كذلك من هذه السلبيات: اتهام النيات لدى كثير منا، وأرجو ألا أكون منهم، فأنا الآن أعد الأمور السلبية، وكثير من الناس يتهم نيات إخوانه من غير دليل، ولذلك لا يثق فيمن يدعوه إلى الله تعالى، وهو لم ير منه شراً قط، يجد هذا الأخ ما عرفه إلا في بيت من بيوت الله، في مسجد الله، وما عرفه يقول بلسانه إلا الحق، كتاب الله وسنة رسول الله، وما عرفه أبداً يسارع في أمور الدنيا، وإنما عرفه يسارع في أمور الدين، وعرفه عشر سنين أو أكثر، ومع ذلك لا يجد الثقة فيه، من أين جاء هذا؟ لا شك أنه من وحي الشيطان، فالشيطان هو الذي يشككه فيه، فكل أسباب الثقة قد حصل عليها أخوك هذا الذي ما عرفته إلا بخير.

    كذلك من هذا النوع: أن كثيراً من الناس يشككون في القائمين على الدعوة لدين الله، ويأتون بكل أنواع التنابز بالألقاب، وكل تخميل، أعني تقليل ثواب المسلمين، وحصول البغضاء والتنافس بينهم، ومع ذلك لو راجعوا أنفسهم، وسألوا: ما هو المبرر لاستباحة أعراض هؤلاء المسلمين؟ وما هو المبرر لاتهام نياتهم؟ لا يجد شيئاً غير وحي الشيطان، فالعلماء الكبار الذين شهد لهم الجميع بالإخلاص والعدل يزكون هؤلاء القائمين على هذه الدعوة، واسألوهم إن شئتم، ها هم بين ظهرانيكم، الشيخ: بداه البصيري، الشيخ: محمد سالم باعدود ، الشيخ: عبد الله بن بيه الشيخ: أباه بن عبد الله أباه والشيخ: محمد عبد الله بن الصديق ، وغير هؤلاء كثير، اسألوهم إن شئتم فهم يزكون جميعاً القائمين على هذه الدعوة، ويدعون لهم ويشهدون لهم بالإخلاص لله تعالى، وبعفة الألسنة، وبصلاح ما يرونه من الظواهر، ومع ذلك تجد بعض الجهال من الناس، والذين كان ينبغي أن يكون لا عليهم ولا لهم، فهم من الرويبضات الذين يتكلمون في أمور العامة، تجدهم يتهمون نيات المسلمين، ويشنون عليهم حرباً بلا هوادة من غير أن يكون لذلك أبسط المبررات.

    قلة محاسبة النفس

    كذلك من هذه السلبيات لدينا في عصرنا هذا: أننا إذا استمعنا إلى درس أو سمعناه في وسيلة من وسائل الإعلام، أو استمعنا إلى شريط، فإنه لا يتعدى سماعه، أو التأثر به وقت سماعه، فإذا راجعنا أنفسنا وقلنا: ماذا عسانا نستفيد من هذا الوقت الضائع الذي جلسناه نستمع؟ وماذا بقي معنا منه؟ ونحن مسئولون عنه بين يدي الله تعالى، وأي مكسب اكتسبناه من جلستنا هذه، لا شك أن هذه المحاسبة للنفس، وهي ضرورية لا بد منها، فلا بد في كل أربع وعشرين ساعة من وقت لمحاسبة النفس حتى لا تطغى، والنفس أمارة بالسوء، وهي تسعى للطغيان دائماً، قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فلا بد من هذه المحاسبة، فإذا حاسبنا أنفسنا فكثير منا لا يجد تلك الاستفادة لا في قلبه، ولا في جوارحه، ولا يجد تحقيق ولائه وهويته، وتحديدها لله تعالى ودعوته. إذاً هذه سلبية يجب علاجها.

    كثرة المتسولين في بلاد موريتانيا

    كذلك من هذه السلبيات: أن كثيراً من الناس بسبب هذا الجفاف الماحق، الذي ابتلانا الله تعالى به، وامتحننا به بعد أن أغدق علينا خيراته، ومع ذلك لم يزل الخير من عند الله تعالى في توافر وزيادة، ولم تزل النعم متوفرة، ولم يزل هذا البلد في رخص، ولم يشهد غلاء فادحاً، ولم تزل الخيرات متوفرة، كل ذلك من عند الله تعالى، من غير سبب نراه ظاهراً، مع هذا دب في النفوس حب الدنيا، والتكالب عليها، وحب الإسعافات الخارجية، والتعلق بما وراء الحدود، وأصبحت الأيدي ممدودة للسؤال.

    مع أن الأصل أن المؤمن ينبغي أن يكون متعففاً، لا يسأل غير الله، ولا يصمد إلا لله، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن المسألة لا تحل إلا لثلاثة، وأخبرنا (أن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي)، وأخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أنه لا تزال المسألة بالرجل حتى يلقى الله وليس في وجهه مضغة لحم)، وحذرنا من السؤال تحذيراً شديداً، ومع هذا نجد أن هذه العفة التي اشتهر بها هذا الشعب قد نقصت في هذا السنوات، وقد نُشّئ ودُرّبَ على الطمع في الآخرين.

    ولذلك أصبح كثير من الذين يأتون إلى هذه البلاد من وراء الحدود الوهمية المصطنعة، يشهدون جموعاً كثيرة أمام المساجد، وبالأخص في أيام الجمع من الناس الذين يسألون، ويتعلقون بالأذيال، وكان اللازم أن يسألوا الله تعالى في ساعات الإجابة، ولذلك يقول أحد الحكماء:

    ما لي أذل لمخلوق على طمع هلا سألت الذي أعطاه يعطيني

    فالله تعالى يداه مبسوطتان، وهو الذي يعطي بالليل والنهار، ولا يمل العطاء حتى تملوا المسألة، فلذلك ينبغي أن نراجع أنفسنا، وأن نعود إلى عفتنا، وأن نحاول الاستغناء بالله عن ما سواه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    قلة المسارعة في المشاريع العامة

    كذلك من هذه السلبيات التي انتشرت بيننا: أن كثيراً منا قل ما يبذل ويساعد في سبيل المشاريع العامة، والمشاريع العامة الاجتماعية هي جناح من أجنحة الدعوة التي لا يمكن أن تطير إلا بها، والعمل الاجتماعي عمل ضروري للدعوة إلى الله تعالى، ومساعدة الفقراء والمساكين، وكفالة الأيتام، وكفالة طلاب العلم المتفرغين له، وكذلك بناء المساجد، وعمارتها، وكذلك بناء الأوقاف في سبيل الله، هذه أمور لا يستغنى عنها في المجتمع الإسلامي، وهي وسيلة من وسائل نشر هذه الدعوة، ومع ذلك قلما نجد من يتجه إليها من المحسنين، فكثير من المحسنين من بين أظهرنا يتصدقون على الفقراء السائلين، ولكن صدقتهم في هذه الصدقة الجارية أفضل، ومع ذلك لا يتجهون إليها.

    1.   

    الحكمة من ذكر إيجابيات وسلبيات المجتمع الموريتاني

    إذاً: إن ذكرنا لهذه الإيجابيات وهذه السلبيات ما هو إلا حفز للهمم، ومحاولة لتحديد مكمن الداء حتى نعالجه، ومحاولة لتحديد الوجهات المفتوحة للدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله ليست كلها الوقوف على المنبر، والكلام على الناس، فهذا قد لا يحتاج إليه كثير منا، ولذلك قال عثمان بن عفان الخليفة الثالث ذو النورين رضي الله عنه، لما وقف على المنبر تذكر أن موقف قدميه هو الذي كان يقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، أرتج عليه فلم يستطع أن يحيل كلاماً، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم سكت طويلاً، ثم قال: وأنتم إلى أمير فعال، أحوج منكم إلى أمير قوال، ولئن بقيت لتأتينكم الخطب على وجنها، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وسيجعل الله بعد عسر يسراً، فكانت خطبته أبلغ الخطب.

    فنحن اليوم إذا قرأنا آيات الجهاد في سبيل الله، أو قرأنا آيات الدعوة إلى الله تعالى، أو قرأنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، كثير منا يتساءل: أين ميداني الذي يمكن أن أقدم فيه شيئاً لدين الله؟ من أين أبدأ؟ هل الجهاد كله محصور في قعقعة السيوف؟ هل أشهر سيفي على العدو الكافر؟ نقول: لا، فأنت الآن مطالب بنصرة دين الله تعالى في بلدك، وتكثير سواد المسلمين، وتقديم ما تستطيع في سبيل الله، ونصرة دين الله تعالى بالقول والفعل، وإذا استطعت أن تقدم أي شيء في هذا، فأنت مجاهد في سبيل الله، جهادك في سبيل الله إنما هو بحسب الوسائل المتاحة، لا تطالب بما لا تستطيع، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام:152]، فأنت إنما تخاطب بما أنعم الله تعالى، وبالقدر الذي تستطيع.

    فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به واتبعوه، لم يكن منهم من الذين كانوا يفتون الناس، ويتكلمون على الملأ، ويعظون ويعلمون، إلا حوالي ثمانية عشر، لا يبلغون العشرين تقريباً، فلذلك لو وجدنا فقط ثمانية عشر خطيباً مؤثراً، أو معلماً يعلم الناس، كان هذا كافياً لهداية الناس، ولوجدنا رجالاً يطيعون ويمتثلون ويسمعون، ولذلك فإن الشيخ: محمد ..... رحمه الله تعالى يقول في دعوته:

    وألف ثعلب يقودها أسد خير من ألف أسد إن لم تقد

    فألف ثعلب إذا وجدت أسداً واحداً يقودها حققت نجاحاً باهراً لا تحققه ألف أسد إذا لم يكن لها قائد، فأنتم تحتاجون إلى الانتظام، وإلى التعاون على البر والتقوى، وإلى أن يقوم كل أحد منكم بدوره في سبيل نصرة دين الله تعالى، ونشره، وأن تكثروا سواد المسلمين، وأن تبذلوا الجهد في ذلك، وفق الله الجميع لما يجب ويرضى.

    اللهم صل وسلم على نبينا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم خذ بنواصينا إلى الخير أجمعين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أعزنا بالإسلام، وأعز الإسلام بنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

    اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم آت أنفسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعلنا من المتمسكين بالسنة عند فساد الأمة، اللهم اغفر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ارحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم عاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج عن إمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اخلف نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم في أمته بخير، اللهم اجعلنا أجمعين والسامعين في قرة عين نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وتقام فيه حدودك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من الداعين إلى الخير ممتثلينه، واجعلنا من المجتنبين للشر يا أرحم الراحمين، اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق، واصرف عنا سيئها، لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئها إلا أنت، اللهم اجعلنا من جند محمد صلى الله عليه وسلم المعزين لملته يا أرحم الراحمين، اللهم اختم لنا بالحسنى يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

    اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، اللهم وفقنا لساعة الجمعة التي تستجيب فيها الدعاء، اللهم استجب دعاءنا يا أرحم الراحمين، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، اللهم هؤلاء عبادك قد اجتمعوا في بيت من بيوتك يرفعون إليك أيدي الضراعة والمسكنة، اللهم لا تردهم خائبين، اللهم لا تردهم خائبين، اللهم لا تردهم خائبين، اللهم اقض حوائجهم أجمعين، اللهم اغفر ذنوبهم أجمعين، اللهم إنا نعوذ بك أن نتفرق من مجلسنا هذا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأشياخنا، وإخواننا الذين سبقونا بالإسلام أجمعين.

    اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم أيدهم بتأييدك، ووفقهم بتوفيقك، اللهم سدد سهامهم، وثبت أقدامهم، واجمع كلمتهم على الحق يا أرحم الراحمين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم عليك بالكفرة الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم واقصم ظهورهم، وشتت أمورهم، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً لهم يا قوي يا عزيز.

    اللهم وفقنا بتوفيقك يا أرحم الراحمين، اللهم وفقنا بتوفيقك يا أرحم الراحمين، اللهم اكتب خطانا إليك، اللهم اكتب خطانا إليك، اللهم هذا الجهد الضئيل وأنت غني عنه، فتقبله يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك نبي الرحمة، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756286511