إسلام ويب

كتاب الصلاة [3]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله عز وجل للصلوات أوقاتاً معلومة، ولكل صلاة وقت بداية ونهاية، وصلاة العشاء تبدأ من سقوط الشفق إلى وقت وقع الخلاف فيه، فقائل: هي إلى ثلث الليل، وقائل: هي إلى نصفه، وقائل: هي إلى طلوع الفجر. والأفضل في صلاة الفجر التغليس على رأي الجمهور، والإسفار على رأي الأحناف، وقسم الجمهور أوقات الصلوات إلى وقت أفضلية، ووقت اختيار، ووقت اضطرار، وخالفتهم الظاهرية فلم يعتبروا الاضطرار، ومن جعل للصلاة اضطراراً اختلفوا في حد إدراكه، فجاعل الحد ركعة وهو أبو حنيفة، وجاعل لها أربعاً للمغرب والعشاء، وخمساً للظهر والعصر وهو مالك، وجاعل تكبيرة الإحرام وهما الشافعي وأحمد، وأهل العذر أربعة: حائض حتى تطهر، وصبي حتى يبلغ، ومجنون حتى يعقل، وكافر حتى يسلم.

    1.   

    تابع وقت العشاء

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدناً محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    أقوال العلماء في آخر وقت العشاء

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثلاثة أقوال، أنا ذكرت أن هذا الاختلاف ليس في آخر الوقت الذي يسمى وقت الضرورة, وإنما هو في وقت الاختيار والسعة, وكذلك العصر إنما هو في الوقت الاختياري, ومعناه: أن المختار ألا يؤخر هذا الوقت, وقد اتفق الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة و الشافعي و مالك : على جواز صلاتها بعد وقت الاختيار إلا أن فيه كراهة, وقال الإمام أحمد : يحرم تأخيرها إلى ما بعد وقت الاختيار لغير عذر, وقال الإمام الاستخري : ينتهي وقت العشاء بنصف الليل وبعده قضاء, أما في وقت العذر والضرورة فاتفق الأئمة كلهم: على أنه يمتد إلى وقت الفجر.

    [ قول: إنه ثلث الليل ] أن الاختيار ثلث الليل. [ وقول: إنه نصف الليل. وقول: إنه إلى طلوع الفجر ].

    هذا قول الظاهرية فيقولون: لا يوجد وقت اختيار، بل يمتد وقتها سواء للمعذور أو لغير المعذور إلى آخر الفجر.

    [ وبالأول (أعني ثلث الليل) قال الشافعي ]. أن وقت الاختيار ينتهي إلى ثلث الليل [ و أبو حنيفة ، وهو المشهور من مذهب مالك وروي عن مالك القول الثاني، أعني: نصف الليل. وأما الثالث فقول داود ].

    سبب خلاف العلماء في آخر وقت العشاء

    قال رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك: تعارض الآثار، ففي حديث إمامة جبريل أنه صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني ثلث الليل. وفي حديث أنس أنه قال: ( أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل )، أخرجه البخاري ].

    فمن أخذ بالأول قال: ثلث الليل, ومن أخذ بحديث أنس قال: نصف الليل.

    [ وروي أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري ، و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل ) ].

    فهذه أدلة على أن وقت الاختيار ينتهي إما بثلث الليل أو نصف الليل. [ وفي حديث أبي قتادة ]. الذي أخرجه أحمد ، وهو حديث صحيح صححه الحاكم وشيخنا ناصر الدين الألباني .

    [ ( ليس التفريط في النوم إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ) ].

    يعني: أن العشاء لا ينتهي إلا بدخول وقت الأخرى وهي الفجر.

    [ فمن ذهب مذهب الترجيح لحديث إمامة جبريل قال: ثلث الليل، ومن ذهب مذهب الترجيح لحديث أنس قال: شطر الليل.

    وأما أهل الظاهر فاعتمدوا حديث أبي قتادة ] وقالوا: لا يوجد وقت ضرورة. [ وقالوا: هو عام وهو متأخر عن حديث إمامة جبريل، فهو ناسخ ]، ناسخ لإمامة جبريل، [ ولو لم يكن ناسخاً لكان تعارض الآثار يسقط حكمها ].

    لأن الظاهرية يقولون: إذا تعارضت آثار ولم تستطع أن تعرف الناسخ من المنسوخ فأسقطها كلها، ولا تعمل بواحد منها, وارجع إلى البراءة الأصلية.

    [ فيجب أن يصار إلى استصحاب حال الإجماع ].

    ما هو حال الإجماع؟ تقول الظاهرية للأئمة الأربعة: أنتم تقولون: إن وقت الضرورة يمتد إلى وقت الفجر, فنحن نستصحبه ونجعله وقت اختيار.

    [ وقد اتفقوا على أن الوقت يخرج لما بعد طلوع الفجر ].

    يعني: وقت الضرورة.

    [ واختلفوا فيما قبل، فإنا روينا عن ابن عباس أن الوقت عنده إلى طلوع الفجر، فوجب أن يستصحب حكم الوقت، إلا حيث وقع الاتفاق على خروجه ] وهو طلوع الفجر. [ وأحسب أن به قال أبو حنيفة ].

    الراجح في آخر وقت العشاء

    الراجح أن وقت العشاء إلى نصف الليل فقط؛ لحديث عبد الله بن عمرو عند مسلم في بيان أول الأوقات وآخرها, وفيه: ( فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل ), وبهذا قال الإمام الاستخري من الشافعية, وقال: ما بعد نصف الليل قضاء, ولكنه وافق الجمهور في وقت الضرورة إلى الفجر, ومذهب الجمهور: أن العشاء يقع أداءً إلى طلوع الفجر، على ما سبق من اختلاف بين الأئمة الأربعة في أن الأداء يتصف بالكراهة أو الحرمة, قال الحافظ في الفتح: ودليل الجمهور حديث أبي قتادة , قال: وعموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح, ولـلاستخري أن يقول: إنه مخصوص بالحديث المذكور في العشاء.

    فالجمهور قالوا: إن الوقت يمتد أداءً إلى الفجر, وقال الاستخري : لا بل قضاءً واستدل الجمهور بحديث أبي قتادة : ( فإنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى )، قالوا: وهذا عام يشمل جميع الأوقات, من أنه لا يخرج الوقت إلا بدخول الصلاة الأخرى, ولكنا نستثني وقتاً واحداً وهو صلاة الفجر, فإنها تخرج قبل أن تدخل صلاة الظهر, وهذا تخصيص بإجماع العلماء, قال الاستخري : أنتم تخصصون بإجماع العلماء في الفجر, وأنا سأخصص العشاء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم, فحجهم بهذا.

    وخلاصة القول: أن الأئمة اتفقوا على وقت الاختيار أنه إلى نصف الليل, بعد أن قال الأئمة الأربعة: الصلاة أداء حتى في الاضطرار قال الثلاثة: ولكنه مكروه, وقال الإمام أحمد : هو حرام تأخيرها من غير عذر, ولكنها تقع أداء, قال الإمام الاستخري : إذا انتهى نصف الليل فقد خرج وقت العشاء لغير أهل الضرورة, وإذا صلوها فهي قضاء.

    1.   

    وقت صلاة الصبح

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة: واتفقوا على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق، وآخره طلوع الشمس، إلا ما روي عن ابن القاسم ، وعن بعض أصحاب الشافعي ] وهو الإمام الاستخري , لا يزال الإمام الاستخري يخالف. [ من أن آخر وقتها الإسفار ].

    أقوال العلماء في وقت الصبح المختار

    قال رحمه الله: [ واختلفوا في وقتها المختار ] يعني: في وقتها الأفضل, [ فذهب الكوفيون ] يعني: أتباع أبي حنيفة [ و أبو حنيفة ، وأصحابه، و الثوري ، وأكثر العراقيين: إلى أن الإسفار بها أفضل ].

    أي: أن الأفضل ألا تصلي وقت طلوع الصبح, إنما تؤخر الصبح حتى يصفر النهار وبعد ذلك تصلي.

    [ وذهب مالك ، و الشافعي ، وأصحابه، و أحمد بن حنبل ، و أبو ثور ، و داود إلى أن التغليس بها أفضل ]. يعني صلاتها في أول طلوع الفجر, والغلس: اختلاط الظلام بالنور.

    سبب اختلاف العلماء في المختار من وقت الصبح

    قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في طريقة جمع الأحاديث المختلفة الظواهر في ذلك، وذلك أنه ورد عنه عليه الصلاة والسلام من طريق رافع بن خديج ].

    وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود .

    [ أنه قال: ( أسفروا بالصبح، فكلما أسفرتم، فهو أعظم للأجر ) ]. وهذا ظاهر صريح [ وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال وقد سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ( الصلاة لأول ميقاتها ) ].

    وقد مضى أنه حديث صحيح.

    [ وثبت عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه كان يصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) ]. فهذا يدل على أنه يصليها أول الصبح. [ وظاهر الحديث أنه عمله في الأغلب. فمن قال: إن حديث رافع خاص ] في الصبح, وأما (الصلاة لأول وقتها) فعام, فنقدم الخاص على العام.

    [ وقوله ( الصلاة لأول ميقاتها ), عام، والمشهور أن الخاص يقضي على العام إذا هو استثنى من العموم صلاة الصبح، وجعل حديث عائشة محمولاً على الجواز، وأنه إنما تضمن الإخبار بوقوع ذلك منه، لا بأنه كان ذلك غالب أحواله صلى الله عليه وسلم قال: الإسفار أفضل من التغليس ]. وهم الكوفيون. [ ومن رجح حديث العموم لموافقة حديث عائشة له، ولأنه نص في ذلك أو ظاهر ].

    حديث عائشة نص في أنه كان يغلس دائماً.

    [ وحديث رافع بن خديج محتمل; لأنه يمكن أن يريد بذلك تبين الفجر وتحققه ].

    فقوله: (أسفروا) معناه: تبينوا الفجر, وليس أخروها.

    [ فلا يكون بينه وبين حديث عائشة ، ولا العموم الوارد في ذلك تعارض قال: أفضل الوقت أوله.

    وأما من ذهب إلى أن آخر وقتها الإسفار ]. وهو الاستخري [ فإنه تأول الحديث في ذلك أنه لأهل الضرورات ].

    أما الذين ليس لهم أعذار فإن الوقت ينتهي بالإسفار, فالأئمة الأربعة قالوا: إن للصلاة وقتين: وقت اختيار ووقت اضطرار. وقال الاستخري : وأنا أقول: إن للصبح وقت اختيار, والإسفار وما بعده وقت للضرورة.

    [ أعني قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ) ].

    قال: أنتم قلتم في قوله: ( ومن أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر ), إنه لأهل الضرورة, وأنا سأقول في الفجر: إن الإسفار وما بعده لأهل الضرورة. [ وهذا شبيه بما فعله الجمهور في العصر ]. حيث أنهم قالوا: للعصر وقت ضرورة. [ والعجب أنهم عدلوا عن ذلك في هذا ].

    أي: أنهم هناك قالوا بوقت ضرورة، وهنا لم يقولوا به.

    [ ووافقوا أهل الظاهر ].

    قالوا: الصبح لا ضرورة له, وأما العصر والعشاء فلهما ضرورة, وأهل الظاهر قالوا: لا ضرورة في كل الأوقات, فهم وافقوهم في الفجر.

    [ ولذلك لأهل الظاهر أن يطالبوهم بالفرق بين ذلك ].

    يعني أن أهل الظاهر يقولون للأئمة الأربعة: كيف توافقونا في الفجر وهناك في باقي الصلوات تخالفونا؟ بينوا لنا الفرق في هذا حتى تخالفونا.

    الراجح في الوقت المختار لصلاة الصبح

    التغليس في الفجر: فعلها في وقت الغلس: وهو الظلمة.

    والراجح أن التغليس بها أفضل للأحاديث التي ذكرها المؤلف؛ لأنه هو الأمر الذي داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو لم يكن هو الأفضل لما داوم عليه, ويدل على ذلك حديث أبي مسعود الأنصاري الطويل, وفيه: ( وصلى الصبح مرةً بغلس, ثم صلى مرةً أخرى فأسفر, ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد أن يسفر ), يعني: ما أسفر مرة أخرى، وإنما يوماً صلى في الإسفار، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/182) وأجيب بأن المعنى تحقق طلوع الفجر, قال الترمذي : قال الشافعي و أحمد و إسحاق : معنى (أسفروا): أن يضح الفجر، فلا يشك فيه, قال: ولم يروا أن المعنى تأخير الصلاة يقال: وضح الفجر إذا أضاء, فمعنى: ( أسفروا بالصبح ), تبينوا طلوع الفجر بإضاءته وانكشافه، وليس معناه: تأخيرها إلى وقت الإسفار.

    وهو من أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته.

    1.   

    الصلوات التي لها أوقات ضرورة وعذر

    قال المصنف رحمه الله: [ القسم الثاني من الفصل الأول من الباب الأول: فأما أوقات الضرورة والعذر، فأثبتها كما قلنا فقهاء الأمصار ].

    قالوا: إن هناك وقت ضرورة ووقت عذر.

    [ ونفاها أهل الظاهر، وقد تقدم سبب اختلافهم في ذلك. واختلف هؤلاء الذين أثبتوها في ثلاثة مواضع:

    أحدها: لأي الصلوات توجد هذه الأوقات، ولأيها لا؟ ]

    أي أنها: توجد لأربعة أوقات، ولا توجد للصبح.

    [ والثاني: في حدود هذه الأوقات.

    والثالث: في من هم أهل العذر الذين رخص لهم في هذه الأوقات، وفي أحكامهم في ذلك، (أعني: من وجوب الصلاة ومن سقوطها.

    المسألة الأولى: ] الصلوات التي لها أوقات ضرورة وعذر ما هي؟ [ اتفق مالك و الشافعي ] و أحمد ، [ على أن هذا الوقت هو لأربع صلوات: للظهر، والعصر مشتركاً بينهما، والمغرب والعشاء كذلك ].

    إذاً صلاة الفجر ما لها وقت عذر ولا ضرورة.

    [ وإنما اختلفوا في جهة اشتراكهما على ما سيأتي بعد ].

    سيأتي هل الاشتراك في تكبيرة الإحرام أو في ركعة أو في خمس ركعات أو في أربع ركعات؟

    [ وخالفهم أبو حنيفة فقال: إن هذا الوقت إنما هو للعصر فقط ].

    وقال: [ وإنه ليس هاهنا وقت مشترك ]. ووجه الخلاف هو أن الإمام الشافعي و أحمد و مالك قالوا: إن الشمس مثلاً إذا زال العذر وبقي من الشمس شيء يصلي الظهر والعصر, وإذا زال العذر وبقي من الشفق شيء يصلي المغرب والعشاء, على اختلاف بينهم, فقال أبو حنيفة : لا, إن زال العذر يصلي الظهر فقط, وإن زال العذر في العصر يصلي العصر فقط, وإن زال الأصيل في المغرب يصلي التي فاتته فقط, ولا يصلي التي قبلها, ولا اشتراك عنده، هذا الذي خالفهم فيه أبو حنيفة .

    [ وسبب اختلافهم في ذلك: هو اختلافهم في جواز الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما على ما سيأتي بعد ].

    فـأبو حنيفة يقول: لا جمع عندي إلا بعرفة ومنى فقط, ويقول: لما قضيت في وقت الضرورة, جمعت في وقت الضرورة ولا يصح الجمع عنده.

    [ فمن تمسك بالنص الوارد في صلاة العصر (أعني الثابت من قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل مغيب الشمس فقد أدرك العصر ), وفهم من هذا الرخصة، ولم يجز الاشتراك في الجمع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يفوت وقت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى ) ولما سنذكره بعد في باب الجمع من حجج الفريقين، قال: إنه لا يكون هذا الوقت إلا لصلاة العصر فقط ]. وهو أبو حنيفة . [ ومن أجاز الاشتراك في الجمع في السفر قاس عليه أهل الضرورات; لأن المسافر أيضاً صاحب ضرورة وعذر، فجعل هذا الوقت مشتركاً للظهر والعصر، والمغرب والعشاء ].

    1.   

    حدود وقت الضرورة والعذر

    إذاً هذا الفصل يقول: مسألة حدود أوقات الضرورة والعذر، وجاء فيه بكلام طالعت فيه كثيراً, وأردت أن آخذ منه شيئاً؛ لأنه صعب المنال, فما وسعني إلا أن أرجع إلى كتب المذاهب كتب الشافعية وكتب الحنفية وكتب المالكية وكتب الحنابلة؛ لآخذ ما قالوا في هذا الباب, وألخصه وأكتبه: حد أوقات الضرورة والعذر.

    مذهب الشافعي وأحمد في وقت الضرورة

    حدود وقت الضرورة والعذر, أقول: هذه المسألة يعبر عنها: بزوال الموانع في أثناء وقت الصلاة, ولما كان في كلام المؤلف غموض رأيت أن ألخص ما ورد في هذه المسألة عن الأئمة الأربعة, فأقول: إذا بلغ الصبي, وأفاق المجنون, وطهرت الحائض والنفساء, وأسلم الكافر, وقد بقي من وقت الظهر والمغرب والفجر قدر تكبيرة الإحرام وجب عليهم قضاء هذه الصلاة, عند الشافعي و أحمد ؛ لأن الظهر معها صلاة تجمع, والمغرب معها صلاة تجمع.

    فهذه الثلاثة الأوقات إذا زالت هذه الآثار، وقد بقيت تكبيرة الإحرام وجب القضاء.

    هذا مذهب الشافعي و أحمد , قالوا: إذا زالت الشمس وما بقي من الوقت إلا تكبيرة الإحرام؛ الله أكبر, وطهرت الحائض بقدر هذا, فقالوا: تصلي الظهر. وعندهم قول آخر: وهو أنه لا بد من بقاء ركعة, لكن الراجح في المذهبين: أنها قدر تكبيرة الإحرام, فإذا زالت هذه الموانع, وقد بقي قدر تكبيرة الإحرام من غروب الشمس وجب قضاء الظهر والعصر؛ لأنهما يجمعان معاً في وقت العذر, يعني: في السفر, فيقضيان معاً في وقت الضرورة, وكذا لو زالت هذه الموانع وقد بقي من طلوع الفجر قدر تكبيرة الإحرام, وجب قضاء المغرب والعشاء.

    مذهب مالك في وقت الضرورة والعذر

    وأما مالك : فإنه يشترط في زوال هذه الموانع في وقت الظهر والمغرب والفجر, إدراك ركعة قبل خروج الوقت؛ لقضاء فرض الوقت، فلوا أدرك أقل من ركعة فلا يجب عليه القضاء.

    وأما إذا زالت الموانع في آخر العصر فيشترط الوجوب قضاء الظهر والعصر إدراك خمس ركعات, أربع للظهر وركعة للعصر. أما لو أدرك أربع ركعات فما دونها فإنه يجب عليه قضاء العصر فقط، وإذا زالت الموانع في آخر صلاة العشاء فإنه يشترط لوجوب قضاء المغرب والعشاء إدراك أربع ركعات, ثلاث للمغرب وركعة للعشاء، فلو أدرك أقل من أربع ركعات وجب قضاء العشاء فقط.

    مذهب أبي حنيفة في وقت الضرورة والعذر

    أما مذهب أبو حنيفة وهو الراجح: فإنه يشترط إدراك ركعة من الوقت, ولا يجب عنده إلا قضاء الصلاة التي أدرك من وقتها ركعة دون الصلاة التي قبلها وتجمع معها, يعني: إن أدرك من الظهر ركعة قضاها, وإن أدرك من العصر ركعة قضاها فقط, وإن أدرك من المغرب ركعة قضاها فقط, وإن أردك من العشاء ركعة قضاها فقط, وإن أدرك من الفجر ركعة قضاها فقط؛ لأنه لا يجمع، ولأن وقت الأولى خرج في حال العذر فلا تجب, وقول أبي حنيفة أقرب إلى ظاهر الدليل, وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة المتفق عليه: ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح, ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )؛ فاشترط فيه إدراك الركعة في الوقت, ونص فيه إلى أنه إدراك فريضة الوقت, ولم يتعرض لغيرها, فقال: ( من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر), ولم يتعرض للظهر، فالأصل وجوب قضاء الصلاة التي أدرك من وقتها ركعة, ولا دليل على قضاء ما تجمع معها, والراجح قول أبي حنيفة ، وتكون الصلاة قضاء، فلو وجدت كافراً وقلت له: تسلم؟ قال لك: أسلم, وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله, وبقى من العصر ركعة, فنقول له: اقضها؛ لأنه سيذهب يغسل ثيابه وبدنه وما إلى ذلك، ثم يأتي يصلي العصر بعد المغرب، كذلك حكم الصبي حين يبلغ, والمجنون حين يفيق, والكافر حين يسلم, والحائض والنفساء حين تطهر، المغمى عليه يفيق، أما حكم المغمى عليه إذا أفاق من إغمائه فذهب أحمد إلى أنه كالنائم يجب عليه قضاء جميع الصلوات، فلو أغمي عليه مثلاً أسبوعاً وقام بعد ذلك فإنه يقضي الأسبوع كله، هذا مذهب أحمد , وذهب مالك و الشافعي إلى أنه كالمجنون لا يلزمه قضاء الصلاة إلا التي يفيق في جزء من وقتها, وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه خمس صلوات قضاها, وإن زاد سقط فرض القضاء في الكل، وحكمه حكم المجنون، والأقرب ما ذهب إليه مالك و الشافعي ، ورأي أبي حنيفة يوافقه الشافعي في الصوم, يقول: وإن أغمي عليه جميع اليوم فصومه غير صحيح, وإن أغمي عليه بعض اليوم فصومه صحيح, فهو إن أغمي عليه كله يلحقه بالمجنون, وإن أغمي بعضه قاسه على النائم.

    أقوال العلماء في حدود أوقات الضرورة والعذر

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية اختلف مالك و الشافعي في آخر الوقت المشترك لهما، فقال مالك : هو للظهر والعصر من بعد الزوال، بقدار أربع ركعات للظهر للحاضر وركعتين للمسافر، إلى أن يبقى للنهار مقدار أربع ركعات للحاضر أو ركعتين للمسافر، فجعل الوقت الخاص للظهر إنما هو مقدار أربع ركعات للحاضر بعد الزوال، وإما ركعتان للمسافر، وجعل الوقت الخاص بالعصر إما أربع ركعات قبل المغيب للحاضر، وإما ثنتان للمسافر. أعني: أنه من أدرك الوقت الخاص فقط لم تلزمه إلا الصلاة الخاصة بذلك الوقت ].

    الوقت الخاص يعني: أدرك أربع ركعات, فلا يلزمه الظهر.

    [ إن كان ممن لم تلزمه الصلاة قبل ذلك الوقت، ومن أدرك أكثر من ذلك أدرك الصلاتين معاً ].

    أكثر من الوقت الخاص.

    [ أو حكم ذلك الوقت، وجعل آخر الوقت الخاص لصلاة العصر مقدار ركعة قبل الغروب، وكذلك فعل في اشتراك المغرب والعشاء، إلا أن الوقت الخاص مرة جعله للمغرب، فقال: هو مقدار ثلاث ركعات قبل أن يطلع الفجر، ومرة جعله للصلاة الأخيرة كما فعل في العصر، فقال: هو مقدار أربع ركعات وهو القياس، وجعل آخر هذا الوقت مقدار ركعة قبل طلوع الفجر.

    وأما الشافعي ]. و أحمد . [ فجعل حدود أواخر هذه الأوقات المشتركة حداً واحداً، وهو إدراك ركعة قبل غروب الشمس، وذلك للظهر والعصر معاً، ومقدار ركعة أيضاً قبل انصداع الفجر، وذلك للمغرب والعشاء معاً، وقد قيل عنه بمقدار تكبيرة ]، وهذا هو الراجح في المذهب، أنه مقدار تكبيرة الإحرام، [ أعني: أن من أدرك تكبيرة قبل غروب الشمس فقد لزمته صلاة الظهر والعصر معاً. وأما أبو حنيفة فوافق مالكاً في أن آخر وقت العصر مقدار ركعة لأهل الضرورات عنده قبل الغروب، ولم يوافقه في الاشتراك والاختصاص ].

    سبب اختلاف العلماء في حدود أوقات الضرورة والعذر

    قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: أعني مالكاً و الشافعي هل القول باشتراك الوقت للصلاتين معاً يقتضي أن لهما وقتين: وقت خاص بهما، ووقت مشترك؟ أم إنما يقتضي أن لهما وقتاً مشتركاً فقط؟ وحجة الشافعي أن الجمع إنما دل على الاشتراك فقط لا على وقت خاص.

    وأما مالك فقاس الاشتراك عنده في وقت الضرورة على الاشتراك عنده في وقت التوسعة: أعني: أنه لما كان لوقت الظهر والعصر الموسع وقتان، وقت مشترك، ووقت خاص، وجب أن يكون الأمر كذلك في أوقات الضرورة، و الشافعي لا يوافقه على اشتراك الظهر والعصر في وقت التوسعة، فخلافهما في هذه المسألة إنما ينبني والله أعلم على اختلافهم في تلك الأولى فتأمله، فإنه بين والله أعلم ].

    1.   

    أوقات الضرورة وتعلقها بأهل الأعذار

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما هذه الأوقات: (أعني أوقات الضرورة)، فاتفقوا على أنها لأربعة:

    للحائض تطهر في هذه الأوقات أو تحيض في هذه الأوقات وهي لم تصل، والمسافر يذكر الصلاة في هذه الأوقات وهو حاضر، أو الحاضر يذكرها وهو مسافر ].

    هنا إشكال كيف (وللمسافر) سيدخل في أهل الضرورة, أو يقصد الناسي والناسي لا يدخل في أهل الضرورة, متى ما ذكر الصلاة أداها، سواء بقي من الوقت شيء أو لم يبقَ من الوقت أو خرج الوقت أو بعد يومين, فوقتها إذا ذكرها.

    هذه المسألة اختلف فيها الجمهور وأهل الظاهر الجمهور يقولون: إنها قضاء، وأهل الظاهر يقولون: هي أداء.

    فللجمهور أن يقولوا لأهل الظاهر إذا تذكرها وما بقي من الوقت إلا ركعة أتكون أداءً.

    وكذلك نحن نقول: إن من أدرك من الوقت ركعة ولو تركها متعمداً فهي أداء, ولكنه يحرم عليه تأخيرها.

    ذكرنا: أن أصحاب الأعذار هم الحائض والمسافر والصبي والكافر، وترك المجنون, فذكر أربعة الحائض والصبي والكافر والمجنون, هؤلاء الأربعة.

    [ والصبي يبلغ فيها.

    والكافر يسلم.

    واختلفوا في المغمى عليه، فقال مالك و الشافعي : هو كالحائض من أهل هذه الأوقات; لأنه لا يقضي عندهم الصلاة التي ذهب وقتها. وعند أبي حنيفة أنه يقضي الصلاة فيما دون الخمس، فإذا أفاق عنده من إغمائه متى ما أفاق قضى الصلاة. وعند الآخر أنه إذا أفاق في أوقات الضرورة لزمته الصلاة التي أفاق في وقتها ].

    وهو الشافعي ما ذكر مذهب أحمد , و أحمد له مذهب خاص قال: إنه كالنائم.

    [ وإذا لم يفق فيها لم تلزمه الصلاة، وستأتي مسألة المغمى عليه فيما بعد.

    واتفقوا على أن المرأة إذا طهرت في هذه الأوقات إنما تجب عليها الصلاة التي طهرت في وقتها، فإن طهرت عند مالك وقد بقي من النهار أربع ركعات لغروب الشمس إلى ركعة فالعصر فقط لازمة لها، وإن بقي خمس ركعات فالصلاتان معاً. وعند الشافعي : إن بقي ركعة للغروب، فالصلاتان معاً كما قلنا، أو تكبيرة على القول الثاني له، وكذلك الأمر عند مالك في المسافر الناسي يحضر في هذه الأوقات، أو الحاضر يسافر، وكذلك الكافر يسلم في هذه الأوقات: أعني أنه تلزمهم الصلاة، وكذلك الصبي يبلغ.

    والسبب في أن جعل مالك الركعة جزءاً لآخر الوقت ].

    والسبب في أن مالكاً جعل الركعة جزءاً, وأن الإمام الشافعي جعل تكبيرة الإحرام جزءاً فـمالك قال: من أدرك ركعة من العصر فهو من باب التنبيه بالأقل على الأكثر, وقال الشافعي : من أدرك ركعة من العصر من باب التنبيه بالأكثر على الأقل, يعني: ولو أقل من ركعة, بدليل قوله: ( من أدرك سجدة من العصر فقد أدرك العصر ).

    [ وجعل الشافعي جزء الركعة حداً مثل التكبيرة منها أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ). وهو عند مالك من باب التنبيه بالأقل على الأكثر، وعند الشافعي من باب التنبيه بالأكثر على الأقل، وأيد هذا بما روي: ( من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ), فإنه فهم من السجدة هاهنا جزءاً من الركعة، وذلك على قوله الذي قال فيه: من أدرك منهم تكبيرة قبل الغروب أو الطلوع فقد أدرك الوقت. و مالك يرى أن الحائض إنما تعتد بهذا الوقت بعد الفراغ من طهرها ].

    يقول مالك : الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس لا بد أن تذهب وتغتسل، وبعد أن تغتسل تلبس ثيابها للصلاة فإن أدركت بعد ذلك ركعة فقد أدركت العصر, أما إذا كان ركعة واحدة، ولو ذهبت تغتسل تخاف أنها ما تدركها, فيشترط مع الحائض الطهارة.

    [ وكذلك الصبي يبلغ ].

    وكذا الصبي يشترط له الطهارة.

    [ وأما الكافر يسلم فيعتد له بوقت الإسلام دون الفراغ من الطهر، وفيه خلاف. والمغمى عليه عند مالك كالحائض ].

    يشترط له الطهارة.

    [ وعند عبد الملك كالكافر يسلم ].

    كالكافر لا يشترط له الطهارة.

    اعتبار دخول الوقت أو خروجه في وجوب الصلاة

    وهنا مسألة: متى تجب الصلاة بدخول الوقت أو عند خروجه؟ متى يجب عليه أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء؟

    فالأئمة الثلاثة قالوا: تجب بدخول الوقت, إلا أن الوقت موسع, وقال الإمام أبو حنيفة : تجب بآخر الوقت؛ لأنه يجوز له أن يؤخرها, ولو كانت واجبة لما جاز له أن يؤخرها إلى آخر الوقت, فإذا بقي من الوقت ما يسعها فقد وجبت, ولكن الأئمة الثلاثة قالوا: أنت يا أبا حنيفة إذا صليتها في وسط الوقت تكون فرضاً, إذاً تقول: إنها واجبة, قال: هي تجب بآخر الوقت وبفعلها, فعندما فعلتها صارت واجبة, أما الأئمة الثلاثة قالوا: تجب وجوباً موسعاً ولا مانع؛ لأن الواجب -وقد استقرأناه في الشرع- إما أن يكون موسعاً وإما أن يكون مضيقاً, والواجب الموسع كثير, والمضيق إنما هو في الحج وفي رمضان, فالظهر والعصر والمغرب والعشاء تسع الصلاة وأكثر من وقتها.

    حكم الصلاة للحائض في وقت الصلاة إذا لم تصل

    ومن هنا جاءت مسألة منبنية على هذا القول، وهي: الحائض، إذا مضى من الوقت ما يسع الصلاة والطهارة, ولم تصلِي وجاءها الحيض, فـالشافعي و أحمد قالوا: إنها تقضي, و أبو حنيفة قال لا تقضي؛ لأن ذاك الوقت غير واجب، و مالك قال: لا تقضي قالوا له: أنت خالفت أصولك ألست تقول كقول الشافعي و أحمد : إن الصلاة تجب بأول الوقت, وقد خالفت أصلك, وأما الشافعي و أحمد فقد مشيا على أصولهما, و أبو حنيفة مشى على أصله, وأما أنت فخالفت أصولك، وقلت: بوجوب القضاء, فكان يجب عليك إذا مشيت مع الأصول أن تذهب مذهب أحمد و الشافعي .

    [ و مالك يرى أن الحائض إذا حاضت في هذه الأوقات، وهي لم تصل بعد أن القضاء ساقط عنها، و الشافعي ]. و أحمد . [ يرى أن القضاء واجب عليها، وهو لازم لمن يرى أن الصلاة تجب بدخول أول الوقت ].

    يريد أن يرد على مالك وإن كان هو مالكياً.

    [ لأنها إذا حاضت وقد مضى من الوقت ما يمكن أن تقع فيه الصلاة فقد وجبت عليها الصلاة، إلا أن يقال: إن الصلاة إنما تجب بآخر الوقت، وهو مذهب أبي حنيفة لا مذهب مالك ، فهذا كما ترى لازم لقول أبي حنيفة أعني: جارياً على أصوله لا على أصول مالك ].

    وذلك لأن مذهب مالك و الشافعي و أحمد القول: بأن الصلاة تجب بأول الوقت وجبوباً موسعاً, فكان من حق الإمام مالك جرياً على أصوله أن يوافق الشافعي و أحمد , ولكنه خالف أصوله.

    الراجح في الصلاة التي تحيض فيها المرأة وقد دخل وقتها ولم تصل

    والراجح في المسألة: ما ذهب إليه الشافعي و أحمد من وجوب القضاء, وذلك إذا مضى من الوقت ما يسع الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وقدر الصلاة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756416905