إسلام ويب

واحة القرآن - إياك نعبد وإياك نستعينللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن؛ وواسطة عقدها (إياك نعبد وإياك نستعين)، والناس في تحقيق هذه الآية على أقسام: فمنهم من جمع بين العبادة والاستعانة على أكمل وجه، ومنهم من ترك العبادة والاستعانة، ومنهم من يستعين بالله ولا يعبده، ومنهم من يعبده ولا يستعين به

    1.   

    وقفات مع سورة الفاتحة

    فضل سورة الفاتحة

    الشيخ محمد الخضيري: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فنحن في واحة القرآن، في حلقات متتابعة نتفيأ فيها ظلال كتاب الله سبحانه وتعالى، في هذا المكان الطيب المبارك الذي يفتح النفوس ويبهجها.

    وفي هذه الحلقات سنختار لكم في كل حلقة آية من كتاب الله عز وجل، ثم نتحدث عنها، ونبين بعض مراميها، وبعض معانيها، وما يحتاجه المسلم منها، ولن يكون ذلك مستوعباً لكل ما تحويه الآية من معان، ولكن نشير إشارات، ونقف وقفات، ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق.

    وسيكون الحديث دائراً بيني وبين فضيلة الشيخ أبي عمر الدكتور عبد الحي يوسف وفقه الله، وسنتحدث معكم حديثاً أخوياً طيباً، ونرجو ألا تملوا حديثنا، وألا تستطيلوه، فإن الوقت المقرر له وقت قصير.

    واليوم -إن شاء الله- نتحدث عن قول الله عز وجل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]. وهذه الآية في سورة الفاتحة، وهي كما قال عنها كثير من السلف: واسطة العقد في هذه السورة العظيمة.

    الشيخ عبد الحي يوسف: جزاك الله خيراً أبا عبد الله .

    بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله.

    كنت أود لو بدأت بالكلام عن فضل هذه السورة المباركة؛ التي يحفظها كل مسلم، كاتباً كان أو غير كاتب، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: (كنت أصلي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتماديت في صلاتي، فلما انفتلت أتيته، قال: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قلت: يا رسول الله! كنت أصلي. قال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال:24]. ثم قال عليه الصلاة والسلام: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد. قال: واستند صلى الله عليه وسلم على يده، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله! قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج، فقال له عليه الصلاة والسلام -على طريقته في التعليم والتفهيم من أجل أن ترسخ المعلومة-: إذا صليت بم تقرأ؟ فقلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1-3]، قال: هي أم القرآن، والسبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته ).

    فهي بإجماع أهل التفسير أعظم سورة في القرآن؛ لما حوت من المعاني الغزيرة، والبراهين العظيمة.

    من أسماء سورة الفاتحة

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهذه السورة كثرت أسماؤها، فهي فاتحة الكتاب، وهي أم الكتاب، وهي القرآن العظيم، وهي السبع المثاني، وهي الشافية، وهي الكافية، وهي الواقية، وهي الرقية، وهي الصلاة: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل )، وهذه جعلتها مقدمةً لك.

    تفاضل القرآن وسبب تسمية الفاتحة بالسبع المثاني

    الشيخ محمد الخضيري: جميل، وأنا أستنبط من كلامك مسألتين:

    الأولى: لما قلت: أعظم سورة في القرآن، قد يسأل سائل: كيف يكون في القرآن ما هو أعظم، وما هو أقل؟ فنقول: هذا لا بأس به، فالقرآن يتفاضل، ألا تعلمون أن هناك ما هو أعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي، وهذا يدلنا على أن القرآن وهو كلام الله، وهو في غاية الشرف والعظمة بعضه أفضل من بعض.

    الشيخ عبد الحي يوسف: ولذلك قالوا: ما تضمنته قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، أفضل مما تضمنته تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1].

    الشيخ محمد الخضيري: وهذا كما هو في القرآن أيضاً في الإيمان بالأنبياء، فأنبياء الله على أنهم كلهم رسل من عند الله، وكلهم في منزلة عالية وقال الله عنهم: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[البقرة:253].

    الشيخ محمد الخضيري: المسألة الثانية: عندما قلت فضيلة الشيخ عبد الحي يوسف : السبع المثاني، طبعاً السبع لأنها سبع آيات، والمثاني لأنها تثنى أو تكرر في كل يوم وليلة، وفي كل ركعة من ركعات الصلاة.

    قسمة الفاتحة بين العبد وربه سبحانه وتعالى

    الشيخ محمد الخضيري: نعود إلى آيتنا وهي قول الله عز وجل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وهذه الآية مكونة من أربع كلمات: إياك، نعبد، وإياك، نستعين، وهما جملتان: الأولى: (إياك نعبد)، والثانية: (إياك نستعين)، يمكن لأي واحد أن يسأل ويقول: (إياك نعبد) جيء بها أولاً، ثم (إياك نستعين) جيء بها ثانياً، فما هو السر في ذلك؟

    وفي الحديث الذي ذكرناه قبل قليل قال الله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل)، ذكر الرب سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي أنه قسم الفاتحة نصفين، فإذا جئنا إلى النصف الأول وجدناه خاصاً بالله، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هذه لله ثناء، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] أيضاً ثناء على الله، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] أيضاً تمجيد لله عز وجل. إِيَّاكَ نَعْبُدُ[الفاتحة:5] هنا يأتي النصف الأول من الآية، وهو تابع للثناء على الله عز وجل، والاعتراف له، وإعطاء الرب حقه، ثم تأتي وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] لتكون مع النصف الذي للعبد؛ لأنه لما جاء إلى هذه الآية قال: ( هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ).

    بدأ الآن حظ العبد: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ما تريد يا عبدي؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة:6-7].

    ختمت السورة بالدعاء هذا أولاً.

    ثانياً: البداءة بحق الرب سبحانه وتعالى في (إياك نعبد)، ثم حق العبد، ولا شك أن حق الرب مقدم على حق العبد.

    الشيخ عبد الحي يوسف: (دين الله أحق أن يقضى).

    الشيخ محمد الخضيري: وتلك في توحيد الألوهية، وهذه في توحيد الربوبية.

    1.   

    وقفات مع قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)

    سر تقديم المفعول على الفعل والفاعل في قوله تعالى: (إياك نعبد ...)

    الشيخ محمد الخضيري: البداءة بـ (إياك) يا شيخ! هل لها من حكمة؟

    الشيخ عبد الحي يوسف: أي نعم، الحكمة من ذلك هي التخصيص والحصر، يعني: قدم المفعول على الفعل والفاعل، فما قيل: نعبد الله ونستعين بالله، وإنما (إياك نعبد) بمعنى: أننا يا ربنا! قصرنا العبادة عليك، فلا نعبد إلا إياك، وهذا المعنى هو تحقيق لشهادة التوحيد: لا إله إلا الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم صلاته دائماً بالذكر المعروف: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن ).

    فتقديم المفعول على الفعل والفاعل هو أسلوب من أساليب الحصر والقصر والتخصيص، فلا يليق بالمسلم أن يصرف عبادةً أياً كانت لغير الله عز وجل، ومتى ما فعل ذلك فقد فارق الإسلام.

    الشيخ محمد الخضيري: الغريب أن هذا الذي تذكره يا شيخ! يمر في آيات كثيرة وخصوصاً في الآيات التي تتصل بحق الرب سبحانه وتعالى في العبودية، مثلاً في قول الله عز وجل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، انظر كيف قدم ما حقه التأخير من أجل هذا المعنى الذي أشرت إليه.

    وفي آخر سورة الشرح قال سبحانه: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8]، فهنا أيضاً قصر تقديم الجار والمجرور.

    وفي سورة الكافرون قال سبحانه: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، والأمثلة على هذا كثيرة، فهي قاعدة مهمة في التفسير.

    أقسام الناس في تحقيق العبودية والاستعانة

    الشيخ محمد الخضيري: أيضاً هنا سؤال في هذه الآية، وقد أشار إليه ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، وأنا أوصي من يستطيع إلى أن يرجع إلى كلام ابن القيم حول هذه الآية في بداية الكتاب، لكن ابن القيم رحمه الله قال: إن أصناف الناس في هذه الآية أربعة:

    الصنف الأول: من كملوا العبادة والاستعانة، وهؤلاء هم الكمل من عباد الله.

    الشيخ عبد الحي يوسف: ( وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ).

    الشيخ محمد الخضيري: فهو في جانب العبادة يكملها، ويأتي بها على أتم وجوهها، وفي جانب الاستعانة يستعين بالله في كل أموره، في قيامه، وقعوده، وطلب رزقه، بل وفي صلاته، وزكاته، وصومه، وحجه.

    الصنف الثاني ضده تماماً: من لا عبادة له ولا استعانة، وهؤلاء قال الله عنهم: إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].

    الشيخ عبد الحي يوسف: صوت منكر من عبد منكر.

    الشيخ محمد الخضيري: نسأل الله العافية والسلامة.

    الصنف الثالث: من يعبدون الله ولا يستعينون به، يعني: يقصرون في جانب الاستعانة، قال: وكثير من الصالحين يدخلون في هذا الصنف؛ لأنهم ينهمكون في العبادة، وينسون باب الاستعانة، فإذا قام إلى الصلاة انصرف إلى صلاته، لكن لا يتذكر أنه لا بد له أن يستعين بربه سبحانه وتعالى، فتجده منصرفاً إلى تكميل العبادات، لكنه منشغل عن الاستعانة بالله في كل أمر يريد أن يصل إليه، حتى في طعامه، وشرابه، وفي انقطاع شسع نعله، وفي نومه، وفي قعوده لا بد أن تستعين بالله في ذلك.

    الشيخ عبد الحي يوسف: ( من لم يسأل الله يغضب عليه ).

    الشيخ محمد الخضيري: الصنف الرابع: على الضد منه، فهو ضعيف في جانب العبادة، لكنه يستعين بالله، ومنهم المشركون قال سبحانه: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65] فهم يستعينون بالله عندما تنزل الشدائد، بل حتى السراق والحرمية، فالبعض وهو يسرق يقول: يا رب! يا رب يسر! يا رب يسر! فهو يدعو الله أن يهيئ له هذه المحرمات، فهو يستعين، لكنه في جانب العبادة قد أعدم هذا الجانب.

    الشيخ عبد الحي يوسف: ولذلك علماؤنا نصوا على تحريم البسملة في مثل تلك الحالة، يعني: لا يستعان بها على المحرم.

    الشيخ محمد الخضيري: نعم: لا يستعان بالله على معصية الله.

    دلالة السين والتاء في قوله سبحانه: (وإياك نستعين)

    الشيخ عبد الحي يوسف: بقي أن نذكر بأن السين والتاء للطلب، وهذه في القرآن كثيرة، كما يقول القائل: أستغفر الله، أي: أطلب مغفرة الله، أستطعم الله، أي: أطلب الطعام من الله، وأستسقي الله .. صلاة الاستسقاء، بمعنى: أطلب السقيا، وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ[التوبة:6] أي: طلب الجوار، وهنا أيضاً (نستعين) أي: نطلب العون من الله عز وجل.

    إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

    فالمسلم لا يستغني بحال من الأحوال عن أن يطلب العون من الله عز وجل في شأنه كله كما تفضلت حتى في شسع نعله، وفي أموره الخاصة.

    لذلك يمكن أن نختم هذه الحلقة بأن بعض الناس شكا لأحد علمائنا الصالحين من المعاصرين كثرة المشاكل بينه وبين زوجته فأرشده هذا العالم إلى الاستغفار، يقول: فكنت بعدها مثلما حصل شيء ألجأ إلى الاستغفار وسرعان ما تزول المشكلة.

    أهم ما يستعان بالله على تحقيقه

    الشيخ محمد الخضيري: العجيب في الآية وبما أنك ذكرت الختام أنه لما قال: (إياك نستعين) أرشدنا الله إلى أهم شيء نستعين بالله فيه وهو طلب الهداية، فقد جاء بعدها قوله سبحانه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فأعظم ما نطلبه من عون الله أن يهدينا الله. وكثير من الناس يقول: الهداية بيد الله، لكن لا يسألها الله، لكن عندما يريد الرزق، أو عندما يريد بناء بيت، أو الشفاء تجده طوال الوقت يدعو ويستجير بالله، وهذا صحيح وسليم، لكن ليس من العدل أنك في أعظم قضية خلقت من أجلها تقصر في طلب عون ربك عليها، وفي هذه القضايا تبيت الليالي ساهراً وأنت تدعو الله سبحانه وتعالى، ولذلك أرشدنا ربنا أن نقول: (إياك نستعين)، يا رب! فيم نستعينك؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، هذا أول شيء.

    1.   

    أجمع الدعاء وأكمله

    الشيخ محمد الخضيري: وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: تأملت القرآن، لأنظر أجمع الدعاء وأكمله، فوجدته في قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].

    الشيخ عبد الحي يوسف: وفسرت: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة:7] بآية النساء في قوله سبحانه: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].

    الشيخ محمد الخضيري: نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756186508