إسلام ويب

واحة القرآن - خواتيم آل عمرانللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله سبحانه في أكثر من آية بالتفكر في مخلوقاته، وأخبر أن في خلق السموات والأرض آيات باهرات لأهل العقول الذين يكثرون من ذكر الله، ويذكرون الله على جميع أحوالهم، وأن ذكر الله والتفكر في آياته العظيمة يقودهم لزيادة الإيمان والتمجيد والدعاء، وقد ذم الله سبحانه من ترك التفكر في آياته مع كثرتها، وشبهه بالأنعام

    1.   

    الحث على التفكر في خواتيم سورة آل عمران

    الشيخ عبد الحي يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

    في خواتيم سورة آل عمران آيات ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انبعث من فراشه بالليل مسح وجهه صلوات ربي وسلامه عليه، ثم نظر إلى السموات وقرأهن، وقال عليه الصلاة والسلام: ويل لمن قرأهن ولم يتفكر فيهن ).

    ويقول الله عز وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190].

    وكأن سائلاً يسأل: من أولو الألباب يا ربنا؟ فقال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    أخي أبا عبد الله ! ونحن في هذا المكان الجميل الرائع، الذي يظهر فيه ملكوت ربنا جل جلاله، وعظيم قدرته، ماذا تقول عن هذه الآيات؟

    الترغيب في الإكثار من ذكر الله وبيان فضله

    الشيخ محمد الخضيري: تأمل أن الله عز وجل هيأ النفوس لأن تكون من أهل هذه الصفات، لما قال: لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].

    فهذا تحفيز بأن يكون الإنسان من أهل العقول والألباب الصافية، التي ليس فيها شيء من النظر العادي، وإنما نظرها إلى الآخرة، وحرصها على ما يرضي ربها، واهتمامها بالذي خلقت من أجله، فبدأ بالصفة الأولى فقال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

    الشيخ عبد الحي يوسف: وفي الحديث: ( مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت ).

    الشيخ محمد الخضيري: وذكر الله قد جعل في كل وقت وفي كل حال؛ لأن الذكر هو لب العبادة، جاء في الحديث: ( ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم غداً فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله ).

    وفي الحديث الآخر: ( سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ).

    والأحاديث في باب الذكر كثيرة.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].

    الشيخ محمد الخضيري: ولا يكاد يذكر الذكر في القرآن إلا مقروناً بالكثرة؛ للدلالة على أنه مقصود لذاته، وأن المسلم مهما دار في العبادات، وتنقل بين أفيائها، في نهاية المطاف فهو يحقق لب هذا الذكر.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وفي الحديث: ( إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار من أجل ذكر الله ).

    الشيخ محمد الخضيري: لإقامة ذكر الله.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم.

    ذكر الله سبحانه وتعالى في كل الأحوال

    الشيخ محمد الخضيري: بدأ الله هنا بقوله: يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً [آل عمران:191]، وقبل أن نغادر هذه الآية، في نفس سورة آل عمران قال الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]، وهنا يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، والله عز وجل بدأ بالقيام، ثم ثنى بالقعود، وثلث بالجنوب، وهناك في سورة يونس يقول الله عز وجل: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً [يونس:12]، قالوا: لأن صاحب الضر يكون على جنب إذا اشتد به المرض، ثم إذا تعافى قليلاً قعد، ثم إذا عادت إليه عافيته قام، وهنا على العكس ذكر الله عز وجل يكون من قيام في الصلاة وغيرها.

    الشيخ محمد الخضيري: بل إن ذكر القرآن أعلى الذكر، ولا يجوز أن يقرأ في الصلاة إلا في حال القيام، فلا يقرأ في الركوع والسجود.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، وفي الحديث: ( نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ).

    1.   

    الحث على التفكر في الآيات الكونية وذم المعرضين عن ذلك

    ذكر التفكر والعقل في القرآن

    الشيخ عبد الحي يوسف: ثم في هذه الآية يقول الله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191]، وفي سورة البقرة قال ربنا: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، ثم بعدها بدأ بذكر آياته الكونية العظيمة التي تدعونا إلى توحيده وتأليهه، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:164].

    ثم قال: وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [البقرة:164]، انظر إلى هذه الدواب التي تجري بين أيدينا ومن فوقنا، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]، وفي سورة آل عمران: لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، يعني: من كان عنده عقل سيهتدي حتماً لأن يوحد الله.

    ولذلك الكفار يوم القيامة ينفون عن أنفسهم العقل، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]، ولهذا تعطيل العقل في ديننا جريمة.

    والآن بعض الناس يقولون: العقل ما ذكر في القرآن، فأقول لهم: سبحان الله، لقد ذكر في مئات الآيات في التفكر، والتدبر، والتعقل، وأولي الألباب، وفي مواطن كثيرة جداً.

    لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179] أي: لا يعقلون بها، وهناك إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44]، وغير ذلك من الآيات.

    ولذلك نقول: لا بد أن نستعمل عقولنا في التفكر في ملكوت ربنا؛ من أجل أن نزداد إيماناً.

    وقد ذم الله ناساً فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105]، تجد الواحد منهم -عياذاً بالله- شراً من الدواب، الآيات بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته، أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20]، هذا كله لم يفكر فيه يوماً من الأيام، يمر عليه الليل والنهار وهو لا يعي شيئاً.

    ورود الحث على الذكر والتفكر في حق المؤمنين بالصيغة الفعلية

    الشيخ محمد الخضيري: وهنا تحضرني فائدة في اللغة، فعندما يأتي ذكر التفكر ويخاطب فيه المؤمنون يأتي بالصيغة الفعلية (يتفكرون)، (يذكرون) لأن الصيغة الفعلية عند العرب تدل على الاستمرار والتجدد والحدوث، يعني: أن ذلك يتجدد لهم ويحدث مرةً بعد أخرى، فالمؤمن لا شك أنه لا يمكن أن يكون ذاكراً لله في كل ثانية من ثواني عمره، ولكنه يذكر الله وهو قائم، ثم يذكر الله وهو قاعد، ثم يذكر الله وهو على جنبه، ثم يذكر الله إذا صلى، ثم يذكر الله إذا أذن، ثم يذكر الله إذا قام من الليل.

    والتفكر ذكر، ولا يمكن للإنسان أن يكون متفكراً طوال وقته، لكن الله سبحانه وتعالى ذكرها بالصيغة الفعلية من أجل أن الإنسان يجدد الذكر وقتاً بعد وقت، فإذا رأيت شجرة ذكرته، وإذا رأيت جبلاً ذكرته، وإذا رأيت نفسك ذكرته.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وإذا عانيت من الحر ذكرته، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( أعوذ بالله من حر جهنم )، وإذا عانيت من البرد تستعيذ بالله من الزمهرير، وتتذكر الآخرة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صمته فكراً، ونطقه ذكراً، ونظره عبرة، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13].

    ذم من عطل سمعه وبصره وقلبه عن وظيفته

    1.   

    ثمرة ذكر الله والتفكر في مخلوقاته

    الشيخ محمد الخضيري: نعود إلى آياتنا يا شيخ: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191]، فإذا تفكروا حصل لهم الإيمان: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران:191]، فينزهون الله أن يكون في شيء من خلقه شيء باطل، أو خلق لغير حكمة، ويكون هذا الخلق غير دال عليه، رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، ولاحظ أن هذا الذكر وهذا التفكر ختم بالدعاء والدعوة إليه، فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    كذلك في قوله: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:193-194] هذا حال المؤمن.

    ولذلك أنا أقول: هناك من الكفار من يتفكر لكن لا يهديه تفكره إلى أن يؤمن بالله، فلا عبرة بتفكر هذا، ولا حاجة.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم صحيح؛ لأنه ما أوصل إلى الغاية وإلى المقصود؛ ولأنه اشتغل بالوسيلة عن الهدف.

    فهذه الآيات المباركات من أواخر سورة آل عمران فيها تلخيص لما بثه الله عز وجل في القرآن من التنبيه على آياته الكونية، في خلق الإنسان: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، وعلى ما نبه الله عليه في خلق هذه الدواب، والنظر إليها: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور:45]. نسأل الله أن يزيدنا إيماناً.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004824