إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [17]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشترط بعض العلماء الترتيب بين الجمرات عند الرمي، ويصح التوكيل في رمي الجمار ولكن يشترط أن يرمي الموكل عن نفسه أولاً ثم عن موكله. وأجمع أهل العلم على أن للحاج أن يتعجل في يومين وله أن يتأخر، ويلزم الحاج إذا أراد القفول من مكة أن يكون آخر عهده بالبيت فيطوف للوداع.

    1.   

    رمي الجمار

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مشاهدينا الكرام! أهلاً ومرحباً بكم في الأكاديمية العلمية، ونحييكم بتحية الإسلام الخالدة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    في هذا الدرس المبارك -درس عمدة الفقه- يسرنا أن نرحب باسمكم جميعاً بالدكتور عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء.

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: كذلك يمتد ترحيبنا إلى الإخوة الدارسين والدارسات في موقع الأكاديمية المفتوحة ونرحب بكم مجدداً مشاهدينا الكرماء، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نقضي وإياكم أجمل الأوقات في رحاب هذه العلوم الشرعية الطيبة.

    مشاهدينا الكرام! نترك المجال لشيخنا الكريم ليستفتح هذا الدرس المبارك فتفضل يا شيخنا مشكوراً مأجوراً.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    الابتداء في رمي الجمار ومسألة اشتراط الترتيب

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [يبتدئ بالجمرة الأولى]، هنا مسألة، حيث إن الإنسان في أيام التشريق يبدأ برمي الجمرة الصغرى، وهي أقرب الجمار إلى منى، ثم بعد ذلك الوسطى، ثم بعد ذلك الكبرى، فهذه مسألة تسمى حكم الترتيب بين الجمار، هل يجوز له أن يرمي الوسطى ثم الكبرى ثم الصغرى، أو لا يلزمه الترتيب؟

    المسألة على قولين: ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية وأكثر أهل العلم إلى أنه يشترط الترتيب، والترتيب واجب، فلو لم يرتب لم يصح رميه، واستدلوا على ذلك بأدلة:

    الدليل الأول: قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى مرتبا،ً وقال: ( خذوا عني مناسككم ).

    والدليل الثاني: قالوا: إن الترتيب عبادة، فلا يجوز لمسلم أن يخالف هذه العبادة بغير دليل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    إذاً هي توقيفية، هذا هو قول جماهير الفقهاء.

    وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الترتيب بين الجمار سنة، واستدل على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ من تقديم بعض الأمور على بعض إلا قال: افعل ولا حرج )، قالوا: فإذا فعل الإنسان فقد أدى ما عليه.

    الجمهور قالوا في هذا الحديث: إنما هو تقديم بعض النسك على بعض، كتقديم الطواف على الرمي، أو تقديم الحلق على الرمي، أما أن يقدم نسكاً بعضه على بعض كالرمي فلا، وهذا القول أرى أنه قوي جداً، ولكن لو تركه لعذر أو جهل أو نسيان فلا بأس، فمثلاً: لو أنه أسقط بعض الحصيات في اليوم الحادي عشر في الجمرة الوسطى، فيقول: رميت الوسطى أربع حصيات، بقي عليه ثلاث، ثم رمى الكبرى بسبع، قبل أن يبتدأ في اليوم الثاني عشر، الأولى على قول الجمهور أن يرمي الوسطى ثلاثاً ثم الكبرى، ولو رمى الوسطى ثلاثاً أجزأه ذلك إن شاء الله إذا كان معذوراً، ولو فعل بأن رتب فهذا أولى وأحوط، لكن لو لم يرتب بسبب جهل ونسيان فهذا لا بأس به إن شاء الله.

    استقبال القبلة عند الرمي

    الشيخ: المسألة الثانية: يقول المؤلف: [فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم قليلاً].

    المؤلف هنا في الشرح قال: فيجعلها عن يساره، يعني: يجعل الصغرى عن يساره، ويستقبل القبلة، يعني: إذا جاء من منى إلى الجمرة الصغرى يجعل الجمرة الصغرى عن يمينه، ويستقبل القبلة فيرميها، يعني: أنه يجعلها على حاجبه الأيمن ثم يرميها بسبع حصيات وهو مستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر الله أكبر مع كل حصاة.

    وهذا -على كلام المؤلف- قياس على الجمرة الكبرى، لكننا نقول:

    أولاً: مر معنا أن الجمرة الكبرى في يوم العيد الصحيح أنه لا يجعلها على حاجبه الأيمن عند رميها ويستقبل القبلة، وقلنا: إن الحديث الوارد في ذلك الذي رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن المسعودي عن جامع بن أبي صخر عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود ، قلنا: هذا الحديث ضعيف؛ لأن المسعودي ضعيف لا يحتج به، وقد روى البخاري و مسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد بأن قال: ( فاستبطن الوادي فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ).

    ثانياً: قياسهم الجمرة الصغرى على الجمرة الكبرى يحتاج إلى دليل، فهذا قياس في العبادات، والقياس في أصول العبادات المحضة لا يسوغ، فقول المؤلف: أنه يستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات، يحتاج إلى دليل، والسنة أن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقلوا لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة معينة، وبالتالي نقول: كل عبادة وقتها المرء ولم يوقتها الله ولا رسوله بزمان أو مكان أو صفة أو غير ذلك، فهذا غير مشروع، وبالتالي نقول: السنة أنه يرميها كيفما اتفق، إن كان الأسهل بأن يجعل الجمرة بينه وبين القبلة فعل، أو يجعل القبلة خلفه فعل، فأي صفة فعلها أجزأه ذلك، سواء عن يمينها أو يسارها، أما كونه يكون بينها وبين القبلة فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والقاعدة تقول: وترك الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن تقييده غير مشروع، بمعنى: أن الإطلاق في وقت يحتاج إلى بيان ولم يبين يدل على أن الإطلاق هو الأولى، والله أعلم.

    رمي الجمرة الصغرى بسبع حصيات

    الشيخ: المؤلف يقول: [ فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة ]، نقول: نعم يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ولا يقول شيئاً، وما جاء في حديث عبد الله بن مسعود أنه يقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً )، قلنا: هذا الحديث فيه اضطراب كما رواه الإمام أحمد رحمه الله، وعلى هذا نقول: يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.

    والعبرة بمجمع الحصى، هذا الذي نص عليه الشافعية والحنابلة، ولا عبرة بالحوض؛ لأن الحوض ربما يكون صغيراً، وربما يكون كبيراً، والعبرة بعدد الحجاج، فحجاج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون مائة ألف لم يكونوا ولن يكونوا مثل حجاج يبلغون ثلاثة ملايين في مثل زماننا، فالعبرة بمجمع الحصى، فلو امتلأ الحوض وكان حوله جمار، فلو رمى الجمرة على الحوض أو قريباً من الحوض الذي قد امتلأ حصى أجزأه ذلك إن شاء الله، والحمد لله الآن أصبح الحوض كبيراً يسع ثلاثة ملايين أو أكثر.

    والعبرة ليست بالشاخص إنما وضع بالشاخص علامة على أن أسفله مرمى.

    التقدم إلى الأمام بعد الفراغ من رمي الجمرة الصغرى

    الشيخ: وذكر ابن خزيمة رحمه الله في بعض الروايات: ( ثم يتقدم أمامه )، أن السنة إذا رمى الجمرة الصغرى يتقدم أمامه، وبعض الروايات قال: ( فيجعلها عن يمينه )، وأقول: كل هذا ليس عليه دليل، وما جاء في بعض الروايات ( يتقدم أمامه )؛ لأن هذا أسمح له عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الجمار كانت في السابق فيها وديان، وفيها جبال وفيها تلال، وفيها هضبات وصخور، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الأسهل له.

    ولهذا جاء في حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: ( ثم يتقدم فيأخذ ذات الشمال فيسهل )، فالعبرة أن يأخذ المكان السهل؛ ولهذا نص كثير من الشافعية والحنابلة كـابن قدامة و ابن حجر و ابن تيمية أنه يتقدم أمامه حتى يبتعد عن مجمع الحصى حتى لا يصيبه الحصى، فالعبرة ليست بأن يأخذ بعد الصغرى ذات اليمين، ولا ذات الشمال، وما نص عليه ابن قدامة لم يكن مقصوداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى الحديث البخاري فمرة ذكرها ومرة لم يذكرها؛ مما يدل على أن فعل ابن عمر إنما أخذ الطريق السهل، وعلى هذا نقول للحجاج: إذا رميتم الصغرى فاذهبوا إلى أي اتجاه شئتم إذا كان ذلك أخشع لقلوبكم، فالعبرة بأن يرفع يديه ويخشع، وما يفعله بعض الحجاج بأن يجتمعوا ذات اليمين، وربما لم يدع الإنسان ولا يستطيع أن يخشع بسبب من حوله ظاناً أن ذلك سنة، قلنا: أن ذلك ليس بسنة.

    ثانياً: على فرض أنها سنة فالعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، فإذا كان زحام وافترضنا أن ذات اليمين هو السنة، فإذا أخذت ذات اليمين لا تخشع في دعائك.

    فالعبرة بالدعاء، والعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، وعلى هذا فنقول: يذهب أي مكان يشاء إذا كان أخشع لقلبه.

    المقدم: يا شيخ! توجيهكم لهذه السنة التي تهجر أحياناً، البعض فقط يأخذ في اعتباره أنه يرمي الصغرى ثم يذهب إلى الوسطى، ثم إلى العقبة، ثم إلى ..

    الشيخ: وعدم الدعاء أيضاً خطأ، وقد ذكر عامة الفقهاء أنه يستحب للإنسان أن يدعو بعد الصغرى، وبعد الوسطى، بل بالغ في ذلك الثوري فقال: إن لم يفعل الدعاء فعليه دم من باب التشديد وتحري هذا الأمر، وقول عامة الفقهاء أن ذلك سنة، ولكن لا ينبغي أن يدعها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رمى الصغرى قام فاستقبل القبلة ودعا طويلا،ً وقد كان ابن عمر كما روى مالك أنه يجلس بمقدار سورة البقرة، تخيل معي شخصاً يدعو بمقدار سورة البقرة! ترى ربك يرده؟! لا، والله سبحانه وتعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

    فينبغي للمسلم أن يدعو ويبالغ في الدعاء، ويلح في الدعاء، ويقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، ويدعو بخير الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، إذا دعا الإنسان بعد الصغرى يتقدم فيذهب إلى الوسطى، والمؤلف رحمه الله قال في الوسطى: يجعلها على حاجبه الأيسر ويرمي، يعني: يجعلها على يساره ويستقبل القبلة ويرميها، وقلنا: هذا ليس عليه دليل، وعلى هذا فنقول: يذهب إلى أي اتجاه شاء، سواء جعل مكة خلفه أو أمامه أو عن يساره، أهم شيء أنه يستقبل المرجم ويرميها بأي اتجاه شاء؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صفة معينة.

    التوكيل في رمي الجمار

    الشيخ: إذا رمى الجمرة يرميها بسبع حصيات مثل ما رمى في الوسطى، وإن كان وكيلاً عن الغير، وهذا يحصل كثيراً أن بعض الناس يرمي عن نفسه، ويكون وكيلاً عن زوجته أو عن بنته أو عن أخته، فنقول: السنة أن يرمي الصغرى عن نفسه، ثم الوسطى عن نفسه، ثم الكبرى عن نفسه، ثم يرجع، هذه هي السنة.

    وهل له أن يرمي الصغرى عن نفسه وعن وكيله، ثم الوسطى عن نفسه وعن وكيله؟ الحنابلة قالوا: لا، والأقرب -والله أعلم- جواز ذلك؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عهده من حج ووكل، كما قال جابر : فرمينا عن الصبيان، وإن كان هذا الحديث رواه الترمذي بسند ضعيف، لكن أجمع أهل العلم على أن من الصحابة من رمى عن الغير، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه أمر الصحابة أن يرموا عن الوكلاء بصفة معينة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، والأصل خاصة في الحج أنه ما لم يرد نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة معينة، أو في عمل معين فالأصل فيه الجواز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ ( افعل ولا حرج ) وعلى هذا فنقول لهم: يرموا عن أنفسهم ثم يرموا عن موكليهم.

    وهل لهم أن يرموا عن موكليهم أولاً، ثم يرموا عن أنفسهم؟

    الحنابلة والشافعية قالوا: إذا كان حج الوكيل فرضاً فإنه يبتدئ بنفسه ثم يبتدئ عن موكله.

    والمالكية والحنفية يقولون: هذا هو الأولى، ولكن لو فعل وأخطأ أجزأه ذلك إن شاء الله، وأرى أن القول الثاني هو أسمح بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما لو خير بين أمرين لاختار أيسرهما، لكننا نقول: الأولى هو أن يرتب بأن يرمي عن نفسه ثم يرمي عن الوكيل؛ لأن الحنابلة والشافعية استدلوا على ذلك بحديث شبرمة ( قال: من شبرمة ؟ قال: أخ لي أو قريب لي؟ قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة )، وقلنا: إن هنا الحديث الأقرب والله أعلم أنه موقوف على ابن عباس ، وأن سعيد بن أبي عروبة أخطأ فيه عن قتادة إذ رواه مرفوعاً، وأكثر الرواة عن قتادة رووه موقوفاً على ابن عباس .

    صفة رمي جمرة العقبة

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ ثم بعد ذلك يرمي جمرة العقبة ].

    أولاً: جمرة العقبة لها صفة في المقام الذي يرميها، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود قال: فاستبطن الوادي، فاستعرضها فرماها بسبع حصيات، وفي رواية البخاري : ( فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، فاستبطن الوادي فرماها بسبع حصيات )، يعني: يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستبطن الوادي ويرمي جمرة العقبة، هذه هي الصفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة الرمي في الجمرة الكبرى فحسب، فإذا رماها بسبع حصيات لا يقف عندها ولا يدعو، وهذا هو الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنه كما عند البخاري .

    تحديد أوسط أيام التشريق

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك ].

    المقصود باليوم الثاني هو اليوم الثاني عشر، وهو يوم النفر الأول، وهل هو اليوم الأوسط أم لا؟ خلاف عند أهل العلم، فذهب بعضهم أن اليوم الحادي عشر هو أوسط أيام التشريق، وذهب بعضهم إلى أن اليوم الثاني عشر هو أوسط أيام التشريق، وأرى أن هذا هو الأقرب؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه ذكر أن اليوم الثاني عشر هو اليوم الأوسط، أما اليوم الحادي عشر فيسمى يوم القر؛ لأن الناس يقرون، يعني: يقيمون في منى، فالأقرب والله أعلم أن أوسط أيام التشريق إنما هو اليوم الثاني عشر ويسمى يوم النفر الأول.

    وقت رمي الجمار

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: (ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك).

    يعني: في وقته، فلا يجوز على مذهب الحنابلة والجمهور أن يرميها قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، ويرميها على الصفة التي ذكرها المؤلف، وقلنا: إن الصفة ليست بصحيحة، ويرميها كيفما اتفق كما مر معنا في اليوم الحادي عشر، وهيئتها على الطريقة التي ذكرها المؤلف. وأما الرمي قبل الزوال فقد مر معنا أنه لا يجوز أن يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، أما في اليوم الثاني عشر فقد قلنا بجواز ذلك خاصة للمعذور، وهو قول ابن عباس ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة و عبد الرزاق من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: رمقت ابن عباس رمى في الظهيرة، أو في رواية في الضحى قبل الزوال ثم صدر، وهو قول ابن الزبير ، كما روى الفاكهي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن مجاهد ، كما مر معنا، ونسيت بهذا الإسناد، لكن ذكرنا أنه بإسناد صحيح من طريق ابن أبي عمر عن سفيان .

    1.   

    التعجل في يومين

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب من منى ].

    هذه مسألة التعجل، أجمع أهل العلم على أن للإنسان أن يتعجل وله أن يؤخر، وما ذكر عن عمر أنه قال: (إلا بني خزيمة) فهذا اجتهاد من عمر، ولعل عمر أراد بذلك أن يبقى بنو خزيمة؛ لأنهم قريبون من مكة، وإلا فإن بعضهم نص على الإجماع على أنه يجوز لهم أن يتعجلوا، ويجوز لهم أن يبقوا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحج عرفة؛ فمن وقف بعرفة قبل طلوع الشمس فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) وهذا الحديث يقول عنه وكيع: هو حديث أم المناسك.

    قول المؤلف: (إن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل المغرب).

    هذا هو قول جماهير الفقهاء أن من أراد أن يتعجل فيجب عليه أمران: يجب عليه أن يرمي قبل غروب الشمس، وأن يخرج من منى قبل غروب الشمس، فإن كان بقي عليه جزء من الرمي ولو حصاة واحدة وجب عليه أن يبقى إلى اليوم الثاني عشر إن كان قد غربت عليه الشمس وهو لم يرم، وإن بقي ولم يخرج وجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس، واستدل العلماء على ذلك بما رواه البيهقي بإسناد صحيح من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس، وروى مالك بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من غربت عليه الشمس من أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد، هذا هو قول عامة الفقهاء، واستدلوا على ذلك أيضاً بقول الله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، قالوا: واليوم يطلق في لغة العرب الذي هو بخلاف الليلة، فإذا قيل: يوم كامل صار معنى لذاته، وإلا فالأصل أن اليوم يطلق على النهار قبل غروب الشمس، قالوا: وكل ما أتى ولم يحدد في الشرع فيحدد في العرف، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كـالخطابي و ابن تيمية و ابن قدامة و ابن حجر وغيرهم كثير، وعلى هذا فإذا بقي في منى ولم يخرج حتى غربت عليه الشمس فيجب عليه أن يبقى حتى يرمي اليوم الثاني عشر، ولكن لو أنه حبس بسبب طريق أو بسبب مرض ليس بإرادته وهو يريد أن يخرج، أو كان في ذلك مشقة عظيمة بسبب زحام الناس فلا يستطيع أن يخرج من منى، نقول: غاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم الإدراك؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )؛ لأن الحبس هنا ليس من إرادته.

    وعلى هذا نقول: العبرة بالرمي قبل الغروب، فلو أن شخصاً رمى قبل الغروب ولم ينو التعجل، وقبل أن تغرب الشمس قال: أحب أن أتعجل، فله أن يذهب ويخرج، لكن العبرة هو أن يرمي وأن يخرج قبل غروب الشمس حتى لو لم ينو التعجل.

    وإذا وجد المشقة في ربط العفش وضاق عليه الوقت فلا حرج في التأخر، أما أن يؤخر الرمي ثم يذهب فيبحث عن أمتعته فنقول: هذا نوع تفريط، وعامة الفقهاء يقولون: يبقى، لكن إذا كان من غير إرادته فله أن يخرج.

    وأبو حنيفة رحمه الله قال: يجوز له أن يرمي حتى بعد غروب الشمس من اليوم الثاني عشر، فالعبرة بطلوع فجر يوم الثالث عشر، فله أن يرمي في اليوم الثاني عشر بعد الغروب ويخرج منها ما لم يخرج وقت الفجر، فإذا خرج وقت الفجر يجب عليه أن يبقى، قالوا: لأنه لم يدخل رمي اليوم الثالث عشر.

    والأقرب والله أعلم هو قول الصحابيين عمر وابنه، ولم يرد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك، وعلى هذا فنقول: لا اجتهاد مع قول الصحابة رضي الله عنهم، وقول أبي حنيفة معارض بالآية؛ لأن الله يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203]، واليوم في لغة العرب هو النهار دون الليل.

    1.   

    مدى جعل طواف الوداع من جملة الأنساك

    الشيخ: المسألة الأخرى يقول المؤلف: [فإن كان متمتعاً أو قارناً فقد انقضى حجه وعمرته].

    المؤلف رحمه الله أراد أن يبين أن طواف الوداع ليس من أعمال النسك، ولكنه من أعمال الحج، ويفرق بعض أهل العلم هل طواف الوداع من أعمال النسك، فيلزم على هذا أهل مكة وكل من بقي أم هو ليس من أعمال النسك ولكنه عمل لمن فارق مكة من الحجاج؟

    وهذا هو الذي اختاره ابن تيمية رحمه الله، أنه ليس من أعمال النسك فبالتالي لا يلزم أهل مكة أن يطوفوا للوداع، ولهذا قال: فإن كان متمتعاً أو قارناً فقد انقضى حجه وعمرته؛ لأن المتمتع اعتمر وحج، والقارن طوافه وسعيه عن عمرته وحجه كما قال صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً )، هذا هو مراد المؤلف، وعلى هذا فإذا رمى قبل غروب الشمس وأحب أن يتعجل فقد انتهى من تمتعه، وقد انتهى من قرانه، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع إذا أراد أن يخرج، وإذا كان من أهل مكة فالراجح أن لأهل مكة أن يكونوا متمتعين كالقارن مثلاً فإنهم يكونون قد انتهوا من أعمال الحج ولا يلزمهم طواف الوداع كما سوف يمر معنا إن شاء الله.

    1.   

    العمرة بعد الحج للمفرد

    الشيخ: المؤلف فرق بين القارن والمتمتع وبين المفرد، فقال: [وإن كان مفرداً خرج إلى التنعيم] يعني: قبل طواف الوداع [فأحرم بالعمرة منه، ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ] يعني: يأخذ عمرة.

    المؤلف رحمه الله أخذ بهذا استدلالاً بفعل عائشة ؛ لأن عائشة صارت قارنة، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ عمرة من التنعيم، ونقول: هذا الاستدلال فيه نظر من وجهين:

    أولاً: أن هذا في حق القارن وليس في حق المفرد، فـعائشة رضي الله عنها كانت قارنة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن عمرتك وحجتك جميعاً )، ومن المعلوم أن المفرد ليس عليه عمرة.

    الثاني: قولهم أن المفرد لم يأت بعمرة، والأولى أن يأتي بعمرة، قلنا: مسألة الأولوية شيء، والاستحباب شيء آخر، بل إن أبا العباس بن تيمية في المجلد السادس والعشرين بالغ في هذا وأنكره إنكاراً شديداً، وقال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة إلا عن عائشة أنها فعلت ذلك في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره ابن تيمية رحمه الله محل تأمل؛ حيث أن عائشة رضي الله عنها كما روى ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه أنها اعتادت كلما تحج أنها تبقى قليلاً ثم تخرج إلى التنعيم فتعتمر، فالأقرب أن عائشة فعلت ذلك بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا في حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وذهب بعض أهل الحديث إلى أن كل من فعل عمرة فعجز عن إكمالها فأدخل الحج على العمرة ليصير قارناً كحال عائشة استحب له أن يعتمر بعد ما ينتهي من الحج كما صنعت عائشة، وهذا هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز، وأرى والله أعلم أن قول شيخنا عبد العزيز بن باز أظهر إلى السنة من قول ابن تيمية رحمه الله؛ لأن عائشة قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر حينما دخل عليها وهي تبكي: قال: ( ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، والناس يذهبون إلى الحج الآن، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج فعسى الله أن يرزقكيها )، فقول النبي: ( فعسى الله أن يرزقكيها ) يعني بذلك العمرة المستقلة التي لم تستطع أن تكملها بسبب حيضها، وأرى أن هذا هو الأقرب، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت يجزئ عن حجتك وعمرتك جميعاً )، إنما قال ذلك لـعائشة حتى يكون ذلك أسمح لأصحابه؛ لأن عائشة قالت: يصدر الناس بنسكين، وأصدر بنسك واحد، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تترك هذه العمرة رفقاً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها أصرت، فقال: فاخرج بها يا عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعمرها حتى تلقوني في المحصب.

    فهذا يدل على أن الأولى للمفرد ألا يأخذ عمرة، فإن كان بعيداً ولا يستطيع أن يأتي فنحب له أن يبقى قليلاً، لا يواصل بين الحج والعمرة، يبقى قليلاً؛ فإن أخذ عمرة بعد ذلك فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وهو فعل عائشة أنها كانت تأخذ عمرة بعد حجها، سواء كان الإنسان قارناً أو كان مفرداً كما دلت على ذلك السنة، وقولنا: أن عائشة كانت قارنة قلنا: المفرد له أن يأخذ عمرة له وليس بسنة، وفرق بين الأمرين، له أن يأخذ عمرة؛ لأن الصحابة كانوا يأخذون عمرة بعد حجهم، منهم عائشة ، وروي عن ابن عمر أنه كان يذهب فيخرج إلى الجحفة فيأخذ عمرته.

    على كل حال قلنا: أن ذلك له وليس بسنة.

    1.   

    حلق الشعر

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ فإن لم يكن له شعر ] لأنه قد حلق [ استحب أن يمر الموسى على رأسه ] الذي ليس برأسه شعر لا يخلو من حالين:

    الحال الأولى: الأصلع الذي ليس في رأسه شعرة.

    الحال الثانية: الذي حلق رأسه.

    الذي ليس في رأسه شعر ألبتة وهو الأصلع لا يلزمه أن يمر الموسى؛ لأن إمرار الموسى تحصيل حاصل، أما الذي قد حلق شعره بالموسى فلا بد أن يخرج شيئاً من شعره لو حلقه بعد ذلك بالموسى إذا مر عليه يومان أو ثلاث، فعلى هذا نقول: له أن يمرر بالموسى إذا كان قد حلق شعره بالموسى قبل ذلك بثلاثة أيام، ونحب له كما أحب الإمام أحمد أن يبقى بعد العمرتين أو بعد حجه وعمرته عشرة أيام، وقد كان أنس لا يعتمر حتى يحمم رأسه يعني: يكبر ويطول الشعر، وهذا هو الذي سأل الأثرم عنه الإمام أحمد قال: إلى متى؟ قال: عشرة أيام، وهذا التحديد ليس عليه دليل، ولكن الإمام أحمد ذكر إلى أن يمر الموسى؛ لأن الحلق من واجبات العمرة، ولهذا يختلف الناس، فبعض الناس بعد أربعة أيام يشب شعره، وبعضهم بعد عشرة، وبعضهم بعد شهر، فالعبرة على التشبيب وزيادة الرأس.

    1.   

    أوجه الاختلاف بين القارن والمفرد

    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: [وقد تم حجه وعمرته].

    لأنه أخذ حجاً كاملاً، وأخذ عمرة كاملة.

    يقول: [وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد].

    مر معنا في أول باب الإحرام أن المفرد والقارن عملهما سواء، ويختلفان في أمرين:

    الأمر الأول: في الهدي، فالقارن عليه هدي، بخلاف المفرد، وأما القارن قلنا: عليه الهدي؛ لأنه داخل في التمتع، لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، ومن المعلوم أن كل من أخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة عد متمتعاً كما نقل ذلك الإجماع ابن عبد البر في كتابه العظيم (الاستذكار) و(التمهيد).

    وأما قول أهل الظاهر: أن القارن ليس عليه هدي، فنقول: هذا قول ضعيف؛ فقد روى مسلم في صحيحه، بل روى البخاري و مسلم عن جابر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن عائشة بقرة يوم النحر ).

    الأمر الثاني: أن القارن يكون طوافه بالبيت عن حجه وعمرته، وسعيه بين الصفا والمروة عن حجه وعمرته، أما المفرد فطوافه لحجه، وسعيه لحجه، هذان فرقان ذكرهما أهل العلم، وما يذكره بعض أصحاب أبي حنيفة أن القارن يلزمه سعيان، فهذا ليس بصحيح.

    1.   

    خروج الحاج من منى قبل غروب الشمس

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره، حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده، ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت].

    قول المؤلف رحمه الله: (وإذا أراد القفول) يعني بذلك: إذا خرج من منى فله أن يبقى في مكة كيفما شاء، أهم شيء أنه إذا أراد أن يخرج إلى بلده يجب عليه أن يطوف للوداع، ولم يذكر المؤلف مسألة، وهي أنه إذا رمى قبل غروب الشمس ثم خرج من منى حتى غربت الشمس هل له أن يرجع بعد ذلك؟

    يعني: إذا تعجل الحاج ورمى الجمار قبل غروب الشمس، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم غربت عليه الشمس، وهو خارج منى، هل له أن يرجع إلى منى؟ ذهب بعض الحنابلة وهو مذهب الشافعي إلى أنه يجوز له ذلك؛ لأن دخوله منى بعد غروب الشمس ليس لها حكم، وهذا القول قوي، وإن كنت أرى أنه لا يصنع الإنسان هذا حتى لا يكون حج الإنسان نوع من الترف والتيسير، وبعض أهل العلم قال: لا يجوز له أن يرجع، والعبرة بالرمي والخروج قبل غروب الشمس، فإذا غربت عليه الشمس وهو خارج منى فله أن يرجع؛ لأن منى أصبحت كغيرها من الأماكن.

    1.   

    طواف الوداع

    طواف الوداع للمكي

    المسألة الأخرى وهو قول المؤلف: [ وإذا أراد القفول ].

    يعني: بقي في مكة وأراد أن يخرج، وهذا في حق من؟ في حق الآفاقي، أما في حق الملازم لمكة وهو المقيم فإنه لا يلزمه طواف وداع سواء نوى الإقامة في مكة قبل رمي الجمار أو بعد رمي الجمار، فإنه له ذلك على قول عامة الفقهاء خلافاً لـأبي حنيفة.

    الخروج من مكة قبل طواف الوداع وما يترتب على ذلك

    الشيخ: قول المؤلف: (وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف).

    هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس : كان الناس ينصرفون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )، وقال ابن عباس أيضاً: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ) متفق عليه، وعلى هذا نقول: يجب على الإنسان أن يطوف للوداع قبل أن يخرج إلى بلده، ثم اختلف العلماء، لو خرج إلى بلده، فهل يلزمه دم، وهو لم يطف طواف الوداع؟ قالوا: في هذا مسائل وتفصيل:

    المسألة الأول: إذا خرج ولكنه لم يخرج من مكة ولا من الحرم، وقولنا: لم يخرج من مكة؛ لأن هناك أماكن في مكة خارج الحرم مثل الشرائع، فإذا وصل إلى الشرائع فإنه له أن يرجع ويطوف ولا حرج عليه في ذلك خلافاً للشافعي ؛ لأنه حد ذلك بالحرم.

    المسألة الثانية: إذا خرج من مكة دون مسافة القصر، فلو رجع فهل ينفعه ذلك؟ نقول: ينفعه ذلك كما ذكر ذلك الحنابلة؛ لأنهم عدوا الرجوع القريب بمسافة القصر، فنقول: هذا قريب.

    المسألة الثالثة: إذا خرج بما زاد على مسافة القصر، يعني: ثمانين كيلو فأكثر، فلو أراد أن يعود هل له ذلك؟ الحنابلة قالوا وهو قول أبي يعلى: لا ينفعه رجوعه، وعلى هذا لو رجع وطاف ما نفعه ذلك، ويلزمه دم لتركه واجباً، وقد مر معنا أن الأقرب -والله أعلم- أن كل من ترك واجباً فعليه دم، قالوا: فعليه دم، وذكر ابن قدامة احتمالاً في المغني، قال: ويحتمل أنه لو رجع البعيد، ولو كان أكثر من مسافة القصر أن ذلك يجزئه، وأرى أن قول ابن قدامة جيد لأمور:

    أولاً: أننا قلنا في عرفة: من خرج منها قبل غروب الشمس، ثم رجع إليها قبل غروب الشمس نفعه ذلك، والحنابلة والشافعية يقولون: من خرج من مزدلفة قبل منتصف الليل أو قبل مغيب القمر، ثم أتاها قبل مغيب القمر نفعه ذلك، وكذلك نقول: العبرة بأداء الطواف، فإذا رجع سقط عنه الدم، وهذا هو الأقرب، ومما يدل على ذلك قول ابن عباس: (كان الناس ينصرفون من كل فج، أو من كل طريق، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهدهم بالبيت)، فبعضهم ابتعد، وبعضهم قريب، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

    طواف الوداع للحائض

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [حتى يكون آخر عهده بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض].

    المرأة الحائض إذا حاضت وبقي عليها طواف الوداع فإن لها أن تنصرف ولا شيء عليها، فإن كانت قد أخرت طواف الإفاضة إلى طواف الوداع فإنه يلزمها طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن، وحينئذٍ يلزمها أن تبقى حتى تطهر، أو أن تذهب إلى بلدها إن كان قريباً، ثم إذا طهرت وهي ما زالت محرمة وقد تحللت التحلل الأول، وبقي عليها التحلل الثاني الذي لا يجوز لزوجها فيه أن يأتيها أو أن يعاشرها أو أن يستمتع بها، فإذا طهرت رجعت، سواء بعمرة كاملة ثم تطوف، أو بلا عمرة، وهذا هو الراجح.

    أما إذا كانت بعيدة ويشق عليها المجيء إلى بلاد الحرمين فنقول: لها أن تستثفر بثوب وتطوف ويلزمها دم؛ لأنها طافت غير طاهرة، وهذا هو قول أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد ؛ لأن الطهارة للطواف واجبة، وليست شرطاً كما يقول جمهور المالكية والشافعية والحنابلة، وليست سنة كما يذكره ابن تيمية عن حماد بن أبي سليمان وغيره من التابعين.

    الاشتغال بالتجارة ونحوها بعد طواف الوداع

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ فإن اشتغل بعده بالتجارة أعاده ].

    يعني: أنه إذا طاف للوداع، ثم اشتغل بالتجارة داخل مكة، قال: يعيد الطواف لأنه إذا أقام خرج عن أن يكون هذا الطواف وداعاً في العادة، فيلزمه أن يأتي به، وهذا القول قوي خلافاً لـأبي حنيفة.

    المسألة الأخرى: إذا طاف وحبس لانتظار رفقته، أو وهو في طريقه يحب أن يأخذ بعض الهدايا لصغاره، أو لأقربائه، فنقول: إذا كان ذلك في طريقه فلا حرج عليه؛ لأن فعله هذا ليس بإقامة تخرجه عن أن يعيد طواف الوداع، وهذا هو الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم، بل قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك مخالفاً لهما، يعني لـمالك و الشافعي .

    المقدم: طيب يا شيخ! إذا أخر طواف الوداع لمدة عشرة أيام أو شهر، بقي في مكة مثلاً، وهو يأتي ويتعبد ويزور بعض أقاربه بمكة، وبعد شهر طاف طواف الوداع.

    الشيخ: نعم، له ذلك، فليس لطواف الوداع حد محدود حتى لو خرج شهر ذي الحجة. والله أعلم.

    الوقوف في الملتزم عند الطواف والدعاء

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت ].

    الملتزم هو: المكان الذي بين الركن والباب، اختلف العلماء هل يستحب أم لا؟

    الشارح ذكر في ذلك أدلة، منها: ما رواه أبو داود من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة الحديث طويل، وقال فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك)، والحديث ضعيف؛ لأن رواية المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب ضعيفة جداً فلا يعول عليه، والحديث الآخر حديث عبد الرحمن بن صفوان ضعيف أيضاً، رواه أبو داود وفي سنده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، ورواه الفاكهي بإسناد صحيح عن مجاهد أنه قال: يدعى ما بين الركن والباب (الملتزم)، فقل إنسان يسأل الله شيئاً ويستعيذ منه إلا أعطاه. وهذا قلنا: رواه الفاكهي ، ورواه عبد الرزاق عن ابن عباس أنه كان يقف بين الباب والركن فيدعو، وذهب بعض الصحابة كـأبي هريرة و جابر و أبي سعيد و ابن عمر أنهم كانوا لا يقفون في الملتزم، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن كبار الصحابة من المبشرين بالجنة ولا غيرهم إلا عن ابن عباس أنه كان يقف.

    وعلى هذا نقول: إن ترك الصحابة دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وفعل ابن عباس دليل على الجواز، وقد ذكر ابن تيمية قاعدة جميلة؛ يقول: كل فعل فعله الصحابة رضي الله عنهم فلا يمكن أن يطلق عليه بدعة، ونقول: ولا يطلق عليه سنة إلا إذا كان ظاهر النصوص تؤيده أو فعله غير واحد من الصحابة، وعلى هذا فالصحابة اختلفوا فقول ابن عباس دليل على الجواز، وفعل الصحابة الذين تركوه دليل على عدم الاستحباب خلافاً لما ذكره المؤلف.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويقول: اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت إلى غير ذلك ].

    هذا الدعاء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحاب، وعلى هذا نقول: لو قال المؤلف: ويدعو بما أحب لكفى، كقول مجاهد : فقل إنسان يدعو بشيء أو يستعيذ من شيء إلا أعطاه إياه، فعلى هذا نقول: يدعو بخير الدنيا والآخرة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يصلي على النبي ].

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد شيء إلا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقت الدعاء حسن، وهو من الأسباب الجالبة لإجابة الدعاء، ولهذا روي عن عمر أنه قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر فيه انقطاع.

    خروج الحاج من مكة قبل طواف الوداع

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ فإن خرج قبل الوداع رجع إليه إن كان قريباً ].

    ومر معنا أنه إذا كان بعيداً بعث بدم؛ لأننا قلنا: الأقرب والله أعلم وهذا هو قول الحنابلة أنه إذا كان بعيداً وتعدى مسافة القصر وهي ثمانون كيلو قالوا: فلو رجع لم ينفعه ذلك، ووجب عليه أن يعيد الطواف، وذكرنا الاحتمال الثاني وهو: قول ابن قدامة أنه لو رجع نفعه ذلك، وقد بينا دليل هذا القول.

    وذكر المؤلف رحمه الله أنه يستحب للحائض والنفساء الوقوف عند باب المسجد، والدعاء بهذا الدعاء الذي مر، وقلنا: هذا يحتاج إلى دليل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لـصفية : (أحابستنا هي؟ قالوا: لا، إنها قد طافت، قال: فلتنفر إذاً) ولم يأمرها بأن تقف عند المسجد فتدعو كما ذكر المؤلف، والعبادات مبناها على التوقيف، ولا يصار إلى شيء منها إلا بدليل، ولا دليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    وبهذا نكون قد انتهينا من باب صفة الحج والعمرة، ويبقى علينا باب أركان الحج والعمرة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    إجابات أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: شيخنا الكريم نستعرض الأجوبة المتعلقة بالدرس الماضي، فهذه أخت تقول: الجواب عن السؤال الأول: هناك قولان للعلماء:

    القول الأول: أنه لا يرمي جمرة العقبة قبل الزوال، لقول ابن عمر أنه قال: لا ترمى الجمار قبل الزوال.

    القول الثاني: يجوز الرمي قبل الزوال لمن أراد أن ينفر في اليوم الثاني عشر، والدليل ما رواه عن ابن عباس أنه رمى قبل الزوال، وهو حبر الأمة، والدليل الثاني روي عن عبد الله بن الزبير أنه رمى قبل الزوال وهو أمير الحج، والدليل الثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أن يرمي في أحدهما.

    الشيخ: نعم، إجابة جيدة.

    المقدم: الجواب الثاني: المقدار الواجب أن يبيت بمنى مقداراً يصدق عليه أنه بات، أي: تقديراً بنحو ثلاث ساعات، ولا يلزم من البيتوتة النوم إلا أن السنة فيها أن ينام، هذا إجابة السؤال الثاني.

    الشيخ: مسألة السنة أن ينام، السنة في أصل الليل، لكن لو بقي في منى لا يلزم أن ينام، لكن الأصل أننا نقول: السنة الأصل في البيتوتة أنها تدخل في النوم، لكنه لو لم ينم جاز، فالعبرة في البيتوتة والبقاء في الليل، فإن نام فحسن؛ حتى يكون أسمح له في عبادته وفي أداء بعض الواجبات في اليوم الثاني عشر، لكن لو لم ينم جاز ذلك.

    المقدم: وهذا جواب آخر.

    يقول: يجوز رمي الجمار قبل الزوال في اليوم الثاني عشر، وهو ما قال به أبو حنيفة ، ورواية عن الإمام أحمد ، وهو الذي ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( رمقت ابن عباس رمى الجمار في الظهيرة ثم صدر )، وليس لأجل الزحام الذي يحصل في ذلك اليوم، وإنما لدلالة النصوص، والأقرب أن يرمي بعد الزوال، ولو رمى قبل الزوال فلا حرج والله أعلم.

    الشيخ: إجابة جيدة.

    المقدم: إجابة السؤال الثاني: المقدار الواجب في المبيت في منى هو معظم الليل، ومن أدركها أول الليل فعليه أن يبيت بها إلى آخر الليل، وجزاكم الله خيراً.

    الشيخ: أما فعليه يعني: (على) عند علماء الأصول تدل على الوجوب، ولكن لو بقي ما يصدق عليه أنه بات ثلاث ساعات أو أربع ساعات فحسن، وإن بقي أكثر الليل فهذا أفضل كما ذكر ذلك النووي في المجموع.

    المقدم: طيب! نشكر الإخوة الدارسين والدارسات في موقع الأكاديمية على تفاعلهم، شيخنا الكريم! إن كان لكم كلمة أو توجيه تودون أن تنقلونها إلى الإخوة الدارسين والدارسات.

    الشيخ: في مسألة الشرح هنا يلاحظ الطالب أو الطالبة أن الأدلة ربما تكون كثيرة، وأنا أحب أن تكون الأدلة كثيرة لأمور:

    الأمر الأول: إن بعض الأدلة ربما لا يكاد يجدها طالب العلم المبتدئ والمتوسط في شروح كتب الفقه، فأنا أذكر هذه الآثار في كتب المصنفات، وكتب المصنفات ربما يصعب على طالب العلم المبتدئ أن يحصل عليها، وتجدون أحياناً المؤلف لا يذكر دليلاً وتجد أن المسألة فيها أدلة عن الصحابة رضي الله عنهم، بل إن أثر ابن عباس هذا خفي على كثير من الفقهاء رحمهم الله، وقد ذكره ابن عبد البر في كتاب الاستذكار، وذكره ابن أبي شيبة ، والذي منعهم من أن يجدوا هذا الأثر عن ابن عباس الذي هو في الرمي قبل الزوال هو أن نسخة المجلد الرابع عند ابن أبي شيبة مفقود، ولم يطبع إلا قبل ثلاث سنوات تقريباً أو أربع سنوات، وهذا يدل على أن معرفة آثار الصحابة من الأهمية بمكان، هذا أمر.

    الأمر الثاني: طلاب الأكاديمية الواجب عليهم هو ذكر ما وافقنا فيه المؤلف بدليل واحد أو اثنين، وما خالفنا فيه يذكر القول الراجح الذي ذكرناه ورجحناه، وما عدا ذلك من الأقوال فليجعلها في مذكرته يرجع إليها متى ما احتاج إلى ذلك، هذا هو الواجب.

    1.   

    الأسئلة

    سوق الهدي في العمرة

    السؤال: ورد في عمرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ساق الهدي معه ثم نحره، فهل نسخ هذا الحكم أم أنه يجوز سوق الهدي للعمرة؟ وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي للعمرة، إنما بعث الهدي وقت العمرة، وفرق بين الأمرين، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ساق للعمرة هدياً؛ لأن معنى ذلك أنه لا يتحلل إلا بعد الهدي، والأقرب والله أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث هدياً وقت أداء عمرته، وللمرء أن يبعث هدياً وقت غير الحج، أو وقت الحج لمن لم يحج، ولا يحرم عليه ما يحرم على الحاج، فله أن يقلم أظفاره وغير ذلك، فللإنسان إذا أراد أن يأخذ عمرة أن يذبح هدياً في مكة؛ لأن هذا يعد قربة إلى الله سبحانه وتعالى في ذبح الهدايا في مكة وتوزيعها للفقراء.

    تقول عائشة : ( أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث بها إلى مكة، ولم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حرم على الحاج )، فهذا يدل على أن بعث الهدي شيء، وسوق الهدي وقت الحج شيء آخر، وما يذكره بعض الفضلاء أن سوق الهدي مع العمرة سنة قد اندثرت، نقول: الأقرب والله أعلم أن سوق الهدي هنا لا يلزم أن يكون سوق الهدي، ولكنه يكون بعث هدي، ومما يدل على هذا أن الصحابة الذين ساقوا الهدي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة التي حبس عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق معه الهدي، ولو كان هذا الهدي لأجل العمرة لوجب عليهم هديان: هدي لهذه العمرة، وهدي لأجل إحصارهم، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبحوا هذا الهدي دل على أن هذا الهدي ليس هو هدي العمرة، إنما هدي بعث به إلى مكة، فإذا جعله للإحصار جاز ذلك، والله أعلم.

    ما يلزم الحاج إذا سقطت منه حصاة أو أكثر فرمى بالباقي

    السؤال: إذا سقطت من الحاج حصاة أو أكثر ورمى بالباقي فماذا عليه؟

    الجواب: اختلف العلماء هل إذا ترك حصاة أو حصاتين يجزئه ذلك أم لا؟ فبعضهم قال: يجزئه، واستدلوا بما رواه مجاهد عن سعد بن أبي وقاص قال: ( حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فلما قفلنا، فمنا من قال: نسيت حصاة، ومنا من قال: نسيت حصاتين )، وهذا الحديث ضعيف حيث أن مجاهداً لم يسمع من سعد بن أبي وقاص.

    والأقرب -والله أعلم- أنه لا يجوز لمسلم أن يترك حصاة أو حصاتين، فإذا ترك ذلك جاهلاً أو ناسياً أو ظن أنها قد وقعت في المرمى ولم يخبره أحد أصحابه إلا بعد ما قفل، نقول: إذا كان حصاة أو حصاتين أجزأه ذلك إن شاء الله من باب العفو، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.

    المقدم: وفي مثل هذه الحالة يعني: إذا تيسر مثلاً يأخذ من الأرض؟

    الشيخ: نعم، هذه مسألة مرت معنا أن له أن يأخذ الحصى من أي مكان شاء حتى لو كان قريباً من المرجم، وما يذكره الحنابلة والشافعية أن الحصاة إذا رمي بها فلا يجوز أن يرمى بها مرة أخرى؛ لأنها استعملت في العبادة قلنا: ومن منع من استعمال ما استعمل في العبادة، ولهذا نقول: الأقرب -والله أعلم- أنه يجزئه ذلك.

    وهنا فائدة: الحنابلة يقولون: إن كان قد تعجل وبقي عنده شيء من الحصى لم يرم بها؛ لأنه انتهى، فإنه يدفنها، إن كان هذا الدفن من باب التنظيف للأماكن فلا حرج، وإن كانت عبادة فهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك، ولهذا له أن يبقيها في الأرض، وله أن يعطيها أحد أصحابه ليرمي بها في اليوم الثالث عشر، أما الدفن فهذا فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه.

    المقصود بقول النبي لعائشة: (أحلي من إحرامك ...) مع أنها كانت محرمة

    السؤال: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما حاضت: ( فحلي وامتشطي )، هي محرمة، فكيف تحل؟!

    الجواب: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فذهب جمهور الفقهاء خلافاً لـأبي حنيفة إلى أن معنى (أحلي من إحرامك): أي: بنيتك لا تكملي عمرتك؛ لأنكِ لا تستطيعين، فلا تعتمري وأدخلي الحج على العمرة لتكوني قارنة؛ لأنك لم تستطيعي، لأنك ممنوعة بسبب حيضك، هذا هو معنى (أحلي من إحرامك)، وبالتالي يكون إهلالها بالعمرة ما زال باقياً، فإدخال الحج هو إدخال الحج على العمرة، وليس فسخ العمرة بالحج.

    المقدم: ومحظورات الإحرام باقية؟

    الشيخ: باقية في حقها، تقليم الأظافر باقية في حقها، لكن الخلاف في معنى (أحلي من إحرامك)، هل هو إبطال ما نوته من العمرة، أم هو إدخال الحج على العمرة؟

    قولان لأهل العلم: الجمهور يقول: (معنى أحلي من إحرامك) يعني: من باب العمل، أي: أحلي بالعمل، أما النية فهي باقية في حقكِ، فإدخال الحج على العمرة يكون إدخال الحج على العمرة التي ما زالت قائمة.

    وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن معنى (أحلي من إحرامك) يعني: افسخي العمرة وأهلي بالحج، لتكون عائشة بعد ذلك مفردة، والأقرب -والله أعلم- أن عائشة كانت قارنة، فأدخلت الحج على العمرة، ومما يدل على أنها كانت قارنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً )، وهذا لا يتأتى إلا في حق القارن، وهذا يدل أيضاً على أن إهلال عائشة بالعمرة قبل أن يأتيها الحيض إهلال صحيح وهو باق بدليل دخول الحج على العمرة لتكون بعد ذلك قارنة خلافاً لـأبي حنيفة .

    حكم عمرة المكي في غير أشهر الحج

    السؤال: ما حكم العمرة في حق المكي خلال شهور السنة خاصة أننا قرأنا اختلافاً للعلماء فيها أنه لا يجوز للمكي أن يعتمر والأفضل الطواف بالبيت؟

    الجواب: مسألة ما حكم العمرة في حق المكي؟ اختلف العلماء في ذلك:

    أولاً: اختلف العلماء في حكم العمرة وقلنا: أن الراجح هو مذهب الشافعي والحنابلة وهو أن العمرة واجبة.

    ثانياً: اختلف القائلون بوجوب العمرة على المكي على قولين لأهل العلم:

    القول الأول: ذهب ابن عباس وهو قول عطاء و طاوس إلى أن المكي لا يجب عليه أن يأتي بعمرة؛ لأن ابن عباس يقول: عمرتكم الطواف بالبيت.

    القول الثاني: وهو رواية عند الإمام أحمد وهو قول الشافعية إلى أن المكي وغيره في وجوب العمرة سواء؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق في ذلك، والأصل هو الإطلاق، ولكن لا ينبغي للمكي أن يكثر من العمرة؛ لأنه كما قال ابن عباس وروي عن عطاء : ما إن يذهب أحدهم إلى التنعيم إلا وقد طاف مائة شوط.

    فنقول: أكثر من الطواف ولا تأخذ عمرة، ولكن في وقت الأزمان الفاضلة مثل رمضان فللمكي أن يخرج إلى التنعيم ويأخذ عمرة، وقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن مجاهد أنهم كانوا وهم في مكة يأخذون عمرتهم من التنعيم في رمضان، وكذلك روي عن ابن سيرين رحمة الله تعالى على الجميع.

    وعلى هذا نقول: المكي وغيره سواء إلا أن المكي لا ينبغي له أن يكثر من العمرة إلا وقت المناسبات كرمضان وغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي ).

    خروج الحجاج من الحرم بعد طواف الإفاضة وتوكيلهم لمن يرمي عنهم

    السؤال: أناس ذهبوا من جدة إلى الحج، فوقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة ورموا جمرة العقبة، ثم طافوا طواف الإفاضة ثم ذهبوا إلى جدة ووكلوا عنهم في الرمي ولم يبيتوا وذبحوا عن المبيت، فماذا عليهم؟ وما حكم حجهم؟ وهل عليهم طواف وداع أم لا؟ جزاك الله خيراً.

    الجواب: أناس يحجون من جدة، فيقفون بعرفة ثم بمزدلفة، ثم يرمون الجمرة، ثم يقصرون أو يحلقون، ثم يطوفون طواف الإفاضة، ثم يخرجون إلى جدة.

    نقول: أولاً خروجهم إلى جدة قبل إنهاء المناسك يجوز، لكن توكيلهم الرمي وهم قادرون على الرمي لا يجزئهم ذلك وهو قول جمهور العلماء؛ لأن العبادات مبنية على التوقيف، فلا يسوغ لهم.

    وذهب الحنابلة و أبو حنيفة إلى أنه إذا كان حجهم حج نفل جاز أن يوكلوا، ولكن لا ينبغي لهم ذلك إلا مع العذر، أما من غير عذر فأرى أنه لا ينفعهم ذلك، ولا ينبغي لهم أن يصنعوا ذلك، ومسألة الدم مسألة أخرى، ولكن نقول: الإنسان إذا كان هذا حجه فإنه يبقى في بيته ولا يحج مثل هذا الحج، أما إذا رمى وكلاؤهم عنهم يوم الثاني عشر وهم أحبوا أن يتعجلوا فإنه يلزمهم دم؛ لأنهم لم يطوفوا للوداع، والله أعلم.

    اشتراط وجود الموكل بالرمي مع الموكل في الحج

    السؤال: هل الموكل بالرمي يكون في الحج مع الموكل ولم يستطع الرمي لسبب من الأسباب، أم أنه يوكله بالحج كاملاً عنه، فيصبح الرمي من ضمن الأعمال المتممة للحج؟

    الجواب: نعم، الموكل الذي هو المستنيب هو الذي لا يستطيع أن يفعل بعض أعمال الحج وقت إهلاله بالحج، فلا يستطيع أن يرمي، أو لا يستطيع أن يكمل الرمي، فنقول هنا: يجوز للوكيل أن يرمي عنه سواء حج معه هذه السنة، أو لم يكن قد حج كما هو قول الشافعي.

    وذهب الحنابلة إلى أن الوكيل لا بد أن يكون حج مع الموكل زمن توكيل الموكل، وهذا القول أحوط.

    أما أن يوكل في أعمال الحج كلها، فله ذلك إذا كان قد حج حجة الإسلام، فللموكل الصحيح أن يوكل غيره في حج نفل إذا كان لا يستطيع كمن لا يستطيع أن يحج إلا بعد خمس سنين أو يكون محبوساً أو غير ذلك أو مريضاً، فله أن يوكل من يحج عنه حج تطوع.

    طواف الإفاضة يوم الثاني عشر وإدخال نية الوداع فيه

    السؤال: طفت يوم الثاني عشر طواف الإفاضة ونويت به الوداع؛ لأن ذلك هو الأيسر لي ولأهلي، هل أخذي بالتيسير أفضل من تطبيق السنة مع المشقة؟

    الجواب: نعم، من أراد أن يتعجل فلا حرج عليه، ولو كان يريد السماحة واليسر له لا حرج عليه، لكن بقاءه إلى اليوم الثالث عشر أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد بقوا.

    وجمعه بين طواف الإفاضة وطواف الوداع يجزئه على الراجح وهو قول الحنابلة والشافعية والحنفية، يجزئه أن يجمع بينهما وينويه طواف إفاضة أو وداع، أو ينويه طواف إفاضة ويدخل الوداع تبعاً؛ لأنه إذا اجتمع واجب وركن يدخل الواجب من ضمن الركن.

    مدى جواز سعي الحائض بين الصفا والمروة

    السؤال: هل يمكن أن تسعى الحائض بين الصفا والمروة؟

    نقول: يجوز لها ذلك وهو قول عامة الفقهاء استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت )، مفهوم المخالفة أن لها أن تسعى بين الصفا والمروة، والله أعلم.

    1.   

    أسئلة البرنامج

    المقدم: طيب! أحسن الله إليكم، شيخنا الكريم لعلكم تطرحون سؤالي هذا الدرس المبارك.

    الشيخ: السؤالان هما:

    السؤال الأول: ما حكم الوقوف بالملتزم؟

    والسؤال الثاني: ما الفرق بين عمل المفرد والقارن؟

    المقدم: شكر الله لكم يا شيخنا الكريم! أثابكم الله.

    مشاهدينا الكرام ها نحن وإياكم نصل إلى نهاية هذا الدرس المبارك نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا من شيخنا الكريم إلى لقاء متجدد بإذن الله تعالى، نترككم دائماً وأبداً في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756263285