إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [15]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحلل الحاج من إحرامه تحللاً أولياً بعد رميه للجمرات والنحر والحلق يوم النحر -وهنا يحل له كل شيء إلا النساء- ولا حرج عليه في أن يقدم بعضها على بعض، ثم يأتي بعد ذلك التحلل الثاني وذلك بعد طواف الإفاضة والسعي للمتمتع، وهنا يحل له كل شيء حتى النساء.

    1.   

    صفة رمي الجمرات

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    أهلاً وسهلاً بكم أيها الأحبة المشاهدون في كل مكان في برنامجكم المتواصل معكم -وبكم دائماً وأبداً بعون الله وقدرته- الأكاديمية العلمية.

    نرحب بكم في هذه الدروس المباركة, ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع، وأن يوفقنا وإياكم لاغتنام أعمارنا وأقوالنا وأعمالنا فيما يرضيه.

    أحبتنا نتواصل في هذا الدرس المبارك درس عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى.

    ويشرفنا ويسعدنا أن يكون في حضرتنا هذا اليوم المبارك صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء، نرحب في مطلع هذه الحلقة بالشيخ عبد الله فحياكم الله.

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: الترحيب موصول بطلاب الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في كل مكان، ويسعدنا أيضاً أن يتواصلوا معنا عبر الموقع الإلكتروني للأكاديمية (www.islamacademy.net).

    نسعد من خلال هذا الموقع بتلقي اقتراحاتكم وملحوظاتكم، كما يسرنا أيضاً تلقي تساؤلاتكم عبر ما يدور في هذه الحلقة المباركة.

    أحبتنا أيضاً نرحب بكم على هواتف هذا البرنامج المبارك، والتي ستظهر تباعاً على الشاشة, نسعد من خلالها بتلقي أسألتكم عما يطرح في هذا الدرس المبارك، نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لكل خير, ونطلب من الشيخ عبد الله أن يتفضل مشكوراً مأجوراً في بدء هذه الحلقة.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فيا أحبتي الكرام، ها نحن نتواصل في شرحنا لكتاب الإمام الموفق ابن قدامة الموسوم عمدة الفقه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب صفة الحج: [ ويرفع يديه في الرمي، ويقطع التلبية في ابتداء الرمي، ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة, ولا يقف عندها، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء، ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة, وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج، ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، أو ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل له كل شيء، ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً، وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي, واملأه من خشيتك وحكمتك ].

    المؤلف رحمه الله يقول: (ويرفع يده في الرمي), هذه المسألة الأولى وهي مسألة صفة الرمي، نقول في مسألة صفة الرمي: إنه يرفع يده, وهذا قول عامة الفقهاء؛ لأنه لو وضعها فلا يسمى رمياً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول, كما عند الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس : ( بمثل هذا فارموا, وإياكم والغلو )، فإذا وضعها فقد خالف ما ورد؛ ولهذا يجب عليه أن يرميها، ولهذا استحب بعض أهل العلم أن يظهر إبطه بذلك لأنه أدعى وأحرى من جهة فعل الرمي.

    التكبير عند رمي الجمرات وقطع التلبية

    الشيخ: المسألة الأخرى: يكبر مع كل حصاة كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال كما في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ( فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ).

    ويقطع التلبية مع بداية أول الرمي، هذا هو الثابت كما في الصحيحين من حديث ابن عباس عن الفضل بن عباس قال: ( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة )، ومعنى: (حتى رمى جمرة العقبة) أي: حتى شرع في رمي جمرة العقبة، وتكبيره عليه الصلاة والسلام مع كل حصاة دليل على أن التلبية قد انقطعت.

    وأما ما جاء في بعض الروايات كما عند الإمام أحمد و النسائي و ابن خزيمة و البيهقي من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل بن عباس أنه قال: ( قطع التلبية في آخر حصاة )، فهذا الحديث وإن كان ظاهر إسناده الصحة فالأقرب والله أعلم أن هذه الزيادة (آخر حصاة) غريبة، وكذلك فإن هذا الحديث بهذا الإسناد في متنه غرائب:

    الغريبة الأولى: أنه ذكر أن الفضل أردفه النبي صلى الله عليه وسلم في خروجه من عرفة إلى مزدلفة، ومن المعلوم أن الأحاديث الثابتة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى, وإنما كان الذي أردفه من عرفات إلى مزدلفة هو أسامة بن زيد رضي الله عنه، فهذه نكارة.

    النكارة الأخرى: هي قوله في آخر حصاة؛ ولهذا ضعف الحافظ البيهقي رحمه الله هذه الزيادة وقال: والأكثر رووه عن ابن عباس عن الفضل بلا ذكر هذه الزيادة، وقال: وقد ذكرها ابن خزيمة واختارها وهي غريبة ليس لها ذكر في حديث ابن عباس عن الفضل بن عباس .

    ثم قال: وتكبيره عليه الصلاة والسلام مع كل حصاة دليل على أنه يقطع التلبية, وهذا هو الأقرب والله أعلم، وما جاء عند ابن ماجه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التلبية مع آخر حصاة )، هذا أيضاً, حديث ضعيف في سنده خصيف بن عبد الرحمن .

    موضع رمي الحصى

    الشيخ: من المسائل أيضاً: أن العبرة في الرمي إنما هو مجمع الحصى، وليس الحوض كما يظنه البعض، وهذه فائدة مهمة، الحوض إنما وضع بهذه الطريقة في عهد الدولة العثمانية عام (1292) كما ذكر ذلك كثير ممن كتب في تاريخ مكة المكرمة، وبنوه على المذهب الحنفي حيث إن الأحناف يقولون: إن القطر أو نصف القطر يكون ثلاثة أذرع، فبنوه على هذا.

    وبعض أصحاب الشافعية، وبعض أصحاب الحنابلة، وبعض أصحاب المالكية قالوا: يرميها بمجمع الحصى, وهذه العبارة أرى أنها أدق؛ لأننا حينما نقول: مجمع الحصى, فمجمع الحصى يختلف بكثرة الحجيج من عدمهم, فحجاج مائة ألف ليسوا كحجاج ثلاثة ملايين؛ ولهذا نقول: مجمع الحصى، فإذا رمى الحجاج في الحوض وامتلأ الحوض وسقط بجانبه, ووقع الحصى على ما تحت الحوض وهو ملآن فإن هذا يجزئهم إن شاء الله.

    ولهذا وفق الله سبحانه وتعالى ولاة الأمر حينما زادوا في بناء الحوض، وجعلوه على شكل بيضاوي بحيث يستطيع الحجاج أن يرموا من أي جهة في الصغرى والوسطى, أما الكبرى فإن لهم أن يرمونها من بطن الوادي هذا هو السنة, كما سوف نذكره إن شاء الله. فعلى هذا فالعبرة هو مجمع الحصى، وعلى هذا فالحجاج يختلفون في مجمع حصاهم من قلة وكثرة.

    المسألة الأخرى: ليس العبرة بوجود الشاخص، وقد اختلف العلماء هل الشاخص كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ولسنا بحاجة إلى ذكر هذا, لكننا نعرف أن الشاخص إنما هو دلالة على أن هذا هو مكان الرمي، ولهذا ليست العبرة بضرب الشاخص؛ ولهذا تجد أن كثيراً من الناس يخطئون كثيراً حينما ينظرون إلى الشاخص من بعيد ثم يقذفون، وكأن العبرة أن يضرب الإنسان الشاخص وهذا خطأ، فالعبرة هو مجمع الحصى.

    فعلى هذا فلو ضربت الشاخص وابتعدت عن مجمع الحصى أو الحوض الموجود الآن وهو بهذا الكبر يكون هو مجمع الحصى، فإنه لا يعد إذا لم تقع في مجمع الحصى أو الحوض بهذا الاعتبار، أما إذا ضربت الشاخص وسقطت في الحوض فإنه يجزئه, ولا يضيره بعد ذلك إذا سقطت بسبب امتلاء الحصى.

    وضرب الشاخص ليس له فضل إطلاقاً، بل إن بعض الناس يقولون: سوف أذهب أرمي إبليس! وهذا ليس له أساس من الصحة، إنما روى ابن خزيمة عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام حينما رأى الرؤيا أنه يذبح إسماعيل جاءه إبليس أو الشيطان عند الجمرة الصغرى, فرماه إبراهيم عليه السلام، ثم ابتعد, فقال: يا إبراهيم! أتقتل ولدك؟ ثم رماه الوسطى، ثم ابتعد عنه فقال: أتقتل ولدك؟ فرماه الكبرى. هذا من أخبار بني إسرائيل, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ).

    ومن المعلوم أن المحدثين يقولون: إن ابن عباس كان يأخذ عن بني إسرائيل, وإنما الرمي أخذناه اتباعنا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإقامة شريعته, كما روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً والصواب وقفه: ( إنما جعل الطواف في البيت، والطواف بين الصفا والمروة, ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ).

    موقف الحاج عند رمي الجمرات

    الشيخ: المسألة الأخرى: هي: قول المؤلف رحمه الله: ( ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها).

    قول المؤلف: (ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة)، معنى ذلك أنه يستقبل القبلة ويجعل الجمرة الكبرى عن يمينه ويرميها على حاجبه الأيمن, يعني: يفعل هكذا؛ يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر بهذه الطريقة, وهذا قد ورد فيه حديث رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسمى المسعودي عن جامع بن شداد أبي صخر عن عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع ابن مسعود رضي الله عنه, فلما أتى جمرة العقبة استبطن الوادي -كما ذكر ذلك المؤلف-، واستقبل القبلة, وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات, ثم قال: والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ) .

    يقول المؤلف رحمه الله: وهو حديث صحيح, وهذا فيه نظر, فإن الحديث فيه كلام حيث إنه خالف الروايات الثابتة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيره، وقد روى البخاري و مسلم من حديث إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات ومعنى: (استعرضها) كما يقول العلماء: أتى العقبة من جانبها عرضاً بحيث يكون مستقبل الجمرة, بحيث تكون منى عن يمينه, والبيت عن يساره, بل جاء ذلك نصاً كما عند البخاري وغيره أنه قال: ( حتى انتهى إلى الجمرة الكبرى, فجعل البيت عن يساره, ومنى عن يمينه فرماها فقال: هذا والذي نفسي بيده مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة )؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره, وهذا التبويب من البخاري إشارة إلى تضعيفه لهذا الحديث، و المسعودي فيه اختلاط, فقد اختلط بآخره، وإن كان الراوي عنه وكيع , فقد سمع منه وكيع قبل الاختلاط, لكن العلماء يقولون: إن هذا ليس معولاً عليه، والمعول على ما جاء في الصحيحين, فلعل الوهم من المسعودي ، أو الوهم من جامع بن شداد رحمة الله تعالى على الجميع.

    حكم الدعاء عند رمي الجمرات

    الشيخ: المسألة الثالثة: السنة ألا يدعو الإنسان إذا وقف، أو إذا انتهى من جمرة العقبة كما ذكر ذلك ابن عباس و ابن عمر قال: وينصرف ولا يدعو، هذا هو الثابت, وما جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً, وسعياً مشكوراً, وذنباً مغفوراً ), فهذا جاء عند الإمام أحمد من طريق جرير بن عبد الحميد الضبي عن ليث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه أن عبد الله بن عمر كان يرمي الجمرة بسبع حصيات ويقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً )، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكره, وهذا الحديث فيه رواية شاذة، فقد جاء في الصحيحين من غير هذه اللفظة, ولعل الوهم من ليث بن أبي سليم , و ليث بن أبي سليم يهم, فهو ضعيف الحديث, والله تبارك وتعالى أعلم.

    وعلى هذا فالسنة ألا يدعو, ولكن لو ذكر ذلك من باب لعل الله أن يقبله ولم يقصد بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة فلا بأس وهو في طريقه يذكر الله, وذكر الله سبحانه وتعالى أولى من الدعاء.

    الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع؛ وعلى هذا فإن السنة في حقه أنه إذا انتهى من رمي جمرة العقبة فإنه يشرع في التكبير، كما ثبت ذلك بسند صحيح عند الحاكم و البيهقي وغيرهما: أن عبد الله بن مسعود قال: إذا رمى الحاج جمرة العقبة فإنه يكبر حتى غروب شمس يوم الثالث عشر، وثبت ذلك بإسناد صحيح عن عمر و ابن عمر كما ذكر ذلك الحاكم وذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم.

    1.   

    ما يتعلق بالنحر يوم العيد

    الشيخ: المسألة الرابعة: أنه بعدما يرمي ينحر، هذا هو السنة، أن ينحر إن كان عليه نحر، والذي عليه النحر هو المتمتع والقارن، والصحيح أن القارن عليه الهدي كما ذكرنا ذلك في أول الحلقات.

    أما المفرد فليس عليه نحر، ولكنه لو تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذا اليوم المبارك؛ كما قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل ونحر بيده ثلاثاً وستين, ولهذا قال أهل العلم: يستحب أن يتولى الإنسان أضحيته أو هديه بنفسه، فإن شق ذلك عليه فلا حرج أن يوكل أحداً يذبحها له ويوزعها أو يطعم الحجاج منها وبعض فقراء الحرم أو من كان من الفقراء الذين جاءوا إلى الحرم، كما قال جابر : ( فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر ).

    فهذا يدل على أن الإنسان إذا كل, أو وجد في ذلك مشقة أن يوكل غيره يذبح عنه.

    فالسنة إذاً أن ينحر، ثم بعد ذلك يحلق أو يقصر، ومن المعلوم أن النحر ليس معولاً على التحليق كما سوف يأتي, يعني: ليس علامة من علامات التحلل، والسبب في ذلك أن المفرد لا ينحر.

    ومن المعلوم أن الأحكام في التحلل وعدمها لا بد أن يشترك فيها أصحاب الأنساك جميعاً متمتع وقارن ومفرد، كما جاء في الصحيحين من حديث حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت؟ قال: إني لبدت رأسي, وقلدت هديي, فلا أحل حتى أنحر )، ومعنى: حتى أنحر، يعني: فإذا نحرت شرعت في التحلل، وهو الحلق؛ ولهذا فالسنة الثابتة بعدما يرمي وينحر أن يذهب فيحلق رأسه أو يقصر، هذا هو السنة.

    وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة , وفي بعض الروايات أنه دعا لهم مرتين, وجاء في بعض الروايات لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً, ودعا للمقصرين مرةً واحدة؟ قال: لأنهم لم يشكوا، وهذا قاله عليه الصلاة والسلام، في صلح الحديبية حينما أمرهم أن يتحللوا فبعض الصحابة قال: لعله أن يأتي وحي يجعلهم يكملون عمرتهم أو يسمعون شيئاً غير ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    حكم التوكيل عن الذبح

    الشيخ: فإن قيل: لا شك أن في النحر مشقة كبيرة على الحاج في هذا الوقت بالذات, فمن يوكل سواء في المملكة أو خارج المملكة ممن ينحر هديه, هل يجزئه ذلك؟

    فنقول: الصواب أنه يجزئه، فلا بأس بذلك, لكن ينبغي أن ينحروا في الحرم وهذه المسألة الأخرى أن ينحروا في الحرم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، ومكة كلها منحر وفجاج وطريق )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    حكم الخروج من الحرم لشراء الهدى

    الشيخ: لكننا نلاحظ أن بعض الحجاج -هداهم الله- في هذا الأمر, تجدهم يذهبون ويشترون هداياهم أحياناً من الشرائع, والشرائع جزء منها خارج منطقة الحرم, فيأخذون الهدي فيذبحونها ولم يتأكدوا هل هذا المكان الذي سوف يذبحون به, هل هو من الحرم أو ليس من الحرم, أو يذهبون إلى عرفة وهذا أهون وأسهل لهم، وعامة الفقهاء قد قالوا: لا يجزئ من ذبح خارج الحرم، فهذا الحاج الذي ذبح خارج الحرم يجب عليه أن يعيد هديه، وهذا قول قوي, وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمة الله تعالى على الجميع- ولا ينبغي للإنسان أن يتساهل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، ومكة كلها فجاج ومنحر ) .

    ولا يلزم في الهدي أن يجمع فيه بين الحل والحرم, فلو اشتراه من منى أو من مزدلفة أو من منطقة من مناطق الحرم أجزأه ذلك خلافاً لما قاله مالك رحمه الله: أنه لا بد أن يشتريه من الحل, لكن الصحيح أن الأفضل أن يشتريه من الحل، أو أن يجمع بين الحل والحرم كما قال ابن عمر ، ولو اشتراه من مكة أو من الحرم أجزأه ذلك كما قالت عائشة رضي الله عنها, ورضي الله عن ابن عمر ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

    1.   

    التحلل الأول من الإحرام

    الحلق والتقصير للمحرم وبيان الأفضل منهما

    الشيخ: أما الحلق فهو الأفضل كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لأعجب حينما ألاحظ أن بعض الإخوة يتساهل في هذا الأمر, ولو قلت لهم: لو أن رجلاً من أعبد عباد الله في هذا الزمان جاء وقال: أحلق رأسك, وسوف أدعو لك إلى غروب الشمس: اللهم اغفر لفلان ابن فلان, هل تراه يترك الحلق؟ أنا أتصور أنه لن ينفك من فعل هذه السنة.

    وأنا أتعجب هذا الرجل الضعيف الذي يدعو لك إلى غروب الشمس: اللهم اغفر لفلان وفلان لن يكون بأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم, الذي لم يدع لك مرة, إنما دعا لك ثلاث مرات، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يزهد في هذا الأمر, بل ينبغي له أن يحلق.

    والحلق هنا أن يعمم سائر الرأس كما هو مذهب المالكية والحنابلة لقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27] , وهذا يفيد العموم خلافاً للشافعي و أبي حنيفة , فـــــأبو حنيفة قال: لو حلق ربع الرأس فأكثر أجزأه ذلك, وإذا حلق دون ذلك لم يجزئه، وقال الشافعي : يجزئه لو حلق ثلاث شعرات؛ لأنه يطلق عليه أنه قد حلق.

    والأقرب -والله أعلم- هو قول المالكية والحنابلة: أنه لا بد أن يعمم سائر رأسه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ( خذوا عني مناسككم )، وهو ظاهر الآية.

    كيفية تقصير المرأة لشعرها عند التحلل من الإحرام

    الشيخ: أما المرأة فإنها تقصر, وقد اختلف العلماء في كيفية التقصير, وأرى -والله أعلم- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس على النساء حلق, إنما على النساء تقصير )، وهذا الحديث إسناده جيد, فقد قواه الإمام البخاري و أبو حاتم كما ذكر ذلك الشوكاني في نيل الأوطار, وإسناده جيد من طريق صفية بنت شيبة أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس حدثها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على النساء حلق، إنما على النساء تقصير )، وهذا إسناد جيد كما ترى.

    وقد ذكر ابن المنذر و النووي الإجماع على أنه ليس للمرأة أن تحلق, ولكن يجب عليها أن تقصر، والتقصير أي شيء فعلت أجزأها ذلك، فلو كانت المرأة قد جمعت شعرها كله إلى ضفيرتها فقطعت بمقدار الأنملة أو أقل أو أكثر أجزأها ذلك, ولكن لا ينبغي لها كما ذكر بعض أهل العلم أن تزيد على هذا.

    والأقرب: أن لها ذلك؛ لأنه يجوز لها أن تقص شعرها كما هو ثابت عن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن يبقين شعورهن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى تكون كالوفرة؛ يعني: إلى الأذن, وعلى هذا فلو زادت أو نقصت أجزأها ذلك, أهم شيء أنها لا تحلق, ولكن بعض النساء يستصعبن التقصير إذا كان شعرهن مدرجاً، فإذا كان الشعر مدرجاً ماذا تصنع؟

    أقول: عليها أن تحاول أن تعالج هذا التدرج فتأخذ من كل جهة شيئاً فإنه يجزئها ذلك إن شاء الله. وإطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم التقصير من غير تحديد دليل على أنه يجوز لها ذلك, والله تبارك وتعالى أعلم.

    الترتيب بين مناسك الحج أيام منى

    الشيخ: المسألة السادسة: يقول المؤلف: ( ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ).

    أولاً قبل هذا قلنا: إن الترتيب هو السنة، أي أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق, ولو قدم بعض هذه الأشياء على بعض أجزأه ذلك في قول عامة الفقهاء، سواء كان عالماً أو جاهلاً أو ناسياً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( افعل ولا حرج )، ( فما سئل عن شيء من تقديم أو تأخير إلا قال: افعل ولا حرج )، كما في بعض الروايات عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

    وذهب الإمام مالك ورواية عند الإمام أحمد إلى أنه لا يجوز لمسلم علم الترتيب إلا أن يرتب إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً, فيجب عليه أن يرمي، ثم بعد ذلك ينحر، ثم بعد ذلك يحلق، ثم يطوف ويسعى، وإذا كان عالماً فلا يصوغ له ذلك إلا إذا كان جاهلاً.

    واستدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلاً قال: ( يا رسول الله! لم أكن أشعر, فرميت فحلقت قبل أن أنحر, قال: انحر ولا حرج، فجاء آخر وقال: يا رسول الله! لم أكن أشعر, فنحرت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج، فجاء آخر قال: يا رسول الله لم أكن أشعر, فحلقت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج )، قال عبد الله بن عمرو : فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مما يجهل المرء أو ينسى من تقديم بعض الأمور على بعض إلا قال: يفعل ولا حرج.

    وهذا -والله أعلم- إنما هو من باب إجابة السائل بنحو ما سأل, وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افعل ولا حرج )، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( افعل ولا حرج ) قاعدة وهو أن الأولى أن يطبق الإنسان فعل السنة على وقتها التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا عجز أو صعب عليه ذلك أو وجد في ذلك نصباً فالعبرة بأداء الفعل، وأرى أن هذه قاعدة عامة على أن العبادة إذا كان لها وقت ابتداء ووقت انتهاء, فإن الأولى أن يفعلها الإنسان في ابتداء الوقت، إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في ابتدائها.

    فعلى هذا يسوغ للإنسان أن يقدم أو يؤخر إذا فعله, ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( افعل ولا حرج )، يعني: لا تتركها، افعل, وهذا يأتينا في مسألة الرمي، هل يجوز الرمي قبل الزوال أو لا؟ كما سيأتي إن شاء الله.

    ما يحل للحاج عند التحلل الأول

    الشيخ: قول المؤلف: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) المحرم إذا رمى جمرة العقبة ونحر وحلق أو قصر فقد حل له كل شيء حرم عليه بعد الإحرام إلا النساء، فعلى هذا فيجوز له أن يتطيب, وهذا هو الثابت في الصحيحين خلافاً لـابن عمر وخلافاً لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    واختلف العلماء في قوله: (إلا النساء) ما معنى النساء؟ أجمعوا على أنه إذا رمى جمرة العقبة ونحر وحلق فقد تحلل التحلل الأول, وهذا هو المقصود, فيباح له كل شيء إلا النساء, ولكن العلماء اختلفوا ما هو النساء؟

    فأجمعوا على أن المراد به الوطء، واختلفوا هل مقدماته تدخل في هذا الأمر أم لا؟ يعني كالقبلة والضم واللمس بشهوة أو غير ذلك هل تدخل أم لا؟

    نقول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المحرم الممنوع من النساء عام، سواء كان بقبلة أو ضم أو غيرها من دواعي الاستمتاع أو الوطء محرم عليه حتى يرمي ويحلق أو يقصر وحتى يطوف طواف الزيارة أو طواف الإفاضة، فإذا فعل هذه الأشياء الثلاثة جاز له النساء, أما قبل ذلك فإن الله يقول: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197], فلا يجوز له ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إلا النساء), والنساء لفظ عام, والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم, ولو كان المقصود الوطء لقال: إلا الوطء أو قال إلا الجماع, فلما قال عليه الصلاة والسلام: (إلا النساء ), دل ذلك على عمومه, وهذا هو ظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم.

    وعلى هذا بعض الإخوة في يوم العيد يريد أن يعيّد زوجته وهو قد حج وزوجته لم تحج فتجده يراسلها بكلام لا يصلح أن يكون إلا لزوجته، وهذا يعد محظوراً من محظورات الإحرام، أو يكلمها وهي كانت قد حجت بكلام لا يصلح إلا للزوجة، ومعنى قولنا: كلاماً لا يصلح إلا للزوجة أن يكلمها شيئاً لا يحب أن يسمعه أحد إلا زوجته، أما قول: حبيبتي أو غير ذلك من الكلمات الدارجة فهذا لا بأس به، لأنه لم يتحلل التحلل الثاني، وعلى هذا فليتنبه بعض الحجاج الذي يراسلون زوجاتهم بعد التحلل الأول، وقبل التحلل الثاني أن يتأكدوا من هذا الأمر.

    أقوال أهل العلم في وقت التحلل الأول ومناقشتها

    الشيخ: المسألة الأخرى: متى يتحلل التحلل الأول، هل يحصل التحلل برمي جمرة العقبة, أم برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير, أو بفعل اثنين من ثلاثة، أو بوجود الحلق, أم بصبيحة يوم النحر؟ خمسة أقوال, وأرى أنه لا حاجة إلى ذكر هذه الأقوال إلا قولين مشهورين:

    القول الأول: أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة، وهذا القول هو قول مالك رحمه الله، ورواية عند الإمام أحمد رحمه الله. قواها ابن قدامة ونصرها، وقال: وهي الصحيحة عن الإمام أحمد رحمه الله، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

    ما رواه الإمام أحمد , و أبو داود من طريق الحجاج بن أرطأة، عن الزهري رحمه الله، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء )، وهذا الحديث ضعيف، فقد ضعفه أبو داود لأن في سنده الحجاج بن أرطأة , وهو مع ضعفه لم يسمع من الزهري ولم يدركه, فهو ظلمات بعضها فوق بعض, فالحديث إذاً ضعيف لا يعول عليه.

    واستدلوا أيضاً بما رواه سفيان بن عيينة عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء )، وهذا الحديث ضعيف, فإن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس كما قال الإمام أحمد و أبو حاتم .

    وهذا الحديث مع انقطاعه فإن الصحيح الذي رواه جمع كثير عن سفيان عن سلمة عن الحسن العرني عن ابن عباس إنما أوقفوه عن ابن عباس ولم يرفعوه، فالحديث مع ضعفه الصواب أنه موقوف وليس مرفوعاً.

    وأقوى دليل يستدل به من يقول: إن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يتحلل مرفوعاً هو ما رواه النسائي رحمه الله من طريق عمر بن عبد الله بن عروة أن عروة بن الزبير ، و القاسم بن محمد أخبراه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذريرة بيدي للحل والإحرام حين أحرم وحينما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت ).

    قالوا: فهذا يدل على أن الرسول تطيب بعدما رمى جمرة العقبة, فدل ذلك على أن الإنسان يحصل له التحلل من حين رمي جمرة العقبة.

    والحديث في هذا الأمر فيه نظر, وأرى أنه ضعيف لأسباب:

    أولاً: لأن عمر بن عبد الله بن عروة ذكره الحافظ في التقريب وقال: مقبول، وقال في الفتح: ثقة, والذي جعله يقول: ثقة لأن البخاري و مسلم رويا عنه في صحيحهما، فهو من رجال البخاري و مسلم ، ولنعلم أنه لا يلزم أن يكون الرجل من رجال الشيخين أن يكون حديثه صحيحاً، كما يقول الإمام المزني , فإن طريقة الإمام البخاري وطريقة الإمام مسلم ، وأكثر المحدثين ينتقون من أحاديث الضعيف ما علم أنه أصاب فيه، كما أنهم يتركون من أحاديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه.

    فعلى هذا فـالبخاري و مسلم أنما رويا حديث عمر بن عبد الله بن عروة لما علما أنه أصاب فيه.

    الثاني: أن البخاري و مسلم روياه من طريق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة من غير ذكر هذه اللفظة, التي هي بعد ما رمى جمرة العقبة، قالت كما في الصحيحين بلفظ من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت )، وهذا هو الثابت, قبل أن يطوف بالبيت، وأما بعدما رمى جمرة العقبة فهذه الزيادة فيها نكارة.

    ثالثاً: أن الحديث بإسناد عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة بن الزبير ، و القاسم بن محمد حدثاه عن عائشة ، قد ذكره البخاري و مسلم بهذا الإسناد من طريق محمد بن العلاء ، ولم يذكرا هذه اللفظة, فدل ذلك على أن البخاري و مسلم إنما تركا هذه الزيادة لعلمهما بأنها منكرة، و النسائي ذكرها من طريق آخر، وترك البخاري و مسلم لها مع وجودها من نفس الطريق يدل على أنها منكرة, كيف لا وقد روياه من غير طريق عمر بغير هذه اللفظة.

    الأمر الرابع من حيث النظر: فإننا نقول: إن الرسول يبعد أن يكون قد تطيب بعدما رمى جمرة العقبة؛ لأنه كيف يرمي جمرة العقبة، ثم يتطيب، ثم ينحر، ثم يحلق ما فائدة الطيب؟ إنما فائدة الطيب أنه يتجمل به بأبي هو وأمي ثم يفيض إلى مكة ليطوف طواف الزيارة وطواف الإفاضة.

    وعلى هذا فالصحيح: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تحلل يعني لبس ثيابه وتطيب بعدما رمى ونحر وحلق، ثم ذهب إلى البيت.

    القول الثاني في المسألة: هو قول عند الشافعية والحنابلة أن التحلل يحصل إذا رمى وحلق أو رمى وقصر، واستدلوا على ذلك بأدلة لكنها كلها ضعيفة يرويها الحجاج بن أرطأة من حديث عائشة : ( إذا رميتم جمرة العقبة وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء )، فهذا الحديث ضعيف, في سنده الحجاج بن أرطأة , وكذلك روي من حديث ابن عباس وفي سنده ضعف.

    ولكننا نقول والله تبارك وتعالى أعلم: الأقرب أن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة فهذا أوان الشروع في التحلل, ولا يسوغ له أن يتحلل إلا بما تحلل به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحلق؛ لأنه قال لـحفصة : ( إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر )، فإذا نحر فقد شرع في التحلل وهو الحلق هذا هو الأقرب, فإذا خالف فرمى جمرة العقبة ولبس ثيابه أو تطيب فنقول: أسأت وخالفت السنة ولا شيء عليك، ودليلنا لهذا القول أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد شرع في التحلل لكن لا ينبغي له أن يتحلل إلا بالحلق.

    أولاً: لأن الحلق نسك ومحظور من محظورات الإحرام، فلا ينبغي له أن يتحلل إلا بما تحلل به النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم تحلل بالحلق هذا واحد.

    الثاني: أننا نقول: لو أنه رمى جمرة العقبة فقد شرع في التحلل لأن العلماء أجمعوا كما ذكر ذلك ابن تيمية في شرح العمدة على أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة ثم جامع أهله فإن حجه لا يفسد, مما يدل على أنه شرع في التحلل الأول، فلم يفسد حجه, وقد ذكره ابن تيمية عن الأئمة الأربعة, وهو قول الظاهرية أيضاً، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الحنابلة كـأبي يعلى , ورد عليه ابن تيمية رحمه الله.

    ومما يقوي أنه لو رمى جمرة العقبة فقد شرع في التحلل أنه قول أكثر الصحابة، فقد ثبت عند ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء.

    وثبت أيضاً حديث عند ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق محمد بن المنكدر أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول ذلك, وقد رواه مالك في موطئه بسند صحيح من طريق نافع، وعبد الله بن دينار، كلاهما عن ابن عمر، عن عمر أنه قال: إذا جئتم منى, فإذا رميتم الجمرة فقد حل كل شيء حرم على الحاج إلا النساء والطيب. ومسألة الطيب اجتهاد من عمر .

    وعلى هذا نقول: إن الحاج إذا رمى جمرة العقبة فقد شرع في التحلل، ولا يسوغ له أن يتحلل إلا بما تحلل به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحلق، ولكنه لو خالف في ذلك فلبس ثيابه نقول: أسأت وخالفت السنة ولا شيء عليك؛ لأن هذا هو قول أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

    1.   

    طواف الإفاضة

    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الذي به تمام الحج) الإفاضة هنا: سمي طواف الإفاضة بهذا الاسم لأن الإنسان حينما يأتي منى يفيض إلى مكة, فسمي بذلك طواف الإفاضة، ويسمى أيضاً طواف الزيارة؛ لأن الحاج يأتي من منى إلى مكة ليزورها ثم يرجع ولا يبقى في مكة بل يزورها زيارة فسمي: طواف الزيارة.

    حكم طواف الإفاضة

    الشيخ: وهذا الطواف من أركان الحج، كما نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر ، و ابن قدامة وغير واحد من أهل العلم, ولا خلاف عندهم أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، كما قال تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33] ، وقال تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وقالت عائشة كما في الصحيحين: ( حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر، فأفاضت صفية تقول عائشة , ثم إنه أرادها ما يريد الرجل من امرأته, فقلت: يا رسول الله! إنها حائض, فقال: أحابستنا هي؟ )، وفي بعض الروايات: ( عقرى حلقى أحابستنا هي؟ قيل: يا رسول الله! إنها قد أفاضت يوم النحر, قال: فلننفر إذاً ) .

    قال العلماء: فقول النبي: (أحابستنا) دليل على أن من لم يفعل فإنه يحبس حتى يفعله، فهذا يدل على أنه ركن من أركان الحج.

    وقت طواف الإفاضة

    الشيخ: وطواف الزيارة هذا له وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء.

    فوقت الفضيلة أن يطوف ضحى يوم العيد، أو في نهار يوم العيد بعدما يرمي ويحلق، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال جابر في صحيح مسلم : ( فأفاض إلى البيت ثم رجع إلى منى )، هذا وقت الفضيلة.

    أما وقت الأداء: فإن الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أن بدايته يبدأ من بعد منتصف ليلة العيد يعني من ليلة جمع، وقيل: بعد مغيب القمر أو بعد ثلثي الليل الآخر, على الخلاف الذي مر معنا فيما سبق, والأقرب أن نقول بعد ثلثي الليل الآخر, يعني: بغلس, كما ثبت ذلك عن ابن عباس و أم حبيبة أي: بعد غياب القمر كما في حديث أسماء أيضاً, وليس له حد محدود في انتهائه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا بدايته ولم يبين لنا نهايته.

    فعلى هذا: فالسنة أن يطوف يوم العيد, فإن ترك فالسنة أن يطوف ثاني يوم العيد, فإن لم يكن فثالث يوم العيد, فإن لم يكن فرابع يوم العيد وهو يوم الثالث عشر, ولا ينبغي له أن يؤخره عن أيام شهر ذي الحجة، ولكن لو تأخر جاز ذلك على الراجح, وهو مذهب الحنابلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أوله ولم يبين آخره، فعلى هذا فله أن يؤخره حتى ولو بعد شهرين أو ثلاثة خلافاً لـــــأبي حنيفة ومالك رحمه الله.

    وقد قال ابن قدامة: وأجمعوا على أنه إذا لم يطف للإفاضة فإنه يجب عليه أن يطوفه حتى ولو كان بعد الحج يعني شهر الحج, إنما الخلاف في ذلك هل يجب عليه دم بتأخيره عن شهر ذي الحجة أم لا؟ والأقرب والله أعلم: أنه ليس عليه دم.

    كيفية طواف الإفاضة للحاج

    الشيخ: يقول المؤلف: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً) قال المؤلف: إن كان متمتعاً؛ لأن المتمتع الصحيح أنه يلزمه سعيان, هذا قول جمهور الفقهاء؛ لأن سعيه الأول سعي لعمرته، والسعي الثاني سعي لحجه, ولا يدخل الحج العمرة إلا في القران كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة أنها ذكرت أن الصحابة الذين تحللوا طافوا طوافاً آخر.

    والمقصود بالطواف الآخر هو السعي بين الصفا والمروة؛ لأنهم لم يطوفوا أكثر من طواف، وليس المقصود بالطواف طواف الإفاضة لأنه لم يثبت عنهم أنهم طافوا بعد عرفة إلا طوافاً واحداً, فدل ذلك على أنه غير طواف الوداع، فدل على أن المقصود هو السعي بين الصفا والمروة.

    وابن تيمية رحمه الله ذكر أن المتمتع لا يلزمه إلا سعي واحد, وقوى هذا القول, والأقرب والله أعلم أن المتمتع يلزمه سعيان, وهذا يرجح حتى بالنظر، فالمتمتع اعتمر وحج, فحجه يلزمه سعي والعمرة يلزمها سعي.

    أما بعض الإخوة هداهم الله ممن ليس عنده فقه تجده أنه يذكر بعض المسائل وتجده يرجحها وهذا لا غضاضة فيه, فمسائل الفقه يسع فيها الخلاف, لكنه يتطاول على الأئمة, وأنت تعرف أن القول بأن المتمتع عليه سعي قول عامة الفقهاء, فتجده يتطاول على الأئمة, ويقول هذا متشدد, وأنا أقول: إنه ينبغي لنا أن نحرر المصطلحات، فيجب علينا ألا نصف الإنسان بمتشدد إذا استدل بآية أو حديث أو استنباط, المتشدد هو الذي ليس عنده من الله فيه برهان, ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27] , فهذا يدل على المتشدد.

    أما إذا اختلف العلماء بين مبيح ومحرم, فقول من قال بالتحريم لا يوصف بالتشدد؛ لأنك إذا وصفته بالتشدد وكانت السنة معه فقد وصفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة, ( والرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ).

    وبعض الإخوة تجده في كل مسألة إذا اختلف العلماء فيها بين مبيح ومحرم قال: الأقرب الإباحة؛ لأن الرسول ما خير بين أمرين.. ويترك النظر في الأدلة وفي الترجيحات, وهذا خطأ, ويؤسفني أن نجد بعض الذين يتصدرون لمثل هذه الفتاوى وهي فتاوى التيسير أو فتاوى التسهيل أنهم لا يحسنون صنعاً في طريقة الاستنباط, لا غضاضة أن الإنسان يختار أحد القولين إذا رأى أنه يعضده الدليل.

    أما أنك تقول ما دليلك؟ قال: الأصل التيسير على الناس, ثم يذكر بعض القواعد ويترك النصوص الثابتة في هذا الأمر, إذاً: فلنقل: لا يلزم طواف الإفاضة؛ لأنه زحمة ومشقة وأنتم يسروا على الناس ولا تشددوا عليهم, والناس يحجون ولهم مكاسب اقتصادية ومكاسب دنيوية, فينبغي أن نفتح على الإنسان الذي يحج وأن يخفف على الناس, والحمد لله, هذا لا يقوله عاقل.

    على كل حال: المتمتع يلزمه السعي بين الصفا والمروة، أما المفرد والقارن فإن كانا قد سعيا قبل عرفة بعد طواف القدوم فإنه لا يلزمهم ذلك؛ ولهذا قال: (أو ممن لم يسع مع طواف القدوم) يقصد بذلك المفرد والقارن.

    1.   

    التحلل الثاني للحاج

    الشيخ: يقول المؤلف: ( ثم قد حل له كل شيء). يعني: بذلك أن المحرم أو المحرمة إذا رمى أو رميا جمرة العقبة أو حلقا أو قصرا وطافا للإفاضة فإنهما قد تحللا التحلل الأول والثاني, مع خلاف عند أهل العلم هل يدخل السعي مع الطواف أم لا, هل هو ركن أم لا؟

    والصواب أن السعي واجب وليس بركن كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا فإذا طاف ورمى وحلق فقد حل له كل شيء حتى النساء, وعليه فيجوز له يوم العيد أن يأتي أهله, وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم صفية لكن قيل له: (إنها حائض، فقال: أحابستنا هي؟ قيل: لا، فقال: فلننفر إذاً).

    1.   

    شرب ماء زمزم للحاج وما يقوله عند شربه

    الشيخ: يقول المؤلف: (ويستحب أن يشرب من ماء زمزم بما أحب, ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم جعله لنا علماً نافعاً)، الأثر أو الدعاء الذي ذكره المؤلف.

    أولاً: يستحب الشرب من ماء زمزم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ماء زمزم طعام طعم)، هذا هو الثابت في صحيح مسلم , أما (وشفاء سقم) فقد زادها أبو داود الطيالسي وفي سندها بعض النكارة.

    أما حديث: ( ماء زمزم لما شرب له )، فإن الحديث يرويه عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير المكي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم و عبد الله بن المؤمل ضعيف, ولا يتابع على حديثه, ومدار الحديث عليه ولا يتابع على حديثه؛ ولهذا ضعفه العقيلي و الذهبي كما في ميزان الاعتدال وغير ذلك، فالحديث ضعيف.

    وأما ما جاء في قول المؤلف (ويتظلع منه) إنما ذكر ذلك استدلالاً بما جاء عند ابن ماجه وغيره من حديث عثمان بن الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم, قال: فشربت منها كما ينبغي, قال: فكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل الكعبة, واذكر اسم الله, وتنفس ثلاثاً من زمزم, وتضلع منها, فإذا فرغت فاحمد الله, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتظلعون من زمزم ).

    هذا الحديث ضعيف، ضعفه غير واحد من المحدثين كـأبي العباس بن تيمية رحمه الله وغيره، و عثمان بن الأسود لا يعول عليه, وعلى هذا فالثابت في زمزم أنه طعام طعم, وحديث ( ماء زمزم لما شرب له ) معناه صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي ذر وقد جاء من اليمن: قال: ( وما طعامك؟ -فقد جلس عشرة أيام لا يأكل شيئاً- قال: يا رسول الله! والله إن طعامي زمزم, حتى إني لأرى عكن بطني ) يعني: السمن بسبب شرب ماء زمزم, فهذا يدل على أن أبا ذر نوى أن يكون هذا طعامه فنفعه ذلك, فهذا يدل على أنه ينفع الإنسان إذا نوى شفاءً أو غير ذلك.

    وقد قال السخاوي: وكان شيخنا -يعني بذلك ابن حجر- يتضلع من ماء زمزم ويقول: اللهم ارزقني حافظة ومعرفة بالرجال كمعرفة الإمام الذهبي بالرجال, يقول السخاوي : فرزقه الله حافظة ومعرفة بالرجال أكثر من الإمام الذهبي , وهذا صدق, فقد أعطى الله سبحانه وتعالى ومنح هذه النعمة للإمام ابن حجر , أما أن يكون أعلم من الإمام الذهبي فهذا محل تأمل ونظر, والله أعلم.

    يقول المؤلف: ( اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً, ورياً وشبعاً )، نقول: لم يثبت بإسناد صحيح دعاء في شرب ماء زمزم, وعلى هذا فأيما دعاء دعا أجزأه ذلك ونفعه, فليدع بخير الدنيا والآخرة.

    والتضلع المقصود به هو أن يبالغ في الشرب.

    ولا بأس أن يغتسل الإنسان من ماء زمزم ويتوضأ ويستنجي به كل ذلك جائز, والدليل على هذا أن ماء زمزم لم يكن بأعظم بركة من الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (هلم إلى الطهور المبارك )، وقال لأحد الصحابة: ( خذ هذا فأفرغه عليك ) حينما كان جنباً, كما هو رأي كثير من المحدثين, وهو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.

    1.   

    إجابات أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: شيخنا الكريم طرحتم سؤالين في الحلقة السابقة, فإن سمحتم نستعرض بعض الإجابات.

    معنا الأخت من السعودية تقول: جواب السؤال الأول: المشعر الحرام هو مزدلفة، وسمي بذلك لأنه داخل حدود الحرم.

    وأما السؤال الثاني فتقول: وادي محسر هو واد بين المشعرين الحرام منى ومزدلفة، وقال الحنابلة: إن محسر من منى.

    الشيخ: إجابتها جيدة, لكن فيها نقص, وأنا أشكر هذه الأخت فهي حريصة على هذا الدرس, وهي متابعة لهذا الدرس, لكن قولها: إن المشعر الحرام هو مزدلفة لأنه في منطقة الحرم، نقول: إجابة صحيحة لكن لأن الله سماها المشعر الحرام بقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198].

    والإجابة الثانية: قزح الجبل الذي عند المشعر يسمى أيضاً مشعراً حراماً, ولكنه ذكر الخاص بحكم لا يخالف العام يعني يطلق على الجبل المشعر الحرام، ويطلق على مزدلفة كله مشعر حرام, كما قال جابر : فأتى ناقته القصواء فأتى المشعر الحرام فرقى عليه فدعا, وحمد الله وكبر.

    المقدم: أيضاً بعض الأجوبة يا شيخ بشكل سريع من السعودية: المشعر الحرام هو جبل قزح وهو موقف, أما محسر فقد اختلف العلماء: هل محسر من منى ومزدلفة والصحيح أن وادي محسر هو برزخ بين مزدلفة ومنى وليس من منى.

    الشيخ: الإجابة صحيحة ولو اجتمعت هذه الإجابة مع الإجابة السابقة لكان نوراً على نور.

    المقدم: نختم بهذه الإجابة من المغرب، يقول: الجواب الأول: المراد بالمشعر الحرام على مذهب جمهور المفسرين أنها مزدلفة كلها كما في حديث: ( كل مزدلفة مشعر ).

    أما الجواب الثاني فيقول: محسر هو واد بين مزدلفة ومنى وسمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل انحسر فيه.

    الشيخ: قلنا: الصحيح أن الفيل لم ينحسر في محسر إنما انحسر في المغمس, والذي ذكره ابن القيم رحمه الله لا دليل عليه, فالصحيح أن الفيل لم يدخل منطقة الحرم أصلاً، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    رمي الجمار إلى قريب الحوض

    السؤال: إذا قيل لي: إن هذه الأحواض محدثة, فهل يتوجه مذهب أبي حنيفة أنه إذا كانت الحصى قريبة من موضع الحصى ولو كانت خارج الحوض تجزئ وإذا كانت بعيدة عن موضع الحصى فإنها لا تجزئ مثل هذه الأيام حين كثر الزحام.

    الجواب: أنا قلت هذا, العبرة بمجمع الحصى، ولا عبرة بالحوض, فلو امتلأ الحوض, وكان سيلان الحوض يمتلئ أيضاً, فلو أسقطها في مكان قريب من الحوض وفي مجمع الحصى أجزأه ذلك, فالعبرة مجمع الحصى، والحمد لله الآن كبر الحوض أكبر من الأول, فعلى هذا فالعبرة بمجمع الحصى.

    حكم التهنئة بالعام الجديد

    الجواب: اختلف العلماء في ذلك, هل التهنئة بقدوم شهر رمضان أو التهنئة بالعام الهجري من باب العادات أم من باب العبادات؟

    الأقرب والله أعلم وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي وللإمام السيوطي رسالة في هذا أنه من باب العادات, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه هنأ أصحابه بقدوم شهر رمضان, والأحاديث الواردة في ذلك منها: ( جاءكم شهر رمضان وهو شهر مبارك ) في سنده علي بن زيد بن جدعان فعلى هذا فالتهنئة مباحة.

    تخصيص نهاية العام بعبادة معينة

    السؤال: كثير من الناس في نهاية العام قال: استغلوا نهاية هذا العام لا يفوت عليكم إلا باستغفار وذكروا نحوه؟

    الجواب: بعض الإخوة جاءتني رسائل كثيرة: اختموا نهاية هذه السنة بالصيام، نقول: صيام يوم الإثنين صيام مستحب, كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه, أما تخصيص ذلك بأنه خاتمة هذا الشهر فإن هذا ليس بمشروع, بعض الإخوة يقول: أنا صمت بناء على هذا، نقول: أحسن النية واجعله يوماً فاضلاً ترفع فيه أعمالك الصالحة, وإن كان في هذا الحديث ضعف.

    وقت التحلل الأول

    السؤال: إذا قيل بأن قول أكثر الصحابة رضوان الله عنهم أن التحلل الأول لم يكن بالرمي، هل قال أحد من الصحابة غير عمر في إحدى الروايتين عنه أن التحلل بالرمي والحلق وحينئذ هل الاستحباب مع جواز التحلل بعد الرمي؟

    الجواب: ذكر الأخ التحلل في رمي جمرة العقبة والحلق, وقال: هي إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء في بعض الروايات أنه قال: ( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء )، و عمر رضي الله عنه إنما أراد تطبيق السنة، وهذا أقرب في هذا, أليس عمر قد خالف رواية أخرى, وهي: إذا جئتم منى فإذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيء.

    وقوله الآخر: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب، لعل عمر رضي الله عنه إنما أراد فعل النبي صلى الله عليه وسلم, فأراد فعل السنة في أنه لا ينبغي أن يتحلل إلا بعد أن يرمي ويحلق, وهذا هو الذي رجحناه, والله تبارك وتعالى أعلم.

    الحكم على حديث عبيد الله بن زمعة في حصول التحلل برمي الجمرة

    السؤال: من الأحاديث التي يستدلون بها على التحلل الأول حديث محمد بن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وأمه زينب بنت أم سلمة، فهل الحديث هذا ضعيف؟

    الجواب: حديث محمد بن إسحاق الذي قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن زمعة أن أباه و زينب بنت أم سلمة حدثاه: ( أن وهب بن زمعة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قميص فقال: يا أبا زمعة أكنت قد طفت؟ قال: لا, قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا, فإذا أمسيتم أصبحتم حراماً )، الحديث. فهذا الحديث ضعيف، أولاً: لأن عبيد الله مجهول.

    ثانياً: لأن محمد بن إسحاق وإن صرح بالسماع إذا أتى بما ينكر فإنه لا يعول عليه, وقد ذكر الإمام البيهقي أنه لا يعلم أحداً من الفقهاء قال به, وقد ذكر ابن حزم أنه قول قاله عروة بن الزبير , وأرى أن في هذا النقل نظر؛ لأن الإمام ابن حزم رحمه الله من عادته أن يذكر آثار الصحابة بأسانيدها, أما قوله قول عروة فلم يذكره بإسناد فليس بحجة، والأقرب والله أعلم أن الحديث ضعيف, وإن صححه بعض المتأخرين, فهذا الحديث ضعيف لا يعول عليه.

    حكم من ترك رمي جمرة العقبة

    السؤال: طفنا طواف الوداع بدون رمي جمرة العقبة, أخي يتذكر أنه فاتته رمي إحدى الجمرات، مع علمكم بأن ذلك ينقص، وبعد أن انتهينا نحرنا الهدي ثم قال: أنا سأرجع لرمي الجمرة التي لم أرمها، فهل عليه شيء أو لا؟

    الجواب: ليس ببعيد طواف الوداع، طواف الوداع هو آخر الأنساك, فلو أنه ترك جمرة العقبة ثم طاف للوداع وتذكر ذلك وهو في أيام الحج التي هي قبل غروب شمس يوم الثالث عشر فإنه يجب عليه أن يذهب فيرمي هذه الجمرة على حسب الترتيب، فيرمي هذه الجمرة, ولو رماها فإذا كان في اليوم الثاني عشر والثالث عشر رماها أجزأه -إن شاء الله- ثم بعد ذلك يعيد طواف الوداع؛ لأن طوافه هنا لم يكن هو آخر الأنساك.

    أما وقد انتهى أيام الحج فإنه يلزمه أن يجبره بدم، ومن ترك واجباً فليهرق دماً يذبحه في الحرم ويوزعه على فقراء الحرم.

    حكم المبيت بمنى

    السؤال: السنة التي مضت ذهبنا للحج وكنا مع حملة ثم ارتبطنا بناس مقيمين في مكة, وفي ليالي منى كنا نخرج من المغرب فلا نصل منى إلا الساعة الثانية عشرة أو الواحدة بعد منتصف الليل وكنا لا نجلس في منى أكثر من ثلاث ساعات، فهل هذا يجزئ أو لا؟

    الجواب: المبيت بمنى واجب في الجملة كما قال ابن عمر في صحيح مسلم : ( رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب في البيتوتة عن منى ), والرخصة ضدها العزيمة, وقد بينا في درس سابق معنى الرخصة.

    أما الأخوات أو الإخوة الذين يخرجون أو يذهبون إلى منى فيحبسون ولا يستطيعون أن يصلوا إلا متأخرين، فأرى -والله أعلم- أنه لا بأس عليهم, ولو بقوا مقدار ما يصدق عليه البيتوتة أجزأهم ذلك.

    أما قول بعض الإخوة: إنه يجلس معظم الليل يقول بقي دقيقتين أو بقي ثلاث فهذا لا أصل له, ولكن ينبغي له أن يجلس معظم الليل، والبيتوتة تصدق على من يجلس ثلاث ساعات أو أربع ساعات أو خمس ساعات, والأولى كما هو مذهب الشافعية والحنابلة أن يبقى معظم الليل, فإن حبس بسبب الضيق، أو الزحام أو غير ذلك فلا بأس في ذلك إن شاء الله.

    حكم المكث بمكة بعد طواف الإفاضة

    السؤال: بعد طواف الوداع أنا اشتريت بعض الأغراض، فهل هذا حرام علي أو لا؟

    الجواب: أما قولها: شراء بعض الهدايا بعد طواف الوداع، نقول: إذا كان هذا في طريقك أو أنك تنتظرين لصحبتك فاشتريت فأرى -والله أعلم- أن هذا لا بأس به, كما ذكر ذلك الفقهاء, والله أعلم.

    1.   

    أسئلة نهاية البرنامج

    المقدم: كما عودتمونا شيخنا الكريم بطرح سؤالين للإخوة المتابعين.

    الشيخ: السؤال الأول: ما حكم السعي بين الصفا والمروة في حق المتمتع؟

    الثاني: ما وقت طواف الإفاضة؟ والله أعلم.

    المقدم: نشكر لكم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء على مشاركتكم, أسأل الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755986772