إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإحرام من أركان الحج المختلف فيها، وله مستحبات منها: الاغتسال، والتنظف، وصلاة ركعتين وغيرها، والمحرم مخير عند الإحرام بين أنواع الحج الثلاثة، على خلاف في أفضلها. وكما أن للإحرام مستحبات فإن له محظورات منها: حلق الشعر، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط، وغيرها، وكل محظور له أحكام، ويختص الوطء في الفرج بإفساد الحج. والمرأة كالرجل إلا في لبسط المخيط، وأن إحرامها في وجهها.

    1.   

    الإحرام ومستحباته

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    كنا قد توقفنا في شرحنا عند قول المؤلف: [ باب الإحرام ].

    المقدم: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام: من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويتجرد عن المخيط، ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين، نظيفين، ثم يصلي ركعتين ويحرم عقبيهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني].

    الشيخ: يقول المؤلف: (باب الإحرام) يعني: باب الإحرام، والتلبية، وما يتعلق بهما.

    معنى الإحرام

    الشيخ: الإحرام في اللغة: نية الدخول في التحريم، وعلى هذا فالإحرام ليس هو لبس الإحرام كما يظنه كثير من العامة، فلو أن إنساناً لبس الإحرام وخرج من بيته مريداً الحج أو العمرة فهو لم يدخل في النسك، ولو خرج من بيته مريداً للحج والعمرة فإنه لم يدخل في النسك، فدل ذلك على أن الإحرام هو نية الدخول في أداء العبادة، فلو أن إنساناً خرج من بيته وهو مريد للحج والعمرة، لكنه لم يكن مريداً للدخول في النسك فإنه لا يكون محرماً، فدل ذلك على أن نية الدخول في النسك شيء، ونية الحج والعمرة شيء آخر، وعلى هذا فالذين يأتون عن طريق الطائرة هم قد لبسوا لباس الإحرام من بيوتهم، فإذا تعدى الميقات وهو لم يدخل في النسك يقول: أنا مريد للنسك منذ أن خرجت من بيتي، فهو لم يرد النسك ولكنه أراد الحج والعمرة، يعني: أراد فعل الحج والعمرة، لكنه لم يرد إرادة الدخول في النسك، بحيث يحرم عليه ما يحرم على الحاج والمعتمر.

    الاغتسال

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه عند الإحرام يستحب للإنسان أمور ذكرها المؤلف: أولها الاغتسال، فيستحب للإنسان أن يغتسل، ودليل الاغتسال والاستحباب ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة ومن حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل عليها وهي تبكي فقال: ( ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، والناس يذهبون إلى عرفة، فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بالحج )، وفي رواية: ( فانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج )، فأمر عائشة رضي الله عنها أن تهل وأن تغتسل، ثم تهل بالحج، ومما يدل على استحباب الاغتسال هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل وتستثفر وتهل بالحج )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الحائض والنفساء أن تغتسل عند إرادة الحج مع أن الاغتسال لا يرفع حدثهما دل على استحباب ذلك في غيرهما من باب أولى.

    وقد جاء حديث أصرح من ذلك وهو ما رواه أهل السنن من حديث عبد الله بن يعقوب المدني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل )، وهذا الحديث بهذا الفعل دليل على الاستحباب، بيد أن هذا الحديث فيه كلام، فإن عبد الله بن يعقوب المدني مجهول الحال، فإن ابن القطان الفاسي يقول: أجهدت نفسي في أن أجد أحداً يعرفة فما أحد عرفه! وكذلك في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد تكلموا فيه، واختلف فيه، فعلى هذا فالاستحباب ثابت بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة ، وقوله لـأسماء.

    أما ابن حزم فيوجب الاغتسال في حق الحائض والنفساء، ولا يستحب لغيرهما ذلك، فهو على ظاهريته، والصحيح هو قول عامة أهل العلم على أن الاغتسال مستحب.

    التنظف

    الشيخ: يقول المؤلف: (ويتنظف).

    يعني: يستحب للإنسان عند إرادة الإحرام أن يتنظف بأن يأخذ من عانته، وأن يأخذ من أظفاره، وأن يأخذ من شواربه، وأن يأخذ مما يحتاج إليه فيما لو دخل في النسك لأجل ألا يحتاج إليه، ولا شك أن هذا الاستحداد حكم شرعي، لا يثبت إلا بدليل شرعي، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالاستحداد -يعني بأخذ العانة- عند الإحرام، ولم يثبت أنه أمر بتقليم الأظفار، فدل ذلك على أن هذه الأشياء ليست من خصائص الإحرام كما يقول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وإنما يأخذ إذا كان مريداً له -يعني محتاجاً له- وأما من لم يكن محتاجاً فإنه لا يتقصد الأخذ، وقد روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يستحبون الأخذ من شواربهم، وأن يستحدوا، وهذا قول إبراهيم إنما يريد به أصحاب ابن مسعود، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأما من الصحابة أو من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت فيه شيء، وعليه: فإن التنظف ليس مستحباً في ذات الإحرام، وإنما يفعله الإنسان إذا احتاج إلى ذلك، والله أعلم.

    التطيب

    الشيخ: ثم قال المؤلف: (ويتطيب).

    يستحب للإنسان أن يتطيب عند إرادة الإحرام، فيطيب بدنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم )، فدل هذا على أنه كان يتطيب قبل ذلك، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت )، فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتطيب.

    وهذا هو قول الجمهور، وهو أنه يتطيب ببدنه، وأما ما جاء عن ابن عمر أنه قال: لئن أطلى بالقطران خير لي وأحب من أن أصبح محرماً وأنا متضمخ بالطيب، فهذا اجتهاد ابن عمر ، ولهذا أنكرت أم المؤمنين عائشة على ابن عمر وقالت: ( رحم الله أبا عبد الرحمن ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح محرماً وقد طاف بنسائه، ثم يصبح محرماً، وأثر الطيب على رأسه ) فهذا يدل على أن ابن عمر لم يبلغه الحديث، وعلى هذا فإنه صلى الله عليه وسلم ثبت أنه أحرم بالطيب لكن هل يدل ذلك على الاستحباب أم على الجواز؟

    ثلاثة أقوال: المنع، والاستحباب، والجواز، فذهب أبو العباس ابن تيمية إلى جواز الطيب وليس لاستحبابه، وذهب الحنابلة إلى استحبابه، ولعل الاستحباب أقرب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( خذوا عني مناسككم )، وقد تطيب، وأقل ما يقال فيه الاستحباب.

    ثم إنه إذا ثبت الاستحباب بتطييب البدن كالرأس والإبطين واللحية، فهل يطيب ثيابه؟ الحنابلة رحمهم الله يقولون: إن طيب بدنه ثم لبسه، ثم أحرم جاز، ولكنه يكره، فإن خلعه فلا يعيده؛ لأن لبسه بعد ذلك يعد لابساً بثوب فيه طيب.

    والراجح والله أعلم: أنه لا ينبغي للإنسان أن يطيب ثيابه، سواء قبل الإحرام أو بعده، أما بعده فإنه صلى الله عليه وسلم ثبت أن الطيب من محظورات الإحرام كما سوف يأتي، ولهذا قال في حديث يعلى بن أمية : ( اخلع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق )، ومما يدل على أن المرء ممنوع من لبس ثوب فيه طيب قبل الإحرام ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس )، فدل ذلك على أن المرء ممنوع من لبس ثوب فيه طيب، سواء قبل الإحرام أو بعده، وأنه ممنوع أن يطيب ثيابه، سواء قبل الإحرام أو بعده، كما سوف يأتي أيضاً تفصيل ذلك إن شاء الله، وعلى هذا فالتطيب إنما يكون في الرأس، وفي اللحية، وفي البدن، وفي اليدين، ونحوهما.

    التجرد عن المخيط قبل الدخول في النسك

    الشيخ: ثم قال المؤلف: ويتجرد عن المخيط من إزار ورداء أبيضين نظيفين ، المؤلف يقول: يستحب أن يتجرد عن المخيط في إزار ورداء، ومن المعلوم أن لبس المخيط محظور، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟

    الجواب: أنه يستحب للإنسان قبل الدخول في النسك أن يكون متجرداً من لباس المخيط، فيستحب له أن يلبس إزاراً ورداء قبل أن يدخل في النسك، فإن دخل في النسك وعليه لباس المخيط فيجب عليه أن ينزع، وليس عليه شيء، وعلى هذا فالاستحباب أن يلبس الإزار والرداء قبل الدخول في النسك، يقول المؤلف: في إزار ورداء أبيضين؛ لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين )، ويستحب أن يكون ذلك أبيض؛ لما جاء عند الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم )، فهذا يدل على استحباب الأبيض، وأما لو لبس غير الأبيض فلا حرج، وقد جاء في حديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ببرد أخضر، ولكن هذا الحديث الظاهر -والله أعلم- والأقرب أنه ضعيف، والله أعلم.

    صلاة ركعتين

    الشيخ: ثم قال المؤلف: (ثم يصلي ركعتين).

    استحب المؤلف أن يصلي ركعتين للإحرام قبل الدخول في النسك، وهذا قول الأئمة الأربعة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة )، رواه البخاري و مسلم من حديث عمر ، ولا شك أن هذا الحديث لا يمكن أن يستدل به في هذا الباب؛ وذلك لأنه إنما أمر أن يصلي لأجل أنه واد مبارك؛ وهو ذو الحليفة، وأما غير ذي الحليفة فليس وادياً مباركاً، وعلى هذا فالاستدلال بهذا الحديث محل نظر.

    واستدلوا أيضاً: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عقب صلاته، كما جاء ذلك من حديث ابن عمر : ( أنه عندما خرج من المسجد ركب دابته فأهل بالحج )، وقد جاء من حديث ابن عباس وإن كان في سنده بعض الضعف ولكن جاء أيضاً من حديث المسور بن مخرمة : ( أحرم بعد الظهر، وقد صلى الظهر في ذي الحليفة ركعتين ).

    قال شيخ الإسلام: أبو العباس ابن تيمية، وهو صاحب القول: ليس للإحرام صلاة تخصه، فإن أحرم عقب فريضة -كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم- كان ذلك له، وهو أفضل، وإلا فليس للإحرام سنة تخصه، أقول: وهذا أقرب، ومما يدل على ذلك: أن حديث: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك )، نزل عليه ليلاً، يعني من الفجر، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعد الظهر، فدل ذلك على أن هذا المقصود غير وقت الإحرام؛ لكن لو كان من عادته أنه يتوضأ فيصلي كما كان بلال يصنع، فهذا حسن جيد، والله أعلم.

    ثم قال المؤلف: (ويحرم عقبيهما).

    يعني: يستحب أن يحرم عقب الصلاة استدلالاً بما جاء عند أبي داود من حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم أحرم فسمعه قوم فذكروا، فلما استوت به ناقته من عند المسجد أحرم، فسمعه قوم فذكروا)، وهذا الحديث يرويه خصيف بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، و خصيف بن عبد الرحمن ضعيف، ولهذا فالراجح والله أعلم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه أحرم عقب الصلاة، و (إنما صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب دابته حتى إذا استوت به ناقته من عند المسجد أهل بالحج)، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر ، ولهذا فقول المؤلف: (ويحرم عقبيهما) الراجح أن الحديث الوارد فيه ضعيف، وأنه إذا صلى ثم ركب دابته متوجهاً إلى مكة أحرم، والله أعلم؛ لحديث ابن عمر ، وأما الحديث الذي استنبط منه المؤلف فحديث ضعيف، في سنده خصيف بن عبد الرحمن .

    ثم قال المؤلف: (وهو أن ينوي الإحرام)، يعني أن ينوي نية الدخول في النسك.

    لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    توجيه لطالب الفقه في كيفية طلبه

    السؤال: بماذا تنصح الفقيه هل يتتبع الأحاديث، ويهتم بالمتون الفقهية، أو يهتم بأحاديث الأحكام؟

    الجواب: والله إن صار فقيهاً فهو عارف بهؤلاء وهؤلاء، على كل حال: الأولى أن يأخذ متناً مثل الزاد أو عمدة الفقه، ويتدارسه، ويتفقه عبارات المؤلف، ويحفظها، ثم بعد ذلك إذا جاء حديث يدرسه، ويدرسه على شيخ يعلمه طريقة تصحيح الأحاديث، فإنه إذا جمع بين الفقه والحديث فإنه نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، وإني لأتعجب ممن يرجح بين الأقوال ويقلد بعض أهل الحديث المتأخرين في تصحيح الأحاديث فإنه لا يكن تصحيحه قوياً، ولكن إذا عرف طريقة التصحيح، فكما يعرف طريقة الترجيح في الفقه، والله أعلم.

    الفرق بين قول العلماء: الراجح كذا وقولهم: الصحيح كذا

    السؤال: يقول: قلت في الدرس السابق: لا أقول: راجح بل أقول: الصحيح، فما الفرق بينهما؟

    الجواب: الفرق بينهما: إذا قال العلماء: راجح، فإن القول الآخر له قوة، لكن إذا قالوا: الصحيح يعني: أن القول الآخر ليس بقوي، وإن ظهر عند من يظن أنه كذلك، والله أعلم.

    ما يلزم المحرم إن قتل ذبابة أو بعوضة

    السؤال: هل على المحرم شيء إذا قتل ذباباً أو بعوضه؟

    الجواب: روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً سأل ابن عباس فقال: إني نزعت قملاً من رأسي، قال: ثم إني بحثتها فلم أجدها، يعني يريد إرجاعها، فقال ابن عباس : تلك ضالة لا تبتغى.

    الفرق بين تغطية الوجه ولبس شيء عليه بالنسبة للمحرم

    السؤال: ما حكم تغطية الوجه للمحرم أثناء النوم؟

    الجواب: لا حرج، التغطية غير اللبس، لكن لو لبست فإنه محظور، فالتغطية غير اللبس، فالمرأة تغطي وجهها لكنها لا تلبس على وجهها شيئاً.

    الأخذ من اللحية في الحج وغيره

    السؤال: ما حكم الأخذ من اللحية في الحج وفي غيره؟

    الجواب: هذه سبق أن تحدثت عنها كثيراً، وهي ما يسمى بالأخذ من اللحية، إن شئتم فصلنا فيها فأقول الأصل أنه ثبت عن ابن عمر كما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم من طريق مروان بن محمد عن ابن عمر : أنه كان يأخذ من لحيته في حج أو عمرة، وقد صح عن ابن عباس كما رواه أبو عمر بن عبد البر بإسناد صحيح عنه في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29] قال: تقليم الأظفار، والأخذ من اللحية، قال: وجاء فيه: والعارضين، ولا تصح عن ابن عباس ، وعلى هذا فـابن عباس يرى الأخذ من اللحية، وصح عن عطاء أنه قال -كما رواه ابن أبي شيبة أظن-: كانوا يرخصون من الأخذ من لحاهم في حج أو عمرة، فهذا يدل على أنه يجوز الأخذ مما زاد على القبضة في حج أو عمرة، صح هذا عن ابن عمر ، وعن ابن عباس ، وجاء عن أبي هريرة كما رواه ابن أبي شيبة، وأقول: في الحج والعمرة استحبه الشافعي في الأم، و أحمد، قال الشافعي: وأستحب له أن يأخذ لله تعالى شيئاً من شعره ومن لحيته، وهو قول مالك ، وقول أبي حنيفة ، إذاً: الأئمة الأربعة يجوزون الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة في الحج والعمرة.

    وذهب النووي و أبو العباس ابن تيمية إلى أنه لا يأخذ الإنسان من لحيته شيئاً إلا ما تطاير منها، فهذا ليس من اللحية، فهذا ذكره ابن تيمية وكذلك الشافعي والحنابلة، وأما ما عدا ذلك فإنه لا يأخذ منه الإنسان؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( أعفوا عثانينكم )، كما رواه الإمام أحمد : أن اليهود يأخذون من عثانينهم قال: ( فلا تأخذوا من عثانينكم )، وهذا القول أقوى.

    وأنا دائماً أقول: هل قولي أقوى؛ لأن لحيتي قصيرة فلا أحتاج إلى الأخذ منها فأقوي هذا القول، أم لأني أرى أن هذا أولى؟ الإنسان أحياناً يقوي قولاً لأنه بعيد عنه، أو يقوي خلافه لأنه محتاج إليه، فأقول: إن الأولى ألا يأخذ منها الإنسان، وهي مسألة أصولية معروفة عند العلماء، أشار إليها الشاطبي في الاعتصام، وأشار إليها كل من كتب في أصول الفقه من الكتب المطولة، وهو أن اللفظ العام هل يقيده فعل الصحابي؟

    جمهور الفقهاء على أنه يقيده فعل الصحابة، ثم إن أهل العلم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أعفوا اللحى )، وهذا أمر، ويصدق على الأمر أقل ما يقال فيه: إنه لحية، وهذا يصدق عليه ما فوق القبضة، قل مثل ذلك مثلما لو قال الشارع: أقيموا الصلاة، فإقامة الصلاة تصدق على السنة، والواجب، والركن، ولو فعل الركن والواجب هل يكون قد أدى إقامة الصلاة؟ نعم، يكون قد أدى إقامة الصلاة، فكذلك في سائر الواجبات، فإذا فعل ما يصدق عليه أنها لحية فلا بأس، وهذا القول أقول لكم: إنه قوي، وهو قول الأئمة الأربعة، والقول الآخر هو اختيار ابن تيمية قال: والأظهر ألا يأخذ منها شيئاً، وكذلك قال النووي ، وعليه الفتوى عندنا من مشايخنا: الشيخ عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن العثيمين ، والمسألة يسع فيها الخلاف، لكن ما دون القبضة، فإن ابن عابدين قال: ولا نزاع في حرمة ذلك.

    وقد ذهب بعض متأخري المالكية: إلى أنه يأخذ ما يصدق عليه أنها لحية، وهذا عند التنظير والنظر لا تأتي الشريعة بأحكام شرعية واجب على المكلف بفعله؛ لأن هذا مما تختلف فيه أنظار الناس، ولهذا الأقرب أنه مما زاد عن القبضة يسع فيه الخلاف، وأما ما دون ذلك فإنه ليس كذلك، والمسألة محتملة ولكن الذي ليس بمحتمل هو أن يهجر الإنسان بفعله أحد القولين، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يستساغ؛ لأن الهجر محرم، والأخذ بأحد القولين سائغ، والعلماء رحمهم الله ينكرون، ولهذا يقول أبو عمر بن عبد البر وكذلك الحافظ ابن حجر يقول: وإذا جاز من الصحابة أنهم يأخذون في حج أو عمرة، دل على أن أصل الأخذ جائز؛ يقول: لأنه لم يرد دليل بجواز أخذ الحج والعمرة، فإذا جاز أن يأخذوا في حجهم أو عمرتهم جاز أن يأخذوا مما زاد مطلقاً؛ لأنه لا فرق بين حج أو عمرة، كذا قال أبو عمر بن عبد البر ، وأنا أقول لكم: كلما جاء حديث فانظر ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستذكار والتمهيد، فإنه كما قال ابن حزم : لا أعلم أحداً أعلم بفقه الحديث من أبي عمر بن عبد البر، فهو من أفضل من يكتب؛ لأنه ينظر كلام المتقدمين، وكلام أهل العلم، والله سبحانه وتعالى يقول: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، فإذا اقتدى الإنسان بأحد القولين فلا بأس.

    بعض الإخوة يقول: العبرة بقول ظاهر الحديث، يا أخي! ظاهر الحديث نحن لا نقول به مطلقاً في كل شيء، فعندنا أقوال من الصحابة نفعل بها، وهم الذين قيدوها، مثال: العبرة بظاهر القرآن، من ترك الوقوف بعرفة ماذا يجب عليه؟ أليس يجب عليه أن يتحلل بعمرة؟ من أين لنا هذا إلا من الصحابة، الصحابة لهم رؤية ليست كغيرهم، ولهذا يقول العبد الصالح عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اتفقوا، لأنهم إن اتفقوا رأيت أن مخالفهم على ضلال، فإن اختلفوا رأيت أن الناس في سعة، فإذا كان هذا فعل الصحابة فالحمد لله؛ لكن أقول: الأولى والأحوط ألا يأخذ الإنسان من لحيته، أما ما كان تحت الرقبة أو تحت الذقن فهذا ليس من اللحية وكذلك ما كان تحت الحنك ليس من اللحية.

    وأما من الخد: فقد ذهب صاحب القاموس المحيط الفيروز آبادي، وصاحب لسان العرب وهو ابن منظور : إلى أن اللحية كل ما ينبت من شعر الوجه، واختاره شيخنا ابن باز وشيخنا محمد بن عثيمين ، وذهب الجمهور إلى أن اللحية: هو ما ينبت من شعر اللحيين والذقن، ولعل هذا أظهر؛ لأن اللحية ثبت عرفها الشرعي، وما ثبت بالحقيقة الشرعية لا يعول فيه على الحقيقة اللغوية، وإلا للزم أن يقال: إن حلق شعر الخد من النمص، وهذا فيه ما فيه، والله أعلم.

    وعلى هذا: فالراجح أنه لا بأس بأخذ ما كان من الخد، والله أعلم، وهو مذهب الجمهور، والعنفقة: الأولى تركها.

    ماهية تغطية المرأة وجهها

    السؤال: حكم تغطية المرأة وجهها؟

    الجواب: بعض الحريم عند بداية دخولها المخيم لا تريد أحداً يعرفها، وعندما تصل إلى يوم مزدلفة كل يعرف الثاني، بعض النساء عندها هذه العادة، إذا رأت بعض زميلاتها لا تحب أن تتغطي.

    وبعض الفقهاء المتأخرين من الشافعية والمالكية قالوا: يحرم على المرأة أن تغطي وجهها، ففهموا التغطية كالنقاب، وهذا خطأ، فإن تغطية الوجه في المحرمة معروف عند الصحابة، كما روى هشام عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نحج مع أسماء بنت أبي بكر فإذا حاذنا الرجال أمرتنا أن نغطي وجوهنا، وهذا يدل على أنه تغطية الوجه معروف عندهم، وأن المرأة تغطي وجهها، والله أعلم.

    وقت التكبير في عيد الأضحى

    السؤال: متى يبدأ وقت التكبير في عيد الأضحى والإمساك عن أخذ الأظفار والشعر للمضحي؟

    الجواب: الراجح أنه إذا أهل هلال ذي الحجة فإنه يمسك عن أخذ شيء من شعره أو أظفاره، وقد قلت: إن التكبير أيام العشر يبدأ من فجر اليوم الأول، لا ليلته؛ لأن الليلة لا تسقط إلا بدليل؛ لأن ابن عمر و أبا هريرة كانا يكبران أيام العشر، ولا يقال مثل قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]؛ لأن التكبير أيام الفطر غير التكبير أيام العشر، فإن التكبير ليلة الفطر ليست مثل التكبير أيام العشر، نعم، التكبير ليلة الفطر مثل التكبير ليلة العاشر، وليس مثل أيام العشر، والمسألة يسع فيها الأمر، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756177211