إسلام ويب

كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجعالة والإجارة جائزتان بدلالة الكتاب والسنة، والأجير ينقسم إلى أجير خاص وأجير مشترك، فالأجير الخاص لا يضمن فيما تلف بيده إلا بالتعدي أو التفريط، وأما الأجير المشترك فإنه يضمن على مذهب الجمهور وهو الصحيح. وتنقسم اللقطة إلى ثلاثة أنواع: منها ما لا تتبعه همة أوساط الناس فإنه يملك، ومنها الضوال التي تمنع من السباع فإنها لا تملك بالالتقاط، وما سوى ذلك فإنه يملك بالالتقاط بعد تعريفه سنة.

    1.   

    الجعالة والإجارة

    الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الجعالة والإجارة. وهما: جعل مال معلوم لمن يعمل له عملاً معلوماً, أو مجهولاً في الجعالة ومعلوماً في الإجارة, أو على منفعة في الذمة؛ فمن فعل ما جعل عليه فيهما استحق العوض وإلا فلا، إلا إذا تعذر العمل في الإجارة؛ فإنه يتقسط العوض ].

    تعريف الجعالة والإجارة وحكمهما

    قول المؤلف: (باب الجعالة والإجارة), الجعالة: مثلثة الجيم, تقول: جَعالة وجِعالة وجُعالة, وهي جائزة عند عامة أهل العلم خلافاً لـأبي حنيفة , وقد قال الله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72], وثبتت كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في قصة اللديغ الذي لدغ, فذهب إلى نفر من الصحابة فقال: ( هل فيكم من راق؟ فقال أحدهم: أنا أرقي, وماذا تعطونا؟ قالوا: نعطيكم قطيعاً من الغنم, قال: فرقى هذا اللديغ فكأنما نشط من عقال ), وهذا يدل على أنها رقية جعالة, وهذه لا بأس بها.

    والمؤلف قال: (وهما), يعني: الجعالة والإجارة, والإجارة: هي عقد على عمل أو على منفعة.

    فتكون عقداً على عمل مثل: أن يعمل له هذا العمل، وتكون عقداً على منفعة مثل: أن يكون عند شخص شيء من المنافع, فيؤجرها إلى الغير, مثل أن يكون عنده أرض فيؤجرها, أو منزل فيؤجره, فهذه الإجارة إجارة عقد على منفعة.

    الفرق بين الجعالة والإجارة

    المؤلف رحمه الله ذكر بعض الفروق بين الجعالة والإجارة, وهي:

    الفرق الأول: أن الإجارة عقد لازم, فلا يجوز لأي واحد من المتعاقدين فسخه, إلا إذا هلكت العين المؤجرة, وأما الجعالة فهي عقد جائز, وليس بلازم, إلا إذا ظهر الشيء, أو انتهى العمل فتكون لازمة, وأما إذا لم ينته العمل, فإن كان الفسخ من العامل فليس له شيء, فلو قال رجل: من يبني لي هذا الجدار كاملاً فله خمسون ألفاً, فجاء شخص فبنى نصفه, ثم قال: أنا لا أريد أن أعمل, أعطني أجرة عملي، فإن المذهب يقول: ليس له شيء؛ لأنه اشترط كامل العمل, فإن كان الفسخ من العامل فلا يستحق شيئاً, وإن كان الفسخ من صاحب العمل -الذي هو الجاعل- فإن العامل يستحق أجرة عمله.

    والله أعلم.

    الفرق الثاني: العمل في الإجارة لا بد أن يكون معلوماً, وأما في الجعالة فلا يشترط أن يكون العمل معلوماً, فلو قال رجل: من رد ضالتي فله كذا, فيمكن أن يخرج من المسجد فيجدها, ويمكن أن يبحث سنة ثم يجدها, فهذا العمل مجهول, وأما الإجارة فلا يجوز أن يكون العمل فيها مجهولاً, بل لا بد أن يكون العمل معلوماً.

    الفرق الثالث: أن المدة في الإجارة لا بد أن تكون معلومة, وأما في الجعالة فلا يشترط أن تكون المدة معلومة.

    الفرق الرابع: أن العقد في الإجارة لا بد أن يكون على معين, فلا بد أن أعقد على عبد الملك مثلاً، أو على الشركة الفلانية, أو على الجماعة الفلانية, وأما الجعالة فيجوز أن يكون معلوماً ويجوز أن يكون مجهولاً, فيقول الرجل: من رد ضالتي فله كذا, فالعاقد الآخر غير معلوم في الجعالة, أما في الإجارة فلا بد أن يكون معلوماً.

    الخامس: أن الإجارة لا تحتمل الغرر, فإذا وجد الغرر في الأجرة مثلاً أو في المدة, فإنها لا تصح على مذهب الجمهور أما الجعالة فيجوز أن تكون المدة أو العوض غير معلوم, مثل أن يقول رجل: من رد جملي فله ثلثه, ولا يدري كم قيمته فإنه يمكن أن يكون غالياً, ويمكن أن يكون رخيصاً ويمكن أن تكون بكرة، ويمكن يكون حاشياً, فهذا يجوز أيضاً على مذهب جمهور الفقهاء.

    قول المؤلف: (فمن فعل ما جعل عليه فيهما استحق العوض, وإلا فلا), فالجعالة إذا ثبت له العمل استحق كامل العوض, فإن فسخ في أثناء العمل فليس له شيء في الجعالة, وأما إن كان الفسخ من رب العمل, فإن له أجرة المثل, وأما الإجارة فإن العقد يكون لازماً, إلا إذا هلكت العين المؤجرة, مثل لو أجرتك دابتي تسافر بها من الرياض إلى مكة, ثم لما وصلت إلى ظلم مثلاً هلكت الدابة, فهنا فسخت الإجارة, وصاحب الجمل يستحق أجرة المنفعة من الرياض إلى ظلم؛ ولهذا قال: (إلا إذا تعذر العمل في الإجارة, فإنه يتقسط العوض), والله أعلم.

    إذا قال مثلاً: الإجارة عشرة آلاف فيقسط, فيقول: كل عشرة كيلو مائة ريال, أو خمسين ريالاً, أو ألف ريال, وعلى هذا فقس، هذا هو التقسط.

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى: ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ), رواه مسلم ].

    الحديث لم يروه مسلم وإنما رواه البخاري كما هو معروف, وهذا الحديث أشار به المؤلف رحمه الله إلى أن الإجارة لا بد فيها من إعطاء حقه, ويشترط أن تكون معلومة فلو قال: لك الثلث من الربح, منعه الجمهور، وجوزه أحمد رحمه الله في رواية. ولو قال صاحب محفظة أسهم: أريدك أن تعمل بمحفظتي, على أن لك الربع من هذه الأسهم, فهذه إجارة عمل, وهي ممنوعة عند الجمهور؛ لأنه لا بد أن تكون الإجارة معلومة المال حال العقد, فلا بد أن يقول: لك الثلث الآن, فإذا كان في المحفظة مليون ريال, فيقول: لك الثلث, أي: ثلاثمائة ألف, أو لك واحد في المائة الآن. والله تبارك وتعالى أعلم.

    سبق أن ذكرنا أن الجعالة والإجارة بينهما اختلاف واجتماع, وتختلف الجعالة عن الإجارة في خمسة أشياء:

    الفرق الأول: أن الجعالة عقد جائز, فيجوز للجاعل أو المجعول له أن يتفاسخا, وثمة تفاصيل في هذا الباب بخلاف الإجارة, فإن الإجارة عقد لازم.

    الفرق الثاني: أن العمل في الإجارة يشترط فيه العلم, في حين أن العمل في الجعالة لا يشترط فيه, فلو قال: من رد ضالتي فله كذا, فتطلب هذا العمل أياماً أو وقتاً, فكل ذلك جائز.

    أما المدة في الإجارة فلا بد أن تكون معلومة, في حين أن الإجارة لا يلزم.

    الفرق الثالث: أن العقد لا بد أن يكون في الإجارة مع شخص معين, بأن يبرم العقد معه, وأما في الجعالة فله أن يقول لفلان: يا فلان! إن رددت ضالتي فلك كذا, أو أن يقول: من رد ضالتي فله كذا.

    الفرق الرابع: أن الغرر يحتمل في الجعالة أكثر مما يحتمل في الإجارة, فثمة غرر كبير في الجعالة, مما جعلت أبا حنيفة يمنع من الجعالة, في حين أن الجمهور جوزوها؛ لدعاء الحاجة في هذا الباب, وعلى هذا فالجعالة أوسع من الإجارة.

    الفرق الخامس: أن الجعالة على مذهب الحنابلة تجوز في القرب ولا تجوز الإجارة في القرب, فلو قال شخص: أصلي لكم في رمضان, وقالوا له مثلاً: إن قرأت على مريضنا فلك كذا, فقرأ فشفي, جاز ذلك؛ لأن هذا من باب الجعالة, أما لو قال: أصلي لكم بكذا, فعلى مذهب الحنابلة لا يجوز؛ لأن هذا نوع إجارة.

    وعلى القول الثاني في المسألة: أنه ليس ثمة فرق؛ لأنه يجوز الإجارة في القرب على مذهب أحمد في رواية, وهو قول بعض المحققين وهو الأقرب, ولا يسع الناس في هذا الزمان إلا هذا, فأكثر عقود الناس مع وزارة التربية والتعليم عقود إجارة, وأكثرهم يعلم القرآن, والثاني يعلم الفقه, وكلها من القرب التي هي على مذهب الحنابلة لا تجوز.

    تعريف الإجارة وحكم تأجير العين المستأجرة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وتجوز إجارة العين المؤجرة على من يقوم مقامه لا بأكثر منه ضرراً؛ ولا ضمان فيهما بدون تعد ولا تفريط ].

    المؤلف رحمه الله يقول: (وتجوز), الآن دخل في باب الإجارة, والإجارة: عقد لازم لمن يقوم بعمل أو لمن ينتفع بها, عقد يقوم على عمل, أو الانتفاع بالعين, مدة معلومة بأجر معلوم.

    ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره بشروط:

    الشرط الأول: ألا يمانع المؤجر من ذلك, فلو قال المؤجر للمستأجر: أؤجرك العين شريطة ألا تؤجرها للغير, فإنه لا يجوز أن يؤجر المستأجر هذه العين للغير, سواء عمل بمثل عمل المستأجر أو أقل, كل ذلك ممنوع؛ لأن المؤجر مالك للسلعة, وقد أذن للمستأجر بالعقد واشترط عليه, وللإنسان أن يقيد في التصرف في ملكه ما شاء.

    الشرط الثاني: ألا يزيد المستأجر الثاني بالانتفاع من المنفعة بأكثر مما يعمله المستأجر الأول, وهذا في ما يعود عليه بالضرر, فلو أن شخصاً أجر على علي محلاً, هذا المحل المفترض أن يؤجره عليه؛ لأجل أن يفتح محلات بيع ثياب, فقام علي فأجره إلى محمد فصنع فيه تنوراً, يعني: مخبزاً, هذا المخبر سيؤثر على المبنى, فهذا فيه ضرر, ولهذا يمنع؛ لأنه سوف ينتفع فيه بأكثر مما انتفع فيه المستأجر الأول, فأما إن لم يمانع المؤجر, ولم ينتفع المستأجر الثاني بأكثر مما ينتفع المستأجر الأول, فالأصل فيه الجواز, والله أعلم.

    وعلى هذا فلو أن المؤجر مانع من تأجير المستأجر الغير في حين أن العقد لم ينص عليه, فلا يصح له أن يمنعه بعد أن تم العقد بلا شرط لا يصح, ولا يسوغ له, وإذا أراد أن يمنعه فإذا انتهى العقد فلا يجدد له إلا بالشرط الذي يريد.

    أحكام متعلقة بالضمان في الجعالة والإجارة

    يقول المؤلف: (ولا ضمان فيهما بدون تعدٍ ولا تفريط), يعني: لو أن الجاعل قال: من رد ضالتي فله شاة, من رد بعيري فله شاة, فجاء المجعول له, فوجد البعير, فالبعير في يد المجعول له يد أمانة, وعلى هذا فلو هلك البعير في يد المجعول له من غير تعدٍ ولا تفريط فلا ضمان عليه؛ لأنه أمين، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

    أما الإجارة فهي تنقسم إلى قسمين: أجير خاص وأجير مشترك.

    الأجير الخاص: هو الذي يعمل لدى المؤجر مدة معلومة, فيكون قد حبس وقتاً معيناً للمؤجر, فهنا لا يضمن الأجير الخاص إلا بالتعدي أو التفريط, هذا قول عامة أهل العلم, فالموظف الذي يعمل لدى شركة معينة يسمى: أجيراً خاصاً، فلو هلك جهاز الحاسب, مثلاً دخل موقعاً, فصار هذا الموقع فيه فيروس, فاحتاج هذا الجهاز إلى الفرمتة, وتطلب مبلغاً كبيراً, نقول: إن فرط, بأن دخل مواقع لم يبح له من جهة العمل فيكون قد تعدى, وإن لم يتعد, بل طلب منه أن يبحث عبر الإنترنت عن مسائل معينة فدخل, فترتب على ذلك الحاجة إلى تنظيف الجهاز, فحينئذٍ نقول: لا يضمن, لأنه أمين, والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط, هذا هو الأجير الخاص.

    ومثال ذلك: لو استأجر شخص سيارة من محلات الأجرة, فهذا في حكم الأجير الخاص؛ لأنه سوف ينتفع من العين مدة معلومة, فلو هلكت السيارة من غير تعدٍ ولا تفريط, فلا يضمن, فلو كان شخص يقود السيارة ووقف عند الإشارة, والسيارة قد أخذها بالأجرة, فجاء شخص من الأشخاص وهو يقوم بتفحيط السيارة, فصدم هذا الشخص, فهل يضمن؟ لا يضمن, لماذا؟ لأنه لم يتعد ولم يفرط.

    وهنا مسألة: لو أن المؤجر اشترط على المستأجر أن يضمن -ولو لم يتعد أو يفرط- ما هلك تحت يده, مثال لهذه المسألة: قال المؤجر: أؤجرك, لكن أنا ما أعرفك, وعندي شركة سيارات كثيرة, وكل يوم يأتيني شخص, سأعمل معك عقداً على أنه إن هلكت السيارة وهي بيدك وتحت تصرفك, فإنك تضمن ولو لم تتعد أو تفرط, فقبل بذلك, فهل يصح الشرط, أم لا؟

    هذه المسألة من أعقد المسائل, فذهب الحنابلة في المشهور عندهم, وهو مذهب الشافعية إلى أن هذا الشرط فاسد, لماذا؟ قالوا: لأنه شرط يخالف مقتضى العقد, فإن مقتضى العقد أن الضمان يكون على المؤجر؛ لأن الضمان على صاحب العين, فإذا حمل الضمان على المستأجر, فكل شرط في الضمان يخالف أصل العقد، فهو شرط فاسد, وكل شرط أوجبه الضمان ولم يوجبه العقد فهو شرط فاسد, هذا هو مذهب الحنابلة.

    والقول الثاني في المسألة: أن للمؤجر أن يضمن المستأجر ما تلف تحت يده ولو لم يتعد أو يفرط بالشرط, وهو رواية عند الإمام أحمد , سئل عن ذلك فقال: لا بأس, المسلمون على شروطهم, ومن التزم على نفسه أمراً فلا بأس, فإن قالوا: يلزم من هذا أن الشرط يعود على أصل العقد بالمخالفة, قلنا: ولا ضير؛ لأن العارية الأصل فيها أنها أمانة, ولكنها لو اشترط عليه بالضمان لجاز, وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله, هذا هو القسم الأول, الأجير الخاص.

    أما الأجير المشترك: فهو من يعمل عملاً لواحد أو أكثر، فهو مقيد بالعمل لا بالوقت, كالخياط والغسال, والنقل الجماعي, فهذا عقده مع الغير عقد مشترك, فالأصل في هذا أنه أمين؛ لكن لأجل اختلاف الزمان وربما ضاعت أموال كثيرة على المسلمين بسبب تفريط هذا المستأجر جعل كثير من أهل العلم يقولون: يضمن الأجير المشترك, وإن كان الأصل أنه لا يضمن, وهذا هو قول علي رضي الله عنه, كما روى عنه مالك في المدونة أنه قال: لا يصلح الناس إلا هذا, وهو قول أكثر أهل العلم, كالحنابلة وغيرهم, وهو قول مالك و أبي حنيفة و أحمد .

    وذهب أبو يوسف من الحنفية, وهي رواية عند الإمام أحمد -كأن المؤلف رحمه الله وهو الشيخ ابن سعدي يميل إليه- أن الأجير المشترك لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط, قالوا: لأن الأصل أن المستأجر أمين, سواء كان أجيراً خاصاً، أم أجيراً مشتركاً, ولا يثبت الضمان إلا بدليل, ولا دليل, والذي يظهر والله أعلم هو قول أكثر أهل العلم؛ وذلك لأمور:

    أولاً: لأننا صححنا أن الأجير الخاص يضمن بالشرط, فإن الأجير المشترك تضمينه هنا من باب الشرط العرفي, فإن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً, ولا يسع الناس إلا هذا, فلو طلب الإنسان مشلحه الذي اشتراه بمبلغ كبير, وهذه الفتاة التي أرادت غسل فستانها الذي خاطته بمبلغ عظيم, ثم قال الخياط: غسلته ففسد, وأنا أمين ولا أضمن, كم من الفساد الذي سيحصل, لكنه إذا علم أنه سوف يضمن, فإنه ابتداء سوف يقول لصاحب الفستان: لا أستطيع أن أقوم بغسله؛ لأنه ليس عنده غسيل بخار, أما أن يأخذه بدعوى أن عنده غسيل بخار, فماذا يصير عليه؟ يفسد, وهذا يحصل كثيراً عند أصحاب الثياب الصوفية الطبيعية, ينكمش الثوب ويخرب.

    أو غسل المشالح ممن لا يحسنه, فيقول: أنا أمين, والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط, وأنا والله ما قصرت في هذا, والحقيقة أنه قصر بجهله وإن لم يقصر بعمله.

    وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم: أن الأجير المشترك يضمن, خلافاً لما ذكره المؤلف, وقلنا: هو قول جمهور أهل العلم. والله أعلم.

    إبرام عقد الإجارة من غير معرفة الثمن

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي الحديث: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ), رواه ابن ماجه ].

    هذا الحديث رواه ابن ماجه و البيهقي من حديث أبي سعيد , والحديث ضعفه أكثر أهل العلم, إلا أن المتأخرين قووه, والذي يظهر أن الحديث ضعيف.

    وهذا الحديث فيه مسألة وهي: هل يجوز إبرام عقد الإجارة من غير معرفة الثمن؟ فإننا قلنا في عقد البيع: لا يصح عقد البيع مع جهالة الثمن, فهل يقال: إنه لا بد من معرفة الأجرة حين إبرام عقد الإجارة؟

    جمهور أهل العلم اشترطوا ذلك, قالوا: وإن تم العقد من غير معرفة الثمن ثم انتهى العمل, فالعقد إجارة فاسدة وليس للمستأجر إلا أجرة المثل.

    خذ مثالاً: لو ذهبت إلى طبيب في مستشفى كبير, لديه خدمات كبيرة, فإن أجرة الكشف عالية, ولو ذهبت إلى طبيب في مستشفى في إحدى زوايا الحي, فإن قيمة الكشف زهيدة, وإن كان تخصصهما وشهادتهما واحدة, فلو أنه جاء شخص فقال: بكم الكشف؟ قال: والله مركز الاستعلامات غير موجود, أنت ادخل على الطبيب, فدخل على الطبيب, وقال له: يا دكتور! أنا أريد أن أكشف لكن لا أدري بكم الكشف, قال: نعالجك الآن ونحاسبك فيما بعد, فعالجه, فلما انتهى قال: ادفع ثلاثمائة ريال, قال: لم؟ قال: لأن تسعيرتنا ثلاثمائة ريال, قال: أنتم لم تخبروني, فرفض, فماذا يكون الحكم؟ فعلى مذهب الجمهور يقولون: ليس له إلا أجرة المثل, وعلى أنه لو أبرم العقد فإنه يكون له ثلاثمائة, هذا هو الفرق, وهذا هو الظاهر. والله تبارك وتعالى أعلم.

    والراجح أن الإجارة لا تفسد, وأن له أجرة المثل, إن اتفقا على العمل فله أجرة مثله وليس له أجرة المثل, ثمة فرق أم لا؟ هناك فرق, إذا قلنا له: أجرة مثله, فإننا ننظر إلى المحل الذي في المستشفى الذي له خدمات كبيرة, فبطبيعة الحال سوف يكون أجرة مثله ثلاثمائة, وإذا نظرنا إلى أجرة العمل ابتداءً, فإننا لا ننظر إلى هذه الاعتبارات التي ذكرناها, وهذا هو الراجح والله أعلم, وهو مذهب أحمد وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله, أن له أجرة مثله وليس له أجرة المثل, والفرق بينهما: أننا ننظر في القول الأول إلى العمل نفسه, وأما الثاني فننظر إلى العمل وإلى من عمل به. والله أعلم.

    1.   

    اللقطة

    قال رحمه الله تعالى: [ باب اللقطة وهي على ثلاثة أضرب:

    أحدها: ما تقل قيمته كالسوط، والرغيف، ونحوهما فيملك بلا تعريف.

    والثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع: كالإبل فلا تملك بالالتقاط مطلقاً.

    والثالث: ما سوى ذلك فيجوز التقاطه، ويملكه إذا عرفه سنة كاملة.

    عن زيد بن خالد الجهني قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها ووكاءها, ثم عرفها سنة؛ فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها, قال: فضالة الغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب, قال: فضالة الإبل؟ قال: ما لك ولها‍! معها سقاؤها، وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ), متفق عليه.

    والتقاط اللقيط والقيام به فرض كفاية، فإذا تعذر بيت المال فعلى من علم بحاله ].

    اللقطة: هي كل مال ضل عن صاحبه, فوجده اللاقط، وقد ثبت جواز التقاطها بحديث زيد بن خالد الذي ذكره المؤلف.

    لقطة ما تقل قيمته ولا تتبعه همة أوساط الناس

    والمؤلف ذكر أن اللقطة على أنواع ثلاثة, والذي يظهر -والله أعلم- أن اللقطة على أربعة أنواع إذا قلنا: إننا نجمع بين الحال والزمان.

    فالأول: قال المؤلف: (وهي على ثلاثة أضرب, أحدها: ما تقل قيمته كالسوط والرغيف ونحوهما), ويعبر الفقهاء عن ذلك ما لا تتبعه همة أوساط الناس, مثل السوط والقلم الذي قيمته عشرة ريالات, أو خمسة ريالات, أو نصف ريال, فهذا لا تتبعه همة أوساط الناس, وإن كان بعض الناس عنده لو ضاع له قلم بنصف ريال, قال: ياه! قالوا له: لماذا تبحث عنه وقيمته نصف ريال؟! قال: نعم, لكن كتابته جيدة, وهو ليس قصده ذلك, بل قصده النصف الريال, فهذا لا عبرة به, لكن إذا كان مما لا تتبعه همة أوساط الناس، فهذا حكم المؤلف عليه بقوله: (فيملك بلا تعريف).

    دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق, فأخذها, فقال: لو لم تكن من الصدقة لأكلتها ), وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع من تملكها, والتصرف فيها؛ لأجل أنها لقطة, ولكن خوفاً أن تكون من الصدقة, فدل ذلك على أنه لو علم أنها ليست من الصدقة لأكلها, وهذا دليل على أن ما لا تتبعه همة أوساط الناس فيتصرف فيه الإنسان بلا تعريف, ويملكه.

    وقد روى أبو داود من حديث جابر أنه قال: ( رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوط والعصا والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به ), وهذا الحديث اختلف في قوله: ( رخص لنا رسول الله ), أو: ( كانوا يرخصون ), والأظهر كما أشار أبو داود في سننه أن الأقرب: ( أنهم كانوا يرخصون ), فهذا يأخذ حكم الرفع, أو يأخذ حكم إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم, وكلا الأمرين حجة, ولهذا أشار ابن أبي عمر صاحب كتاب: الشرح الكبير, إلى أنه لا يعلم في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم.

    لكن هذه المسألة في حق من لم يعرف صاحبها, فإذا وجدت قلماً في الطريق, فوجدت مكتوباً عليه فلان بن فلان, ولا تتبعه همة أوساط الناس, فلا أقول: هذا آخذه ولا تتبعه همة أوساط الناس, لماذا؟ لأنني علمت صاحبه, ولو أخذته ولم أعلم, فإن كان باقياً وعلمت صاحبه وجب عليّ إرجاعه إليه؛ لأننا علمنا أنه مال معين, فكما أنه لا يجوز لنا أن نأخذ مال الغير ولو قل إلا بإذنه, فكذلك لا يجوز لنا أن نلتقط ما علمنا أنه مال معين.

    لقطة الضوال التي تمتنع من صغار السباع

    النوع الثاني: هي (الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل) والبقر والحمار على خلاف هل تمتنع من صغار السباع أم لا؟ فكل من يمتنع عن صغار السباع فإنه كما قال المؤلف: (فلا تملك بالالتقاط مطلقاً), يعني: أنه لا يجوز لمن وجدها أن يلتقطها, بحجة أنه سوف يعرفها؛ لأنها تملك أن تمنع نفسها من الضرر والخوف, وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يأخذها, وعلى هذا فالذي يجد إبلاً في صمامه فيأخذه ويقول: أريد أن أعرفه, فهلك عنده في حوض بيته أو حوض مزرعته, أو مع إبله, فإنه يضمن، بدليل: ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه )؛ لأنه لا ينبغي له أن يأخذه, وهذا كثير مع الأسف الشديد, يأتي الإنسان إلى الإبل ويقول: أنا أعرفها, ولا أريد تملكها, فنقول: لا, لا يجوز لك أن تلتقطها أصلاً, وعلى هذا فلو التقطتها فإنك تضمن؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعها, ما لك ولها, معها سقاؤها وحذاؤها, ترد الماء وتأكل الشجر ), وعلى هذا فلا يجوز التقاطها, ولو التقطها فإنه يضمن.

    تبقى مسألة في هذا, وهو أنه لو كان عنده قطيع في البر, وكان الراعي يرعى غنمه, فجاءت بعض الإبل, فدخلت من ضمن القطيع, هذا يوجد بكثرة يضع قطيعه في الصمام, وهو يعرف أنه ثلاثون رأساً, فيفاجأ بعد يومين, وإذا هي خمسة وثلاثون رأساً من الإبل, وليس فيها وسمه الذي يعرف بها إبله, فهنا العلماء قالوا في هذا: يجب عليه أن يردها إلى مكانها, فإن هلكت وهو ناوٍ ردها، فهل يضمن؟ لا يضمن, لماذا؟ لأنه غير متعد, لكن يجب عليه أن يردها, فإن فرط فإنه يضمن في ذلك من حين تفريطه. والله أعلم.

    طيب, لو وجد بعيراً أجرب في المفازات, فهل له أن يأخذه؟

    نقول: كل من ترك ماله أو دابته عجزاً عن علاجها, أو عجزاً عن نفقتها, ثم أخذها الغير فعالجها ملكها, والله تبارك وتعالى أعلم؛ لأنه إن غلب على ظنه أن صاحبها تركها استغناء عنها, فإنه لو أخذها حتى شفيت, فإنه يملكها والله تبارك وتعالى أعلم.

    لقطة ما ارتفعت قيمته واتبعته همة أوساط الناس

    النوع الثالث: يقول المؤلف: (ما سوى ذلك) يعني: من الغنم ومن الذهب, ومن الورق, ومن الريالات, ومن الدولارات, ومن غيرها مما تتبعه همة أوساط الناس ولا يمتنع عن صغار السباع, فهذا يقول المؤلف: (فيجوز التقاطه، ويملكه إذا عرفه سنة كاملة).

    نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    نقف هنا ونقرأ الأسئلة.

    مدى دخول شركة الوجوه في بيع ما لا يملك

    السؤال: شركة الوجوه, أليست من بيع ما لا يملك؟

    الجواب: شركة الوجوه ليس فيها بيع أصلاً حتى يقال: إنها من بيع ما لا يملك, وأما قولك: من بيع ما لا يملك، فلا، فلو اشترينا أرضاً فإننا نقول: سنسدد بعد سنة؛ لأن بعض الناس لا يقبل أن تشتري منه بالذمة, فتقول: اشتريت منك الأرض على أن أسدد لك بعد سنة, فآخذها ثم أقوم ببيعها في السوق, وآخذ هذا ثمنها, فهذا جائز, وليس من بيع ما لا يملك, وبيع ما لا يملك هو أن أذهب إلى السوق فأبيعها, ثم أذهب فأشتريها من صاحبها. والله أعلم.

    تأجير العامل متجراً واشتراط مبلغ شهري عليه

    السؤال يقول: ما حكم أن يفتح الإنسان مغسلة ويقول للعامل: أريد شهرياً مبلغ كذا من المال؟

    الجواب: هذه الصورة من حيث الفقه إن كان صاحب المال هو من قام بتأثيث المحل تأثيثاً كاملاً, ثم آجره -والصحيح آجره وليس أجره، لكن العامة تقول: أجره، فتسومح فيها- فإن آجره على أن يعطيه كل شهر كذا, فهذا لا بأس به, ولكنه ممنوع نظاماً؛ لأجل ألا يستغل العمال؛ لأن هناك اتفاقاً بين الدول, فلا ينبغي الخلاف والاختلاف. والله أعلم.

    حكم بطاقة الفيزا

    السؤال: آمل يا شيخ الجواب الكافي عن بطاقة فيزا بنك الجزيرة المتوافقة مع الشريعة كما يقولون؟

    الجواب: أقول: بدلاً من أن ندخل في البطاقة الفلانية أو غير الفلانية، فقد اشترطوا في بطاقة الفيزا شروطاً إذا توفرت في أي بطاقة بنك جازت وإلا فلا.

    الشرط الأول: أنه لا يجوز للبنك أن يأخذ مصاريف أو أرباحاً زائدة على مصاريف الكلفة الفعلية لاستخراج هذه البطاقة, فإذا كانت الكلفة الفعلية لاستخراج هذه البطاقة مائتي ريال, فلا يجوز للبنك أن يأخذ أربعمائة, مائتين للربح؛ لأن هذا يعد من باب ( لا يحل سلف وبيع )؛ لأن بطاقة الائتمان الفيزا قرض, فالبنك يقرضك على أن يؤجرك, فإذا دخلت المعاوضة على التبرع أو على القرض, صار من باب (لا يحل سلف وبيع), هذا الشرط الأول.

    الشرط الثاني: أنه لا يجوز للمصرف أن يأخذ على ما يقوم العميل بسحبه من البطاقة بأكثر من تكلفة البنك الفعلية؛ لأن التكلفة الفعلية جائزة؛ لأنها تسمى خدمات القروض, فلا يجوز للبنك أن يأخذ إلا بمقدار كلفته؛ أما أن يربح البنك بأن يأخذ خمسة وأربعين ريالاً عن كل عملية سحب, في حين أن البنك لا يكلفه إلا خمسة عشر ريالاً, فهذا يعد من المحرم, وهو داخل في (كل قرض جر نفعاً فهو ربا), وهو داخل في (لا يحل سلف وبيع).

    الشرط الثالث: إذا اشترط البنك على العميل أنه إذا تأخر عن السداد, عن خمسة وأربعين يوماً من الفرصة المتاحة له في التسديد, فإنه يأخذ عليه غرامة, يسميها: غرامة تأخير, سواء صرفها المصرف لأعمال خيرية كما يزعمون, أو قلبها على العميل, بأن يعطيه سلعة أقل من سعرها, بما ثبت في ذمة العميل فهذا أيضاً محرم, وهذا قلب دين, وقد أجمع العلماء على أن قلب الدين على المدين محرم.

    الشرط الرابع: أنه لا يجوز استخدامها في المحرمات, كالتأمين التجاري ونحوها, فإذا انتفت هذه الشروط الأربعة جازت, وإذا وجد واحد منها لم تجز.

    وإذا قال قائل: فيها شرط ربوي, لكن يغلب على ظني أنني لن أتأخر, قلنا: ولكنك قبلت أن تدخل في هذا العقد المحرم, في حين أنه يوجد بديل في بعض البنوك الأخرى. والله تبارك وتعالى أعلم.

    اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات

    السؤال: هل يشترط في إحياء الموات إذن الإمام؟

    الجواب: الراجح والله أعلم كما هو مذهب الجمهور أنه لا يشترط في إحياء الموات إذن الإمام, ولكن إذا كانت الأرض قريبة من العامرة فإن للإمام أن يحبس أو يمنع, أو يوقف هذا إذا رأى أن الناس تلاعبوا فيها, وخفرت الذمم, فأرى أن هذا لا بأس به. والله أعلم.

    حكم شراكة المضارب بمحفظة الأسهم وليس له سهم فيها

    يقول: إعطاء محفظة الأسهم, وعلى الآخر العمل, أليست شركة أم إجارة, وما حكمها؟

    الجواب: إذا كانت مضاربة, وبين المضاربة فلا حرج, أما أن تكون إجارة, بأن يقتطع أول الأمر منه, فإذا كانت المحفظة قيمتها مليون ريال, وقال: أنا سآخذ واحداً في المائة, وأخذه أول الأمر ثم بدأ يضارب, فهذه إجارة حقيقة, لكن يوجد الآن في جميع المحافظ أو غالب المحافظ إشكال شرعي, حيث إن جميع المحافظ في جميع البنوك -إلا بعض البنوك أو بنكاً أو بنكين- تقوم باقتطاع واحد بالمائة حين الاشتراك, وفي نهاية الاشتراك تأخذ واحداً أو خمسة وأربعين هللة من جميع المحفظة, بما فيها رأس المال والربح, ويسمونه عقد إجارة, وهذا ليس عقد إجارة؛ لأن عقد الإجارة يشترط فيه معلومية الجعل أو العوض, وهذا غير معلوم؛ لأنه يمكن أن تكون المحفظة قيمتها ملياراً أو الاكتتاب, وفي نهاية الاكتتاب يكون قيمتها نصف مليار, أو مليارين, فهنا يكون الربح غير معلوم, ولكنها لو كانت مضاربة جاز ذلك والله أعلم.

    المتاجرة في البورصة العالمية وحكم بقاء من خسر فيها

    السؤال: يقول: ما حكم الشرع في المتاجرة في البورصة العالمية, التي هي عبارة عن شراء وبيع العملات, والنفط والذهب والفضة وغيرها إلى الشركات الأجنبية, وتكون عمولتها للشركة الأم, والوسطاء عبارة عن فرق البيع عن الشراء, وبدون أخذ فوائد, إلى أن قال: ويسمونها: حسابات إسلامية، آمل تكرم الإفادة عن شرعيتها, وإذا كانت لا تجوز, وقد خسر شخص مالاً كثيراً فيها, فهل له أن يستمر حتى يعيد ماله الذي خسره؟

    الجواب: هذا السؤال في جميع معاملات البورصة, المتاجرة بالعملات شيء, والمتاجرة بالسلع شيء آخر.

    والمتاجرة بالسلع وبالبورصة لها شروط, يسميها العلماء: عقود المستقبليات, ويسمونها: عقود الفيوتشر, والعقود المستقبلية فيها أيضاً معاملة بالمارجن, وهو أن يعطيك البنك رأس مال, أو قرضاً على أن تضارب فيه, وأحياناً قد يأخذ فائدة وقد لا يأخذ.

    على كل حال المتاجرة بالعملات إن كان بالبيع البات فلا بأس بشرط: أنه إن قام بالشراء فلا يجوز أن يبيع ما اشتراه إلا بعد مضي ثمانية وأربعين يوم عمل, مثل: لو أن في محفظتي بالريال, فاشتريت دولاراً, فإن الدولار الذي اشتريته لن يدخل في محفظتي الدخول الفعلي إلا بعد مضي ثمانية وأربعين ساعة في عمل, وقلنا: يوم عمل؛ لأنه يمكن أن يكون آخر يوم هو يوم الجمعة, السبت والأحد إجازة في البورصة العالمية, وأنا اشتريت يوم الجمعة, واليوم الثاني الذي هو يوم السبت إجازة لا يحسب, والأحد لا يحسب, والجمعة والإثنين يومي عمل, إذاً: يدخل الحساب يوم الثلاثاء, فإذا اشتريت يوم الجمعة بكامل مالي مثلاً, أو بغالب مالي, ثم أردت أن أبيعه فلا يجوز لي أن أبيعه إلا بعد دخول النقود في محفظتي, ولن يدخل إلا يوم الثلاثاء, هذا البيع البات, فلا تتصور أن البيع يدخل في محفظتك سريعاً, نعم يدخل رقماً, لكن فعلاً لا يدخل, هذا يسمونه في المتاجرة بالعملات: البيع البات.

    أما المتاجرة بالعملات على نظام المارجن وهو الهامش, وهو أن يكون عندك في المحفظة ألف ريال, فيعطونك عشرة أضعافه, فهذا لا يجوز ولا يمكن أن أسلمته, أي لا يمكن أن يقال: أن هناك فتاوى تجوز هذا؛ لأنه ليس فيه قرض, ولا بد أن يكون فيه قرض, ولو أن البنك لا يأخذ عليك أرباحاً, لكنه يأخذ عليك أرباحاً بأجر أصل القرض.

    ثم هو يشترط أن تقوم بالمتاجرة عنده, فكأنه قرض من باب (لا يحل سلف وبيع), أما عقود المستقبليات, وهي المراهنة على أن هذا السهم سيرتفع بعد شهرين أو ثلاثة أشهر, فنقوم بعملية شراء وهمية على مضاربة الأسعار, ولنذكر مثالاً لذلك: سهم ميكروسوفت, أنا أتوقع مثلاً أن يصل إلى أربعة دولار, والآخر يتوقع أن يصل إلى دولارين, فتشتريه بثلاثة دولار وتبيعه بعد شهرين إن ارتفع إلى أربعة, فتكون قد ربحت, وإن نزل إلى دولارين تكون قد خسرت, وهذه مضاربة والحقيقة أنه ليس فيها ملكية، ملك كل واحد منهم، وهذا لا يجوز. والله أعلم.

    ما يلزم من اشترى بطاقة شحن فوجدها مستعملة

    السؤال يقول: من اشترى بطاقة شحن, ثم عندما أراد شحنها تبين له أنها مستعملة, فعلى من يرجع, وهل الغرامة عليه أم على صاحب البقالة الذي اشترى منه البطاقة؟

    الجواب: إذا كشح الرقم السري, فوجدها قد استعملت وهذا قد يوجد؛ لأن هناك أجهزة بمجرد أن تمرر على مكان الكشح تظهر الأرقام, فله أن يرجعها إلى صاحب السلعة, فإن أبى فليس له إلا أن يحلف, والله أعلم.

    لو عدل الناس لاستراح القاضي وبات كلاً عن أخيه راضي

    مدى صحة المضمضة لمن شرب ماءها

    السؤال يقول: سمعت من بعضهم أنه من تمضمض وشرب الماء صح وضوءه, هل هذا صحيح وما الدليل عليه؟

    الجواب: لا يشترط مجه, نعم ورد عن بعض الفقهاء -وهم أهل الحديث- أنهم اشترطوا مجه؛ لأن المضمضة في اللغة لا تكون إلا بتحريك الماء ثم مجه, وهذا ليس بصحيح, والمقصود بالمضمضة: إدخال الماء إلى الفم, فلو ابتلعه ولم يحركه جاز, خلافاً للشوكاني , ولو لم يبتلعه ولا أداره جاز, فالمقصود من المضمضة هو إدخال الماء في الفم ابتلعه أم لم يبتلعه, أدراه أم لم يدره, هذا هو الراجح والله أعلم, وهو قول جمهور أهل العلم.

    دلك أعضاء الوضوء باليد

    السؤال: هل دلك الأعضاء باليد واجب في الوضوء؟

    الجواب: ذهب مالك رحمه الله أو بعض المالكية إلى وجوب ذلك؛ واستدلوا بما رواه الدارقطني من حديث جابر : ( أنه أدار الماء على مرفقه, وفي الاغتسال دلك ), وكلها أحاديث ضعيفة لا تثبت.

    والراجح والله أعلم أنه يكفي إمرار الماء على أعضائه ولا يشترط الدلك, وهذا قول عامة أهل العلم, والله تبارك وتعالى أعلم.

    مدى اعتبار التعليل دليلاً

    السؤال يقول: هل التعليل قد يكون دليلاً في بعض المسائل, وما مثاله, وما هو الدليل لقولنا: التعليل قد يكون دليلاً؟

    الجواب: نعم, التعليل يكون دليلاً, مثل أن نقيس على نفي الفارق, مثل أن نقول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد للسهو في ترك التشهد الأول, كما في حديث المغيرة , فنقول: من ترك قول: سبحان ربي الأعلى، منفرداً أو إماماً لزمه أن يسجد للسهو؛ والدليل: لأن ترك التشهد كترك قول: سبحان ربي الأعلى، على مذهب الحنابلة, وهذا نوع من التعليل. والله أعلم.

    حلق التواليت ومدى صحة قياسه على القزع

    السؤال يقول: قد فصلت في حلق الشعر, وذكرت أن المحرم من حلق الشعر حلق تواليت, فما معنى تواليت؟ وهل تحديد الشعر من الأطراف جائز أم محرم؟

    الجواب: أنا قلت: إن التواليت المعروف عندنا هو تخفيف بعض الشعر دون بعض, وهذا ليس من القزع, والتواليت عند مشايخنا المتقدمين هو حلق بعض الرأس وترك بعضه, أما ما يسمونه الناس تواليتاً حين يخفف الجوانب ويترك الأعلى, فهذا ليس بحرام, وليس بقزع, نعم إن كان فيه تشبه فيمنع؛ لأجل التشبه, ولكنه لا يمنع لأجل القزع, فالقزع لا بد أن يكون حلق بعض الرأس وترك البعض.

    تسمية شركة المضاربة عند أهل نجد

    السؤال: ماذا تسمى شركة المضاربة عند أهل نجد؟

    الجواب: أهل نجد يسمون المضاربة في عرفهم, ولكنهم أحياناً لا يسمونها بذلك في عقودهم, وقد قرأت عقوداً قديمة من الأجداد, يقولون عن المضاربة: أن يأخذ فلان مالاً على أن يتاجر به, وسمعنا من بعض أهل نجد من يقول: على أن أعطي الكسيب يتاجر به, كسيباً, فهذه من ألفاظهم, والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.

    ومن طريف ما قرأت: أنهم عاشوا فقراء وما كان عندهم شيئاً كبيراً, وأذكر أن أحد التجار الكبار المشهورين قال لي: اجتمع تجار الرياض في مقيبرة, وهي قريب من دخنة, أو مثل سوق جامع المحكمة الكبرى يقول: اجتمعوا فكان هناك رجلان مشهوران بالتجارة والطرافة فقال أحدهم: يا فلان! أريد أن أخبرك عن رأس مالي, وتخبرني عن رأس مالك, وهؤلاء يضرب بهم المثل الآن, قال: نعم, فحلفا على أن يخبر كل واحد منهما بما عنده فقال أحدهم: عندي ألفا ريال فبارك له الناس وقالوا: ما شاء الله, وقال الآخر: وأنا عندي ألفا ريال, هؤلاء التجار الكبار.

    وقرأت عن أحد تجار نجد قالوا: وكان ثرياً بالغ الثراء, توفي وهو يملك ثمانمائة ألف ريال, وهذا قبل عام 1335 أو 1345.

    وأذكر أن أحد مشايخ مشايخنا, وهو الشيخ: محمد الصالح المطوع , معروف أنه من عباد القصيم, وهو قرين الشيخ عبد الله بن حميد كان يذكر في درسه, أو يلقي كلمة فقال: ولو كان مالك كمال قارون, وافرض أنه مائة ألف, فلم يتصور أكثر من مائة ألف, والآن الذي عنده مائة ألف يـأخذ زكاة, وهذا يدل على البركة.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والجعالة أوسع من الإجارة؛ لأنها تجوز على أعمال القرب؛ لأن العمل فيها يكون معلوماً أو مجهولاً، ولأنها عقد جائز بخلاف الإجارة ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755993377