إسلام ويب

بلوغ المرام - كتاب الطهارة [22]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من سماحة الدين الإسلامي وشموله أن شرع التيمم لمن لم يجد الماء، وجعل لنا الأرض مسجداً وطهوراً، وجعل لنبينا خصائص كثيرة منها: نهر الكوثر، وأنه صاحب لواء الحمد، وخصه بشفاعات عدة في الآخرة، والتيمم بما صعد من الأرض تراباً أو غيره، وجعله رافعاً للحدث على القول الصحيح.

    1.   

    شرح حديث: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)، وذكر الحديث ].

    المقصود بالتيمم لغة واصطلاحاً

    يقول المؤلف: (باب التيمم)، التيمم في اللغة: هو التوجه والقصد، تقول: تيممت فلاناً أي: قصدته، ومنه قول الله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، يعني: قاصدين، وقال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، يعني: ولا تتوجهوا، ولا تتعمدوا، ولا تعمدوا إلى الإنفاق بالرديء لأجل أن تبقوا الحسن لكم.

    أدلة مشروعية التيمم

    وأما في الاصطلاح الفقهي: فإنه مسح الوجه والكفين من الصعيد، بدلاً عن الماء عند تعذر استعماله.

    والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الجملة، والكتاب ثابت لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43].

    وأما من السنة: فإن التيمم أحاديثه من المتواتر المعنوي، فقد جاء في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم، ولعل أشهرها هو حديث الباب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأينما أدركت أحداً من أمتي الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )، هذا الحديث من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وسوف نتحدث عنه.

    الحديث الثاني: حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمه أنه قال: ( أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى أتى إلى جدار فتيمم ثم رد عليه السلام )، والحديث معروف أخرجه البخاري و مسلم .

    والحديث الآخر: حديث عائشة رضي الله عنها، وهو سبب فرضية التيمم أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: أرأيت ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، وليسوا معهم ماء، وليسوا على ماء، قالت عائشة : فدخل علي أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاعل رأسه على حجري، فجعل أبو بكر يعاتبني ويقول ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بأصبعه على خاصرتي ويقول: أقمت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: فلم يمنعني من التحرك إلا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم )، الله أكبر، انظر الأدب، قالت: ( فلم يمنعني من التحرك إلا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسوا على ماء، ثم أنزل الله آية التيمم، قال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قال عائشة : ثم أقمنا البعير الذي أركبه فوجدنا العقد تحته )، وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى يطرح البركة في أماكن، كما طرح في مكة والمدينة ومساجده، ويطرحها في أناس، كما قال تعالى في حق عيسى: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ [مريم:31].

    ويجعل الله سبحانه وتعالى البركة في الزمان، وأدلتها كثيرة، فجعل في رمضان بركة، وجعل في العشر الأواخر بركة، وجعل في آخر ساعة من يوم الجمعة بركة، وجعل عند خطبة الجمعة بركة، وجعل في السحر بركة، وجعل بعد أدبار الصلوات بركة، وجعل سبحانه وتعالى بعد العصر بركة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ورجل بايع رجلاً بعد العصر فحلف له بالله أنه أخذها بكذا )، دليل على عظم وقت بعد العصر، وكل هذا يدل: على أن الله سبحانه وتعالى لا يختار إلا ما هو خير، وقال تعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2]، قال أهل العلم: فيه دلالة على أن وقت الضحى وقت بركة كما جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، فكل هذه أوقات يختارها ربي كما يشاء: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].

    ومن أدلة التيمم: حديث حذيفة رضي الله عنه، وسيأتي، وحديث علي بن أبي طالب وسيأتي، وحديث أبي ذر و أبي هريرة رضي الله عن الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، هذه بعض أدلة التيمم.

    من السنة وأما الإجماع: فقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل العلم على مشروعية التيمم، نقل الإجماع ابن قدامة و النووي و الشوكاني وغير واحد من أهل العلم، وإجماعهم على المشروعية في الجملة، وإلا فقد اختلفوا فيما يجزئ من الصعيد، وعدد الضربات وغير ذلك مما سوف يأتي إن شاء الله تقريره في هذا الكتاب كتاب التيمم.

    والتيمم هو من خصوصية هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي )، وقال: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وفي رواية: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً )، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الإمام أحمد وهو حديث جيد أنه قال: ( وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، واحفظ هذه الجملة ( فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، الحديث، والحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد قال الإمام البخاري : رأيت الحميدي و أحمد و علي بن المديني يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده ومن الأئمة بعدهم؟ هكذا يقول البخاري : ومَن الأئمة بعدهم؟!

    تخريج حديث: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ...)

    الحديث الأول هو حديث جابر الذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأينما أدركت أحداً منكم الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )، هذا هو الحديث، والحديث أخرجه البخاري و مسلم من حديث هشيم بن بشير قال: أخبرنا سيار أبو الحكم قال: أخبرنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهذا الحديث إسناده صحيح، وهشيم بن بشير إذا لم يصرح بالسماع فإنه ربما يخطئ؛ لأنه كان يدلس في بعض أحاديثه، فإذا صرح بالتحديث فإنه ثقة.

    وقد كان أحمد رحمه الله يأتي هشيم بن بشير . يقول الراوي: فرأيت أحمد خرج من صلاة العشاء حتى وقف على باب هشيم فجعل يسأله ويتحدثان حتى أذن الفجر، الله أكبر حتى أذن الفجر.

    لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد

    لا تلم من جعل العلم يجري بدمه كما يجري الدم من جسد الإنسان، هذا نعمة من الله سبحانه وتعالى، وأشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الله سبحانه وتعالى قذف في قلوب أهل الرعيل الأول محبة في العلم، حتى إنهم ربما تركوا الطعام والشراب كل ذلك حفظاً للدين، والله سبحانه وتعالى قد حفظ لهذه الأمة دينها، وقد قال عمر رضي الله عنه: إن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه، فالدين والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن، الحق محفوظ، والدين محفوظ، لكن العبرة فينا نحن، هل نحن نكون من أوليائه؟ وهل نحن نكون من ضمن لواء الحمد الذي يرفعه صلى الله عليه وسلم، فيأتي النبيون ومن بعدهم من أهل طاعته ينضوون تحت لواء الحمد أم لا؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته.

    مفهوم العدد في قوله: (أعطيت خمساً)

    قوله في الحديث: ( أعطيت خمساً )، هذه الخمس خرجت مخرج الغالب، ولعلها أشهرها، وإلا فإن هذا العدد لا مفهوم له، هكذا قال بعض أهل العلم: إن معنى أعطيت خمساً، أن هذا عدد، فتقول: عندي عشرون ديناراً، فلا يعني ذلك أنه ليس عندك إلا هذه الأشياء، وعلى هذا: فما جاء (أعطيت ستاً)، ( فضلت على الأنبياء بثلاث )، كل ذلك لا يخالف هذا.

    وقال بعضهم: إنما كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( أعطيت خمساً )؛ لأنه لم يعلم غيرها، ثم تأتي أحاديث أخرى، فيقول: ( فضلت بثلاث )، ثم تأتي فيقول: ( فضلت بست )، وهذا الجمع ليس بجيد؛ وذلك لأنه لو كان كما قال، لكان بعد الخمس تأتي ثلاث ولم تشارك الخمس الأولى، ثم تأتي ست ولم تشارك الثمان الأخريات، والواقع: أنه ربما يذكر في الثلاث بعض ما ذكره في الخمس، ويذكر في الست بعض ما ذكره في الخمس، وعلى هذا فالراجح: أن هذا مفهوم عدد، والعدد لا مفهوم له.

    ولهذا روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون )، إذاً: زادت على حديث جابر اثنتان هما: ( ختم بي النبيون )، والثاني ( أعطيت جوامع الكلم )، والحديث الآخر حديث حذيفة ليس فيه إلا صياغة بعض العبارات.

    التحدث بنعم الله

    فوائد الحديث أولاً: التحدث بنعمة الله، لو جلسنا هذا المجلس نتحدث عن وجوب التحدث بنعمة الله، والقصور الحاصل عند كثير من المسلمين، عوامهم وأهل العلم منهم لوجدنا أن الذين يتحدثون عن نعم الله قليلون في هذا الزمان، بل إن الإنسان ربما يصبغ الله عليه من نعمائه، ويعطيه من صحته وحسن بلائه، ومع ذلك لا يذكرها، وإذا ذكر له هذا الأمر؛ تلكلك وتلكأ، وخاف من العين على حسب زعمه، ولم يذكر ما قاله ربنا : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فإن التحدث بالنعم مما أوجبه الله في الجملة على هذه الأمة؛ لأن التحدث بالنعم دليل على حسن الظن بالله، وحسن الظن بالله واجب.

    فإذا جاء أحد يتشكى، ونسي ما أنعم الله عليه؛ فإنه ربما يبالغ في تشكيه على ربه، وخاب وخسر، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وإن كان في سنده ضعف ففي سنده أبو عبد الرحمن يرويه عن الشعبي عن النعمان بن بشير ، والحديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يشكر في القليل لا يشكر في الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب )، وهذا الحديث وإن كان ضعفه غير واحد من أهل العلم كالبخاري حيث قال: لا يتابع أبا عبد الرحمن على هذا، وكذا قاله أبو حاتم ، إلا أن معناه صحيح.

    فالنعم تزيد بالشكر، وتنقص بالكفر، والنعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت كما قال غير واحد من السلف رحمهم الله، والمبالغة اليوم: أن بعض الناس لا يحدث بنعمة الله عليه، بسبب الخوف من العين، فإذا قيل له: فلان ما شاء الله عليه، قال: لا، أنا مسكين، أنا ضعيف مسكين، هذا ما يقوله كثير: أنا ضعيف مسكين، بس والله لا حول لي ولا قوة، كل هذا نوع من التنكر لنعم الله عليه.

    وقد ذكر بعض أهل العلم، كما أشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر : أن التحدث بنعم الله نوعان: النوع الأول: التحدث بطراً ورياءً ومنه قوله تعالى: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكبر والفخر والخيلاء، ولهذا فإن الله قد ينعم على آبائك وأجدادك من الأشياء الشيء الكثير، فإذا ذكرت ذلك على سبيل الفخر والخيلاء؛ فإن الله ذم ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: ( ليدعن أقوام فخرهم في آبائهم هم أهون على الله من الجعلان )، وقال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:200-201].

    يعني: كأن الله سبحانه وتعالى أشار في هذه الآية إلى أن كثيراً من الناس يفتخر بآبائه أكثر من شكره لنعم الله عليه، فقال تعالى: كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200]، وهذا النوع الأول، وهذا لا يجوز.

    وهذا يوجد في بعض الأماكن من يفتخر بمثل ذلك، فيضع الولائم لأجل أن يقال: هذا فلان ابن فلان، عنده من الأموال، وذلك نوع من الفخر، وقد رأت عيناي وحزنت لذلك أشد الحزن، حينما رأيت من يصنع وليمةً، وقد جعلها في مكان كبير، وجعل الأبعر على شكلها وهيئتها، وفوقها من بهيمة الأنعام من الشياه مشوية على مد البصر والعياذ بالله، وكل ذلك من الخيلاء، ولهذا من رأى مثل هذا، فلا يسوغ له أن يأكل منه؛ لأن هذا من المتفاخرين، وقد جاء عند أهل السنن من حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين )، وأقول: إن الذين في انتخاباتهم يضعون السرادق والأطعمة ويقولون: نحن عندنا فلان وفلان، فهذا نوع من طعام المتباريين فلا ينبغي الأكل منه؛ لأن هذا من الفخر والخيلاء، ولم يقصد بها إعلاء كلمة الله، نعم يوجد بعض الناس يكرم ضيفه من باب أنهم جاءوا وتقطعت بهم السبل لأجل أن ينتخبوه، فصنع طعاماً يليق بمقامهم، أما الفخر والخيلاء، ويقال: كل يوم عندنا طعام، فإن ذلك نوع من المفاخرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباريين، هذا النوع الأول.

    النوع الثاني: التحدث بنعمة الله من باب ما أضفى الله عليه من النعم، وما أسدى له من زوال النقم، فهذا من الواجبات في الجملة، وقد قال الله لنبيه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فإن التحدث بنعم الله من شكرها، والله أعلم.

    ولكن لا مانع أن الإنسان يخفي بعض جمال أولاده أو بناته خوفاً من العين، هذا لا مانع منه، وقد رأى عثمان رضي الله عنه صبياً له حفرتان بخديه، وهي نوع من الجمال فقال: سودوا زهمتيه، أو كما قال، يقصد بهذا: حتى تشين في نظر الناس، فهذا لا بأس، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، ( عندما دخل على أم سلمة فقال: ما لي أرى بني أخي تسرع إليهم العين استرقوا لها فإن بعض الناس تسرع عليهم العين )، فمثل هؤلاء لا ينبغي أن يظهروا للناس بأحسن حلة وأحسن طلة.

    لكن فرق بين الإنسان إذا سئل عما أنعم الله عليه، يقول ويتمسكن ويتذلل، ويقول: أنا مسكين، أنا والله! يتيم ولا عندي شيء، هذا كثير والله ومع الأسف الشديد، فهذا فرق بين هذا وذاك.

    خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته

    النبي صلى الله عليه وسلم أعطي من الخصائص الكثيرة، فأول هذه الخصائص النبوية التي اختص الله سبحانه وتعالى محمداً وأمته الكوثر، فقد جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك )، فدل ذلك: على أن الكوثر إنما هو من خصائص محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

    الثاني من الخصائص: أنه صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد، فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فما سواه إلا تحت لوائي )، اللهم صل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا منهم! اللهم اجعلنا منهم! اللهم اجعلنا منهم! وهذا يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله من حسن حمده والثناء عليه ما لم يعط أحداً من الأنبياء، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم: ( فيفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطى، اشفع تشفع ).

    وقد جاء عند الإمام أحمد و الترمذي من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عبد يقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك )، فهذا يدل على أن الله قد علم نبيه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه لأحد من قبله، ولهذا تجدون أحياناً من يفتح الله عليه من حسن محامده ما لم يفتحه على أحد، وتسمعون بعض الأئمة يحسن الثناء على الله من غير تكلف ولا كلفة، فهذا نوع من حسن الثناء على الله، فقد يفتح الله لأحد من خلقه ما لا يفتحه لكثير من الخلق.

    وعلى هذا: فإن كثرة محامده مما يحبه الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا أحد أحب إليه المدح من الله ولذا خلق جنته )، والحديث أصله في الصحيحين، وهذا يدل: على أن العبد ينبغي له أن يكثر من محامده فيقول: سبحان الله وبحمده، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيكثر من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فإن هذه مما يحبها الله سبحانه وتعالى.

    الثالث من الخصائص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتى تورمت قدماه فقيل له في ذلك: كيف تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ).

    الرابع من الخصائص: التأمين والسلام، والتأمين قد حسدنا عليه، يعني: التأمين في الصلاة، ولهذا تجدون بعض الناس ما يقولها، حتى ولو كان سنة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين والتسليم )، والحديث رواه ابن ماجه وصححه بعض أهل العلم.

    الرابع من الخصائص: إن الشيطان أعان عليه ربه فأسلم الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم )، أو فأسلمُ بالضم فرواية فأسلم، تعني: سأسلم من شره وهذا من الاستسلام، وهذا يدل عليه بدلالة التضمن أو دلالة الالتزام.

    هذه الخصائص مع ما ذكرنا من الأحاديث سبع عشرة خصلة، وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقد عد بعضهم من خصائصه ستين خصلة، وأفضل من كتب في هذا -أعني به الخصائص النبوية- كتابان: غاية السول في خصائص الرسول لـابن الملقن ، والثاني: الخصائص الكبرى للسيوطي، ولعل كتاب السيوطي أجمع لأنه متأخر، وحسبك بـالسيوطي في جمعه.

    إلا أنه ذكر مسائل لم يظهر فيها دلالة واضحة على أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، مثل التثاؤب، ومثل ما ذكر في الاحتلام، هل يحتلم صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فذكر مسائل نقلها عن بعض أهل العلم ليس فيها ما يدل على أنها من خصائصه، بل إن قول أم سلمة و عائشة : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم ليصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصبح صائماً )، دليل على أنه كان بأبي هو أمي عليه الصلاة والسلام يحتلم.

    وعلى كل حال: هذه مسائل جمعها بعض أهل العلم، وأفضل من كتب فيها السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى، إذا ثبت هذا، فهل هذه الخصوصيات خصوصية النبي للنبي وحده، أم له ولأمته؟ بعض أهل العلم يقول: إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في نصرته بالرعب، فقالوا: إن هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنها عامة، إلا ما جاء النص بخصوصيته، مثل: ( وختم بي النبيون )، وغير ذلك من المسائل التي لا تصلح إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأما سائر ذلك فهي عامة.

    معنى قوله: (ونصرت بالرعب)

    أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب )، فالراجح والله أعلم: أن نصرته بالرعب له ولأمته، ودليل ذلك: ما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم )، والظهور هنا والطائفة مع قلتهم دليل على خوف الكفرة منهم، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: لا، بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل يرفع الله المهابة من قلوب أعدائكم ويقذف الله عليكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت )، وهذا يدل: على أن وجود الجهاد بالأمة أياً كان مكانه من الأهمية بمكان؛ لأن الأعداء لن يحسبوا لهذه الأمة حساباً إلا بوجود الجهاد.

    وأقول: إن واقع الغرب اليوم وتساهلهم مع الإسلاميين بهذا المصطلح إنما هو خوف من الجهاد؛ لأنهم رأوا أن نبذ الإسلام بالكلية مدعاة إلى زيادة الحنق عليهم والجهاد ضدهم، فلأجل ما كتبوا وقالوا من وجود إسلام معتدل يخفف من وطأة الخلاف بينهم، هكذا يصورون، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وهذا أمر واقع يخطط الأعداء لما يريدون فيقلبها الله عليهم، فنسأل الله أن يعلي كلمته، وينصر دينه، وأن يجعلنا من حزبه وأوليائه، والله أعلم.

    أنواع الشفاعات للنبي صلى الله عليه وسلم

    وقال: ( وجعلت لي الشفاعة )، الشفاعة ست شفاعات: الأولى: الشفاعة العظمى وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للفصل بين القضاء، وهذا ثابت في الصحيحين وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره، ( فيقولون يا محمد! أنت خاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: أنا لها، أنا لها، أنا لها ثم آتي فأقع تحت العرش فيلهمني الله من محامده وحسن الثناء عليه شيء لم يفتحه لأحد قبلي فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطى، اشفع تشفع، فأقول: ربي أمتي أمتي )، الحديث.

    الثانية: شفاعته لدخول الجنة، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ( آتي باب الجنة فأستفتح فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك )، وهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

    الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل التوحيد، وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يشاركه الأنبياء والمؤمنون والملائكة في بعض الأشياء، ولا نعلم كنهها، ودليل خصوصيته في هذا الأمر: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته فاختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً )، فهذه شفاعته لأهل التوحيد.

    وقلت: إنها لأهل التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط غير التوحيد، وقلت: إن بعض الناس يشارك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما جاء في الصحيحين ( إن الله قال: شفع الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين فيخرج الله من النار من كان في قلبه أدنى أدنى ذرة من إيمان )، والله أعلم، فقوله: ( شفع الملائكة والنبيون )، دليل على أن منهم من يشفع، ولهذا يخرجون فيقال: هؤلاء الجهنميون الذي لم يعملوا خيراً قدموه، والله أعلم.

    الرابعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل قرابته، وهذا خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومثله شفاعته لـثويبة الأمة التي كانت قد أرضعته، فخفف عنها العذاب بسبب النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الأربع من خصوصياته.

    الخامسة: شفاعته لقوم استحقوا النار فشفع ألا يدخلوها فلم يدخلوها، يقول ابن القيم : ويقول بعض الناس في هذا، ولم أجد إلى ساعتي هذه دليلاً يقول بذلك، هذا كلام ابن القيم ، مع أنه يقول: وقال بعض الناس، إذاً: قبل ابن القيم قال بها بعض أهل العلم، لكن ابن القيم يقول: لم أجد إلى ساعتي هذه، وقال شيخنا محمد بن عثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية قال: وقد يستدل بذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن مات في الجنازة، فإن شفاعته ودعاءه ينفع ذلك، كما جاء: ( ما من مسلم يموت فيشفع له أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )، هذا قول شيخنا محمد .

    وقد وجدت ولله الحمد دليلاً على هذا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لرجل استحق العذاب ألا يعذب، وذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر فاجتوى المدينة فجزع فقطع براجمه فمات، يقول: فرأيته في المنام قد غطى يديه فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: قد غفر لي بهجرتي إلى نبيه، قيل: فلمَ رأيتك مغط يديك قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه فاغفر )، فهذا دليل؛ لأنه بلغه صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله دعاءه، فهذا استحق العذاب بسبب أنه قال: ( لن نصلح منك ما أفسدت فقال: اللهم وليديه فاغفر )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    السادسة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أناس من أهل الجنة أن يترقوا إلى أعلى درجاتها، وهذا ليس بخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ثابت في الكتاب والسنة، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21]، هذا باب الشفاعة والله تبارك وتعالى أعلم.

    الرد على من قال: إن الصلاة لا تجب في المسجد

    وقوله في الحديث: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل )، استدل بها بعض أهل العلم: على أن كل بقعة ليست نجسة، وليست داخلة في الأماكن التي لا يشرع فيها الصلاة، الأصل أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام وما استثني من ذلك، فقال بعض أهل العلم: في هذا دلالة على أن الصلاة في المسجد لا تجب، وهذا مذهب الجمهور، قالوا: إن الصلاة في المسجد لا تجب، واستدلوا على ذلك: أن كل بقعة هي مسجد في حق الناس، فلا تجب الصلاة في المساجد، وهذا -كما قلت-: مذهب الأئمة الأربعة في المشهور عندهم.

    والقول الثاني في المسألة: هو قول بعض الصحابة كـعتاب بن أسيد فإنه قال وهو أمير مكة: والله لا أوتين بأحد منكم لا يصلي في مسجدنا إلا ضربت عنقه، وقال ابن القيم : والذي ندين الله به أنه لا تجوز الصلاة إلا في المسجد إلا من عذر، كما ذكر ذلك في كتاب الصلاة، والله أعلم، هذا القول الثاني، وقد اختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولعل هذا القول أظهر في الجملة.

    وأما الحديث فإنما معناه المسجد يعني: طهارة البقعة، فإن اليهود والنصارى كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم، وقد جاء ذلك في حديث أن النصارى لا يصلون إلا في كنائسهم، فجعل الله لنا كل مكان نصلي فيه، وهذا من حيث صحة الصلاة، وأما أن يستدل بأن ذلك يدل على ترك الصلاة في المسجد، فهذا من باب دلالة اللزوم.

    ومن المعلوم: أنه قد جاءت نصوص تدل على وجوب الصلاة في المساجد، والصلاة في المساجد واجبة في الجملة، تجوز تركها أحياناً لعذر ونحو ذلك، ودليله ما جاء في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن فجئنا نعوده قال: فحضرت الصلاة قال: فأمنا جالساً وصففنا خلفه )، وجه الدلالة: أن الصحابة صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الصلاة في المساجد تقام، وذلك لأجل عذر إدراك الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن وجود العذر في الجملة مقبول وليس كل عذر يشدد فيه، فهذا يدل على أنه أحياناً لا بأس.

    وأما ترك الصلاة في المساجد مطلقاً، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله: أن ذلك يأثم عند الأئمة، وبالمناسبة: فإن المالكية قالوا: إن صلاة الجماعة سنة، يقصدون بالسنة هي ما ثبت دليل وجوبه بدليل ظني، وأما من لا يعاقب على تركه ويثاب على فعله، فإنه يسمونه المستحب، وقد أشار إلى هذا ابن رشد في كتابه بداية المجتهد عندما ذكر كتاب الحج وقسمها إلى أركان وواجبات وسنن ومستحبات، فأشار إلى أنها ثبتت بدليل ظني، وكذلك أشار إليها صاحب مراقي السعود فإنه قال: إن الأكثر إذا أطلقوا السنة يقصدون بذلك السنة التي يأثم تاركها، والله أعلم.

    ما يجزئ به التيمم من التراب

    المسألة الأخرى: استدل الشافعية والحنابلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء )، على أنه لا يجزئ التيمم إلا بما علق من التربة، وهو أن يكون له غبار، هذا مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بأن الصعيد إنما هو ما له غبار، كما صح ذلك عن ابن عباس ، رواه ابن المنذر أنه قال في تفسير فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، قال: الصعيد هو تراب الحرث، وتراب الحرث فيه غبار، واستدلوا على وجود الغبار أيضاً قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، قالوا: إن من هنا تفيد التبعيض، وهو أن يكون ذلك قد علق، واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ( حينما ضرب بيديه الجدار ونفخ فيهما )، قالوا: فهذا دليل على أنه لا يجزئ إلا ما له غبار، وعلى هذا: فلا يجزئ عندهم الرمل، الرمل غير التراب.

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنفية والمالكية في الجملة ورواية عند الإمام أحمد ، وقلت: الحنفية والمالكية في الجملة، وإلا فلهم تفاصيل، فإن بعض الأحناف يرون التيمم في الثلج؛ لأنهم يرون أن كل ما صعد من الأرض فإنه يتيمم، وذهب مالك رحمه الله: إلى أن كل ما صعد من الأرض من أجزائه فإنه يتيمم منه، ولعل قول مالك أظهر والله أعلم.

    وأما ما صح عن ابن عباس أنه قال: تراب الحرث، إنما يقصد بذلك بعض أفراد الصعيد، ومما يدل على أن قول مالك أظهر: ما جاء عند الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: ( فضلت على الناس بأن جعلت لي الأرض مساجد وطهوراً فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فمتى أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، دلالة على أنه لا يحمل معه التراب، بل هو قد أدرك ذلك متى ما أدركته الصلاة، فدل على أنه لا يلزم وجود الغبار، والله أعلم.

    ومالك يقول: الصعيد هو كل ما صعد من الأرض من أجزاء الأرض كالصخور والرمل وغيره، والجدران، أي: الجدران التي من أجزاء الأرض، وقلت أنا: قول مالك أظهر في الجملة، لكن ليس معناه أن الإنسان ينظر إلى البلاط من غير غبار أبداً، الصحيح أنه من أجزاء الأرض التي هي التراب، وأما الصخور وغيرها، فإن كان فيها بعض أجزاء التراب والرمل أجزأ وإلا فلا، وهذا أيضاً قول للأصحاب، ولعل هذا ظاهر كلام أبي العباس بن تيمية رحمه الله، والله أعلم.

    الأحناف يقولون: كل ما صعد من الأرض مثل الثلج، كالفرش كل شيء، وهذا مشكل، (الزلية) التي عليه غبار فالتيمم بالغبار وليس في (الزلية)، أما إذا لم يكن عليه غبار ما أجزأ.

    أقوال العلماء في كون التيمم مبيحاً للصلاة أو رافعاً للحدث

    ومن المسائل أيضاً: هو أن التيمم هل هو مبيح أو رافع؟

    ذهب الشافعية والحنابلة: إلى أن التيمم مبيح وليس برافع، ونسب هذا القول لجمهور العلماء النووي رحمه الله، واستدلوا بما رواه ابن المنذر بسند صحيح: أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا تيمم تيمم لكل صلاة، قالوا: فهذا دلالة على أن التيمم عند ابن عمر أنه مبيح وليس برافع؛ لأنه لو كان رافعاً لما تيمم لكل صلاة، ونحن نقول فجوابه: أن ما ثبت عن ابن عمر صحيح، ولكن ليس فيه ما يدل على أنه لا يجزئ غير هذا، فإنه من المعلوم أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب أحياناً، فكيف بفعل الصحابي.

    فإذا كان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً لا يدل على الوجوب، ففعل الصحابي من باب أولى وأحرى وأخلق، وهذا ما أشار إليه أبو العباس بن تيمية رحمه الله فإن غاية ما فيه أن ابن عمر فعل، والفعل لا يدل منه على الوجوب.

    القول الثاني وهو: أن التيمم رافع وليس بمبيح، وهذا القول هو مذهب الحنفية و مالك و أبي العباس بن تيمية ورواية عند الإمام أحمد ، وقد نصر هذا القول أبو العباس رحمه الله، وقالوا: إن التيمم رافع وليس بمبيح، واستدلوا على ذلك بما جاء عند الترمذي وغيره من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، وهذا الحديث تكلم في إسناده، والأحسن أنه من حديث أبي هريرة ويقوي حديث أبي ذر وأن له أصلاً، وهذا الحديث استدل به أصحاب القول الأول، واستدل به أصحاب القول الثاني، أما وجه الدلالة لأصحاب القول الأول فقالوا: إن هذا الحديث دليل لنا وليس لكم؛ لأننا نقول: إن التيمم ليس رافعاً؛ لأنه لو كان رافعاً لما احتاج إلى أن يستخدم الماء بعد ذلك؛ لأنه إنما هو مبيح للصلاة، فإذا وجد الماء فإنه قال: ( فليتق الله وليمسه بشرته )، إذاً الحدث لا زال قائماً فيه، واستدل أصحاب القول الأول أيضاً بحديث عمرو بن العاص الذي يرويه أبي قيس عن عمرو بن العاص أنه قال: ( خرجت في غزوة ذات السلاسل قال: فاحتلمت فخفت إن أنا اغتسلت أن أهلك فتذكرت قول الله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فغسلت مغابني وتوضأت وصليت، فاشتكاه أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صليت يا عمرو ! بأصحابك وأنت جنب )، ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ( وأنت جنب )، مع أنه تيمم وغسل بعض مغابنه ولم يغتسل كاملاً، قالوا: فدل ذلك على وجود الحدث فيه.

    ولكن الراجح والله أعلم أن قوله: ( وأنت جنب )، إنما هي إشارة إلى التعريض، يريد أن يبين له كيف دليله، ولهذا قال: ( تذكرت قول الله تعالى فصليت فضحك صلى الله عليه وسلم )، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أن التيمم رافع وليس بمبيح، ومن المعلوم أن مثل هذه المسألة مما تكثر في الرعيل الأول، فكونه لا يثبت إلا عن ابن عمر من حيث الفعل دليل على أن الصحيح أن التيمم رافع وليس بمبيح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وفائدة خلاف العلماء في أن التيمم مبيح أو رافع، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: ينبني عليه أحياناً خلاف لفظي، وأحياناً ينبني عليه خلاف عملي، فالخلاف اللفظي أننا إذا قلنا: أنه مبيح أو رافع، فهل الجنابة باقية فيه أم ليست باقية؟ يقول ابن تيمية : فسواء قلنا: باقية أو لم تكن باقية فبالتيمم يجوز له أن يصلي، فيقول: إن هذا الخلاف لفظي، والمعنى الثاني: إننا إذا قلنا: مبيح، فإنه يجب أن يتوضأ لكل صلاة، وإذا قلنا: إنه رافع، فإنه لا يلزم أن يتوضأ لكل صلاة حتى يحدث، يقول: فهذا ينبني عليه خلاف عملي.

    أما ما ذهب إليه بعض الحنابلة حيث أشاروا إلى الجمع بين الأقوال فقالوا: إنه مبيح من وجه ورافع من وجه، وهذا في الحقيقة لا ثمرة له، فكأنه إغفال لبعض الأدلة وإبقاء لبعض.

    1.   

    شرح حديث: (وجعلت تربتها لنا طهوراً...)

    قال الحافظ رحمه الله: [ وفي حديث حذيفة عند مسلم : ( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء )].

    حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء )، الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهور إذا لم نجد الماء )، هذا الحديث رواه مسلم بهذا اللفظ، ولم يذكر مسلم الثالث، فقال بعضهم: إنما الثالث هو قوله: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء )، وقال بعضهم: إنما تركها مسلم؛ لأنه إنما حدث بما سمع.

    وقد رواه ابن أبي شيبة شيخ الإمام مسلم من طريق أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه كما عند النسائي وزاد: ( وأوتيت هؤلاء الآيات -آخر سورة البقرة- من كنز تحت العرش لم يعط أحد منه قبلي ولا يعطى منه )، يعني بذلك الآيتين اللتين في آخر سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285]، فهذا يدل على أن هاتين الآيتين: ( من قرأهما في ليلة كفتاه )، كما صح ذلك في الحديث المتفق عليه، وقد أشار أهل العلم: إلى أن معنى كفتاه، يعني: كفتاه عن قيام الليل، وقيل: كفتاه عن التعوذ بغير ذلك، وقيل: كفتاه عن شكره لله تعالى، والأقرب أن إطلاق الحديث يدل على أنها تدل على الكفاية من كل وجه.

    1.   

    شرح حديث: (وجعل التراب لي طهوراً)

    قال الحافظ رحمه الله: [ وعن علي رضي الله عنه عند أحمد: ( وجعل التراب لي طهوراً )].

    حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو -كما قال المؤلف- عند أحمد ( وجعل التراب لي طهوراً )، الحديث رواه الإمام أحمد و البيهقي من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي بن الحنفية أنه سمع أباه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم )، فهذا الحديث فيه زيادة: ( أعطيت مفاتح الأرض )، والثاني: ( سميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم )، هذا هو الزيادة ( وجعلت أمتي خير الأمم )، إذاً هي في ثلاثة.

    ولكن هذا الحديث تكلم فيه أهل العلم، حسنه الحافظ في الفتح، وضعفه بعضهم بسبب عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال ابن عيينة : أربعة من قريش لا تحل الرواية عنهم أو قال: هم ضعفاء وذكر منهم عبد الله بن محمد بن عقيل ، والذي يظهر والله أعلم في عبد الله بن محمد بن عقيل أنه حسن الحديث ما لم يأت بما ينكر، أو يتفرد بغير موافق له، وقد قال الإمام البخاري : رأيت أحمد و إسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مقارب الحديث، فـالبخاري يقول: وهو مقارب الحديث، وعلى هذا فإذا رأيت البخاري يقول عن رجل: هو مقارب الحديث؛ فإنه يدل على أنه يقبل حديثه بالشواهد والمتابعات.

    وقد قال الإمام البخاري عن أبي ظلال عن أنس في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى الفجر في جماعة ثم جلس حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان كحجة أو عمرة تامة تامة )، قال فيه: أبو ظلال مقارب الحديث، والحديث جاء بأكثر من طريق، فدل ذلك على أن هذا الحديث قابل للتحسين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية صلاة الكسوف

    السؤال: [ هل صلاة الكسوف تصلى فرادى أو جماعة؟ ]

    الجواب: الصحيح أن صلاة الكسوف تصلى فرادى وجماعة، فالحنابلة والشافعية يقولون: يستحب صلاة الكسوف جماعة، سواء كان كسوف الشمس أو خسوف القمر، ويجهر بها عند الحنابلة، ولا يجهر بها عند الجمهور: مالك و الشافعي و أبي حنيفة ، إذاً: الحنابلة هم الذين يقولون: يجهر، والجمهور يقولون: سرية. يعني: مالك و الشافعي و أبو حنيفة يقولون: تصلى سراً، وأحمد يقول: تصلى جهراً، واستدل بما جاء في الصحيحين من حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بها )، واستدل الجمهور فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه الراوي: ( فقرأ في الركعة الأولى قدر سورة البقرة )، قالوا: ولم يذكر شيئاً، والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بعض الآيات بمقدار سورة البقرة، هذا من حيث الجهر.

    أما من حيث الصلاة جماعة، فقد استحب الحنابلة والشافعية أن تصلى جماعة في كسوف الشمس أو في خسوف القمر، ومن المعلوم أن خسوف القمر ليلاً وكسوف الشمس نهاراً، قالوا: تصلى جماعة، وذهب مالك و أبو حنيفة إلى أن تصلى جماعة في الكسوف، وتصلى فرادى في الخسوف، والذي يظهر والله أعلم: أنها تصلى جماعة وتصلى فرادى، فيصليها الإنسان إذا لم يجد جماعة، وتصليها المرأة في بيتها، والله تبارك وتعالى أعلم، وهذه من السنن الغائبة؛ أن صلاة الكسوف أو الخسوف تصليها النساء في بيوتهن، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة )، وفي رواية ( فادعوا وصلوا وتصدقوا )، والله أعلم.

    حكم الركوعين لصلاة الكسوف

    السؤال: [ ما هو حكم الركوعين لصلاة الكسوف؟ ]

    الجواب: الراجح والله أعلم: أن الركوع الأول هو الركن، وأما الثاني فإنه سنة، ولهذا أجمع العلماء على أنه لو صلى صلاة الكسوف مثل صلاة الفجر أجزأ، والغريب أنه جاءت روايات كثيرة في صلاة الكسوف ولم يصلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، وذكره أحمد شاكر في تحقيقه للمحلى في باب الكسوف أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كسفت الشمس مرتين، والذي يظهر: أنه لم تكسف الشمس إلا مرة، والشيخ أحمد شاكر يريد أن يثبت أن الروايات الصحيحة يجوز كذا ويجوز كذا، والذي يظهر خلاف ذلك؛ لأنه يبعد أنه كل يوم يخرج يجر إزاره، وأن يتكرر سؤال أسماء لـعائشة فأشارت عليها عائشة إلى السماء فرفعت فقالت: آية؟ فأشارت برأسها أن نعم، قالت: فجعلت كأنما يتغشاني، فجعلت أصب الماء من شدة هول المطلع، الله أكبر، هذا الراجح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلِ إلا صلاة واحدة، وكونها كسفت الشمس مرتين، فيمكن أن تكسف الشمس، لكن لا يظهر سلطانها؛ لأنه أحياناً يقولون: تكسف الشمس، لكن لا يظهر سلطانها، والله أعلم.

    ترك صلاة الكسوف

    السؤال: [ ما حكم من ترك صلاة الكسوف ثم صلى بعد انكشاف الكسوف؟ ]

    الجواب: أخطأ، يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وهي سنة، فما يصليها؛ لأنه فات محلها.

    موضع صلاة الكسوف

    السؤال: [ أين تصلى صلاة الكسوف؟ ]

    الجواب: حديث عائشة فقالت أسماء : فذهبت إلى عائشة فإذا هي تصلي والناس قيام يصلون، دليل على أن عائشة في المسجد هذا الظاهر؛ إنه في المسجد ليس في البيت، والناس قيام يصلون، قد يفهم هذا وقد يفهم هذا؛ لكن عموم النص يدل على الجواز كله.

    الخطبة بعد صلاة الكسوف

    السؤال: [ ما هو حكم الخطبة بعد صلاة الكسوف؟ ]

    الجواب: عامة أهل العلم على أنها سنة، وبعض العلماء قال: ما هي بسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلها إلا مرة، فإن فعلها حسن وإن تركها ليس فيه بأس، لكن تذكير الناس فيها طيب؛ لأن ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم غير مرة وخطب، فربما خطبته صلى الله عليه وسلم لبيان أحكامها، والناس الآن يعرفون الحكم، فقد يقال بهذا.

    صلاة الكسوف إذا لم يثبت الكسوف سوى بالحساب الفلكي

    السؤال: [ هل يصلي الإنسان صلاة الكسوف على علم أصحاب الفلك وإن لم يظهر الكسوف؟ ]

    الجواب: لا، أشار ابن تيمية بذلك، يقول ابن تيمية في هذه المسألة: الحاسب إنما يعرف اجتماع القرصين فيدرك ذلك، حتى قال بعض العلماء: هل يصلي الإنسان بعلم الحاسب وإن لم يره؟ الصحيح أنه لا يصلي حتى يراه، فإن كان يغلب على ظنه وقوع هذا فيصلي حتى لا تفوته، مثل الأعمى الذي يصلي وحده.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756245105