إسلام ويب

مختصر التحرير [43]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجائز العقلي يعم كل ممكن، وهو كل ما جاز حساً أو شرعاً أو وهماً، ويطلق الجواز على ما استوى فيه الأمران عقلاً وشرعاً، وعلى المشكوك فيه عقلاً وشرعاً.

    1.   

    الجائز العقلي ما جاز وقوعه حساً أو وهماً أو شرعاً

    يقول المؤلف: [فيعم كل ممكن وهو ما جاز وقوعه حساً، أو وهماً، أو شرعاً]، ما جاز وقوعه حساً مثل: الليل والنهار، والحر والبرد، والرخاء والجدب وما أشبه ذلك، هذا جائز وقوعه حساً.

    وعقلاً مثل: ما جاز وقوعه عقلاً كل ما لا يستحيل فهو جائز الوقوع عقلاً، الجمع بين الضدين مستحيل، فهو غير جائز عقلاً، والجمع بين متناقضين بين متماثلين فهو جائز، والجمع بين الخلافين جائز؛ والخلافان يجتمعان ويرتفعان، كالحركة والبياض، يجتمعان فيكون الشيء متحركاً وأبيض، ويرتفعان أيضاً، لكن ليس متحرك ولا بأبيض.

    قال في الشرح: (وهو ما جاز وقوعه حسا أو وهمًا أو شرعًا، وعلى ما استوى فيه الأمران شرعًا كمباح ، وعقلًا ، كفعل صغير، وعلى مشكوك فيه فيهما بالاعتبارين ، ولو نسخ وجوب بقي الجواز مشتركًا بين ندب وإباحة ، ولو صرف نهي عن تحريم بقيت الكراهة حقيقةً).

    الغريب أن المؤلف لم يذكر ما جاز وقوعه وهماً، والحقيقة أن هذا فيه نظر؛ لأن ما جاز وقوعه وهماً قد يكون مستحيلاً عقلاً، فإن الإنسان قد يتوهم اجتماع الضدين، ولكنه لا يمكن، قد يتوهم أشياء لا يمكن أن تقع حساً، يتوهمها ويتخيل ويظن أشياء لا يمكن أن تقع، فالحقيقة أن الوهم يفرض أشياء لا يمكن وقوعها أبداً، ألم تعلموا أن غلاة المعطلة قالوا: إن الله لا يوصف لا بوجود ولا بعدم، تخيلوا ذلك وهماً، لكن في الواقع هل يمكن هذا؟ لا يمكن، فلذلك القول بأن ما جاز وهماً يعتبر جائزاً فيه نظر ظاهر؛ لأننا لو اعتبرنا أن ما جاز توهمه فهو جائز لكان ما قاله هؤلاء المعطلة وأشباههم جائزاً، ولم يمكنا أن نرد عليهم.

    فالوهم قد يفرض أشياء لا يمكن أن توجد، بل يستحيل، ربما يفرض الذهن تماثل الخالق والمخلوق، وهو أمر مستحيل ولا يمكن أن نطلق على هذا أنه جائز، أما شرعاً فنعم، ما جاز شرعاً فإنه ممكن عقلاً؛ لأن الشرع لا يمكن أن يجيز شيئاً لا يقع، لو أجاز الشرع شيئاً لا يقع لكان هذا من باب اللغو، بل كل ما جاز شرعاً جاز عقلاً، وليس كل ما جاز عقلاً جاز شرعاً؛ لأن العقل قد يجوز أشياء لا يجيزها الشرع؛ وذلك لقصور العقل، قد يرى مثلاً بعض العقول أن هذا جائز، كأهل البدع يرون أنه يجوز عقلاً بل يجب عقلاً أن تنتفي الصفات عن الله، ومع ذلك فإن الشرع يوجبها، ولا يرى ذلك جائز.

    إطلاق الجواز على ما استوى فيه الأمران شرعاً وعقلاً

    قال: [وعلى ما استوى فيه الأمران شرعًا].

    وهذا صحيح، يطلق الجائز على ما استوى فيه الأمران شرعاً، مثل المباح، فمثلاً تقول: يجوز للإنسان أن يصلي في الليل أربع ركعات وركعتين، يعني: أربع ركعات بتسليمتين، هذا نقول: جائز، وإن كان زيادة خير أفضل لكنه من حيث عدم التأثيم بالفعل يكون مستوي الطرفين.

    يجوز أن تلبس ثوباً أبيض على نوع معين من التفصيل، وثوباً أبيض على نوع آخر من التفصيل، فهذا لا يمنعه الشرع، وهو مستوي الطرفين.

    يقول: [وعلى ما استوى فيه الأمران عقلًا كفعل صغير].

    فعل الصغير يقولون: إن العقل يجيزه على وجه يستوي فيه الأمران: الفعل والترك، وهذا من حيث التأثيم صحيح، فإن العقل يرى أن الصغير لا يأثم سواءً فعل أو ترك؛ لأنه غير مكلف، لكننا نقول: إن العقل لا يساوي بين فعل الصغير الممدوح عليه وفعل الصغير المذموم عليه، فلو أن صغيراً له عشر سنوات دخل علينا بأدب وسلم وجلس في منتهى المجلس كما ينبغي أن يجلس، وجاء صغير ودخل منفوش الشعر، مغبر الوجه، دخل يشتم ويلعن وجلس في صدر المجلس، هل يستوي هذا عقلاً؟ لا يستوي عقلاً، وإن كان من حيث التأثيم يستوي، فكلاهما غير آثم، لكن العقل كما مر علينا يحسن ويقبح، يرى أن هذا حسن وذاك قبيح.

    وكل هذه المسائل التي قد يجبر الإنسان بفهمه ويذهب المؤلف وأمثاله إليها يبدو لي -والله أعلم- أنها إنما جاءت من طريق المجادلات والجدل والمضايقات، فيتكلم الإنسان يقول: الصغير فعله جائز مستوي الطرفين عقلاً، فنقول: لا ليس مستوي الطرفين عقلاً، إلا من حيث التأثيم؛ لأن فعله الذي يذم عليه والذي لا يذم عليه من حيث التأثيم سواء.

    إطلاق الجواز على المشكوك فيه

    قال: [وعلى مشكوك فيه فيهما].

    أي: في العقل والشرع، يعني: الشيء المشكوك فيه يقول الإنسان فيه: جائز هذا، وجائز هذا؛ لشكه في الحكم، يسألك سائل: يقول: هل يجوز أن يفعل الإنسان كذا وكذا شرعاً؟ فتقول: والله يجوز هذا ويجوز عدمه؛ لأن الأدلة تقتضي الجواز والعدم، أو لأنك شاك في ذلك، فأحياناً يطلق الجائز على شيء مشكوك فيه لا يستطيع الإنسان أن يحكم فيه بأحد الأمرين لشكه، في العقل، يقول: هل يجوز عقلاً أن يقع كذا؟ تقول: يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع؛ لأنك شاك، فالمشكوك فيه يكون محتملاً للأمرين، ويسمى جائزاً إما في العقل إن كان من الأمور العقلية، وإما في الشرع إن كان من الأمور الشرعية.

    قال: [وعلى مشكوك فيه فيهما بالاعتبارين] أي: أنه جائز باعتبار وممنوع باعتبار؛ لأن الإنسان شاك.

    1.   

    نسخ الوجوب وبقاء الجواز

    قال: [ولو نسخ وجوب بقي الجواز مشتركًا بين ندب وإباحة].

    أي: إذا أوجب الشارع شيئاً ثم نسخ الوجوب، فإنه يقول المؤلف: يبقى الجواز مشتركاً بين الندب والإباحة، ووجه ذلك أن أمر الشارع به على سبيل الوجوب دليل على أن مصلحته راجحة، فإذا نسخ الوجوب فيحتمل أن المصلحة قد بقي فيها شيء، فيترجح الندب، ويحتمل أن المصلحة زالت فتترجح الإباحة.

    نسخ الله سبحانه وتعالى وجوب مصابرة الرجل لعشرة، والمائة للألف، إلى مصابرة المائة لمائتين والألف لألفين، فهل مصابرة المائة لثلاثمائة مباحة أم مندوبة؟ فيه احتمال أن تكون مباحة، وأن تكون مندوبة، ولكن هذا الاحتمال يعين أحدهما ما تقتضيه المصلحة، قد تكون المصلحة تقتضي أن يصابر الثلاثمائة لأربعمائة، وقد تكون المصلحة على خلاف ذلك، فالإنسان بما عدا الواجب يكون مخيراً فيه، وينظر في ذلك إلى المصلحة.

    1.   

    صرف النهي عن التحريم يبقي الكراهة

    قال: [ولو صرف نهي عن تحريم بقيت الكراهة حقيقةً].

    يعني: ورد حديث فيه نهي أو آية فيها نهي، ولم يكن المراد بالنهي التحريم؛ لوجود قرائن تدل على أنه ليس للتحريم، يقول المؤلف: (بقيت الكراهة حقيقةً)، وهنا يسأل يقال: ألستم تقولون: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز مشتركاً بين الندب والإباحة، فلماذا تقولون: إذا صرف النهي عن التحريم بقيت الكراهة، يعني: ولم يكن مشتركاً بين الكراهة والإباحة؟

    والجواب على ذلك: أن هناك فرقاً بين النسخ وبين الصرف إلى الكراهة؛ لأن النسخ ثبت فيه الوجوب في الأصل، ثم نسخ، أما هذا فلم يثبت التحريم من الأصل، بل صرف النهي فيه إلى الكراهة من أول الأمر، ففرق بين شيء صرف، وبين شيء نسخ؛ لأن المصروف عن التحريم لم تثبت دلالته على التحريم من الأول، فإننا قد قلنا: المراد بالنهي الكراهة، فتكون الكراهة حقيقة فيه، أما النسخ فإننا قلنا أولاً: إن هذا دال على الوجوب، ثم نسخ الوجوب فبقي الجواز مشتركاً بين الندب والإباحة.

    وكذلك لو كان هناك تحريم ثابت ثم نسخ التحريم، بقي الجواز مشتركاً بين الكراهة والإباحة، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين النهي المصروف إلى الكراهة، وبين النهي المنسوخ، وكذلك فرق بين الأمر المصروف عن الوجوب إلى السنية، وبين الأمر المنسوخ من الوجوب.

    الأمر المصروف إلى السنية تبقى السنية حقيقة، الذي هو الندب، والأمر المنسوخ الذي دل على الوجوب ثم نسخ يحتمل أن الشارع رفع الحكم مطلقاً، ويحتمل أنه رفع وجوب الحكم، فإن قلنا: بأنه رفع الحكم مطلقاً بقيت الإباحة، وإن قلنا: إنه رفع وجوب الحكم بقي النسخ، لكن إذا صرف النسخ من الأصل عن الوجوب إلى السنية بقيت السنية حقيقة.

    في النهي كذلك: إذا نسخ النهي من التحريم، يعني: نسخ التحريم، بقي الجواز مشتركاً بين الكراهة والإباحة، ولو صرف النهي إلى غير صحيح فهو للكراهة حقيقة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755776200