إسلام ويب

تعال نتعاتبللشيخ : إبراهيم الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العتاب مخاطبة ومذاكرة وحل، وهو طلب المسيء الرجوع عن إساءته، وهو مخاطبة الأخلاء بعضهم بعضاً، طالبين حسن مراجعتهم، ومذاكرة ما كرهوه، وإذا تعاتب الصديقان أصلح ما بينهم العتاب، وإنما يعاتب من ترجى عنده العتبى، أي: الرجوع عن الذنب والإساءة. والعتاب وارد في القرآن والسنة، وله شروط وأسباب مبينة في هذه المادة.

    1.   

    المقصود بالمعاتبة ومعنى العتاب

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أحبتي في الله! أهلاً وسهلاً بأهل هذه البلدة الصالح أهلها، ولا نعلم والله عنكم إلا خيراً، وقد ملكتم قلوبنا بحسن أخلاقكم، وسخاء أنفسكم، وطيب قلوبكم، هذه ظواهركم والله تعالى يتولى السرائر.

    أيها الأحبة! في ليلة الجمعة من الشهر السابع لعام (1414هـ) وفي مدينة المذنب في جامع الجمل، نستمع وإياكم إلى هذه المحاضرة والتي هي بعنوان: تعال نتعاتب.

    وكما سمعت من الإخوة كثير يسأل عن هذا العنوان؟ وماذا نقصد بالتعاتب؟

    بارك الله فيكم، وجزاكم عني خيراً عندما أجبتم دعوتي بقولي: (تعال)، وهأنا أرى وجوهاً منيرة طيبة أسأل الله أن يجمعني وإياها في جنات النعيم.

    الموضوع ينقسم إلى قسمين اثنين:

    أما القسم الأول: فهو العتاب معناه وشرعيته وشروطه وأسبابه، وسيكون على سبيل الاختصار والإيجاز ؛ حتى يتبين أولئك الذين يستفسرون عن معنى العتاب؟ وماذا أقصد بهذا الموضوع؟

    والقسم الثاني: وهو المقصود في هذه المحاضرة، وهو عبارة عن: صور ومواقف للحوارات بيني وبين صاحب لي، وستعلمونها إن شاء الله.

    أما العتاب معناه: فالعتاب والمعاتبة إذا ذكر كل واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، وقال الخليل : العتاب مخاطبة إدلال، ومذاكرة وحل، والاستعتاب: طلبك إلى المسيء الرجوع عن إساءته، والتعتب والمعاتبة والعتاب، كل ذلك مخاطبة الأخلاء بعضهم بعضاً، طالبين حسن مراجعتهم، ومذاكرة ما كرهوه.

    والعتب هو: الرجل الذي يعاتب صاحبه أو صديقه في كل شيء إشفاقاً عليه ونصيحةً له، ويقال: إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب، وإنما يعاتب من ترجى عنده العتبى، أي: الرجوع عن الذنب والإساءة، وهذا هو حسبنا فيكم أيها الأحبة! وفي كل من يسمع هذا الكلام.

    وقد قال الحق سبحانه وتعالى عن أهل النار: وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24].

    وقد ورد هذا اللفظ (العتاب) بتصاريفه في القرآن في أكثر من آية، ورد في هذه الآية في سورة فصلت وكرر فيها -أيضاً-، وورد في سورة النحل والروم والجاثية، وقد قال ابن كثير عن هذه الآية وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24] قال: وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا -والآية تتكلم عن أهل النار- أعذاراً فما لهم أعذار، ولا تقال لهم عثرات، والعياذ بالله.

    قال البخاري في صحيحه في كتاب الأدب (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) أي: حياءً منهم، ثم ذكر بعد ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال-انظر العتاب-: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشيةً) وكان من عادة رسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يعاتب بعض أصحابه قال: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).

    وأيضاً أخرج البخاري في كتاب الأدب (باب ما ينهى عن السباب واللعن) من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سباباً ولا لعاناً ولا فحاشاً، وكان يقول عند المعاتبة -إذاً المعاتبة واردة هنا منه صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يقول عند المعاتبة، وفي لفظ: عند المعتبة، ما له ترب جبينه) وهي كلمة جارية على لسان العرب ولا يراد بها الدعاء عليه .

    وأخرج البخاري -أيضاً- في كتاب التيمم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت في قصة نزول آية التيمم: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق -أي: أبوها- فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة ؟! أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام -تقول عائشة - فقال -أي أبو بكر -: حبستِ -يقصد عائشة - رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فقالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير : ما هي أول بركاتكم يا آل أبي بكر ، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته).

    والشاهد من الحديث قول عائشة رضي الله تعالى عنها: (فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول) .

    إذاً: فالعتاب وارد في القرآن والسنة.

    1.   

    شروط المعاتبة

    أما شروط العتاب فمن أهمها:

    أولاً: عدم إكثار العتاب

    فلا تعتب على أخيك بكل كبيرة وصغيرة.

    قال موسى بن جعفر: من لك بأخيك كله، لا تستقصي عليه فتبقى بلا أخ.

    وقال أسماء بن خارجة: الإكثار من العتاب داعية إلى الملل.

    خذ من صديقك ما صفا لـك     لا تكن جم المعائب

    إن الكثير عتابه الإخوان     ليس لهم بصاحب

    إذا كنت في كل الأمور معاتباً     صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

    وذكر الأصبهاني في كتابه الزهرة، الباب السابع عشر فقال: من عاتب على كل ذنب أخاه، فخليق أن يمله ويقلاه.

    والناس ليسوا على قلب رجل واحد، فمنهم سريع الفيئة عند العتاب، ومنهم من تغلغله فلا يرعاك، فالإقلال والإكثار -أي: من العتاب- مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال:

    أقلل عتاب من استربت بوده     ليست تنال مودة بقتال

    ثانياً: الإنصاف

    فعند العتاب لا بد أن تذكر محاسن أخيك وتشير إلى فضائله، وفي ذكر المحاسن والإشارة إلى الفضائل فوائد كثيرة، من هذه الفوائد:

    أولاً: أن ذكر المحاسن والفضائل هو مدخل لتقبل العتاب، وتطييب لنفس صاحبك بما هو فيها.

    ثانياً: أن من الظلم أن تذكر المساوئ والأخطاء، وتوجع قلب أخيك بتكرارها عليه، ولا تشير إلى فضائله ومحاسنه، ولا شك أن هذا ظلم للعباد، أن تنقل عنهم شرهم وتخفي خيرهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء الطوية نحو المسلمين، وعدم حبهم وإنصافهم، فليس من العدل أن يسرد الجرح والثلب وبيان المساوئ، ويسكت عن التوثيق وبيان المحاسن، فالإنسان يؤخذ بحسناته وسيئاته، ولا شيء مثل الورع والسكوت عن الناس.

    ثالثاً: من فوائد ذكر المحاسن ونشر الفضائل: ليس من شرط الله سبحانه وتعالى أن يكون أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين، (فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) والخطأ في بعض الأشياء خطأ مغفور، بل ليس من شرط المتقين ترك الصغائر مطلقا، وأيضاً ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة.

    وهذا ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وقال -أيضاً-: بأنه ليس من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطأ والخطايا.

    فالكامل إذاً الذي ليس فيه شيء عزيز ونادر الوجود، ومن لطيف ما ذكر ابن الأثير رحمه الله قال: إنما السيد من عدت سقطاته، وأخذت غلطاته؛ فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء.

    ثالثاً: سلامة المقصد

    أن يكون القصد من العتاب مقصداً شريفاً، لأجل النصح والتوجيه، وليس لتتبع الزلات والسقطات، فإن بعض من يعاتب صاحبه من أجل أن يعد عليه سقطاته وزلاته، وبعض الناس يفعل ذلك تشفياً وانتقاماً للنفس -والعياذ بالله- وهنا إذا حصل ذلك يخرج العتاب عن معناه الصحيح، ويصبح هذا العتاب هو الشرارة الأولى للعداوة والبغضاء، وهو الذي عبر عنه الشاعر بقوله:

    فدع العتاب فرب شر     هاج أوله العتاب

    اللهم أخرجنا من سجن الهوى إلى ساحة الهدى، واهدنا إلى صراطك المستقيم.

    ثم لماذا العتاب؟ وما هو سبب العتاب؟ ولماذا دعوتكم للعتاب أيها الأحبة؟! اعلموا السبب -بارك الله فيكم- حتى تخرجوا وقد استفدتم من عتابنا لبعضنا.

    لا يكون العتاب إلا بين الأصحاب والأحباب، اعلموا هذا جيداً، ولا أعاتب إلا من أحب ومن له في مكنون القلب ود.

    أعاتب من يحلو بقلبي عتابـه     وأترك من لا أشتهي لا أعاتبه

    إن قلوبنا أيها الأحبة! مضغة من اللحم، وإننا بشر ويجتمع على قلوبنا ما قرب وبعد، وهي عرضة للحمل والوجد وللشحن والبغضاء مهما كان الإنسان، وهنا أمامنا أمران:

    الأمر الأول: إما إهمال القلب وتركه عرضةً لهذه السهام حتى تجتمع عليه فتهلكه؛ فيصبح أسود مرباداً، لا يعرف معروفاً، ولا يعرف إلا الحقد والتشفي، والعياذ بالله.

    الأمر الثاني: وهو

    أعاتب ذا المودة مـن صـديق     إذا ما رابني منه اجتناب

    إذا ذهب العتـاب فليـس ود     ويبقى الود ما بقي العتاب

    إذاً: لولا المحبة في القلوب، والحرص على صفاء النفوس، وبقاء الود، ما كان العتاب:

    إني أعاتب إخواني وهم ثقتـي طـوراً     وقد يصقل السيف أحيانا

    هي الذنوب إذا ما كشفـت درسـت     من القلوب وإلا صرن أضغانا

    وكما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [معاتبة الأخ خير من فقده].

    وقال بعض الحكماء: من كثر حقده قل عتابه. وهذا دليل أن العتاب لا يكون إلا بين الأصحاب والأحباب .

    وقال أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني ، في كتابه الزهرة -الذي ذكرناه قبل قليل- في الباب السادس عشر، قال: من لم يعاتب على الزلة فليس بحافظ للخلة. ثم ذكر هذه الأبيات في لذة العتاب وحلاوته، وعدم الملل منه، خاصةً إذا كان بين عاشقين، ونحن نعوذ بالله من العشق، وإنما نريد المحبة والأخوة في الله، واقتراب القلوب وصفاء النفوس، قال:

    فلا عيش كوصل بعد هجـر     ولا شيء ألذ من العتاب

    تواقف عاشقان على ارتقـاب     أرادا الوصل من بعد اجتناب

    فلا هذا يمل عتاب هذا     ولا هذا يمل من الجواب

    1.   

    صور ومواقف لحوارات بين متعاتبين

    وهنا نأتي للقسم الثاني: وهو المقصود كما ذكرنا في موضوع هذه الليلة، ولعلكم بعد أن عرفتم العتاب ومعناه وشرعيته وشروطه وأسبابه نأتي للعتاب الذي سيدور بيننا أو بيني وبين صاحب لي، والقسم الثاني عبارة عن صور ومواقف لحوارات بيني وبين عزيز عليّ وحبيب إلى نفسي، وكل فرد منكم عزيز عليّ وحبيب إلى نفسي.

    وعتابي هذه الليلة ليس لأي أحد، فهو خاص لفئة من رجالات هذه الأمة، التي لا تعدم الخير أبداً ما دام فيها أمثال هؤلاء الرجال.

    إذا سيد منا خلا قام سيد     قئول لما قال الكرام فعول

    فعتابي إذاً خاص لشباب الصحوة ورجالاتها، لأولئك الدعاة المخلصين الناصحين، ومهما كانت كلمات عتابي فهي لا شيء بجانب حسناتهم وخيراتهم، فلا أعلم والله عنهم باب خير إلا ولجوه، ولا باب شر إلا وجاهدوه، ويعلم الله أني أتقرب إليه بحبهم، ولا تلوموني في حبهم فقد تعلمت منهم الكثير؛ ولكن ..

    أنت عيني وليس من حق عيني     طبق أجفانها على الأقذاء

    فلا بد من التناصح والتعاتب إذاً.

    أمور قبل العتاب

    ليس مثلي يا أخي الحبيب! من يبدأ العتاب، فأنا الملوم وأنا المتهم، فهو لي ولمن شاكلني من المقصرين، وأنت تسمع هذه الحوارات وتنتقل بين هذه الصور انتبه لأمور:

    الأمر الأول: قد تتصور بعض النساء أنهن غير مقصودات بهذا الحديث، لا. بل كلامي للصالحين والصالحات الذين نذروا أنفسهم للدعوة إلى الله وإبلاغ الكلمة من رجال أو نساء .

    والأمر الثاني: انظر لنفسك وكن صادقاً معها، وأنت أعرف بنفسك، فلربما كانت الصور كلها فيك -أي: التي سنذكر- ولربما كان بعضها أو أحدها، والاعتراف بالخطأ فضيلة، وتشخيص المرض بداية العلاج.

    والأمر الثالث: فإن لم يكن فيك شيء من هذه الصور وهذه الحوارات، فما أقل أن يكون لك صاحب عزيز وحبيب إلى قلبك تعلم هذا من حاله، فتوصله هذا العتاب، وإن شاء الله برقة قلبه، وسلامة صدره، وحبه للخير، سيُجني الثمار إن شاء الله تعالى.

    ولا أظنك بحاجة إلى تعليق، وإلى بيان مع كل صورة، فلا تنتظر هذا مني، ولكن كن فطناً وافهم المقصود رعاك الله.

    إذاً: فلكل سامع لهذا الحوار أن يتصوره مع صاحبه وخليله، وليختر مما ذكر من الملاحظات ما يناسب، فإنها قد لا تجتمع في شخص، وقد يكون فيك أو في صاحبك شيء منها، وقد لا يكون، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

    الصورة الأولى: تتبعك لعثراتي وسقطاتي

    تعال نتعاتب.. وأقول لك يا أخي الحبيب! لماذا أصبحت تفرح بسقطاتي، وتتبع عثراتي، وتعد ألفاظي، بل وتحسب عليّ أنفاسي؟! أنسيت أني بشر، وأنني أخطئ وأصيب، وأن لي نفساً تغضب وترضى؟! وأنا لا أبريء نفسي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]، ومع ذلك كله فإني في جهاد معها، فأقِلَ عليّ لا أبا لك، وكن لي عوناً عليها.

    لي ذنوب ولست أنكر فاغفـر     فالتجني على المقر اعتداء

    لي حقوق أيضاً عليك ولكـن     ذكر مثلي لمثل هذا جفاء

    ولا تنس أنك أنا، وأنا أنت، فأحب لي ما تحب لنفسك:

    وإذا شئت أن تدعى كريماً مكرماً     حليماً ظريفاً ضاحكاً فطناً حرا

    إذا ما بدت من صاحب لك زلة     فكن أنت محتالاً لزلته عذراً

    الصورة الثانية: سماعك لكلام الناس فيّ

    أخي! تعال نتعاتب .. فعجيب أمرك، إنك أخي وصفيي وصديق عمري، فكم ذهبنا وجئنا، وأكلنا وشربنا، ونمنا وقمنا وضحكنا وحزنا، فعرفتني وعرفتك، ثم فجأةً إذا بك تسمع كلام الناس فيّ، فتردد ما يقولون:

    ولا خير في خل يخون خليلـه     ويلقاه من بعد المودة بالجفا

    ومنك وعيشاً قد تقادم عهده     ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا

    واسمع لـابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو يقول في صيد الخاطر ( فصل: أين الخل الوفي؟ ): كان لنا أصدقاء وإخوان أعتد بهم، فرأيت منهم من الجفاء وترك شروط الصداقة والأخوة عجائب، فأخذت أعتب ثم انتبهت لنفسي فقلت: وما ينفع العتاب، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء، فهممت بمقاطعتهم، ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظاهر وإخوة للباطن، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم إنما ينبغي أن ننقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصداقة الظاهرة، فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف وعاملتهم معاملة المعارف، ومن الغلط أن تعاتبهم فقد قال يحي بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك . انتهى كلام ابن الجوزي .

    ويقصد هنا أنَّ الأصل أن الأخ يدعو لأخيه بدون أن يوصيه إن كان أخ صادق.

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولـم     أذنب وإن كثرت في الأقاويل

    ومن يطع الواشين لا يتركوا له     صديقاً وإن كنت الحبيب المقربا

    وأخيراً أقول لك:

    لو لم تكن لي في العيون مهابة     لم يطعن الأعداء فيّ ويقدحوا

    الصورة الثالثة: يوم أن اغتبتني وتنقصتني لمجرد اختلاف وجهات النظر

    تعال نتعاتب.. فبالأمس القريب يوم أنت وزيد، يوم ذكرتني وتنقصتني، ودارت النجوى بينكما فزدت وزاد، وقلت وقال، وطارت الكلمات بكل مطار، وسارت بها الركبان، فأصبحت على كل لسان، وما ذاك إلا أنني عملت بخلاف رأيك، وخالفتك في وجهة نظرك، وأنت ممن يقول: إن الخلاف لا يفسد للود قضيةً.

    فيا عجباً! ما أسهل الكلمات، ولكننا بحاجة للعمل والتطبيق .

    قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ! ألا يستقيم أن نكون إخواناً، وإن لم نتفق في مسألة؟!

    أو تذكر يوم غضبت عليّ، واتهمتني بالسطحية، وعدم فهم الواقع، فقط لأنني وقفت أمامك ألا تغتاب فلاناً، وقلت لك: اتركه، فذكرت أن فيه وفيه وأن ما تقوله حق، سبحان الله! أتراك غفلت أن الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه مما هو فيه؟! أعلم أنك شيخ لي في أحاديث الغيبة والنميمة والنجوى وأضرارها وشدة تحريمها، أو أنك تقول:

    ولا بد من نجوى إلى ذي مروءة     يواسيك أو يسليك أو يتوجع

    والبيت صحيح بقول الشاعر: ولا بد من شكوى.

    ولعل الصور واضحة، وكما ذكرت لا داعي للتعليق على كل صورة، ولكن لكل إنسان أن يختار ما شاء من هذه الصور إن اجتمعت وإن تفرقت.

    الصورة الرابعة: نصحتك فغضبت وحقدت

    تعال نتعاتب.. أتذكر يوم أن نصحتك تلك النصيحة، وأنكرت عليك ذلك المنكر؟! تذكر جيداً، هل ذكرته؟! إنني لا أنسى ذلك اليوم أبداً، فقد كنت أبحث عن الكلمات الرقيقة والعبارات اللطيفة فتعبت أيما تعب في اختيار الألفاظ، كل ذلك حرصاً على مشاعرك وتقديراً لنفسيتك وتحرياً لآداب النصيحة، فماذا كانت النتيجة؟ قبلت ذلك على مضض وأخذت تكيد لي، وترصد حركاتي، وربما فرحت الأُذن بما تسمع في غيبتي، والعجيب أنني أسمعك تردد دائماً (المؤمن مرآة أخيه) وتردد دائماً (رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي) فما دهاك غفر الله لك؟!

    ورويّ أن رجلاً صحب رجلاً، فلما أراد أن يفارقه قال له: أخبرني عن عيوبي، فقال: سل غيري، فإني كنت أراك بعين الرضا.

    وعين الرضا عن كل عيب كليلة     ولكن عين السخط تبدي المساويا

    الصورة الخامسة: قلة زيارتي وجفوتي لك

    أيها الصديق! أيها الخل الوفي! تعال نتعاتب .. ولك الحق أن تعتب عليّ بجفوتي لك وهجري إياك -كما تقول- فتشكو قلة زيارتي، ولكن لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم، وأقول لك كما قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: إن لي إخواناً لا ألقاهم إلا في كل سنة مرةً، لأنا أثق بمودتهم ممن ألقى كل يوم.

    وإن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً

    يا نسيم الروض في السحر     ومثال الشمس والقمر

    إن من أسهرت مقلته     لقرير العين بالسهر

    فمثلك يعتذر لمثلي، وتعلم انشغالي في أمور لا تتسع معها أوقات الزيارة.

    قال أبو الحسن بن قريش : حضرت إبراهيم الحربي وجاءه يوسف القاضي ومعه ابنه أبو عمر فقال له: يا أبا إسحاق ! لو جئناك على مقدار واجب حقك لكانت أوقاتنا كلها عندك، فقال: ليس كل غيبة جفوةً ولا كل لقاء مودةً، وإنما هو تقارب القلوب.

    فيا أيها الحبيب! إن صبرت وعذرت فحسبي أن تكون كمن قال:

    مسني من صدود إلفي     ضر فبنات الفؤاد ما تستقر

    مسني ضره فأوجع قلبي     غير أني بذاك منه أسر

    الصورة السادسة: إساءة الظن بالآخرين

    أخي وعزيزي! تعال نتعاتب.. فلا ينبغي لك أن تسيء الظن بالآخرين بما ترى من تصرفاتهم، أو تسمع من أقوالهم، أو تعتقد صدوداً أو إعراضاً منهم بمجرد الظن والتخمين، فليس هذا عدلاً، فربما خفيت عليك الحقيقة، ولربما أرادوا وقصدوا أمراً آخر، ولربما أن ذلك الفعل أو الكلام لا مقصود له، ولو أنك ناقشت هؤلاء لتبين لك خلاف ما تظن، فالناس بشر يحصل لهم الخطأ والسهو والغفلة، فلا تدخل في مقاصد الناس ونياتهم، فإني أراك أسهبت -رعاك الله- في مثل هذا، واحمل الناس على محمل الخير ليستريح قلبك من الهموم، ومع ذلك كله فاعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار جاره وهو يهودي مع شدة أذاه له، واعلم -أيضاً- أن ابن تيمية رحمه الله تعالى حزن جداً لوفاة أشد أعدائه.

    يقول ابن القيم رحمه الله: جئت يوماً مبشراً له -أي ابن تيمية - بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوةً وأذىً له، فنهرني وتنكر لي، واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهل عدوه فعزاهم وقال لهم: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحالة منه، فرحمه الله تعالى ورضي الله عنه. انتهى كلام ابن القيم .

    إذاً: فمن ضاق صدره على ما عند الآخرين من خير، فلينصف نفسه فلن يجني إلا الكدر، والحقد، والحسد.

    إذا أعجبتك خصـال امـرئ     فكنه تكن مثل ما أعجبك

    فليس عن الجود والمكرمـات     إذا جئتها حاجب يحجبك

    الصورة السابعة: تقصيرك في النوافل

    يا أخي! إني أراك من الشباب الصالحين وفي عداد القدوات، ويشار إليك بالبنان، هذا كله فيما أسمع وأعرف عنك، ولكني أرى من فعالك عجباً!

    فأراك أول المقصرين في النوافل، حتى في السنن الرواتب، فكم من المرات تركتها وتثاقلت عنها، رأيتك مراراً مفطراً في الأيام البيض قلت: لعله من أهل الاثنين والخميس، فأثبتت المناسبات، وكئوس الشاي والقهوة في كل مرة خلاف ذلك، بل واحتمل عتابي، فإني لا أكون ظالماً لك إذا قلت لك: إن الفريضة يعتريها كثير من النقص والتقصير، فإني أراك آخر المصلين دخولاً للمسجد وأول الخارجين منه، أين التسبيح والتحميد؟ أين التهليل؟ أين ذكر الله؟! القرآن يشكو هجرك، فلربما مر اليوم واليومان بل والأسبوع ولم تقرأ شيئاً منه، والعياذ بالله.

    فأُحسن الظن فأقول: أعماله الدعوية كثيرة وانشغالاته التربوية كبيرة، ولكننا ننسى أو نغفل أن من أعظم وسائل الدعوة والتربية القدوة الحسنة، فالأمة في أزمة قدوات.

    وقبل أن أتركك تفكر بما قلت لك، أذكرك بحديث جندب رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه) رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إن شاء الله تعالى.

    الصورة الثامنة: ماذا قدمت للمسلمين؟

    تعال نتعاتب.. فأقول لك: كم من المرات سمعتك تتألم لأحوال المسلمين، وتتوجع لحاجات المساكين؟ وسمعتك تتحدث عن كيد أعداء الدين وصور أذاهم للمسلمين، ثم تختم كلامك بقولك: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فماذا قدمت؟ وماذا فعلت؟ وإن في وسعك الكثير الكثير!

    [وإني لأبغض الرجل أراه فارغاً ليس في شيء من أعمال الدنيا ولا عمل الآخرة] كما قال ابن مسعود رحمه الله تعالى.

    ولكن ما زلت في ذهابك، وإيابك، وجلساتك، ورحلاتك، وتضييع أوقاتك.

    إذاً: لماذا تلوم الأعداء بأنهم يعملون ويخططون ويدبرون؟! أم أنك تريدهم أن ينصروا الدين ويفتحوا البلاد للمسلمين؟

    أيها المؤمن! أنت فرد ولكنك أمة؛ بقوة إيمانك تقوى الأمة، وبصلاحك وعملك تصلح الأمة، وأنت في المستقبل القريب -إن شاء الله- عالم جليل، أو مسئول كبير، أو من رجال التربية والتعليم، أو قائد محنك، أو طبيب ماهر، ولكن لا بد من الصبر وبذل النفس والمال، فسجل اسمك في التاريخ، أيها الشاب! أيها الأخ! سجل اسمك في التاريخ فساهم ولو بالقليل، فإنك لا تدري بماذا يغفر لك.

    الصورة التاسعة: عدم ثبات شخصيتك

    تعال نتعاتب.. يا أخي الحبيب! فإنني في حيرة من أمرك، فكل يوم لك فكر ولك وجهة، فاليوم لك منهج وغداً لك منهج آخر، وبعد أيام لا هذا ولا ذاك، فهل أصفك بأنك أُذن؟! -والأُذن: هو المستمع القابل لما يقال له- فلماذا تتبع كل ما تسمع وتسير خلف كل ناعق؟ فأصبحت تحكم على الآخرين بانحراف، وقصور في منهجهم، أو صفاتهم، أو أخلاقهم بمجرد سماع قصة، أو قراءة خبر، أو استماع شريط، أو حديث مجلس.

    فأين ثبات الشخصية؟ وأين العقل المدرك؟ لماذا أصبحت كالريشة في مهب الريح تكفؤها أينما اتجهت بدون مبدأ ولا بصيرة تستنير بها؟!

    ثبات الشخصية يا أخي الحبيب! تعني قوة الثبات في وجه التيارات المنحرفة، والتمسك بالدين القويم، والنصح الصحيح، فاستمسك -بارك الله فيك- بما أنت عليه من الحق المبين، ولا يحركك تهيج المرجفين، فلا تبتئس بما يقولون ولا تحزن بما يفعلون.

    فالثبات الثبات متوكلاً على مولاك، والله يتولى الصالحين فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً [الرعد:17].

    واحذر! من المنشقين الجراحين المبذرين للوقت والجهد والنشاط في قيل وقال وكثرة السؤال عن تصنيف العباد، فهو ذنب تلبسوا به وبلوى وقعوا فيها، وادع لهم بالعافية، واحذر يا رعاك الله! عافانا الله وإياك، ووقانا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    الصورة العاشرة: الانقطاع وعدم الاستمرار

    أيها الأخ العزيز! تعال نتعاتب.. لقد شكوت لي حالك، وقلة بضاعتك في العلم والعمل، وذكرت لي أنك بدأت بحفظ القرآن فانقطعت، وبدأت بحضور درس الشيخ فلان فانقطعت، وذكرت لي أنك هممت بقراءة بعض الكتب فبدأت فانقطعت، وذكرت -أيضاً- أنك بدأت بعمل دعوي مع إخوة لك ثم انقطعت، وذكرت -أيضاً- أنك بدأت بنشاط للحي ومسجده ثم انقطعت، ثم ذكرت لي -أيضاً- أنك بدأت بمشروع خيري مع إخوانك فانقطعت، وبدأت بحفظ المتون فانقطعت.. وهكذا أنت مع كل مشروع في حياتك كما تزعم.

    فأقول: يا سبحان الله! لقد أصبحت ذواقاً، فكيف ستبني شخصيتك، أو ستربي نفسك؟!

    وهذه بلوى كثير من شبابنا، فما أن يسلُك أمراً ويبدأ فيه إلا ويمله ويتركه، وما يبدأ بأمر فيعرف طريقه ويستوي على ظهره إلا وسرعان ما يصيبه الإملال، ثم هكذا يبدأ بعمل ثم ينتقل لعمل آخر، وهكذا يمضي العمر وتمضي الأوقات وهو في مكانه لا يتقدم بل يتأخر.

    فالله الله! بالاستمرار والمداومة فكل نتاج بشري يبدأ أوله صغيراً، ثم مع الدوام والعزيمة يكبر ويكبر حتى يكون كما أريد له، والعاجز من بدأ ثم وقف متعللاً ببعد الطريق ووعورة المقصد، فرضي لنفسه بيومه، أي: رضي لها بالدعة والإهمال، فهو في عداد الموتى قبل أن يموت؛ لأن الحي الموفق من بدأ وتابع واستثمر كل ما يملك حتى ينجز ما نشد ورام.

    وقل لي بالله يا أخي الحبيب؟! أكان يمكن أن يكون لمثل أبي حاتم الرازي أن يصنف كتابه المسند في ألف جزء، والجزء يساوي خمسة وعشرين صفحةً؟!

    أو يكون لمثل الإمام الطبري أن يزيد عدد أوراق مصنفاته الجليلة على نصف مليون ورقة؟!

    أو يكون لمثل الإمام ابن عقيل الحنبلي أن يصنف كتابه الفنون في ثمانمائة مجلد؟!

    أو يكون لمثل الحافظ ابن عساكر أن يصنف كتابه تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة كبيرة؟!

    أو يكون لمثل شيخ الطب في زمانه ابن النفيس ، أن يصنف كتابه الطبي الذي سماه الشامل -أيضاً- في ثمانين مجلدة؟!

    أو حتى يكون لمثل الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى التي أربت مصنفاته على أربعمائة مصنف من نخب العلم ودقاقه؟!

    وسواهم في سواها مما لا يحيطه حصر ولا عدد، لولا العزيمة الماضية، والهمة العالية، ومتابعة العمل، ودوام العطاء، ورصف المسألة بجوار المسألة، وتقييد الخاطرة تلو الخاطرة ووضع النظير مع النظير، وهكذا .. مع محاسبة للنفس على دقائق العمر وثوانيه، متوجاً ذلك كله بصدق النية وصدق التوكل؛ لما كانت هذه ثمرتهم.

    إذاً: فخاطب نفسك يا أخي الحبيب! واقض على هذه المشكلة وقل لها:

    ذريني أنل ما لا ينال من العلا     فالصعب في الصعب والسهل في السهل

    تريدين إدراك المعالي رخيصـة     ولا بد دون الشهد من إبر النحل

    لتكن صاحب همة عالية وعزيمة صادقة، وتذكر بذلك الأسلاف رحمهم الله تعالى.

    وما أصدق الشاعر الأديب بهاء الدين ابن النحاس الحلبي في قوله:

    اليوم شيء وغداً مثله     من نخب العلم التي تلتقط

    يحصل المرء بها حكمة     وإنما السيل اجتماع النقط

    إن العمل مطلوب، والهمة مرجوة، والمتابعة والمداومة شرط لنجاح العمل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوم عليه وإن قل) أخرجه البخاري ومسلم .

    وذكر ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان عمله صلى الله عليه وآله وسلم ديمةً) أي: دائم مستمر غير منقطع،وكما يقال:

    قليل دائم خير من كثير منقطع

    فهل وجدت لهذا الأمر ولهذا الانقطاع حلاً -رعاك الله وبارك فيك- حتى نكسب شخصاً ونكسب داعيةً بوقته وعلمه وعمله.

    1.   

    خاتمة المطاف

    وفي الخاتمة: وأخيراً: أعتذر إليك يا أخي الحبيب! فقد أثقلت وأكثرت العتاب ولكن إكثاري بجانب عفوك وحلمك قليل، ولكن صدقت الخلة فزالت الكلفة، وقد كان السلف رضوان الله عليهم إذا غضبوا غفروا وصفحوا؛ طلباً لفضيلة العفو وكظم الغيظ.

    من لي بإنسان إذا ما أغضبتـه     وجهلت كان الحلم رد جوابه

    وإذا طربت إلى الحديث شربـت مـن أخلاقه وسكرت من آدابه

    وتراه يصغي للحديث بقلبـه     وبسمعه ولعله أدرى به

    فأنا أعلم أنكم أدرى بمثل ما قلت، وأن ما عندكم خير مما عندي، ولكنه العتاب الذي يكون بين الأحباب والأصحاب، خلجات قلب وهمسات صدر أحببت أن أبثها لإخواني.

    ولما انتهى العتاب بيني وبين صاحبي واتجهت إلى الباب، عمد صاحبي إلى العناق وأكثر من البكاء والانتحاب.

    وقفنا وثالثنا عبرة     فيشكو إليّ وأشكو إليه

    وولى يخوض دموعاً جرين     من مقلتي ومن مقلتيه

    ويستودع الله ما في يدي     وأستودع الله ما في يديه

    اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأفعال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وارزقنا صلاح الظاهر والباطن وصدق النية وحسن الخاتمة.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    1.   

    الأسئلة

    هذه مجموعة من الأسئلة، وبعض الاقتراحات من بعض الإخوة، وبعضهم يقول: لو أرسلت رسالة عتاب ومجاملة أو رسالة عتاب إلى ذاك الشاب المجامل حتى لحساب دينه، ثم آخر يقول: وما أجمل أن ترسل معاتبة إلى ذلك الشاب الذي إن جاء مع الصالحين فهو صالح، وإن جلس مع المنحرفين فهو منحرف.

    ولا شك أن هذه الرسائل وأن مثل هؤلاء يجب أن يوجه إليهم مثل هذه الرسائل، ولكني أقول لهؤلاء الإخوة الذين اقترحوا ووجهوا مثل هذه الأسئلة: أنت سمعت بارك الله فيك مثل هذه الرسائل القصيرة، وأنا ما ذكرتها من أجل أن تسمعها فقط، وإنما ذكرتها من أجل أن تسمعها وتستفيد منها عملاً في حياتك ثم أن تسمعها لإخوانك، ثم أقول: أيضاً ذكرت مثل هذا الدرس من أجل أن يتولى كل شخص منا معاتبة أخيه الذي يحبه ويجله ويعزه فإن هذا لا بد أن يكون، وكما ذكرنا إن لم تكن المعاتبة بين الإخوة وبين الأحباب فإنها ستجتمع الشحناء والبغضاء -والعياذ بالله- على القلب واحدة تلو الأخرى حتى نجد أن القلب -كما ذكرنا- أصبح أسوداً مرباداً لا يعرف إلا الحقد والعياذ بالله.

    فلذلك نداء أوجهه إلى جميع الإخوة، كباراً كانوا أو صغاراً، رجالاً كانوا أو نساء أن نتولى مثل هذا الأمر بيننا، ولا أفضل من المصارحة والمجالسة، وبث الهموم والعتاب المثمر الجاد، وليس عتاب المحبين والعاشقين -نسأل الله أن يحفظنا وإياكم- وإنما ذلك العتاب المثمر الجاد الذي يدفعنا إلى العمل، وإلى النشاط لأمتنا ولأنفسنا.

    الطريق للاستمرار في الطاعة

    السؤال: إنني مِن مَن اتصف بكثير من هذه الأخطاء، وخاصة الأخيرة: وهي الانقطاع وخاصة عن حفظ القرآن، ولكن لما استمعت إلى كلامك -جزاك الله خيراً- زادني حماساً، ولكن ما يلبث أن يزول هذا الحماس بعد أسبوع أو أسبوعين أو أكثر فأنقطع مرة أخرى، فما الحل وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بارك الله فيك ورعاك وحفظك، فإن الاعتراف بالحق فضيلة، ويا ليتنا يا أحبة! كل منا يخرج من هذا المكان الطاهر الطيب وهو يقول: فيّ من الخصال التي ذكرت كذا وكذا، إن لم يكن فيّ كلها، ثم يحاول علاجها والاستفادة منها، كلنا يحب أن يكون محبوباً عند الآخرين، وأن يكون حسن الأخلاق، كلنا يريد ذلك، وكيف الوصول والسبيل لهذا؟ إن الوصول لمثل هذا بمحاسبة النفس، ومعرفة الأخطاء، وقيل لـلقمان الحكيم: كيف تعلمت الحكمة؟ قال: تعلمت الحكمة من الجهلاء. سبحان الله! كيف؟ قال: كنت أنظر إلى عيوبهم وأخطائهم فأتجنبها.

    فنقول: أنظر لأخطائك وعيوبك فحاول أن تتجنبها، ثم انظر -أيضاً- لأخطاء الناس وعيوبهم، ثم حاول قبل أن تنتقدهم على هذه الأخطاء أن تتجنبها، وهكذا يكون العاقل ويكون اللبيب، وكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38].

    وأقول: إن هذه المشكلة وهي قضية الانقطاع يصلح أن تكون عنوان لمحاضرة أخرى مستقلة، ولا أخفيكم سراً فقد وضعت لها كثيراً من النقاط، ولعلكم تسمعونها قريباً إن شاء الله؛ لأنها بلوى كما ذكرت، عمت كثير من شبابنا ورجالاتنا وللأسف، أو تدرون ما السبب؟ الأسباب كثيرة، لكن من أهمها: أننا ندخل في مشاريعنا وأعمالنا بدون تخطيط ولا تنظيم، اجتهاد وحماس، والحماس سرعان ما يخبو، كاحتراق سعفة النخلة تشعلها لحظات ثم تنطفئ، ومن سار على هذا الأمر لم يسر على هدى، وسيحصل له عدم الاستمرار والانقطاع في أي عمل كان، ولذلك تعال وانظر لبعض الأعمال المنظمة، والمخطط لها تجد أنها تستمر سنة وسنتين وثلاث وأربع وعشر، وهكذا نريد أن يكون شبابنا ورجالاتنا على هذا المستوى من الفهم والإدراك لمثل هذا الأمر.

    فأنا أقول: لماذا يا أخي الحبيب! ببناء شخصيتك لا يكون لك خطة وتنظيم تسير عليها طوال حياتك؟! ثم لا بأس أن يكون هناك وقفات عند الفتور وعند الملل؛ لتمتع النفس بشيء ما، ثم كما يقال: إذا شحنت هذه النفس سارت مرة أخرى في طريقها.

    فأقول: نحن بحاجة إلى التخطيط والتنظيم، وانظر لأثر المداومة، ولنضرب مثلاً واقعاً ننظره دائماً، بل قد أقول في كل لحظة، ألا ترون صنبور الماء ينقط نقطة تلو أخرى هذه النقط يسيرة جداً فماذا أحدثت في الأرض؟ ألم تحدث أثراً؟ أليس لها أثر؟ بلى أثر، هذا الأثر لو أنك فتحت خزان الماء كله على الأرض ما أحدثه هذا الأثر أبداً؛ ولكن لأن النقطة متصلة ومستمرة ودائمة حدث هذا الأثر.

    الآن المبرد أول ما تضع المبرد هل تحصل النتيجة مباشرة من أول بردة؟ لا أبداً، إنما تحصل النتيجة من البردة الأولى والثانية والثالثة والرابعة حتى تصل مبتغاك، وهكذا في قضية الاستمرار والمداومة.

    ونحن حقيقة نشكو كثيراً من شبابنا الذواقون، فكل يوم في عمل، وكل يوم مع فلان أو علان، وكل يوم له تجارة معينة، وهكذا .. حتى ضاع عمره بدون ثمرة.

    ثم أذكر أبيات جميلة لـإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يقول فيها ويحث على قضية الهمة والحماس، وأن يكون الإنسان مثمر في أعماله ونتائجه فيقول رحمه الله:

    إذا ما مات ذو علم وتقـوى     فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

    وموت الحاكم العدل المولـى     بحكم الأرض منقصة ونقمه

    وموت فتىً كثير الجـود محـل     فإن بقاءه خصب ونعمه

    وموت الفارس الضرغام هـدم     تشهد له بالنصر عزمه

    وموت العابد القوام ليل     يناجي ربه في كل ظلمه

    فحسبك خمسة يبكى عليهـم     وباقي الناس تخفيف ورحمه

    وباقي الخلق همج رعاع     وفي إيجادهم لله حكمه

    هل ترضى أن تكون من تخفيف الرحمة أو من همج رعاع؟ لا والله. لا أرضاه لك أبداً، فضلاً أن ترضاه لنفسك.

    ولذلك أقول على شبابنا: ومن أراد ثبات الشخصية والتربية الجادة في حياته أن يخطط وينظم، وأن يسعى -أيضاً- أن يرمي نفسه بين أحضان الصالحين والجادين منهم، حتى يسير على هدى، هذا ما أقول باختصار حول قضية الانقطاع وعدم المداومة والاستمرار.

    أهم أسباب الصلاح والهداية

    السؤال: هؤلاء إخوة يقولون: نحن شباب أتينا من خارج المِذْنَب، وكلنا مذنبون، ولأول مرة يحضر بعضنا مثل هذه الدروس، أرجو من الله ثم منك أن تدعو لنا بالهداية والتوفيق، والعمل لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين؟ ثم يقول: أشكرك بعد شكر الله على هذه النقاط المضيئة والتي تجعل الطريق لنا ميسراً، ثم يقول: ذكرت الداء حبذا لو ذكرت لنا شيئاً يسيراً من الدواء، حفظك الله ورعاك، وسدد على طريق الحق خطاك، اللهم آمين، وجزاك الله خيراً؟

    الجواب: اللهم اهدهم وثبتهم ووفقهم وارزقهم الثبات في الدنيا والآخرة، واستعملهم في طاعتك يا أرحم الرحمين! واجعلهم خيراً لأمتهم، وأشركنا بالأجر والثواب معهم يا رحمن السماوات والأرض! وفقنا الله وإياكم وثبتنا وإياكم على طريق الحق والاستقامة.

    لعلي إن كنت فطناً أشرت لبعض الدواء من خلال هذه النقاط وهذه الصور التي عرضتها، والحمد لله أن المادة مسجلة، وأنا لا أخفيكم سراً أنني قد اهتممت بالموضوع ليس فقط من أجل المحاضرة؛ وإنما أيضاً من أجل تسجيلها والاهتمام بها؛ لأنني أشعر أن كثيراً منا بحاجة لمثل هذه النقاط، ولذلك كانت هذه الصور قصيرة، وأعلم يقيناً أن كثيراً منا قد تمر الكلمات سريعة في مخيلته فلا يدرك أن يقف ويفكر فيها جيداً، ولكن لعلك ترجع إلى هذه المادة المسجلة، وتسمعها مرة، وخذ كل صورة وموقفاً على حدة ثم أعدها مرة ومرتين، وستجد كثيراً من المعاني والخفايا في هذه الصور لعلها أن تكون دواءً إن شاء الله.

    ولكن أقول لهؤلاء الإخوة: ما دمتم في بداية هذا الطريق أقول لكم: أهم أسباب الصلاح والهداية أهمها هي: أن ترمي نفسك في أحضان الصالحين، احرص على الأخوة الصالحة؛ لأن (الإنسان على دينه خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل).

    وقل لي من تجالس أقول لك من أنت؟ فلذلك أوصي هؤلاء ونفسي وإخواني جميعاً بالحرص على الجليس الصالح الطيب الذي إذا أخطأت رعاك ونصحك، وإذا وفقت سددك وأعانك.

    طرق لسلامة الصدر

    السؤال: أنا شاب ملتزم وأخالط أناساً ملتزمين، ولكن يراودني دائماً وأحس وأشعر أنني لا أرتاح لبعض هؤلاء الملتزمين، وحاولت جاداً أن أُكيف نفسي لكي أرتاح لهم، ولكني لا أستطيع أن أرتاح لهم، لا أدري ما السبب هل هو لبعض أخلاقهم وطباعهم التي لا أستسيغها؟ أم هي لأسباب نفسية؟ أم هي لطبيعة فيّ أنا شخصياً؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أقول: أحسنت على سؤالك، ويبدو أن الصور أثرت تأثيراً طيباً في كثير من الإخوة، وهذا -إن شاء الله- ما نرجوه؛ لأنه عرض السؤال ثم لم يتهم أناس معينين في سؤاله، بل قال: ربما هم، وقال: ربما بطباعي، وربما لنفسي، وربما أكون أنا السبب شخصياً، إلى غيره، وهذا أمر طيب حقيقة أن الإنسان يعترف وينظر لنفسه أنه قد يكون مقصراً، وقد يكون هو السبب.

    وأنا أقول: لا أعلم حقيقة هؤلاء الملتزمين الذي أنت تتكلم عنهم، ولا أعلم حالك؛ ولكن ربما يكون منهم، وربما يكون منك أنت، وربما يكون أيضاً من الشيطان -والعياذ بالله- فهو لا يزال يصد الصالحين وأهل الخير عن خيرهم وصلاحهم؛ حتى يغويهم -والعياذ بالله- والشيطان لا يستريح حتى يفوز من المسلم بالكفر -والعياذ بالله- أسأل الله أن يثبتنا وإياكم.

    فأقول: استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم إن لم يتحول هذا الشعور إلى فعل وحقد في القلب، فاستغفر الله سبحانه وتعالى منه واستعذ بالله من الشيطان، واسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقك الصلاح والهداية وحب الصالحين.

    وأحيلك، وقد نسيت أن أذكر لكم هذا الأمر أن هذا الدرس وهذه المحاضرة هي حلقة ثانية من حلقات تسمى بـ(الإصلاح على طريق الصحوة) وقد كانت الأولى بعنوان: (سلامة الصدر مطلب) وألقيت بمدينة الزلفي قبل فترة، فأنصحك بالرجوع إليها، وأنصح حقيقة الجميع بالنظر واستماع مثل هذا الموضوع؛ لأننا كلنا يا أحبة! بحاجة لسلامة الصدر، فنحن بطبعنا بشر -وكما ذكرنا- يجتمع على قلوبنا أشياء كثيرة فقد نبغض ونحب، وقد نحقد -والعياذ بالله- وقد يصل الحقد إلى الفعل والهمّ في إيذاء الآخرين، نسأل الله العافية.

    فأقول ارجع لمثل هذا الدرس لعله -إن شاء الله- أن ينفعك كثيراً هذا الأمر، وأيضاً لهذا الدرس أو لهذه الحلقة حلقة ثالثة ستكون إن شاء الله في نهاية الشهر في مدينة الدوادني وسيكون عنوانها: (السر العجيب).

    ترتيب الأولويات في أفعال الخير

    السؤال: أيهما أفضل حضور المحاضرات والدروس أو قراءة القرآن في المنزل؟

    الجواب: كِلا الأمرين فاضل، فنحن نريد منك هذا وذاك والموازنة، وهنا تأتي قضية التخفيض والتنظيم، فلا نقول لك: احضر المحاضرات والدروس العلمية فقط؛ لأن هذا لا يكفي، ولا أقول لك: اجلس في مكتبتك واقرأ الكتب، وهذا لا يكفي، وإنما هذا وذاك، ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه -كما يقال- أما الشيخ وثني الركب عند العلماء وطلبة العلم والمشايخ، فهذا فضل كبير لماذا؟ لأنك قبل أن تستفيد علماً تستفيد خبرة وتجربة، مرت بهذا المتكلم الذي أمامك وجلس لك، ثم هو -أيضاً- يسر عليك السبيل في البحث والنظر في الكتب، وإخراج دقائق العلم ومسائله، وجمعها لك في لحظات فهذا مكسب، ولكن -أيضاً- لا بد من الرجوع إلى الكتب والإدمان على قراءتها وذلك بعد الاستشارة لأهل العلم ومن تثق فيهم.

    معاتبة الوالدين

    السؤال: هل يجوز معاتبة الوالدين، وكيف يتم ذلك؟

    الجواب: الحقيقة الأخ جزاه الله خيراً متفاعل، يبدو أنه حتى سيعاتب والديه.

    أما معاتبة الوالدين، فالوالدان -أسأل الله أن يحفظهما ويرعاهما- فإن لهما حقوقاً كثيرة، وهذا موضوع قصرنا فيه كثيراً، ولو علمنا ما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يفعلونه مع أمهاتهم وآبائهم لرأينا عجباً، وهم على ما هم عليه من تقى وصلاح وورع. وسبحان الله! ويبدو أن الدنيا وشهواتها وملذاتها تؤثر فينا كثيراً.

    فأقول: مهما كان من الوالدين من الخطأ، بل حتى أن الله سبحانه وتعالى أخبر ولو وصل الأمر بدرجة الكفر، فعليك أن ترعاهما وتحفظ حقهما، فكيف بأخطاء يسيرة، ولكن إن كان ما يقع من الوالد أو الوالدة -على سبيل المثال، يعني شيئاً يسيراً- فلك أن تعتب عتاب المحب وعتاب المذل -أي: الذي أصابه إذلال- لوالديه، واخفض جناح الذل لهما، فإن رأيت أنَّ الوالد والوالدة وقع منهما شيء فلا بأس من التنبيه والنصيحة وبيان الخطأ في أسلوب رقيق رفيق لين محبب للقلوب، فإن رأيت أنك أثقلت، فكف عن هذا؛ فإن حق الوالد أو حق الوالدين عظيم وكبير.

    البعد عن الحسد وإساءة الظن

    السؤال: أكثر ما يكون سبباً للكلام في الناس وإساءة الظن فيهم هو الحسد أريد توجيه كلمة في ذلك؟

    الجواب: لعلك ترجع -بارك الله فيك- إلى (سلامة الصدر مطلب) ففيه خير كثير في مثل هذا الأمر .

    طرق العمل لنصرة المسلمين

    السؤال: أحس بالهمّ والغم وقلبي والله يحترق على واقع المسلمين وتكالب أعداء الدين على المسلمين في شتى أنحاء العالم، فما هو الحل، وكيف العمل من أجل ديننا الحنيف افتونا بارك الله فيكم؟

    الجواب: أعوذ بالله من الهم والغم، هي ليست فتوى وإنما همّ -أيضاً- نشارك فيه، فأحسنت -بارك الله فيك- عندما أحسست بهذا الهمّ، ثم إن هذا الهمّ هو المطلب الأول لكل مسلم، أن يشعر بالهمّ تجاه إخوانه وما يحصل لهم؛، لكن أن تتقلب في بيتك برغد العيش وشهوات الدنيا، وتنسى إخواناً لك في كل مكان وما يحصل لهم؛ فهذا ليس من كرم الكرام، وليس من أخلاق الرجال، فضلاً على أن يكون من أخلاق المسلم أن يهتم بإخوانه المسلمين، والمسلمون مؤمنون في تواد (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

    مثلاً: في فصل الشتاء، كلٌ منا يا أحبة! في بعض الأحيان قد يشكو البرد، فأقول: سبحان الله! نحن نشكوا البرد وقسوته، ونحن لدينا الملابس الكثيرة، وفي بيوتنا وتحت المكيفات الحارة، والدفايات الساخنة، والطعام متوفر، وما أحوج الإنسان إلى الطعام في فصل الشتاء، والسيارات متيسرة، وكل أمور الرخاء بفضل الله سبحانه وتعالى ومنته -نسأل الله أن يعيننا على شكرها- متيسرة، ومع ذلك قد لا نرى أحداً يفكر في أحوال المسلمين سواء في الداخل أو الخارج، أقول: الداخل؛ لأنك لو تبصرت في حيك وفي جيرانك لوجدت الأرملة المسكينة التي تبحث عن من يعينها، ومن يقضي حوائجها، بل وربما وجد في بيتها صبية لا يملكون ما يلبسون في فصل الشتاء، وأقول: أدر بصرك -بارك الله فيك- يمنة ويسرة، ودقق النظر في أحوال حيك ستجد شيئاً كثيراً من هذا، ثم انظر مرة أخرى إلى هؤلاء المساكين من العمالة الذين جاءوا إلينا وسخرهم الله سبحانه وتعالى لنا انظر لحالهم ولباسهم في الشتاء، فأين أنت منهم؟ فضلاً عن إخوانك الذين يعانون الحرب والبرد والجوع والزلازل والفتن في كل مكان.

    فلذلك أقول: أول العمل هو الهمّ، ومشاركة هؤلاء، ثم أمر آخر وكلٌ قادر عليه، ومع الأسف لا يفعله إلا القليل.

    أقول: يا أخي الكريم! تعلم أن المال هو عصب الحياة، وأن السبب الرئيسي الذي يعين المسلمين في كل مكان هو المال، فلماذا لا تكن أنت حصالة للمسلمين في كل مكان؟ وقد أعجبني موقف صبي صغير أظنه في أول متوسط -والله حصل هذا الموقف- هذا الصبي جاء في يوم من الأيام بعلبة الحليب النيدو، جاء بها إليّ وكان قد شمعها من الأعلى ثم فتح فتحة من الوسط، وكتب عليها: تبرعوا لإخوانكم المسلمين، فقال: افتحها، قلت: ما فيها؟ قال: فيها مال، قلت: من أين؟ قال: كنت أجمعه من أقاربي وأهلي فإذا كان هناك مناسبات للرجال وضعته عند الرجال، وإذا كانت مناسبة عند النساء وضعته عند النساء، وهكذا حتى جمعت هذا.

    سبحان الله! يا ليتنا كلنا نشعر بشعور هذا الطفل الصغير، ونحس بإحساسه.

    ويذكر لي أحد الدعاة يقول: تكلمت في مسجد من مساجد الكويت عن أحداث الصومال ، يقول: فلما خرجت وجدت مجموعة من الصبية قد اجتمعوا عند باب المسجد ومعهم كرة، فقالوا لي: يا شيخ! نحن ما معنا فلوس ولكن خذ الكرة أعطها أولاد الصومال يلعبون بها.

    سبحان الله! هكذا نربي صغارنا يا أحبة! فضلاً عن كبارنا الذين نرجو أن يفعلوا شيئاً للمسلمين، فأقول: لماذا لا تهب نفسك وتجاهد بأن تكون حصالة للمسلمين؟ اجمع مرة يميناً ومرة يساراً، من فلان ومن علان، من قريب ومن بعيد، ثم ضعها في يد ثقة تعلم أن له بضعة في هذا الأمر، يوصلها بطريقته الخاصة، وفي مؤسسة موثوقة، أما أنت نقول: والله ما ندري ماذا نفعل؟ ونأكل ونشرب وننشغل في دنيانا فلا، ويعلم الله أن الله سائلنا عن حالنا وحال رخائنا وعن حال المسلمين وما يصيبهم، وكلٌ سيسأل وكلٌ إن قدم شيئاً سيجده عند الله جل وعلا فلا تحتقر نفسك.

    قضية التعدد في النكاح

    السؤال: أنا فتاة ملتزمة ولله الحمد، ولا أريد أن يكون ارتباطي إلا بمن يعينني على الطاعة والعبادة، ولكني أجد نفسي مخالفة بين التزامي بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الواقع، وكثيراً ما أعاتبها، فإنه يتقدم لي شباب ملتزمون، ولكنهم يقابلون بالرفض؛ لأنني الزوجة الثانية، وأشعر بالغيرة في قلبي، ولا أتصور أنني سأعيش مع نصف رجل رغم اقتناعي بالتعدد، ويقيني أن التعدد بما جاء به الرسول، وأن من نواقض الإسلام بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنني عجزت أن أنتزع الغيرة من نفسي، ولكم أتمنى ذلك مع نصحكم لي، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أولاً: نحن نريد ألا ننتقل إلى موضوع آخر، والحقيقة أن الوقت لا يسع قضية التعدد، ثم أخشى أن يغضب علينا أيضاً إن تكلمنا عن هذا الأمر، وشرع الله لا يغضب؛ ولكننا نراعي النفوس، وجزى الله خيراً الأخت أنها ذكرت أنها لا تعارض هذا الأمر بقدر ما تجد في نفسها غيرة، أو تصور ما في نفسها غيرة عندما تشارك امرأة أخرى في رجل.

    وأنصح الأخوات والنساء عموماً بمثل هذا الأدب الجم مع كتاب الله ومع شرع الله، أن نؤمن أن هذا من عند الله سبحانه وتعالى، وأن هذا لحكم ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وذكرها كثير من أهل العلم في مؤلفاتهم، ولم ينفع التعدد تعذيب للمرأة كما تتصور المرأة أو إيذاء لها، لا والله. ومع الأسف أن كثيراً من الأخوات إذا أعطيت كتاب عن التعدد تقرأه رفضت، وإذا جاء الزوج في رسالة أو كتيباً عن التعدد تجد أنها قد تنهره وتوبخه، لماذا؟ هذا إعراض عن الحق، نحن لا نقول عددي، ولا نقول تزوجي من معدد، ولكن نقول اقرئي، وتثقفي، واعلمي حقيقة الأمر حتى تعلمين.

    ثم نقول لهذه الأخت: أولاً: أعانك الله أنت وأمثالك وإخواننا جميعاً على الالتزام بطاعته، ووفقنا على طريق الهدى وسددنا إلى الرشاد، ثم نقول: إن الغيرة طبع في النفس خاصة في نفس النساء، ولك أن تقرئي في السيرة معلمة الرجال والأجيال عائشة رضي الله تعالى عنها، والأحاديث في صحيح البخاري ومسلم كثيرة حول غيرتها، ولكن لم تمنعها غيرتها رضي الله تعالى عنها من إحقاق الحق، فنقول: ثقي بالله جل وعلا، وطمئني نفسك (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) وإن تقدم لك صالح ملتزم فعضي عليه بالنواجذ، أما ما يثيره أعداء الإسلام حول أنك تتخذين نصف رجل -كما يقال- أو غيرها من الإثارات والشبهات حول هذه القضية، فإنما هي مداخل دخلها علينا أعداء الإسلام عبر الإعلام ووسائله.

    وكما ذكرت الموضوع يحتاج إلى تفصيل وذكر في أشياء كثيرة، ثم لا ننس أن الرجل قد يكون عليه ذنب بعض الأحيان أو شيء من الخطأ في الصور التي تنقل عن التعدد وآثاره؛ لأنه قد يكون الرجل متجبر، وقد يسيء التعامل، وقد لا يعدل مما يجعل من مثل هذه الأمور تنتشر بين النساء، وإن كنت أثق أن ثلاثة أرباع ما ينتشر بين النساء هو من البهتان والباطل، ولكن أيضاً الإنصاف يدعوني إلى أن أقول: أيضاً قد يكون الرجل مشارك في هذا الأمر بأنه قد لا يعدل بين الزوجتين، وقد يفضل إحداهما على الأخرى، ونعلم من هذا الكثير، ولكن -ولله الحمد والمنة- هناك أيضاً أناس صالحون متقون يخافون الله جل وعلا، ونعلم من قصصهم الكثير، وهم في عيشاتهم مع زوجاتهم مطمئنون مرتاحون بفضل الله، وليس معنى انتشار قصة أو حادثة أو حادثتين أن الجميع بهذه الصورة، لا. بل إن كثيراً من النساء شبه الأخوات، وقد سارت حياتهن بسعادة عظيمة أفضل من الزوجة الواحدة، ثم إن رأيت في نفسك أنك لا تقدرين على الأخذ من زوج معدد فلا أحد يلومك لا تأخذيه، ولكن نقول أيضاً: لا تحرقي أوراقك وتحرقي نفسك من انتظار الأزواج، وتذهب الأيام والليالي والسنون وأنت على وضعك، ثم أنت الخسرانة في البداية والنهاية.

    طلب دعاء بالصلاح والهداية

    السؤال: أحد الشباب الحضور لأول مرة يحضر لمثل هذه الدروس بعد سنوات عجاف قضاها في عالم الظلمة، أرجو أن تدعو له بالهداية وجزاك الله خيراً؟

    الشيخ: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهديه، وأن يفتح على قلبه، وأن يرزقنا وإياه الثبات، وأن يوفقنا إلى طريق الخير والصلاح.

    ونقول له: أبشر يا أخي الكريم! ويا أخي الحبيب! ما دمت عرفت هذا الطريق، فإن الله سبحانه وتعالى أراد بك خيراً كثيراً، وتصور لو أنك مت على حالك السابقة، وعلى جهالتك وضلامتك كيف سيكون حالك في قبرك ويوم القيامة والدار والآخرة؟ وهذه هي محطتنا وهي مآلنا، ولكن السعيد من وفقه الله، وقذف في قلبه نور الهداية، وأعانه إلى هذا الطريق.

    فنقول: شد أزرك واتكل على الله سبحانه وتعالى، وابحث عمن يعينك في هذا الطريق، ولا يهمك قول القائلين، وإشاعة المبطلين والمثبطين، وإنما سر على بركة الله، واستعن بإخوانك الصالحين ليدلوك على كثير من وسائل الهداية ووسائل الثبات، وفقنا الله وإياك وثبتنا على طاعته.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756236798