إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (98)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان الناس ما بين آدم ونوح عليهما السلام فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام، لم يعبد بينهم إلا الله وحده، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله فكان الشرك والضلال، فبعث الله نوحاً لهدايتهم فاختلفوا إلى مؤمن وكافر، وموحد ومشرك، ثم توالت الرسل تحمل كتب الله، المتضمنة الحكم في كل ما يختلفون فيه، فكانت سنة الله في المختلفين أن هدى عباده المؤمنين إلى الحق، وحققت الضلالة على من حملهم الحسد وحب الرئاسة فردوا الكتاب.

    1.   

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع قول ربنا تبارك وتعالى من سورة البقرة:

    كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].

    لا مانع من أن نذكر أنفسنا بالآيتين السابقتين في ليلة مضت، ثم نذكر هداية الآيتين تعليماً وتذكيراً، أما الآيتان فهما قوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:211-212].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيتين:

    من هداية الآيتين:

    أولاً: التحذير من كفر النعم ]، حذرنا الله بهذه الآية من أن نكفر نعمه، أي: نجحدها، ولا نعترف بها لله، ولا نشكره عليها، حذرنا ربنا تعالى من كفر النعم، وما يترتب عليه من سلبها والانتقام من الكافرين بها.

    [ التحذير من كفر النعم؛ لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب، ومن أجلِّ النعم ] وأفضلها وأعظمها [ نعمة الإسلام ]، نعمة الدين الإسلامي، [ فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لأشد العقوبات وأقساها، وما حل ببني إسرائيل من ألوان الهون والدون دهراً طويلاً شاهد قوي ] على أن من أعرض عن دين الله استوجب غضب الله ولعنه الله وأذله وأخزاه، [ وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن الإسلام واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضاً ]، عسى المستمعون يعون هذه المسائل العلمية.

    [ ثانياً: التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها ونسيان الدار الآخرة وترك العمل لها، فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الآخرة، ولكن أبناء الآخرة أهل الإيمان والتقوى يكونون يوم القيامة فوقهم درجات، إذ هم في أعالي الجنان والآخرون في أسافل النيران ].

    تلك هداية الآيتين الكريمتين، فهيا بنا مع هذه الآية، وهي واحدة ولكنها طويلة.

    1.   

    دلالة الآية القرآنية على وحدانية الله تعالى ونبوة رسوله

    معشر المستمعين! هل بينكم من لم يفهم أو يعرف معنى الآية؟ ما معنى آية؟

    الآية في لغتنا: العلامة، القرآن فيه ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية علامة على وجود الله وربوبيته وإلهيته وصحة شرعه ودينه، وعلى صحة نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

    ووجه ذلك: أن من أنزل هذه الآية هل يكون معدوماً؟ هذه الآية التي تحمل الهداية الكاملة للبشرية هل صاحبها يكون جاهلاً؟ مستحيل، والذي نزلت عليه وقرأها وكتبها أصحابه ألا يكون رسول الله؟ مستحيل! كيف لا يكون رسور الله وقد أوحى إليه بالآيات وأنزلها عليه؟

    فلهذا كل آية في القرآن تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولن يستطيع ذو منطق أو عقل أو فلسفة أن ينقض هذه، والله! لا يقدر، فالآية من أنزلها؟ هل هناك من ادعى نزولها وقال: أبي أو جدي، أو قال: بنو فلان؟ سكتت البشرية وطأطأت رأسها وسلمت أن هذا وحي الله وإنزاله وكتابه، إذاً: فهل يكون منزل الوحي والكتاب غير موجود، أو يكون جاهلاً، أو يكون ضعيفاً؟ مستحيل، ومن نزلت عليه هو رسول الله قطعاً، إذاً: فكل آية تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...)

    زمن أول تحول في البشرية من التوحيد إلى الشرك

    يقول تعالى -واسمع العلوم التي ما وصلت إليها فهوم البشر ولا أدركتها عقولهم-: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]، من هم الناس؟

    بنو آدم أبيضهم وأصفرهم على حد سواء، كان الناس في وقت ما في ظرف بعيد، هذا الوقت هو ما بين آدم أبي البشر نبي الله عليه السلام ونبي الله نوح عليه السلام، ولكن في هذا تجوُّز؛ إذ ذلك الوقت من آدم إلى قبل نوح بزمن، كان الناس كلهم على ملة الإسلام، ليس فيهم كافر ولا مشرك ولا يهودي ولا نصراني، كلهم على الإسلام أمة واحدة، لا مذهبية ولا فرقة حوالي ألف سنة، ثم مكر بهم الشيطان ودس لهم دسائس الخبث واستطاع أن يحولهم من موحدين إلى مشركين، فلما أشركوا استلزم ذلك وجود وحي وكتاب وتعليم، ثم انقسموا ما بين مؤمن وكافر، أما الفترة من آدم إلى ما قبل نوح بزمن فكانت البشرية كلها أمة واحدة، لا فرقة بينها ولا خلاف.

    وعلم الله تعالى بداية الفتنة، وهي أن إبليس عدو آدم وبنيه ما أعجبه أن تستمر البشرية دائماً في انتظام وإسلام وطهر لتدخل الجنة كلها، فزين لمن قبل نوح، أي: قبل البعثة، زين لهم أن يضعوا تماثيل لخمسة رجال من الصالحين، هؤلاء الرجال الصالحون زين لهم وضع تماثيل لهم، حتى إذا نظروا إليهم أحبوهم ورغبوا في صلاحهم وما كانوا عليه، ويأخذون في زيارتهم فترة من الزمن، وبعد فترة من الزمن مات من عرفوا هذه القضية، فزين لهم عبادة تلك الأوثان أو تلك التماثيل الخمسة، فعبدوهم بحجة الاستشفاع والتقرب بهم إلى الله، فلما عبدوهم وأشركوا بربهم أرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحاً عليه السلام، هؤلاء الصالحون الخمسة جاءوا في سورة نوح بلفظ بين واضح؛ إذ قال تعالى عنهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] التي تعبدونها، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، قالوا: هذا من باب التوصية والتحذير: إياكم أن تغتروا بهذا الرجل وما يقوله لكم فتتخلوا عن آلهتكم وعن الصالحين من أولياء الله، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] أي: لا تتركن آلهتكم، وبخاصة: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:23-24].

    معنى قوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)

    إذاً: الآن كان الناس أمة واحدة، في أية فترة؟ ما بين آدم ونوح بإجمال، فلما ظهر فيهم الشرك والكفر واختلفوا قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] نبياً بعد نبي ورسولاً بعد رسول في أوقات مختلفة بحسب حالة الناس وحاجاتهم، مهمتهم: مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] المؤمنين المستقيمين برضا الله وجنته، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] الكافرين بغضب الله وعذابه، إذ ليس لهم مهمة إلا هذه، يعلمون الهدى فمن أجاب نجا ومن أعرض خسر وهلك.

    كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] أي: على ملة التوحيد، فلما اختلفوا ودس العدو بينهم الشرك والضلال، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] للمستقيمين، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] للمنحرفين.

    وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213] والكتاب هنا اسم جنس، فـ(أل) للجنس، أي: الكتب، فصحف إبراهيم كانت عشر صحف، وصحف موسى، وصحف شيث كانت ستين صحيفة.

    إذاً: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة:213]، تحمل تلك الكتب من أجل ماذا؟ قال: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213].

    من الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من عقائد وشرائع وآداب؟ الله عز وجل منزل الكتاب ومنبئ النبي ومرسل الرسول هو الذي فعل هذا.

    معنى قوله تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم)

    ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213].

    هنا في الكلام إجمال، وأنزل الكتاب أيضاً على مصطفاه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنزله بالحق أيضاً؛ إذ قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ.. [النساء:105] الآية.

    إذاً: أنزل مع الرسل -كموسى عليه السلام- الكتب، لم؟ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فيبين صاحب الحق من صاحب الباطل، والمؤمن من الكافر، والسعيد من الشقي.

    ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] أي: في الكتاب، وهو صالح لأن يكون الإنجيل والقرآن، إذ اليهود اختلفوا في الإنجيل وأنكروه وكذبوا به، وقالوا في عيسى: ساحر وابن زناً، إذاً: فاختلفوا، فمن الذين اختلفوا؟ أهل الكتاب من اليهود، اختلفوا في شأن عيسى والإنجيل، واختلفوا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم.

    وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ [البقرة:213] أي: الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] والأدلة والمعجزات القاطعة كالشمس تقرر نبوة عيسى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم وقف هؤلاء اليهود هذا الموقف؟

    قال تعالى: بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] لأنهم رؤساء ومسئولون ومسيطرون وقادة والبشرية دونهم، فإذا تنازلوا عن مراكزهم الدنيوية التي تحمل شعار الدين والمعرفة والعلم أصبحوا كسائر الناس، فعرفوا هذا فأصروا على البغي والعدوان؛ حتى لا ينزلوا من مراكزهم، ومن مظاهر ذلك أنهم صرحوا غير ما مرة في المدينة بصحة الإسلام وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن قالوا: إذا اتبعناه انتهى وجودنا، ما بقي لنا وجود أبداً في العالم، ذبنا في الإسلام، ويشهد لهذا: أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا من الأوس والخزرج، ويقولون لهم: إن نبياً قد أظل زمانه وسنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم، فحين يقع شجار أو نزاع بين الأوس والخزرج واليهود يقولون لهم هذا، قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:89-90].

    إذاً: يقول تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] في الكتاب الذي أنزلناه على عيسى وعلى محمد صلى الله عليه وسلم إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] من هؤلاء؟ اليهود، وذلك بَغْيًا [البقرة:213] أي: من أجل البغي بينهم.

    معنى قوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

    فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213] فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه أهل الكتاب اليهود مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، وهنا هذه الآية تحمل أيضاً معنى آخر واضحاً بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو: أن يوم الجمعة، هذا اليوم الذي خلق الله فيه آدم، وأهبطه إلى الأرض فيه، وهو الذي تقوم فيه الساعة، أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، هذا اليوم عرض على اليهود فرفضوه وردوه على أنبيائهم واختاروا السبت فكان لهم السبت، فكانوا يعبدون الله فيه بعبادات مشروعة مبينة من قبل الشارع، وجاء النصارى من بعد فرفضوا الجمعة ورفضوا السبت ورضوا بالأحد، فعالم النصارى عالم الصليب يقدس الأحد، والكل يعبدون الله بتلك العبادة الباطلة في كنائسهم يوم الأحد، فهذا اليوم الفاضل العظيم اختلفوا فيه فهدى الله أمة الإسلام إليه، قال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، من الذي هدانا؟ الله عز وجل.

    وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] والصراط المستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه، هو الذي ينتهي بالسالكين إلى دار السلام، إنه الإسلام، والله يهدي من يشاء هدايته إلى أين؟ هل إلى المسيحية أو اليهودية أو المجوسية؟ إلى الإسلام، وسماه الصراط المستقيم، وعلمنا كيف ندعو الله ونقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أي: ثبتنا على سلوكنا ومشيتنا وسيرنا على الإسلام حتى ننتهي إلى دار السلام.

    1.   

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    مرة ثانية تأملوا هذه الآية الكريمة قبل أن نأخذ في شرحها من الكتاب.

    يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] على الإسلام وعلى التوحيد، في بداية أمر الحياة قرابة الألف سنة، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] لم؟ لما اختلفوا وتناحروا وظهر الكفر بعث الله تعالى النبيين، كان الناس أمة فاختلفوا فبعث الله النبيين، أو فضلوا فبعثهم لهدايتهم، إذ ذلك من رحمة الله تعالى بعباده، وهو أرحم بهم من أنفسهم لا يريد لهم البلاء ولا الشقاء ولا الأذى، يريدهم أن يذكروه ويشكروه، وهذه علة خلقه لهم، فلو سئلت: لم خلق الله الجنة والنار؟ لم خلق الله السماوات والأرضين؟ لم خلق الله هذه العوالم؟

    فالجواب: خلقها للإنسان، والإنسان لم خلقه؟ ليذكره ويشكره، أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر فأوجد هذه العوالم لابن آدم، وأوجد الجنة لأوليائه والنار لأعدائه لعلمه أنهم سيعادونه ويحاربونه، وشرع لهم الذكر والشكر، فقال: خلقتكم لهذه المهمة، وفي القرآن: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والجن تابعون للإنس لا يستقلون، وفي حديث قدسي: (يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي)، وماذا يفعل الله بنا؟

    يريد منا أن نذكره ونشكره، نذكره في قلوبنا وألسنتنا طول الحياة، ونشكره بطاعتنا له، بفعل الأوامر وترك النواهي، وفعل الأوامر من شأنه تزكية نفوسنا وتطهيرها، وترك النواهي من شأنه أن يبقي لنا طهرنا وصفاءنا، فعل الأوامر به تنتظم حياتنا في المأكل والمشرب والملبس والمركب، وترك النواهي من شأنه أن يبقى صلاحنا في حياتنا في طعامنا في لباسنا، ما خلق الله شيئاً عبثاً، تعالى الله علواً كبيراً عن اللهو والعبث: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39].

    نهاية قوم نوح عليه السلام

    يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] إذاً فاختلفوا، ظهر الشرك وبدأ بقوم نوح، نوح عاش فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو إلى الله ويلون الدعوة فمرة يسر ومرة يعلن، مرة يدعوهم مجتمعين ومرة يدعوهم متفرقين، ألف سنة كانت الحصيلة فيها ثلاثة وثمانين امرأة ورجلاً على قدر حمل تلك السفينة، ثلاثة وثمانون رجلاً وامرأة في ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعابوه وقالوا فيه وفعلوا العجب، لولا حماية الله لقتلوه، وأما القول فلا تسأل عن أقوالهم، كان إذا تكلم معهم ماذا يفعلون؟ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [نوح:7]، ما نريد أن نسمع ولا نرى وجهك، يدخلون أصابعهم حتى ما يسمعون، يغطون وجوههم بثيابهم هكذا حتى لا يشاهدوه، ما نريد أن نرى وجهك اذهب عنا، اتركنا، لتسعمائة وخمسين عاماً.

    ولما دقت الساعة وأراد الله أن ينتقم، والله يملي ويزيد ويفسح المجال للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

    إذاً: فما كان منه تعالى إلا أن أمره بأن يصنع فلكاً، وجبريل يساعده أو ميكائيل، وكانوا يمرون عليه ويسخرون به: يا نوح! تأتي بالبحر هنا أو تنقل هذه إلى البحر! كلما مر سخروا منه واستهزءوا: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38].

    والشاهد عندنا: أنه لما دقت الساعة قال تعالى: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود:40] وقضاء الله وقدره فيه كابنه كنعان ؛ فإنه هالك، ورست السفينة على جبل الجودي، وقد عثر عليها في قرون متأخرة.

    والشاهد عندنا: أنه تعالى أملى لهم ألف سنة تقريباً والدعوة بينهم وهم يسخرون ويضحكون ويستهزئون، والرسل الآخرون ما أعطاهم هذه الفترة.

    عاقبة قوم عاد

    قوم عاد كانوا جبابرة في الأرض، واقرءوا: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]، كان طولهم قريباً من ستين ذراع كأبينا آدم عليه السلام؛ لأن آدم لما خلقه الله كان طوله ستين ذراعاً ولا يزال الخلق ينقص إلى اليوم، فنحن بالنسبة إلى آدم أقزام، وفينا من هو مثلي قزم تماماً.

    فعاد كانوا في القرون الأولى، إذاً: كانوا عجباً، ولكن ما فعل الله بهم؟ عاصفة في سبع ليال وثمانية أيام فقط، والمساحة التي خرجت منها قالوا: كعين الإبرة فقط، فما تركت داراً ولا بناء، تركتهم كالنخيل الخاوية: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]، حتى إن عجوزاً دخلت في غار في الجبل وظنت أنها نجت، فدخلت الريح كاللولب وأخرجتها وصرعتها على الجبل، وما زال المؤرخون يقولون عن بعض الأيام: هذه قرة العجوز، هذه الأيام معروفة عند العرب، القرة من البرد، وقرة العجوز آخر يوم من السبعة الأيام.

    عاقبة قوم ثمود

    ثم كانت ثمود، وديارهم شمال المدينة على بعد ستمائة كيلو، لما نجا المؤمنون مع هود عليه السلام نزحوا إلى الشمال واستقروا في تلك الأماكن وطالت الحياة وأصبحت أمة كأمة عاد، وحسبك أن تشاهد آثارهم في تحويل الجبال إلى منازل وقصور، أين الآلات التي كانت عندهم؟ فلما أعرضوا عن ذكر الله وتعالوا وتكبروا وسخروا من صالح أيضاً وقالوا: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:77]، وقالوا: إن كنت تزعم أنك رسول فاسأل ربك أن يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، في تحد واضح، فقام يصلي ويدعو فتصدع الجبل وخرجت منه ناقة عشراء لم تر الدنيا مثلها، هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف:73]، وجعل الماء قسمة بينهم لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] حتى لا تختلطوا معها، فيوم الخميس للناقة ويوم الجمعة لكم وهكذا، فما كان منهم إلا أن تمالئوا وتآمروا وعقروها، فلما عقروها دقت الساعة، واقرءوا من سورة الشمس: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [الشمس:11]، المال والقوة، فلهذا الفقر دائماً خير من الغنى، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:11-12]، هذا قدار بن سالف ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13] انتبهوا! ناقة الله احذروها واتركوها واتركوا سقياها معها، فلما أبوا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس:14]، حولهم إلى خبر كان بصيحة واحدة أيضاً، ولكن على ثلاثة أيام: فيوم الأربعاء اصفرت وجوههم، ويوم الخميس احمرت وجوههم وهم جاثمون ما بقي من يأكل ولا يشرب ولا يتحرك، جاثمون على الأرض، ويوم الجمعة اسودت وجوههم اسوداداً كاملاً، وفي صباح السبت بعد الفجر مباشرة كانت الصيحة فصعقوا عن آخرهم، بقوا جثثاً على الأرض تأكلها الطيور والحيوانات، أمة كاملة؛ لأن آية صالح الناقة هذه عجب عجاب.

    والشاهد عندنا: أنه بعث الله النبيين لهداية البشر بعدما ضلوا واختلفوا، ومهمتهم أنهم مبشرون من يستجيب لهم ويمشي وراءهم ويتبع خطاهم فيطيعهم ويطيع ربهم، يبشرونه بالسعادة المطلقة في الدنيا والآخرة، ومنذرون لمن يعرضون ويتكبرون أو يعاندون ويحاربون، وأنزل معهم الكتاب أيضاً بالحق يحمله من أجل ماذا؟ ليحكم بين الناس فيعطي كل ذي حق حقه، قال تعالى: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213].

    اليهود اختلفوا مع النصارى في عيسى عليه السلام، واختلفوا مع المؤمنين في محمد صلى الله عليه وسلم، لم؟ لأن البغي أصبح طبعاً لهم، ما يستريحون إذا لم يظلموا ولم يحسدوا.

    فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] وهم المسلمون، هداهم للذي اختلف فيه اليهود والنصارى، من جملة ذلك الجمعة، الجمعة اختلفوا فيها، عرضت على اليهود على ألسنة رسلهم فرفضوها، عرضت على النصارى فرفضوها، إذاً: ونحن الآخرون السابقون.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآية

    والآن معنى الآية الكريمة في الشرح.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآية الكريمة:

    يخبر تعالى أن الناس كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلام في فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام لم يعبد بينهم إلا الله تعالى، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله تعالى فكان الشرك والضلال ].

    والشيطان هذه مهمته، أما زين لقوم لوط -كما علمتم- أفحش فاحشة ما عرفتها الدنيا قط؟ ومع هذا علمهم إياها فكانوا يأتونها في أنديتهم أمام بعضهم والعياذ بالله.

    قال: [ فبعث الله تعالى لهدايتهم نوحاً عليه السلام فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، وتوالت الرسل تحمل كتب الله تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه.

    ثم أخبر تعالى عن سننه في الناس ] وطريقته فيهم، [ وهي أن الذين يختلفون في الكتاب -أي: فيما يحويه من الشرائع والأحكام- هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات، فهؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة والإبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب ].

    فاليهود لم رفضوا القرآن ونبيه؟ جاء بالهدى، ولكن معناه: أن يسلبهم مناصبهم ومراكزهم، وينتهي ما كان يعبدون الله به، وهذا لا يريدونه، وقد أفصحوا وتجلت هذه الحقيقة، فهم يعملون على إعادة مجد بني إسرائيل وحكمهم ودولتهم، فالدين مجرد تمسح فقط، وإلا فالاتجاه الحقيقي أن يعود لهم ملكهم ودولتهم، هذا السبب الوحيد الذي رفضوا به قبول الإسلام وإن لم يصرحوا به، قالوا: نحن في غنى عن الإسلام، عندنا دين الله وكتاب الله لسنا في حاجة إلى هذا، لكن الواقع أنهم يريدون أن يعيدوا مملكة بني إسرائيل، وظهر هذا الآن واتضح بعد ألف وأربعمائة سنة حيث ظهرت دولة إسرائيل في أعظم مركز من مراكز العالم الإسلامي في القدس؛ فلهذا لا يسلمون ولا يقبلون الإسلام.

    قال: [ واليهود هم المثل لهذه السنة، فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين ] الكثيرين [ من أنبيائهم ورسلهم، واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام، وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد، والعياذ بالله ] تعالى، [ وهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى، فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] ]، أي: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المسلمون، هداهم للإيمان بكل الكتب وسائر الرسل ونجاهم مما اختلف فيه من قبلهم والحمد لله.

    قال: [ فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق، هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه، فله الحمد وله المنة.

    ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا الله تعالى إليه:

    أولاً: الإيمان بعيسى ]، فعيسى اختلف فيه اليهود والنصارى، اليهود قالوا: ساحر ودجال وابن زناً، وكفروا به، وعزموا على قتله وقتلوا من شبه لهم به، وجعلوه كما تعرفون، والنصارى قالوا: هو الله وابن الله وثالث ثلاثة مع الله، وتاهوا في متاهات لا حد لها، هذا اختلاف واضح، وهدى الله هذه الأمة فقالوا: عيسى عبد الله ورسوله، والله! إنه لعبد الله ورسوله، ما هو بالله ولا ابن الله ولا بساحر ولا بدجال ولا بكذاب.

    إذاً: [ الإيمان بعيسى عبد الله ورسوله حيث كفر به اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله، وألَّهه النصارى وجعلوه إلهاً مع الله، وقالوا فيه: إنه ابن الله، تعالى الله عن الصاحبة والولد.

    ثانياً: يوم الجمعة وهو أفضل الأيام، أخذ اليهود السبت والنصارى الأحد، وهدى الله تعالى إليه أمة الإسلام ]، وقد جئنا بعدهم، فالمفروض أنهم الذين يأخذونه.

    [ ثالثاً: القبلة قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ]، ما هي قبلة إبراهيم؟ الكعبة، أليس هو الذي بناها، إذاً: [ استقبل اليهود بيت المقدس، واستقبل النصارى مطلع الشمس ] إلى الآن، [ وهدى الله أمة الإسلام إلى استقبال البيت العتيق قبلة إبراهيم عليه السلام، والله يهدي من شاء إلى صراط مستقيم ].

    لو شاء الله هدايتهم لهداهم، أي: اليهود والنصارى، لكن لما تمردوا وكفروا واحتالوا ومكروا لم يشأ هدايتهم، ورأى هذه الأمة مقبلة على الله تريد رضاه فهداها إلى القبلة الحق، إذ صلى النبي صلى الله عليه وسلم هنا حوالي سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، وكان يتطلع إلى قبلة الكعبة، حتى أنزل الله قرآناً واضحاً في هذا: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، حتى إن بني سلمة في مسجدهم صلوا العصر ركعتين إلى بيت المقدس وجاء من قال لهم: إن القبلة تحولت فصلوا الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة.

    إذاً: عرفنا الأمور التي اختلف فيها أهل الكتاب وفزنا بها نحن:

    الأمر الأول: عيسى عليه السلام، قال اليهود فيه: ساحر وابن زناً، وحاولوا قتله وقتلوا من شبه به، فحكمه حكم من قتل؛ لأن الذي تمثل به قتلوه وصلبوه.

    الثاني: الجمعة، اختلفوا في أفضل الأيام وأقدسها وأطيبها، فأخذ اليهود السبت والنصارى والأحد، والمسلمون هداهم الله تعالى إلى الجمعة، أتدرون ما يوم الجمعة؟ فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي ويسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وهات أكتب لك بذلك صكاً، ساعة لا يوافيها مؤمن يصلي ويدعو الله وسأل الله شيئاً إلا أعطاه، هذه فقدها الفريقان اليهود والنصارى.

    الثالث: القبلة، اختلفوا فيها، فالنصارى قبلتهم مطلع الشمس واليهود بيت المقدس، وهدى الله المسلمين إلى قبلة أبيهم إبراهيم، فالحمد لله.

    هداية الآية

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: الأصل هو التوحيد والشرك طارئ على البشرية ]، عبد الله آدم وأولاده وأحفادهم ألف سنة ليس هناك شرك، فالأصل هو التوحيد، والشرك طرأ بوسوسة الشيطان وتزيينه.

    [ ثانياً: الأصل في مهمة الرسل ] أمران: [ البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر ]، مهمة الرسل ما هي؟ تتجلى في أمرين: البشارة والنذارة، البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر، [ وقد يشرع لهم قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    ثالثاً: من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار: أن تختلف في كتابها ودينها، فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلباً للرئاسة وجرياً وراء الأهواء والعصبيات، وهذا الذي تعاني منه أمة الإسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل ].

    وهذا واقع أم لا؟ مذاهب متعددة هابطة في الأمة.

    [ رابعاً: أمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ].

    فأمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة، الكتاب القرآن والسنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته، وذلك عقيدة وعبادة وحكم، هذه هي الأمة المعنية بقوله تعالى في هذه الآية: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].

    [ خامساً: الهداية بيد الله، فليطلب العبد دائماً الهداية من الله تعالى بسؤاله المتكرر ] ليل ونهاراً [ أن يهديه دائماً إلى الحق ]، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:213] فمن هو الذي يشاء الله هدايته؟ الطالبون الراغبون الملحون الذين يقرعون باب الله يسألونه الهداية، هم الذي يهديهم، والمعرض والمتكبر لا يهتدي.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755992339