إسلام ويب

أهمية حسن التعامل مع التلميذللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للمعلم دور كبير في تربية الأجيال وتنشئتها على الدين ومعالي الأمور، وقد رغَّب الإسلام في تعليم الناس الخير، ورتب على ذلك الأجر الكبير. وفي هذه المحاضرة تحدث الشيخ عن دور المعلم والمدرسة في تربية الأجيال، مذيلاً ذلك بذكر بعض الأساليب التربوية الناجحة في معالجة المشاكل التي تواجه المعلم في مدرسته أمام تلاميذه.

    1.   

    فضل معلم الناس الخير

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    الحمد لله القائل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] .

    الحمد لله المخبر عن ملائكته المقربين إليه: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] .

    الحمد لله الذي أوصى نبيه إمام المرسلين وخاتم النبيين أن يدعو ربه قائلاً: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].

    اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.

    اللهم يا معلِّم آدم وإبراهيم علِّمنا، ويا مفهِّم سليمان فهِّمنا، ويا مؤتي لقمان الحكمة آتنا الحكمة وفصل الخطاب.

    اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، يجري الخير على أيدينا إلى يوم القيامة.

    اللهم اجعلنا لأبنائنا وأبناء المسلمين كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير، وكالسحاب يظل البعيد والقريب، وكالمطر يسقي مَن يحب ومَن لا يحب.

    اللهم أصلح أبناءنا، واجعلنا لهم رحمة وقدوة ونوراً وهدى، واجعل حظنا الأوفر في عملنا هذا يوم أن نلقاك: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] .

    أحبتي في مجالس العلم والتعليم إدارةً وتربيةً: أحييكم وأرحب بكم، أحييكم بتحية الإسلام المباركة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وإني أحبكم في الله، هذا كنـزي وكنـزكم، يوم ينادي ربنا: (أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).

    أيها الإخوة! أبتدئ حديثي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يعطيك قيمتك كمربٍ ومعلم، والتي لا يعرفها ولا يقدرها إلا هو صلى الله عليه وسلم، فلا الرتبة التي أنت فيها تقديرك، ولا الراتب الذي تأخذه يكافئك، ولكن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو القائل: (إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير، حتى النملة في جحرها، والحوت في البحر) .

    فهذا الحديث جعل جميع الأكوان تستغفر وتدعو لمعلم الناس الخير: (إن الله وملائكته ليصلون ...).

    فصلاة الله على معلم الخير هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، إذ يباهي به ملائكته، وكيف لا يباهي به ملائكته، ويثني عليه في الملأ الأعلى وهو ينقل الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الحيرة إلى الدلالة، ومن الضياع والشتات إلى الرحمة والفهم، وأن يسير على جسر الحياة سوياً مستقيماً إلى أن يلقى الله.

    وصلاة الله عليه أيضاً: رحمته، فهو يرحمه؛ لأنه أخذ ميراث الأنبياء، ويدعو بميراث الأنبياء، وأنتم لعلكم ستعجبون ويتساءل أحدكم: كيف يكون ميراث الأنبياء مادة الكيمياء، واللغة الإنجليزية، والحساب، والأحياء؟! كيف يكون هذا ميراث الأنبياء؟! ستعلمون بعد قليل إن شاء الله؛ لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، الذي ورثوه هو العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.

    وصلاة الملائكة على معلم الناس الخير: استغفارهم له، ودعاؤهم فهم يستغفرون له الليل والنهار، هذا هو قطاع السماوات، وفوق السماوات العرش، والله استوى على العرش.

    وبقي قطاع الأرض، أصغر ما فيه النملة تستغفر له في جحرها، والحوت في البحر، اليابسة والرطبة وما فيهما يستغفرون له؛ لأن بركته وأثره يمتد إلى النملة وإلى السمكة في البحر، ما دام أن هذا العلم يراد به الخير ويراد به وجه الله، وليس فيه فصل بين المادة والروح.

    ويوم أن يتم هذا الفصل النكد الذي حدث في أوروبا ، يُسَخَّر ذلك العلم لتدمير البشرية وكل كائن حي، ويتسابقون لإبادة كل كائن حي على وجه الأرض، وتتحول الذرة التي اخترعها مخترعها للسلام تتحول لتدمير الأنام، فهؤلاء لا يصلي عليهم الله ولا ملائكته بل يلعنهم في الدنيا والآخرة.

    1.   

    المعلم لا يأخذ ثوابه من وزارة التربية

    هذه أول حقيقة أُوْدِعها في نفسك، إن كنتَ تظن أن مقابل حرق دمك وأعصابك، وتلويث صحتك، وقضاء يومك مشدود الأعصاب، تتحمل ثلاثين أو أربعين طفلاً أو طالباً في سن المراهقة أو في سن الطفولة، وأنت الذي لا تتحمل أولادك الخمسة في البيت إذا اجتمعوا عليك بصوت واحد، لا تظن أن أجرك وثوابك هو ذلك الراتب الهزيل الذي تأخذه في آخر الشهر، فهو معاش، ولكن أجرك وثوابك الحقيقي يوم أن تعقد النية كل يوم، وأنت تذهب إلى ذلك المحضن المبارك لتخرجهم من الظلمات إلى النور، من الأمية إلى العلم، تعقد النية أنك تريد بذلك وجه الله، وأن توجد جيلاً مسلماً صالحاً ينشر الخيـر والبر عندما يتسلم قطاعاً من المسئولية، ترى بركة ذلك اليوم الذي وقفته وأمسكت فيه الطباشير وتلوثت بغبارها، تراه بعد ذلك حضارة وازدهاراً وتقدماً، ومصانعَ وإنتاجاً وخيراً وبراً، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فلا يعلم ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

    والحد الفاصل بين الرتبة والراتب في الدنيا، ودوران الموظف حولها، وبين جنة عرضها السموات والأرض بمقابل هذا العمل هي نية يعقدها كل إنسان عندما يخرج في الصباح الباكر إلى وظيفته.

    استشعارك بهذا يهوِّن عليك العذاب فيكون عذباً، فمهنة التدريس عذاب، كل الناس يتعاملون مع الجمادات وأنت تتعامل مع البشر، والتعامل مع البشر ليس بالأمر الهين، أنت بإمكانك أن تمسك المطرقة وتضرب بها الحديد، ولكن أن تصوغ نفسية البشر صياغة جديدة، هذا ليس بالأمر السهل، إنها من أعظم الأمانات والمسئوليات، وهي رسالة الأنبياء، فقد قال الله عن هذه الصياغة العجيبة: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ [البقرة:151] هذا عن المعلم الأول، أبو المعلمين كلهم، محمد صلى الله عليه وسلم: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ [البقرة:151] هذه هي الصياغة التي أنت كل يوم تعملها، التي أهل المسئولية ألغوا مسألة التعليم وسموها تربية، التي هي التزكية، أنت تمارسها كل يوم إن كنت تعي تماماً معنى هذه الكلمة: وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:151] انظر كم مرة ذُكِر العلم والتعلم في هذه الآية: (يعلمكم، يعلمكم، تعلمون)، فهذه منَّة الله أيها الأحباب.

    فعندما تستشعر هذا، تخرج من بيتك في الصباح الباكر نشيطاً مستشعراً للثواب، متحملاً لصراخ الأولاد ولمشاكل التدريس، وقد تكون مشاكل الإدارة، قد لا يكون هناك بينك وبين الإدارة انسجام، ولعل العداء الموروث بين الرئيس والمرءوس قد أصابك منه شيء، فالذي يهون عليك ذلك هو استشعارك أنك تتعامل في هذا العمل مع الله.

    النقطة الثانية: أن مهنة التعليم والتدريس تستطيع أن تقول: إنك تأكل راتبها وأنت في غاية الاطمئنان، إنه حلال من أوله إلى آخره، فجهده لا يُقَدَّر، والله يا أخوان أنا يوم أن كنتُ مدرساً درَّستُ أربع سنوات، ثم كنت في العمل الإداري باقي السنوات؛ صرخة واحدة على طالب مشاغب، بعد أن تنفذ كل الحيل تحس أن نياط قلبك من الداخل تتمزق قطعة قطعة، ولا تعجب إذا أصيب مدرس بسكر، وأصيب بضغط، وأصيب.. وأصيب.. وأصيب.. فهذه كلها من إفرازات المهنة، فأجره على مَن؟! أجره على الله سبحانه وتعالى، تستطيع أن تقول: المدرس هو الأب الثاني والمدرسة هي الأم الثانية، له حقوق الأب ولها حقوق الأم، فالمربي والمربية يمكث الطلبة بين أيديهم أكثر مما يمكثون بين آبائهم وأمهاتهم، بل إن الصياغة التوجيهية التربوية التي يمارسها المربي خلال ساعات العمل، أكثر من الصياغة التربوية التوجيهية التي يمارسها الأبناء عند الآباء، فالآباء أكثر ما يفكرون فيه: إحضار الطعام والشراب والكساء والغذاء، وأين الأب الذي يجعل له منهجاً لكي يربي ابنه ويزكيه؟! إلا من رحم الله وقليل ما هم، ولكن هذا لا، المدرس يأتي بمنهج مرسوم محاسب عليه، مسئول عنه، ففعلاً يحس معنى: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) إن لم تكن مسئولية أخروية فهي مسئولية دنيوية، أما الأب فمن يحاسبه؟! في الدنيا لا يستطيع أحد أن يأتيه ويقول له: أنت لماذا لم تفعل كذا مع ولدك؟ لكن المدرس وراءه موجه، ووراءه ناظر، ووراءه وكيل، ووراءه وزارة، ووراءه قوانين، ووراءه مواد تجعله حتمياً يمارس عملية التربية؛ لأنها فيها مراقبة ومحاسبة كل شهر وكل عام وكل فترة، والأثر بادٍ وملموس، فالطالب عجينة يتشكل، فإن كان المدرس فيه خير؛ انعكس خيره على ذلك الطالب، وإن كان غير ذلك فهو واضح.

    أحبتي في الله، يوم أن تدخل الفصل في أول العام بهذا الشعور تأتي إلى المدرسة وأنت تنظر بمنظار المتفائل، الذي يقبل على الحياة وهو في غاية السرور والسعادة، ويحس بالقرب من هؤلاء الأبناء، ويرى بأن هذا دين عليه، فقد تحمله آخرون وأوصلوه إلى ما وصل وهو يرد هذا الدين وأولاده وأولاد أولاده، وهكذا عملية متوارَثة: (اعمل ما شئت، كما تدين تدان) وخذها مني: يوم أن تكون صادقاً مخلصاً متفانياً في هذا العمل؛ يسخر الله خلقاً من خلقه لا تعلمهم يتفانَون في تربية أولادك؛ لأنه دين من الله رب العالمين يسدده الله سبحانه وتعالى ويعوضه لعبده: (اعمل ما شئت، كما تدين تدان).

    1.   

    استخدام أساليب التربية من بداية العام الدراسي

    إذا دخلت الفصل في أول العام، اجعل الشهر الأول كله من أوله إلى آخره سلوكاً، وهذه نقطة مهمة في القضية التربوية حتى تستطيع أن تستفيد من المنهج طول العام، يُبنى ذلك على الشهر الأول، حقِّق معنى التربية والسلوك، والنفس البشرية كما يُضرب فيها المثل:

    النفس كالطفل إن تهمله شب على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

    عملية الفطام هذه تربية.

    وينشأ ناشئ الفتيان فينا     على ما كان عوده أبوهُ

    وكذلك مدرسه، وهكذا.

    فالشهر الأول اجعله شهر سلوك، وانزل مع الطلبة والتلاميذ إلى أدنى المراحل والمستويات، بحيث تعلمه كيف يقف، وكيف يجلس، وكيف يدخل، وكيف يخرج، وكيف يتكلم، وكيف يستأذن، وكيف يسلم، وكيف يأخذ، وكيف يعطي، وكيف يضحك، وكيف يحزن، هذه البديهيات التي يتلقاها الطفل يومياً من بيته ومن المجتمع أنت علمه إياها في الفصل، ترتاح سائر العام، بعد شهر يتكون عندك أولاد، أشكالهم أشكال أطفال، وقلوبهم قلوب رجال وأبطال، ومع الأسف الشديد أن المدارس الخاصة انتبَهوا إلى هذا الأسلوب وأثره، فهم متفوقون بكثير على المدارس الحكومية، وهذا شيء ملموس، اذهب وزُر أي مدرسة من المدارس التبشيرية وانظر تلاميذها؛ في الطابور منظمون وذاهبون بدون صراخ، وإذا ضرب الجرس لا يقومون إلا باستئذان، ولو وقع دبوس أمام الطابور وهو يمشي لداس على الدبوس، حتى في المسابقات القرآنية يعطونهم شيئاً تربوياً يجعلون أولادهم الأوائل، وتلاحظ المدرسة وإذا هي مدرسة تبشيرية، فعلاً تبشيرية.

    ما الذي جعل أولادهم هكذا؟

    التربية لها دور عجيب في الإعداد، وهذا شيءٌ أنا شخصياً جربته، جربته مع أولادك، تلاميذي سنة الرابع الابتدائي. هؤلاء في الشهر الأول يأتونني خليطاً، لأن كل مجموعة منهم، خمسة أو عشرة آخذين سلوكيات معينة وأسلوباً معيناً تربوا عليه ونشئوا عليه من المدرس الماضي أو المدرسة أو الفصل أو البيت، وأنا أبدأ أصوغهم صياغة خاصة في الفصل، أتعب معهم تعباً شديداً في الشهر الأول، تعباً تربوياً، مثل الأم التي تربي ولدها، وأضرب لكم مثالاً، أني قسَّمتُ أنواع الترغيب وأنواع الترهيب في الأسلوب التربوي بعدما صنفتُ الأولاد، يعني: هؤلاء يفيد فيهم الترغيب، وهؤلاء يفيد فيهم الترهيب، لكن أنواع الترغيب وأنواع الترهيب، كل طفل له نوع يناسبه، ومن الخطأ أن تعرضهم كلهم على أسلوب واحد، أو أن تصيغهم في بوتقة واحدة، فالله خلق العباد فيهم فروق فردية متفاوتة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفروق الفردية: (اعملوا، كل ميسر لما خلق له) فهذا خُلق للذكاء، وهذا خُلق للغباء، وهذا خُلق لكي يكون عاملاً، وهذا خُلق لكي يكون دكتوراً، وهذا خُلق لكي يكون عبقرياً، هل تريد أن تساويهم كلهم بأسلوب العباقرة؟!

    الله سبحانه وتعالى عندما نزل القرآن يعالج البشر، جعل أساليب العلاج في القرآن متنوعاً، يذكر الجنة مرة، ويذكر النار مرة، ويلمح مرة، ويصرح مرة، ويرمز مرة، ويوضح مرة، ويشد، ويرخي، وكعادته اقرأ القرآن تجد فيه هذه الأساليب كلها.

    فعندما تشخص تلاميذك وتدرس نفسياتهم تماماً وتحدد العلاج: الترغيب والترهيب، بعض الطلبة تكفيه النظرة، يدرس من خلال نظرتك ماذا تريد، فإن كان مشاغباً يعتدل، وإن كان غافلاً ينتبه، وإن كان عاملاً لضوضاء أو شغب، يقطع ذلك بمجرد النظرة، وأنا كنت أعالج بعض الطلبة، من النادر جداً أن أستخدم الضرب، مع أن الضرب أيضاً شُرِّع للأمور النادرة، ولو راجعت الضرب بالنسبة للأطفال على موضوع الصلاة فقط لوجدته في العاشرة فقط بعد أن تفشل كل العلاجات، كذلك المرأة إذا هجرت زوجها بعد أن تفشل الموعظة والهجران في المضجع وكل العلاجات والوساطات والإصلاح، عند ذلك يكون الضرب غير مبرِّح؛ لأن هناك بعض الأمراض في جسم الإنسان لا يشفى صاحبها إلا بالبتر أو الكي الكهربائي، وهذا موجود في أجسام الناس (وآخر العلاج الكي) أضرب لكم مثلاً من أمثلة العلاجات:

    تصور أن بعض الطلبة عندي في الفصل عالجتُ شقاوتهم وفوضويتهم، والشقاوة والفوضوية خلاف، ولا يُفهم مني عملية تصريف الطاقة والسعرات الحرارية الموجودة عند الطفل التصريف القوي، لا، وإنما أعني أن الطفل بحاجة ولوعة نفسية لديه بأن يكسر شيئاً، أو يطلب شيئاً، أو يصرخ، ففعل هذا الشيء، فعدم فهمي لهذا الفهم بحيث أصرف وأحول هذه الطاقة الموجودة فيه في صالحه وصالح الفصل حدث هذا الشغب، فكيف أعالج هذا؟! وأنتم لا تحسبوا أن هذا شيء آتٍ من عندي، أو أني درست النظريات التربوية الحديثة، لا، أنا ما درست هذه الأمور، لكن قرأت القرآن وقرأت الحديث واستخلصت ما هو أعظم مِمَّا قاله فرويد أو فلان أو علان من جامبو سارتر، أو غيره، من هؤلاء الذين ينظِّرون لأساليب التربية الحديثة وغيرها.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يقر خاصية اللعب، ويقرها على حساب الفريضة، يصلي في الناس فيأتي الحسين فيركب على ظهره، فيتركه ساعة وهو ساجد، فلما سئل قال: (إن ابني هذا ارتحلني -ابني جعلني راحلة- ثم كرهت أن أعجله) أن أدعه يستعجل ولا يشبع من عملية تصريف الطاقة اللعبية، وكما تعلم أن اللعب عند الطفل خاصية ضرورية، والطفل الذي لا يلعب طفل مريض غير سوي، وهذا في القرآن مذكور، إخوة يوسف عندما وجدوا حب يعقوب عليه السلام الغامر للذي أوتي شطر الحسن البشري، وهو يوسف، منعه من اللعب مع إخوته في الخارج خوفاً عليه، جعل إخوة يوسف يدخلون على يوسف من هذا المدخل: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف:12] الرتع: هو الأكل بفرح وجو مؤنس، وهذا ضروري بالنسبة للطفل، يعني: لا تضرب الطفل وتجعله يأكل ويبكي هذا مرض على الطفل، البكاء مع الأكل أو البكاء مع النوم، مرض نفسي للطفل، يعني: الأم التي تنوم ولدها بالخوف والضرب ينشأ الابن غير طبيعي، ثم لو كبر يصير خوافاً ومهزوزاً ومرعوباً.

    فلهـذا قـال إخـوة يوسـف: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ [يوسف:12] يأكـل وهـو فرحـان وَيَلْعَبْ [يوسف:12] يصرف الطاقة الغذائية والسعرات الحرارية من خلال اللعب، هذا قرآن، ذُكِرَ اللعب في القرآن: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف:12].

    والرسول صلى الله عليه وسلم انتبه لهذه القضية ونبه أمته وأوصاها، الحسين في الصلاة يلعب على ظهره، فتركه إلى أن يشبع، وهو يلعب مع الأولاد في الشارع عليه الصلاة والسلام، ويشجعهم على الرمي، يلعب مع الحسن والحسين ويمارس معهم عملية اللعب، حتى عائشة لأنها صغيرة؛ أخذها وعمرها تسع سنوات، فهي لا تزال في امتداد عمر الطفولة، وهي الوحيدة التي سابقها وجرى معها، لماذا سابقها مع جلالة قدره وهيبته ورزانته، ولم يسابق أم سلمة ، ولم يسابق خديجة ، ولم يسابق بقية زوجاته؟! لأن عائشة طفلة، فكان يُدْخِل عليها بنات المدينة كي يلعبن معها، فيلبـي رغبتها.

    فأنت حين تدخل الفصل، لا تجعل فصلك ثكنة عسكرية، لكن اجعل الفصل امتصاصاً لهذه الطاقات وتحويلها وتسريبها في صالح الفصل، هذا يحتاج إلى ذكاء وخبرة وفهم المدرس الذي يعرف كيف يتفاعل مع هؤلاء الأطفال، ويجذبهم ويكسبهم ويصرف طاقاتهم في صالح الفصل.

    1.   

    أسلوب المقاطعة لعلاج بعض المشاكل في الفصل

    الأساليب كثيرة، ولكن أذكر لكم أسلوباً واحداً كيف كان له أثر على علاج بعض مشاكل الأطفال في الفصل:

    هذا الأسلوب تستطيع أن تسميه: أسلوب المقاطعة، أنا من أين أخذت هذا الأسلوب؟ تصوَّر هذا الأسلوب أخذته من قصة المخلَّفين في معركة تبوك العسرة، وما كان يخطر ببال أحد أن هذه الحادثة من السيرة أستفيد منها داخل الفصل مع الأطفال، لكن رأيت أثرها على كعب بن مالك عندما قاطعه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لا يكلمه، يسلم عليه ولا يكاد يحرك شفتيه، الصحابة لا يكلمونه، يسلم عليهم، ولا أحد يرد عليه، أحس بالعزلة، إحساسه بالعزلة وهو إنسان يعيش في مجتمع لا يستغني عن المخالطة، يجعله فعلاً في سجن، يحاول قدر المستطاع أن يكسر جدار هذا السجن، ولو على حساب شيطنته التي كان يتشيطن فيها فعلاً، في أول مرة التلميذ لا يأخذ بالنصائح، لا بالترغيب ولا بغيره، لا يزال شيطاناً، لديه فوضى في الصف، لا يكتب الواجب، لا يذاكر.

    قبل نهاية الحصة بدقيقتين كلمة قصيرة أقوم بتوجيه التلاميذ؛ لأني أصلاً قبل أن أصدر هذا الأمر كسبتُ حبهم كلهم، والحب هذا جعل بين قلبي وقلوبهم جسراً، عندما أقول: كذا، يقولون: سمعنا وأطعنا، هذا المهم، لا أن تصدر أنت أمراً وهم يحبونك، وأنت لا تحبهم فستجد كثيراً منهم لا يحبونك، ولا يطيعونك.

    فكسبتُ قلوبهم بالهدايا، وكسبتُ قلوبهم بمسحة الرأس، وكسبتُ قلوبهم بتعليم سنة الرسول، وكسبتُ قلوبهم بأني أحسستهم بأنهم رجال، وكسبتُ قلوبهم بأن أشعرتهم بعض المسئوليات، وكسبتُ قلوبهم بأن أثني عليهم ثناءً لفظياً وثناءً تحريرياً، وأتصل بأولياء أمورهم، وأمدحهم أمام الإدارة وأمام المفتش، وأبرز من يحب أن يكون فيه عنصر قيادي، أحاول أن أبرزه أمام التلاميذ وأحمله المسئولية إلى آخره، فكسبتُ قلوبهم، بعدما كسبتُ قلوبهم يأتي المشاغب يحس بأنه فعلاً معزول؛ يا أبنائي الأعزاء، تكرر ثلاث مرات، الطالب فلان لم يكتب الواجب، أقول: هذا اليوم من أول الدوام إلى آخره لا يُكَلَّم ولا يُلْعَب معه، تصور أنت عندما تقول هذا ستجدها سهلة وما تتوقع أنها تنفذ، والله يأتي الطالب في آخر الدوام يبكي ويقول: يا أستاذ، أنا آسف وسامحني، وأعاهدك أني أكتب الواجب؛ يكلمهم في الساحة، لا يكلمونه، يريد أن يلعب مع أحد، لا يلاعبونه، يطلب منهم (بَفَك) أو كذا، لا يعطونه، سبحان الله! أحس بالعزلة وأحس بالمرارة، وصار يمشي حزيناً إلى أن جاء واعتذر ووعد بأنه لن يكرر الخطأ عند ذلك في الدرس من الغد.

    فكسرتُ حاجز العزلة، هذا الذي استخدمه الرسول مع كعب بن مالك ، وقلت: والآن الطالب وعد بأنه يكتب الواجب، فكلموه والعبوا معه، انظروا الفرحة التي في وجهه! والتلاميذ كانوا يريدون أن يلعبوا مع صاحبهم لكن محبتهم للأستاذ وطاعتهم له هي التي جعلتهم يقاطعونه، فيهنئونه ويسلمون عليه، ويبدأ الطفل تربوياً يحس بخطئه، وفي نفس الوقت أعطيته العلاج، وجعلت بين هؤلاء الحب في الله، والبغض في الله، والولاء، والقضايا هذه ما هي كلمات تقولها، وإنما فعلاً ربطتهم في الصف وفي الأستاذ وفي المدرسة وفي المادة وفي المنهج ربطاً متماسكاً، حتى أنهم يغالبون مشاعرهم وعواطفهم تجاه هذا التلميذ من أجل المصلحة العامة.

    هذا أسلوب واحد بسيط مصغر أنقله حتى أريكم أثر التربية في أول شهر من الشهور، أنت قد تقول: المفتش يطالبني بمنهج، وينشِّف ريقي بسبب منهج، هذا اسمه موجه وليس مفتشاً، لو أنك جلست معه وقلت له: يا أخي الكريم، أنت موجه، وأنت أفهم مني في الأمور التربوية، وأنا لك مني عهد أنه لن ينقص من المنهج شيء، فقط أعطني الفرصة حتى أصيغ تلاميذي الصياغة التي أنت في الزيارة الثانية سوف ترى أثرها بإذن الله، لا أظن أن هناك موجهاً يعارض ذلك أبداً، إذا كان فعلاً يحترم الأسلوب التربوي المؤثر.

    وفي الفصول التي كنت فيها مِن بركة هذا الأسلوب تستطيع أن تقول: إن (80%) خلال هذه الأربع السنوات - أربع فصول في سنة رابعة- كلهم صاروا من شباب مركز جمعية الإصلاح بعدما كبروا، حينما تخرج بعضهم، وبعضهم صار في الجامعة، وبعضهم صار موظفاً؛ لكن وأنا أتتبعهم بين الحين والحين في لقاءات في جمعية الإصلاح مع الشباب .. في الرحلات .. في العمرة .. في كذا، يأتيني واحد وراء الثاني:

    أتَذْكُرْني يا أستاذ؟

    أقول له: والله أذكرك، ألستَ ابني الذي في مدرسة عمرو بن العاص في منطقة الروضة، الذي درستك كذا وكذا؟

    إي والله يا أستاذ، يا سلام على الحصص، والأشعار والقصائد والقصص!

    فعلاً الطفل يحب هذه الأساليب، أساليب القصص والحكايات، وأنك تجعل في القصة عقدة وهو يشارك في حل هذه العقدة، وأنك تجعله على عقدة وتحلها في الغد، وتجعله عائشاً معها مدة معينة، فتتم صورة المدرس كبطل لهذه الرواية في ذهن هذا الطالب، فيبدأ خياله الواسع يرسم لك قوى خارقة، ربما لا يجدها حتى في أبيه ولا يجدها في إنسان آخر. لاحظتَ!

    1.   

    واقع المدرس والتلميذ بين اليوم والأمس

    أما اليوم -مع الأسف الشديد- لما غاب عن التلميذ هذا الأسلوب التربوي، وهو زرع المدرس مكانة له من المودة والثقة والحب والاحترام في قلب التلميذ؛ أصبح المدرس وأي موظف في المدرسة سواء، ومع الأسف الشديد أن ولي الأمر لم يفهم هذا الأسلوب التربوي، ما إن يؤدب المدرس الولد بضربه واحدة بمسطرة إلا وتشتغل الأم في البيت: يريدون أن يذبحوا الولد؟! لو أن فيك خيراً لكنتَ قد ذهبتَ! أتريد الولد مشوهاً؟! لو أن لك شخصية ما ضربوا ابنك! إلى أن تشحنه، ويأتي إلى المدرسة: أين هذا المدرس؟ أخرجوه! كيف نخرجه؟! وطبعاً قبل أن يقول: أخرجوه، يحقره ألف تحقير أمام الأم وأمام الولد، بحيث أنه أصبح إذا كان له دور تربوي (1%) فإنه يمسح هذا الواحد في المائة.

    ويبدأ التلميذ ينظر إلى مدرسه بأن أباه أقوى، وأن المدرس مخطئ، وأن المدرس خواف، وأنه لا يفهم، وبأن التلميذ ليس هو المخطئ، وإنما المدرس المخطئ، فكيف يتلقى التربية طول العام طالبٌ هذا شعوره تجاه مدرسه؟! والجناية جاءت من الأب والأم مع الأسف الشديد لجهلهم في الأسلوب.

    ربما كان آباؤنا الأوائل أحسن منا الآن تربوياً، أنا أذكر أن أبي أمسكني من يدي وأخذني إلى المدرس وقال له: لك اللحم ولي العظم. لاحظ هذه الكلمة، كانت تؤثر فِيَّ وتؤثر في المدرس؛ له اللحم ولأبي العظم؟! لا بد أن أحسب لهذا المدرس ألف حساب، فكنت فعلاً أحترمه وأقدره وأحسب حسابه، وأضع كلماته في الاعتبار.

    الآن التلميذ يتهدد المدرس، وكم من المدرسين خلصناهم من أيدي التلاميذ، وكم من المدرسين تبعهم (جِيْبات) وسيارات وضباط حتى يخرجوهم من المدارس، وكم من المدرسين طاردوهم في البراري بسيارات (الجِيْكي) من مكان لمكان، ليضبطوهم.

    نعم، أنا في المدارس ويأتيني الناس، كم من ولي أمر فصلوا ابنه:

    - يا شيخ تعال، ناظر المدرسة فعل كذا، والله إن ولدي لم يفعل شيئاً.

    - أقول له: أنظر، لكن إذا كان ابنك قد عمل عملاً كبيراً، فلا تحرجني.

    - لا والله، ابني محترم وديِّن.

    - أقول له: اصبر، دعني أسأل الناظر.

    وأذهب أزور الناظر، وبعدما أسلم عليه أقول له:

    - يا (معوَّذ) أنتم لماذا فصلتم هذا؟

    قال: لماذا فصلناه؟! نحن كتبنا كتاباً للوزارة لتغيبه ومخالفته وأفعاله وأفعاله، عندما ترى المراسل يخرج بالحقيبة وقد أخذ الأوراق، فيلحقه ويأخذ الأوراق ويقود المراسل، وحقيبته مقطوعة، وهو حافٍ يركض، وهم يطاردونه! بالله عليك هل هناك طلبة يفعلون هذا الفعل في مثل هذا الزمان؟!

    فهذا يا أخي الكريم سببه هو: فقدان الأسلوب التربوي الصحيح الذي ساهم في فقدانه: التليفزيون، والجريدة، والبيئة، والمجتمع، والبُعد الهائل بين التدريس المادي والروحي، وهذه هي الفقرة الأخيرة التي سوف أختم بها.

    مدرسونا الأوائل كان عندهم إيمان وعندهم روحانية، تجدهم مصلين رباهم مفكرون وأدباء وديِّنون، حتى الآن قضايا الأساليب التربوية الحديثة ما حولتهم هذه التحويلة بعد، مع الأسف الآن يجلس الطفل يدرس حتى التربية الإسلامية ثمان عشرة سنة، وقد يتخرج علمانياً أو لا يحفظ الفاتحة أو شيوعياً، هل العيب في المادة؟ العيب ليس في المادة، مهما كانت المادة هزيلة وقليلة، فالعيب ليس فيها، لكن فيمن يعطيها، مدرس العلوم، ومدرس الأحياء بإمكانه أن يحول فصله إلى درس يجعل الطالب يحلق في أرجاء السماوات والأرض، ما يضر مدرس العلوم عندما يقول: انظر يا بني إلى هذه الزهرة الجميلة كيف لونها الله سبحانه وتعالى، هذا الميسم، وهذا المُتُك، وحبوب اللقاح، والكأس والتويج، وهذا اللون الذي برائحته يجذب هذه الكائنات كالنحلة الجميلة التي تحمل حبوب اللقاح، وتستفيد من الرحيق، فتشكل لنا العسل، يظل يشخص له النحلة ويشخص لنا الوردة.

    أما أنه لا يذكر حتى مرة خلال خمسين درساً كلمة الله سبحانه وتعالى، فكيف تريده أن يكون تلميذاً مؤمناً موحداً يعرف الله سبحانه وتعالى؟!

    المربون الأوائل كانوا يدرسون التلاميذ العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة ويربطونها بالروحانية، يعلم الولد كيف يغتسل، وما هو المني، وما هو الاحتلام، ويعلِّم البنت ما هو الحيض، ودم العادة، والنفاس، وهي لم تمر بهذا الشيء بعد، ويأخذونها كعبادة مقدسة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، تتحرك الروحانية عندهم وهم يدرسون القضايا التناسلية والأمور الجنسية في المدارس الفقهية والكتاتيب وكان عليهم السكينة والوقار، ويخرجون علماء أجلاء.

    1.   

    الفصام النكد الذي حدث في الأسلوب التربوي

    لقد فصلنا الجانب الروحي عن الجانب المادي، وتحولنا مع الأسف الشديد إلى مجرد آلات قاسية تفهم علماً كثيراً عن هذه المادة، لكن لا تربطها بالله، كبندول الساعة الذي يتحرك، المكان الذي انطلق منه عاد إليه، علَّمونا الأكوان ولكن ما علمونا مكون الأكوان.

    وأتذكر في النهاية كلمة إنشتاين ، أكبر مفكر وعبقري، يقول: درستُ الكون ثمانين عاماً، ثم توصلت في النهاية إلى أن وراءه قوة عظيمة تدبره. بعد كم؟ بعد ثمانين عاماً من الدراسة المادية، يرصد النجوم وعلم الفلك والمختبرات.

    والذي عنده وصل روحي، لا يحتاج إلى ثمانين سنة، والذي يمشي في الصحراء ببساطتها وجمالها وعمقها قد قال: [الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، وصحراء ذات فجاج، ألا يدل ذلك على العليم الخبير؟!] هذا هو الفرق يا إخوة.

    وأنت في الفصل إياك أن تفصل بين الروح والمادة عندما تؤدي التربية للطالب.

    اللهم أصلح أولادنا، وأصلح نساءنا، وأصلح مدرسينا.

    اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، إنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755989606