إسلام ويب

دراسة موضوعية [9]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أصول أهل السنة الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه، وأن الله يعلم كل شيء قبل حدوثه، وأنه الذي خلق أفعال العباد وقدرها، وأعطى العبد الاختيار في الطاعة والمعصية، فلا يجوز للعبد أن يحج بالقدر على المعصية أبداً.

    1.   

    كيفية طلب العلم وتلقيه عن العلماء

    الفصل الثاني يتحدث عن منهجية طلب العلم، وذلك أن طلب العلم لابد له من منهجية، ولابد له من طريقة مرتبة، بحيث إن الإنسان يصل إلى النتيجة التي يريد، فليس كل من طلب العلم وفق للطريقة المناسبة للطلب.

    وما يتعلق بهذا الفصل هو عبارة عن خبرات العلماء السابقين الذين طلبوا العلم واشتغلوا به، وعايشوا الطلاب، وعرفوا الطريقة الصحيحة لطلب العلم، والمنهجية المستقيمة فيه.

    وأيضاً هذه الخبرة هي خبرة من تدرب وتمرس واشتغل وعانى وتعب في هذا الباب، وكانت طريقتهم متشابهة ومتقاربة إلى حد كبير، وكل من تحدث عن طلب العلم مثل الخطيب البغدادي رحمه الله في الجامع، وغيره من أهل العلم، كلهم تحدثوا عن المنهجية التي ينبغي على طالب العلم أن يسير عليها، والطريقة المثلى العملية التي ينبغي أن يسلكها في طريقه في الطلب، ولهذا سنجد قواعد وأصولاً قد يعبر عنها بكلمة، أو بمقطع بسيط، لكنها تتضمن الكثير من الفوائد والعبر والعظات.

    مثلاً: قوله: [من لم يتقن الأصول حرم الوصول] هذه كلمة نقلها ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم، ولها دلالة عظيمة جداً، وهي: أن طالب العلم ينبغي عليه أن يبدأ بأصول العلوم، وفي كل علم من العلوم أصول ينبغي أن يعتني ويهتم بها، فإذا درس هذه الأصول وفهمها فإن ما يأتي بعد ذلك سيكون تابعاً لهذه الأصول.

    أما من اشتغل بالتفريعات والجزئيات مع بدايته لطلب العلم، فإنه سيحرم من الوصول إلى النتيجة التي يريد، والتي يتمناها في طريقه في طلب العلم؛ ولهذا اعتنى بعض المتأخرين بتأليف كتب بعنوان: برنامج عملي لطلاب العلم، أو: برنامج عملي للمتفقهين، ومن أفضل هذه الكتب كتاب الأستاذ الدكتور: عبد العزيز قارئ ، فقد ركز فيه على البرنامج العملي الذي ينبغي أن يسير عليه طالب العلم من جهة العلوم الأساسية التي يركز عليها الطالب في بداية طلبه للعلم.

    كيفية الطلب ومراتبه

    قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى في كتابه حلية طالب العلم:

    [الفصل الثاني: كيفية الطلب والتلقي:

    السادس عشر: كيفية الطلب ومراتبه:

    من لم يتقن الأصول حرم الوصول، ومن رام العلم جملة ذهب عنه جملة، وقيل أيضاً: ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم].

    هذه ثلاثة قواعد من أروع القواعد في طريقة طلب العلم، وينبغي على طالب العلم أن يحفظ هذه القواعد، وأن يرددها دائماً.

    ومعنى: (رام العلم) يعني: طلب العلم، (جملة) يعني: من طلب العلم دفعة واحدة، فإنه سيفقده دفعة واحدة، يعني: لو أن إنساناً أراد أن يبني لنفسه برنامجاً علمياً خلال هذه السنة، فحشد في هذا البرنامج أكثر من عشرة علوم، وحشد في كل علم من هذه العلوم عشرة كتب من الكتب الدقيقة التي تحتوي على المسائل النادرة، ثم بدأ يشتغل فيها دفعة واحدة وفي وقت واحد، فإنه سيخرج في نهاية الأمر وليس معه شيء، وقد يكون معه معلومات عامة، مثل أسماء الكتب والمؤلفين، وبعض رءوس المسائل. أما أنه يتقن فقطعاً لن يتقن، وهذا هو معنى قوله: (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة)

    وأما قوله: (ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم).

    فهو لو أن إنساناً أراد أن يبحث مسألة فقهية من المسائل الدقيقة والغامضة، والتي كثر فيها النزاع والاختلاف، ثم ساق له المتكلم عشرون مذهباً بما فيها المذاهب النادرة والغريبة والشاذة والمندثرة.

    ثم بدأ يذكر لكل مذهب الأدلة التي ربما تصل إلى عشرة ويذكر مع كل دليل وجه الاستدلال، والقاعدة الأصولية التي بني عليه هذا الاستدلال، وما يتعلق بها من خلاف.

    هل تتصورون أن هذا الطالب سيفقه شيئاً؟

    قطعاً لن يفقه شيئاً؛ لأنه علم كبير اجتمع في ذهنه ودخل في أذن وخرج من الأخرى؛ لأن القلب بطبيعته لا يمكن أن يحوي هذه الأمور دفعة واحدة.

    فينبغي على طالب العلم أن يأخذ المسائل مسألة مسألة، ويعرف صورة المسألة سواء كانت فقهية أو عقدية، ثم بعد أن يعرف صورة المسألة يعرف الأدلة عليها، ثم بعد أن يعرف الأدلة عليها، يعرف وجه الاستدلال المتعلق بها، وهكذا.

    بهذه الطريقة يستطيع أن يتفقه، ولا يشترط أن يتعلم هذه الأشياء في لقاء واحد، ربما في اللقاء الأول يحتاج أن يتعلم صورة المسألة، ثم في اللقاء الثاني يتعلم أدلة المسألة، وإذا كانت كثيرة يمكن أن توزع على لقاءين، وإذا أخذ هذه المسائل انتقل بعد ذلك إلى الأدلة، ثم وجه الاستدلال بشكل بطيء لكنه أكيد المفعول، فقد يستغرق فترة طويلة لدراسة كتاب لكنه سيكون قد استفاد فائدة بليغة بإذن الله.

    ولهذا ينبغي على طالب العلم في بداية طلبه للعلم ألا يشغل نفسه بمجموعة كبيرة من الكتب، وألا يشغل نفسه بالتفصيلات الدقيقة في كل علم من العلوم، ولهذا نحن نركز على المسائل العامة الأساسية، وما يتعلق بها من مسائل يكون طالب العلم بحاجة إليها، فإذا تصورها تصوراً جيداً فإنه في نهاية الأمر سيكون قد استفاد.

    ولهذا أهل العلم يؤلفون الكتب مترتبة بعضها على بعض، حتى لا يبدأ طالب العلم بالفقه العالي، أو بالكتب العالية في العقيدة، مثلاً ابن قدامة المقدسي رحمه الله كان فقيهاً ومعلماً في نفس الوقت، لذا ألف في الفقه أربعة كتب، وجعلها على شكل سنوات دراسية، فأول متن ألفه هو عمدة الفقه، حصره في رواية واحدة من روايات الإمام أحمد فيما يتعلق بالمسائل الفقهية.

    والكتاب الذي فوقه المقنع، جاء فيه بروايتين.

    ثم كتاب الكافي، وجاء فيه بأكثر من رواية، ويرجح فيه بين هذه الروايات.

    ثم الكتاب العالي هو المغني، وهو يجمع مع مذهب الإمام أحمد مجموعة أخرى من المذاهب، ويناقش الأدلة والمسائل، ويرجح ما يراه، وقد يذكر فروعاً دقيقة وغامضة، وأمثلة متعددة، ويبين أنها مبنية على أصل واحد، بهذه الطريقة يستطيع طالب العلم أن يستفيد.

    لو أراد أن يبدأ بالمغني دفعة واحدة لن يستفيد، ولو أراد أنه في شهر واحد ينتهي من عمدة الفقه، وفي الشهر الثاني ينتهي من المقنع، وفي الشهر الثالث من الكافي، وفي الشهر الرابع من المغني، لن يستفيد، لماذا العجلة؟ أهم شيء هو أن يتقن الإنسان، ويستمر في عملية طلب العلم، ويستمر أيضاً في المراجعة بشكل دائم، بهذه الطريقة يستفيد طالب العلم.

    أما أن يدرس المسائل الكثيرة والمتعددة دفعة واحدة، فإنه لن يستفيد كثيراً.

    أمور لا بد لطالب العلم من مراعاتها في كل فن يطلبه

    قال: [وعليه فلابد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي وحده، وآخذاً الطلب بالتدرج، قال الله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106] ].

    من حكم نزول القرآن مفرقًا: التفهم، وإدراك معانيه بشكل جيد.

    قال: [وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]، وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة:121].

    فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه:

    الأول: حفظ مختصر فيه.

    الثاني: ضبطه على شيخ متقن].

    (حفظ مختصر فيه) افترض أنك تريد أن تدرس كتاباً من كتب العقيدة، فبدأت بالواسطية، فينبغي أن تحفظ الواسطية، هل تحفظها قبل أن تبدأ في الدرس؟ هذا لا شك أنه أمر مستحسن، حتى إذا قرأت النص في الدرس كنت تعرفه معرفة جيدة، فإذا قرئ مرة أخرى، فإن الفائدة التي ستستفيدها ستكون أكبر؛ لأن الإنسان عندما يقرأ كتاباً لمرة واحدة يستفيد منه فوائد، وتفوت عليه أشياء، فإذا قرأه للمرة الثانية سيستدرك فوائد أخرى لم يكن استفادها من قبل، وتفوت عليه أشياء، وهكذا في كل مرة سيستفيد أكثر.

    إذاً خذ مختصراً من المختصرات في أي علم من العلوم التي سوف تدرسها سواء في العقيدة أو الفقه أو النحو أو أي باب من الأبواب، ثم احفظ المختصر فيه.

    ثم بعد أن تحفظ المختصر تضبطه على شيخ متقن؛ لأن قراءتك له قد تكون غير سليمة وغير صحيحة، لكن عندما تضبط كتابك فإنك حينئذ ستكون قد أصلحت ما فيه من الخطأ.

    ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يكون له كتاب في أي علم من العلوم يستمر معه، نحن مع الأسف إذا سمعنا أن هناك درساً مثلاً في كتاب لمعة الاعتقاد أخذنا نسخة، ثم إذا سمعنا عن درس آخر في اللمعة بعد سنة أو سنتين نأخذ نسخة جديدة، لماذا لا تكون لك نسخة محددة تضبطها بشكل دائم من ناحية الإعراب والنطق، على شخص متخصص متقن يعرف المواد من الكلمات.

    قال: [الثالث: عدم الاشتغال بالمطولات، وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله].

    نعم، لابد أن تضبط الأصل قبل أن تقرأ في الفروع؛ لأنك إذا اشتغلت بالقراءة في الفروع ستخرج لديك معلومات متناثرة غير محققة وغير دقيقة، وستصبح مثقفاً لكن لن تصبح طالب علم، فضلاً عن أن تصبح عالماً؛ لأن طالب العلم هو المتخصص المتقن للشيء الذي يتكلم فيه، أما المثقف فهو الذي لديه معلومات يمكن أن يتكلم في أي شيء من الأشياء لكن بكلام عام غير دقيق، ولهذا قد يخبط بعض المسائل في بعض.

    قال: [الرابع: لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر].

    والضجر لا يليق بطالب العلم؛ لأن طالب العلم الضجر هو الذي يتنقل من الكتب والدروس والقراءة، وهذا لن يصل إلى مبتغاه.

    قال: [الخامس: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية].

    كل باب من الأبواب فيه ضوابط وقواعد وأصول، وتجد أن هذه القواعد والضوابط مكررة، فإذا ضبطتها وحفظتها وأتقنتها، ستنفعك في كل الكتب التي تواجهك في نفس الموضوع.

    مثلاً: باب الصفات فيه قواعد محددة، وضوابط معينة، إذا أتقنتها فأي كتاب من كتب الصفات يمر عليك لابد أن ترجع هذه الفروع إليها، مثل: كلامنا عن أقسام الصفات، الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، والضابط لكل صفة من هذه الصفات، والقاعدة في الجمع بين الإثبات ونفي التشبيه، ومعنى هذه القاعدة، والضابط في موضوع التشبيه، والكلام على القدر المشترك، وضبط القدر المشترك، ومعناه، وبعض الأحيان تكون صفة واحدة مجموع فيها ضوابط وقواعد، مثل: صفة كلام الله عز وجل، فيها قواعد خاصة، مثل حقيقة كلام الله سبحانه وتعالى، وهل هو اللفظ أو المعنى؟ ومعنى: إثبات كلام الله عز وجل، وأنه بحرف وصوت، وأدلة هذا.

    هذه أشياء تتكرر معك في كل باب من الأبواب التي تواجهها في كتب العقيدة، ستجدها في الطحاوية والسفارينية والأسماء والصفات للبيهقي ، وأنت بحاجة إليها مستمرة ودائمة، فاقتناص الضوابط والقواعد من حذق طالب العلم وذكائه وفهمه، فينبغي الاهتمام بهذه القضية.

    قال: [السادس: جمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة.

    وكان من رأي ابن العربي المالكي ألا يخلط الطالب في التعليم بين علمين، وأن يقدم تعليم العربية والشعر والحساب، ثم ينتقل منه إلى القرآن، لكن تعقبه ابن خلدون : بأن العوائد لا تساعد على هذا، وأن المقدم هو دراسة القرآن الكريم وحفظه؛ لأن الولد ما دام في الحجر ينقاد للحكم، فإذا تجاوز البلوغ صعب جبره.

    أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط].

    1.   

    وجوب الإيمان بالقدر

    باب القدر في الحقيقة هو جزء من أبواب الصفات؛ فعندما تأملنا لمراتب القدر الأساسية التي من آمن بها فقد آمن بالقدر بصورته الصحيحة، نجد أنها كلها راجعة إلى صفات الله سبحانه وتعالى، فالقدر هو فعل الله عز وجل في الخلق.

    لكن أهل العلم أفردوه بالتأليف وبالكلام، وجعلوه باباً مستقلاً؛ لكثرة الخلط الذي وقع في هذا الباب العظيم من أبواب الدين.

    والقدر ورد وجوب الإيمان به في القرآن الكريم، كما قال الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، وورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإيمان به، وأشهر حديث في ذلك هو حديث جبريل الطويل، عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، وأشراط الساعة، فكان مما أجابه به عن الإيمان أن قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره).

    بل إن سبب حديث جبريل هو ظهور طائفة في البصرة تنكر القدر، فأصل الحديث: هو أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري جاءا من البصرة حاجين، فلما كانا في يوم عرفة التقيا بـعبد الله بن عمر قال: فاكتنفته أنا وصاحبي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن !إنه ظهر قبلنا قوم يتقفرون العلم -يعني: يدعون العلم ويشتغلون به- يقولون: إنه لا قدر، وإن الأمر أنف، يعني: الأمر محدث، وأن العبد يفعل فعله بدون قدر من الله، وبدون علم من الله وهذا يدل على أن بدعة القدرية ظهرت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم.

    فتبرأ منهم هذا الصحابي، وقال: أخبروهم: أنني براء منهم، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً لم يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر.

    ثم ساق لهم حديث جبريل عن والده عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد...).

    1.   

    الإيمان بالقدر وما يدخل فيه

    الإيمان بالقدر ركن أساسي من أركان الإيمان، ومعنى الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بأربعة قضايا وأصول:

    الأصل الأول: أن يؤمن بعلم الله الشامل المحيط بكل شيء، بما في ذلك أفعال العباد وتصرفاتهم.

    الأصل الثاني: أن يؤمن بمشيئة الله عز وجل العامة الشاملة لكل شيء، وأنه لا يمكن أن يخرج شيء من الأشياء عن مشيئة الله سبحانه وتعالى.

    الأصل الثالث: أن يؤمن بكتابة الله عز وجل لمقادير العباد، وأن الله عز وجل قد كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن الله عز وجل علم منازل وأعمال وتصرفات العباد، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ عنده.

    الأصل الرابع: هي أن يؤمن أن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى.

    هذه الأصول الأربعة لابد من الإيمان بها، فإذا آمن بها فإنه يكون سنياً على الجادة، وإن لم يؤمن بها فإنه يكون مبتدعاً ضالاً بحسب إنكاره أو تأويله لأحد هذه الأصول.

    والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من البحث في القدر بغير المنهاج الشرعي، ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فوجدهم يتكلمون في القدر، وبعضهم ينزع بآية، وبعضهم ينزع بآية أخرى، غضب عليه الصلاة والسلام، واحمر وجهه كأنما فقئ فيه حب الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم، أن تضربوا كلام الله بعضه ببعض؟)، فنهاهم صلى الله عليه وسلم.

    ونهيه صلى الله عليه وسلم ليس عن الكلام في القدر كعلم، وكباب من أبواب الدين لا ينبغي الحديث عنه، وإنما نهاهم عن الطريقة التي اتبعوها في ذلك، وهي أن يضربوا كلام الله عز وجل بعضه ببعض، ويتصوروا أن بعضه مخالف لبعض، وهو ليس كذلك.

    الصورة المجملة للإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قبل أن يخلق العباد، وقبل أن يخلق السماوات والأرض كان يعلم أنه سيخلق الناس، ويعلم ماذا سيعملون، ويعلم على أي شيء سيموتون، وعلى أي شيء سيبعثون، وفي أي منزل سيكونون في الجنة أو النار.

    وفي الوقت نفسه خلق في الإنسان قدرة وإرادة، فهو يريد ما يشاء، وبقدرته يستطيع أن يفعل ما يشاء، فالإنسان من حيث القدرة والإرادة مختار ولا جبر عليه، ولهذا يقسم العلماء موضوع الجبر إلى قسمين.

    والحقيقة أن أهل العلم ينهون عن كلمة الجبر؛ لأن كلمة الجبر يفهم منها: أن الله عز وجل جبر العباد على شيء لا يريدونه، لكنهم يسمونه الجبل -باللام- كما ورد في حديث أشج عبد القيس عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة قال: يا رسول الله! أشيء جبلني الله عليه أم شيء مني؟ قال: بل جبلك الله عليه -خلقك الله كذلك- قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب).

    أقسام العباد في أفعالهم

    أفعال العباد تنقسم إلى قسمين: قسم ليس لهم فيه اختيار، وقسم لهم فيه اختيار.

    القسم الذي ليس لهم فيه اختيار، مثل: ألوانهم، وآبائهم، وأمهاتهم، وما يتعلق بالزمان الذي ولدوا فيه، فأنت غير مخير في لونك وأبيك وأمك وفي الزمان الذي ولدت فيه.

    فهذه القضايا ليس فيها اختيار، لكن في نفس الوقت لم يرتب عليها ثواب ولا عقاب في ذاتهم، فلا يعاقبك لأنك أبيض، أو أشقر، أو أسود، أو قصير أو طويل، أو لأنك في البلد الفلاني، أو لأنك ولدت في القرن العشرين؛ لأن هذا ليس من اختيارك أبداً.

    وهناك قسم آخر للعبد فيه اختيار وإرادة وقدرة، وهو ما يسمى: الأعمال الاختيارية، وهي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، فالإنسان قادر على الطاعة، وقادر أيضاً على العصيان، وهذا شيء يشعر به الإنسان في نفسه، وأخبر الله عز وجل عنه.

    الجمع بين اختيار العبد وما كتب عليه

    كيف يمكن لنا أن نجمع بين أن الإنسان قادر على أن يفعل ما يريد ويختار ما يشاء، وبين أن الله عز وجل عالم بأعماله وقد كتبها عليه؟

    يعني: أنا وأنت الآن مكتوب على كل واحد منا هل هو شقي أم سعيد قبل أن تخلق السماوات والأرض، ومكتوب أن فلان بن فلان سيعمل كذا وكذا، ويموت على كذا، ويكون من أهل الجنة أو من أهل النار.

    فكيف نجمع بين الاختيار وبين ما كتبه الله عز وجل؟

    نقول: ليس هناك أي تعارض في هذا الأمر، فما كتبه الله عز وجل ناتج عن علمه؛ فعلمه ليس كعلمي وعلمك، فأنت لا تعلم ماذا سأعمل غداً، لكن الله يعلم ذلك، فهل الله عز وجل عندما علم أحوال العباد وماذا سيختارون فكتب ذلك.. هل يعني هذا أنه جبر أحداً؟ لا. لم يجبر أحداً سبحانه وتعالى، لكنه علم ماذا سيختار.

    نحن بإمكاننا أن نصلي الفجر ثم نرجع إلى بيوتنا مرة أخرى، ولن تجد ملائكة تقف بوجهك على الأبواب، تقول لك: لا تدخل لأن الله كتب عليك أنك من أهل النار.

    لكن هذا الاختيار الذي أنت ستفعله بالصلاة أو بترك الصلاة علمه الله قبل ذلك فكتبه؛ وعندما كتب ذلك هل ألزمك أو جبرك على ذلك وأنت لا تريد؟ لا.

    فالإنسان الذي يذهب إلى الزنا قادر على أن يبتعد عنه، وقادر على أن يذهب إليه، فبعض الناس يقول: إذا زنيت أليس الله قد كتبها علي قبل ذلك؟ نقول: إذا زنيت وانتهى الموضوع صح قولك، ويكون كتبها الله عليك قبل ذلك، قال: إذاً جبرني؟ كيف جبرك؟! بل أنت الذي اخترت هذا الأمر، لكن علمه القديم سبحانه وتعالى والواسع يشمل ما ستفعله، وما ستموت عليه، بل يشمل ما هو أوسع من ذلك؛ لأن علمه شامل لاختيارات الناس، وهو الذي كتبه في اللوح المحفوظ، فما كتبه في اللوح المحفوظ ليس معناه أن العبد يريد خلاف هذا الشيء، وكتب عليه هذا الأمر جبراً له، فنحن نعرف من واقعنا وسلوكنا وحياتنا أنه ليس هناك أحد يمنعك عن الطاعة إذا أعجبتك؛ فالأنبياء مثلاً إذا أعجبتنا تصرفاتهم نستطيع أن نقتدي بهم.

    إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه تكن مثلما يعجبك.

    فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك

    إذا جئت إلى الأعمال الصالحة هل ستجد حجاباً يمنعونك منها؟ لن تجد، وكذلك إذا أردت الفساد والانحراف والعياذ بالله.

    ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (ناظروا القدرية بالعلم، فإن أجابوا خصموا، وإن أنكروا كفروا).

    القدرية لم يفهموا موضوع علم الله عز وجل الشامل، فأنكروا الكتابة، وقالوا: ليس هناك قدر، والأمر أنف، وليس هناك شيء مكتوب، وهذا غير صحيح؛ لأنهم أولاً لا يؤمنون بالنصوص، وهذا في حد ذاته قدح عظيم جداً؛ لأن النصوص الشرعية دلت على الكتابة، وعلى غير هذه الأمور.

    وثانياً: أنهم لم يدركوا كيفية الجمع بين اختيار الإنسان الذي هو واقع ويشعر به الإنسان، وبين الأخبار الشرعية بأن الله كتب هذه الأشياء.

    لذا قال الشافعي رحمه الله: (ناظروا القدرية بالعلم) يعني: هؤلاء الذين أنكروا القدر ناقشوهم بصفة العلم، قولوا لهم: هل تؤمنون بعلم الله عز وجل الشامل؟ فإن قالوا: نعم نؤمن بعلم الله الشامل (خصموا)؛ لأن الكتابة فرع عن علمه الشامل، أي: كيف تنكر كتابته وتثبت علمه فتجمع بين المتناقضات؟

    قال: (وإن أنكروا كفروا) يعني: إذا أنكروا صفة العلم وقعوا في الكفر، وقد أجمع العلماء على أن من أنكر أن الله عز وجل عالم فهو كافر؛ لأنه أنكر صفة من صفات الله عز وجل الأساسية التي يؤمن بها كل الناس، واتهم الله بالجهل، والعياذ بالله!

    ولهذا كان السلف يكفرون أوائل القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، ولا يعلم أفعال العباد إلا بعد أن تقع، لكن هذه الطائفة انقرضت، والمتأخرون منهم أثبتوا صفة العلم ونفوا الكتابة؛ لأنهم ظنوا أن الكتابة فيها إلزام للخلق بما لا يريدون، وهذا فهم فاسد، فإن الكتابة فرع عن العلم، وليس فيها إلزام للإنسان إلا بما يختاره، فإذا اختاره فهو نتيجة ما كتبه الله عز وجل عليه.

    الإيمان بمشيئة الله عز وجل وإرادته الكونية العامة

    إن الله عز وجل لا يكون في خلقه إلا ما يريد، ولا يمكن أن يفعل العبد فعلاً -حتى لو كان من اختياره- إلا بعد إرادة الله كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، فلا يمكن للعبد أن يختار أمراً إلا بعد مشيئة الله عز وجل لذلك، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى.

    وإرادة الله تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية، والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية معناها الإرادة العامة الشاملة لجميع أحوال الناس، فلا يمكن أن يكون في حياة الناس شيء إلا بمشيئة الله، سواء رضي الله عنه أو لم يرضه، فالكفر والشرك حاصلان بمشيئة الله، والطاعة والإيمان حاصلان بمشيئة الله، وظلم الظالمين وعدل العادلين حاصلان بمشيئة الله.

    لكن قد يقول قائل: لماذا يشاء الله هذه الأمور السيئة مثل الظلم، والكفر، والعدوان، ووجود الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء؟

    والجواب: من أجل الاختبار والابتلاء، فالله عز وجل قدر أن النوع الإنساني يكون في هذه الأرض مختبراً، يبتليه عز وجل بأشياء متعددة، ويأمره بأوامر، ويرسل إليه الرسل، فإن أطاع فإنه يدخل الجنة ثواباً، وإن عصى فإنه يدخل النار عقاباً.

    والثواب والعقاب والجنة والنار لا تحصل إلا نتيجة اختبار، فالله عز وجل اختبر العباد، وجعل لهم أموراً معينة تنقذهم من الهلكة: الأمر الأول الفطرة الطيبة التي تدعو الإنسان إلى التأله والحاجة لله عز وجل.

    والأمر الثاني: إرسال الرسل.

    والأمر الثالث: قوله (إن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق).

    الأمر الرابع: أنه في حياة الإنسان وفي نفسه ما يدله على الخير، كما قال الله عز وجل: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

    والأمر الخامس: أن الله عز وجل خلق له عقلاً يستطيع أن يتفهم به الأمر الصالح من الأمر السيئ، وأن يتفهم ما ينفعه مما لا ينفعه، مع جعل النفس ترغب وتنشرح وتطمئن وتنساق إلى الأمر الذي فيه منفعة للإنسان، وتنزعج وتشعر بالهم والتعاسة من الشيء الذي لا يوافق دين الله سبحانه وتعالى.

    هذه أمور معينة للعبد، هناك أيضاً أمور خطيرة بالنسبة للعبد، مثل الشهوات التي تدفع الإنسان للمعصية، مثل شهوة الجنس، وطلب الفاحشة وشهوة حب المال والجاه، والرياء وغيرها من الشهوات.

    وخلق أيضاً الكفر والفسوق والعصيان، وخلق الشيطان الذي يزين له المعصية، كما حصل لـأبي العلاء المعري ، فقد كان رجلاً أعمى وكان يحب الزنا كما يذكر من ترجم عنه -فيقال: إنه جيء له بزوجته، فبعد أن فرغ منها قالت له: أنا فلانة، فقال لها: ما أقبحك حلالاً وما أحلاك حراماً! يعني: ما أحلى الحرام، وما أقبح الحلال! فالشيطان يزين المعصية للإنسان.

    وهناك عدة قضايا جعلها الله اختباراً للإنسان، فالإنسان في هذه الحياة بين هذه الأمور جميعاً في حالة اختبار ولم يظلمه الله عز وجل بل أرسل إليه الرسل، ونصب العلامات الدالة عليهم وهناك من الأدلة العقلية المقنعة ما يمكن للإنسان أن يستفيد منها، فإذا انحرف الإنسان فإنه يتحمل مسئولية نفسه؛ لأنه هو الذي اختار هذا الدرب وهذا الطريق بمحض مشيئته واختياره، دون جبر من الله سبحانه وتعالى.

    لكن لا يمكن للعبد أن يفعل الكفر إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل الحرام إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل أي أمر من الأمور إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ هذا النوع الأول من المشيئة.

    الإيمان بالإرادة الشرعية

    معنى الإرادة الشرعية: أن الله عز وجل أراد من العباد أن يطيعوه، ويعبدوه، ويفردوه بالتوحيد، ويطيعوا المرسلين، ويلتزموا بأوامره، ويجاهدوا الكافرين، ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويصلحوا أنفسهم وأهليهم وأبناءهم، ويجتهدوا في ذلك.

    والإرادة الشرعية قد تحصل وقد لا تحصل؛ ولهذا قال: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] هذا معنى الإرادة الشرعية مع أنه لا يمكن أن يقع الكفر إلا بإرادة الله عز وجل الكونية العامة.

    الإيمان بالكتابة للمقادير

    كتب الله عز وجل مقادير العباد جميعاً أولاً في اللوح المحفوظ، ثم في كل سنة.

    هذا التقدير يسمونه التقدير الكوني أو العام.

    والنوع الثاني: التقدير العمري، يعني: لا يولد الإنسان إلا وله تقدير معين، ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن المولود إذا بلغ ثلاثة أشهر، ونفخ فيه الروح، جاءه ملك فقال: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب عمره، ورزقه، وشقي أو سعيد، هذا هو التقدير العمري.

    ثم في كل سنة من السنوات يكون هناك تقدير حولي أو سنوي، وهذا يكون في ليلة القدر فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]، ففي هذه الليلة يحصل تقدير للعباد.

    وأيضاً: الملائكة الذين وكلهم الله عز وجل بتنفيذ أوامره فيما يتعلق بالعباد لديهم كتب مكتوب فيها ما سيحصل للإنسان، وينفذون ذلك بشكل تفصيلي على الناس.

    وما يحصل من التبديل والتغيير -كما ورد في بعض النصوص- إنما يكون في صحف الملائكة، وأما التقدير العام فلا يتغير؛ لأنه علم الله عز وجل الشامل لكل شيء.

    الإيمان بأن الله خالق أفعال العباد

    أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، سواء الأفعال الحسنة أو السيئة، فلا يفعل العبد الفعل إلا بخلق الله عز وجل لذلك الفعل.

    والفعل في حقيقته يتكون من إرادة وقدرة، فإذا تخلف واحد من هذين يتخلف الفعل، مثلاً: أنا أريد أن أخذ منديلاً واحداً من هذه المناديل، فهذا فعل لابد فيه من إرادة، ولابد فيه من قدرة، لو تخلفت الإرادة هل سآخذ؟ لا؛ لأني ما أردت، لكن لو أردت وأنا لا أقدر لأي سبب من الأسباب، هل يكون الفعل؟ لا يكون الفعل إلا باجتماع الأمرين: إرادة وقدرة، وهذه خلقها الله عز وجل في الإنسان، وما ينتج عنها مخلوق لله عز وجل؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

    فالله عز وجل خالق كل عبد وصنعته، فهو سبحانه وتعالى خالق العبد، وما ينتج عن العبد من أفعال أو أقوال أو تصرفات، وما نتج عن مخلوق فهو مخلوق.

    لكن هناك سؤال: هل إرادة الإنسان وقدرته على الفعل إرادة وقدرة مستقلة، يعني: بدون إرادة وقدرة من الله سبحانه وتعالى؟ الجواب: لا، لابد أن يكون هناك إذن من الله عز وجل.

    إذاً إثباتنا لقدرة العبد واختياره ومشيئته لا يدل على أن العبد مختار استقلالاً عن الله عز وجل، إذاً نفهم قاعدة الأسباب؛ أن الأسباب موجودة، وهي ليست مستقلة عن الله عز وجل.

    المطر ينزل من السماء فتنبت الأرض، فسبب النبات هو المطر، وهل هذا المطر خلق النبات؟ لا، لكن كان سبباً فيه، وذلك أن الله عز وجل جعل في الكون عللاً وغايات وأسباباً، وهذه الأسباب جعل الله عز وجل فيها خاصية معينة ينتج عنها المسبب، فالمطر جعل فيه خاصية إنبات الزرع، هذه الخاصية المعينة خلقها الله عز وجل، فالذي خلقها قادر على تعطيلها، وقادر على أن ينزل المطر فلا تنبت الأرض، وقادر على أن ينزل المطر فتنبت الأرض.

    فهكذا أفعال الناس، وهكذا أيضاً كل سبب من الأسباب؛ فإنه من جهة يعتبر سبباً حقيقياً مؤثراً، لكن تأثيره ليس تأثيراً استقلالياً، بل هو تابع لإرادة الله عز وجل وقدرته، وإذا شاء الله عز وجل فإنه يعطل هذه الأسباب.

    فمثلاً النار التي أعدها النمرود لإبراهيم عليه السلام، أليس من طبيعتها وخاصيتها الإحراق؟ بلى لكن الذي خلق فيها هذه الطبيعة وهذه الخاصية سلب منها ذلك لما ألقي فيها إبراهيم: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فكانت هذه النار برداً وسلاماً على إبراهيم، فلم يشعر بالحرارة، ولا بالحرق، بل كانت برداً وسلاماً، مع أن الطائر كان إذا جاء من فوقها يحترق من شدة لهيبها.

    وأيضاً السكين أليس من طبيعتها القطع؟ وهذه خاصية من خصائصها، فكذلك عندما أراد إبراهيم أن يذبح ولده، سلب الله عز وجل هذه الخاصية، فلم يحصل الذبح بها.

    لكن الأصل أن الأسباب مؤثرة، ثم قد يسلبها الله عز وجل إذا شاء، وهذا يدل على أن تأثير الأسباب في المسببات ليست تأثيراً استقلالياً، بل هي تابعة لإرادة الله عز وجل.

    هذا التأصيل هو عبارة عن شرح لعقيدة أهل السنة والجماعة، أو للجزء الأساسي لموضوع القدر الذي في عقيدة أهل السنة والجماعة، وهناك مسائل متفرقة قد لا تعنينا الآن، لكن الذي يعنينا هو ما ذكرنا، ولو رجعنا إلى كتاب القدر في صحيح البخاري سنجد أن كل نص من النصوص يعود إلى أصل من هذه الأصول المذكورة.

    الاحتجاج بالقدر

    قصة احتجاج آدم وموسى، وقوله له: (خيبتنا وأخرجتنا من الجنة) يقول: نحن كنا في الأصل في الجنة، لو أنك بقيت في الجنة لبقيت ذريتك، فكأنه ينتقد آدم بسبب المعصية التي حصلت منه.

    فرد عليه آدم وذكر له أن الله عز وجل أعطاه التوراة، وخطها له بيمينه، قال: (ألم تقرأ فيها أن الله كتب علي ذلك قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة).

    ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) يعني: أن آدم غلب موسى؛ لأن آدم بين لموسى أن هذا أمر مقدر ومكتوب عليه قبل أن يخلق، ففيه إثبات القدر والكتابة، وبين أن له عذره في ذلك، وهو يحتج بالقدر هنا على المصائب، وهذه قاعدة عند أهل السنة، أن الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب لا على المعائب.

    والضابط في هذا هو توقيت الاحتجاج، فإذا كان الاحتجاج على المعصية قبل فعلها فهذا احتجاج بالقدر على المعائب لا يجوز.

    أما إذا وقعت منه ثم ندم وتاب فإنها تعتبر بالنسبة له مصيبة؛ لأنها صارت تاريخاً.

    مثلاً: إنسان هذه الليلة حصل منه أنه سب، والسب معصية، وقبل أن يسب بين لنا أنه يريد أن يسب، فقلنا له: اتق الله عز وجل، فقال: هذا مكتوب علي، نقول له: كيف عرفت أنه مكتوب عليك. هذا الاحتجاج احتجاج فاسد، وليس احتجاجاً بالقدر؛ لأنك لم تفعل بعد ولأنه ادعى أنه مكتوب عليه، وهذا ادعاء لشيء لا يعرفه!

    لكن لو فرضنا أن إنساناً لم يحتج بالقدر، فحصل أن سب، ثم بعد أن سب ندم، وبعد أن ندم احتج بالقدر، قال: هذا أمر قدره الله علي، فأنا أتوب إلى الله عز وجل منه. فهذا احتجاج صحيح؛ لأنه يحتج على الماضي لا على المستقبل، ويحتج على أمر كان منه، ولا يحتج على أمر سيكون منه، واحتج على أمر ندم عليه، ولم يحتج على شيء سيفعله.

    من أشد الشبه تهافتاً شبه الذين يحتجون بالقدر على الذنوب؛ لأنهم من أشد الناس تناقضاً، فهو لا يحتج بالقدر في الأمور الطبيعية، فإذا سرق ماله يطالب به، وإذا ضربه أحد يضاربه، وإذا أخذ حقه يشتكي.

    ولهذا يروى أن عمر بن الخطاب جاءه سارق وقال: سرقت بقدر الله، قال: نقطع يدك بقدر الله، فكلها بقدر الله.

    ويروى -كما ذكر ابن تيمية في العبودية- أن عبد القادر الجيلاني قال: انفتحت لي روزنة -يعني: باباً أو فتحة -أشاهد منها في القدر، فنحن نقاوم قدر الله بقدر الله، يعني: كما أن الله عز وجل قدر هذه المعاصي والذنوب، فنحن نقاومها بقدر الله عز وجل، وهو أن ندفعها عن أنفسنا، وهذا من الفقه، ومن العلم بالشرع.

    ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العجز والكيس بقدر الله)، يعني: بعض الناس عاجز، تقول: ابحث عن عمل، يقول لك: لم أجد، هل بحثت؟ قال: لا. ولو بحثت فلن أجد، كيف عرفت؟ قال: أتوقع ذلك، فهذا العجز بقدر الله.

    وآخر فطن ذكي يبحث عن مصالحه، ويستطيع أن يصل إلى مصالحه، فهذا انتفع، والجميع بقدر الله سبحانه وتعالى، حتى العجز والكيس بقدر الله سبحانه وتعالى.

    ولهذا ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً كبيراً سماه: شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

    وهناك رسالة لـشيخ الإسلام رحمه الله عن الاحتجاج بالقدر يحسن الرجوع لها، وهناك كتب قديمة كتبها السلف الأولون فيما يتعلق بالقدر، فقد كتب عبد الله بن وهب كتاب القدر، وكتب الفريابي كتاب القدر، وأيضاً في كتب العقيدة المسندة، مثل شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ففيها أبواب مستقلة في القدر، وكذلك الشريعة للآجري ، والإبانة لـابن بطة وغيرها من الكتب القديمة هذا ما يتعلق بهذه المسألة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم أهل الفترة

    السؤال: كيف نرد على من يقول بأن المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد عيسى قد جبروا على الشرك؛ لأنهم وجدوا آباءهم مشركين، ولم يكن لديهم رسول أو كتاب حتى تقام عليهم الحجة من الله سبحانه وتعالى؟

    الجواب: ليس هناك أحد مجبور، وهؤلاء الذين كانوا في هذه الفترة ليسوا مجبورين على أفعالهم، وهم أنواع: نوع منهم اتبع الأنبياء، ولم يقبل عقائد المشركين.

    ونوع قبل التغييرات التي أحدثها بعض المشركين.

    فهم كانوا يعرفون أن هذا البيت لله، وأن الذي بناه إبراهيم، وأن الحنيفية ملة إبراهيم، ومع هذا يشركون في عبادة الله عز وجل، وهكذا كان النصارى واليهود يحرفون كتابهم، وكان منهم طوائف مسلمون لكنهم قلة، حتى أن بعضهم حصرهم في طائفة واحدة، وهم أتباع آريوس الذي كان من دعاة التوحيد لكنه حورب من الدولة الرومانية في تلك الفترة.

    والتحقيق في شأن أهل الفترة: أنهم يوم القيامة يختبرون، كما ثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث يضعفه بعض العلماء لكنه بمجموع الطرق يكون حسنًا، وهو: أن الله عز وجل يخرج لهم يوم القيامة عنقًا من نار، ثم يأمرهم بالدخول فيها، فمن دخل فيها طاعة لله عز وجل فإنه يدخل الجنة، ومن عصاه وأبى الدخول فيها فإنه يكون من أهل النار، وهذا هو التكليف الذي أراده الله عز وجل لهم، وهذا من حكمته سبحانه وتعالى.

    معرفة الملائكة للخالص من الأعمال من غيرها

    السؤال: هل الملائكة يعلمون عند كتابهم للطاعة أنها خالصة لله أم غير ذلك؟

    الجواب: نعم، عندما يكتب الملك عملك الظاهر، أو نطق لسانك أو إرادتك القلبية يعلم به، وقد جعل الله عز وجل للملائكة الذين يكتبون الأعمال القدرة على معرفة هذا الأمر وكتابته.

    العمل في المقدر

    السؤال: هل يستطيع الإنسان أن يغير قدره؟

    الجواب: هل تقصد أنه يصعد إلى السماء ويمسح الذي في اللوح المحفوظ، ويكتب شيئاً جديداً؟ فهذا لا يمكن، وكيف يغير قدره؟ وما أدراك عن قدرك؟

    القدر بالنسبة لك سر لا تعرفه، ولهذا قال العلماء: القدر سر الله في خلقه، وأنت لا تدري، ولست مطالباً في الشرع أن تعرف هل أنت مكتوب مسلماً أم لا؟ ولا يعاقبك الله يوم القيامة إذا لم تعرف، فهذا أمر ليس في حدود قدرتك.

    لكن هناك شيء تستطيعه أنت، وهو أن تلتزم بطاعة الله، وتخاف أن يكون مكتوباً عليك أنك من أهل النار، فتعمل الطاعة وتجتهد، وأنت قادر على أن تعمل الطاعة.

    فأنت لا تشغل نفسك بما لا ينفعك، بل تشغل نفسك بما ينفعك، ولهذا الصحابة رضوان الله عليهم عندما سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم في القدر، قالوا له: (يا رسول الله! أنعمل في شيء مضى وانقضى أم فيما يستقبل؟ قال: بل في شيء مضى وانقضى -يعني: مكتوب عليك- قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فأمرهم بالعمل، فأنت إذا عملت الطاعة ستيسر لك الطاعة، وأما إذا عملت المعصية؛ فإنها ستجرك إلى معصية أخرى، وستقع في المنكر، فينبغي إدراك هذه القضية.

    حكم الاعتماد على الرؤى لإنشاء أحكام شرعية

    السؤال: سمعت من أحد الشباب: أن امرأة رأت في المنام أنها ولدت، وولدها كان يرضع من القمر، وسألت مفسر الأحلام فاستحلفها على ذلك فأجابها بقوله: إن المهدي ولد؟

    الجواب: كثير من الناس مع الأسف يبني أشياء في الشريعة على رؤى وأحلام.

    أولاً: قد يكون هذا من حديث الشيطان مع هذه المرأة، فكيف يدعي أن المهدي ولد؟ هل مجرد أن هذه المرأة رأت طفلاً يرضع من القمر يثبت ذلك، ربما يفسرها مفسر آخر بأن هذا الطفل سيخرج عالماً في القرآن؛ لأن القمر هو عبارة عن نور، والله عز وجل وصف القرآن بأنه نور، فكونه يرضع منه فهو يقبل هذا النور ويصير عالماً، ما المانع أن يكون هذا هو التفسير؟ لماذا يحدد تفسيراً معيناً، هل جاءه ملك من السماء وأخبره أن التفسير هو كذا؟ هذه اجتهادات، والاجتهادات لا يصلح للإنسان أن يتخذها منهجاً.

    وبعض الخرافيين أصبحوا الآن يرددون، يقول أحدهم: أنا عندي مائة رؤيا على أن المهدي سيولد، بل بعضهم يحدد ويقول: سقوط هذه الدولة سيكون في الوقت الفلاني، وسقوط هذه الأمة سيكون في الوقت الفلاني، والمهدي سيخرج بعد أربعة أشهر.

    وفي عام ألف وأربعمائة ظهر مجموعة من الشباب اشتغلوا بهذه القضية، فأخرجوا لنا رجلاً اسمه عبد الله القحطاني ، وادعوا أنه المهدي وبنوا على رؤى، وجاءوا به إلى الحرم مسلحين وادعوا له المهدية، وأمروا بإغلاق الأبواب، وأصبحت مأساة في تاريخنا مع الأسف، وأصبحت مصيبة من المصائب، لماذا صارت مأساة؟ لأنهم قاتلوا في المسجد الحرام، في الشهر الحرام ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وحجب الناس عن الصلاة أكثر من خمسة عشر يوماً، وقاتلوا المسلمين وحصلت فتنة مبناها وأساسها فاسد، ولهذا خالفهم كبار علماء المسلمين في ذلك الوقت.

    فأقول: الذين يشتغلون بهذا الأمر بدءوا في طريق منحرف عن السنة، فإن هذه الرؤى هي عبارة عن أشياء مبشرة، والناس يختلفون في تأويلها، قد يجتهد فلان فيؤولها بمعنى، ويجتهد فلان فيؤولها بمعنى آخر، ويجتهد فلان ويؤولها بمعنى ثالث.

    أما أن يتخذها الإنسان منهجاً في حياته فهذا انحراف، بعض الناس الآن أصبح كل ليلة يرى رؤيا، مع أنه قبل سنتين ما كان يرى، لكن انقلب فكره وصار مهتماً بالرؤى فصار يراها، وتتلاعب به الشياطين.

    وبالذات قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما كان يرى رؤى، ولا كان يفكر فيها، ولا يخطر في باله أنه سوف يرى رؤى، لكن بعدما اهتم بهذا الجانب أصبح كلما نام يرى رؤيا، ثم يجمع الرؤى ويقول: أنا عندي عشر رؤى تدل على أن الوزير الفلاني سيموت.. عندي ثمانون رؤيا تدل على أن أمريكا ستسقط، ومعلوم أن كل دولة ظالمة تستمر فترة من الزمن بهذا الظلم والتعسف ثم تسقط، لكن بعض الأحيان يحددون: ستسقط بعد أربعة أشهر، وهؤلاء سينكشف أمرهم بعد أربعة أشهر، وإذا بهم طواغيت في كل مكان يذبحون خلق الله عز وجل، فيقال: أين رؤاك، قال: لا. هناك رؤى ثانية تدل على أن هذا بعد سنة، وهكذا.

    وهذا المنهج الرديء منهج مخالف للكتاب والسنة قطعاً؛ لأن الرؤى ليس لها قيمة في الشرع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن الرؤى ويجيب؛ لكن هل بنى حياته الدعوية أو السياسية أو الاجتماعية على الرؤى؟ لا. بل خاض غزوة بدر وغيرها من الغزوات بدون رؤى، وبنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دولة عملاقة ضخمة استطاعوا أن يسيطروا بها على العالم بأكمله بدون أي رؤى، وهل كان الصحابة رضوان الله عليهم يومياً -مثل بعض الناس- يرون رؤى بهذا الأسلوب؟ ما كانوا بهذه الطريقة.

    الشاهد: أن هذا الأسلوب هو الموضة الجديدة عند بعض الشباب مع الأسف، الرؤى ومعالجة المرضى عن طريق الجن المسلمين، وفي كل سنة تظهر لنا موضة، والمشكلة عندما يتبناها أشخاص كانوا يوماً من الأيام من الدعاة إلى الله عز وجل.

    لكن ينبغي على الإنسان أن يحمد الله سبحانه وتعالى على الالتزام بالسنة، والإنسان مهما يكن قد ينحرف عنها، سواء كان هذا الانحراف قليلاً أو كبيراً، لكن ينبغي أن يدرك الإنسان أن المنهاج الشرعي هو التعامل مع الكتاب والسنة.

    وقد أمرنا الله عز وجل أن نقاوم المنافقين والكافرين، وأن نجتهد في عمل الصالحات، وأن ندعو إلى الله، وأن نصلح المجتمع.

    ولم يأمرنا الله عز وجل في أي نص من النصوص بأن نجمع الرؤى؛ لنتكلم عن الغيب، كهذه الطريقة التي يسعون لها، واتخذوها منهجاً.

    هناك فرق بين من يتكلم في الرؤى مرة ومرتين وثلاثاً أو يتكلم بها في شيء عابر، وبين من يتخذها منهجاً، حتى صارت ديدناً له، يتكلم بها في كل وقت، لو يطلع معك في سيارة ويغفو قليلاً يرى رؤيا، لا يمكن أن ينام بدون رؤيا، ولا يمكن أن تكون هذه الرؤية شيئاً عادياً، فلا بد من مهدي يطلع، ودولة تسقط، وحاكم سيموت، والمسلمون سيبتلون ببلية، الرؤى كلها موضوعها محدود، إما سياسية أو تتعلق بأخبار الساعة.. كلها حسب اهتمامات الشخص، أو أن فلاناً من الدعاة إلى الله عز وجل سيصير حاكماً لدولة عظيمة أكبر من أمريكا، لماذا؟ لأنه يحدث نفسه بها، ويفكر في هذا الموضوع دائماً، فتجد أنه ينام ويصحو على الرؤى، ويحلل هذه الرؤى بهذه الطريقة. هذا منهج رديء مذموم، ليس عليه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا أتباعه إلى يوم الدين، وهؤلاء لا يجدون مستنداً إلا الكلام العام حول الرؤى.

    ونحن لا ننكر الرؤى، ولا ننكر تعبير الرؤى، هناك كتاب في صحيح البخاري اسمه كتاب التعبير، وهناك تعبير كثير من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه الكرام، لكن هذه لم تصبح منهجاً، فانظر إلى سلوك هؤلاء الأشخاص وبالذات الذين يتحدثون عن المهدية، هؤلاء هذا سلوكهم وهذه طريقتهم.

    ولهذا أنا أطلب منكم أن تحذروا من هذا الاتجاه الغريب الذي بدأ يصعد، نحن مع الأسف في زمن الفتن، وتظهر فيه مناهج غريبة، وأفكار شاذة، وآراء غير موافقة للسنة، فبدلاً من أن يثبت الإنسان في مثل هذه الفتن ويدعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة يأتي بالأشياء الغريبة والشاذة والنادرة، والأشياء التي لم يفعلها أهل العلم، بل بعضهم إذا قلت له: إن هذا الطريق الذي أنت عليه ليس عليه أهل العلم، قال: تقصد الانبطاحيين فصاروا يسبون أهل العلم بالجملة، ويلعنونهم بالجملة، وهذا منهج رديء خطير، وغلو وإسراف ينبغي البعد عنه والتحذير منه!

    وهناك فرق بين الإيمان بالرؤى كقضية من القضايا الشرعية وردت في السنة، ونؤمن بها ونعبر ونتكلم في التعبير، وقد يقع بعض هذا التعبير-ليس كله- وبين الاتجاه الذي أصبح ينام على رؤيا ويستيقظ على رؤيا، وكلها في السياسة.

    وقد أرسل إلي أحدهم رسالة في الجوال في العشر الأواخر يقول لي: تواترت رؤى الصالحين أن ليلة القدر هي ليلة خمس وعشرين!

    أولاً من ادعى التواتر؟ ثم كيف عرفت أنهم صالحون هل أنت تعرفهم؟ يجمعون رؤى فلان، وفلان وفلان قال: إن العجوز الفلانية رأت رؤيا، وفلان قال إنه واحد من عيال عم أبي رأى الرؤيا الفلانية، وبهذه الطريقة، ويمكن أن يزيدوا وينقصوا فيها.

    هذه الطريقة غير صحيحة، ومخالفة للنصوص، ينبغي الحذر والتحذير منها.

    حكم نظر المرأة للرجال

    السؤال: ما حكم مشاهدة المرأة للعلماء والدعاة الذين يظهرون في التلفاز؟

    الجواب: ليس هناك شيء في مشاهدة المرأة، ويباح للمرأة أن تشاهد الرجال أو العلماء والصالحين الذين يظهرون سواء في التلفاز أو في أي مكان من الأماكن، بشرط: ألا تكون نظرتها إليهم بغرض حسنهم أو جمالهم، أو للفتنة بهم، وينبغي إذا نظرت إلى أحد ورأت فيه ما يدعو إلى الفتنة أن تصرف نظرها؛ لأن الله عز وجل أمر المرأة بغض البصر كما أمر الرجل بذلك.

    أما في الأصل العام، فلو رأت عالماً يفتي بدون أي شيء من هذه المحذورات، فليس هناك محظور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ النساء ومعه بلال ، وكن ينظرن إليه وهن محجبات، فليس في ذلك شيء بإذن الله تعالى.

    مراتب القدر مرتبة حسب الحدوث

    السؤال: نرجو ترتيب الأصول الأربعة للقدر حسب حدوثها وكونها صارت قدراً، بمعنى: هل تسبق الإرادة الكتابة والعلم، أم العلم قبل تلك؟

    الجواب: أولاً: العلم، وثانياً: الكتابة، وثالثاً: الإرادة، ورابعاً: خلق أفعال العباد.

    معنى قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)

    السؤال: يقول الله عز وجل: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، كيف نفهم هذه الآية؟

    الجواب: قال العلماء: إن المحو والإثبات يكون في صحف الملائكة، وليس في اللوح المحفوظ.

    حكم تعليم الطفل اللغة الإنجليزية

    السؤال: أب يريد أن يعلم ابنه الذي في الصف الرابع اللغة الإنجليزية، إلى جانب حفظ القرآن، فما رأيك؟

    الجواب: بدلاً من أن يعلمه اللغة الإنجليزية يعلمه ما ينفعه، يعني: اللغة الإنجليزية في هذه الفترة لا تعني هذا الطفل، بل إنها تشغل حيزاً من فكره بدون أي ثمرة ولا فائدة، والمفترض في الإنسان إذا كان عنده طفل أن يعلمه الأشياء الأساسية التي يحتاجها، مثل: القراءة، صحة القراءة، القرآن، اللغة العربية وأكثر الشباب لا يحسنها، فكيف نتعلم لغة أخرى ونحن لم نتعلم لغة ديننا ولغتنا الأساسية.

    فإذا كبر الولد ورأى أنه يدخل شركة من الشركات فيمكن أن يتعلم اللغة الإنجليزية، لماذا نريد أن نعلم أبناءنا منذ الصغر هذه اللغة، وخصوصاً أن اللغات مرتبطة بالثقافة.

    فربما يعجب بثقافة أمة من الأمم الكافرة، لكن الصحيح هو أن نشأة الولد الأولى تكون على الإيمان والتقوى، فيعلمه القرآن، ولغة العرب أولاً، ثم إذا كبر الولد فهو بحسب طبيعته وتوجهه، افترض أن هذا الولد يريد أن يتخصص في علوم القرآن، فلماذا تشغله أنت بتعلم الإنجليزي؟ قد لا يحتاجها في حياته العملية، افترض أنه بعدما كبر يريد أن يدخل مجالاً من المجالات التي يحتاج فيها اللغة، فيتعلم عند الحاجة، أي أن اللغة يتعلمها الإنسان عند الحاجة، وليست كجزء أساسي من كياننا، ولهذا فمن المقترحات الغريبة التي يطرحها بعض الناس تعليم الأطفال اللغة الإنجليزية، ويريدون تعميمها على كل المدارس، حتى في الشعاب والقرى، وهؤلاء لا يحتاجون هذا الأمر، ولا يريدونه ولا يعرفونه، تجد الطفل الصغير يتعلمه بدلاً من لغة العرب.

    هذا اقتراح ساذج في الحقيقة، ويدل على أن المقترح معجب بهذه الأمة أصلاً، ليس الفكرة هو أن هناك حاجة داعية لها؛ فنقول: اترك الأبناء يتعلمون لغة العرب، ويتعلمون القرآن، ويتعلمون الكتابة بشكل جيد، ثم بعد أن يتخرجوا ويريدوا العمل في مجال له علاقة بهذه اللغة تعلموها، اجعل مراكز تدريب يدخل فيها ثلاثة آلاف طالب إلى أربعة آلاف طالب وعلمهم الإنجليزي عندما يوجد احتياج حقيقي عندك.

    أما أن تعلم الناس ما لا يحتاجونه فهذا من سوء الفهم، ولا تعلق هذا على الفلاح؛ لأن الذي يفلح في شيء هو الإنسان المقتنع به. أنا مثلاً أريد أن أدخل مجالاً يحتاج إلى لغة إنجليزية، كما لو أني أريد أن أكتب عن طائفة من الطوائف الغربية، فأحتاج إلى أن أتعلم، إذاً أخصص سنتين من دراستي أو ثلاثاً، أو أربعاً، وأتعلم بشكل جيد حتى أستطيع ترجمة هذه الكتب وأن أتفهمها بشكل جيد.

    لكن الذي لا يحتاج هذا الأمر لماذا تعلمه؟ هل صرنا مستعمرين لهم حتى نتعلم لغتهم، ولا يتوظف الواحد إلا بها؟!! هناك قطاعات قد تحتاج هذه اللغة، فيتعلم من يريد الدخول فيها، لكن هناك قطاعات واسعة لا تحتاج مثل هذه اللغة إلا من باب الثقافة، فهذا راجع إلى كل إنسان ورغبته، أما أن تفرض على الناس من التعليم الأولي فهذا خطأ وله جوانب سلبية متعددة!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756215910