إسلام ويب

العقيدة الواسطية [10]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن مما يجب على المسلم الإيمان به والتصديق ما ثبت لله تعالى من صفة استوائه على عرشه وعلوه على خلقه كما يليق بجلاله وكماله, فقد نطقت بذلك آيات الكتاب صراحة, وتضمن بعضها ذلك دلالة, وجملة تلك الأدلة من الكثرة بمكان, وما ذهب إليه النفاة لهذه الصفة من تأويلهم للاستواء وإنكارهم للعلو قول رقيع لا ينتهض بدليل ولا لغة.

    1.   

    نفي الصفات السلبية عن الله وإثبات كمال ضدها

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً؛ إنك أنت العليم الحكيم.

    في الدرس الماضي تحدثنا عن بعض الصفات الاختيارية، وهي صفة المكر والكيد بالكافرين، وكذلك صفة العفو والعزة والمغفرة والقدرة، وتحدثنا أيضاً عما يتعلق بإثبات اسم الله عز وجل، وأن لله أسماء حسنى، وتحدثنا أيضاً عن الفرق بين الاسم والمسمى، كما تحدثنا عن الصفات السلبية، والصفات السلبية هي: الصفات المنفية عن الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات سلبية عامة، بمعنى: أن السلب فيها عام، كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهناك سلبٌ مفصل، كنفي الولد عن الله عز وجل أو التعب أو الجهل أو نحو ذلك من صفات النقص التي نفاها الله عز وجل عن نفسه، وقلنا: إن هذه الصفات السلبية لها قاعدة مشهورة من قواعد الصفات، وهي: أن النفي في صفات الله عز وجل يتضمن إثبات كمال الضد، فنفي الجهل لكمال علمه، ونفي النوم لكمال حياته وقيوميته، ونفي التعب لكمال قدرته سبحانه وتعالى، وهكذا النفي يدل على إثبات كمال الضد.

    ثم ذكرنا الآية المذكورة في سورة المؤمنون، وهي قول الله عز وجل: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91]، هذه الآية قلنا: إنها برهان عقلي على وحدانية الله عز وجل، وقد استخدم فيها أسلوب السبر والتقسيم.

    والسبر والتقسيم من الطرق العقلية المستخدمة في القرآن، ومعنى التقسيم: حصر المعاني والأقسام التي يمكن أن تترتب على شيء من الأشياء بشرط أن تكون هذه المعاني أو الأقسام محصورة، ثم سبر هذه المعاني والأقسام وتمحيصها، ومعرفة حكم كل نوع منها، فيخلص لك في النهاية أن مجموعة منها باطلة، وأن واحداً منها هو الحق، فمثلاً: قول الله عز وجل: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون:91]، المعنى هنا: ما كان معه من إله، ولو كان معه إله ماذا سيحصل؟!

    ذكر هنا قسمين، وهي قسمة محصورة فقال: لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ [المؤمنون:91]، هذا القسم الأول.

    ثم قال: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91]، هذا القسم الثاني.

    ولا يوجد هناك قسم صحيح إلا الأخير، وهو أن تكون هذه الآلهة باطلة جميعاً إلا الله سبحانه وتعالى الواحد، فإذا أبطلنا أن يذهب كل إله بما خلق، كما هو الواقع المشهود الآن، وإذا أبطلنا أن يعلو بعضهم على بعض؛ لعدم وجود الصراع كما نلاحظه في الكون، فلا يبقى إلا أن مدبر هذا الكون واحد، وهو الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: هذا برهان عقلي استعمل في القرآن الكريم.

    1.   

    إثبات صفتي العلو والاستواء لله عز وجل

    وفي هذا الدرس سيكون حديثنا -إن شاء الله- عن صفة من أعظم الصفات الشرعية التي طال فيها الكلام، وهي صفة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأيضاً صفة استواء الله عز وجل على عرشه، ودائماً تلاحظون أن صفة الاستواء تقرن بصفة العلو، والسبب في ذلك هو: أن الاستواء يعتبر دليلاً من أدلة العلو، كما أن النزول يعتبر دليلاً من أدلة العلو، وكذلك المجيء والإتيان ونحوها من الصفات تعتبر من أدلة العلو، وقد بدأ المؤلف رحمه الله بالآيات الدالة على استواء الله سبحانه وتعالى على عرشه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] في سبعة مواضع:

    في سورة الأعراف قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].

    وقال في سورة يونس عليه السلام: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3].

    وقال في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].

    وقال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    وقال في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ [الفرقان:59].

    وقال في سورة الم السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4].

    وقال في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]].

    هذه الآيات جميعاً تدل على صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهي صفة استواء الله سبحانه وتعالى على العرش، والله عز وجل استوى على العرش حقيقة، كما تدل هذه الآيات، والعرش من أعظم مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهو مخلوق من مخلوقات الله عز وجل خلقه الله سبحانه وتعالى قبل خلق السماوات والأرض، والعرش من أوائل المخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وهو سرير الملك، وقد استوى الله سبحانه وتعالى عليه بعد أن خلق السماوات والأرض.

    والدليل على أن هذه الصفة كانت بعد خلق السماوات والأرض هو استعمال (ثم) وهي تدل على الترتيب والتراخي، فإن الله عز وجل يقول: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3]، وهكذا بقية الأدلة تجدون أنها جاءت بلفظ (ثم)، وثم تدل على الترتيب والتراخي، فاستواء الله عز وجل على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، فهو إذاً صفة فعلية اختيارية كانت بعد خلق السماوات والأرض.

    والاستواء معناه معلوم، ولكن كيفيته مجهولة، كما قال الإمام مالك عندما سئل عن الاستواء وعن هذه الآية بالذات فقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، قال له الرجل: كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك وعلته الرحضاء -يعني: العرق- ثم قال: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في لغة العرب.

    (والكيف مجهول، والإيمان به واجب) يعني: الإيمان بمعناه والإيمان بكيفيته المجهولة بالنسبة لنا واجب.

    (والسؤال عنه بدعة)، وقوله: (السؤال عنه) الضمير في قوله: (عنه) يرجع إلى الكيفية ولا يرجع إلى المعنى، فإن الإيمان بمعنى الاستواء واجب؛ لأنه من تدبر القرآن، والله عز وجل يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، ويقول سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

    فمعاني صفات الله عز وجل واضحة؛ لأنها جاءت بلغة العرب، وهذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، ولا يمكن أن يخاطبنا الله عز وجل بألغاز أو بأحاجي لا معاني لها، ولا يمكن أن يخاطبنا الله عز وجل بكلام لا نفهمه، فنحن نفهم معاني الصفات، لكن لا ندرك كيفيتها، ولا ندرك حقيقتها وكنهها؛ لأنها من صفات الخالق، وهناك فرق كبير بين الخالق والمخلوق، ولأن الله عز وجل لم يخبرنا بكيفية صفاته وإنما بين لنا معانيها؛ لما فيها من الفوائد العظيمة لنا في إيماننا وأخلاقنا وآدابنا.

    إذاً: فقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) يتضمن إثبات صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى، وهو كذلك يتضمن إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى.

    وهذه الصفة الثابتة لله عز وجل معناها هو كما حكى جماعة من المفسرين من السلف الصالح رضوان الله عليهم قالوا: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قالوا: (استوى) بمعنى: علا وارتفع واستقر. فكل هذه معاني استوى، وهذه مفهومة من لغة العرب.

    نفاة صفة الاستواء والرد على شبهات استدلالهم

    وكان السلف رضوان الله عليهم مجمعين على معاني صفات الله عز وجل لا يختلفون فيها، حتى ظهر الجعد بن درهم فنفى صفات الله سبحانه وتعالى، وأظهر القول بنفي الصفات، فنفى استواء الله سبحانه وتعالى، ثم جاء الجهم بن صفوان بعده فقلده في ذلك ونفى استواء الله عز وجل، ثم جاءت المعتزلة بعد ذلك وقلدوا الجهمية في هذا وقالوا: إن الاستواء ليس من صفات الله وإنما هو بمعنى: استولى، وفسروا الاستواء بالقدرة.

    ولما أظهر المعتزلة القول بخلق القرآن كان مما نفاه المعتزلة هذه الصفة وهي صفة الاستواء، ونفوا كذلك صفة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، فرد عليهم إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في كتابه (الرد على الزنادقة والجهمية) وكذلك رد عليهم جماعات، ومنهم: عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان ، وهذا هو مؤسس الكلابية، وقلده في ذلك أبو الحسن الأشعري وتابعه أوائل الأشاعرة، وأيضاً أثبتها أبو بكر بن الطيب الباقلاني وكذلك عدد من الأشاعرة المتقدمين أثبتوا صفة الاستواء لله عز وجل، وصفة العلو لله سبحانه وتعالى، ومن أوائل من نفى صفتي الاستواء والعلو من الأشاعرة هو إمام الحرمين الجويني؛ فإنه نفى صفة الاستواء ونفى صفة العلو، وأخذ تأويل المعتزلة والجهمية أن الاستواء بمعنى القدرة والاستيلاء، ولا شك أن هذا التأويل باطل؛ لأنه لا يوجد في لغة العرب استعمال الاستواء بمعنى الاستيلاء.

    وقد نقل أبو المظفر السمعاني في كتابه (الإفصاح) عن الخليل بن أحمد الإمام اللغوي شيخ سيبويه أنه لا يوجد في كلام العرب استعمال الاستواء بمعنى الاستيلاء والقدرة، وإنما جاء بها هؤلاء المحرفون لنصوص الكتاب والسنة، الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وقالوا: إن الاستواء بمعنى الاستيلاء.

    وقد رد عليهم السلف بردود لطيفة جداً، ومن ذلك أنهم قالوا: إن الله عز وجل مستولٍ على كل شيء، فالله عز وجل مستولٍ على الأرض، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على الإنسان، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على الجماد، وهو سبحانه وتعالى مستولٍ على جميع مخلوقاته، فلو كان معنى الاستواء الاستيلاء لصح أن يكون الله عز وجل مستوياً على الأرض أو مستوياً على العباد أو مستوياً على البحار أو مستوياً على الأنهار والأشجار، وهذا لا يقول به أحد، ولو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء لما كان للعرش خصوصية، ولما خصص العرش دون سائر المخلوقات بالاستواء، وهم لا يقولون: إن الله عز وجل استوى على الإنسان مثلاً، ولا يقولون: إن الله عز وجل استوى على البحار والأنهار والأشجار، لا يقولون بهذا، ولا يقول به عاقل، وإنما أرادوا الهروب من هذه الآية، ففسروها بمعنى باطل، فوقعوا في الغلط وفي الخطأ الشنيع.

    والعجيب أن الأشاعرة والمعتزلة الذين سبق أن تحدثنا عنهم، وأنهم يقدمون العقل على النقل، ويضعفون الأدلة النقلية الشرعية ويقولون: إنها لا تفيد اليقين، ولا يقبلون أخبار الآحاد في العقيدة، لكنهم عندما قيل لهم: ما هو الدليل على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء؟ قالوا: يقول الشاعر:

    قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق

    فلما سئلوا من القائل؟ فإذا هو الأخطل النصراني ، وهو شاعر نصراني متأخر قال هذا البيت، فاستدلوا به على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء.

    فنقول لمثل هؤلاء: كيف تتركون نصوص الكتاب والسنة وتقدمون العقل عليها، وتهونون الأدلة من القرآن والسنة، ولا تقبلون أخبار الآحاد في العقيدة، ثم تستدلون ببيت شاعر نصراني؟!

    ثم إن هذا البيت يحتاج إلى التثبت من صحته، فإذا كانت النصوص الشرعية مثل السنة غير المتواترة تحتاج للتصديق بها والعمل بها أن نعرف النقل، وهل ثبت هذا الحديث أم لم يثبت، إذا كان هذا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بمثل هذا البيت الذي قاله رجل نصراني لا يحتج به؟

    فيقال لهم: من قال هذا البيت؟ فإن هناك أبياتاً كثيرة منحولة مكذوبة ليست ثابتة عن أصحابها، فمع كون القائل نصرانياً، هل يثبت هذا البيت؟! فلم يستطيعوا إثباته.

    وهكذا تكون البدعة والعياذ بالله! وهكذا يكون الهوى، فإن الإنسان إذا استشرب قلبه الهوى -والعياذ بالله- أصبح يبحث عن الحجج بأي أسلوب، ويحاول أن يدفع النصوص بالراحتين والصدر، وأن يبعدها عن دلالاتها.

    ومن أدلة هؤلاء أنهم قالوا: لو أن الله عز وجل استوى على عرشه فمعنى هذا أنه جسم، فهل تقولون: إن الله جسم؟ هكذا يخاطبون أهل السنة، فبماذا نجيبهم؟

    نجيبهم بما يلي:

    أولاً: نقول كلمة (جسم) لها معنى بلغة العرب، ولها معنى خاص عندكم، فأما معناها في لغة العرب فالجسم هو: الجسد المبني، وهو هذا البدن الموجود، فإن قصدتم بالجسم المعنى اللغوي فلا شك أن الله عز وجل ليس بجسم؛ لأن فيه تمثيلاً بخلقه، والله عز وجل قد بين في القرآن أن معنى الجسم هو البدن، فقال الله عز وجل عن طالوت: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، يعني: في البدن، والله عز وجل يقول: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4]، يعني: أبدانهم، فالجسم هو بمعنى البدن في لغة العرب، لكنهم جاءوا إلى الكلمة هذه وهي الجسم فوضعوا لها معنى اصطلاحياً من عندهم، وبدءوا يحاكمون الصفات عليها، فمعنى الجسم عندهم: المنقسم، فيقولون مثلاً: هذا المنديل جسم؛ لأنه ممكن أن يتقسم، وهذا الكتاب جسم؛ لأنه ممكن أن يتقسم، بل إنهم يقولون: الهواء الموجود جسم؛ لأنه مكون من ذرات، ويقولون كذلك: الماء جسم، وكل شيء عندهم جسم، ثم يقولون: إذا أثبتم الصفات لزم أن تشبهوه بالأجسام، وهي القابلة للتقسيم، ويقولون: إن الجسم إذا قسم قسمة بعد قسمة وصلنا إلى جوهر -كما يسمونه-، وهو القائم بنفسه إلى جزء لا يتجزأ، يعني: لو أخذنا هذا الكتاب وجزأناه إلى أجزاء صغيرة يقولون: سنصل إلى جزء صغير لا يتجزأ، هذا الجزء الصغير الذي لا نراه وهو لا يتجزأ سموه الجوهر الفرد، وقالوا: إن الكتاب يتكون من عدة جواهر صغيرة، وهكذا الأبدان، وهكذا الهواء وهكذا.

    ولهذا عندهم هذه الأشياء جميعاً تسمى أجساماً، فإذا قالوا لك: هل تثبت لله الجسمية؟ فقل: ماذا تقصد بالجسمية؟ فإذا كانت تقصد بالجسمية الأبدان كما هو معناها في اللغة فلا شك أن الله عز وجل ليس بجسم، وإذا كنت تقصد أن الجسم هو كل موصوف بصفة؛ لأن كل موصوف بصفة عندهم فهو جسم، إذا كنت تقصد أن كل موصوف بصفة جسم، فالله عز وجل موصوف بالصفات ولا نسميه جسماً، فهذا اللفظ مبتدع لم يرد إثباته ولا نفيه في القرآن والسنة.

    وقد سبق أن ذكرت قاعدة نفيسة جداً ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) وذكرها في عدة كتب أخرى، يقول: إن هذه المصطلحات لا يصح أن نثبتها، ولا يصح أن ننفيها؛ لأنها مشتملة على حق وباطل، فإذا أثبتناها أثبتنا شيئاً من الباطل، وإذا نفيناها مطلقاً نفينا شيئاً من الحق.

    فالواجب هو أن نستفصل ونسأل: ماذا تقصد بكذا؟ فإن كان يقصد معنىً صحيحاً أثبتناه، وإن كان يقصد معنى باطلاً نفيناه، وقلنا: إن هذا اللفظ لا يصح أن يستخدم لأنه ليس لفظاً شرعياً، بالنسبة لاستواء الله سبحانه وتعالى على عرشه هو من الصفات الثابتة كما سبق أن أشرنا وبينا، وأما صفة العلو لله عز وجل فصفة العلو لله سبحانه وتعالى من الصفات المشهورة وهي مما دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة، ومما عرفته الأمم، وهو موجود في غرائزها الفطرية، وقد أفرد له شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجلداً كاملاً في (درء تعارض العقل والنقل) وهو المجلد السادس، كما أفرد له المجلد الثاني من الجزء المطبوع من (بيان تلبيس الجهمية) له أيضاً في الرد على كتاب (أساس التقديس) للرازي، فإنه رد على أساس التقديس للرازي بكتاب سماه بيان تلبيس الجهمية، وله اسم آخر هو نقض أساس التقديس، وقيل: له اسم ثالث وهو نقض تأسيس التقديس، وهذا الكتاب كتاب كبير وضخم جداً طبع منه جزء يسير، طبعه الشيخ محمد بن عبد الرحمن وأبوه عبد الرحمن بن قاسم النجدي العاصمي، طبعوا جزءاً منه في مجلدين، وبقي جزء كبير جداً منه مخطوطاً، وقد حقق هذا الكتاب بأكمله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وربما يخرج بعد فترة، وهو كتاب ضخم، وهو من أكبر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ربما يكون أكبر من (درء تعارض العقل والنقل) وفيه من المسائل النفيسة الشيء الكثير، فأفرد مجلداً كاملاً من هذه المجلدات في الرد على نفاة العلو، وهم كما سبق أن ذكرنا الجهمية والمعتزلة والمتأخرون من الأشاعرة.

    وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن بعض علماء الشافعية يقول: استخرجت أدلة العلو من النصوص من القرآن في أكثر من ألف موضع، وقال بعضهم: هي في ثلاثمائة موضع.

    والشاهد: أن أدلة العلو لله عز وجل كثيرة جداً، وممن أفرد العلو بالتأليف ابن قدامة المقدسي رحمه الله، فله كتاب اسمه: (إثبات العلو لله تعالى)، وكذلك في المجلد الخامس من الفتاوى يوجد رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية في إثبات علو الله عز وجل على خلقه، ومن ذلك أيضاً الرسالة المسماه بالمراكشية، وهي في الرد على الأشاعرة المغاربة الذين ينتحلون مذهب الإمام مالك ممن ينفي العلو عن الله عز وجل.

    وهناك أيضاً كتب مطبوعة في إثبات العلو لله عز وجل، منها كتاب (إثبات علو الله على خلقه) للدكتور موسى الدويش ، وأيضاً كتاب (إثبات علو الله عز وجل على خلقه) لـأسامة القصاص رحمه الله تعالى.

    ومن الطوائف التي تنفي علو الله على خلقه في أزماننا المعاصرة: الأحباش، وهم أتباع عبد الله الهرري الحبشي ، وهذا رجل من الحبشة جاء إلى بلاد الشام واستقر الآن في لبنان، وهو يتبنى عقائد الجهمية وينفي الصفات عن الله عز وجل، وله أتباع كثر في لبنان، ولهم جمعيات موجودة في داخل لبنان وخارجها وفي أوروبا وفي غيرها من البلدان؛ يدعون فيها إلى التجهم وإلى إنكار علو الله عز وجل على خلقه، وهم يكفرون أهل السنة الذين يثبتون علو الله على خلقه، ولا يصلون خلفهم، ويستحلون قتلهم، ولا يستحلون نكاح نسائهم، ويتعاملون معهم تعامل الكفار والعياذ بالله! لأنهم يثبتون علو الله على خلقه مع ظهور الأدلة الواضحة من القرآن ومن السنة التي تثبت علو الله سبحانه وتعالى على خلقه.

    أدلة إثبات علو الله عز وجل

    والأدلة التي تثبت علو الله على خلقه أنواع، وكل نوع يشتمل على مجموعة من الأدلة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة) أكثر من ثلاثين نوعاً من الأنواع التي تدل على إثبات علو الله عز وجل على خلقه، ومن ذلك الاستواء، فإن الآيات الواردة في الاستواء والأحاديث الواردة في الاستواء تدل على إثبات علو الله على خلقه، وكذلك النزول والمجيء والإتيان، ونزول الملائكة ونزول القرآن، وصعود الملائكة وصعود الأعمال الصالحة إلى الله، وكذلك الإسراء والمعراج، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على إثبات علو الله عز وجل، مثل حديث الجارية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله معاوية بن الحكم عن هذه الجارية بعد أن لطمها: أيعتقها؟ فقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، وأشارت إلى السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة)، وفي أكبر مجمع وأكبر مكان اجتمع فيه أهل الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اشهد! ويشير إلى السماء وينكتها إليهم) وفي هذا إثبات صفة العلو عن طريق الفعل.

    الشاهد: أن إثبات صفة العلو لله عز وجل موجود حتى في العقل والفطرة، أما الفطرة فإن الإنسان عندما يدعو الله عز وجل يجد في قلبه ضرورة تتجه إلى العلو، وهذا دليل فطري، وقد كان إمام الحرمين الجويني يدرس طلابه في المسجد نفي العلو عن الله عز وجل ويقول: إنه يلزم منه الجهة، فجاءه أحد الحضور وهو الهمداني رحمه الله، فقال: دع ما قلت، أخبرني عن الضرورة التي يجدها الإنسان في قلبه، فكلما دعا الله عز وجل أحد العارفين وجد في نفسه ضرورة ملحة تتجه نحو العلو، فصار الجويني يضرب على رأسه ويقول: حيرني الهمداني ، حيرني الهمداني .

    ويقول ابن تيمية رحمه الله: جاءني رجل من نفاة العلو، وكانت له حاجة عندي، فكنت أماطله حتى ضاق صدره فلما ضاق صدره ونظر إلى السماء، فقلت له: إلى أين تنظر وأنت لا تثبت أن في السماء إلهاً وإنما هو في كل مكان أو لا هو خارج العالم ولا هو داخل العالم؟ فكان هذا من أعظم الأسباب التي جعلته يتراجع عن هذه العقيدة؛ لأنه شعر أنها تخالف الفطرة التي خلقه الله عز وجل عليها.

    وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية دليلاً عقلياً على إثبات علو الله عز وجل؛ فإنه قال لخصومه: الله عز وجل عندما خلق العالم إما أنه خارج العالم أو أنه خلق العالم ودخل فيه، فإن قلتم: دخل في العالم، فقد كفرتم؛ لأنكم جعلتم الله عز وجل داخلاً في الأماكن القذرة في كل مكان، وإن قلتم: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فقد ضللتم؛ لأنه مخالف للعقل، فإذا كان لا داخل العالم ولا خارج العالم، فأين هو؟! وإن قلتم: خارج العالم، وصلتم إلى الإثبات، وهو إثبات العلو لله عز وجل، وهذا لا شك أنه دليل عقلي دقيق في إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه.

    أقسام نفاة صفة العلو

    والمعطلة لصفة العلو انقسموا إلى قسمين: المشتغلين بعلم الكلام، والمشتغلين بالفلسفة، فإذا قالوا: إن الله عز وجل ليس في العلو قال لهم الناس: أين هو؟ قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم! فهؤلاء هم المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.

    وأما المشتغلون بالتصوف والتعبد إذا سئلوا فقيل لهم: أين من تعبدون؟! قالوا: في كل مكان؟!

    فالقول الأول والقول الثاني يتفقان على نفي العلو عن الله عز وجل، فالجميع ينفي العلو، ولكن كل قول من الأقوال له جهة سببها منهج الدراسة والتعليم، فالذين قالوا: إن الله لا خارج العالم ولا داخل العالم سبب قولهم هذا هو دراستهم لعلم الكلام؛ وعلم الكلام والفلسفة يتجه نحو التجريد، والإيمان بالخيالات، والإيمان بالمتناقضات، ولهذا قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم.

    وأما المشتغلون منهم بالتعبد، فإن التعبد يقتضي وجود إله معبود؛ فإنه لا يمكن أن يقولوا: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فسيقال لهم: وأين هو؟ وكيف تعبدونه؟ وكيف تتوجهون إليه، وهو لا داخل العالم ولا خارجه؟ فاضطروا إلى القول بأنه في كل مكان، ولهذا قالوا: هو في كل مكان، بل قال ابن عربي: إن الكون جميعاً هو الإله، وإن الناس هم الإله، وإن كل شيء موجود في الكون فهو الله عز وجل، فالشجر هو الله! والإنسان هو الله! والحيوان هو الله! وكل شيء هو الله! حتى الكلام قال:

    وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه

    وقال:

    العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف؟!

    إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف؟

    يقول: العبد رب والرب عبد، يعني: هو هو.

    وقال: (يا ليت شعري من المكلف)، ولهذا أسقط التكاليف، يقول من المكلف فيهما وهذا هو هذا وهذا هو هذا؟ ولماذا تكلفون الناس بتكاليف؟ المفروض أنه لا يكلف أحد لا بصلاة ولا بصيام ولا بحج ولا بزكاة، ثم دلل على هذا فقال:

    (إن قلت عبد) يعني: إن قلت: المكلف هو العبد. (فذاك رب) يعني: العبد هو الرب.

    (وإن قلت رب أنى يكلف) يعني: كيف يكلف الرب، ولهذا توصل إلى أن الكون جميعاً هو الله، وأنه لا يوجد رسالات، وأنه لا يوجد حق وباطل، وأن كلام فرعون عندما قال: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] هو عين الحق، وهو الصواب الذي لا محيد عنه!

    وقال: إن ادعاء النمرود بأنه يحيي الموتى صدق لا شك فيه! ونحو ذلك من المقالات الكفرية التي يقول عنها ابن تيمية رحمه الله مع اطلاعه على مقالات الناس: ما رأيت مثلها في مقالات العالم، يعني: لا يوجد مثلها في مقالات العالم، فإنهم يقولون: كل شيء هو الله، والعياذ بالله!

    ولهذا صار هؤلاء يستحلون المحارم، وصاروا يفعلون المنكرات الظاهرات البينات ويقولون: هذا حلال لنا، وظهرت الباطنية في بلدان مختلفة يستخدمون الحشيش ويشربون الخمر ويزنون بالمحارم ويفعلون المنكرات الكبرى ويسقطون التكاليف عن العباد! ومن أعظم حججهم هذه العقائد الفاسدة، حتى إنه ظهر رجل في اليمن اسمه علي بن الفضل منذ زمن بعيد وأحل للناس المحارم، وأباح لهم المنكرات جميعاً، يقول في قصيدة له:

    خذي الدف يا هذه والعـبي وغني هزاريك ثم اطربي

    تولـى نبي بـني هاشــم وهـذا نبي بني يعـرب

    فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام فلم يتعب

    فلا تمنعي نفسك المعرسـين من الأقربين أو الأجنبي

    فكيف حللت لذاك الغريب وأصبحت محرمة للأب

    أليس الغراس لمـن ربـه ونماه في الزمن المجدب

    إذاً: هؤلاء زنادقة من المنافقين الذين اندسوا ممن يخدم فكر اليهود أو ربما يكون ورائهم اليهود الذين يعتقدون أن نجاحهم هو في إفساد عقائد العالم، فإن اليهود يعتقدون أن نجاح ديانة اليهودية وظهورها هو في إفساد عقائد العالم، فاليهودية ليست دين دعوة، فهم لا يدعون الناس إلى الدخول في اليهودية؛ لأنهم أصحاب عنصرية، فاليهود هم اليهود، وليس في الإمكان وجود أشخاص آخرين، ويظهرون على الأديان الأخرى مع أنهم أصحاب عنصرية بإفساد عقائد وأخلاق الآخرين، فظهر بولس شاول في النصرانية وأراد إفساد عقائد النصرانية، وكان بولس شاول هذا رجلاً يهودياً يعذب النصارى، ثم جاء يوماً من الأيام إلى النصارى بعد طول التعذيب وقال: أنا تنصرت، فلما سئل عن السبب قال: كنت متجهاً إلى قرية من قرى النصارى من أجل أن أعذبهم فجاءني نور من السماء وقال: أنا ابن الله المسيح! لماذا تعذب أتباعي؟ ثم قال لي: كرس بالإنجيل، يعني: احفظ الإنجيل وادع إلى الإنجيل، ثم أدخل فكرة الثالوثية في النصارى، وأن الإله مكون من ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، والتف عليه كثير من الجهلة من النصارى، ولهذا سماهم الله ضالين؛ لأنهم يتعبدون على جهل، فالتف عليه عدد كبير جداً من النصارى، وصاروا من أتباعه، وبقى الموحدون في عدد قليل، وانقرضوا مع الأيام، لا سيما عندما تنصر قسطنطين، وكان قسطنطين حاكم الامبراطور في دول الرومان تنصر على طريقة بولس، وصبغ أوروبا جميعاً بصبغة النصرانية التي على مذهب بولس، وهي التثليث.

    إذاً: أوروبا لم تعرف الحق الصريح الذي جاء من عند الله عز وجل.

    وأما في المسلمين فإنه لما ظهر الإسلام وصار الدين الإسلامي مهيمناً على الأرض جاء رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ وأراد أن يعمل في الإسلام كما عمل بولس في النصرانية، لكن عبد الله بن سبأ فشل؛ لأن هذا الدين دين محفوظ، يقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) بل إنه في كل قرن من الزمان يأتي مجدد، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يبعث على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها).

    فالشاهد هو: أن هذه العقائد فاسدة باطلة، لاسيما عقيدة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وعقائد ابن عربي وابن سبعين ، وابن سبعين هذا كان يؤمن بأن النبوة مكتسبة، وأن الإنسان ممكن أن يحصل النبوة بذكائه ورياضته، فبقي في غار حراء شهراً كاملاً ينتظر النبوة! وهذه قصة ثابتة عنه، وكان بعض هؤلاء الزنادقة يستدلون ببعض الأدلة الشرعية على نبوتهم، فظهر رجل اسمه بيان بن سمعان واستدل على نبوته بقوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران:138]، يقول: كأن الله عز وجل يقول: (هَذَا بَيَانٌ) يعني: هذا الرجل الذي اسمه بيان. (لِلنَّاسِ) يعني: نبيناً للناس!

    ورجل من المتنبئين هؤلاء ظهر وسمى نفسه (لا)، وقال: أنتم فهمتم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ؛ فالرسول عندما قال: (لا نبي بعدي) (لا) يعني: أنا. (نبي بعدي) يعني: هو نفسه نبي بعد الرسول، فأثبت لنفسه نبوة!

    الشاهد: أن الزنادقة هؤلاء يلعبون في أحكام الله كما يريدون، وليس لمثل هؤلاء إلا السيف، فهؤلاء ليس علاجهم بالحجة والبرهان وبيان الحق؛ لأن هؤلاء لا يريدون الحق أصلاً، هؤلاء يتلاعبون في دين الله عز وجل، مالهم إلا الذبح والقتل، وأمثال هؤلاء الزنادقة مالهم إلا تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ولهذا الخليفة العباسي المهدي عمل ديواناً -والديوان شيء كبير في أي دولة من الدول أو في أي مكان من الأماكن- سماه ديون الزنادقة، وكانوا يبحثون عن هؤلاء الزنادقة، فإذا ثبت على أحدهم شيء قتلوه؛ لأنه منافق يتلون لا يقول قولاً واحداً، وهكذا مثل العلمانيين في هذا الزمان؛ فإنهم يشبهون هؤلاء؛ لأنهم يتلاعبون بآيات الله عز وجل، فيستدلون -مثلاً- على إرادة خروج المرأة والفساد بأدلة تشبه أدلة هؤلاء، فيتلاعبون بالنصوص، وهؤلاء ما لهم إلا ديون الزنادقة.

    ذكر بعض الآيات الدالة على علو الله عز وجل

    وقد ذكر الشيخ مجموعة من الأدلة نقرؤها:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55].

    وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158].

    وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

    وقوله: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37] ].

    إذاً: فرعون كان يعرف أن الله في السماء، فكان أفقه من هؤلاء المبتدعة الذين ينفون علو الله عز وجل على خلقه.

    قال رحمه الله: [وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16] ].

    (فِي) هنا بمعنى: على، كما في قول الله عز وجل: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]، وليس المقصود: داخل الجذع، وأنه يحفر الجذع ويدخلهم فيه، وإنما المقصود: على، ولهذا يقولون: إن حروف الجر تتناوب، ينوب بعضها عن بعض.

    قال رحمه الله: [وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17] ].

    وهكذا الأحاديث، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض...) إلى آخر الحديث، وحديث الجارية وسيأتي الإشارة إليه إن شاء الله في وقته.

    نكتفي بهذا، وإن شاء الله في اللقاء القادم نكمل الكلام على علو الله عز وجل.

    1.   

    الأسئلة

    وجود الزنادقة في هذا الزمان

    السؤال: هل يوجد زنادقة في هذا الزمان أم لا يوجد؟

    الجواب: نعم، الزنادقة في هذا الزمان كثيرون.

    حكم من ادعى أن السماوات والأرض أكبر من الذات الإلهية

    السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: إن جرم السماوات وجرم الأرض أكبر من ذات الله؟!

    الجواب: هذا زنديق، فإن هذا لا يقوله مسلم، فالله عز وجل هو الكبير المتعال سبحانه وتعالى.

    حكم من عبد صفة من صفات الله

    السؤال: ما حكم من عبد صفة من صفات الله دون الله؟

    الجواب: كيف يعبد صفة من صفات الله دون الله؟! هذه ما تحصل.

    المقصود بذات الله

    السؤال: ما المقصود بذات الله؟

    الجواب: ذات: تأنيث ذو، وذو بمعنى صاحب، فـ(ذات) ليس معناها صفة من صفة الله اسمها ذات، وإنما المقصود صاحبة، فمعنى ذات الله يعني: صاحبة الصفات، فإنه لا يتصور أن يوجد ذات لله عز وجل مجردة عن صفاته سبحانه وتعالى، ويصح أن يقال: ذات الله بمعنى: (في الله)، أو تكون ذات بمعنى حقيقة أو بمعنى نفس، يعني: تكون بمعنى التوكيد، كقول خبيب:

    وذلك في ذات الإله.

    وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كذب إبراهيم ثلاث كذبات كلها في ذات الله)، يعني: في الله عز وجل.

    أهمية الدعاء والمناصرة للمستضعفين والمجاهدين

    السؤال: لا يخفى عليكم ما يعانيه إخواننا المسلمون في الشيشان، نرجو منكم تذكير الإخوان بأهمية الدعاء؟

    الجواب: لا شك أن أهل الإسلام في الشيشان يعانون حرباً ضروساً من الشيوعيين الملاحدة، ولا شك أن هذا هو حال المسلمين في أماكن كثيرة ومختلفة، والواجب على المسلم أن يكون دائماً مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بإخوانه المسلمين في كل مكان؛ فإن الإخوة الإسلامية لا يحدها إقليم ولا منطقة، والله عز وجل ربط الأخوة بالدين ولم يربطها باللون ولا بالجنس ولا بالبلد ولا بأي شيء من ذلك، والواجب هو نصرة هؤلاء المسلمين بالمال، والواجب أيضاً هو نصرتهم بالدعاء، وبقدر ما يستطيع الإنسان يجب عليه أن ينصر هؤلاء المسلمين به، لاسيما أن هناك عدداً كبيراً من المجاهدين في سبيل الله يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله، وهم يقاتلون هؤلاء المشركين الملاحدة الذين يدعمهم العالم جميعاً، كما هو معلوم، حيث تدعمهم الدول الغربية بكل ما يستطيعون من المال والعتاد، فالواجب الدعاء لإخواننا، والدعاء لا شك أنه من أعظم الأسلحة التي توفق المسلمين، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلة يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الدعاء، كما يقول علي بن أبي طالب : (كنا ننام وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام، كان يرفع يديه ويدعو الله عز وجل ويقول: اللهم نصرك الذي وعدتني) ويدعو الله سبحانه وتعالى، فينبغي علينا جميعاً أن ندعو الله عز وجل لنصرة إخواننا المسلمين في الشيشان وفي كل مكان، نسأل الله عز وجل أن ينصرهم وأن يخذل عدوهم.

    مقصود المعطلة من نفي صفات الله وأسمائه

    السؤال: ماذا يستفيد المعطلة والجهمية والأشاعرة وغيرهم من نفي صفات الله أو أسمائه؟

    الجواب: هم لا يستفيدون عائداً مادياً، هم يعتقدون أنهم عندما ينفون هذه الصفات أنهم ينزهون الله عز وجل، ولا يعتقدون أنهم على باطل، لكن المنهج الذي سلكوه فأوصلهم إلى نفي صفات الله عز وجل منهج فاسد؛ لأنهم اعتمدوا على العقل قبل النقل الشرعي، ولم يهتموا بالنصوص الشرعية، حتى إن بعضهم إذا ناظره بعض أهل السنة وذكر له آية، يقول: لا نسلم بصحة الحديث؛ يظن أنه حديث! فلا يفرقون بين الآية والحديث؛ لقلة اطلاعهم على كتب السنة وعدم اعتنائهم بالنصوص.

    عقيدة الكوثري

    السؤال: ذكر في كتاب أن محمد زاهد الكوثري فقيه حنفي متعصب جركسي الأصل جهمي المعتقد حاقد على أهل السنة، كيف يكون ذلك؟

    الجواب: محمد زاهد الكوثري رجل عالم من علماء الحديث، لكنه ضال في العقيدة، وله مقالات وله تحقيقات على بعض كتب أهل السنة، وكان يقدح في أئمة أهل السنة ويقول: ينبغي أن يسمى كتاب (التوحيد) لـابن خزيمة كتاب الشرك! لأنه يعتقد أن ابن خزيمة قد ضل في كتابه كتاب (التوحيد)، وابن خزيمة من أئمة السلف كما تعلمون، فـمحمد هذا جهمي في العقيدة ينفي صفات الله عز وجل عن نفسه، وله معتقدات هؤلاء الجهمية جميعاً، وأيضاً كان متعصباً لـأبي حنيفة رحمه الله، وربما قدح في بعض العلماء من أجل أبي حنيفة ، وقد ألف كتاباً سماه (تأنيب الخطيب فيما روى عن أبي حنيفة من الأكاذيب)، وقد ضعف وقدح وجرح عدداً من أئمة الحديث المروي لهم في الصحيحين وفي الكتب الستة، وخالف في أمور اعتقادية وفقهية، وقد تصدى له الإمام الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتاب سماه (التنكيل بما جاء في تأنيب الكوثري من الأباطيل)، وقد رد عليه ردوداً ممتازة، وأوصي بمراجعة هذا الكتاب، فهو من أفضل الكتب وأحسنها.

    حكم التسمي بأسماء الله عز وجل

    السؤال: هل يجوز مشاركة الله عز وجل في أسمائه عامة أو مقيدة؟

    الجواب: كيف تكون مشاركة الله؟! لا أحد يشارك الله عز وجل، الله عز وجل له الأسماء الحسنى التي بلغت الغاية في الحسن، لكن يمكن أن تتفق أسماء المخلوق مع أسماء الله عز وجل؛ فالله العزيز ويقول: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، يعني: عزيز مصر، لكن تلك عزة تناسبه؛ لأنها مضافة إلى مخلوق، وعزة الله تناسبه؛ لأنها مضافة إلى الخالق، وأنت لك رحمة والله رحيم، فيمكن أن تتوافق الأسماء، لكن تختلف المسميات والحقائق.

    حكم قول: (لله صفات سلبية)

    السؤال: هل يصح القول: أن لله صفات سلبية؟

    الجواب: نعم، السلب هنا معناه: النفي، يعني: لله عز وجل صفات منفية، يعني: نفاها الله عز وجل عن نفسه.

    السؤال: ما صحة قول من يقول: إن من الابتداع قول هذه المقولة؟

    الجواب: هذا لا أرى أنه صحيح.

    صفة الإرادة بين كونها ذاتية أو فعلية

    السؤال: هل صفة الإرادة من الصفات الذاتية الفعلية؟

    الجواب: صفة الإرادة ذاتية، لكن متعلقاتها فعلية.

    حديث عمران بن حصين في أولية الله تعالى

    السؤال: قبل استوائه سبحانه على العرش هل ورد ذكر أين كان الله؟

    الجواب: ورد في حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم عندما جاءه أهل اليمن وسألوه عن أول هذا الأمر قال: (كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر عنده كل شيء).

    نظرة في القول بوجود خلق من الجن قبل آدم عليه السلام

    السؤال: هل خلق الله السماوات والأرض وخلق الجن في الأرض أولاً قبلنا ثم أرسل إليهم ملائكة فقتلتهم؟

    الجواب: لا يوجد دليل على هذا، إلا ما يروى في بعض الإسرائيليات: (أن الأرض كان يسكنها الجن، وأنهم عصوا وفسدوا فيها، فأرسل الله إليهم الملائكة فقتلتهم، وأخذت ممن أخذت إبليس). وليس في هذا دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض المفسرين أخذ مرويات إسرائيلية في هذا، وذكرها عند قول الله عز وجل: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، وقال: كيف عرفت الملائكة سفك الدماء ونحو ذلك مع أنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟!

    والجواب يسير، وهو: أن الله أخبرهم عندما قال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، أخبرهم أن هذا الخليفة هو الإنسان، وأنه سينزل الأرض، ويحصل بينهم سفك للدماء وعصيان، فقالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا [البقرة:30].

    حكم الفرق التي نفت صفات الله عز وجل

    السؤال: هل تعتبر الفرق التي نفت صفات الله عز وجل من فرق المسلمين؟ وماذا نقول فيهم؟

    الجواب: الفرق التي نفت صفات الله عز وجل تختلف: فالجهمية كفرهم السلف رضوان الله عليهم، لمقالاتهم الكفرية، وأما الأشاعرة فبإجماع أهل السنة أنهم ليسوا كفاراً، وأنهم من المسلمين، لكنهم وقعوا في هذه البدع المضلة، فهم من أهل البدع وليسوا من الكفار، وإنما هم من المسلمين.

    تعقيب على تفسير بعض المعاجم للاستواء بالاستيلاء

    السؤال: جاء في بعض المعاجم: أن معنى الاستواء: الاستيلاء، هل يفهم من ذلك أن في لغة العرب استوى بمعنى: الاستيلاء، أم أن بعض مؤلفي المعاجم هم من الطوائف المنحرفة؟

    الجواب: الحقيقة هي ما نقله أبو المظفر السمعاني فيما سبق عن الخليل بن أحمد أنه لا يوجد الاستواء بمعنى: الاستيلاء، وقد ذكر بعض العلماء: أن الاستواء قد يوجد بمعنى الاستيلاء، لكن بشرط: أن يكون هناك مغالبة سابقة، فإذا وجد في كلام العرب، فمعنى هذا: أنه لا يصح أن يقال: إن استوى بمعنى استولى في كلام الله عز وجل.

    حكم إطلاق لفظ الجسم على الله عز وجل

    السؤال: ذكرتم أن الألفاظ التي يطلقها أهل البدع يجب أن نستفصل عنها؛ لكي لا نثبت باطلاً وننفي حقاً، ما الحق في لفظ الجسم؟

    الجواب: لم أفهم ماذا يقصد بالحق، فإذا كان الأخ يقصد الحق يعني: معناه في لغة العرب، فمعنى الجسم: البدن، ولا يصح أن يقال: الله جسم بهذا المعنى، وإذا كان الأخ يقصد: إذا قال الجهمية: هل تثبتون أن الله جسم؟ فما هو المعنى الحق الذي يمكن أن يرد علينا لو نفينا، فنقول: إنهم اصطلحوا في اسم الجسم على أنه الجسم الذي يقبل الانقسام والموصوف بالصفات، فقالوا: إن الله ليس بجسم، هكذا بإطلاق، وقالوا: إذاً: ما استوى على عرشه، وليس في السماء، وليست له يدان ولا وجه، وليس خالقاً ولا رازقاً إلا بمعنى المفعول وأنها لم تقم فيه، وهكذا من أنواع نفي الصفات الذي يقولونه.

    خطر المتصدرين للفتوى على الفضائيات بغير علم وواجب المسلم تجاههم

    السؤال: مما عمت به البلوى الشيوخ الذين يظهرون على القنوات الفضائية، وأخبرني زميل في العمل أن شيخاً من هؤلاء أفتى أن آدم عليه السلام لم يكن في الجنة، واستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وأن الجنة معناها: البستان أو المزرعة، واستدل بقصة أصحاب الجنة في سورة القلم وصاحب الجنة في سورة الكهف، والمشكلة والطامة الكبرى أن هذا الزميل مقتنع بهؤلاء المشايخ الذين يظهرون في القنوات الفضائية، وينظر إلى علمائنا بأنهم غير مثقفين في الدين، ولا يعرف أسماءهم، مع العلم بأن هذا الشخص من أبناء هذا البلد، فنرجو توضيح هذا القول؟

    الجواب: لا شك أن هذه الفتوى التي أفتى بها هذا الشيخ الفضائي باطلة وغير سليمة وغير صحيحة؛ لأن الجنة التي كان فيها آدم عليه السلام أول ما خلقه هي جنة عدن، والذين يقولون: إن الجنة التي كان فيها آدم ليست الجنة التي في السماء وإنما هي في الأرض هم المعتزلة؛ فإنهم لا يعتقدون أن الجنة موجودة الآن، ولا شك أن كلامهم باطل؛ فإن القرآن أثبت أن الجنة في السماء، وهناك عدة أدلة على هذا من خلال سياق قصة آدم، منها قول الله عز وجل: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة:38]، والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فلو كانت في الأرض لما قال: (اهبطوا) فالهبوط -كما قلت- يكون من أعلى إلى أسفل.

    قال عز وجل: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ [البقرة:38].. إلى آخر الآيات.

    وكذلك الله عز وجل يقول: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، فبين أنه كان يأكل منها رغداً حيث شاء.

    والجنة والنار مخلوقتان الآن، والدليل على أن النار مخلوقة: قول الله عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، فقوله: (أُعِدَّتْ) يعني: سابقاً.

    فهذا القول الذي يقوله هذا الشيخ قول باطل، وهم من مقالات المعتزلة الذين لا يثبتون أن الجنة موجودة الآن، ويقولون بأن الله عز وجل يخلقها بعد ذلك.

    والحقيقة أن مما ابتلي به الناس فعلاً بعض هؤلاء الذين يظهرون في القنوات الفضائية يفسدون على الناس دينهم، فبعضهم يفتي بجواز الفوائد الربوية ويقول: الرجل إذا وضع ماله في البنك وأخذ عليه فوائد فهذا مباح!

    وكل هذا من الظلم والباطل، والواجب ألا يقبل الإنسان من مثل هؤلاء، وأن ينصح المسلم إخوانه المسلمين في ألا يقبلوا من هؤلاء الذين يفتون بغير علم، والذين يتكلمون بالباطل.

    وهذا من جهة أخرى يدعونا إلى وجوب دعوة الناس إلى الله عز وجل، وإلى وجوب نقل فتاوى أهل العلم الموثوق بهم من علمائنا من أهل السنة وتوزيعها في كل مكان وتعريف الناس بدين الله عز وجل الصحيح المربوط بدليله من الكتاب والسنة.

    وكما تلاحظون أن هذا القنوات الفضائية تعمل بطريقتين لإفساد الخلق، فالشهوات طريقة؛ حيث يظهرون النساء كاسيات عاريات راقصات، ويظهرون الفساد بكل أنواعه وصوره، حتى أصبحت بعض القنوات الجنسية الأوروبية تبث ويلتقطها المسلم في بيته في أي مكان والعياذ بالله! وهذه من أعظم المصائب.

    وأيضاً أصبحوا يفسدون على الناس دينهم من جهة الشبهات؛ فبعض القنوات تظهر -مثلاً- مقابلات أو مناظرات بين أشخاص، ويطرحون مسائل عويصة وصعبة، ويتناقشون فيها وينظر فيها بعض المسلمين الذين حصيلتهم من علم الله عز وجل يسيرة وضعيفة ولا يعرفون أحكام الله عز وجل ولا يعرفون كثيراً منها، ولهذا قد تتلقف بعض النفوس بعض هذه العقائد، والهوى غلاب على النفوس والعياذ بالله! فيصبح هذا الإنسان من الضالين بهذا السبب، فالواجب يا إخوان:

    أولاً: تحذير الناس من مثل هؤلاء، وألا يقبلوا إلا من أهل العلم الشرعي من أهل السنة الذين تميزوا باتباع السنة وبربط المسائل بأدلتها الشرعية.

    ثانياً: تحذير الناس من الشهوات ومن الشبهات، وتوظيف فتاوى أهل العلم الموثوق بهم ونشرها على أعلى مستوى يمكن.

    الفرق بين ابن عربي وابن العربي

    السؤال: صاحب الشعر: إن قلت عبد فذاك رب.. هل هو ابن عربي أو ابن العربي ؟

    الجواب: ابن عربي هذا هو محمد بن عربي الطائي صوفي مشهور له كتاب اسمه (فصوص الحكم)، وله كتاب (الفتوحات المكية)، وله كتاب اسمه (الهو) يعني: الذكر بالاسم المضمر، وأما ابن العربي بالألف واللام المالكي فهو من أئمة المسلمين، له كتب كثيرة منها (العواصم من القواصم) وله (أحكام القرآن) ونحو ذلك.

    حكم من لم يكفر الكافر

    السؤال: ذكرت الأحباش وأنهم جهمية اليوم وهم يكفرون من يثبت صفة العلو لله سبحانه وتعالى فهل الأحباش كفار بذلك؟ وما صحة حديث: (من لم يكفر الكافر فهو كافر)؟

    الجواب: من لم يكفر الكافر فهو كافر ليس حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي قاعدة عند أهل العلم.

    والمقصود بقوله: من لم يكفر الكافر، يعني: الكافر الأصلي الواضح الكفر، فمثلاً: لو جاء شخص وقال: إن إماماً من أئمة الكفر وزعيماً من زعماء الكفر -مثل كلينتون - ليس بكافر، فإن هذا القائل تورط في الكفر في الحقيقة؛ لأن هذا الرجل لم يكفر الكافر الأصلي، فالذي لا يكفر الكافر الأصلي يدخل في هذا، لكن من يكون عنده شبهة أو نحو ذلك، لا يصح أن يقال: من لم يكفره فهو كافر.

    معنى الزندقة

    السؤال: ما معنى الزنادقة؟

    الجواب: الزنديق هو: المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو الذي يتلون، وقد يكون معنى الزنديق: الخارج عن السنة، ولهذا قال الإمام أحمد: (أهل الكلام زنادقة) يعني: من أهل البدع، فكلمة زنديق في حد ذاتها لا يلزم منها التكفير؛ لأنها قد تستخدم للخارج عن السنة، وقد تطلق على بعض أهل البدع، وإن كان أكثر شيء استخدم كلمة زنديق على المنافقين.

    استواء الله عز وجل على العرش بعد خلق السماوات والأرض

    السؤال: ذكرتم أن الله استوى على عرشه بعد خلق السماوات والأرض، فهل استوى قبل خلق السماوات والأرض على عرشه؟

    الجواب: لا، وإنما استوى بعد خلق السماوات والأرض؛ لأن الآية نص في الموضوع، قال عز وجل: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فقبله لم يرد أنه استوى على عرشه.

    وثم تدل على الترتيب والتراخي، لكن التراخي لا يدل على أنه قبل، أي: لا يلزم حصول الاستواء فيه، ثم إنه لا يلزم أيضاً نفي الاستواء قبل خلق السماوات والأرض، فقبل خلق السماوات والأرض لم يرد في النصوص الشرعية النفي ولا الإثبات، لكن الوارد في النصوص أن الاستواء الوارد في السبعة المواضع كان بعد خلق السماوات والأرض.

    حكم من أنكر صفة من صفات الله عز وجل

    السؤال: هل من أنكر صفة من صفات الله كفر، وإذا كان كافراً هل هو مخلد في النار كأي كافر؟

    الجواب: منكر الصفات إذا أنكرها عناداً واستكباراً فلا شك أنه كافر، وأن كفره كفر المخلد في النار يوم القيامة، فيكون مخلداً في النار يوم القيامة، ويكون له أحكام الكافرين في الدنيا، وأما إذا كان متأولاً وعنده شبهة فهذا لا يكفر؛ لأن المتأول لا يكفر حتى ترفع عنه الشبهة التي عنده، فمثل هؤلاء المتأولين لا يكفرون كما سبق، وإنما يكفر من أنكرها عناداً واستكباراً.

    حكم أخذ العلم وإفادته ممن عنده أخطاء في العقيدة من العلماء

    السؤال: هل يستفاد من علم وفتاوى بعض العلماء المعاصرين الذين ثبت أن عندهم أخطاء في العقيدة وغيرها؛ حيث سمعت أنه استفيد من علم بعض الأئمة السابقين كالإمام النووي وابن حجر رحمهم الله جميعاً؛ حيث كان عندهما لبس في معرفة مفهوم الاستواء والعلو؟

    الجواب: إذا كان أحد عنده أخطاء في العقيدة فهو على نوعين: إما أن يكون داعية لبدعته التي أخطأ فيها وباذلاً فيها ما يستطيع، فمثل هذا لا يؤخذ عنه العلم؛ لأنه داعية إلى بدعته، وإن كان غير داعية إلى بدعته وإنما وقعت عنده البدعة بسبب دراسته على بعض المبتدعة ونحو ذلك فهذا ينبه على بدعته، ويحذر منها، ويستفاد مما عنده من العلم في جوانب أخرى، لكن في جوانب العقائد لا ينبغي أن تؤخذ منه إلا لمتمكن بصير يعرف الحق من الباطل، أما طالب العلم المبتدئ فينبغي عليه أن يبتدئ بالكتب الواضحة في العقيدة الصحيحة للعلماء المتميزين في العقيدة الذين ليس عندهم أخطاء، فطالب العلم المبتدئ يأخذ كتب أهل العلم الذين ليس عندهم أخطاء في العقيدة وخاصة عند بداية طلبه للعلم، ثم بعد ذلك قد يحتاج وهو في الحديث أو في الفقه أو في السيرة النبوية أو في باب من الأبواب إلى كتب يدرسها، وقد يكون هناك كتب مؤلفة لبعض العلماء الذين عندهم أخطاء في العقيدة وليسوا دعاة إلى بدعتهم، كـابن حجر والنووي وغيرهما، فهؤلاء يستفاد منهم ومن علومهم في الحديث والفقه ونحو ذلك من الفوائد التي تكون عندهم.

    حكم تكفير الرازي والزمخشري وأمثالهما

    السؤال: هل هؤلاء كفار ويجوز لعنهم بأعيانهم: الرازي والزمخشري ؟

    الجواب: لا، ولا يصح التكفير هكذا بالإطلاق، وإنما الرازي أخطأ في العقيدة ووصل إلى درجة الفلاسفة، والزمخشري معتزلي، لكن ثبت أن الرازي تاب من هذه العقيدة التي كان فيها، وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توبته، ونقل عنه من كتاب أقسام الذات أنه كان يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ولم أجد ما يشفي إلا ما هو في القرآن؛ اقرأ في الإثبات قول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]... وساق أدلة على ذلك، وهذه تدل على توبته رحمه الله تعالى.

    أما الجعد بن درهم والجهم بن صفوان فقد كفرهم العلماء بأعيانهم؛ لظهور الكفريات في منهجهم.

    وأما عبد الله الحبشي مؤسس فرقة الأحباش فعنده عقائد الجهمية، لكن لا ينبغي أن يكفر الأشخاص بأسمائهم إلا إذا وجدت فيهم الشروط وانتفت عنهم الموانع، وأما إذا لم توجد الشروط فلا يصح أن يوزع التكفير على الناس هكذا.

    أما الروافض فلا شك أن عقائدهم الموجودة في كتبهم عقائد كفرية، وأن كتبهم التي يدرسونها تنضح بالكفر الذي هو استغاثة بغير الله عز وجل ودعاء غير الله عز وجل وطلب الشفاء ونحو ذلك، وبعض العقائد التي فيها نسبة الغيب للأئمة، وعقائد أخرى كثيرة تدل على كفرهم، لكن لا يصح أن يقال: إن عوام الرافضة كفار، وإنما يقال: إن عوام الرافضة بحسب ما قام في قلب الواحد منهم من العقائد، فإن اعتقد صحة هذه العقائد الموجودة في كتبهم فهو مثلهم من الكفار، وإن لم يعتقد صحة هذه العقائد وإنما كان عنده خطأ في بعض الأحكام الفقهية في الصلاة كالجمع بين الصلوات ونحو ذلك، أو كان عنده بعض الأخطاء في العقيدة فهذا يكون مبتدعاً لا يصل إلى درجة الكفر، إلا إذا آمن بالكفر، ولهذا تبعات الأعمال يوم القيامة تكون فردية، فالإنسان يُسأل عن عقيدته التي يعتقدها، أما الانتساب فقد ينتسب بعض الناس إلى جهة من الجهات وهو يخالفها، ففي بعض الأحيان قد ينتسب إلى عقيدة من العقائد وهو في الحقيقة ليست هذه عقيدته، لكن ينتسب إليها انتساباً، فأنتم تلاحظون أن الأشاعرة ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري ويخالفونه وينفون العلو وأبو الحسن يثبته، وينفون الاستواء وأبو الحسن يثبته، وينفون الوجه واليدين والعين وأبو الحسن يثبتها.. وهكذا، فليس بالانتساب حتى يقال: إن هؤلاء كفار.

    حكم الصلاة خلف من يعتقد أن الله في كل مكان

    السؤال: هل تجوز الصلاة خلف من يعتقد أن الله في كل مكان، علماً بأنه صوفي؟

    الجواب: إذا كان يعتقد أن الله في كل مكان وأنه على عقيدة ابن عربي فلا تجوز الصلاة خلفه؛ لأنها بدعة كفرية.

    صفة الاستواء بين كونها ذاتية أو فعلية

    السؤال: هل صفة الاستواء من الصفات الفعلية أو من الذاتية؟

    الجواب: من الصفات الفعلية؛ لأنه تعالى قال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].

    حكم من يرى أن الأطفال لا يدرسون الآيات التي فيها ترهيب

    السؤال: ما رأيكم في شخص يزعم أنه مسلم ويرى أن الأطفال من المفترض ألا يدرسوا الآيات التي فيها ترهيب نحو سورة المسد؟ وهل يعد هذا من الزنادقة؟

    الجواب: بعض الأحيان قد يكون الشخص جاهلاً وفيه حمق، فيظن أن هذه الآيات فيها تخويف للأطفال، فيقول: من الممكن أن ندرسهم هذه الآيات، لكن الآن وفي البداية لا ينبغي أن ندرسهم هذه الآيات، وكلامه ليس عن سوء قصد، لكن عن ضعف تفكير، فمثل هذا لا يلزم أن يكون زنديقاً، لكن بعضهم خبيث النية والطوية؛ وهو يريد أن يقول: لا تعلموا الأطفال القرآن، لكن لا يستطيع أن يقولها بهذا النص، فيقول -مثلاً-: لا تعلموهم: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:1-5]؛ لأنها صعبة ولا يفهمونها، ولا يعرفها الطفل المسكين، وهو يقصد لا تعلمون الأطفال القرآن؛ بغضاً لهذا الدين والعياذ بالله! فمثل هذا لا شك أنه من الزنادقة، ونعرفه بقول الله عز وجل: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]، أعوذ بالله!

    حكم الموالد وما يقال فيها من أشعار

    السؤال: وزع في أحد الموالد شريط لبعضهم، وكان فيه أبيات شعرية منها:

    لو أنفقت عمري في محبة الرسول كان ذلك أصل إكرامي وإسعادي

    فما رأيكم في هذا البيت؟

    الجواب: لا شك أن الموالد من البدع المحدثة في دين الله عز وجل، وأما هذا البيت ففيه شيء من الغلو، ومعناه العام فيما يظهر أنه لا إشكال فيه، لكن يوجد عندهم أبيات أخطر من هذا يرددونها في الموالد وفي كتبهم؛ يستغيثون فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه المدد!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756204519