إسلام ويب

سلسلة من أعلام السلف الإمام حماد بن سلمةللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حماد بن سلمة علم من أعلام السلف، وإمام من الأئمة الكرام، كان أكثر أتباع التابعين عبادة وشدة على البدع وأهلها، أثنى عليه العلماء، واتهموا من يطعن فيه، فرحمنا الله وإياه رحمة الأبرار.

    1.   

    بين يدي ترجمة حماد بن سلمة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فنحن هنا في سلسلة من أعلام السلف مع علم من الأعلام، وإمام من الأئمة الكرام، إنه أكبر الحمادين سناً وأكثرهم عبادة وشدة على أهل البدع، إنه إمام أهل البصرة حماد بن سلمة رحمه الله، كفاه شرفاً وفخراً قول ابن المبارك رحمه الله: دخلت البصرة فما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة . فرحمه الله وأعلى درجته وجمعنا به في دار كرامته، ولله الحمد والمنة على كل نعمة.

    1.   

    نسب حماد بن سلمة ومولده وصفته

    اسمه: حماد بن سلمة بن دينار، الإمام القدوة، شيخ الإسلام أبو سلمة البصري النحوي البزاز الخرقي البطائني مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حميد الطويل .

    مولده: قال أبو سلمة التبوذكي : مات حماد بن سلمة وقد أتى عليه ست وسبعون سنة. والمشهور أن وفاته سنة سبع وستين ومائة، فيكون ميلاده في إحدى وتسعين.

    صفته: قال البخاري : سمعت آدم بن أبي إياس يقول: شهدت حماد بن سلمة ودعوه - يعني: السلطان - فقال: أحمل لحية حمراء إلى هؤلاء؟ لا والله ما فعلت. فرفض أن يذهب إلى السلطان.

    1.   

    ثناء العلماء على حماد بن سلمة

    عن يحيى بن معين قال: حماد بن سلمة ثقة.

    وعن حجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد بن سلمة وكان من أئمة الدين.

    وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: حماد بن سلمة صحيح السماع حسن اللقي، أدرك الناس -أي: وجوه الناس أو العلماء- ولم يتهم بلون من الألوان -يعني: من البدع- ولم يتلبس بشيء، أحسن ملكة نفسه، ولسانه لم يطلقه على أحد، ولا ذكر خلقاً بسوء، فسلم حتى مات رحمه الله.

    وقال عبد الله بن المبارك : دخلت البصرة فما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة .

    وعن موسى بن إسماعيل قال: سمعت حماد بن زيد يقول: ما كنا نأتي أحداً نتعلم شيئاً بنية في ذلك الزمان إلا حماد بن سلمة . وكان معاصراً له، وإن كان حماد بن سلمة أكبر منه بعشر سنوات تقريباً، ولكنهما إماما أهل البصرة، وإن كان حماد بن زيد أثبت، وحماد بن زيد يشبه بالإمام مالك ، ولكن حماد بن سلمة لشدته على أهل البدع وعبادته وشبهه بالأولين ركزنا عليه في هذه الترجمة التربوية.

    وقال أحمد : أعلم الناس بـثابت البناني حماد بن سلمة، وهو أثبتهم في حميد الطويل . ولذلك فإن البخاري لم يرو عن حماد بن سلمة ، ولكن روى عنه الإمام مسلم، وركز على روايته عن ثابت البناني وحميد الطويل ؛ لأنه كان من أعلم الناس بحديثهما.

    قال الذهبي : كان بحراً من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى، وهو صدوق حجة، وليس هو في الإتقان كـحماد بن زيد ، وتحايد البخاري إخراج حديثه إلا حديثاً خرجه في الرقاق، فقال: قال لي أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي ، ولم ينحط حديثه عن رتبة الحسن.

    و مسلم روى له في الأصول، أي: الأحاديث التي ليس في سندها مقال فيصدرها، ثم بعد ذلك يذكر روايات للحديث قد يكون فيها عنعنة مدلس، أو فيها راو تكلم فيه، فهو مطمئن إلى صحة الحديث من الطرق السليمة التي أوردها في المقدمة وفي الأصول، ولا بأس بالمتابعات إذا كان فيها شيء من الضعف.

    ورد الحافظ ابن حبان على الإمام البخاري في تجنب حديثه، فقال في صحيحه: لم ينصف من جانب حديثه واحتج بـأبي بكر بن عياش ، وبـابن أخي الزهري وعبد الرحمن بن دينار ، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه -مثل الثوري وشعبة ودونهما- كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه فكذلك أبو بكر - يعني: ابن عياش - ولم يكن مثل حماد بالبصرة، ولم يكن يثلبه - أي: يطعن فيه - إلا معتزلي أو جهمي؛ لما كان يظهر من السنن الصحيحة، وهل يبلغ أبو بكر بن عياش مبلغ حماد بن سلمة في إتقانه أم في جمعه أم في علمه أم ضبطه؟

    وقال الذهبي : قال أحمد بن حنبل رحمه الله: إذا رأيت من يغمزه فاتهمه، فإنه كان شديداً على أهل البدع. وعلامة أهل البدع الطعن في علماء السنة، وخاصة الذين عرفوا بتحريهم للسنة، كالإمام أحمد وحماد بن سلمة وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة، قال الذهبي : إلا أنه لما طعن في السن ساء حفظه، فلذلك لم يحتج به البخاري .

    أما مسلم فاجتهد فيه، وأخرج من حديثه عن ثابت مما سمع منه قبل تغيره، ويقصد بالتغير قلة الحفظ لا الاختلاط، فقد ينزل من درجة الصحيح إلى الحسن، ولكن ليس معنى ذلك أن يترك حديثه في آخر عمره.

    فيقول: أخرج من حديثه عن ثابت. كما قالوا عن عبد الرزاق أيضاً: تغير بآخره، ولكن لا يقصدون بذلك أنه اختلط. وقالوا أيضاً في عروة بن الزبير : تغير بآخره، فليس المقصود أنه نزل عن رتبة الاحتجاج، ولكن المقصود: قل حفظه وضبطه.

    يقول: وأما عن غير ثابت فأخرج له نحو اثني عشر حديثاً في الشواهد دون الاحتجاج.

    أي: لم يخرج له في الأصول، وإنما في الشواهد أو المتابعات، فالاحتياط ألا يحتج به فيما يخالف الثقات، وهذا الحديث من جملتها.

    وقال عبد الله بن معاوية الجمحي : حدثنا الحمادان، وفضل ابن سلمة على ابن زيد كفضل الدينار على الدرهم. يعني: الذي اسم جده دينار أفضل من حماد بن زيد الذي اسم جده درهم ، وهذا من حيث العبادة أو الشدة على أهل البدع، وإلا من حيث الإتقان فـحماد بن زيد أتقن منه.

    قال الذهبي : هذا محمول على جلالته ودينه، وأما الإتقان فمسلم إلى ابن زيد ، هو نظير مالك في التثبت.

    1.   

    عبادة حماد بن سلمة رحمه الله

    قال أبو نعيم في ترجمته له: ومنهم المجتهد في العبادة المعدود في الإمامة: أبو سلمة حماد بن سلمة ، كان لخطير الأعمال مصطنعاً، وبيسير الأقوات مقتنعاً.

    وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: لو قيل لـحماد بن سلمة : إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً.

    وعن عفان بن مسلم قال: رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة ، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير وقراءة القرآن والعمل لله من حماد بن سلمة .

    وعن موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً لصدقت، كان منشغلاً، إما أن يحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك.

    وقال أحمد بن عبد الله العجلي : حدثني أبي قال: كان حماد بن سلمة لا يحدث حتى يقرأ مائة آية نظراً في المصحف.

    وعن حماد بن سلمة قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام فقال: لا تموتن حتى تقص -أي: يعظ الناس- أما إني قد قلت هذا لخالك - يعني: حميد الطويل - فما مات حماد حتى قص.

    قال أبو خالد : قلت لـحماد : أنت قصصت؟ قال: نعم. قال الذهبي : القاص هو الواعظ.

    1.   

    ورع حماد بن سلمة رحمه الله

    عن موسى بن إسماعيل قال: سمعت حماد بن سلمة يقول لرجل: إذا دعاك الأمير أن تقرأ عليه (قل هو الله أحد) فلا تأته. فقد كان حماد على مذهب سفيان الثوري في البعد عن أبواب الأمراء.

    وعن محمد بن الحجاج قال: كان رجل يسمع معنا عند حماد بن سلمة ، فركب إلى الصين، فلما رجع أهدى إلى حماد بن سلمة هدية، فقال له حماد : إني إن قبلتها لم أحدثك بحديث، وإن لم أقبلها حدثتك. قال: لا تقبلها وحدثني.

    وعن حماد بن سلمة قال: ما كان من شأني أن أحدث أبداً، حتى رأيت أيوب السختياني - في منامي فقال لي: حدث فإن الناس يقبلون.

    وقال سوار بن عبد الله العنبري : حدثني أبي قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه، فإذا ربح في حبة أو حبتين شد جونته ولم يبع شيئاً، فكنت أظن ذلك يقوته.

    فكان بعض السلف يفتح دكانه ويبيع حتى يأتي بقوت يومه، ثم يغلق دكانه ويعود إلى بيته للعبادة.

    1.   

    اتباع حماد بن سلمة للسنة واعتقاده معتقد أهلها

    عن أحمد بن حنبل قال: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديداً على المبتدعة.

    وتقدم قول ابن حبان : ولم يكن مثل حماد بالبصرة، ولم يكن يثلبه إلا معتزلي أو جهمي؛ لما كان يظهر من السنن الصحيحة.

    وقال حنبل بن إسحاق : قلت لـأبي عبد الله : وهيب وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ؟ قال: وهيب وهيب، كأنه يوثقه، وحماد بن سلمة لا أعلم أحداً أروى في الرد على أهل البدع منه، وحماد بن زيد حسبك به.

    وقال عبد الله بن المبارك : دخلت البصرة فما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة .

    وروى عبد العزيز بن المغيرة عن حماد بن سلمة : أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل فقال: من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه.

    1.   

    شيوخ حماد بن سلمة وتلامذته رحمه الله

    1.   

    درر من أقوال حماد بن سلمة

    قال إسحاق بن الطباع : سمعت حماد بن سلمة يقول: من طلب الحديث لغير الله تعالى مكر به. يعني: إذا لم تكن نيته خالصة مكر به، وإن كان بعضهم قال: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على طلب الدين، يعني: قد تكون نية طالب العلم في البداية ليست صحيحة، ولكن العلم يهذبه ويوجهه الوجهة الصحيحة.

    وعن محمد بن إسماعيل البخاري قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري ، فقال سفيان: يا أبا سلمة ! أترى الله يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي.

    وعن أبي سلمة المنقري قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: إن الرجل ليثقل حتى يخف.

    1.   

    وفاته رحمه الله

    قال أبو الحسن المدائني : مات حماد بن سلمة يوم الثلاثاء في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة.

    إذاً: ولد سنة إحدى وتسعين، ومات سنة سبع وستين ومائة، وصلى عليه إسحاق بن سليمان . وقال يونس بن محمد المؤذن : مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.

    وهكذا فإن الإنسان غالباً يموت على ما عاش عليه، إن كان مشغولاً بالدعوة أو بالعبادة أو بالخير فغالباً يموت على ذلك، نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755958493